«الإخبار عن القبلة»
22 - ذهب الفقهاء إلى أنّه إذا لم يكن ثمّة محاريب منصوبةً في الحضر ، فيسأل من يعلم بالقبلة ممّن تقبل شهادته من أهل ذلك المكان ممّن يكون بحضرته.
أمّا غير مقبول الشّهادة ، كالكافر والفاسق والصّبيّ فلا يعتدّ بإخباره فيما هو من أمور الدّيانات ما لم يغلب على الظّنّ صدقه.
وأمّا إذا لم يكن من أهل ذلك المكان فلأنّه يخبر عن اجتهادٍ ، فلا يترك اجتهاده باجتهاد غيره.
وأمّا إذا لم يكن بحضرته من أهل المسجد أحدٌ فإنّه يتحرّى ولا يجب عليه قرع الأبواب.
وأمّا في المفازة فالدّليل عليها النّجوم كالقطب ، وإلاّ فمن أهلها العالم بها ممّن لو صاح به سمعه ، والاستدلال بالنّجوم في المفازة مقدّمٌ على السّؤال ، والسّؤال مقدّمٌ على التّحرّي.
«اختلاف المخبرين»
23 - صرّح الشّافعيّة عند اختلاف اثنين في الإخبار عن القبلة : أنّه يتخيّر فيأخذ بقول أحدهما ، وقيل : يتساقطان ويجتهد لنفسه ، ولا يأخذ بقول أحدهما إلاّ عند العجز عن الاجتهاد ، وفي هذه الحالة اضطرّ للأخذ بقول أحدهما ، أمّا في غير هذه الحالة فالمخبران اختلفا في علامةٍ واحدةٍ لعارضٍ فيها وهو موجبٌ للتّساقط.
وما صرّحوا به لا تأباه قواعد المذاهب الأخرى.
«أدلّة القبلة»
24 - سبق ما يتّصل بالاستدلال على القبلة بالمحاريب ، فإن لم توجد فهناك علاماتٌ يمكن الاعتماد عليها عند أهل الخبرة بها ، منها :
«أ- النّجوم»
وأهمّها القطب ، لأنّه نجمٌ ثابتٌ ويمكن به معرفة الجهات الأربع ، وبذلك يمكن معرفة القبلة ولو على سبيل التّقريب.
وتختلف قبلة البلاد بالنّسبة إليه اختلافاً كبيراً.
«ب- الشّمس والقمر»
يمكن التّعرّف بمنازل الشّمس والقمر على الجهات الأربع ، وذلك في أيّام الاعتدالين « الرّبيعيّ والخريفيّ » بالنّسبة للشّمس ، واستكمال البدر فيه بالنّسبة للقمر.
وفي غير الاعتدالين ينظر إلى اتّجاه تلك المنازل ، وهو معروفٌ لأهل الخبرة فيرجع إليهم فيه ، وفي كتب الفقه تفاصيل عن ذلك.
ويتّبع ذلك الاستدلال بمطالع الشّمس والقمر ومغاربهما.
«ج- الإبرة المغناطيسيّة :
من الاستقراء المفيد لليقين تبيّن أنّها تحدّد جهة الشّمال تقريباً ، وبذلك تعرف الجهات الأربع وتحدّد القبلة.
» ترتيب أدلّة القبلة «
25 - ذكر الحنفيّة أنّ الدّليل على القبلة في المفاوز والبحار النّجوم كالقطب ، فإن لم يمكن لوجود غيمٍ أو لعدم معرفته بها فعليه أن يسأل عالماً بها ، فإن لم يكن من يسأله أو لم يخبره المسئول عنها فيتحرّى.
وذكر الشّافعيّة أنّه لو تعارضت الأدلّة على القبلة فينبغي تقديم خبر جمعٍ بلغ عددهم حدّ التّواتر ، لإفادته اليقين ، ثمّ الإخبار عن علمٍ برؤية الكعبة ، ثمّ رؤية المحاريب المعتمدة ، ثمّ رؤية القطب.
وأمّا بيت الإبرة فقد صرّح الشّافعيّة بأنّ المجتهد مخيّرٌ بينها وبين الاجتهاد.
وأمّا الحنابلة فإنّهم قالوا : إنّ خبر المخبر عن يقينٍ مقدّمٌ على الاجتهاد.
» تعلّم أدلّة القبلة «
26 - تعلّم العلامات الّتي تعرف بها القبلة مطلوبٌ شرعاً ، وقد صرّح الشّافعيّة في الأصحّ عندهم بأنّ هذا واجبٌ على سبيل الكفاية.
وقد يصبح تعلّم هذه العلامات واجباً عينيّاً ، كمن سافر سفراً يجهل معه اتّجاه القبلة ، ويقلّ فيها العارفون بها ، وكانت عنده قدرةٌ على تعلّم هذه العلامات ، وكلّ ذلك تحقيقاً لإصابة القبلة.
وهل يجوز تعلّمها من كافرٍ ؟ قواعد الشّريعة لا تمنع ذلك.
لأنّه لا يعتمد عليه في اتّجاه القبلة ، وإنّما في معرفة العلامات الّتي لا يختلف فيها الكافر عن المسلم ، وذلك كتعلّم سائر العلوم.
» الاجتهاد في القبلة «
27 - اتّفقت المذاهب الأربعة على وجوب الاجتهاد في القبلة في الجملة.
قال الشّافعيّة والحنابلة : إن فقد المصلّي ما ذكر من الرّؤية والمحاريب والمخبر وأمكنه الاجتهاد ، بأن كان بصيراً يعرف أدلّة القبلة وجب عليه الاجتهاد وإن كان جاهلاً بأحكام الشّرع ، إذ كلّ من علم أدلّة شيءٍ كان مجتهداً فيه ، ولأنّ ما وجب عليه اتّباعه عند وجوده وجب الاستدلال عليه عند خفائه ، وذكروا أيضاً أنّ من وجب عليه الاجتهاد حرم عليه التّقليد ، لأنّه يتمكّن من استقبالها بدليله.
وقالوا : أنّه إذا ضاق عليه الوقت عن الاجتهاد صلّى حسب حاله ولا يقلّد ، كالحاكم لا يسعه تقليد غيره ، ولكنّه يعيد الصّلاة.
وصرّح ابن قدامة بأنّ شرط الاجتهاد لا يسقط بضيق الوقت مع إمكانه.
» الشّكّ في الاجتهاد وتغيّره «
28 - ذهب الشّافعيّة والحنابلة إلى أنّه إذا تغيّر اجتهاد المجتهد عمل بالاجتهاد الثّاني حتماً ، إن ترجّح على الأوّل ، وعمل بالأوّل إن ترجّح على الثّاني.
وقال الحنابلة : وإن شكّ في اجتهاده لم يزل عن جهته ، لأنّ الاجتهاد ظاهرٌ فلا يزول عنه بالشّكّ.
ولا يعيد ما صلّى بالاجتهاد الأوّل ، كالحاكم لو تغيّر اجتهاده في الحادثة الثّانية عمل فيها بالاجتهاد الثّاني ، ولم ينقض حكمه الأوّل بغير خلافٍ ، لأنّ الاجتهاد لا ينقض بالاجتهاد.
وذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ المصلّي بالاجتهاد في القبلة إذا تحوّل رأيه استدار وبنى على ما مضى من صلاته.
ولا فرق بين تغيّر اجتهاده في أثناء الصّلاة وبعدها ، فإن كان فيها استدار وبنى على ما مضى من صلاته ، حتّى إنّه لو صلّى أربع ركعاتٍ لأربع جهاتٍ بالاجتهاد جاز ، لأنّه مجتهدٌ أدّاه اجتهاده إلى جهةٍ ، فلم تجز له الصّلاة إلى غيرها ، كما لو أراد صلاةً أخرى ، وليس فيه نقضٌ لاجتهاده ، لأنّا لم نلزمه إعادة ما مضى ، وإنّما نلزمه العمل به في المستقبل.
أمّا عند المالكيّة فإن تبيّن لمن صلّى بالاجتهاد خطأ اجتهاده في الصّلاة يقيناً أو ظنّاً وهو في الصّلاة قطعها وجوباً.
أمّا بعد إتمام الصّلاة فإنّه يعيدها ندباً لا وجوباً.
قياساً على القاضي إذا تبيّن له خطأ الدّليل قبل بتّ الحكم ، فإنّه لا يجوز له الحكم باجتهاده الأوّل ، وإن حكم به نقض.
أمّا إن شكّ وهو في الصّلاة فإنّه يتمّ صلاته على اجتهاده الأوّل.
» الاختلاف في الاجتهاد في القبلة «
29 - ذهب الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة إلى أنّه إذا اختلف اجتهاد مجتهدين لم يتّبع أحدهما صاحبه ولا يؤمّه ، لأنّ كلّ واحدٍ منهما يعتقد خطأ الآخر فلم يجز الائتمام.
وعند ابن قدامة أنّ قياس المذهب جواز ذلك.
وهو مذهب أبي ثورٍ ، ذلك أنّ كلّ واحدٍ منهما يعتقد صحّة صلاة الآخر ، وأنّ فرضه التّوجّه إلى ما توجّه إليه ، فلم يمنع اختلاف الجهة الاقتداء به ، كالمصلّين حول الكعبة.
ولو اتّفقا في الجهة واختلفا في الانحراف يميناً أو شمالاً فالمذهب صحّة الائتمام بلا خلافٍ لاتّفاقهما في الجهة ، وهي كافيةٌ في الاستقبال.
وقال الشّافعيّة : لو اجتهد اثنان في القبلة ، واتّفق اجتهادهما ، فاقتدى أحدهما بالآخر ، ثمّ تغيّر اجتهاد واحدٍ منهما لزمه الانحراف إلى الجهة الثّانية ، وينوي المأموم المفارقة وإن اختلفا تيامناً وتياسراً ، وذلك عذرٌ في المفارقة فلا تفوته فضيلة الجماعة ، ومحلّ ذلك حيث علم المأموم بانحراف إمامه ، فإن لم يعلم به إلاّ بعد السّلام فالأقرب وجوب الإعادة.
وقال الحنفيّة : لو سلّم الإمام فتحوّل رأي مسبوقٍ ولاحقٍ استدار المسبوق ، لأنّه منفردٌ فيما يقضيه ، واستأنف اللاّحق ، لأنّه مقتدٍ فيما يقضيه.
والمقتدي إذا ظهر له وراء الإمام أنّ القبلة غير الجهة الّتي يصلّي إليها الإمام لا يمكنه إصلاح صلاته ، لأنّه إن استدار خالف إمامه في الجهة قصداً وهو مفسدٌ ، وإلاّ كان متمّاً صلاته إلى ما هو غير القبلة عنده وهو مفسدٌ أيضاً.
» خفاء القبلة على المجتهد «
30 - خفاء القبلة على المجتهد إمّا أن يكون قبل الصّلاة أو في أثنائها ، وإمّا أن يكون قبل التّحرّي أو بعده ، وسنتناول بالبحث كلاًّ على حدةٍ.
» خفاء القبلة قبل الصّلاة والتّحرّي «
31 - ذكر الحنفيّة ، والمالكيّة ، والحنابلة أنّ من عجز عن معرفة القبلة بالاستدلال ، وخفيت عليه الأدلّة لفقدها أو لغيمٍ أو حبسٍ أو التباسٍ مع ظهورها ، حيث تعارضت عنده الأمارات ، فإنّه يتحرّى ويصلّي ، وتصحّ صلاته عندئذٍ ، لأنّه بذل وسعه في معرفة الحقّ مع علمه بأدلّته ، أشبه الحاكم إذا خفيت عليه النّصوص ، وقد روى عبد اللّه بن عامر بن ربيعة عن أبيه قال : " كنّا مع النّبيّ صلى الله عليه وسلم في سفرٍ في ليلةٍ مظلمةٍ ، فلم ندر أين القبلة ، فصلّى كلّ رجلٍ منّا حياله ، فلمّا أصبحنا ذكرنا ذلك للنّبيّ صلى الله عليه وسلم فنزل : {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} " وعرّف الحنفيّة التّحرّي بأنّه بذل الجهود لنيل المقصود.
وأفاد ابن عابدين بأنّ قبلة التّحرّي مبنيّةٌ على مجرّد شهادة القلب من غير أمارةٍ ، وعبّر المالكيّة بأنّه يتخيّر جهةً من الجهات الأربع يصلّي إليها صلاةً واحدةً ، ولا إعادة لسقوط الطّلب عنه ، وهذا ما رجّحه ابن عابدين من الحنفيّة على قول بعضهم بتكرار الصّلاة إلى الجهات الأربع في حالة التّحرّي وعدم الرّكون إلى جهةٍ.
وذهب الشّافعيّة إلى أنّه يصلّي كيف كان لحرمة الوقت ، ويقضي لندرته.
» ترك التّحرّي «
32 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ العاجز عن معرفة القبلة بالأدلّة لا يجوز أن يشرع في الصّلاة دون أن يتحرّى وإن أصاب ، لتركه فرض التّحرّي ، إلاّ أنّه لا يعيد إن علم إصابته بعد فراغه اتّفاقاً عند الحنفيّة ، بخلافٍ إذا علم الإصابة قبل التّمام ، فإنّ صلاته تبطل لأنّه بني قويّاً على ضعيفٍ خلافاً لأبي يوسف.
وعند المالكيّة أنّ المجتهد الّذي تخفى عليه أدلّة القبلة يتخيّر جهةً من الجهات الأربع ، ويصلّي إليها ويسقط عنه الطّلب لعجزه ،
وقال الشّافعيّة والحنابلة : يعيد من صلّى بلا تحرٍّ أو تعذّر عليه التّحرّي ، سواءٌ ظهر له الصّواب أثناء الصّلاة أو بعدها.
» ظهور الصّواب للمتحرّي «
33 - ذكر الحنفيّة أنّ المتحرّي إن ظهر صوابه في أثناء الصّلاة فالصّحيح أنّها لا تفسد ، وعند بقيّة المذاهب لا خلاف في صحّتها.
وعبارة البحر الرّائق : والصّحيح كما في المبسوط والخانيّة أنّه لا يلزمه استئناف الصّلاة ، لأنّ صلاته كانت جائزةً ما لم يظهر الخطأ ،
فإذا تبيّن أنّه أصاب لا يتغيّر حاله.
وقيل : تفسد ، لأنّ افتتاح الصّلاة كان ضعيفاً ، وقد قوي حاله بظهور الصّواب ، ولا يبنى القويّ على الضّعيف.
» التّقليد في القبلة «
34 - ذكر الحنفيّة ، والمالكيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة أنّه لا يقلّد المجتهد مجتهداً غيره ، لأنّ القدرة على الاجتهاد تمنع من التّقليد.
ومن علم أدلّة القبلة لا يجوز له أن يقلّد غيره مطلقاً ، وأمّا غير المجتهد فعليه أن يقلّد المجتهد ، لقوله تعالى : {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون}.
وإذا كان هناك أكثر من مجتهدٍ فالمقلّد له أن يختار أحدهم ، والأولى أن يختار من يثق به أكثر من غيره.
» ترك التّقليد «
35 - ليس لمن فرضه التّقليد ووجد من يقلّده أن يستقبل بمجرّد ميل نفسه إلى جهة ، فقد ذكر الحنفيّة ، والمالكيّة : أنّه إن ترك التّقليد واختار له جهةً تركن لها نفسه وصلّى لها كانت صلاته صحيحةً إن لم يتبيّن خطؤه ، وزاد المالكيّة : فإن تبيّن الخطأ في الصّلاة قطعها حيث كان كثيراً ، وإن تبيّن بعدها فقولان بالإعادة أبداً أو في الوقت ، كما سيأتي في ' تبيّن الخطأ في الصّلاة '.
وذهب الشّافعيّة والحنابلة أنّه تلزمه الإعادة مطلقاً وإن صادف القبلة.
» استقبال الأعمى ومن في ظلمةٍ للقبلة «
36 - ذهب الحنفيّة ، والشّافعيّة ، والحنابلة إلى أنّ الأعمى عليه أن يسأل عن القبلة ، لأنّ معظم الأدلّة تتعلّق بالمشاهدة.
قال الحنفيّة : فإن لم يجد من يسأله عنها تحرّى ، وكذا لو سأله عنها فلم يخبره ، حتّى إنّه لو أخبره بعدما صلّى لا يعيد.
ولو لم يسأله وتحرّى : إن أصاب جاز وإلاّ لا.
ولو شرع في الصّلاة إلى غير القبلة فسوّاه رجلٌ إليها ، فإن كان وجد الأعمى وقت الشّروع من يسأله رجلٌ إليها ، فإن كان وجد الأعمى وقت الشّروع من يسأله عنها فلم يسأله لم تجز صلاته ، وإلاّ بنى على ما مضى منها ، ولا يجوز لهذا الرّجل الاقتداء به.
وذكر المالكيّة أنّه لا يجوز له تقليد المجتهد بل عليه أن يسأل عن الأدلّة عدلاً في الرّواية ليهتدي بها إلى القبلة.
» تبيّن الخطأ في القبلة «
37 - أطلق الحنفيّة القول بأنّ المصلّي الّذي لم يشكّ في القبلة ولم يتحرّ إذا ظهر له خطؤه في القبلة وهو في الصّلاة فسدت صلاته ، بخلاف من خفيت عليه القبلة فشكّ فيها وتحرّى ، ثمّ ظهر له خطؤه وهو في الصّلاة استدار إلى الجهة الّتي انتهى إليها تحرّيه ، أمّا إذا ظهر له خطؤه بعد انتهاء الصّلاة فإنّ صلاته صحيحةٌ.
وذهب الحنفيّة والمالكيّة إلى وجوب الإعادة على المجتهد والمقلّد إذا كانت علامات القبلة ظاهرةً ثمّ تبيّن الخطأ فيها ، لأنّه لا عذر لأحدٍ في الجهل بالأدلّة الظّاهرة.
أمّا دقائق علم الهيئة وصور النّجوم الثّوابت فهو معذورٌ في الجهل بها فلا إعادة عليه.
ولم يفرّق الحنابلة والشّافعيّة في مقابل الأظهر عندهم بين ما إذا كانت الأدلّة ظاهرةً فاشتبهت عليه أو خفيت ، وبين ما إذا كانت أدلّةٌ خفيّةٌ ، لأنّه أتى بما أمر في الحالين وعجز عن استقبال القبلة في الموضعين فاستويا في عدم الإعادة.
أمّا في القول الأظهر للشّافعيّة فتلزمه الإعادة لأنّه أخطأ في شرطٍ من شروط الصّلاة.
» العجز عن استقبال القبلة في الصّلاة «
38 - ذهب الأئمّة الأربعة إلى أنّ من به عذرٌ حسّيٌّ يمنعه من الاستقبال كالمريض ، والمربوط يصلّي على حسب حاله ، ولو إلى غير القبلة ، لأنّ الاستقبال شرطٌ لصحّة الصّلاة وقد عجز عنه فأشبه القيام.
واشترط الشّافعيّة ، والصّاحبان من الحنفيّة لسقوط القبلة عنه أن يعجز أيضاً عمّن يوجّهه ولو بأجر المثل ، كما استظهره.
الشّيخ إسماعيل النّابلسيّ وابن عابدين.
وبالنّسبة لإعادة الصّلاة فإنّ في ذلك خلافاً تفصيله في مباحث الصّلاة.
وأمّا أبو حنيفة فذهب إلى أنّه لا يشترط ذلك ، لأنّ القادر بقدرة غيره عاجزٌ.
وبقولهما جزم في المنية والمنح والدّرّ والفتح بلا حكاية خلافٍ.
ولو وجد أجيراً بأجرة مثله فينبغي أن يلزمه استئجاره إذا كانت الأجرة دون نصف درهمٍ ، والظّاهر أنّ المراد به أجرة المثل كما فسّروه في التّيمّم.
أمّا من به عذرٌ شرعيٌّ يمنعه من الاستقبال فقد تعرّض الفقهاء للصّور الآتية منه وهي : الخوف على النّفس ، وذكره الحنفيّة والمالكيّة والشّافعيّة والحنابلة ، وذلك كالخوف من سبعٍ وعدوٍّ ، فله حينئذٍ أن يتوجّه إلى جهةٍ قدر عليها ، ومثله الهارب من العدوّ راكباً يصلّي على دابّته.
وذكر الحنفيّة من صور العذر : الخوف من الانقطاع عن رفقته ، لما في ذلك من الضّرر.
وذكر الشّافعيّة من ذلك : الاستيحاش وإن لم يتضرّر بانقطاعه عن رفقته.
وذكر الحنفيّة والمالكيّة من الأعذار : الخوف من أن تتلوّث ثيابه بالطّين ونحوه لو نزل عن دابّته.
واشترط الحنفيّة عجزه عن النّزول ، فإن قدر عليه نزل وصلّى واقفاً بالإيماء ، وإن قدر على القعود دون السّجود أومأ قاعداً.
وعدّ الحنفيّة والشّافعيّة من الأعذار : ما لو خاف على ماله - ملكاً أو أمانةً - لو نزل عن دابّته.
وذكر الحنفيّة والشّافعيّة من الأعذار : العجز عن الرّكوب فيمن احتاج في ركوبه بعد نزوله للصّلاة إلى معينٍ ولا يجده ، كأن كانت الدّابّة جموحاً ، أو كان هو ضعيفاً فله ألاّ ينزل.
ومن الأعذار : الخوف وقت التحام القتال ، فقد اتّفقت المذاهب الأربعة على أن يسقط شرط الاستقبال في حال المسايفة وقت التحام الصّفوف في شدّة الخوف إذا عجز المصلّي عنه.
ولمعرفة ماهيّة هذا القتال ، وما يلحق به ، ووقت صلاته ، وإعادتها حين الأمن ، وبقيّة أحكامها ' ر : صلاة الخوف '.
» استقبال المتنفّل على الرّاحلة في السّفر «
39 - اتّفق الفقهاء على جواز التّنفّل على الرّاحلة في السّفر لجهة سفره ولو لغير القبلة ولو بلا عذرٍ ، لأنّه صلى الله عليه وسلم : " كان يصلّي على راحلته في السّفر حيثما توجّهت به " وفسّر قوله تعالى : {فأينما تولّوا فثمّ وجه اللّه} بالتّوجّه في نفل السّفر.
وفي الشّروط المجوّزة لذلك خلافٌ فصّله الفقهاء في مبحث صلاة المسافر ، والصّلاة على الرّاحلة.
» استقبال المتنفّل ماشياً في السّفر «
40 - مذهب أبي حنيفة ، ومالكٍ ، وإحدى الرّوايتين عن أحمد ، وهو كلام الخرقيّ من الحنابلة : أنّه لا يباح للمسافر الماشي الصّلاة في حال مشيه ، لأنّ النّصّ إنّما ورد في الرّاكب ، فلا يصحّ قياس الماشي عليه ، لأنّه يحتاج إلى عملٍ كثيرٍ ، ومشيٌ متتابعٌ ينافي الصّلاة فلم يصحّ الإلحاق.
ومذهب عطاءٍ ، والشّافعيّ ، وهو ثانية الرّوايتين عن أحمد اختارها القاضي من الحنابلة : أنّ له أن يصلّي ماشياً قياساً على الرّاكب ، لأنّ المشي إحدى حالتي سير المسافر ، ولأنّهما استويا في صلاة الخوف فكذا في النّافلة.
والمعنى فيه أنّ النّاس محتاجون إلى الأسفار ، فلو شرطا فيها الاستقبال للتّنفّل لأدّى إلى ترك أورادهم أو مصالح معايشهم.
ومذهب الحنابلة ، والأصحّ عند الشّافعيّة : أنّ عليه أن يستقبل القبلة لافتتاح الصّلاة ، ثمّ ينحرف إلى جهة سيره ، قال الشّافعيّة : ولا يلزمه الاستقبال في السّلام على القولين.
» استقبال المفترض على السّفينة ونحوها «
41 - اتّفقت المذاهب الأربعة على وجوب استقبال المفترض على السّفينة في جميع أجزاء صلاته ، وذلك لتيسّر الاستقبال عليه.
ونصّ الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة على أنّه يدور معها إذا دارت.
وتفصيل ذلك في مصطلح : ' الصّلاة في السّفينة '.
» استقبال القبلة في غير الصّلاة «
42 - قرّر الفقهاء أنّ جهة القبلة هي أشرف الجهات ، ولذا يستحبّ المحافظة عليها حين الجلوس ، لقوله صلى الله عليه وسلم : " إنّ سيّد المجالس ما استقبل القبلة ".
قال صاحب الفروع : ويتّجه في كلّ طاعةٍ إلاّ لدليلٍ.
وقد يكون المراد من التّوجّه إليها تغليط الأمر وإلقاء الرّهبة في قلب من طلب منه التّوجّه إليها ، كما في تغليظ القاضي اليمين على حالفها بذلك ' ر : إثباتٌ ف 26 '.
على أنّه قد يعرض للإنسان أحوالٌ ترفع هذا الاستحباب ، بل قد يكون استقبالها حراماً أو مكروهاً ' ر : قضاء الحاجة.
استنجاءٌ '.
والجمهور على أنّ زائر قبر النّبيّ صلى الله عليه وسلم يستدبر القبلة ويستقبل القبر الشّريف.
» استقبال غير القبلة في الصّلاة «
43 - الأصل في استقبال المصلّي للأشياء الإباحة ، ما دام متوجّهاً إلى جهة القبلة ، لكن هناك أشياء معيّنةٌ نهي المصلّي عن أن يجعلها أمامه لاعتباراتٍ خاصّةٍ فيها ، كأن يكون في وجودها أمامه تشبّهٌ بالمشركين ، كما في الصّنم والنّار والقبر ، أو لكونها قذرةً أو نجسةً يصان وجه المصلّي ونظره عنها ، كما في الصّلاة إلى الحشّ والمجزرة ، أو قد يكون أمامه ما يشوّش عليه فكره كما في الصّلاة إلى الطّريق.
وقد تناولها الفقهاء بالبحث في الكلام على مكروهات الصّلاة.
وقد يكون ذلك الشّيء الّذي أمام المصلّي أمراً مرغوباً فيه ، لكونه علامةً على موضع سجوده لمنع المارّين من المرور فيما بينه وبينه ، كما في الصّلاة إلى السّترة.
وقد بحثها الفقهاء ضمن سنن الصّلاة.
» استقبال غير القبلة في غير الصّلاةaa
44 - الأصل في توجّه الإنسان إلى الأشياء في غير الصّلاة الإباحة أيضاً ، ولكن قد يطلب التّوجّه إلى المواطن الشّريفة في الأحوال الشّريفة طلباً لخيرها وفضلها ، كاستقبال السّماء بالبصر وببطون الكفّين في الدّعاء.
كما يطلب عدم التّوجّه إليها في الأحوال الخسيسة ، كاستقبال قاضي الحاجة بيت المقدس أو المصحف الشّريف « ر : قضاء الحاجة » .
وقد يطلب تجنّب استقبالها صيانةً له عنها لنجاستها أو حفظاً لبصره عن النّظر إليها ، كاستقبال قاضي الحاجة مهبّ الرّيح ، واستقبال المستأذن للدّخول باب المكان الّذي يريد الدّخول إليه.
وقد يطلب الاستقبال حفاظاً على الآداب ومكارم الأخلاق وتوفيراً لحسن الإصغاء ، كما في استقبال الخطيب للقوم واستقبالهم له ، واستقبال الإمام النّاس بعد الصّلاة المكتوبة.
وكما في استقبال الضّيوف والمسافرين إبقاءً على الرّوابط الاجتماعيّة متينةً.
ومن هذه الطّاعات : الوضوء ، والتّيمّم ، والأذان والإقامة ، ومنه الدّعاء بعد الوضوء ، والدّعاء في الاستسقاء ، والذّكر ، وقراءة القرآن ، وانتظار الصّلاة في المسجد ، والحجّ في مواطن كثيرةٍ ، تعلم بتتبّع كتاب الحجّ كالإهلال ، وشرب ماء زمزم ، وتوجيه الهدي حين الذّبح للقبلة ، وقضاء القاضي بين الخصوم ، كما هو مبيّنٌ في مواضعها.
كما يستحبّ استقبال القبلة في مواطن خاصّةٍ طلباً لبركتها وكمال العمل باستقبالها ، كما في توجيهٍ المحتضر إليها ، وكذا الميّت في قبره عند الدّفن « ر : كتاب الجنائز » ، ومثله من أراد أن ينام ، أو أراد أن يذبح ذبيحةً فيسنّ له أن يستقبل بها القبلة.
حكمها
1 - الاستقبال في اللّغة : مصدر استقبل الشّيء إذا واجهه ، والسّين والتّاء فيه ليستا للطّلب ، فاستفعل هنا بمعنى فعل ، كاستمرّ واستقرّ ومثله المقابلة.
ويقابله بهذا المعنى الاستدبار.
ويرد الاستقبال في اللّغة أيضاً بمعنى : الاستئناف ، يقال اقتبل الأمر واستقبله : إذا استأنفه.
وقد استعمله الفقهاء بهذين الإطلاقين فيقولون : استقبال القبلة أي مقابلتها ويقولون : استقبل حول الزّكاة أي : ابتدأه واستأنفه.
وزاد الشّافعيّة إطلاقه على طلب القبول الّذي يقابل الإيجاب في العقود ، فقالوا : يصحّ البيع بالاستقبال ، ومثّلوا له بنحو : اشتر منّي ، فإنّه استقبالٌ قائمٌ مقام الإيجاب ، ومثل البيع الرّهن ، فيصحّ بنحو : ارتهن داري بكذا.
«أ- الاستئناف»
2 - الاستئناف : ابتداء الأمر ، وعليه فهو مرادفٌ للاستقبال في أحد إطلاقاته.
«ب- المسامتة»
3 - المسامتة بمعنى : المقابلة والموازاة ، وهي مرادفةٌ للاستقبال عند الّذين فسّروا الاستقبال بمعنى التّوجّه إلى الشّيء بعينه بلا انحرافٍ يمنةً ولا يسرةً.
وأمّا الّذين لم يشترطوا في الاستقبال هذا الشّرط كالمالكيّة فإنّهم فرّقوا بينهما ، فخصّوا المسامتة باستقبال عين الشّيء تماماً بجميع البدن ، وجعلوا الاستقبال أعمّ من ذلك ، لصدقه بخروج شيءٍ من البدن عن محاذاة العين.
«ج- المحاذاة»
4 - المحاذاة بمعنى : الموازاة.
وما قيل في المسامتة يقال هنا أيضاً.
«د- الالتفات»
5 - الالتفات صرف الوجه ذات اليمين أو الشّمال.
وقد يراد به الانحراف بالوجه والصّدر أيضاً كما ورد في مسند الإمام أحمد : « فجعلت تلتفت خلفها » ومعلومٌ أنّ التّحوّل إلى خلفٍ لا يكون إلاّ بالوجه والصّدر.
6 - هذا والاستقبال عند الفقهاء قد يكون إلى القبلة ، وقد يكون إلى غير القبلة.
واستقبال القبلة قد يكون في الصّلاة ، وقد يكون في غيرها وسيأتي بيان هذه الأقسام واحداً بعد الآخر.
«استقبال القبلة في الصّلاة»
7 - المراد بالقبلة موضع الكعبة ، لأنّه لو نقل بناؤها إلى موضعٍ آخر وصلّي إليه لم يجز.
وسمّيت بذلك لأنّ النّاس يقابلونها في صلاتهم.
وما فوق الكعبة إلى السّماء يعدّ قبلةً ، وهكذا ما تحتها مهما نزل ، فلو صلّى في الجبال العالية والآبار العميقة جاز ما دام متوجّهاً إليها ، لأنّها لو زالت صحّت الصّلاة إلى موضعها ، ولأنّ المصلّي على الجبل يعدّ مصلّياً إليها.
«استقبال الحجر»
8 - ذكر الحنفيّة والمالكيّة أنّه لو استقبل المصلّي الحجر دون الكعبة لم يجزه ، لأنّ كونه من البيت مظنونٌ لا مقطوعٌ به ، وهو لا يكتفى به في القبلة احتياطاً ، وهذا هو الصّحيح عند الشّافعيّة.
وذهب الحنابلة واللّخميّ من المالكيّة إلى جواز الصّلاة إلى الحجر ، لأنّه من البيت ، للحديث الصّحيح أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال : « الحجر من البيت » .
وفي روايةٍ : « ستّ أذرعٍ من الحجر من البيت » ولأنّه لو طاف فيه لم يصحّ طوافه.
وهو وجهٌ مشهورٌ عند الشّافعيّة ، وإن كان خلاف الأصحّ في مذهبهم ، وقدّره الحنابلة بستّ أذرعٍ وشيءٍ ، فمن استقبل عندهم ما زاد على ذلك لم تصحّ صلاته ألبتّة.
على أنّ هذا التّقدير بالنّسبة لغير الطّواف ، أمّا بالنّسبة له فلا بدّ من خروجه عن جميعه احتياطاً.
«حكم استقبال القبلة في الصّلاة»
9 - لا خلاف في أنّ من شروط صحّة الصّلاة استقبال القبلة ، لقوله تعالى : «فولّ وجهك شطر المسجد الحرام وحيثما كنتم فولّوا وجوهكم شطره» أي جهته.
ويستثنى من ذلك أحوالٌ لا يشترط فيها الاستقبال ، كصلاة الخوف ، والمصلوب ، والغريق ، ونفل السّفر المباح وغيرها ، ونصّوا على أنّ نيّة الاستقبال ليست بشرطٍ على الرّاجح ، انظر الكلام على النّيّة في الصّلاة.
«ترك الاستقبال»
10 - ذكر الحنفيّة أنّ من مفسدات الصّلاة تحويل المصلّى صدره عن القبلة بغير عذرٍ اتّفاقاً ، وإن تعمّد الصّلاة إلى غير القبلة على سبيل الاستهزاء يكفر ، وهذا متّفقٌ مع القواعد العامّة للشّريعة..
وفصّل الحنفيّة فيما إذا صلّى بلا تحرٍّ فظهر أنّه أصاب القبلة أثناء الصّلاة بطلت صلاته ، لبناء القويّ على الضّعيف ، فإن ظهر ذلك بعد الصّلاة صحّت صلاته ، لأنّ ما فرض لغيره - كالاستقبال المشروط لصحّة الصّلاة - يشترط حصوله لا تحصيله ، وقد حصل وليس فيه بناء القويّ على الضّعيف.
وقال المالكيّة : إن أدّاه اجتهاده لجهةٍ فخالفها وصلّى متعمّداً بطلت صلاته وإن صادف القبلة ، ويعيد أبداً.
وأمّا لو صلّى لغيرها ناسياً وصادف القبلة فهل يجري فيه من الخلاف ما يجري في النّاسي إذا أخطأ ، أو يجزم بالصّحّة لأنّه صادف وهو الظّاهر ؟.
وذكر الشّافعيّة أنّه لا يسقط استقبالها بجهلٍ ولا غفلةٍ ولا إكراهٍ ولا نسيانٍ ، فلو استدبر ناسياً لم يضرّ لو عاد عن قربٍ.
ويسنّ عند ذلك أن يسجد للسّهو لأنّ تعمّد الاستدبار مبطلٌ.
وهذا بخلاف ما لو أميل عنها قهراً فإنّها تبطل ، وإن قلّ الزّمن لندرة ذلك.
ولو دخل في الصّلاة باجتهادٍ ثمّ ظهر الخطأ بطلت صلاته.
وأطلق الحنابلة القول بأنّ من مبطلات الصّلاة استدبار القبلة حيث شرط استقبالها.
كما نصّوا في باب شروط الصّلاة على أنّ هذه الشّروط لا تسقط عمداً أو سهواً أو جهلاً.
هذا ، ولا بدّ من القول أنّ المالكيّة والحنابلة نصّوا على أنّ المصلّي إذا حوّل وجهه وصدره عن القبلة لم تفسد صلاته ، حيث بقيت رجلاه إلى القبلة.
ونصّ المالكيّة على أنّه يكره له ذلك بلا ضرورةٍ ، وقالوا : إنّ هذه الكراهة في حقّ معاين الكعبة حيث لم يخرج شيءٌ من بدنه ، فإن خرج منه شيءٌ ولو أصبعاً من سمتها بطلت صلاته.
«ما يتحقّق به استقبال القبلة في الصّلاة»
11 - ذهب الحنفيّة والشّافعيّة إلى أنّه يشترط في استقبال القبلة في الصّلاة أن يكون بالصّدر لا بالوجه ، خلافاً لما قد يتوهّم من ظاهر قوله تعالى : «فولّ وجهك شطر المسجد الحرام» لأنّ المراد بالوجه هنا الذّات ، والمراد من الذّات بعضها وهو الصّدر فهو مجازٌ مبنيٌّ على مجازٍ.
ونصّ الشّافعيّة على أنّه لا يشترط الاستقبال بالقدمين.
أمّا الاستقبال بالوجه فهو سنّةٌ ، وتركه مكروهٌ عند الأئمّة الأربعة.
وهذا في حقّ القائم والقاعد.
أمّا الّذي يصلّي مستلقياً أو مضطجعاً لعجزه فيجب عليهما الاستقبال بالوجه ، على تفصيلٍ يذكر في صلاة المريض.
وذهب المالكيّة والحنابلة إلى أنّه لا يشترط في الاستقبال التّوجّه بالصّدر أيضاً ، وإنّما الّذي لا بدّ منه فهو التّوجّه بالرّجلين.
على أنّ الفقهاء تعرّضوا لأعضاءٍ أخرى يستقبل بها المصلّي القبلة في مناسباتٍ كثيرةٍ في كتاب الصّلاة ، نكتفي بالإشارة إلى بعضها دون تفصيلٍ لكونها بتلك المواطن ألصق ، ولسياق الفقهاء أنسب من جهةٍ ، وتفادياً للتّكرار من جهةٍ أخرى.
ومن ذلك : استحباب الاستقبال ببطون أصابع اليدين في تكبيرة الإحرام وباليدين وبأصابع الرّجلين في السّجود ، وبأصابع يسراه في التّشهّد.
استقبال القبلة فرض من فروض الصلاة. اذ تبطل صلاة من يتجه الى غير جهة القبلة عامدا وعن قصد. فاذا خفيت القبلة بذل الجهد في تحديدها ثم يصلي. ولو تبين له بعد ذلك ان صلاته كانت إلى غير جهة القبلة فان صلاته صحيحة ولا يلزمه القضاء او الإعادة. أما ان تبين له خطؤه وهو يصلي فعليه الاستدارة نحو القبلة دون ان يقطع صلاته. فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال " بينما الناس بقباء في صلاة الصبح اذ جاءهم آت فقال: ان النبي صلى الله عليه وسلم قد انزل عليه الليلة قرآن، وقد أمر ان يستقبل الكعبة فاستقبلوها ، وكانت وجوههم الى الشام فاستداروا الى الكعبة". متفق عليه.
يتضح من هذه الأحاديث ومن الآية السابقة ومن أعمال الرسول عليه الصلاة والسلام وصحابته ثم أعمال المسلمين التي لم تنقطع حتى الان ، انه لا بد من استقبال المسجد الحرام في كل صلاة نصليها وان نبذل الجهد في تحديد اتجاه القبلة.
نظرة علمية حديثة في اتجاه القبلة
لو كانت الأرض منبسطة لما كانت هناك مشكلة في اتجاه القبلة. ولكان الاتجاه الذي أوضحناه في العنوان السابق مأخوذا من أدلته الشرعية هو المعنى الوحيد او الحل الوحيد في هذا الموضوع. غير ان الأرض ليست منبسطة بل هي كروية ومن ثم توجد مشكلة في تحديد اتجاه القبلة خاصة في الأقطار البعيدة عن المسجد الحرام. دعنا نوضح هذه المشكلة ونضعها بين ايدي الفقهاء ليروا فيها رأيهم بعد ان نضع فيها رأيا واضحا مبنيا على دليل شرعي.
تقع مكة المكرمة في قلب العالم الإسلامي جغرافيا. ومن ثم فلا مشكلة في تحديد اتجاه أي بلد إسلامي. فالقبلة في كل قطر هي الاتجاه الجغرافي المباشر نحو مكة المكرمة. فهي إلى الجنوب تقريبا في بلاد الشام مثلا وما يليها من البلاد شمالا كتركيا. وهي إلى الغرب عموما في شرق جزيرة العرب وما يليها من بلاد المسلمين شرقا. وهكذا.
ولكن ما قبلة بلد بعيد مثل كندا او كاليفورنيا في الولايات المتحدة الامريكية ؟ لسنا الان بصدد تحديد اتجاه القبلة بدقة لهذه البلاد، ولكن الموضوع ما هو الاتجاه بشكل عام ؟ هل هو الى الشمال او الى الشرق ؟ والفرق في الاتجاهين كبير جدا لا يمكن إهماله أو تناسيه. والمسلمون في تلك البلاد يختلفون في تحديد القبلة. فمنهم من يصلي الى الشمال تقريبا ومنهم من يصلي الى الشرق تقريبا. فلا بد من تحديد قبلتهم بطريقة صحيحة تؤدي الى تجميعهم لا الى تفريقهم. دعنا نحلل المسألة في ضوء الواقع الشرعي لمفهوم القبلة.
ولنأخذ اتجاه قبلة بلاد الشام كمنطلق لتحقيق هذه المسألة. ففي بلاد الشام عموما يصلي المسلمون الى جهة الجنوب مع انحرافات قليلة او كبيرة نحو الشرق. ذلك لأن مكة المكرمة تقع الى الجنوب عموما. ومن ثم فانهم يستقبلون المسجد الحرام اذا وجهوا وجوههم هذا الاتجاه. الان تذكّر ان الأرض كروية وأجب عن هذا السؤال: لو صلى مسلم في بلاد الشام الى جهة الشمال فهل يستقبل الكعبة المشرفة؟ الجواب بصورة أولية نعم ولكن مع اختلاف في المسافة. فالذي يصلي الى الجنوب في بلاد الشام تكون المسافة بينه وبين مكة المكرمة نيفا وألف كيلومتر. بينما الذي يصلي شمالا سيستقبل الكعبة المشرفة ولكن بعد ان يقطع نظره قرابة 39 الف كيلومتر هي بقية محيط الأرض. انظر شكل 5. 1 . أي بعد ان يلتف حول قطب الأرض الشمالي فالجنوبي ثم يصل الى الكعبة المشرفة. وهو في كلتا الحالتين يستقبل الكعبة المشرفة. فأي الاتجاهين هو الصحيح ؟ الأحاديث الصحيحة وأعمال الصحابة ومن تبعهم الى الان ان اتجاه القبلة في بلاد الشام بلا شك هو نحو الجنوب. فهل هذا يعني اننا نصلي في الاتجاه الأقصر مسافة ؟
ولك ان تأخذ أي مكان من البلاد الإسلامية، وسترى انه يمكن ان توجه نظرك نحو الكعبة المشرفة في الاتجاه المعاكس تماما. ولا يوجد أي فرق بين الاتجاهين غير طول المسافة التي تكون دائما هي الأقصر في اتجاه القبلة المعتمد في ذلك المكان من البلاد الإسلامية. ولو كان لديك نموذج للكرة الأرضية فان بإمكانك ان تحدد أكثر من اتجاهين تستقبل بها جميعها الكعبة المشرفة مع اختلاف بينها في المسافة.
ولا يرد على ذلك بان يقال بان النظر في اتجاه القبلة المعاكسة يحول بينه وبين الكعبة المشرفة جسم الأرض لان النظر يدور حول معظم محيط الأرض. لا يقال ذلك، لأنه حتى في اتجاه القبلة المعتمد القصير المسافة يحول جزء أصغر من جسم الأرض بين الناظر وبين الكعبة. والسبب هو ان سطح الأرض مقوس حتى في اقصر المسافات.
لم تكن كروية الأرض معروفة في بدايات دولة الخلافة الإسلامية. ثم عرفت فيما بعد وقال بها كثير من فلكيي المسلمين كالبيروني مثلا. غير ان الرقعة التي شغلتها الدولة الإسلامية تحيط بمكة المكرمة بمسافات قصيرة نسبيا اذا ما قيست بالأرض ككل.
وحتى لا تبدو المناقشة السابقة وكأنها فذلكة علمية لا مبرر لها، خذ بلدا مثل كاليفورنيا في غرب الولايات المتحدة الامريكية التي تقع على خط طول 118 غربا تقريبا بينما تقع مكة على خط طول 40 شرقا تقريبا. فهي الى حد ما في الجهة الأخرى من الكرة الأرضية بالنسبة لمكة. وبإمكانك تصور الوضع بان تضع نقطتي حبر على كرة قدم او أي كرة تجدها عندك. فاذا نظرت الى مكة ، فان نحوا من نصف تقوس محيط الأرض سيواجه نظرك . او ان نظرك يجب ان يطوف بانبعاج واضح للأرض في اي جهة تنظر. من مثل هذه الأماكن خرجت هذه المسألة التي لا بد من حلها بسبب أعداد المسلمين الكبيرة هناك. مع العلم انه لا يوجد مكان الان في الأرض الا وفيه مسلم يتعبد الله بالصلاة ولا بد من إرشاده الى اتجاه قبلته في ذلك المكان الذي يعيش فيه.
من كل ما تقدم فاننا نود استنباط القاعدة التالية:
اتجاه قبلة المكان = الاتجاه الذي يحقق اقصر المسافات الى الكعبة المشرفة |
وهذه القاعدة كما رأيت سابقا منبثقة من استقراء اتجته القبلة المحددة شرعا وتطبيقها لا يؤدي الى أي تغيير في اتجاه قبلة أي بلد إسلامي كما عرفناها عبر العصور. فاذا قبلنا بهذه القاعدة، أصبحت المسألة واضحة جدا ولا تحتاج الا الى تحديد المسافة الأقصر نحو مكة المكرمة فيكون ذلك الاتجاه هو اتجاه قبلة ذلك المكان. وهو ما سنفعله بعد قليل في هذا الفصل. ولكن قبل ان ندخل في موضوع تحديد اتجاه القبلة للأماكن المختلفة، دعونا نتتبع كيف حدد المسلمون اتجاه قبلتهم عبر العصور وفي مختلف الأمصار.
5. 2. 2 تحديد اتجاه القبلة قديما بالحسابات الفلكية الرياضية
لم يكن للفلك ولا للحسابات الفلكية الرياضية شأن واضح في القرن الأول الهجري. ذلك ان هذا القرن كان قرن الفتوحات الإسلامية وإرساء دعائم دولة الخلافة الإسلامية على أيدي صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم وتابعيهم. فقد كان هذا همهم الأول هو تثبيت دين الله في الأرض.
وما ان جاء القرن الثاني الهجري حتى اصبح المسلون علماء الأرض في الفلك وكثير من العلوم الأخرى التي لا تعنينا هنا. وما جهود الخليفة العباسي الرشيد وابنه المأمون في هذا المجال بخافية على أحد. ولا اظننا في سياق تمجيد الدولة الإسلامية علميا وعد منجاتها. فهو ليس موضوع هذه العجالة المخصصة لتحديد اتجاه القبلة بالطرق الرياضية الفلكية، وانما له كتبه وأماكنه التي يظهر فيها. فلنترك هذا الموضوع ونعود الى ما نحن بصدده.
لقد برع علماء الفلك المسلمون في تحديد اتجاه القبلة بالمعادلات الرياضية المبنية على فهم صحيح لقواعد علم الفلك و حساب المثلثات وخطوط الطول والعرض وغيرها.
تحديد اتجاه القبلة بالمعادلات الرياضية
لقد عرّف الفلكيون المسلمون قبلة مكان ما على انها الاتجاه الذي تصنعه دائرة عظمى تضم ذلك المكان ومكة المكرمة مقاسة على شكل زاوية بالنسبة لدائرة زوال ذلك المكان. انظر الشكل 5. 12 الذي يوضح نصف الأرض الشمالي. النقطة م تشير الى مكة والنقطة ق الى المكان الذي نريد تحديد قبلته حسابيا. فيكون اتجاه الدائرة العظمى ق م هو اتجاه القبلة للمكان ق. وحتى يحدد الفلكيون المسلمون هذا الاتجاه فانهم بحاجة الى خطي عرض مكة وذلك المكان. فاذا كان الخط س ص يمثل جزءا من دائرة الاستواء، فان خط عرض مكة هو
م س = ب. وخط عرض المكان هو ق ص = أ. ويحتاجون ايضا الى الفرق بين خطي الطول لكل من مكة وذلك المكان وهو س ص = ج على اعتبار ان الخط ط م س هو خط طول مكة والخط ط ق ص هو خط المكان .
وقد حل الفلكيون المسلمون اتجاه القبلة بمعادلة سهلة جدا منذ القرن الثاني الهجري ولا زالت فكرتها الأساسية هي المستعملة حتى الان. ولإيجاد اتجاه القبلة لذلك المكان دعونا ننتقل الى الشكل 5. 13 الذي هو تبسيط او تمثيل لما ورد في كتب التراث الفلكي مثل ما ورد في كتاب الفلكي الحلبي ابن السرّاج من فلكيي القرن الرابع عشر الميلادي ( شكل 5. 14). لاحظ التشابه الكامل بين الشكلين 13 و14 .
وقد اتبع الفلكيون المسلمون الخطوات التالية:
1. ارسم دائرة وضع عليها الاتجاهات الرئيسية الأربعة.
2. ارسم خطا يصل نقطتي الشرق والغرب (يساوي خط الاستواء).
3. ارسم خطا موازيا له بحيث تكون المسافة بينهما مساوية لفرق خط عرض المكان الذي نحدد قبلته وخط عرض مكة . او أ-ب كما أوضحناه في شكل 5. 13 .
4. ثم ارسم خطا يمتد من الشمال الى الجنوب مارا بذلك المكان.
5. وارسم خطا موازيا له بحيث تكون المسافة بينهما مساوية لفرق خط طول المكان وخط طول مكة.. او ج.
6. طبق المعادلة البسيطة التالية
جا ح |
ظا قب = -------------- معادلة 5. 1 |
جا ( أ- ب ) |
حيث ظا قب = ظل زاوية القبلة لذلك المكان
جا ج = جيب فرق خطي الطول
جا (أ-ب) جيب فرق خطي العرض
واسهل من ذلك او تبسيطا لذلك فان المعادلة السابقة تكون:
فرق خطي الطول |
ظا قب = -------------- معادلة 5. 2 |
فرق خطي العرض |
ولا اعتقد انه توجد معادلة ابسط من ذلك. المهم ان نذكر ان هذه المعادلة دقيقة الى حد كبير والخطأ فيها قد يكون درجة او درجتين فقط.
كانت مثل هذه المعادلة في بدايات تطور علم الفلك في البلاد الإسلامية. ثم طورت معادلات أكثر دقة ولا تختلف كثيرا عن المعادلات الدقيقة التي نستعملها اليوم. ولا اظن اننا بحاجة لاستقصاء هذا الموضوع العلمي التاريخي. حسبنا ما قدمناه قبل قليل للتدليل على اهتمام الفلكيين المسلمين بحل مشكلات علمية تعبدية تهم الأمة الإسلامية.
وقبل ان نترك هذا المقام سنحاول ان نجد اتجاه قبلة مدينة كعمّان في الأردن باستعمال المعادلة السابقة علّ بعض القراء يحبون التعرف على كيفية حساب اتجاه القبلة بهذه الطريقة. ولنقارنه مع طرق أخرى.
مثال: ما اتجاه قبلة عمّان باستعمال المعادلة سابقة الذكر.
الحل: نجد خطوط الطول والعرض لمكة وعمّان
خطا طول مكة وعمان هما: 8. 39 شرقا و 36 شرقا.
خطا عرض مكة وعمان هما: 5. 21 شمالا و 32 شمالا.
فرق خطي الطول = 8. 39 - 36 = 8. 3 درجة
فرق خطي العرض = 32 -5. 21 = 5. 10 درجة. وباستعمال المعادلة 5. 2
فرق خطي الطول
ظل اتجاه قبلة عمان =---------------
فرق خطي العرض
= 8. 3
5. 10
ظل اتجاه قبلة عمان =3619.
نجد الزاوية التي ظلها يساوي 3619. من الجداول المثلثية وتساوي 90. 19 درجة او تقريبا 20 درجة شرق الجنوب اذا نظرت الى شكل 5. 14.
ولو استعملنا المعادلات الحديثة لوجدنا ان قبلة عمان هي حوالي 23 درجة شرق الجنوب. وهي كما ترى دقة جيدة اذا ما قيست بالجهد الكبير الذي يلزم لحل المعادلات الأكثر تعقيدا. ثم انها سهلة التطبيق على القارئ العادي. فهي كما رأيت لا تحتاج لأكثر من فرق خطي الطول وفرق خطي العرض التي يمكن استخراجها من الخرائط الجغرافية. وسنحاول في نهاية هذا الفصل وصف المعادلات الحديثة الأكثر دقة.
بقيت مسألة واحدة في هذا العنوان وهي دقة خطوط الطول والعرض التي حددها الفلكيون المسلمون. ويكفي ان نذكر ان الدقة في خطوط العرض كانت جيدة. والخطأ فيها اقل من درجة ويقاس بالدقائق. أما الخطأ في خطوط الطول فكان اكبر من ذلك ويقاس بالدرجات. ومن ثم فان تحديد القبلة بالمعطيات القديمة عندما يقارن بالمعلومات الحديثة فانه يوجد فيه بعض الخطأ بسبب ذلك. ويكفي ان نذكر في هذا السياق ان العالم الكبير ابا الريحان البيروني قد خصص كتابا لتحديد قبلة غزنة التي تقع اليوم في افغانستان. فقد استعمل عدة طرق رياضية لحساب فرق خطي الطول بين غزنة ومكة واخذ معدلها وادخل ذلك في مجموعة معادلات رياضية معقدة لحساب قبلة غزنة بعدة طرق رياضية. رحم الله ابا الريحان وجزاه عن علمه خير الجزاء.
تحديد اتجاه القبلة حديثا بالمعادلات الرياضية
توجد مجموعة من المعادلات الرياضية لإيحاد اتجاه القبلة بشكل دقيق. وجميعها تطبيقات مباشرة لقواعد المثلث الكروي.
الطريقة الأولى
دعنا نعيد رسم الشكل 5. 13 تحت رقم جديد هو 5. 17 حتى يسهل الرجوع اليه. نعرّف أجزاء هذا الشكل حتى يمكن استعماله في أماكن أخرى غير الأمثلة التي نريد حلها هنا.
النقطة م تمثل مكة المكرمة
النقطة ق تمثل المكان المراد تحديد قبلته
ط القطب الشمالي
القوس ط م س هو خط طول مكة
القوس ط ق ص هو خط طول المكان المراد تحديد قبلته
س ص يمثل خط الاستواء او جزءا منه
في المثلث الكروي ط م ق ، فان الضلع ط م معروف ويساوي ( 90 -عرض مكة)، والضلع ط ق معروف ويساوي ( 90 - عرض المكان). والزاوية م ط ق معروفة لأنها تساوي فرق طولي مكة والمكان المراد قبلته. ومن ثم فانه يمكن حل هذا المثلث الكروي لإيحاد الزاوية ط ق م وهي الزاوية التي تحدد اتجاه القبلة لذلك المكان. ولنرمز لها بالرمز قب .
ولتسهيل الحساب فاننا سنستعمل القوس م س بدل ط م . م س = عرض مكة ونرمز له تبسيطا بالرمز ب.
والقوس ق ص بدل ط ق . ق ص = عرض المكان المراد ونرمز له بالرمز أ.
والقوس س ص بدل الزاوية المحصورة م ط ق.. ونرمز له تسهيلا بالرمز ج.
القوس ق م يمثل اقصر المسافات الى مكة المكرمة بالنسبة للمكان المراد ق.
غايتنا من الحل هو إيجاد مقدار الزاوية قب الذي هو اتجاه القبلة لذلك المكان. ونستعمل لذلك المعادلة:
جا أ × جتا ج - جتا أ × ظا ب |
ظتا قب = -------------------- معادلة 5. 3 |
جا ج |
والان نطبق المعادلة 5. 3 في إيجاد اتجاه قبلة بعض الأماكن.
أمثلة محلولة
ما قبلة عمّان اذا كان عرض عمان 32 شمالا وطولها 36 شرقا. وعرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل:
1. نجد فرق الطول بين عمان ومكة = 8. 39- 36 = 8. 3 درجة
2. نطبق المعادلة 5. 3
جا 32 × جتا 8. 3 - جتا 32 × ظا 5. 21
ظتا قب عمان = -------------------------
جا 8. 3
3. نعوض قيم الزوايا من الجداول المثلثية فيكون الناتج:
530. × 9978. - 848. × 394.
ظتا قب عمان = ---------------------- وبالضرب والقسمة:
0663.
4. ظتا قب عمان = 9382. 2
5. من الجداول المثلثية نجد الزاوية التي ظل تمامها هو 9382. 2 = 79. 18 درجة
6. قب = 79. 18 درجة شرق الجنوب وهي قبلة عمان. أي ان قبلة عمان تنحرف 79. 18 درجة الى الشرق من اتجاه الجنوب الجغرافي الحقيقي.
7. انت بحاجة الان الى وسيلة لتحديد الجنوب بدقة كالبوصلة او خط الزوال او النجم القطبي. ثم تحدد الزاوية 79. 18 الى الشرق من هذا الاتجاه فتكون قد حددت اتجاه قبلة عمان بدقة. وسنتحدث عن استعمال البوصلة بعد الفراغ من الحسابات.
مثال محلول آخر
ما اتجاه قبلة القاهرة اذا كان عرض القاهرة 08. 30 شمالا وطولها 33. 31 شرقا. وعرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل:
1. نجد فرق الطول ج = 8. 39 - 33. 31 = 47. 8 درجة
2. بطبق المعادلة 5. 3
جا أ × جتا ج - جتا أ × ظا ب
ظتا قب القاهرة = ----------------------- وبتعويض قيم الزوايا من الجداول المثلثية جا ج
5012. × 9891. - 8653. × 394.
3. ظتا قب القاهرة = ---------------------
1473.
4. ظتا قب القاهرة = 0509. 1
قب القاهرة = 5. 43 درجة شرق الجنوب
مثال ثالث محلول
ما قبلة دير الزور في شمل شرق سوريا. عرضها 33. 35 شمالا وطولها 17 .40 شرقا. وعرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
1. نجد فرق الطول بين مكة ودير الزور = 17. 40 - 8. 39 = 37. درجة. لاحظ ان فرق الطول صغير جدا هو تقريبا ثلث درجة. أي ان دير الزور تقع تقريبا شمال مكة المكرمة، وبالتالي فان قبلتها يجب ان تكون الى الجنوب تقريبا تماما. ولذلك اخترناها. ولنحاول ان نتأكد من ذلك.
2. نطبق معادلة 5. 3
حا 33. 35 × جتا 37. - جتا 33. 35 × ظا 5. 21
ظتا قب دير الزور =-----------------------------
جا 37.
5783. × 1 -8158. × 3939 .
3. ظتا قب دير الزور = -----------------
0065.
4. ظتا قب دير الزور = 5385. 39
5. قب دير الزور = 5. 1 درجة او درجة ونصف تقريبا غرب الجنوب.
وهذا الانحراف الضئيل الى الغرب من الجنوب متفق مع قلنا سابقا ان دير الزور تقع تقريبا على خط طول مكة المكرمة.
وبالتالي نخلص الى فائدة وهي أي مكان له خط طول مكة نفسه تكون قبلته جنوبا تماما اذا كان المكان شمال مكة. وتكون قبلته شمالا تماما اذا كان جنوب مكة.
مثال رابع محلول
ما قبلة لندن . عرضها 50. 51 شمالا وطولها صفر. عرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل:
1. ننجد فرق الطول = 8. 39 درجة لأن طول لندن يساوي صفرا.
2. نطبق المعادلة 5. 3
جا 5. 51 × جتا 8. 39 - جتا 50. 51 × ظا 5. 21
ظتا قب لندن = -----------------------------
جا 8. 39
7825. × 768. - 6195. × 394.
3. ظتا قب لندن = ---------------------
640.
4. ظتا قب لندن = 5577.
5. قب لندن =85. 60 جنوب الشرق. أي تحدد الشرق تماما ثم تتجه 85. 60 درجة الى الجنوب من الشرق الجغرافي الحقيقي فتكون قبلة لندن.
نعتقد ان في هذا القدر كفاية من الأمثلة المحلولة التي نرجو ان تكون أوضحت طريقة الحساب بهذه المعادلة.
طريقة ثانية
تعتمد هذه الطريقة الفكرة نفسها التي استعملت في الطريقة الأولى. ونعني بذلك حل المثلث الكروي الذي يحوي مكة المكرمة والمكان المراد تحديد قبلته. اما الفارق بينهما فهو ان هذه الطريقة مكونة من خطوتين او معادلتين بدل معادلة واحدة في الطريقة الأولى.
دعنا نستعمل المثلث الكروي نفسه الذي استعملناه سابقا في الطريقة الأولى أي الشكل 5. 17 . ولا داعي لإعادة رسمه ولا الى تعريفه. فعد الى هناك ان أردت ان تتذكر مدلول الرموز.
لقد ارتكزت المعادلة الأولى 5. 3 على إيجاد اتجاه القبلة للمكان باستعمال ضلعين والزاوية المحصورة بينها. أما هذه الطريقة فانها
1. توجد اقصر مسافة الى مكة المكرمة وهي طول القوس ق م في المثلث الكروي شكل 5. 17. ومعادلة ذلك هي :
جتا ق م = جا أ جا ب + جتا أ جتا ب جتا ج معادلة 5. 4 |
2. ثم نستعل هذه المسافة التي أوجدناها من المعادلة 5. 4 في إيحاد زاوية القبلة او اتجاه المكان بالنسبة لمكة. ومعادلتها هي:
جتا ب × جا ج |
جا قب = ----------- معادلة 5. 5 |
جا ق م |
لاحظ ان الرموز المستعملة في هاتين المعادلتين هي نفسها التي استعملناها في معادلة الطريقة الأولى 5. 3.
دعنا نطبق هذه الطريقة في إيحاد اتجاه القبلة للمدن نفسها التي أوجدنا قبلتها بالطريقة الأولى بهدف مقارنة الطريقتين.
مثال أول محلول
ما قبلة عمّان. عرضها 32 شمالا وطولها 36 شرقا. وعرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل:
1. نجد فرق الطول بين مكة وعمان = 8. 39- 36 = 8. 3 درجة
2. نطبق المعادلة 5. 4 لإيحاد اقصر مسافة بين عمان ومكة:
جتا ق م = جا ا × جا ب + جتا أ × جتا ب × جتا ج او
جتا ق م = جا 32 × جا 5. 21 + جتا 32 × جتا 5. 21 × جتا 8. 3
3. جتا ق م = 530. × 3665. + 848. × 9304. × 9978.
جتا ق م = 9815.
4. ق م 0381. 11 درجة أقصر مسافة بين عمان ومكة. نستعمل هذاا الرقم في حل المعادلة 5. 5 .
5. نطبق المعادلة 5. 5 لإيحاد قبلة عمان
جتا 5. 21 × جا ج
جا قب عمان = ------------
جا ق م
جتا 5. 21 × جا 8. 3
6. جا قب عمان = -------------
جا 0381. 11
9304. × 0663.
7. جا قب عمان = ----------
1915.
8. جا قب عمان = 3221.
9. قب عمان = 79. 18 درجة شرق الجنوب
وهي زاوية القبلة نفسها التي أوجدناها بالطريقة الأولى. ومن الأفضل دائما التأكد من اتجاه القبلة بأكثر من طريقة.
مثال ثان محلول
ما قبلة القاهرة. عرضها 08. 30 شمالا وطولها 33. 31 شرقا. عرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل:
1. نجد فرق الطول بين القاهرة ومكة = 8. 39 - 33. 31 = 47. 8 درجة
2. نطبق المعادلة 5. 4 لإيحاد اقصر مسافة بين القاهرة ومكة
جتا ق م = جا أ ×جا ب + جتا أ × جتا ب × جتا ج
= جا 08. 30 × جا 5. 21 + جتا 08. 30 × جتا 5. 21 × جتا 47. 8
= 5012. × 3615. + 8653 . × 9304. × 9891.
= 98.
3. ق م = 4783. 11 درجة وهي اقصر مسافة بين مكة والقاهرة
4. ثم نطبق المعادلة 5. 5 لإيحاد قبلة القاهرة
جتا ب × جا ج
جا قب القاهرة = --------------
جا ق م
جتا 5.. 21 × جا 47. 8
جا قب القاهرة = --------------
جا 4783. 11
9304. × 1473.
= ---------------- = 6887.
199.
5. قب القاهرة = 5. 43 درجة شرق الجنوب. وهي الزاوية نفسها التي أوجدناها بالطريق السابقة. وهو جيد ومفيد.
مثال ثالث محلول
ما قبلة دير الزور في شمل شرق سوريا. عرضها 33. 35 شمالا وطولها 17 .40 شرقا. وعرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل
1. نجد فرق الطول بين مكة ودير الزور = 17. 40 - 8. 39 = 37. درجة.
2. نطبق المعادلة 5. 4 لإيحاد اقصر المسافات بين دير الزور ومكة المكرمة
جتا ق م = جا أ × جا ب + جتا أ × جتا ب × جتا ح
= جا 33. 35 × جا 5. 21 + جتا 33. 35 × جتا 5. 21 × جتا 37.
= 5783. × 3665. + 8158. × 9304. × 1
= 9735.
4. ق م =2198. 13 درجة
5. نحل المعادلة 5. 5 لإيحاد اتجاه قبلة دير الزور
جتا ب × جا ج
جا قب دير الزور = -------------
جا ق م
جتا 5. 21 × جا 37.
= -------------
جا2198. 13
9304. × 0065.
= ------------ = 0264.
2287.
6. قب دير الزور = 1.5 درجة غرب الجنوب.
وهي مطابقة للطريقة الأولى.
مثال رابع محلول
ما قبلة لندن . عرضها 50. 51 شمالا وطولها صفر. عرض مكة 5. 21 شمالا وطولها 8. 39 شرقا.
الحل:
1. نجد فرق الطول = 8. 39 درجة لأن طول لندن يساوي صفرا.
2. نطيق المعدلة 5. 4 لإيحاد اقصر مسافة بين مكة المكرمة ولندن
جتا ق م = جا أ × جا ب + جتا أ × جتا ب × جتا ج
= جا 50. 51 × جا 5. 21 + جتا 50 .51 × جتا 5. 21 × 8. 39
= 7825. × 3665. + 6195. × 9304. × 768.
= 2868. + 4427. = 7295.
3. ق م = 1555. 43 درجة
4. نطبق المعادلة 5. 5 لإيحاد اتجاه قبلة لندن
جتا ب × جا ج
جا قب لندن = ------------
جا ق م
جتا 5. 21 × جا 8. 39
= ---------------
جا 1555. 43
9304. × 640.
= ------------
6840.
= 8706.
قب لندن = 5. 60 درجة جنوب الشرق.