دور الجماعات اليهودية الاقتصادي في مصر في العصر الحديث "أبرز العائلات اليهودية المصرية"

 دور الجماعات اليهودية الاقتصادي في مصر في العصر الحديث "أبرز العائلات اليهودية المصرية"

 Economic Role of the JewishCommunities in Egypt in Modern Times

 

يوسف بتشوتو (1857-1945) Joseph Betshoto
عائلة سوارس
The Suares Family
عائلة شيكوريل
The Cicurel Family
عائلة قطاوي
The Cattaui Family
عائلة مِنَسَّى
The Menasce Family
عائلة موصيري
The Mosseri Family
فيكتور هراري (1857-1945 (
Victor Harari
عائلة رولو
  The RoloFamily

ومن القبائل العربية التي اعتنقت اليهودية "دونميك و قبالاه وسبآي"

وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُوا مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ ۚ فَلَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الْكَافِرِينَ (89) بِئْسَمَا اشْتَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ أَن يَكْفُرُوا بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ بَغْيًا أَن يُنَزِّلَ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ عَلَىٰ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ ۖ فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَىٰ غَضَبٍ ۚ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ (90) 
 
لها أنتشار واسع في مناطق كـــ  "سيناء"  و "فاقوس وضواحيها

-غطفان
- كندة
- بنو عوف
- بنو الحارث
- بنو جشم
- بنو ساعدة
- بنى ثعلبة(أخارسة/بياضية/عقايلة)
- بنى النجار
- الأوس
- بنو الشطيبة

(الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ* وَمِنَ الْأَعْرَابِ مَن يَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ مَغْرَمًا وَيَتَرَبَّصُ بِكُمُ الدَّوَائِرَ ۚ عَلَيْهِمْ دَائِرَةُ السَّوْءِ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ). "التوبة: 97-98"  

نزلت في الْمُنَافِقِينَ بِالْمَدِينَةِ
عربان
طَيِّئٍ /وثعلبة /وجهينه /وسويد /وسنان/وأسد /وأبي /وغطفان /وبَنِي عامِرِ بنِ صَعْصَعَةَ

========
أولاً "أبرز العائلات اليهودية المصرية"

عائلة مِنَسَّى
The MenasceFamily



«منَسَّى»أو«دي منَسَّى» أو «منَسَّه» ، لكن النطق الشائع في مصر هو «منشه» . ويُوجَد شارع في الإسكندرية يُسمَّى «شارع منشَّه» . ومنَسَّه عائلة يهودية سفاردية جاءت إلى مصر من إسبانيا، ويعود أول ذكر لوجودها في مصر إلى القرن الثامن عشر. بدأ يعقوب دي منَسَّى (1807 ـ 1887) حياته صرَّافاً في حارة اليهود، وتدرَّج في عمله حتى أصبح صراف باشا للخديوي إسماعيل. ثم أسس بالتعاون مع يعقوب قطاوي مؤسسة مالية وتجارية (بيت منَسَّى وأولاده) أصبح لها أفرع في مانشستر وليفربول ولندن وباريس ومارسيليا وإستانبول، كما اشترك بالتعاون مع الخديوي إسماعيل في تأسيس البنك التركي المصري،وارتبط نشاطه بكثير من شركات ومشاريع عائلتي قطاوي وسوارس.
وفيعام 72/1873، مُنح يعقوب دي منَسَّى الحماية النمساوية، وفي عام 1875 مُنح لقب البارونية والجنسية النمساوية المجرية تقديراً للخدمات التي قدمها للتجارة النمساوية المجرية ـ المصرية. وترأَّس يعقوب دي منَسَّى الطائفة اليهودية في القاهرة عام 1869، ثم انتقل عام 1871 إلى الإسكندرية حيث أسَّس معبدمنَسَّىومقابر منَسَّى ومدارس منَسَّى، وترأَّس ابنه ديفيد ليفي دي منَسَّى (1830ـ1885)رئاسة الطائفة في الإسكندرية وخلفه في رئاستها ابنه جاك (1850 ـ 1916) الذي احتفظ بها حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى حينما اعتبرته السلطات البريطانيةعدواًلأنه كان يحمل الجنسية النمساوية المجرية. وقد نقل جاك أعمال الأسرة من الأعمال المالية والمصرفية إلى تجارة القطن والسكر المربحة، واشترى مساحات واسعة من الأراضي في دلتا وصعيد مصر. ووصلت ثروته عند وفاته إلى ما بين 300 و500 ألف جنيه مصري.


أما الشقيق الأصغر فليكس يهودا (1865 ـ 1943) ، فدرس في فيينا وأسَّس فرع بيت منَسَّىفي لندن وترأَّس الطائفة اليهودية في الإسكندرية في الفترة ما بين عامي 1926 و1933.وكان فليكس دي منَسَّى صديقاً لحاييم وايزمان، فأسَّس وترأَّس اللجنة المؤيدة لفلسطين عام 1918 كما مثَّل الحركة الصهيونية المصرية في لندن لدى المؤتمر الثانيعشر(1921) .
أما ابنه جان قطاوي دي منَسَّى (1896 ـ؟) فقد اعتنق الكاثوليكية وانضم إلى الرهبان الدومينيكان وقام بالدعوة إلى المسيحية في الإسكندرية (وهذا نمط متكرر بين اليهود السفارد الذين كانوا يعيشون في الشرق العربي) .


عائلة قطاوي
The CattauiFamily



عائلة مصرية يهودية برز عدد من أفرادها في النشاط السياسي والاقتصادي في مصر في أواخر القرن التاسع عشر وحتى النصف الأول من القرن العشرين، وترجع أصولها إلى قرية قطا شمالي القاهرة. بدأ دور هذه العائلة مع نزوح أليشع حيدر قطاوي إلى القاهرة فيأواخرالقرن الثامن عشر حيث حصل ابنه يعقوب (1801 ـ 1883) على امتيازات منالحكومةللقيام بأنشطة تجارية ومالية، وكان أول يهودي مصري يمنح لقب «بك» . كما حصلعلىلقب «بارون» من الإمبراطورية النمساوية المجرية التي حملت العائلة جنسيتها. وقد أوكلت إليه نظارة الخزانة في فترة حكم الخديوي عباس الأول (1849 ـ 1854) ، واحتفظ بهذا المنصب خلال حكم الوالي سعيد والخديوي إسماعيل، وتولَّى في أواخر أيامه رئاسة الجماعة اليهودية في القاهرة التي كانت تُسمَّى «الطائفة الإسرائيلية» .وبعدوفاته، خلفه ابنه موسى قطاوي (1850 ـ 1924) في رئاسة الطائفة، واختير عضواً في البرلمان المصري، كما مُنح لقب الباشوية. وكان موسى قطاوي من كبار رجال المال والبنوك، وتولَّى إدارة عدد من الشركات وساهم في تمويل مشاريع السكك الحديدية في صعيد مصر وشرق الدلتا ومشاريع النقل العام في القاهرة بالتعاون مع عائلات سوارس ورولو ومنَسَّى.


وبعد وفاة موسى، انتقلت رئاسة الطائفة إلى يوسف أصلان قطاوي (1816 ـ 1942) الذي درس الهندسة في باريس وعمل عند عودته موظفاً في وزارة الأشغال العامة. ثم سافر إلى إيطالي الدراسة أصول صناعة السكر وعاد إلى مصر ليؤسس مصنعاً للسكر، واختير عضواً في العديد من المجالس الاستشارية للمؤسسات الصناعية والمالية واشترك عام 1920 بالتعاون مع طلعت حرب ويوسف شيكوريل في تأسيس بنك مصر. وفي عام 1915، كان يوسف قطاوي عضواًفيالوفد المصري الساعي إلى التفاوض مع بريطانيا لنيل الاستقلال لمصر، كما اختير عام1922عضواً في اللجنة التي أُسندت إليها مهمة وضع دستور مصري جديد في أعقاب الثورة المصرية (1919) والتصريح البريطاني بمنح مصر استقلالها الشكلي (1923) . وقد عمل يوسف أصلان قطاوي وزيراً للمالية عام 1924 ثم وزيراً للمواصلات عام 1925،وانتُخب عام 1923 عضواً في مجلس النواب عن دائرة كوم أمبو، كما كان عضواً في مجلسالشيوخفي الفترة من 1927 وحتى 1936. ونشر عام 1935 دراسة بالفرنسية تدافع عنسياسةالخديوي إسماعيل الاقتصادية. وقد تزوج من عائلة سوارس اليهودية الثرية وكانت زوجته وصيفة للملكة نازلي.
وبعدوفاة يوسف أصلان، انتُخب ابنه أصلان ليشغل مقعد أبيه في مجلس الشيوخ عام1938، كماعمل سكرتيراً عاماً لمصلحة الأملاك الأميرية التابعة لوزارة الماليةومندوباً عنالحكومة المصرية في شركة قناة السويس ومندوباً للحكومة في البنكالأهلي المصري. أماابنه الثاني رينيه، فقد اختير عام 1943 رئيساً للجماعةاليهودية في القاهرة. وكانعضواً في البرلمان كما كان يدير عدة مشروعات اقتصادية،ونشر بين عامي 1931 و 1936ثلاثة مجلدات تشكل تأريخاً لفترة حكم محمد علي. وكانيوسف قطاوي من مؤسسي جمعية مصرللدراسات التاريخية اليهودية. وفي عام 1957، غادرالأخوان رينيه وأصلان مصر واستقرافي أوربا.


أماآخرالشخصيات البارزة في عائلة قطاوي، وهو جورج قطاوي، فقد كانت اهتماماته أدبيةفيالمقام الأول حيث نشر عدة دراسات عن الأدبين الإنجليزي والفرنسي، كما كانيكتبالشعر بالفرنسية. وقد اعتنق المذهب المسيحي الكاثوليكي مع العديد من المثقفينالمصرييناليهود السفارد الذين تخلوا عن اليهودية.
وعلىعكس ما تدَّعي بعض المصادر الصهيونية، ليس ثمة ما يشير إلى تعاطُفالشخصياتالرئيسية في عائلة قطاوي مع المشروع الصهيوني من بعيد أو قريب، ولا إلىقيامهمبأية أنشطة من شأنها دعم هذا المشروع. بل عارض كلٌّ من يوسف أصلان قطاويوابنهرينيه قطاوي الصهيونية، حينما تولَّى كلٌّ منهما رئاسة الطائفة اليهودية فيمصر.وحذر رينيه قطاوي يلون كاسترو، زعيم الحركة الصهيونية في مصر، من الدعوةللهجرةإلى فلسطين باعتبار أن ذلك يمس علاقة الجماعة بالسلطات المصرية. كما دعتعائلةقطاوي إلى اندماج أعضاء الجماعة اليهودية في المجتمع المصري وشجع يوسف أصلانقطاويتأسيس «جمعية الشبان اليهود المصريين» (1934/1935) وجريدة الشمس الأسبوعيةالصادرةبالعربية، وقد كان هدفهما «تمصير» أعضاء الجماعة وتعميق انتمائهم للوطنالمصري.
عائلة رولو


The RoloFamily
«رولو»اسم عائلةيهودية سفاردية جاءت إلى مصر خلال النصف الأول من القرن التاسع عشرواحتفظتبالجنسية البريطانية. وقد امتلك روبين رولو مؤسسة تجارية تخصَّصت أساساًفياستيراد النيلة (صبغة) . وفي عام 1870، أسس ولداه جياكومو (يعقوب) (1847 ـ1917)وسيمون، مع بعض الشركاء، مؤسسة مالية وتجارية باسم «روبين رولو وأولادهوشركاهم» .وتعاونت عائلة رولو من خلال هذه المؤسسة مع عائلتي قطاوي وسوارس فيالعديدمنالمشاريعالتي أقاموها بالتعاون مع المالي البريطاني سير إرنست كاسل ـ خصوصاًمشاريع الدائرةالسنية وإقامة سكك حديد حلوان وتأسيس البنك العقاري المصري والبنكالأهلي المصري.وخلال الأزمة الاقتصادية التي حدثت عام 1907، صفَّى جياكوموالمؤسسة ثم أقام معأبنائه الثلاثة مؤسسة رولو وشركاه والتي جمعت بين الأنشطةالمصرفية والمالية وتجارةالجملة في القطن والسكر والأرز والفحم والبن، كما امتلكتحصصاً كبيرة في بعضالشركات العقارية الكبرى (مثل: شركة وادي كوم أمبو وشركة أراضيالشيخ فضل) وشركةمصانع السكر. وعند وفاته، ترك جياكومو رولو ثروة من العقاراتتُقدَّر بنحو 70 ألفجنيه. أما ابنه الأكبر روبير جياكومو رولو (1876 ـ؟) ، فقددرس في بريطانيا، وانتُخبرئيساً للطائفة اليهودية في الإسكندرية في الفترة 1934 ـ1948. وكان روبير جياكومومناهضاً للصهيونية، واستقال من رئاسة الطائفة عام 1948قبل اندلاع حرب فلسطينمباشرة بسبب خلافه مع حاخام الإسكندرية المؤيد للصهيونية.


أماروبيررولو (1869 ـ؟) ، فحقق مكانة مهمة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية في مصر،ودرسالقانون في باريس ثم تولَّى رئاسة عدد من مجالس إدارة الشركات التي ساعد أباهفيتأسيسها. وكان مستشاراً قانونياً للملك فؤاد الأول ومقرباً له فقام بدورالوسيطبين القصر ودار المندوب السامي البريطاني، وعملت زوجته وصيفة للملكة نازلي.وحصلهو على لقب «سير» عام 1938. وكان روبير جياكومو من كبار أعضاء الجماعةاليهودية فيمصر، ولكنه لم يشارك في شئونها.
عائلة سوارس
The Suares Family



«سوارس»اسمعائلة سفاردية من أصل إسباني استقرت في مصر منذ أوائل القرن التاسع عشر، وحصلتعلىالجنسية الفرنسية. وقد أسَّس الإخوة الثلاثة، روفائيل (1846 ـ 1902) ويوسف(1837 ـ1900) وفيلكس (1844 ـ 1906) ، مؤسسة سوارس عام 1875. وفي عام 1880، قامروفائيلسوارس، بالتعاون مع رأس المال الفرنسي ومع شركات رولو وقطاوي، بتأسيسالبنكالعقاري المصري، كما قام بالتعاون مع رأس المال البريطاني الذي مثَّلهالماليالبريطاني اليهودي سير إرنست كاسل بتأسيس البنك الأهلي المصري عام 1898وتمويلبناء خزان أسوان. كما اشترك سوارس مع كاسل وعائلة قطاوي في شراء 300 لف فدانمنأراضي الدائرة السنية وإعادة بيعها إلى كبار الملاك والشركات العقارية. كذلكاشتركسوارس مع رأس المال الفرنسي في تأسيس شركة عموم مصانع السكر والتكرير المصريةعام1897 والتي ضمتها عام 1905 شركة وادي كوم أمبو المساهمة، وكانت من أكبرالمشاريعالمشتركة بين شركات قطاوي وسوارس ورولو ومنَسَّى، وكانت واحدة من أكبرالشركات الزراعيةفي مصر. وفي مجال النقل البري، أسست العائلة شركة «سوارس لعرباتنقل الركاب» ،وتعاونت مع عائلة قطاوي في إقامة السكك الحديدية. كما امتلكت العائلةمساحات واسعةمن الأراضي الزراعية وأراضي البناء في وسط القاهرة حيث سُمِّي أحدالميادين باسم«ميدان سوارس» (مصطفى كامل الآن) . وامتلكت عائلة سوارس حصصاً وأسهمافي العديد منالشركات، واحتل كثير من أفرادها مواقع رئاسية وإدارية في كثير منها.فتولى ليونسوارس (ابن فليكس سوارس) إدارة شركة أراضي الشيخ فضل وإدارة شركة واديكوم أمبو.وعند وفاة أبيه، ترك ليون مؤسسة سوارس ليخلف أباه في إدارة البنك الأهليوالبنكالعقاري المصري. ولم تلعب عائلة سوارس دوراً كبيراً في شئون الجماعةاليهوديةباستثناء إدجار سوارس الذي تولَّى رئاسة الجماعة في الإسكندرية في الفترةمن 1914ـ 1917.
عائلة شيكوريل


The Cicurel Family
عائلةيهودية سفاردية منأصل إيطالي. وقد جاء مورينو شيكوريل إلى مصر قادماً من تركياواستقر فيها، وعملبأحد محلات عائلة هانو اليهودية، ثم اشترى المحل عام 1887. وفيعام 1909، افتتحمحلاًّ جديداً في ميدان الأوبرا والذي حوَّله أبناؤه سالومون ويوسفوسالفاتور إلىواحد من أكبر المحلات التجارية في مصر. وفي عام 1936، انضمت لهمعائلة يهوديةأخرى، فأصبحوا يمتلكون معاً مجموعة محلات أركو.
وقدكان يوسف (بك) شيكوريل من مؤسسي بنك مصر (عام 1920) ، كما كان أخوه سلفاتور(بك)شيكوريل عضواً في مجالس إدارة العديد من الشركات وعضواً في مجلس إدارةالغرفةالتجارية المصرية ثم رئيساً لها. وكان ضمن البعثة الاقتصادية المصرية التيسافرتإلى السودان بهدف تعميق العلاقات التجارية بين البلدين وفتح مجالات جديدةأمامرؤوس الأموال المصرية في السودان. وفي عام 1946، ترأَّس سلفاتورالطائفةالإسرائيلية خلفاً لرينيه قطاوي (وكان آخر رئيس لها) ، كما ترأَّسالمنظمةالصهيونية بالقاهرة وكان من مؤسسي جماعة أصدقاء الجامعة العبرية.


عائلةموصيري
The MosseriFamily

«موصيري»اسم عائلةيهودية سفاردية من أصل إيطالي استقرت في مصر في النصف الثاني من القرنالثامن عشر.وقد احتفظت العائلة بالجنسية الإيطالية. وحقَّق يوسف نسيم موصيري ثروتهمنالتجارة. وبعد وفاته عام 1876، أسَّس أبناؤه الأربعة مؤسسة يوسف نسيمموصيريوأولاده. وتزوج الابن الأكبر نسيم (بك) موصيري (1848 ـ 1897) من ابنة يعقوبقطاوي،وأصبح نائب رئيس الطائفة الإسرائيلية في القاهرة وهو منصب توارثته العائلةمنبعده. ولم تحقِّق عائلة موصيري انطلاقتها الحقيقية إلا في أوائل القرنالعشرين(1904) عندما أسَّس إيلي موصيري (1879 ـ 1940) ابن نسيم (بك) ، بالتعاون معإخوتهالثلاثة يوسف (1869 ـ 1934) وجاك (1884 ـ 1934) وموريس، بنك موصيري. حقَّق إيليموصيريمكانة مرموقة في عالم المال والأعمال في مصر، وكان قد درس الاقتصاد فيإنجلتراوتزوج من ابنة فليكس سوارس. وكانت تربطه علاقات وثيقة بإسماعيل صدقي، كماكانت لهمصالح عديدة في فرنسا وعلاقات وثيقة ببيوت المال الأوربية اليهودية مثلبيوتروتشيلد ولازار وسليجمان، كما كان يمثل المصالح الإيطالية في مصر.


ومنأفرادالعائلة الآخرين جوزيف موصيري الذي أسَّس شركة «جوزي فيلم» للسينما عام 1915والتيأقامت وأدارت دور السينما واستوديو للإنتاج السينمائي وتحوَّلت إلى واحدة منأكبرالشركات العاملة في صناعة السينما المصرية. أما فيكتور موصيري (1873ـ 1928) ،فكانمهندساً زراعياً مرموقاً وكانت له إسهامات مهمة في مجال زراعة القطن وصناعةالسكر.
وقدارتبط اثنان من أعضاء عائلة موصيري بالنشاط الصهيوني، فقد أسَّس جاك موصيريالذيدرس في إنجلترا وحضر المؤتمر الصهيوني الحادي عشر (عام 1913) المنظمةالصهيونية فيمصر (عام 1917) . أما ألبير موصيري (1867 ـ 1933) ، فدرس الطب فيفرنسا حيث تعرَّفإلى هرتزل ونوردو، وبدأ في إصدار جريدة صهيونية باسم «قديماه»وخدم في الجيشالبريطاني خلال الحرب العالمية الأولى كطبيب. وبعد الحرب، ترك الطبوبدأ (عام 1919)في إصدار جريدة أسبوعية في القاهرة بعنوان إسرائيل صدرت فيالبداية بالعبرية فقط ثمبالعربية والفرنسية بعد ذلك. وقد استمرت زوجته في إصدارالجريدة بعد وفاته وحتى عام1939 حينما هاجرت إلى فلسطين. وقد خدم ابنهما مكابيموصيري (1914 ـ 1948) كضابط فيالبالماخ وقُتل في إحدى العمليات العسكرية أثناءحرب 1948.
فيكتور هراري(1857-1945 (
Victor Harari



مموِّلمصرييهودي سفاردي اسمه (سير) فيكتور. جاء والده إلى مصر في الثلاثينيات منالقرنالتاسع عشر قادماً من بيروت. وقد أكمل هراري دراسته في إنجلترا وفرنسا، ثمعمل موظفاًفي وزارة المالية المصرية وأصبح مدير الحسابات المركزية ثم مديرالخزانة، كما كانمندوب الحكومة المصرية في لجنة إصلاح ميزانية الأوقاف. وفي عام1905، بدأ نشاطهالخاص وأصبح مُمثِّلاً للمالي البريطاني اليهودي سير إرنست كاسل،وترأَّس عدداً منالشركات التي أُقيمت بالتعاون بين كاسل ومجموعة قطاوي ـ سوارس ـمنَسَّى ـ رولو،وانتخب عام 1929 عضواً بمجلس إدارة البنك الأهلي المصري. وحصل علىلقب سير عام1928 تقديراً للخدمات التي قدَّمها للحكومة البريطانية.
يوسف بتشوتو(1857-1945)
Joseph Betshoto

اقتصاديمصري يهودي وُلدفي الإسكندرية لعائلة سفاردية ذات أصول إيطالية قدمت إلى مصر منحلب. وقد بدأحياته موظفاً في مؤسسة تجارية، وأسَّس عام 1896 تجارته الخاصة فأقامعام 1917 شركةلاستيراد المنسوجات القطنية. واكتسب بتشوتو سمعة طيبة كخبير اقتصادي،كما كانعضواً في مجالس إدارة عدد من الشركات وعضواً بالغرفة التجاريةبالإسكندرية.وعُيِّن عام 1922 عضواً بالمجلس الاقتصادي للحكومة المصرية. وكانبتشوتو متعاطفاًمع الحركة الوطنية المصرية، فانضم إلى حزب الوفد وانتُخب عضواًبمجلس النواب ثمدخل مجلس الشيوخ عام 1924. كما كاننائباً لرئيس اللجنة المؤيدة لفلسطين والتيتأسست عام 1918 ورئيساً للبناي بريت(أبناء العهد) في الإسكندرية.


ثانياً دور الجماعات اليهودية الاقتصادي في مصر في العصر الحديثEconomicRole of theJewish Communities in Egypt in Modern Timesابتداءًمن أواخر القرن التاسع عشر وحتى منتصف القرن العشرين، كان لعدد منالعائلاتوالشخصيات اليهودية المصرية شأن كبير في أحوال مصر الاقتصادية وفي شئونهاالماليةوالتجارية والصناعية. وكانت أغلب هذه العائلات من اليهود السفارد الذينوفدوا إلىمصر خلال القرن التاسع عشر وانضووا تحت الرعويات الأجنبية حتى يستفيدوامنالامتيازات القانونية والاقتصادية الممنوحة للأقليات الأجنبية في مصر خلالتلكالفترة، والتي أتاحت لهذه الأقليات، في ظل الوجود الاستعماري البريطاني،احتلالمكانة داخل الاقتصاد المصري لا تناسب حجمها الحقيقي. وقد قامت هذهالعائلاتاليهودية بتمثيل المصالح الأوربية المختلفة داخل مصر، سواء كانت فرنسيةأوبريطانية أو إيطالية أو غيرها، وقامت بدور الوسيط لرأس المال الأوربي الباحثعنفرص الاستثمار داخل البلاد، أي أنها لعبت دور الجماعة الوظيفيةالمرتبطةبالاستعمار الغربي (ومما يجدر ملاحظته أن هذا الدور نفسه قامت به بعضالجماعاتالأوربية وشبه الأوربية الأخرى، خصوصاً اليونانيين الذين حققوا قوةاقتصاديةومكانة اجتماعية مماثلة تقريباً لما حققته طبقة كبار الأثرياء من اليهود).


وتركَّزنشاطهذه العائلات اليهودية في الأنشطة المالية الربوية والائتمانية والتجارية،واندمجتبيوتات المال اليهودية في علاقات ووساطة مع البنوك الأوربية وارتبط نشاطهابالدرجةالأولى باقتصاديات زراعة وتجارة القطن وخدمة المصالح الاقتصاديةالاستعماريةالبريطانية التي كانت تخطِّط لتحويل مصر إلى مزرعة للأقطان. ولعبتمجموعة عائلاتقطاوي وسوارس ورولو ومنَسَّى وموصيري الدور الأكبر في هذا المجال وفيالاقتصادالمصري بشكل عام.
لقدساهمت الجماعات المصرفية اليهودية في عملية التوسع الزراعي في مصر، واشتركتفيعملية تصفية الدائرة السنية عام 1880 وبيعها لكبار الملاك الجدد ثم في تأسيسالبنكالعقاري المصري في العام نفسه بالتعاون مع رأس المال الفرنسي، للقيام بعملياتإقراضالقطاع الزراعي الخاص الجديد وتمويل أعمال الزارعة وشراء الأقطان. وفي عام1897،قامت هذه الجماعات المصرفية، بالتعاون مع رأس المال البريطاني، بتأسيس البنكالأهليالمصري بهدف تمويل المشروعات الخاصة بالتوسع الاقتصادي والاستعماريالبريطاني فيمصر مثل مشروع بناء خزان أسوان وقناطر أسيوط أو تنظيم شبكة الري فيحوض النيل إلىجانب تمويل عمليات شراء ما تبقَّى من أراضي الدائرة السنية من قبلكبار الملاك.


واشتركتالعائلاتاليهودية أيضاً في تأسيس الشركات العقارية العديدة التي أقيمت في إطارمبيعات أراضيالدائرة السنية ثم في إطار الحجوزات العقارية بعد تَراكُم الديون علىكبار وصغارالملاك المصريين نتيجة انخفاض الطلب على القطن المصري. وقد تأسَّس أكثرهذه الشركاتفي الفترة ما بين عامي 1880 و1905، وقامت بامتلاك الأراضي واستغلالهاوبإقامةالمشروعات العقارية والصناعية عليها وكذلك المضاربة فيها لتحقيق تَراكُمسريع لرأسالمال. ومن أهم هذه الشركات شركة أراضي الشيخ فضل، وشركة وادي كوم أمبو.ومن أهمالمشاريع الصناعية الزراعية التي أقامها اليهود على أراضي الدائرة السنيةشركة عموممصانع السكر والتكرير المصرية التي أُقيمت عام 1897 بالتعاون مع رأسالمال الفرنسيواحتكرت لفترة طويلة إنتاج السكر في مصر.
وساهمأعضاء الجماعات اليهودية أيضاً في إقامة الهياكل الأساسية اللازمة للتوسعالزراعي،وخصوصاً اللازمة لنقل وتجارة القطن وغيرها من المحاصيل الزراعية، فاهتموابإنشاءخطوط النقل الحديدية مثل شركة سكك حديد قنا ـ أسوان (1895) ، وشركة سككحديد الدلتاالمصرية المحدودة وهما أهم شركتين لنقل الأقطان والسكر من الأراضيومعامل التكرير.كما ساهموا في تأسيس شركة ترام الإسكندرية (عام 1896) التي كانت تقومبنقل الأقطانإلى البورصة، واشتركوا أيضاً في إدارة بعض الشركات الملاحية مثل شركةالملاحةالفرعونية التي سُجلت عام 1937 وكانت تحتكر تقريباً نقل البضائع المصريةبحرياً.وإلى جانب مساهمتهم في تأسيس كثير من شركات النقل البري والبحري، ساهمأعضاءالجماعات اليهودية في مصر في عملية التوسع العمراني التي صاحبت التوسعالزراعي.فساهموا، على سبيل المثال، في تأسيس حي سموحة بالإسكندرية وحي المعاديبالقاهرة،وفي إدارة العديد من شركات تقسيم وبيع الأراضي وشركات صناعة البناء.


كمالعبالمموِّلون اليهود من أعضاء الجماعات اليهودية دوراً أساسياً في مجال تصديرالقطنوالمحاصيل الزراعية، وكان أكثر من 50%من الشركات المصدرة للقطن في الإسكندرية(قبلالتأميم) مملوكة لهم. وكان أعضاء الجماعات اليهودية يحتلون مواقع إدارية مهمةفيالشركات الأخرى، كما تركزوا في القطاعات الخاصة وفي تصدير بعض المحاصيلالزراعيةالمهمة مثل البصل والأرز. ونشطوا في عمليات استيراد السلع والوكالةالتجاريةللشركات الأجنبية، وبخاصة مع بداية العشرينيات، لاستغلال وفرة الأموال فيأيديأغنياء الحرب والرواج الذي جاء في أعقاب انتهاء الحرب العالمية الأولى. وقدقامتالمحلات التجارية الكبيرة المملوكة للعائلات اليهودية، مثل محلات شيكوريلوشملاوبنزيون وعدس وغيرها، بتسويق هذه الواردات السلعية، خصوصاً المنسوجاتالبريطانية.
وقدارتبطت العائلات اليهودية، سواء من خلال المؤسسات المالية والائتمانية أو منخلالالمؤسسات التجارية التي كانت تمتلكها والتي كان أفرادها يحتلون فيها مواقعإداريةمهمة، بشبكة من علاقات العمل المتداخلة تدعمها علاقات المصاهرة.
ويمكنتقدير مدى مساهمة أعضاء الجماعات اليهودية في مصر في الشركات والقطاعاتالاقتصاديةالمختلفة من خلال عضويتهم في مجالس إدارة الشركات المساهمة التي سيطرتعلى أهمقطاعات الأعمال في مصر منذ أواخر القرن التاسع عشر. وتشير بعض الإحصاءاتإلى أناليهود احتلوا 15,4% من المناصب الرئاسية و16% من المناصب الإدارية عام1943،وانخفضت هذه النسبة إلى 12,7% و12,6% عامي 1947 و1948، وإلى 8,9% و9,6% عام1951.وتشير إحصاءات أخرى إلى أن نسبة اليهود في مجالس إدارة الشركات المساهمةكانت 18%عام 1951. والواقع أن هذه نسب مرتفعة إذا ما قورنت بنسبتهم لإجماليالسكان والتيبلغت عام 1950 نحو 0,4% فقط.


وكانمعظم رأسالمال اليهودي متمركزاً عام 1956، وقبل قرارات التأميم، في الشركاتالعقارية يليهقطاع حلج وغزل ونسج القطن ثم التأمين والبنوك. وكانت هذه القطاعات هيأكثرالقطاعات ربحية في الاقتصاد المصري، وبخاصة خلال الفترة التي أعقبت انتهاءالحربالعالمية الأولى وحتى بداية الخمسينيات.
وفيشأن دور أعضاء الجماعات اليهودية في اقتصاد مصر، منذ نهاية القرن التاسع عشرحتىعمليات التأميم عام 1956، يمكننا أن نلاحظ ما يلي:
1
ـلعب أعضاء الجماعات اليهودية دوراً مهماً لا باعتبارهم يهوداً وإنماباعتبارهمأعضاء في التشكيل الاستعماري الغربي الذي أتوا معه (وقد جاءت معهم أيضاًالأقلياتالغربية الأخرى مثل اليونانيين والإيطاليين والإنجليز ... إلخ) واستقرواضمن إطارالامتيازات الأجنبية وأسسوا علاقات مع المجتمع هي في جوهرها علاقاتاستعمارية.ولذا، يُلاحَظ بشكل ملموس غياب يهود مصر المحليين، خصوصاً القرّائين، عنهذاالقطاع الاقتصادي النشيط، فلم يكن عندهم رأس المال ولا الكفاءات ولاالاتصالاتللاضطلاع بمثل هذا الدور.
2
ـيُلاحَظ أن كبار المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية لعبوا دور الجماعةالوظيفيةالوسيطة بين الاقتصاد العالمي الغربي والاقتصاد المحلي. وقام أعضاءالجماعاتاليهودية بدور ريادي نشيط في عدد من الصناعات والقطاعات الاقتصاديةالجديدة التييتطلب ارتيادها كفاءة غير عادية وجسارة، وهو الدور الذي يلعبه أعضاءالجماعاتالوظيفية، وقد اشترك فيه معهم المموِّلون من أعضاء الجاليات الأجنبيةالأخرى.
3
ـتركَّز هؤلاء المموّلون في صناعات وقطاعات مالية قريبة من المستهلك (حلج القطنـالمصارف ـ تسويق السلع ـ العقارات ... إلخ) وهي قطاعات بعيدة عن الصناعاتالثقيلة.ويعزى نشاط أعضاء الجماعات اليهودية في قطاع الزراعة إلى نظام ملكيةالأراضي في مصرالذي فتح الباب على مصراعيه للأجانب (اليهود وغيرهم (.


4ـومعتزايُد فاعلية القوى الوطنية ونشاطها في القطاع الاقتصادي، بدأ نشاطالطوائفالأجنبية يتراجع بما في ذلك نشاط المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية.
5
ـوحينما تم التأميم عام 1956، كان ذلك تتويجاً لتصاعُد هذه الحركة واختزالاً لبقية المرحلة. وقد كان قرار التأميم موجَّهاً ضد المموِّلين الأجانب والمصريين
ممن كانالحكم المصري يرى أن نشاطهم يربط الاقتصاد الوطني بعجلة الاستعمار الغربيويعوق عمليات التنمية من خلال الدولة والتي تبناهاهذا النظام الوطني. ولذا، فقدهاجر كثير من هؤلاء المموِّلين وغيرهم من المموِّلينالأجانب والمصريين.


لكلما تقدَّم، يكون من الصعب جداً الحديث عن «رأسمالية يهودية في مصر» أو «مخطَّط يهودي للهيمنة والسيطرة على الاقتصاد الوطني في مصر» . فقدوم أعضاء الجماعات اليهودية إلى مصر ونشاطهم الاقتصادي فيها وخروجهم منها تم داخل إطار الاستعمار الغربي، ولم يكن هناك بُعد يهودي يعطي خصوصية يهودية لنشاط الجماعة اليهودية فيمصر. وإذا كان هناك 10% من المناصب الإدارية الرئاسية في أيد يهودية، فإن نحو 90%من هذه المناصب تظل في أيد غير يهودية، ونسبة كبيرة منها في أيدي اليونانيين والإيطاليين وغيرهم.وإذا كان ثمة تعاطُف مع الحركة الصهيونية، فإنه لم يأخذ شكل  ظاهرة عامة أو نمط متكرر وإنما كان اتجاهاً فردياً يمكن تفسيره هو الآخر في إطار انتماء المموِّلين من أعضاء الجماعات اليهودية إلى التشكيل الاستعماري الغربي. وتجب الإشارة إلى أن تأييد بعض الأثرياء اليهود للنشاط الصهيوني يمكن أن نضعه في إطار
ما يُسمَّى«الصهيونية التوطينية» ، فقد شهدت مصر خلال أواخر القرن التاسع عشر هجرة أعداد من يهود شرق أوربا (الإشكناز) إليها، كان أغلبهم من الشباب الفقير وكانوا يختلفون ثقافياً وعقائدياً وطبقياً عن الأرستقراطية السفاردية المصرية. كما تورَّط كثير منهم في الأنشطة المشبوهة، خصوصاً الدعارة،
وهو ما دفع السفارد لإطلاق لقب «شلخت»، أي الأشرار، عليهم
. وكان وجودهم يهدد بخلق أعباء مادية ومشاكل اجتماعية محرجة لأثرياء اليهود. ولذلك، فقد كان دعم بعض أعضاء الأرستقراطية السفاردية للأنشطة الصهيونية في مصر يهدف إلى تحويل هذه الهجرة إلى فلسطين بعيداً عن مصر. كما سعى بعضهم لدى السلطات المصرية لوقف الهجرة اليهودية القادمة إلى مصر كليةً.
هذا،ويمكن القول بأن وضع يهود مصر والدور الذي اضطلعوا به هو نمط متكرر بين أعضاء الجماعات اليهودية وأعضاء الجماعات الوظيفية الغربية الأخرى في العالم العربي ابتداءً من أواخر القرن التاسع عشر.
 
===================
يهود شبه الجزيرة العربية
وجد اليهود قبل الإسلام في كامل بلاد اليمن ويثرب وتيماء وخيبر و دوس و اليمامة و نجران وفي دومة الجندل والبحرين وفي مناطق أخرى متفرقة. وقد ورد اسم تيماء في العهد القديم، في سفر إشعياء.
كانت اليهودية الديانة التوحدية السائدة في الجزيرة العربية قبل الإسلام، وينحدر يهود الجزيرة العربية من ثلاثة مجموعات:
يهود يعرفون انفسهم انهم ينحدرون من بني اسرائيل كيهود بني النضير في يثرب
يهود من قبائل بني اسماعيل كيهود غطفان
يهود ينحدرون من الحميريين والقبائل السبئية اليمنية
يعتقد ان التأثير اليهودي في اليمن قديم جداً فالإله إيل مقة (إيل الحافظ) الذي عبدة السبئيين منذ القرن الثامن قبل الميلاد هو نتيجة التأثير اليهودي, إيل هو الله بالعبرية ويظهر في أسماء السبئيون بكثرة مثل وهب إيل وشرح إيل وهي شراحيل وشرحبيل (شرحب إيل) وكربئيل والتي تعني القريب من إيل (الله) و"إيل شرح" وتعني "نصر إيل" أو " إيل المتلألئ" ويظهر في أسماء الإسرائيليين مثل صامويل وهي صامو إيل وميكائيل وجبرائيل واسرائيل, يذكر القرآن وكذالك التوراة ان النبي سليمان ارسل الى ملكة سبأ يدعوها للتوحيد.
اعتنق الحميريين الديانة اليهودية و الحميريين قبائل سبئية تقطن في إب -تعز- ريمة - ذمار وعاصمتهم ظفار, كان الحميريين يطلقون على إيل (الله) ايضا اسم رحمن وتشير اليه النقوش بانة (رب السموات والأرض), والرحمن وهو من اسماء الله الحسنى حسب الدين الإسلامي , وقد اكتشف في ظفار عاصمة الحميريين كتابات باللغة العبرية يسجل فيها شكرهم لاسرائيل.
من اشهر ملوك حمير الملك يوسف أسأر يثأر الحميري وكان يلقب بملك كل الشعوب يتضح من اسمه انه كان يهوديا توحدت تحت امرته كبرى قبائل اليمن همدان ومذحج وكندة ومراد واعرابهم وقد الحق الملك الحميري يوسف هزيمة نكراء في الغزاة الأحباش خلفت 12 الف قتيلاً و11 الف اسيراً في ظفار والمخا ونجران.
كان في يثرب 10 قبائل تدين باليهودية وكانوا يؤمنون بنبي اخر الزمان، بعد مجيء النبي محمد أسلمت 7 قبائل كانت تدين باليهودية وهي بني عوف وبني النجار وبني الحارث وبني ساعدة وبني جشم وبني الأوس وبني ثعلبة وبقيت 3 قبائل على الديانة اليهودية وهي بني قينقاع وبني النضير وقريظة، وقد أسلم قسم من قبائل قينقاع ونضير وقريظة لكن غالبيتهم لم يعتنقوا غير الديانة اليهودية.
أكثر المؤرخين اتفقوا أن قبيلة بني قينقاع في يثرب هم بالفعل من بني اسرائيل, وجود بني قينقاع كان قديم في يثرب وكانوا يتحدثون اللغة العربية وفي صلاتهم يقرؤن التوراءة بالعبرية، وكانوا يعملون صناعيين وتجار ومزارعين. وكانت صلاتهم فيها ركوع وسجود تختلف عن صلاة اليهود الحاليين.
تنحدر قبيلة النضير وقبيلة قريظة من الكاهنين وهم من ذرية هارون بن عمران من سبط لاوي وقريظة اسم اعجمي غير شائع بين العرب ويعتقد انهم كانوا نازحين من جراء الاضطهاد الروماني, في الفترة ما بين عامي 70 م. و 135 م يعتقد انهم من الناجين من دمار أورشليم على يد تيطوس أو الذين تم إجلاؤهم على يد الامبراطور هادريان, وحين انتقلوا إلى الحِجاز في شبه الجزيرة العربية، فقد جاءوا على يهود سبقوهم (بنو قينُقاع), ويهود بني قينقاع أصلهم موغل في القدم بيثرِب ويعود لزمان الددانيين، ويرى المؤرخ دوزي بأن أول هجرة لليهود إلى الحجاز كانت لأفراد من سبط شمعون
يذكر ابن خلدون أن سبط يهوذا نزل خيبر منذ أيام النبي داود ، ويذكر دوزي بأن ذرية شفطيا بن مهللئيل من سبط يهوذا نزلوا خيبر أيام السبي البابلي ، ويذكر الحلبي بأن في يهود خيبر جماعة تنسب إلى الكوهنيم ويذكر بعض المؤرخون أن يهود خيبر ليسوا من بني إسرائيل، بل هم قبيلة بنو خيبر من العماليق ومن قبيلة قيدار من بني اسماعيل دانوا باليهودية بعامل الاحتكاك التجاري, وذكر القيداريين في التوراة والنصوص الآشورية وكانوا ينتشرون على رقعة جغرافية شاسعة من سيناء الى صحراء الشام الى دومة الجندل.
يظهر من التوراة أن القيداريين كانوا أعرابًا يعيشون في الخيام عيشة أهل البداوة، وقد وصفت خيامهم بأنها خيام سود "أنا سوداء وجميلة يا بنات أورشليم، كخيام قيدار، كشقق سليمان".
يهود خيبر
كانت قبيلة بنو خيبر تنسب الى خيبر بن مهلهل بن عوص بن عمليق، وكانت منازلهم أرض خيبر من الحجاز، وبه سميت البلدة المعروفة ، وقيل خيبر بلسان بني إسرائيل تعني الحصن وبها سميت البلدة.
يهود فدك
تقع واحة فدك في منطقة حائل وقد كان سكانها من قبيلة عبس الغطفانية يهود الديانة اشتهرت فدك بزراعة القمح و التمور. أرسل علي بن أبي طالب لفدك وتم مصالحتهم على دفع الجزية وقد اسلم معظمهم.
يهود وادى القرى
وادي القرى، واد كبير بين تيماء وخيبر، فيه قرى كثيرة لهذا سُمي «وادي القُرى» وكان سكانه من قبيلة بني عذرة يهود الديانة حاربوا المسلمين في غزوة الأحزاب ثم صالحوهم على دفع الجزية.
يهود بنى الديان
بنو الديان هم قبيلة تنسب الى بنو الحارث بن كعب من مذحج كانت تقطن في نجران وكانت تدين باليهودية والديان هي تسمية عبرية، وكان لهم الرئاسة بنجران وكان الملك بنجران اسمه عبد المدان بن الديان قبل البعثة إلى يزيد بن عبد المدان وقد وفد أخوه على النبي صلى الله عليه وسلم.
فى عام 1932م كان عدد يهود نجران سبعة الاف يهودي ولهم حاخام وكانوا يعملون بالاعمال الحرفيه ومنهم البدو رعاة المواشي
قامت السلطات السعودية بطرد اغلبية اليهود الى اليمن عام 1948م، اليهود المتبقين تحولوا الى الإسلام.
تواجدت أيضا الديانة اليهودية في عمان والامارات والاحساء (اقليم البحرين) قبل الإسلام، اعتنق الأزديين الديانة اليهودية بالاضافة لعبادة الاصنام والنصرانية وقد اسلم معظمهم خلال فترات زمنية مختلفة، كان يهود (أولاد سارة) يسكنون في صحار وساحل الشميلية وخورفكان.
اما الوجود الحالي لليهود في جزيرة البحرين اليوم فيعود لمهاجرين يهود عراقيين قدموا للبحرين خلال القرنين المنصرمين من مدينتي البصرة وبغداد في العراق ومدينة بوشهر في إيران وأقدم وجود موثق رسميا يعود إلى نهايات القرن التاسع عشر حيث تذكر وثائق بريطانية إلى أن أحد اليهود ويدعى " نسيم اليهودي" صاحب أشهر بقالة في المنامة آنذاك يذكر ان عدد اليهود في تلك الفترة لم يتجاوز ال500 شخص ويوجد لهم كنيس في المنامة القديمة وقد بني عام 1931 ميلادي وهو يتوسط المنامة القديمة. تناقصت أعداد اليهود في جزيرة البحرين حيث هاجروا على دفعتين، الهجرة الأولى في العام 1948 مع قيام اسرائيل إذ غادر قسم منهم طوعا إلى خارج البحرين ومنهم من ذهب إلى بريطانيا واخرون ذهبوا إلى كندا والولايات المتحدة. واما الهجرة الثانية فقد هاجرت في العام1967.
ذكرت التوراة دومة (دومة الجندل) وذكر في التوراة ان دومة احد ابناء اسماعيل الاثنى عشر، كان يهود دومة الجندل ينتمون لقبائل النضريين والوائليين وكندة وكلب.
القبائل العربية التي اعتنقت اليهودية
غطفان - كندة - بنو عوف - بنو الحارث - بنو جشم - بنو ساعدة - بنى ثعلبة - بنى النجار - الأوس - بنو الشطيبة
ذكر ابن قتيبة في حديثه عن أديان العرب في الجاهلية: أن اليهودية كانت في قريــش وبني عتيبه وبني الحارث بن كعب وعيال وايلة وبعض قضاعة. وذكر نفس الأمر ابن حزم الأندلسي الظاهري في جمهرة أنساب العرب عند حديثة عن نفس الموضوع، وبالمثل ياقوت الحموي في معجمه.
أما صاعد البغدادي الأندلسي، صاحب المصنفات، والذي كان من المقربين من محمد بن أبي عامر المعروف بالمنصور، فقد ذكر صاعد مجموعة من القبائل التي تسربت إليها اليهودية مثل حمير وبني كنانة وبني الحارث بن كعب وكندة. وذكرت مصادر أخرى أن اليهودية وجدت في بعض الأوس من قبائل الأنصار، وبني نمير وبعض غسان وبعض جذام. بل أن بعض المصادر تذكر أن الآية القرآنية البقرة 256، نزلت بسبب أن بعض الأنصار هودوا أولادهم قبل الإسلام وعندما جاء الإسلام أرادوا أن يقسروا أبناءهم على اعتناق الإسلام، فنزلت تلك الآية الكريمة التي تحرم الإكراه في الدين.(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ ۖ قَدْ تَبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ ۚ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ لَا انْفِصَامَ لَهَا ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [سورة البقرة : 256] بواسطة وبعض المؤرخين يعتقِد أن يهود العربية جميعاً أصلُهم إسماعيلي مُعلّلين ذلِك بان يهود الجزيرة العربية لا يفترقون عن بقية القبائل العربية في العادات والتقاليد في شيء، حتى أشعارهم لا تتبدى بها إلا الطبيعة العربية الخالصة، ويضرِبون المثل على ذلك بشعر السموأل بن عادياء، فالسموأل يذكر في لاميته المعروفة إنه من بني الديان، وقد ذكر القلقشندي في نهاية الأرب نسب بني الديان كالتالي:
بنو الديان - بفتح الدال المهملة وتشديد الياء المثناة تحت ونون في الآخرة بطن من بني الحارث بن كعب من القحطانية وهم بنو الديان واسمه يزيد بن قطن بن زيادة الحارث بن كعب بن الحارث بن كعب والحارث قد تقدم نسبه في الألف واللام مع الحاء‏.‏
قال في العبر‏:‏ وكان لهم الرئاسة بنجران من اليمن والملك على العرب بها وكان الملك منهم في عبد المدان بن الديان وانتهى قبل البعثة إلى يزيد بن عبد المدان ووفد أخوه على النبي صلى الله عليه وسلم على يد خالد بن الوليد‏.‏
قال ابن سعيد‏:‏ ولم يزل الملك بنجران في بني عبد المدان ثم في بني أبي الجود منهم ثم انتقل إلى الأعاجم الآن‏.‏
قال أبو عبيدة‏:‏ ومن بني عبد المدان هؤلاء الربيع بن زياد أمير خراسان في زمن معاوية وشداد بن الحارث الذي يقول فيه الشاعر‏:‏ يا ليتنا عند شدادٍ فينجزنا ويذهب الفقر عنا سيبة الغدق. انتهى ما ذكر القلقشندي.
تشير بعض الدراسات الجادة (مثل: التوراة جاءت من جزيرة العرب/ كمال الصليبي، جغرافية التوراة - مصر وبنو إسرائيل في عسير/ زياد منى، تاريخ سوريا القديم/ أحمد داوود) إلى أن اليهودية هي إحدى الديانات العربية، التي نشأت أصلا في غرب الجزيرة العربية
أما النظرية التقليدية القديمة، التي تفترض أن التوراة نشأت في الأردن بين قوم يهوذا، فترى أن اليهودية قد وصلت الجزيرة العربية عن طريق أحد الوسائل التالية أو بعضها معا أو كلها مجتمعة:
أولا: يحتمل عبر عامل الاحتكاك التجاري مع يهود بني اسرائيل وبلاد الشام.
ثانيا: أو/ ونتيجة نزوح بعض قبائل بني اسرائيل إلى الجزيرة العربية أثناء فترة حكم الرومان لفلسطين، خاصة مع تعدد ثورات بني اسرائيل وقمعها على يد الرومان وتدمير المعبد وفرض ضرائب خاصة على بني اسرائيل، مما ربما حدا ببعضهم للفرار بعيدا عن الرومان فذهب بعضهم ليستقر في الجزيرة العربية، وهناك بحكم عامل القرابة العرقية بين بني اسرائيل وبني اسماعيل وبحكم عامل الاحتكاك بين دين توحيدي له كتاب وعقيدة واضحة مترابطة وفقه متين، وبين أديان أرضية لا تملك أيا من هذا، أن يتغلب الدين التوحيدي على الأرضي.
إن بني إسرائيل الوارد ذكرهم في التوراة والقرآن الكريم هم بإجماع أهل الاختصاص من نسل يعقوب ابن إسحاق ابن إبراهيم الخليل، عليهم السلام جميعا. وإبراهيم هو أبو الإسرائيليين والاسماعيليين من القيداريين، الذين تنتمي قبيلة قريش إليهم. موطن العرب الاسماعيليين هو غرب شبه الجزيرة العربية، فيما يعرف بالحجاز وتهامة، حيث عاش إبراهيم الخليل، في حوالي القرن التاسع عشر قبل الميلاد وقام ببناء الكعبة مع ولده إسماعيل.
يبدو أن شبه الجزيرة العربية قد عاشت في هذه الحقبة التاريخية بالذات عصرها الذهبي، حيث كانت تحتضن أهم الطرق التجارية العالمية البرية والبحرية. كان الخليج العربي في الشرق والبحر الأحمر في الغرب والبحر العربي في جنوب الجزيرة العربية والموانيء والثغور البحرية العربية المطلة عليها تغص بالسفن، التي تنقل البضائع والتجارة العالمية آنذاك بين حوض البحر الأبيض المتوسط الخاضع للسيادة العربية الكاملة، الأشورية والبابلية والفينيقية والمصرية وبين موانيء الهند والصين. وفي موازاة هذا الممر المائي كانت هناك خطوط برية للقوافل تربط بلاد الشام والعراق ومصر عبر نجد والحجاز باليمن وعمان. في ظل هذا الانتعاش الاقتصادي، الذي شهدته الجزيرة العربية في هذه الحقبة، استقر البدو والرعاة وتطورت الزراعة وبنيت السدود. كذلك كثرت الأسواق وازدهرت المدن والثغور وأصلحت الطرق وشيدت المعابد. استمر هذا العصر الذهبي في جزيرة العرب أكثر من ألف عام. هذا العصر تمجده التوراة كثيرا وتخلده بالمزامير ويشير إليه القرآن الكريم في قصص عاد وثمود وإرم وفرعون ومدين وسبأ. كذلك الأساطير العربية التي ربما تقوم مقام الذاكرة التي ترصد ما خفي من التاريخ، تتحدث عن عصر غابر تتزاحم فيه الجنان، التي تتدفق قيها العيون وتظللها الأشجار أو تفيض بالأنهار، التي "يسيل فيها الحليب والعسل".
واصلت الديانة اليهودية انتشارها واعتنقها كثير من القبائل العربية الأخرى، فوصلت أولا إلى يثرب ثم اليمن، وبلغ انتشارها ذروته في القرنين الرابع والثالث قبل الميلاد، أي بعد مضي أكثر من ثلاثة قرون على أسر البابليين لكهنة بني إسرائيل في غرب الجزيرة العربية وقبل ظهور النصرانية والإسلام كانت اليهودية دينا سائدا في البلاد العربية بين جميع شعوبها وعند ظهور الإسلام كان كثير من قبائل الجزيرة العربية وحواضرها تدين باليهودية، وكانت مدن تيماء وخيبر ويثرب ونجران مراكز يهودية معروفة. كذلك كان الشاعر العربي الجاهلي السموأل بن عريض بن عادياء الأزدي، من بطون سبأ، الذي يضرب به المثل في الوفاء عند العرب، يهودي الديانة ويسكن في خيبر القريبة من يثرب.
اختلف يهود الجزيرة العربية عن بقية يهود الشرق العربي القديم وحوض البحر المتوسط، في إنهم اقتصروا على التاناخ، أي العهد القديم، ولم يأخذوا بالتلمود، سواء البابلي أو الأورشليمي، رغم أن التلمودين المذكورين تم الانتهاء منهما قبل ظهور الإسلام بوقت طويل يكفي لوصولها إليهم، خاصة إن سكان الجزيرة العربية لم يكونوا معزولين عن العالم، نتيجة مرور طرق التجارة العالمية بأرضهم وفي البحار المحيطة بجزيرتهم. لهذا فمن الممكن أن نعدهم أقرب لليهودية في صورتها الأولى منهم لليهودية الحديثة التي يعتنقها أغلب يهود اليوم والتي تقوم على التاناخ، أي العهد القديم، مع التلمود. وأقرب الطوائف اليهودية الحالية إلى يهود الجزيرة العربية الأقدمين، هي طائفة اليهود القراؤون. أما حاليا فإن يهود الجزيرة العربية في اليمن والبحرين من اليهود الربانيين الذين يأخذون بالتلمود مع التاناخ. ويلاحظ أن يهود أثيوبيا المعروفين بالفلاشا، أيضا لا يأخذون بالتلمود وإلى اليوم، ولا شك في أن اليهودية انتقلت لأثيوبيا قادمة من اليمن.
اسلمت الكثير ممن يهود قبائل الجزيرة العربية، مثل قبائل حمير و الحارث بن كعب وكنانة وكندة واسد وغطفان وغيرهم وشاركت تلك القبائل بشكل فعال في حركة الفتوحات الإسلامية في عهد الخلفاء الراشدين وفي الدولة الأموية وفى الدولة العباسية.
أما في جنوب الجزيرة العربية فقد ظل في اليمن وجود الديانة اليهودية متواصلا بلا انقطاع لليوم، وإن تقلص كثير بالهجرة لخارج اليمن. كما لا تزال هناك جاليات يهودية صغيرة في البحرين والكويت وعمان

=============

أسماء عظماء يهود:


من بنى النضير:
حيىّ، ومالك، وأبو ياسر، وجديّ بنو أخطب. وفيهم وفي نظرائهم نزل: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) ،
__________
[1] خ: الضرار. (لعله كما أثبتناه) . وفي تفسير الطبرى: «لذى النحلة والحاجة» .
وسعد بن خيثمة من كبار الصحابة.

إلى قوله: (عَذابٌ عَظِيمٌ [1] . وسلام بْن مَشْكَم الَّذِي نزل عَلَيْهِ أبو سفيان ابن حرب بْن أمية، فَقَالَ فِيهِ أَبُو سُفْيَان.
سقاني فرواني عُقارًا سلافةً ... عَلَى ظمأ مني سلام بْن مشكم
وامرأة سلام هَذَا، واسمها زينب بنت الحارث، هي التي أهدت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم شاةً مسمومة. وكنانة، وربيع، ورافع، وأبو رافع (واسمه سلام) بنو أَبِي الحقيق. وكعب بْن الأشرف الطائي، من بني نبهان، حليف بني النضير، وأمه عُقيلة بِنْت أَبِي الحقيق. وكان أَبُوهُ أصاب دمًا فِي قومه، فأتى المدينة. وكان كعب طوالًا، جسيمًا، ذا بطن وهامة ضخمة. وهو الَّذِي قَالَ يَوْم بدر: بطن الأرض خير من ظهرها، هَؤُلَاءِ ملوك النَّاس وسرواتهم- يعنى قريشا- قد أصيبوا. فخرج إلى مكَّة، ونزل عَلَى أَبِي وداعة بْن ضبيرة، وجعل يهجو المسلمين، ورثى قتلى بدر فَقَالَ [2] :
/ 134/ طحنت رحى بدر مهلك أهله ... ولمثل بدر تستهلُّ وتدمعُ
قتلت سراة النَّاس حول حياضهم ... لا تبعدوا إن الملوك تُصَرَّع
ويقول أقوام غوى أمرهم ... إنّ ابْنُ أشرف ظلّ كعبًا يجزع
صدقوا فليت الأرض ساعة قُتلوا ... ظلت تسيخ بأهلها وتصدّع
نبئتُ أنّ الحارث بن هشامهم ... في الناس يبنى الصالحات ويجمع
ليزور يثرب بالجموع وإنما ... يسعى عَلَى الحسب القديم الأروع
فَأَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حسان بهجاء من نزل كعب عنده، حتَّى رجع إلى المدينة. وكان كعب كما وصفنا. حجاج، ويجرى ابنا عَمْرو.
أَبُو رافع. سعد بْن حنيف، كَانَ متعوذًا بالإسلام. رفاعة بْن قيس. فنحاص الَّذِي سَمِعَ قول اللَّه: وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً* [3] ، فَقَالَ: أرانا أغنى من ربّ مُحَمَّد حين يستقرض منا، فنزلت فيه: لقد كفر الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ سَنَكْتُبُ ما قالُوا) [4] . محمود بن دحية. عمرو بن جحاش.
__________
[1] القرآن، البقرة (2/ 6- 7) .
[2] ابن هشام، ص 548- 549 وزاد أبياتا، والبيتان الأخيران أيضا عند مصعب الزبيري، ص 301.
[3] القرآن، المزمل (73/ 20) .
[4] القرآن، آل عمران (3/ 181) .

عزيز بن أبى عزيز. نباش بْن قيس. سعية. بْن عَمْرو. نعمان بْن أوفى.
سكين بْن أَبِي سكين. زَيْد بْن الحارث. رافع بْن خارجة. أسير بْن زارم، وَيُقَالُ: رزام، كَانَ يحرّض عَلَى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ويبسط لسانه فِيهِ، ثُمَّ أتى خيبر فبعث رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من قتله، وعدَّة من اليهود معه. مخيريق الَّذِي أسلم وقاتل مَعَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم أحد، وأعطاه ماله، فوقفه، وَيُقَالُ إنه من غير بني النضير.

643- ومن بنى قينقاع:
كنانة بن صوبرا [1] ، وَيُقَالُ: صُوريا. زَيْد بْن اللصيت الَّذِي قَالَ: «زعم مُحَمَّد إنه يأتيه خبرُ السماء، فضّلت ناقته فليس يدري أَيْنَ هِيَ؟» . فدله اللَّه عليها، فوجدت وَقَدْ تعلق خطامها بشجرة. سويد، وداعس كانا منافقين يتعوذان بالإسلام. مالك بْن أَبِي قوقل، كَانَ متعوذًا بالإسلام ينقل أخبار النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى يهود، وهو حبر من أحبارهم [2] .
وَيُقَالُ إنّ مخيريق منهم.

644- ومن بني قريظة:
الزبير بن باطا بن وهب. كعب بن أسد. عزال [3] ابن شمويل. سهل بْن زَيْد. وهب بْن زَيْد. عليّ بْن زَيْد. قَرْدَم بْن كعب.
كردم بْن حبيب. رافع بْن رميلة. رافع بْن حريملة، متعوّذ، وهو الَّذِي [قَالَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْم مات: «لقد مات اليوم منافق عظيم النفاق] » .
لبيد بْن أعصم الَّذِي كَانَ يتعاطى السحر. سلسلة بْن أبراهام، وبعضهم يَقُولُ بهرام، والأول أصح. وكان سلسلة متعوّذا. رفاعة بْن زَيْد بْن التابوت. الحارث ابن عوف. سعية بْن عَمْرو منهم، وهو القائل:
يخبرني عن غائب المرء هديه ... كفى مخبرًا عن غائب المرء ما يبدي
وَيُقَالُ إن هذا الشعر لسعية بْن عَمْرو النضري.

645- ومن بني حارثة بن الحارث بْن الخزرج بْن عَمْرو بْن مالك بْن الأوس:
أبو [4] سنينة.
__________
[1] كذا في الأصل بالباء. لعله «هويرا» ، بالياء المثناة التحتانية:
[2] خ: خبر من أخبارهم (بالخاء المعجمة) .
[3] خ: عراك (والتصحيح عن تاريخ الطبرى، ص 1496) .
[4] وفي تأريخ الطبرى: ابن.

646- ومن بني عَبْد الأشهل:
يوشع. وكان يبشر بالنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
فلما بعث، آمن بِهِ بنو عَبْد الأشهل سواه. وفيه وفي ضرباء لَهُ نزل: فَلَمَّا جاءَهُمْ مَا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) ، إلى قوله (وَلِلْكافِرِينَ عَذابٌ مُهِينٌ) [1] .
647- قالوا: وكان رسول الله صلى الله عليه وَسَلَّمَ عند قدومه المدينة وادع يهودها، وكتب بينه وبينهم كتابًا، واشترط عليهم أن لا يمالئوا عدَّوه وأن ينصروه عَلَى من دهمه وأن لا يقاتل عن أهل الذمة. فلم يحارب أحدًا، ولم يهجه [2] ، ولم يبعث سرية حتَّى أنزل اللَّه عزَّ وجلَّ عَلَيْهِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ (لَقَدِيرٌ)) ، إلى قوله (وَلِلَّهِ عاقِبَةُ الْأُمُورِ [3] ) . فكان أول أيام عقده لواء حمزة بْن عَبْد المطلب رَضِي اللَّه تَعَالى عَنْهُ.
حَدَّثَنَا سُرَيْجُ بْنُ يُونُسَ أَبُو [4] الْحَارِثِ، ثنا إِسْحَاقُ الأَزْرَقُ، عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الأَعْمَشِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْبَطِينِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ:
أَوَّلُ آيَةٍ/ 135/ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ) .
وحدثنا مُحَمَّدُ بْنُ حَاتِمٍ الْمَرْوَزِيُّ، ثنا مَعْمَرٌ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ، عَنْ يُونُسَ بْنِ يَزِيدَ الأَيْلِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عُرْوَةَ أَنَّ أَوَّلَ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْجِهَادِ: أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا) ، إِلَى قَوْلِهِ (لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ [5] ) .
__________
[1] القرآن، البقرة (2- 89- 90) .
[2] يهجمه؟
[3] القرآن، الحج (22/ 39- 41) .
[4] خ: ابن. (والتصحيح عن تهذيب التهذيب لابن حجر، ج 3، رقم 857) .
[5] القرآن، الحج (22/ 39- 40) .

=========

أسماء المنافقين من الخزرج:
639- عَبْد اللَّه بْن أَبِيّ بْن سلول، رأس المنافقين، القائل: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ [1] . وسلول أم أبيّ، وهي خزاعية، وأبوه مالك بْن الحارث. جدّ بْن قيس، وهو القائل لرسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ ندبَ النَّاس إلى غزو تبوك، وذكر بناتَ الأصفر: ائذن لي ولا تفتني ببنات الأصفر [2] . [وقَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لبني سَلَمة: من سيدكم يا بني سَلَمة؟ قَالُوا: جدّ بْن قيس عَلَى بخل فِيهِ. فَقَالَ: «وأيّ داء أدوأ من البخل؟ سيدكم الأبيض الجعد بشر بْن البراء بْن معرور] » . عدي بْن ربيعة الَّذِي كَانَ يؤذي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورماه مرة بقذر، وكان أعمى. وابنه سويد بْن عدي. قيس بْن عَمْرو بْن سهل، حدثنى به [3] سَعِيد الْأَنْصَارِيّ المحدّث. سعد بْن زُرارة، وكان يدّخن على رسول صلى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشعر. زَيْد بْن عَمْرو. عقبة بْن قديم، حليف. وذكروا أن أبا قيس بْن الأسلت أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي السنة الأولى من الهجرة، فعرض/ 129/ عَلَيْهِ الْإِسْلَام. فَقَالَ: ما أحسن ما تَقُولُ وتدعو إِلَيْه، وسأنظر فِي أمري وأعود إليك. فلقيه ابْنُ أبيّ، فَقَالَ لَهُ: كرهتَ والله حرب الخزرج. فَقَالَ: لا أسلم سنة. فمات فِي ذي الحجة سنة إحدى.
حَدَّثَنِي عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ غِيَاثٍ، ثنا حَمَّادُ بن سلمة، عَنْ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرَادَ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ، فَأَخَذَ جِبْرِيلُ بِثَوْبِهِ، وَنَزَلَتْ: وَلا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً) ، الآية [4] .
__________
[1] القرآن، المنافقون (63/ 5) .
[2] راجع القرآن، التوبة (9/ 49) .
[3] خ: بن. (لعله سعيد بن أبى زيد الأنصارى) .
[4] القرآن، التوبة (9/ 84) .

المنافقون من الأوس
[1] :
640- ومن الأوس: الجلّاس بْن سويد بْن الصامت، من بنى حبيب بن عمرو ابن عوف. وكان عَبْد اللَّه بْن المجذّر بْن ذياد البلوى قتل أباه سويدًا فِي الجاهلية.
فلما كَانَ يَوْم أحد، قتل الجلاس بْن سويد: المجذر غيلة. فأخبر جبريل رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ، وأمره بقتل الجلاس بالمجذّر. فركب رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى بني عَمْرو بْن عوف فِي يَوْم حار، فخرجوا يسلمون عَلَيْهِ، وخرج الجلاس فِي ملاءة صفراء. فدعا رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عويم بْن ساعدة، وأمره بقتله. فقدّمه إلى باب المسجد، فضرب عنقه. وكان الجلاس يَقُولُ: إن كَانَ هَذَا الرجل صادقًا، لنحن شرّ من الحمير. فبلغ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلَكَ. فحلف لَهُ أَنَّهُ ما قاله. فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ: يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قالُوا وَلَقَدْ قالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ) ، الآية [2] .
الحارث بْن سويد بْن الصامت، أخوه. يُقال إنه الَّذِي قتل المجذّر، فقتله رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وأن الجلاس كَانَ ممن تخلف عن غزاة تبوك. والقول الأول قول الكلبي. ودُريّ بْن الحارث [3] . بجاد بْن عثمان بْن عامر. نبتل بْن الحارث الَّذِي [قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «من أحبّ أن ينظر إلى شيطان، فلينظر إلى نبتل] » وكان أدلم، ثائر الشعر، جسيمًا، أحمر العينين، أسفع [4] الخدّين. وكان ينقل حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلى المنافقين.
عَبْد اللَّه بْن نبتل، وهو الَّذِي كَانَ ينقل أيضًا حديث النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
قَالَ الواقدي: وكان خارجة بْن زَيْد بْن ثابت يسقي النَّاس الماء المبرد بالعسل.
وكان عَبْد اللَّه القرّاظ، وهو فارسي سبي فِي خلافة عُمَر بْن الخطاب، يأتيه.
فإذا رآه، قَالَ: اسقوه. فيسقى. فجاء ذات يَوْم وَقَدْ حضر رَجُل من ولد عَبْد الله ابن نبتل، فجعل يهزأ بِهِ. وكان القراظ عظيم الرأس والأذنين، له خلقة منكرة،
__________
[1] راجع لهذا الباب والباب الماضى: ابن هشام، ص 355 وما بعد.
[2] القرآن، التوبة (9/ 74) .
[3] خ: الجرثن. (ولكن راجع بعد عدة أوراق) .
[4] أسفع: أسود.

فَقَالَ لَهُ: من أنت يا فتى؟ قَالَ: رجل من الأنصار. قال: مرحبا بالأنصار، ممن [1] أنت منهم؟ قَالَ: أَنَا فلان بْن الحارث بن عبد الله بن نبتل. فقال:
«أما جدّك فلم ينصر، أعلمتَ ما نزل فِيهِ من القرآن؟ أما تدري ما صنعت بِهِ تراه فضحته. والله وهي الفاضحة» . قيس بْن زَيْد، قتل يَوْم أحد.
أبو حبيبة [2] بْن الأزعر، وكان ممن بنى [3] مسجد الضرار: ثعلبة بن حاطب ابن عَمْرو بْن عُبَيْد. معتب بْن قشير. وثعلبة ومعتب هما اللذان عاهدا اللَّه لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ [4] . ومعتب هُوَ الَّذِي قَالَ يَوْم أحد: لَوْ كانَ لَنا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنا هاهُنا [5] . وهو القائل يَوْم الأحزاب: يعدنا مُحَمَّد كنوز قيصر، وأحدنا لا يقدر عَلَى إتيان الغائط، ما هَذَا إلا غرور [6] . وَيُقَالُ إنّ جد بْن قيس القائل ذَلِكَ. ورافع بْن زَيْد.
وفيه وفي معتب ونفر من أصحابهما نزلت: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَما أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ) ، الآيتين [7] وكان خصماؤهم دعوهم فِي خصومتهم إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فأبوا ذَلِكَ وقالوا: نتحاكم إلى كعب بْن الأشرف. فسماه رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ طاغوتًا. وفي رواية أخرى: فسماه اللَّه. وَيُقَالُ إنهم دعوهم إلى الكاهن. وجارية ابن عامر بن مجمّع (بن العطاف، وبنوه يزيد وزيد ومجمع. وهم ممن اتخذ مسجد الضرار. / 130/ وكان مجمع بْن جارية قَدْ قَرَأَ القرآن، فكان يصلي بهم فِيهِ. وَيُقَالُ إنّ مجمع بْن جارية لم يكن منافقًا. وَيُقَالُ إنه نافق ثُمَّ صح إسلامه، وعني بالقرآن حتَّى حفظه. ومربع بْن قيظي القائل للنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أحرجُ عليك أن تمرّ فِي حائطي. وهو القائل يوم الخندق: «إِنَ
__________
[1] خ: من.
[2] خ: حسه. (والتصحيح من ابن هشام والطبرى) .
[3] خ: بنى في.
[4] القرآن، التوبة (9/ 75) .
[5] القرآن، آل عمران (3/ 154) .
[6] راجع القرآن، الأحزاب (33/ 12) .
[7] القرآن، النساء (4/ 60- 61) .

بُيُوتَنا عَوْرَةٌ [1] . فأذن لنا فِي المقام» . وَيُقَالُ إنّ الَّذِي قال ذلك بالخندق معتب ابن قشير. ومربع هَذَا عم عرابة بْن أوس بن قيظى الجواد الذى مدحه الشماخ ابن ضرار. وكان عرابة قَدْ أقبل من الطائف، ومعه أبعرة عليها زبيب وأدم.
فعنّ لَهُ الشماخ بْن ضرار، فاستطعمه من الزبيب. فَقَالَ: خذ برأس القطار.
فَقَالَ الشماخ: أتهزأ بي؟ فَقَالَ: خذ عافاك اللَّه برأس القطار، فهو لَكَ.
فأخذ الإبل بما عليها، وقَالَ [2] :
رَأَيْت عَرَابة الأوسيّ ينمى [3] ... إلى الخيرات مُنقطع القرين
وعباد بْن حنيف بْن واهب بْن العكيم، أخو عثمان وسهل ابنى حنيف ابن واهب. وكان عباد ممن بنى مسجد الضرار. وفيه نزلت: إِنَّما كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ [4] » . وخِذام بْن خَالِد. وهو أخرج مسجد الضرار من داره. وَيُقَالُ إن الَّذِي أَخْرَجَهُ من داره وديعة بْن خذام. ورافع وبشير ابنا زياد. وقيس بْن رفاعة الشَّاعِر، وكان يختلف هُوَ والضحاك بْن حنيف إلى كنيسة يهود، فأصاب عينه قنديل، فذهبت. وحاطب بْن أمية بْن رافع بْن سويد الَّذِي قيل لابنه، وحمل مرتثًا: أبشر بالجنة. فَقَالَ حاطب: جنة من حرمل، لا يغرّنك [5] هَؤُلَاءِ يا بني. وبشر بْن أُبيرق الظفري. وهو أَبُو طعمة. واسم الأبيرق الحارث ابن عَمْرو بْن حارثة بْن الهيثم بْن ظفر. واسم ظفر: كعب. وكان بشر شاعرًا منافقًا.
حدثني خلف بْن سالم المخزومي، عَنْ وهب بْن جرير بْن حازم، عَنْ أبيه، عن الْحَسَن قَالَ: سرق ابْنُ أبيرق درعا من حديد، ثم ثُمَّ رمى بها رجلًا بريئًا. فجاء قومه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فعذروه عنده، فأنزل اللَّه عزَّ وجلَّ فِيهِ:
(إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ. بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ
__________
[1] راجع القرآن، الأحزاب (33/ 13) .
[2] الاستيعاب رقم 2187 عرابة بن أوس. وزاد أبياتا.
[3] كذا في أصل العبارة، وبالهامش: «يسمو معا» . أى كلاهما الرواية.
[4] القرآن، التوبة (9/ 65) .
[5] نعرفك.

خَصِيماً، إلى قوله (وَساءَتْ مَصِيراً [1] . فلما أنزلت فِيهِ هَذِهِ الآيات، لحق بالمشركين، فمكث بمكة زمينًا، ثُمَّ نقب عَلَى قوم بيتهم ليسرق متاعهم. فألقى اللَّه عَلَيْهِ صخرة فشدخته، فكانت قبره.
وروى عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ [2] ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ قَتَادَةَ الظَّفَرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ عَنْ قتادة بن النعمان بن زيد ابن عَامِرِ بْنِ سَوَادِ بْنِ ظَفَرٍ قَالَ:
كَانَ أَهْلُ بَيْتٍ مِنَّا ذَوُو فَاقَةٍ، يُقَالُ لَهُمْ بَنُو أُبَيْرِقٍ: بِشْرٌ، وَبَشِيرٌ، وَمُبَشِّرٌ. وَكَانَ بِشْرٌ مُنَافِقًا يَهْجُو أَصْحَابَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ثُمَّ يُنْحِلُهُ بَعْضَ الْعَرَبِ. فَإِذَا سَمِعَهُ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، قَالُوا: وَاللَّهِ مَا قَالَهُ إِلا الْخَبِيثُ بِشْرٌ. فقال:
أو كلما قال الغواة قصيدة ... أصموا وقالوا ابن الأبيرق قالها
[3]
متغصّبين [4] كَأَنَّنِي أَخْشَاهُمْ ... جَدَعَ الإِلَهُ أُنُوفَهُمْ فَأَمَالَهَا
قَالَ: فابتاع رفاعة بْن زَيْد بْن عامر، عمي، جملًا من دَرْمَك من ضافطة قدمت من الشام. وإنما كَانَ طعام النَّاس بالمدينة الشعير والتمر. فكان الموسر منهم يبتاع من الدرمك ما يخصّ بِهِ نفسه. فجعل عمي ذَلِكَ الدرمك فِي مشربة لَهُ، وفيها درعان وسيفان وما يصلحهما. فعُدي عَلَيْهِ من تحت الليل، فنقبت المشربة وأخذ الطعام والسلاح. فلما أصبح، أتانى فقال: يا ابن أخي تعلم أَنَّهُ قَدْ عُدي علينا فِي ليلتنا فذهب بطعامنا وسلاحنا. فتحسسنا [5] فِي الدار وسألنا. فقيل لنا: قَدْ رأينا بني/ 131/ أبيرق استوقروا فِي هَذِهِ الليلة، ولا نرى ذَلِكَ إلا من طعامكم. قَالَ: وجعل بنو أبيرق ونحن نبحث ونسأل فِي الدار، يقولون: والله ما نرى صاحبكم إلا لبيد بْن سهل بْن الحارث بْن عروة بْن
__________
[1] القرآن، النساء (4/ 105- 115) .
[2] لم يذكره ابن هشام إلا بسطر واحد (راجع ص 359) ولكن نقله السهيلي (2/ 28- 29) عن ابن إسحاق. راجع أيضا تفسير الطبرى (ج 5، للآية 4/ 157) وتفسير ابن كثير، ج 1، ص 551) .
[3] تفسير الطبرى ج 5، ص 157 (خ: اضموا. والإصماء الوثوب والإسراع) .
[4] خ: متعصبين (بالعين المهملة) .
[5] خ: متجسسين (بالجيم) .

عَبْد رَزاح بْن ظفر. وكان للبيد صلاح وإسلام. فلما سَمِعَ لبيد قولهم، اخترط سيفه وقَالَ: أَنَا أسرق؟ والله ليخالطنكم سيفي أَوْ لتبيننّ [1] هَذِهِ السرقة. قَالُوا:
إليك عنا أيها الرجل، فلستَ بصاحبها. فسألنا وفحصنا، حتَّى لم نشكَ فِي أن بني أبيرق أصحابها. فَقَالَ عمي: لو أتيتَ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فأخبرته؟
قَالَ قَتَادَة: فأتيتُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ له: يا رَسُول اللَّه إنّ أهل بيت منا ذوي فاقة وجفاء عمدوا إلى عمي رفاعة بْن زَيْد، فنقبوا مشربة لَهُ وأخذوا سلاحه وطعامه، فليردوا السَّلاح، ولا حاجة لنا فِي الطعام. [ (فقال النبي صلى الله عليه وسلم: سآمر في ذلك) ] [2] فلما سَمِعَ بنو أبيرق بذلك، أتوا رجلًا منهم يُقال لَهُ أسير بْن عروة، فكلموه. فانطلق وجماعة من أهل الدار معه إلى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلموه فِي ذلك، وقالوا: إنّ قتادة ابن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، فرمياهم بالسرقة عن غير ثبت ولا بينة. قَالَ قَتَادَة: وأتيتُ النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فكلمته.
فتجهمني، [وقَالَ: بئس ما صنعتَ وما أتيتَ بِهِ ومشيتَ فِيهِ:] عمدت إلى أهل بيت ذكر لي عَنْهُمْ صلاح وإسلام ترميهم بالسرقة عَلَى غير ثبت ولا بينة. قَالَ:
فرجعتُ وأنا أودّ أني خرجتُ من جلّ مالي ولم أكلم [3] رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذَلِكَ. وأتاني عمي، فقال: ما صنعتَ؟ فأخبرته بِقَوْلِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: اللَّه المستعان. ولم أتلبث أن نزل: إِنَّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِما أَراكَ اللَّهُ وَلا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً، يعنى بنى أبيرق- (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ- أي مما قلتَ لقتادة- إِنَّ اللَّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً وَلا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوَّاناً أَثِيماً- يعني بني الأبيرق- يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضى مِنَ الْقَوْلِ وَكانَ اللَّهُ بِما يَعْمَلُونَ مُحِيطاً. ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا
- يعنى بشيرا وأصحابه- فَمَنْ يُجادِلُ اللَّهَ
__________
[1] خ: لتستى. (والتصحيح عن الطبرى وابن كثير) .
[2] الزيادة عن تفسير ابن كثير.
[3] خ: لمواطم. (والتصحيح عن تفسير الطبرى وابن كثير) .

عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ
- أي عن بني أبيرق أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا؟ وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءاً أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللَّهَ يَجِدِ اللَّهَ غَفُوراً رَحِيماً. (وَمَنْ يَكْسِبْ إِثْماً فَإِنَّما يَكْسِبُهُ عَلى نَفْسِهِ، وَكانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً) [1] وَمَنْ يَكْسِبْ خَطِيئَةً أَوْ إِثْماً ثُمَّ يَرْمِ بِهِ بَرِيئاً فَقَدِ احْتَمَلَ بُهْتاناً وَإِثْماً مُبِيناً
- قولهم للبيد بن سهل- (وَلَوْلا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ وَرَحْمَتُهُ لَهَمَّتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ أَنْ يُضِلُّوكَ وَما يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَما يَضُرُّونَكَ مِنْ شَيْءٍ،
يعني بشيرا وأصحابه. قَالَ: فلما نزل القرآن، اشتد بنو ظفر عَلَى بني أبيرق حتَّى أخرجوا السلاح. فأتى بِهِ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فردّه إلى رفاعة. قَالَ قَتَادَة: فأتيت عمي بالسلاح، وكنتُ أرى أن إسلامه مدخول. فَقَالَ: يا ابْن أخي، هُوَ فِي سبيل اللَّه. فعرفتُ أن إسلامه صحيح. قَالَ: ولحق بشر بْن أبيرق- وهو يصغر فيقال: بُشَيّر- بالمشركين. فنزل بمكة عَلَى سلافة بِنْت سعد بْن شهيد، أخت عمير بْن سعد ابن شهيد، وهو من بني عَمْرو بْن عوف، من [2] الأوس، وكانت سلافة تحت طلحة بْن أَبِي طلحة العبدري. فأنزل اللَّه تبارك وتعالى: وَمَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ.
وَساءَتْ مَصِيراً. إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيداً) [3] . ولما نزل بشر عَلَى سلافة، كَانَ يقع/ 132/ فِي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقول فِي رَسُول اللَّه، فهجاه حسان بْن ثابت، ورمى سلافة بِهِ. فأخذت رحله، فوضعته عَلَى رأسها، ثُمَّ خرجت فرمت بِهِ فِي الأبطح، وقالت: «أهديتَ إليَّ شعر حسان. ما كنتَ لتأتيني بخير» . قَالَ حسان [4] :
وما سارق الدرعين إن كنت ذاكرًا ... بذي كرم عند الرجال أوادعه
لقد أنزلته بنتُ سعد فأصبحت ... ينازعها جلد استه وتنازعه
__________
[1] سقطت الآية في الأصل سهوا من الناسخ.
[2] خ: بن.
[3] القرآن، النساء (4/ 115- 116) .
[4] ديوان حسان (وليس فيه البيت السادس) ، ق 37 ب 1، 2، 3، 4، 5- 6، السهيلي 2/ 29، مع اختلافات.

فهلا بُشيّر حيث جاءك راغبًا ... إليه ولم تعمد لَهُ فترافعه
ظننتم بأن يخفي الَّذِي قَدْ فعلتم ... وفيكم نبيّ مفلحّ من يتابعه
ولولا رجال منكم أن يسوءهم ... هجائى لقد جلت عليكم طوالعه
وجدناهم يرجونكم قد علمتم ... كماء الغيث يرجيه السمين ويانعه
وأن تذكروا كعبًا إِذَا ما نسيتم ... فهل من أديم ليس فِيهِ أكارعه
وَقَدْ روى أن الَّذِي رماه بنو أبيرق بالدرعين يهودي يُقال لَهُ النعمان بْن مهض [1] . وليس بثبت. وقَالَ بعض الظفريين:
بنى الأبرق المشئوم هلّا نهيتم ... سفيهكُم عن آل زَيْد بْن عامر
أردتم بأن ترموا ابْنُ سهل بغدرة ... جهارًا. ومن يُغْدر فليس بغادر
الضحاك بْن خليفة الأشهلي. وقزمان، حليف بني ظفر، ولا يعرف نسبه، ويكنى أبا الغيداق. رمى يَوْم أحد زرارة بْن عمير العبدري- وَيُقَالُ يزيد بْن عمير- فقتله، وقتل قاسط بْن شريح العبدري، وقطع يد صؤاب الحبشي مَوْلَى بني عَبْد الدار ثُمَّ رماه فقتله. وكان قزمان قَدِ امتنع من الخروج يَوْم أحد حتَّى عيرته النساء، وقلن: إنَّما أنت امْرَأَة. فأخذ سيفه وقوسه، وقاتل حمية وأنفة لقومه، وجعل يَقُولُ: قاتلوا، معشر الأوس، عن أحسابكم فالموت خير من العار والفرار. [وكان النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: قزمان فِي النار] .
وأثبتَ يَوْم أحد، فحمل إلى دار بني ظفر، فقيل لَهُ: أبشر أبا الغيداق بالجنة، فقد أبليتَ اليوم وأصابك ما ترى. فَقَالَ: «أي جنة؟ والله ما قاتلت إلا حمية لقومي» . فلما اشتد بِهِ الوجع، أخرج سهمًا من كنانته فقطع بِهِ رواهش يده، فقتل نفسه. وفيه [يَقُولُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أن اللَّه ليؤيد هَذَا الدين بالرجل الفاجر.] وأبو عامر عَبْد عَمْرو بْن صيفي بْن النعمان، من الأوس. وكان يناظر أهل الكتاب، ويميل إلى النصرانية، ويتتبع الرهبان ويألفهم، ويُكثر الشخوص إلى الشام، فسُمّي الراهب. فلما ظهر أَمَرَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حسده، ومرّ إلى مكَّة وقاتل مع قريش. ثم أتى الشأم،
__________
[1] كذا في الأصل. وفي تفسير الطبرى (5/ 158) : «زيد بن السمير» :
(5/ 162) : «زيد بن السمين» .

فمات هناك. فتخاصم فِي ميراثه كنانةُ بْن عبد يا ليل الثقفى، (وكان ممن حسد رسول الله صلى الله عليه وسلم فشخص إلى الشام) ، وعلقمةُ بْن عُلاثة وكان بالشام أيضًا وكان مسلمًا، وَيُقَالُ: بل كَانَ مشركًا ثُمَّ إنه أسلم حين قدم، فأتى رَسُولَ اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فبايعه.
حدثني عباس بن هشام، عن أبيه، عن جَدّه إنه حُكم بميراث أَبِي عامر لكنانة بن عبد يا ليل لأنَّه من أهل المدر.
وحرمه علقمة لأنه بدوي. وكان الحاكم بذلك صاحبُ الروم بدمشق.
وقوم يقولون: إنه اختصم فِي ميراثه كنانةُ وعامرُ بْن الطفيل. وذلك غلط، لأن عامرًا أتى النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعه أربد بْن قيس. وهما يريدان برسول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمرًا، حال اللَّه بَيْنَهُما وبينه. فدعا النَّبِيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عليهما. فأمَّا أربد، فأصابْته صاعقة فأحرقته. وأمَّا عامر فأصابته غدَّة كغدة البعير فِي عنقه، فمات. وذلك فِي سنة خمس. وقَالَ الهيثم بْن عدي:
كَانَ أَبُو عامر/ 133/ يهمّ بادّعاء النبوة. فلما ظهر أمرُ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهاجر، حسده فهرب إلى مكَّة فقاتل، ثُمَّ أتى الشام. وقَالَ الواقدي:
هرب أَبُو عامر إلى مكَّة، فكان يقاتل مَعَ المشركين. فلما فُتحت مكَّة، هرب إلى الطائف. فلما أسلموا، هرب إلى الشام. فدفع ميراثه إلى كنانة ابن عبد يا ليل الثقفى، وكان ممن هرب أيضا.

[مسجد الضرار]

حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ عَبْدِ الْمُؤْمِنِ، ثنا بَهْزُ بْنُ أَسَدٍ، أنبأ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أنبأ أَيُّوبُ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ أَنَّ بَنِي عمرو بن عوف ابتنوا مسجدا، فيصلى بِهِمْ فِيهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَسَلَّمَ. فَحَسَدَهُمْ بَنُو إِخْوَتِهِمْ بَنُو غَنْمِ بْنِ عوف، فقالوا: بَنَيْنَا أَيْضًا مَسْجِدًا، وَبَعَثْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِنَا فِيهِ كَمَا صَلَّى فِي مَسْجِدِ أَصْحَابِنَا، وَلَعَلَّ أَبَا عَامِرٍ أَنْ يَمُرَّ بِنَا إِذَا أَتَى مِنَ الشَّامِ فَيُصَلِّيَ بِنَا فِيهِ. فَلَمَّا قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِيَنْطَلِقَ إِلَيْهِمْ، أَتَاهُ الْوَحْيُ، فَنَزَلَ عَلَيْهِ فِيهِمْ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ [1] . قال: هو أبو عامر.
__________
[1] القرآن، التوبة (9/ 107) .

حدثنا عفان بن مسلم، ثنا حماد بن سَلَمَةَ، أنبأ هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ أَنَّهُ قَالَ:
فِي هَذِهِ الآيَةِ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، قَالَ: كَانَ سَعْدُ بْنُ خَيْثَمَةَ بَنَى مَسْجِدَ الأضرار [1] ، وَكَانَ مَوْضِعُهُ لِلَبَّةٍ، تَرْبِطُ فِيهِ حِمَارَهَا. فَقَالَ أَهْلُ مَسْجِدِ الشِّقَاقِ: أَنَحْنُ نَسْجُدُ فِي مَوْضِعٍ كَانَ يُرْبَطُ فِيهِ حِمَارُ لَبَّةٍ؟ لا، وَلَكِنَّا نَتَّخِذُ مَسْجِدًا نُصَلِّي فِيهِ حَتَّى يَجِيئَنَا أَبُو عَامِرٍ فَيُصَلِّي بِنَا فِيهِ. وَكَانَ أَبُو عَامِرٍ قَدْ فَرَّ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى أَهْلِ مَكَّةَ، ثُمَّ لَحِقَ بِالشَّامِ، فَتَنَصَّرَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ: وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَكُفْراً وَتَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ، يَعْنِي أَبَا عَامِرٍ. قَالُوا:
فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، لَمَّا نَزَلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ، إِلَى ذَلِكَ الْمَسْجِدِ، فَهَدَمَهُ. قَالُوا: وَحَضَرَ قَوْمٌ مِنَ الْمُنَافِقِينَ مَسْجِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فجعلوا يضحكون ويلعبون ويهزءون، فَأَمَرَ رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِإِخْرَاجِهِمْ فَقَامَ أَبُو أَيُّوبَ إِلَى قَيْسِ بْنِ عَمْرٍو، فَجَرَّ بِرِجْلِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنَ الْمَسْجِدِ. وَقَامَ عُمَارَةُ بْنُ حَزْمٍ إِلَى زَيْدِ بْنِ عَمْرٍو، وَكَانَ طَوِيلَ اللِّحْيَةِ، فَأَخَذَ بِلِحْيَتِهِ فَقَادَهُ بِهَا قَوْدًا عَنِيفًا، حَتَّى أَخْرَجَهُ. وَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي عَمْرِو بْنِ عَوْفٍ إِلَى دُرِّيِّ ابن الْحَارِثِ، فَأَخْرَجَهُ، فَأُخْرِجُوا جَمِيعًا.
641- حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزهراني، ثنا حماد بن زيد، عن أيوب، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ [عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: مَثَلُ الْمُنَافِقِ مَثَلُ الشَّاةِ الْعَابِرَةِ بَيْنَ الْقَطِيعَيْنِ.]
===============

ذكر كنائس اليهود

قال الله عز وجل: لَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً
[الحج/ 40] قال المفسرون: الصوامع للصابئين، والبيع للنصارى، والصلوات كنائس اليهود، والمساجد للمسلمين. قاله ابن قتيبة: والكنيس كلمة عبرانية معناها بالعربية الموضع الذي يجتمع فيه للصلاة، ولهم بديار مصر عدة كنائس، منها كنيسة دموة بالجيزة، وكنيسة جوجر من القرى الغربية، وبمصر الفسطاط كنيسة بخط المصاصة في درب الكرمة، وكنيستان بخط قصر الشمع، وبالقاهرة كنيسة بالجودرية، وفي حارة زويلة خمس كنائس.
كنيسة دموه: هذه الكنيسة أعظم مبعد لليهود بأرض مصر، فإنهم لا يختلفون في أنها الموضع الذي كان يأوى إليه موسى بن عمران صلوات الله عليه، حين كان يبلغ رسالات الله عز وجلّ إلى فرعون مدّة مقامة بمصر، منذ قدم من مدين إلى أن خرج ببني إسرائيل من مصر. ويزعم يهود أنها بنيت هذا البناء الموجود بعد خراب بيت المقدس الخراب الثاني على يد طيطش ببعض وأربعين سنة، وذلك قبل ظهور الملة الإسلامية بما ينيف على خمسمائة سنة، وبهذه الكنيسة شجرة زيزلخت في غاية الكبر لا يشكون في أنها من زمن موسى عليه السلام، ويقولون أنّ موسى عليه السلام غرس عصاه في موضعها فأنبت الله هناك هذه الشجرة، وأنها لم تزل ذات أغصان نضرة، وساق صاعد في السماء، مع حسن استواء، وثخن في استقامة، إلى أن أنشأ الملك الأشرف شعبان بن حسين مدرسته تحت القلعة، فذكر له حسن هذه الشجرة، فتقدّم بقطعها لينتفع بها في العمارة، فمضوا إلى ما أمروا به من ذلك، فأصبحت وقد تكوّرت وتعقفت وصارت شنيعة المنظر فتركوها، واستمرّت كذلك مدّة، فاتفق أن زني يهودي بيهودية تحتها، فتهدّلت أغصانها وتحاتّ ورقها وجفت حتى لم يبق بها ورقة خضراء، وهي باقية كذلك إلى يومنا هذا ولهذه الكنيسة عيد يرحل اليهود

بأهاليهم إليها في عيد الخطاب، وهو في شهر سيوان، ويجعلون ذلك بدل حجهم إلى القدس، وقد كان لموسى عليه السلام أنباء قد قصها الله تعالى في القرآن الكريم وفي التوراة، وروى أهل الكتاب وعلماء الأخبار من المسلمين كثيرا منها، وسأقص عليك في هذا الموضع منها ما فيه كفاية، إذ كان ذلك من شرط هذا الكتاب.
موسى بن عمران: وفي التوراة عمرام بن قاهث بن لاوي بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن صلوات الله وسلامه عليهم، أمّه يوحانذ بنت لاوي، فهي عمة عمران والد موسى، ولد بمصر في اليوم السابع من شهر آذار سنة ثلاثين ومائة لدخول يعقوب على يوسف عليهما السلام بمصر، وكان بنو إسرائيل منذ مات لاوي بن يعقوب في سنة أربع وتسعين لدخول يعقوب مصر في البلاء مع القبط، وذلك أن يوسف عليه السلام لما مات في سنة ثمانين من قدوم يعقوب مصر، كان الملك إذ ذاك بمصر دارم بن الريان، وهو الفرعون الرابع عندهم، وتسميه القبط دريموس، فاستوزر بعده رجلا من الكهنة يقال له بلاطس، فحمله على أذى الناس وخالف ما كان عليه يوسف، وساءت سيرة الملك حتى اغتصب كلّ امرأة جميلة بمدينة منف وغيرها من النواحي، فشق ذلك من فعله على الناس وهمّوا بخلعه من الملك، فقام الوزير بلاطس في الوساطة بينه وبين الناس وأسقط عنهم الخراج لثلاث سنين، وفرّق فيهم مالا حتى سكنوا، واتفق أن رجلا من الإسرائيليين ضرب بعض سدنة الهياكل فأدماه، وعاب دين الكهنة، فغضب القبط وسألوا الوزير أن يخرج بني إسرائيل من مصر، فأبى. وكان دارم الملك قد خرج إلى الصعيد، فبعث إليه يخبره بأمر الإسرائيليّ وما كان من القبط في طلبهم إخراج بني إسرائيل من مصر، فأرسل إليه أن لا يحدث في القوم حدثا دون موافاته، فشغب القبط وأجمعوا على خلع الملك وإقامة غيره، فسار إليهم الملك وكانت بينه وبينهم حروب قتل فيها خلق كثير، ظفر فيها الملك وصلب ممن خالفه بحافتي النيل طوائف لا تحصى، وعاد إلى أكثر مما كان عليه من ابتزاز النساء وأخذ الأموال واستخدام الأشراف الوجوه من القبط ومن بني إسرائيل، فأجمع الكلّ على ذمّه.
واتفق أنه ركب في النيل فهاجت به الريح وأغرقه الله ومن معه، ولم توجد جثته إلّا عند شطنوف.
فأقام الوزير من بعده في الملك ابنه معاديوش، وكان صبيا، ويسميه بعضهم معدان، فاستقام الأمر له وردّ النساء اللاتي اغتصبهنّ أبوه، وهو خامس الفراعنة، فكثر بنو إسرائيل في زمنه ولهجوا بثلب الأصنام وذمّها، وهلك بلاطس الوزير وقام من بعده في الوزارة كاهن يقال له أملاده، فأمر بإفراد بني إسرائيل ناحية في البلد، بحيث لا يختلط بهم غيرهم، فأقطعوا موضعا في قلبيّ مدينة منف، صاروا إليه وبنوا فيه معبدا كانوا يتلون به صحف إبراهيم عليه السلام، فخطب رجل من القبط بعض نسائهم فأبوا أن ينكحوه، وقد كان هويها. فأكبر القبط فعلهم وصاروا إلى الوزير وشكوا من بني إسرائيل وقالوا: هؤلاء قوم

يعيبوننا ويرغبون عن مناكحتنا، ولا نحب أن يجاورونا ما لم يدينوا بديننا. فقال لهم الوزير: قد علمتم إكرام طوطيس الملك لجدّهم ونهر اوش من بعده، وقد علمتم بركة يوسف حتى جعلتم قبره وسط النيل فأخصب جانبا مصر بمكانه، وأمرهم بالكف عن بني إسرائيل، فأمسكوا إلى أن احتجب معدان وقام من بعده في الملك ابنه اكسامس الذي يسميه بعضهم كاسم ابن معدان بن الريان بن الوليد بن دومع العمليقيّ، وهو السادس من فراعنة مصر، وكان أوّلهم يقال له فرعان، فصار اسما لكلّ من تجبر وعلا أمره، وطالت أيام كاسم ومات وزير أبيه، فأقام من بعده رجلا من بيت المملكة يقال له ظلما بن قومس، وكان شجاعا ساحرا كاهنا كاتبا حكيما دهيا متصرّفا في كل فنّ، وكانت نفسه تنازعه الملك، ويقال أنه من ولد أشمون الملك، وقيل من ولد صا. فأحبه الناس، وعمر الخراب وبني مدنا من الجانبين، ورأى في نجومه أنّه سيكون حدث وشدّة، وسكا القبط إليه من الإسرائيليين فقال: هم عبيدكم. فكان القبطيّ إذا أراد حاجة سخّر الإسرائيليّ وضربه فلا يغير عليه أحد ولا ينكر عليه ذلك. فإن ضرب الإسرائيليّ أحدا من القبط قتل البتة، وكذلك كانت تفعل نساء القبط بالنساء الإسرائيليات، فكانت أوّل شدّة وذلّ أصاب بني إسرائيل وكثر ظلمهم وأذاهم من القبط، واستبدّ الوزير ظلما بأمر البلد كما كان العزيز مع نهراوش.
وتوفي اكسامس الملك، فأنّهم ظلمان بأنه سمّه، تركب في سلاحه وأقام لاطس الملك مكان أبيه، وكان ابنه جريئا معجبا، فصرف ظلما بن قومس عما كان عليه من خلافته، واستخلف رجلا يقال له لاهوق من ولد صا، وأنفذ ظلما عاملا على الصعيد وسير معه جماعة من الإسرائيليين، وزاد تجبره وعتوّه، وأمر الناس جميعا أن يقوموا على أرجلهم في مجلسه، ومدّ يده إلى الأموال ومنع الناس من فضول ما بأيديهم، وقصرهم على القوت، وابتز كثيرا من النساء وفعل أكثر مما فعله ملك تقدّمه، واستعبد بني إسرائيل فأبغضه الخاص والعام، وكان ظلما لما صرف عن الوزارة وخرج إلى الصعيد، أراد إزالة الملك والخروج عن طاعته، فجبى المال وامتنع من حمله، وأخذ المعادن لنفسه وهمّ أن يقيم ملكا من ولد قبطرين ويدعو الناس إلى طاعته، ثم انصرف عن ذلك ودعا لنفسه، وكاتب الوجوه والأعيان، فافترق الناس وتطاول كل واحد من أبناء الملوك إلى الملك وطمع فيه، ويقال أنّ روحانيا ظهر لظلما وقال له: إن أطعتني قلدتك مصر زمانا طويلا، فأجابه وقرّب إليه أشياء منها غلام من بني إسرائيل، فصار عونا له، وبلغ الملك خبر خروج ظلما عن طاعته، فوجّه إليه قائدا قلده مكانه وأمره أن يقبض على ظلما. ويبعث به إليه موثقا، فسار إليه وخرج ظلما للقائه وحاربه فظفر به واستولى على ما معه، فجهز إليه الملك قائدا آخر فهزمه وسار في إثره وقد كثف جمعه، فبرز إليه الملك واحتربا، فكانت لظلما على الملك، فقتله واستولى على مدينة منف ونزل قصر المملكة.

وهذا هو فرعون موسى عليه السلام، وبعضهم يسميه الوليد بن مصعب، وقيل هو من العمالقة وهو سابع الفراعنة. ويقال أنه كان قصيرا طويل اللحية أشهل العينين صغير العين اليسرى، في جبينه شامة، وكان أعرج، وقيل أنه كان يكنّى بأبي مرّة، وأن اسمه الوليد بن مصعب، وأنه أوّل من خضب بالسواد لما شاب، دله عليه إبليس. وقيل أنه كان من القبط، وقيل أنه دخل منف على أتان يحمل النطرون ليبيعه، وكان الناس قد اضطربوا في تولية الملك، فحكّموه ورضوا بتولية من يوليه عليهم، وذلك أنهم خرجوا إلى ظاهر مدينة منف ينتظرون أوّل من يظهر عليهم ليحكّموه، فكان هو أوّل من أقبل بحماره، فلما حكّموه ورضوا بحكمه أقام نفسه ملكا عليهم، وانكر قوم هذا وقالوا: كان القوم أدهى من أن يقلدوا ملكهم من هذه سبيله فلمّا جلس في الملك اختلف الناس عليه فبذل لهم الأموال، وقتل من خالفه بمن أطاعه حتى اعتدل أمره، ورتب المراتب وشيد الأعمال وبنى المدن وخندق الخنادق وبنى بناحية العريش حصنا، وكذلك على جميع حدود مصر، واستخلف هامان، وكان يقرب منه في نسبه، وأثار الكنوز وصرفها في بناء المدائن والعمارات، وحفر خليج سردوس وغيره، وبلغ الخراج بمصر في زمنه سبعة وتسعين ألف ألف دينار بالدينار الفرعونيّ، وهو ثلاثة مثاقيل.
وفرعون هو أوّل من عرّف العرفاء على الناس، وكان ممن صحبه من بني إسرائيل رجل يقال له أمري، وهو الذي يقال له بالعبرانية عمرام، وبالعربية عمران بن قاهث بن لاوي، وكان قدم مصر مع يعقوب عليه السلام فجعله حرسا لقصره يتولى حفظه، وعنده مفاتيحه وأغلاقه بالليل، وكان فرعون قد رأى في كهانته ونجومه أنه يجري هلاكه على يد مولود من الإسرائيليين، فمنعهم من المناكحة ثلاث سنين التي رأى أن ذلك المولود يولد فيها، فأتت امرأة أمري إليه في بعض الليالي بشيء قد أصلحته له فواقعها، فاشتملت منه على هارون، وولدته لثلاث وسبعين من عمره، في سنة سبع وعشرين ومائة لقدوم يعقوب إلى مصر، ثم أتته مرّة أخرى فحملت بموسى لثمانين سنة من عمره، ورأى فرعون في نجومه أنه قد حمل بذلك المولود، فأمر بذبح الذكران من بني إسرائيل، وتقدّم إلى القوابل بذلك، فولد موسى عليه السلام في سنة ثلاثين ومائة لقدوم يعقوب إلى مصر، وفي سنة أربع وعشرين وأربعمائة لولادة إبراهيم الخليل عليه السلام، ولمضيّ ألف وخمسمائة وست سنين من الطوفان، وكان من أمره ما قصه الله سبحانه من قذف أمّه له في التابوت، فألقاه النيل إلى تحت قصر الملك، وقد أرصدت أمّه أخته على بعد لتنظر من يلتقطه، فجاءت ابنة فرعون إلى البحر مع جواريها فرأته واستخرجته من التابوت فرحمته وقالت: هذا من العبرانيين من لنا بظئر ترضعه؟ فقالت لها أخته أنا آتيك بها، وجاءت بأمّه فاسترضعتها له ابنة فرعون إلى أن فصل، فأتت به إلى ابنة فرعون وسمته موسى وتبنته، ونشأ عندها، وقيل بل أخذته امرأة فرعون واسترضعت أمّه ومنعت فرعون من قتله إلى أن كبر وعظم شأنه فردّ إليه

فرعون كثيرا من أمره وجعله من قوّاده، وكانت له سطوة، ثم وجهه لغزو اليونانيين وقد عاثوا في أطراف مصر، فخرج في جيش كثيف وأوقع بهم فأظفره الله وقتل منهم كثيرا وأسر كثيرا وعاد غانما، فسرّ ذلك فرعون وأعجب به هو وامرأته، واستولى موسى وهو غلام على كثير من أمر فرعون، فأراد فرعون أن يستخلفه، حتى قتل رجلا من أشراف القبط له قرابة من فرعون فطلبه، وذلك أنه خرج يوما يمشي في الناس وله صولة بما كان له في بيت فرعون من المربى والرضاع، فرأى عبرانيا يضرب، فقتل المصريّ الذي ضربه ودفنه، وخرج يوما آخر فإذا برجلين من بني إسرائيل وقد سطا أحدهما على الآخر، فزجره. فقال له: ومن جعل لك هذا، أتريد أن تقتلني كما قتلت المصريّ بالأمس، ونما الخبر إلى فرعون فطلبه، وألقى الله في نفسه الخوف لما يريد من كرامته، فخرج من منف ولحق بمدين عند عقبة أيلة، وبنو مدين أمّة عظيمة من بني إبراهيم عليه السلام، كانوا ساكنين هناك، وكان فراره وله من العمر أربعون سنة، فنزل عند بيرون، وهو شعيب عليه السلام من ولد مدين بن إبراهيم، وكان من تزويجه ابنته ورعايته غنمه ما كان، فأقام هنالك تسعا وثلاثين سنة نكح فيها صفوراء ابنة شعيب، وبنوا إسرائيل مع فرعون وأهل مصر كما قال تعالى: «يَسُومُونَكُمْ سُوءَ الْعَذابِ
ويستعبدونهم» «1» .
فلما مضى من سنة الثمانين لموسى شهر وأسبوع، كلمه الله جلّ اسمه، وكان ذلك في اليوم الخامس عشر من شهر نيسان، وأمره أن يذهب إلى فرعون، وشدّ عضده بأخيه هارون وأيده بآيات منها قلب العصا حية وبياض يده من غير سوء وغير ذلك من الآيات العشر التي أحلها الله بفرعون وقومه، وكان مجيء الوحي من الله تعالى إليه وهو ابن ثمانين سنة، ثم قدم مصر في شهر أيار ولقي أخاه هارون، فسرّ به وأطعمه جلبانا فيه ثريد، وتنبأ هارون وهو ابن ثلاث وثمانين سنة، وغدا به إلى فرعون وقد أوحي إليهما أن يأتيا إلى فرعون ليبعث معهما بني إسرائيل فيستنقذ أنهم من هلكة القبط وجور الفراعنة، ويخرجون إلى الأرض المقدّسة التي وعدهم الله بملكها على لسان إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فأبلغا ذلك بني إسرائيل عن الله، فأمنوا بموسى واتبعوه، ثح حضرا إلى فرعون فأقاما ببابه أياما وعلى كل منهما جبة صوف، ومع موسى عصاه، وهما لا يصلان إلى فرعون لشدّة حجابه، حتى دخل عليه مضحك كان يلهو به فعرّفه أن بالباب رجلين يطلبان الاذن عليك، بزعمان أن إلههما قد أرسلهما إليك، فأمر بإدخالهما. فلما دخلا عليه خاطبه موسى بما قصه الله في كتابه، وأراه آية العصا وآيته في بياض اليد، فغاظ فرعون ما قاله موسى وهمّ بقتله، فمنعه الله سبحانه بأن رأى صورة قد أقبلت ومسحت على أعينهم فعموا، ثم أنه لما فتح عن عينيه أمر قوما آخرين بقتل موسى فأتتهم نار أحرقتهم، فازداد غيظه وقال لموسى: من أين ذلك هذه النواميس

العظام؟ اسحرة بلدي علموك هذا أم تعلمته بعد خروجك من عندنا؟ فقال: هذا ناموس السماء وليس من نواميس الأرض. قال فرعون: ومن صاحبه؟ قال: صاحب البنية العليا.
قال: بل تعلمتها من بلدي، وأمر بجمع السحرة والكهنة وأصحاب النواميس وقال:
اعرضوا عليّ أرفع أعمالكم فإني أرى نواميس هذا الساحر رفيعة جدّا. فعرضوا عليه أعمالهم فسرّه ذلك، وأحضر موسى وقال له: لقد وقفت على سحرك وعندي من يفوق عليك.
فواعدهم يوم الزينة، وكان جماعة من البلد قد اتبعوا موسى فقتلهم فرعون، ثم إنه جمع بين موسى وبين سحرته، وكانوا مائتي ألف وأربعين ألفا يعملون من الأعمال ما يحير العقول ويأخذ القلوب، من دخن ملوّنات ترى الوجوه مقلوبة مشوّهة، منها الطويل والعريض والمقلوب جبهته إلى أسفل. ولحيته إلى فوق، ومنها ما له قرون ومنها ما له خرطوم وأنياب ظاهرة كأنياب الفيلة، ومنها ما هو عظيم في قدر الترس الكبير، ومنها ما له آذان عظام وشبه وجوه القرود بأجساد عظيمة تبلغ السحاب وأجنحة مركبة على حيات عظيمة تطير في الهواء، ويرجع بعضها على بعض فيبتلعه، وحيات يخرج من أفواهها نار تنتشر في الناس، وحيات تطير وترجع في الهواء وتنحدر على كلّ من حضر لتبتلعه. فيتهارب الناس منها، وعصى تحلق في الهواء فتصير حيات برؤس وشعور وأذناب تهمّ بالناس أن تنهشهم، ومنها ما له قوائم، ومنها تماثيل مهولة، وعملوا له دخنا تغشي أبصار الناس عن النظر فلا يرى بعضهم بعضا، ودخنا تطهر صورا كهيئة النيران في الجوّ على دواب يصدم بعضها بعضا ويسمع لها ضجيج، وصورا خضرا على دواب خضر، وصورا سودا على دواب سود هائلة.
فلما رأى فرعون ذلك سرّه ما رأى هو ومن حضره واغتم موسى ومن آمن به، حتى أوحى الله إليه لا تخف إنك أنت الأعلى، وألق ما في يمينك تلقف ما صنعوا. وكان للحسرة ثلاثة رؤساء، ويقال بل كانوا سبعين رئيسا، فأسرّ إليهم موسى: قد رأيت ما صنعتم، فإن قهرتكم أتؤمنون بالله؟ فقالوا نفعل. فغاظ فرعون مسارّة موسى لرؤساء السحرة، هذا والناس يسخرون من موسى وأخيه ويهزؤون بهما، وعليهما دراعتان من صوف وقد احتز ما بليف، فلوّح موسى بعصاه حتى غابت عن الأعين وأقبلت في هيئة تنين عظيم له عينان يتوقدان، والنار تخرج من فيه ومنخريه، فلا يقع على أحد إلّا برص، ووقع من ذلك على ابنة فرعون فبرصت، وصار التنين فاغرا فاه فالتقط جميع ما عملته السحرة، ومائتي مركب كانت مملوءة حبالا وعصيا وسائر من فيها من الملاحين، وكانت في النهر الذي يتصل بدار فرعون، وابتلع عمدا كثيرة وحجارة قد كانت حملت إلى هناك ليبنى بها، ومرّ التنين إلى قصر فرعون ليبتلعه، وكان فرعون جالسا في قبة على جانب القصر ليشرف على عمل السحرة، فوضع نابه تحت القصر ورفع نابه الآخر إلى أعلاه، ولهب النار يخرج من فيه حتى أحرق مواضع

من القصر، فصاح فرعون مستغيثا بموسى عليه السلام، فزجر موسى التنين فانعطف ليبتلع الناس، ففرّوا كلهم من بين يديه، وانساب يريدهم. فأمسكه موسى وعاد في يده عصا كما كان، ولم ير الناس من تلك المراكب وما كان فيها من الحبال والعصيّ والناس، ولا من العمد والحجارة وما شربه من ماء النهر حتى بانت أضه أثرا.
فعند ذلك قالت السحرة: ما هذه من عمل الآدميين، وإنّما هو من فعل جبار قدير على الأشياء. فقال لهم موسى: أوفوا بعهدكم وإلّا سلطته عليكم يبتلعكم كما ابتلع غيركم، فآمنوا بموسى وجاهروا فرعون وقالوا: هذا من فعل إله السماء وليس هذا من فعل أهل الأرض. فقال: قد عرفت أنكم قد واطأتموه عليّ وعلى ملكي حسدا منكم لي، وأمر فقطعت أيديهم وأرجلهم من خلاف وصلبوا، وجاهرته امرأته والمؤمن الذي كان يكتم إيمانه، وانصرف موسى فأقام بمصر يدعو فرعون أحد عشر شهرا، من شهر أيار إلى شهر نيسان المستقبل وفرعون لا يجيبه، بل اشتدّ جوره على بني إسرائيل واستعبادهم واتخاذهم سخريا في مهنة الأعمال، فأصابت فرعون وقومه الجوائح العشر، واحدة بعد أخرى، وهو يثبت لهم عند وقوعها ويفزع إلى موسى في الدعاء بانجلائها، ثم يلح عند انكشافها، فإنها كانت عذابا من الله عز وجلّ، عذّب الله بها فرعون وقومه.
فمنها أنّ ماء مصر صار دما حتى هلك أكثر أهل مصر عطشا، وكثرت عليهم الضفادع حتى وسخت جميع مواضعهم وقذرت عليهم عيشهم وجميع مآكلهم، وكثر البعوض حتى حبس الهواء ومنع النسيم، وكثر عليهم ذباب الكلاب حتى جرّح أبدانهم ونغص عليهم حياتهم، وماتت دوابهم وأغنامهم فجأة، وعمّ الناس الجرب والجدريّ حتى زاد منظرهم قبحا على مناظر الجذميّ، ونزل من السماء برد مخلوط بصواعق أهلك كل ما أدركه من الناس والحيوانات. وذهب بجميع الثمار، وكثر الجراد والجنادب التي أكلت الأشجار واستقصت أصول النبات، وأظلمت الدنيا ظلمة سوداء غليظة حتى كانت من غلظها تحسّ بالأجسام، وبعد ذلك كله نزل الموت فجأة على بكور أولادهم بحيث لم يبق لأحد منهم ولد بكر إلّا فجع به في تلك الليلة، ليكون لهم في ذلك شغل عن بني إسرائيل، وكانت الليلة الخامسة عشر من شهر نيسان سنة إحدى وثمانين لموسى، فعند ذلك سارع فرعون إلى ترك بني إسرائيل، فخرج موسى عليه السلام من ليلته هذه ومعه بنو إسرائيل من عين شمس، وفي التوراة أنهم أمروا عند خروجهم أن يذبح أهل كل بيت حملا من الغنم إن كان كفايتهم، أو يشتركون مع جيرانهم إن كان أكثر، وأن ينضحوا من دمه على أبوابهم ليكون علامة، وأن يأكلوا شواه رأسه وأطرافه ومعاه ولا يكسروا منه عظما، ولا يدعوا منه شيئا خارج البيوت، وليكن خبزهم فطيرا. وذلك في اليوم الرابع عشر من فصل الربيع، وليأكلوا بسرعة وأوساطهم مشدودة وخفافهم في أرجلهم وعصيهم في أيديهم، ويخرجوا ليلا. وما فضل من عشائهم ذلك أحرقوه بالنار، وشرّع هذا عيدا لهم ولأعقابهم، ويسمى هذا عيد الفصح،

وفيها أنهم أمروا أن يستعيروا منهم حليا كثيرا يخرجون به، فاستعاروه وخرجوا في تلك الليلة بما معهم من الدواب والأنعام، وأخرجوا معهم تابوت يوسف عليه السلام، استخرجه موسى من المدفن الذي كان فيه بإلهام من الله تعالى، وكانت عدّتهم ستمائة ألف رجل محارب سوى النساء والصبيان والغرباء، وشغل القبط عنهم بالمآتم التي كانوا فيها على موتاهم، فساروا ثلاث مراحل ليلا ونهارا حتى وافوا إلى فوهة الجبروت، وتسمى نار موسى، وهو ساحل البحر بجانب الطور، فانتهى خبرهم إلى فرعون في يومين وليلة، فندم بعد خروجهم وجمع قومه وخرج في كثرة كفاك عن مقدارها قول الله عز وجل أخبارا عن فرعون أنه قال عن بني إسرائيل وعدّتهم ما قد ذكر على ما جاء في التوراة، أن هؤلاء لشرذمة قليلون، وأنهم لنا لغائطون، ولحق بهم في اليوم الحادي والعشرين من نيسان، فأقام العسكران ليلة الواحد والعشرين على شاطىء البحر، وفي صبيحة ذلك اليوم أمر موسى أن يضرب البحر بعصاه ويقتحمه، ففلق الله لبني إسرائيل البحر اثني عشر طريقا، عبر كلّ سبط من طريق، وصارت المياه قائمة عن جانبهم كأمثال الجبال، وصيرقاع البحر طريقا مسلوكا لموسى ومن معه، وتبعهم فرعون وجنوده، فلما خاض بنو إسرائيل إلى عدوة الطور انطبق البحر على فرعون وقومه، فأغرقهم الله جميعا ونجا موسى وقومه، ونزل بنو إسرائيل جميعا في الطور وسجوا مع موسى بتسبيح طويل قد ذكر في التوراة، وكانت مريم أخت موسى وهارون تأخذ الدف بيديها، ونساء بني إسرائيل في أثرها بالدفوف والطبول، وهي ترتل التسبيح لهنّ.
ثم ساروا في البرّ ثلاثة أيام، وأقفرت مصر من أهلها، ومرّ موسى بقومه ففني زادهم في اليوم الخامس من أيار فضجوا إلى موسى، فدعا ربه فنزل لهم المنّ من السماء، فلما كان اليوم الثالث والعشرون من أيار عطشوا وضجوا إلى موسى، فدعا ربه ففجر له عينا من الصخرة، ولم يزل يسير بهم حتى وافوا طور سينين غرّة الشهر الثالث لخروجهم من مصر، فأمر الله موسى بتطهير قومه واستعدادهم لسماع كلام الله سبحانه، فطهرهم ثلاثة أيام، فلما كان في اليوم الثالث وهو السادس من الشهر، رفع الله الطور وأسكنه نوره وظلل حواليه بالغمام وأظهر في الآفاق الرعود والبروق والصواعق، وأسمع القوم من كلامه عشر كلمات وهي: أنا الله ربكم واحد لا يكم لكم معبود من دوني، لا تحلف باسم ربك كاذبا، اذكر يوم السبت واحفظه، برّ والديك وأكرمهما، لا تقتل النفس، لا تزن، لا تسرق، لا تشهد بشهادة زور، لا تحسد أخاك فيما رزقه. فصاح القوم وارتعدوا وقالوا لموسى: لا طاقة لنا باستماع هذا الصوت العظيم، كن السفير بيننا وبين ربنا، وجميع ما يأمرنا به سمعنا وأطعنا، فأمرهم بالإنصراف وصعد موسى إلى الجبل في اليوم الثاني عشر، فأقام فيه أربعين يوما، ودفع الله إليه اللوحين الجوهر المكتوب عليهما العشر كلمات ونزل في اليوم الثاني والعشرين من شهر تموز، فرأى العجل، فارتفع الكتاب وثقلا على يديه فألقاهما وكسرهما، ثم برد العجل

وذرّاه على الماء وقتل من القوم من استحق القتل، وصعد إلى الجبل في اليوم الثالث والعشرين من تموز ليشفع في الباقين من القوم، ونزل في اليوم الثاني من أيلول بعد الوعد من الله له بتعويضه لوحين آخرين مكتوبا عليهما ما كان في اللوحين الأوّلين، فصعد إلى الجبل وأقام أربعين ليلة أخرى، وذلك من ثالث أيلول إلى اليوم الثاني عشر من تشرين، ثم أمره الله بإطلاح القبة وكان طولها ثلاثين ذراعا في عرض عشرة أذرع وارتفاع عشرة أذرع، ولها سرادق مضروب حواليها مائة ذراع في خمسين ذراعا وارتفاع خمسة أذرع. فأخذ القوم في إصلاحها وما تزين به من الستور من الذهب والفضة والجواهر ستة أشهر الشتاء كله، ولما فرغ منها نصبت في اليوم الأوّل من نيسان في أوّل السنة الثانية، ويقال أنّ موسى عليه السلام حارب هنالك العرب، مثل طسم وجديس والعماليق وجرهم وأهل مدين حتى أفناهم جميعا، وأنه وصل إلى جبل فاران، وهو مكة، فلم ينج منهم إلّا من اعتصم بملك اليمن أو انتمى إلى بنى إسماعيل عليه السلام، وفي ثلثي الشهر الباقي من هذه السنة ظعن القوم في برّية الطور بعد أن نزلت عليهم التوراة، وجملة شرائعها ستمائة وثلاث عشرة شريعة، وفي آخر الشهر الثالث حرّمت عليهم أرض الشام أن يدخلوها، وحكم الله تعالى عليهم أن يتيهوا في البرّية أربعين سنة، لقولهم نخاف أهلها لأنهم جبارون، فأقاموا تسع عشرة سنة في رقيم، وتسع عشرة سنة في أحد، وأربعين موضعا مشروحة في التوراة، وفي اليوم السابع من شهر أيلول من السنة الثانية خسف الله بقارون وبأوليائه بدعاء موسى عليه السلام عليهم لما كذبوا، وفي شهر نيسان من السنة الأربعين توفيت مريم ابنة عمران أخت موسى عليه السلام، ولها مائة وست وعشرون سنة.
وفي شهر آب منها مات هارون عليه السلام وله مائة وثلاث وعشرون سنة، ثم كان حرب الكنعانيين وسيحون والعوج صاحب البثنية من أرض حوران. في الشهور التي بعد ذلك إلى شهر شباط، فلما أهلّ شباط أخذ موسى في إعادة التوراة على القوم، وأمرهم بكتب نسختها وقراءتها وحفظ ما شاهدوه من آثاره وما أخذوه عنه من الفقه، وكان نهاية ذلك في اليوم السادس من آذار، وقال لهم في اليوم السابع منه: إني في يومي هذا استوفيت عشرين ومائة سنة، وإنّ الله قد عرّفني أنه يقبضني فيه، وقد أمرني أن أستخلف عليكم يوشع بن نون ومعه السبعون رجلا الذين اخترتهم قبل هذا الوقت، ومعهم العازر بن هارون أخي فاسمعوا له وأطيعوا، وأنا أشهد عليكم الله الذي لا إله إلّا هو، والأرض والسماوات، أن تعبدوا الله ولا تشركوا به شيئا ولا تبدّلوا شرائع التوراة بغيرها، ثم فارقهم وصعد الجبل فقبضه الله تعالى هناك وأخفاه، ولم يعلم أحد منهم قبره ولا شاهده، وكان بين وفاة موسى وبين الطوفان ألف وستمائة وست وعشرون سنة، وذلك في أيام منوجهر ملك الفرس، وزعم قوم أن موسى كان ألثغ، فمنهم من جعل ذلك خلقة، ومنهم من زعم

أنه إنما اعتراه حين قالت امرأة فرعون لفرعون لا تقتل طفلا لا يعرف الجمر من التمر.
فلما دعا له فرعون بهما جميعا تناول جمرة فأهوى بها إلى فيه، فاعتراه من ذلك ما اعتراه، وذكر محمد بن عمر الواقديّ: أن لسان موسى كانت عليه شامة فيها شعرات، ولا يدل القرآن على شيء من ذلك، فليس في قوله تعالى: وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسانِي
[طه/ 27] دليل على شيء من ذلك دون شيء، فأقاموا بعده ثلاثين يوما يبكون عليه إلى أن أوحى الله تعالى إلى يوشع بن نون بترحيلهم، فقادهم وعبر بهم الأردن في اليوم العاشر من نيسان، فوافوا أريحا، فكان منهم ما هو مذكور في مواضعه، فهذه جملة خبر موسى عليه السلام.
كنيسة جوجر: هذه الكنيسة من أجلّ كنائس اليهود، ويزعمون أنها تنسب لنبيّ الله إلياس عليه السلام، وأنه ولد بها وكان يتعاهدها في طول إقامته بالأرض إلى أن رفعه الله إليه الياس: هو فينحاس بن العازر بن هارون عليه السلام، ويقال الياسين بن ياسين عيزار بن هارون، ويقال هو إلياهو، وهي عبرانية معناها قادر أزليّ، وعرّب فقيل إلياس، ويذكر أهل العلم من بني إسرائيل أنه ولد بمصر، وخرج به أبوه العازر من مصر مع موسى عليه السلام وعمره نحو الثلاث سنين، وأنه هو الخضر الذي وعده الله بالحياة، وأنه لما خرج بلعام بن باعورا ليدعو على موسى، صرف الله لسانه حتى يدعو على نفسه وقومه، وكان من زنا بني إسرائيل بنساء الأمورانيين وأهل مواب ما كان، فغضب الله تعالى عليهم وأوقع فيهم الوباء، فمات منهم أربعة وعشرون ألفا إلى أن هجم فينحاس هذا على خباء فيه رجل على امرأة يزني بها، فنظمهما جميعا برمحه وخرج وهو رافعهما وشهرهما غضبا لله، فرحمهم الله سبحانه ورفع عنهم الوباء، وكانت له أيضا آثار مع نبي الله يوشع بن نون، ولما مات يوشع قام من بعده فينحاس هذا هو وكالأب بن يوفنا، فصار فينحاس إماما وكالأب يحكم بينهم، وكانت الأحداث في بني إسرائيل، فساح إلياس ولبس المسوح ولزم القفار، وقد وعده الله عز وجل في التوراة بدوام السلامة، فأوّل ذلك بعضهم بأنه لا يموت، فامتدّ عمره إلى أن ملك يهوشا فاط بن أسا بن افيا بن رحبم بن سليمان بن داود عليهما السلام على سبط يهودا في بيت المقدس، وملك أحؤب بن عمري على الأسباط من بني إسرائيل بمدينة شمرون، المعروفة اليوم بنابلس، وساءت سيرة أحؤب حتى زادت في القبح على جميع من مضى قبله من ملوك بني إسرائيل، وكان أشدّهم كفرا وأكثرهم ركونا للمنكر، بحيث أربى في الشرّ على أبيه وعلى سائر من تقدّمه، وكانت له امرأة يقال لها سيصيال ابنة أشاعل ملك صيدا، أكفر منه بالله، وأشدّ عتوّا واستكبارا، فعبدا وثن بعل الذي قال الله فيه

جلّ ذكره أتدعون بعلا وتذرون أحسن الخالقين الله ربكم وربّ آبائكم الأوّلين، وأقاما له مذبحا بمدينة شمرون، فأرسل الله عز وجل إلى أحؤب عبده إلياس رسولا لينهاه عن عبادة وثن بعل، ويأمره بعبادة الله تعالى وحده، وذلك قول الله عز وجل من قائل: وَإِنَّ إِلْياسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ أَلا تَتَّقُونَ أَتَدْعُونَ بَعْلًا وَتَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ اللَّهَ رَبَّكُمْ وَرَبَّ آبائِكُمُ الْأَوَّلِينَ فَكَذَّبُوهُ
[الصافات/ 123- 126] ولما أيس من أيمانهم بالله وتركهم عبادة الوثن، أقسم في مخاطبته أحؤب أن لا يكون مطر ولا ندا، ثم تركه. فأمره الله سبحانه أن يذهب ناحية الأردن، فمكث هناك مختفيا، وقد منع الله قطر السماء حتى هلكت البهائم وغيرها، فلم يزل إلياس مقيما في استتاره إلى أن جف ما كان عنده من الماء، وفي طول إقامته كان الله جلّ جلاله يبعث إليه بغربان تحمل له الخبز واللحم.
فلما جف ماؤه الذي كان يشرب منه لامتناع المطر أمره الله أن يسير إلى بعض مدائن صيدا، فخرج حتى وافي باب المدينة، فإذا امرأة تحتطب، فسألها ماء يشربه وخبزا يأكله، فأقسمت له أن ما عندها إلّا مثل غرفة دقيق في إناء، وشيء من زيت في جرّة، وأنها تجمع الحطب لتقتات منه هي وابنها، فبشرها إلياس عليه السلام وقال لها لا تجزعي وافعلي ما قلت لك، واعملي لي خبزا قليلا قبل أن تعملي لنفسك ولولدك، فإن الدقيق لا يعجز من الإناء، ولا الزيت من الجرّة حتى ينزل المطر، ففعلت ما أمرها به وأقام عندها، فلم ينقص الدقيق ولا الزيت بعد ذلك إلى أن مات ولدها وجزعت عليه، فسأل إلياس ربه تعالى فأحيي الولد، وأمره الله أن يسير إلى أحؤب ملك بني إسرائيل لينزل المطر عند إخباره له بذلك، فسار إليه وقال له: أجمع بني إسرائيل وأبناء بعال. فلما اجتمعوا قال لهم إلياس: إلى متى هذا الضلال، إن كان الرب الله فاعبدوه، وإن كان بعال هو الله فارجعوا بنا إليه، وقال:
ليقرّب كلّ منا قربانا، فأقرّب أنا لله، وقرّبوا أنتم لبعال، فمن تقبل منه قربانه ونزلت نار من السماء فأكلته فإلهه الذي يعبد فلما رضوا بذلك أحضروا ثورين واختاروا أحدهما وذبحوه، وصاروا ينادون عليه يال بعال يال بعال، وإلياس يسخر بهم ويقول: لو رفعتم أصواتكم قليلا فلعلّ إلهكم نائم أو مشغول، وهم يصرخون ويجرحون أيديهم بالسكاكين، ودماءهم تسيل.
فلما أيسوا من أن تنزل النار وتأكل قربانهم، دعا إلياس القوم إلى نفسه، وأقام مذبحا وذبح ثوره وجعله على المذبح وصبّ الماء فوقه ثلاث مرّات، وجعل حول المذبح خندقا محفورا، فلم يزل يصب الماء فوق اللحم حتى امتلأ الخندق من الماء، وقام يدعو الله عزّ اسمه وقال في دعائه: اللهمّ أظهر لهذه الجماعة أنك الربّ، وأني عبدك عامل بأمرك. فأنزل الله سبحانه نارا من السماء أكلت القربان وحجارة المذبح التي كان فوقها اللحم وجميع الماء الذي صبّ حوله. فسجد القوم أجمعون وقالوا نشهد أن الربّ الله. فقال إلياس: خذوا أبناء

بعال، فأخذوا وجيء بهم فذبحهم كلهم ذبحا، وقال لأحؤب انزل وكل واشرب، فإن المطر نازل، فنزل المطر على ما قال، وكان الجهد قد اشتدّ لانقطاع المطر مدّة ثلاث سنين وأشهر، وغزر المطر حتى لم يستطع أحؤب أن ينصرف لكثرته.
فغضبت سيصيال امرأة احؤب لقتل أبناء بعال وحلفت بآلهتها لتجعلنّ روح إلياس عوضهم، ففزع إلياس وخرج إلى المفاوز وقد اغتم غما شديدا، فأرسل الله إليه ملكا معه خبز ولحم وماء، فأكل وشرب وقوّاه الله حتى مكث بعد هذه الأكلة أربعين يوما لا يأكل ولا يشرب، ثم جاءه الوحي بأن يمضي إلى دمشق، فسار إليها وصحب اليسع بن شابات، ويقال ابن حظور، فصار تلميذ، فخرج من أريحا ومعه اليسع حتى وقف على الأردن، فنزع رداءه ولفه وضرب به ماء الأردن فافترق الماء عن جانبيه، وصار طريقا. فقال إلياس حينئذ لليسع اسأل ما شئت قبل أن يحال بيني وبينك. فقال اليسع: أسأل أن يكون روحك فيّ مضاعفا.
فقال: لقد سألت جسيما، ولكن إن أبصرتني إذا رفعت عنك يكون ما سألت، وإن لم تبصرني لم يكن. وبينما هما يتحدّثان إذ ظهر لهما كالنار، فرّق بينهما ورفع إلياس إلى السماء، واليسع ينظره. فانصرف وقام في النبوّة مقام إلياس، وكان رفع إلياس في زمن يهورام بن يهوشافاط، وبين وفاة موسى عليه السلام وبين آخر أيام يهورام خمسمائة وسبعون سنة، ومدّة نبوّة موسى عليه السلام أربعون سنة، فعلى هذا يكون مدّة عمر إلياس من حين ولد بمصر إلى أن رفع بالأردن إلى السماء ستمائة سنة. وبضع سنين، والذي عليه علماء أهل الكتاب وجماعة من علماء المسلمين، أنّ إلياس حيّ لم يمت، إلّا أنهم اختلفوا فيه، فقال بعضهم أنه هو فينحاس كما تقدّم ذكره، ومنع هذا جماعة وقالوا هما اثنان، والله أعلم.
كنيسة المصاصة: هذه الكنيسة يجلّها اليهود، وهي بخط المصاصة من مدينة مصر، ويزعمون أنها رممت في خلافة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وموضعها يعرف بدرب الكرمة، وبنيت في سنة خمس عشرة وثلثمائة للإسكندر، وذلك قبل الملة الإسلامية بنحو ستمائة وإحدى وعشرين سنة، ويزعم اليهود أن هذه الكنيسة كانت مجلسا لنبيّ الله إلياس.
كنيسة الشاميين: هذه الكنيسة بخط قصر الشمع من مدينة مصر، وهي قديمة مكتوب على بابها بالخط العبرانيّ حفرا في الخشب، أنها بنيت في سنة ست وثلاثين وثلاثمائة للإسكندر، وذلك قبل خراب بيت المقدس الخراب الثاني الذي خرّبه طيطش بنحو خمس وأربعين سنة، وقبل الهجرة بنحو ستمائة سنة، وبهذه الكنيسة نسخة من التوراة لا يختلفون في أنها كلها بخط عزرا النبيّ الذي يقال له بالعربية العزيز.
كنيسة العراقيين: هذه الكنيسة أيضا بخط قصر الشمع.

كنيسة بالجودرية: هذه الكنيسة بحارة الجودرية من القاهرة، وهي خراب منذ أحرق الخليفة الحاكم بأمر الله حارة الجودرية على اليهود، كما تقدّم ذكر ذلك في الحارات فانظره.
كنيسة القرّائين: هذه الكنيسة كان يسلك إليها من تجاه باب سرّ المارستان المنصوريّ في حدرة ينتهي إليها بحارة زويلة، وقد سدّت الخوخة التي كانت هناك، فصار لا يتوصل إليها إلّا من حارة زويلة، وهي كنيسة تختص بطائفة اليهود القرّائين.
كنيسة دار الحدرة: هذه الكنيسة بحارة زويلة في درب يعرف الآن بدرب الرايض، وهي من كنائس ... «1» .
كنيسة الربانيين: هذه الكنيسة بحارة زويلة بدرب يعرف الآن بدرب البنادين، يسلك منه إلى تجاه السبع قاعات، وإلى سويقة المسعوديّ وغيرها، وهي كنيسة تختص بالربانيين من اليهود.
كنيسة ابن شميخ: هذه الكنيسة بجوار المدرسة العاشورية من حارة زويلة، وهي مما يختص به طائفة القرّائين.
كنيسة السمرة: هذه الكنيسة بحارة زويلة في خط درب ابن الكورانيّ، تختص بالسمرة، وجميع كنائس القاهرة المذكورة محدثة في الإسلام بلا خلاف.
ذكر تاريخ اليهود وأعيادهم
قد كانت اليهود أوّلا تؤرخ بوفاة موسى عليه السلام، ثم صارت تؤرخ بتاريخ الإسكندر بن فيلبش، وشهور سنتهم اثنا عشر شهرا، وأيام السنة ثلاثمائة وأربعة وخمسون يوما. فأما الشهور فإنها تشري، مر حشوان، كسليو، طبيث، شفط، آذر، نيس، أيار، سيوان، تموز، آب، أيلول. وأيام سنتهم أيام سنة القمر، ولو كانوا يستعملونها على حالها لكانت أيام سنتهم وعدد شهورهم شيئا واحدا، ولكنه لما خرج بنو إسرائيل من مصر مع موسى عليه السلام إلى التيه، وتخلصوا من عذاب فرعون، وما كانوا فيه من العبودية، وائتمروا بما أمروا به كما وصف في السّفر الثاني من التوراة، اتفق ذلك ليلة اليوم الخامس عشر من نيس، والقمر تام الضوء، والزمان ربيع. فأمروا بحفظ هذا اليوم كما قال في السفر الثاني من التوراة، احفظوا هذا اليوم سنة لخلوفكم إلى الدهر في أربعة عشر من الشهر الأوّل، وليس معنى الشهر الأوّل هذا شهر تشري، ولكنه عني به شهر نيس، من أجل أنهم

أمروا أن يكون شهر الناسخ رأس شهورهم ويكون أوّل السنة، فقال موسى عليه السلام للشعب: اذكروا اليوم الذي خرجتم فيه من التعبد، فلا تأكلوا خميرا في هذا اليوم في الشهر الذي ينضر فيه الشجر. فلذلك اضطرّوا إلى استعمال سنة الشمس ليقع اليوم الرابع عشر من شهر نيس في أوان الربيع حين تورق الأشجار وتزهو الثمار، وإلى استعمال سنة القمر ليكون جرمه فيه بدرا تام الضوء في برج الميزان، وأحوجهم ذلك إلى إلحاق الأيام التي يتقدّم بها عن الوقت المطلوب بالشهور إذا استوفيت أيام شهر واحد، فألحقوها بها شهرا تاما سمّوه آذار الأوّل، وسموا آذار الأصل آذار الثاني، لأنه ردف سميا له وتلاه، وسموا السنة الكبسة عبورا، اشتقاقا من معبار، وهي المرأة الحبلى بالعبرانية، لأنهم شبهوا دخول الشهر الزائد في السنة بحمل المرأة ما ليس من جملتها، ولهم في استخراج ذلك حسابات كثيرة مذكورة في الأزباج.
وهم في عمل الأشهر مفترقون فرقتين، إحداهما الربانية: واستعمالهم إيّاها على وجه الحساب بمسير الشمس والقمر الوسط، سواء رؤي الهلال أو لم ير، فان الشهر عندهم هو مدّة مفروضة تمضي من لدن الاجتماع الكائن بين الشمس والقمر في كل شهر، وذلك أنهم كانوا وقت عودهم من الجالية ببابل إلى بيت المقدس ينصبون على رؤس الجبال دبادب، ويقيمون رقباء للفحص عن الهلال، وألزموهم بإيقاد النار وتدخين دخان يكون علامة لحصول الرؤية، وكانت بينهم وبين السامرة العداوة المعروفة، فذهبت السامرة ورفعوا الدخان فوق الجبل قبل الرؤية بيوم، ووالوا بين ذلك شهورا، اتفق في أوائلها أن السماء كانت متغيمة، حتى فطن لذلك من في بيت المقدس، ورأوا الهلال غداة اليوم الرابع أو الثالث من الشهر مرتفعا عن الأفق من جهة المشرق، فعرفوا أن السامرة فتنتهم، فالتجأوا إلى أصحاب التعاليم في ذلك الزمان ليأمنوا بما يتلقونه من حسابهم مكايد الأعداء، واعتلوا لجواز العمل بالحساب ونيابته عن العمل بالرؤية بعلل ذكروها، فعمل أصحاب الحساب لهم الأدوار، وعلّموهم استخراج الاجتماعات ورؤية الهلال، وأنكر بعض الربانية حديث القرباء ورفعهم الدخان، وزعموا أن سبب استخراج هذا الحساب هو أن علماءهم علموا أن آخر أمرهم إلى الشتات، فخافوا إذا تفرّقوا في الأقطار وعوّلوا على الرؤية أن تختلف عليهم في البلدان المختلفة فيتشاجروا، فلذلك استخرجوا هذه الحسبانات واعتنى بها اليعازر بن فروح، وأمروهم بالتزامها والرجوع إليها حيث كانوا.
والفرقة الثانية هم الميلادية الذين يعملون مبادي الشهور من الاجتماع، ويسمّون القرّاء والأسمعية، لأنهم يراعون العمل بالنصوص دون الالتفات إلى النظر والقياس، ولم يزالوا على ذلك إلى أن قدم عاتان رأس الجالوت من بلاد المشرق في نحو الأربعين ومائة من الهجرة إلى دار السلام بالعراق، فاستعمل الشهور برؤية الأهلة على مثل ما شرع في الإسلام، ولم يبال أي أيّ يوم وقع من الأسبوع، وترك حساب الربانيين، وكبس الشهور بأن

نظر كل سنة إلى زرع الشعير بنواحي العراق والشام فيما بين أوّل شهر نيسن إلى أن يمضي منه أربعة عشر يوما، فإن وجد باكورة تصلح للفريك والحصاد ترك السنة بسيطة، وإن وجدها لم تصلح لذلك كبسها حينئذ، وتقدّمت المعرفة بهذه الحالة، وإنّ من أخذ برأيه يخرج لسبعة تبقى من شفط، فينظر بالشام والبقاع المشابهة له في المزاج إلى زرع الشعير، فإن وجد السفا وهو شوك السنبل قد طلع، عدّ منه إلى الفاسح خمسين يوما، وإن لم يره طالعا كبسها بشهر، فبعضهم يردف الكبس بشفط، فيكون في السنة شفط وشفط مرّتين، وبعضهم يردفه بآذر فيكون آذر وآذر في السنة مرّتين، وأكثر استعمال العانانية لشفط دون آذر، كما أن الربانية تستعمل آذر دون غيره.
فمن يعتمد من الربانية عمل الشهور بالحساب يقول: إن شهر تشري لا يكون أوّله يوم الأحد والأربعاء، وعدّته عندهم ثلاثون يوما أبدا، وفيه عيد رأس السنة، وهو عيد البشارة بعتق الأرقاء، وهذه العيد في أوّل يوم منه، ولهم أيضا في اليوم العاشر منه صوم الكبور، ومعناه الاستغفار، وعند الربانيين أن هذا الصوم لا يكون أبدا يوم الأحد ولا الثلاثاء ولا الجمعة، وعند من يعتمد في الشهور الرؤية أن ابتداء هذا الصوم من غروب الشمس في ليلة العاشر إلى غروبها من ليلة الحادي عشر، وذلك أربع وعشرون ساعة. والربانيون يجعلون مدّة الصوم خمسا وعشرين ساعة، إلى أن تشتبك النجوم، ومن لم يصم منهم هذا الصوم قتل شرعا، وهم يعتقدون أن الله يغفر لهم فيه جميع الذنوب ما خلا الزنا بالمحصنات، وظلم الرجل أخاه، وجحد الربوبية، وفيه أيضا عيد المظلة، وهو سبعة أيام يعيدون في أولها ولا يخرجون من بيوتهم كما هو العمل يوم السبت وعدّة أيام المظلة إلى آخر اليوم الثاني والعشرين، تمام سبعة أيام، واليوم الثامن يقال له عيد الاعتكاف، وهم يجلسون في هذه الأيام السبعة التي أوّلها خامس عشر تشري تحت ظلال سعف النخل الأخضر وأغصان الزيتون ونحوها من الأشجار التي لا يتناثر ورقها على الأرض، ويرون أن ذلك تذكار منهم لإظلال الله آباءهم في التيه بالغمام، وفيه أيضا عيد القرّائين خاصة صوم في اليوم الرابع والعشرين منه، يعرف بصوم كدليا، وعند الربانيين يكون هذا الصوم في ثالثه.
وشهر مر حشوان ربما كان ثلاثين يوما، وربما كان تسعة وعشرين يوما، وليس فيه عيد.
وكسليو ربما كان ثلاثين يوما، وربما كان تسعة وعشرين يوما وليس فيه عيد، إلّا أن الربانيين يسرجون على أبوابهم ليلة الخامس والعشرين منه، وهو مدّة أيام يسمونها الحنكة، وهو أمر محدث عندهم، وذلك أن بعض الجبابرة تغلب على بيت المقدس، وقتل من كان فيه من بني إسرائيل، وافتض أبكارهم، فوثب عليه أولاد كاهنهم وكانوا ثمانية فقتله

أصغرهم، وطلب اليهود زيتا لوقود الهيكل فلم يجدوا إلّا يسيرا، وزعوه على عدد ما يوقدونه من السرج في كل ليلة إلى ثمان ليال، فاتخذوا هذه الأيام عيدا وسموها أيام الحنكة، وهي كلمة مأخوذة من التنظيف، لأنهم نظفوا فيها الهيكل من أقذار أشياع ذلك الجبار، والقرّاء لا يعملون ذلك لأنهم لا يعوّلون على شيء من أمر البيت الثاني.
وشهر طبيث عدد أيامه تسعة وعشرون يوما، وفي عاشره صوم سببه أنه في ذلك اليوم كان ابتداء محاصرة بخت نصر لمدينة بيت المقدس، ومحاصرة طيطش لها أيضا في الخراب الثاني.
وشفط أيامه أبدا ثلاثون يوما وليس فيه عيد. وشهر آذر عند الربانيين كما تقدّم يكون مرّتين في كلّ سنة فآذر الأوّل عدد أيامه ثلاثون يوما إن كانت السنة كبيسة، وإن كانت بسيطة فأيامه تسعة وعشرون يوما، وليس فيه عيد عندهم. وآذر الثاني أيامه تسعة وعشرون يوما أبدا وفيه عند الربانيين صوم الفوز في اليوم الثالث عشر منه، والفوز في اليوم الرابع عشر واليوم الخامس عشر، وأما القرّاؤون فليس عندهم في السنة شهر آذر سوى مرّة واحدة، ويجعلون صوم الفور في ثالث عشرة وبعده إلى الخامس عشر، وهذا أيضا محدث، وذلك أن بخت نصر لما أجلى بني إسرائيل من بيت المقدس وخرّبه ساقهم جلاية إلى بلاد العراق، وأسكنهم في مدينة خي التي يقال لها أصبهان، فلما ملك أزد شير بن بابك ملك الفرس، وتسمية اليهود أحشوارش، كان له وزير يسمى هيمون، وكان لليهود حينئذ حبر يقال له مردوخاي، فبلغ أزدشير أن له ابنة عمّ جميلة الصورة، فتزوّجها وحظيت عنده، واستدنى مردوخاي ابن عمها وقرّبه، فحسده الوزير هيمون وعمل على هلاكه وهلاك اليهود الذين في مملكة أزدشير، ورتب مع نوّاب أزدشير في سائر أعماله أن يقتلوا كلّ يهوديّ عندهم في يوم عينه لهم، وهو الثالث عشر من آذر، فبلغ ذلك مردوخاي فأعلم ابنة عمه بما دبره الوزير وحثها على إعمال الحيلة في تخليص قومها من الهلكة، فأعلمت أزدشير بحسد الوزير لمردوخاي على قربه من الملك وإكرامه، وما كتب به إلى العمال من قتل اليهود، وما زالت به تغريه على الوزير إلى أن أمر بقتله، وقتل أهله، وكتب لليهود أمانا، فاتخذ اليهود هذا اليوم من كلّ سنة عيدا وصاموه شكرا لله تعالى، وجعلوا من بعده يومين اتخذوهما أيام فرح وسرور ولهو ومهاداة من بعضهم لبعض، وهم على ذلك إلى اليوم، وربما صوّر بعضهم في هذا اليوم صورة هيمون الوزير، وهم يسمونه هامان، فإذا صوّروه ألقوه بعد العبث به في النار حتى يحترق.
وشهر نيسن عدد أيامه ثلاثون يوما أبدا، وفيه عيد الفاسح الذي يعرف اليوم عند النصارى بالفسح، ويكون في الخامس عشر منه، وهو سبعة أيام يأكلون فيها الفطير وينظفون بيوتهم من أجل أن الله سبحانه خلص بني إسرائيل من أسر فرعون في هذه الأيام حتى

خرجوا من مصر مع نبي الله موسى بن عمران عليه السلام، وتبعهم فرعون فأغرقه الله ومن معه، وسار موسى ببني إسرائيل إلى التيه، ولما خرجوا من مصر مع موسى كانوا يأكلون اللحم والخبز والفطير وهم فرحون بخلاصهم من يد فرعون، فأمروا باتخاذ الفطير وأكله في هذه الأيام ليذكروا أنه ما منّ الله عليهم به من انقاذهم من العبودية، وفي آخر هذه الأيام السبعة كان غرق فرعون، وهو عندهم يوم كبير، ولا يكون أوّل هذا الشهر عند الربانيين أبدا يوم الاثنين ولا يوم الأربعاء ولا يوم الجمعة، ويكون أوّل الخمسينيات من نصفه.
وشهر أيار عدد أيامه تسعة وعشرون يوما، وفيه عيد الموقف، وهو حج الأسابيع، وهي الأسابيع التي فرضت على بني إسرائيل فيها الفرائض، ويقال لهذا العيد في زمننا عيد العنصرة، وعيد الخطاب، ويكون بعد عيد الفطر وفيه خوطب بنو إسرائيل في طور سيناء، ويكون هذا العيد في السادس منه، وفيه أيضا يوم الخميس وهو آخر الخمسينيات، ولا يكون عيد العنصرة عند الربانيين أبدا يوم الثلاثاء ولا يوم الخميس ولا يوم السبت. وشهر تموز أيامه تسعة وعشرون يوما، وليس فيه عيد، لكنهم يصومون في تاسعه لأنّ فيه هدم سور بيت المقدس عند محاصرة بخت نصر له، والربانيون خاصة يصومون يوم السابع عشر منه، لأنّ فيه هدم طيطش سور بيت المقدس وخرّب البيت البيت الخراب الثاني.
وشهر آب ثلاثون يوما، وفيه عيد القرّائين، صوم في اليوم السابع واليوم العاشر، لأنّ بيت المقدس خرب فيهما على يد بخت نصر، وفيه أيضا كان إطلاق بخت نصر النار في مدينة القدس وفي الهيكل، ويصوم الربانيون اليوم التاسع منه، لأنّ فيه خرب البيت على يد طنطش الخراب الثاني.
وشهر أيلول تسعة وعشرون يوما أبدا، وليس فيه عيد والله تعالى أعلم.
ذكر معنى قولهم يهودي
اعلم أن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلوات الله عليهم أجمعين، سماه الله إسرائيل، ومعنى ذلك الذي رأسه القادر، وكان له من الولد اثنا عشر ذكرا يقال لكلّ واحد منهم سبط، ويقال لمجموعهم الأسباط، وهذه أسماؤهم روبيل، وشمعون، ولاوي، ويهوذا، ويساخر، وزبولون. والستة أشقاء، أمّهم ليا بنت لابان بن بتويل بن ناحور أخي إبراهيم الخليل. وكان واشار، ودان، ونفتالي، ويوسف، وبنيامين. فلما كبر هؤلاء الأسباط الاثنا عشر قدّم عليهم أبوهم يعقوب وهو إسرائيل، ابنه يهوذا، وجعله حاكما على إخوته الأحد عشر سبطا، فاستمرّ رئيسا وحاكما على إخوته إلى أن مات، فورثت أولاد يهوذا رياسة الأسباط من بعده، إلى أن أرسل الله تعالى موسى ابن عمران بن قاهاث بن لاوي بن يعقوب إلى فرعون، بعد وفاة يوسف بن يعقوب عليهما السلام، بمائة وأربع وأربعين سنة، وهم رؤساء الأسباط. فلما نجى الله موسى وقومه بعد غرق فرعون ومن معه،

رتّب عليه السلام بني إسرائيل الاثني عشر سبطا أربع فرق، وقدّم على جميعهم سبط يهوذا، فلم يزل سبط يهوذا مقدّما على سائر الأسباط أيام حياة موسى عليه السلام، وأيام حياة يوشع بن نون. فلما مات يوشع، سأل بنو إسرائيل الله تعالى وابتهلوا إليه في قبة الشمشار أن يقدّم عليهم واحدا منهم، فجاء الوحي من الله بتقديم عثنيئال بن قناز من سبط يهوذا، فتقدّم على سائر الأسباط، وصار بنو يهوذا مقدّمين على سائر الأسباط من حينئذ إلى أن ملّك الله على بني إسرائيل نبيه داود، وهو من سبط يهوذا، فورث ملك بني إسرائيل من بعده ابنه سلمان بن داود عليهما السلام. فلما مات سليمان افترق ملك بني إسرائيل من بعده، وصار لمدينة شمرون التي يقال لها اليوم نابلس عشرة أسباط، وبقي بمدينة القدس سبطان. هما سبط يهوذا وسبط بنيامين، وكان يقال لسكان شمرون بنو إسرائيل ويقال لسكان القدس بنو يهوذا، إلى أن انقرضت دولة بني إسرائيل من مدينة شمرون بعد مائتين وإحدى وخمسين سنة، فصاروا كلهم بالقدس تحت طاعة الملوك من بني يهودا، إلى أن قدم بخت نصر وخرّب القدس وجلا جميع بني إسرائيل إلى بابل، فعرفوا هناك بين الأمم ببني يهوذا، واستمرّ هذا سمة لهم بين الأمم بعد ذلك إلى أن جاء الله بالإسلام، فكان يقال للواحد منهم يهوذي بذال معجمة نسبة إلى سبط يهوذا، وتلاعب العرب بذلك على عادتهم في التلاعب بالأسماء المعجمة، وقالوها بدال مهملة، وسموا طائفة بني إسرائيل اليهود، وبهذه اللغة نزل القرآن، ويقال أنّ أوّل من سمّى بني إسرائيل اليهود بخت نصر، والله يعلم وأنتم لا تعلمون.
ذكر معتقد اليهود وكيف وقع عندهم التبديل
اعلم أن الله سبحانه لما أنزل التوراة على نبيه موسى عليه السلام، ضمنها شرائع الملة الموسوية، وأمر فيها أن يكتب لكلّ من يلي أمر بني إسرائيل كتاب يتضمن أحكام الشريعة لينظر فيه. ويعمل به، وسمي هذا الكتاب بالعبرانية مشنا، ومعناه استخراج الأحكام من النص الإلهيّ، وكتب موسى عليه السلام، بخط يده مشنا كأنه تفسير لما في التوراة من الكلام الإلهيّ، فلما مات موسى عليه السلام، وقام من بعده بأمر بني إسرائيل يوشع بن نون، ومن بعده إلى أن كانت أيام يهوياقيم ملك القدس، غزاهم بخت نصر الغزوة الأولى، وهم يكتبون لكل من ملكهم مشنا، ينقلونها من المشنا التي بخط موسى ويجعلونها باسمه، فلما جلا بخت نصر يهوياقيم الملك ومعه أعيان بني إسرائيل وكبراء بيت المقدس، وهم في زيادة على عشرة آلاف نفس، ساروا ومعهم نسخ المشنا التي كتبت لسائر ملوك بني إسرائيل بأجمعها إلى بلاد المشرق، فلما سار بخت نصر من باب الكرّة الثانية لغزو القدس، وخرّبه، وجلا جميع من فيه وفي بلاد بني إسرائيل من الأسباط الاثني عشر إلى باب أقاموا بها، وبقي القدس خرابا لا ساكن فيه مدّة سبعين سنة، ثم عادوا من بابل بعد سبعين سنة وعمروا القدس، وجدّدوا بناء البيت ثانيا ومعهم جميع نسخ المشنا التي خرجوا بها أوّلا.

فلما مضت من عمارة البيت الثاني بعد الجلاية ثلاثمائة ونيف من السنين، اختلف بنو إسرائيل في دينهم اختلافا كثيرا، فخرج طائفة من آل داود عليه السلام من بيت المقدس وساروا إلى الشرق، كما فعل آباؤهم أوّلا، وأخذوا معهم نسخا من المشنا التي كتبت للملوك من مشنا موسى التي بخطه، وعملوا بما فيها ببلاد الشرق، من حين خرجوا من القدس إلى أن جاء الله بدين الإسلام، وقدم عانان رأس الجالوت من المشرق إلى العراق في خلافة أمير المؤمنين أبي جعفر المنصور، سنة ست وثلاثين ومائة من سني الهجرة المحمدية.
وأما الذين أقاموا بالقدس من بني إسرائيل بعد خروج من ذكرنا إلى الشرق من آل داود، فإنهم لم يزالوا في افتراق واختلاف في دينهم إلى أن غزاهم طيطش، وخرّب القدس الخراب الثاني بعد قتل يحيى بن زكريا ورفع المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، وسبى جميع من فيه وفي بلاد بني إسرائيل بأسرهم، وغيب نسخ المشنا التي كانت عندهم، بحيث لم يبق معهم من كتب الشريعة سوى التوراة، وكتب الأنبياء، وتفرّق بنو إسرائيل من وقت تخريب طيطش بيت المقدس في أقطار الأرض، وصاروا ذمّة إلى يومنا هذا، ثم إن رجلين ممن تأخروا إلى قبيل تخريب القدس يقال لهما شماي وهلال، نزلا مدينة طبرية وكتبا كتابا سمياه مشنا، باسم مشنا موسى عليه السلام، وضمنا هذا المشنا الذي وضعاه أحكام الشريعة، ووافقهما على وضع ذلك عدّة من اليهود، وكان شماي وهلال في زمن واحد، وكانا في أواخر مدّة تخريب البيت الثاني، وكان لهلال ثمانون تلميذا، أصغرهم يوحانان بن زكاي، وأدرك يوحانان بن زكاي خراب البيت الثاني على يد طيطش، وهلال وشماي أقوالهما مذكورة في المشنا، وهي في ستة أسفار تشتمل على فقه التوراة، وإنما رتبها النوسيّ من ولد داود النبيّ بعد تخريب طيطش للقدس بمائة وخمسين سنة، ومات شماي وهلال ولم يكملا المشنا فأكمله رجل منهم يعرف بيهودا من ذرية هلال وحمل اليهود على العمل بما في هذا المشنا، وحقيقته أنه يتضمن كثيرا مما كان في مشنا النبيّ موسى عليه السلام، وكثيرا من آراء أكابرهم. فلما كان بعد وضع هذا المشنا بنحو خمسين سنة، قام طائفة من اليهود يقال لهم السنهدوين، ومعنى ذلك الأكابر، وتصرّفوا في تفسير هذا المشنا برأيهم، وعملوا عليه كتابا اسمه التلمود، أخفوا فيه كثيرا مما كان في ذلك المشنا، وزادوا فيه أحكاما من رأيهم، وصاروا منذ وضع هذا التلمود الذي كتبوه بأيديهم وضمنوه ما هو من رأيهم ينسبون ما فيه إلى الله تعالى، ولذلك ذمّهم الله في القرآن الكريم بقوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَناً قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ
[البقرة/ 79] وهذا التلمود نسختان مختلفتان في الأحكام، والعمل إلى اليوم على هذا التلمود عند فرقة الربانيين بخلاف القرّائين، فإنهم لا

يعتقدون العمل بما في هذا التلمود. فلما قدم عانان رأس الجالوت إلى العراق، أنكر على اليهود عملهم بهذا التلمود، وزعم أن الذي بيده هو الحق، لأنه كتب من النسخ التي كتبت من مشنا موسى عليه السلام الذي بخطه، والطائفة الربانيون، ومن وافقهم لا يعوّلون من التوراة التي بأيديهم إلّا على ما في هذا التلمود، وما خلف ما في التلمود لا يعبأون به، ولا يعوّلون عليه، كما أخبر تعالى إذ يقول حكاية عنهم: إِنَّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلى آثارِهِمْ مُقْتَدُونَ
[الزخرف/ 22] ومن اطلع على ما بأيديهم وما عندهم من التوراة تبين له أنهم ليسوا على شيء، وأنهم إن يتبعون إلّا الظنّ وما تهوى الأنفس، ولذلك لما نبغ فيهم موسى بن ميمون القرطبيّ، عوّلوا على رأيه، وعملوا بما في كتاب الدلالة وغيره من كتبه، وهم على رأيه إلى زمننا.
ذكر فرق اليهود الآن
اعلم أن اليهود الذين قطعهم الله في الأرض أمما أربع فرق، كلّ فرقة تخطّيء الطوائف الأخر، وهي طائفة الربانيين، وطائفة القرّائين، وطائفة العانانية، وطائفة السمرة. وهذا الاختلاف حدث لهم بعد تخريب بخت نصر بيت المقدس وعودهم من أرض بابل بعد الجلاية إلى القدس، وعمارة البيت ثانيا. وذلك أنهم في إقامتهم بالقدس أيام العمارة الثانية افترقوا في دينهم، وصاروا شيعا. فلما ملكهم اليونان بعد الإسكندر بن فيلبش، وقام بأمرهم في القدس هور قانوس بن شمعون بن مشيثا، واستقام أمره فسمي ملكا، وكان قبل ذلك هو وجميع من تقدّمه ممن ولي أمر اليهود في القدس بعد عودهم من الجلاية إنما يقال له الكوهن الأكبر، فاجتمع لهور قانوس منزلة الملك ومنزلة الكهونية، واطمأنّ اليهود في أيامه وأمنوا سائر أعدائهم من الأمم، فبطروا معيشتهم واختلفوا في دينهم وتعادوا بسبب الاختلاف، وكان من جملة فرقهم إذ ذاك طائفة يقال لهم الفروشيم، ومعناه المعتزلة، ومن مذهبهم القول بما في التوراة على معنى ما فسره الحكماء من أسلافهم. وطائفة يقال لهم الصدوفية بفاء، نسبوا إلى كبير لهم يقال له صدوف، ومذهبهم القول بنص التوراة وما دلّ عليه القول الإلهيّ فيها دون ما عداه من الأقوال، وطائفة يقال لهم الجسديم، ومعناه الصلحاء، ومذهبهم الاشتغال بالنسك وعبادة الله سبحانه والأخذ بالأفضل والأسلم في الدين، وكانت الصدوفية تعادي المعتزلة عداوة شديدة، وكان الملك هور قانوس أوّلا على رأي المعتزلة، وهو مذهب آبائه، ثم إنه رجع إلى مذهب الصدوفية وباين المعتزلة وعاداهم، ونادى في سائر مملكته بمنع الناس جملة من تعلم رأي المعتزلة، والأخذ عن أحد منهم، وتتبعهم وقتل منهم كثيرا. وكانت العامّة بأسرها مع المعتزلة، فثارت الشرور بين اليهود واتصلت الحروب بينهم، وقتل بعضهم بعضا إلى أن خرب البيت على يد طيطش الخراب

الثاني بعد رفع عيسى صلوات الله عليه، وتفرّق اليهود من حينئذ في أقطار الدنيا وصاروا ذمّة، والنصارى تقتلهم حيثما ظفرت بهم إلى أن جاء الله بالملة الإسلامية، وهم في تفرّقهم ثلاث فرق، الربانيون والقرّاء والسمرة.
فأما الربانية: فيقالهم بنو مشنو، ومعنى مشنو الثاني، وقيل لهم ذلك لأنهم يعتبرون أمر البيت الذي بني ثانيا بعد عودهم من الجلاية وخرّبه طيطش وينزلونه في الاحترام والإكرام والتعظيم منزلة البيت الأوّل الذي ابتدأ عمارته داود وأتمه ابنه سليمان عليهما السلام، وخرّبه بخت نصر. فصار كأنه يقال لهم أصحاب الدعوة الثانية، وهذه الفرقة هي التي كانت تعمل بما في المشنا الذي كتب بطبرية بعد تخريب طيطش القدس، وتعوّل في أحكام الشريعة على ما في التلمود إلى هذا الوقت الذي نحن فيه، وهي بعيدة عن العمل بالنصوص الإلهية متبعة لآراء من تقدّمها من الأحبار، ومن اطلع على حقيقة دينها، تبين له أن الذي ذمّهم الله به في القرآن الكريم حق لا مرية فيه، وأنه لا يصح لهم من اسم اليهودية إلّا مجرّد الانتماء فقط، لا إنهم في الإتباع على الملة الموسوية، لا سيما منذ ظهر فيهم موسى بن ميمون القرطبيّ بعد الخمسمائة من سني الهجرة المحمدية، فإنه ردّهم مع ذلك معطلة، فصاروا في أصول دينهم وفروعه أبعد الناس عما جاء به أنبياء الله تعالى من الشرائع الإلهية.
وأما القرّاء: فإنهم بنو مقرا، ومعنى مقرا الدعوة، وهم لا يعوّلون على البيت الثاني جملة، ودعوتهم إنما هي لما كان عليه العمل مدّة البيت الأوّل، وكان يقال لهم أصحاب الدعوة الأولى، وهم يحكمون نصوص التوراة ولا يلتفتون إلى قول من خالفها، ويقفون مع النص دون تقليد من سلف، وهم مع الربانيين من العداوة بحيث لا يتناكحون ولا يتجاورون ولا يدخل بعضهم كنيسة بعض، ويقال للقرّائين أيضا المبادية، لأنهم كانوا يعملون مبادي الشهور من الاجتماع الكائن بين الشمس والقمر، ويقال لهم أيضا الأسمعية، لأنهم يراعون العمل بنصوص التوراة دون العمل بالقياس والتقليد.
وأما العانانية: فإنهم ينسبون إلى عانان رأس الجالوت الذي قدم من المشرق في أيام الخليفة أبي جعفر المنصور، ومعه نسخ المشنا الذي كتب من الخط الذي كتب من خط النبيّ موسى، وأنه رأى ما عليه اليهود من الربانيين والقرّائين يخالف ما معه، فتجرّد لخلافهم وطعن عليهم في دينهم، وازدرى بهم، وكان عظيما عندهم يرون أنه من ولد داود عليه السلام، وعلى طريق فاضلة من النسك على مقتضى ملتهم، بحيث يرون أنه لو ظهر في أيام عمارة البيت لكان نبيا، فلم يقدروا على مناظرته، لما أوتي مع ما ذكرنا من تقريب الخليفة له وإكرامه، وكان مما خالف فيه اليهود استعمال الشهور برؤية الأهلة على مثل ما شرع في الملة الإسلامية، ولم يبال في أيّ يوم وقع من الأسبوع، وترك حساب الربانيين

وكبس الشهور وخطأهم في العمل بذلك، واعتمد على كشف زرع الشعير، وأجمل القول في المسيح عيسى ابن مريم عليه السلام، وأثبت نبوّة نبينا محمد صلّى الله عليه وسلّم، وقال: هو نبيّ أرسل إلى العرب، إلّا أن التوراة لم تنسخ، والحق أنه أرسل إلى الناس كافة صلّى الله عليه وسلّم.
ذكر السمرة: اعلم أن طائفة السمرة ليسوا من بني إسرائيل البتة، وإنما هم قوم قدموا من بلاد المشرق وسكنوا بلاد الشام وتهوّدوا، ويقال أنهم من بني سامرك بن كفركا بن رمي، وهو شعب من شعوب الفرس، خرجوا إلى الشام ومعهم الخيل والغنم والإبل والقسيّ والنشاب والسيوف والمواشي، ومنهم السمرة الذين تفرّقوا في البلاد. ويقال أن سليمان بن داود لما مات افترق ملك بني إسرائيل من بعده، فصار رحبعم بن سليمان على سبط يهودا بالقدس، وملك يربعم بن نياط على عشرة أسباط من بني إسرائيل، وسكن خارجا عن القدس، واتخذ عجلين دعا الأسباط العشرة إلى عبادتهما من دون الله إلى أن مات، فوليّ ملك بني إسرائيل من بعده عدّة ملوك على مثل طريقته في الكفر بالله وعبادة الأوثان، إلى أن ملكهم عمري بن نوذب من سبط منشا بن يوسف، فاشترى مكانا من رجل اسمه شامر بقنطار فضة، وبنى فيه قصرا وسماه باسم اشتقه من اسم شامر الذي اشترى منه المكان، وصير حول هذا القصر مدينة وسماها مدينة شمرون، وجعلها كرسيّ ملكه إلى أن مات، فاتخذها ملوك بني إسرائيل من بعده مدينة للملك، وما زالوا فيها إلى أن ولي هو شاع بن إيلا، وهم على الكفر بالله، وعبادة وثن بعل وغيره من الأوثان، مع قتل الأنبياء، إلى أن سلط الله عليهم سنجاريب ملك الموصل، فحاصرهم بمدينة شمرون ثلاث سنين، وأخذ هو شاع أسيرا وجلاه ومعه جميع من في شمرون من بني إسرائيل، وأنزلهم بهراه وبلخ ونهاوند وحلوان، فانقطع من حينئذ ملك بني إسرائيل من مدينة شمرون بعد ما ملكوا من بعد سليمان عليه السلام مدّة مائتي سنة وإحدى وخمسين سنة، ثم إن سنجاريب ملك الموصل نقل إلى شمرون كثيرا من أهل كوشا وبابل وحماه، وأنزلهم فيها ليعمروها، فبعثوا إليه يشكون من كثرة هجوم الوحش عليهم يشمرون، فسير إليهم من علمهم التوراة، فتعلموها على غير ما يجب، وصاروا يقرءونها ناقصة أربعة أحرف، الألف والهاء والخاء والعين، فلا ينطقون بشيء من هذه الأحرف في قراءتهم التوراة، وعرفوا بين الأمم بالسامرة لسكناهم بمدينة شمرون.
وشمرون هذه هي مدينة نابلس، وقيل لها سمرون بسين مهملة، ولسكانها سامرة، ويقال معنى السمرة حفظة ونواطير، فلم تزل السمرة بنابلس إلى أن غزا بخت نصر القدس وأجلى اليهود منه إلى بابل، ثم عادوا بعد سبعين سنة وعمروا البيت ثانيا إلى أن قام الإسكندر من بلاد اليونان، وخرج يريد غزو الفرس، فمرّ على القدس وخرج منه يريد عمان، فاجتاز على نابلس وخرج إليه كبير السمرة بها، وهو سنبلاط السامريّ، فأنزله وصنع له ولقوّاده وعظماء أصحابه صنيعا عظيما، وحمل إليه أموالا جمة وهدايا جليلة، واستأذنه

في بناء هيكل لله على الجبل الذي يسمى عندهم طوربريك، فأذن له وسار عنه إلى محاربة دارا ملك الفرس، فبنى سنبلاط هيكلا شبيها بهيكل القدس، ليستميل به اليهود، وموّه عليهم بأن طوربريك هو الموضع الذي اختاره الله تعالى وذكره في التوراة بقوله فيها: اجعل البركة على طوربريك، وكان سنبلاط قد زوّج ابنته بكاهن من كهان بيت المقدس يقال له منشا، فمقت اليهود منشا على ذلك، وأبعدوه وحطوه عن مرتبته عقوبة له على مصاهرة سنبلاط، فأقام سنبلاط منشا زوج ابنته كاهنا في هيكل طوربريك، وآتته طوائف من اليهود وضلوا به، وصاروا يحجون إلى هيكله في الأعياد، ويقرّبون قرا بينهم إليه، ويحملون إليه نذورهم وأعشارهم، وتركوا قدس الله وعدلوا عنه فكثرت الأموال في هذا الهيكل، وصار ضدّ البيت المقدس، واستغنى كهنته وخدّامه وعظم أمر منشا وكبرت حالته. فلم تزل هذه الطائفة تحج إلى طور بريك حتى كان زمن هور قانوس بن شمعون الكوهن، من بني حثمتاي في بيت المقدس، فسار إلى بلاد السمرة ونزل على مدينة نابلس وحصرها مدّة وأخذها عنوة، وخرّب هيكل طور بريك إلى أساسه، وكانت مدّة عمارته مائتي سنة، وقتل من كان هناك من الكهنة، فلم تزل السمرة بعد ذلك إلى يومنا هذا تستقبل في صلاتها حيثما كانت من الأرض طور بريك بجبل نابلس، ولهم عبادات تخالف ما عليه اليهود، ولهم كنائس في كل بلد تخصهم، والسمرة ينكرون نبوّة داود ومن تلاه من الأنبياء، وأبوا أن يكون بعد موسى عليه السلام نبيّ وجعلوا رؤساءهم من ولد هارون عليه السلام، وأكثرهم يسكن في مدنية نابلس، وهم كثير في مدائن الشام، ويذكر أنهم الذين يقولون لا مساس، ويزعمون أن نابلس هي بيت المقدس، وهي مدينة يعقوب عليه السلام، وهناك مراعيه.
وذكر المسعوديّ أن السمرة صنفان متباينان، أحدهما يقال له الكوشان، والآخر الروشان، أحد الصنفين يقول بقدم العالم. والسامرة تزعم أن التوراة التي في أيدي اليهود ليست التوراة التي أوردها موسى عليه السلام ويقولون توراة موسى حرّفت وغيّرت وبدّلت، وأن التوراة هي ما بأيديهم دون غيرهم. وذكر أبو الريحان محمد بن أحمد البيروتيّ أنّ السامرة تعرف بالأمساسية. قال: وهم الأبدال الذين بدّلهم بخت نصر بالشام حين أسر اليهود وأجلاها، وكانت السامرة أعانوه ودلوه على عورات بني إسرائيل، فلم يحربهم ولم يقتلهم ولم يسبهم وأنزلهم فلسطين من تحت يده، ومذاهبهم ممتزجة من اليهودية والمجوسية، وعامّتهم يكونون بموضع من فلسطين يسمى نابلس، وبها كنائسهم، ولا يدخلون حدّ بيت المقدس منذ أيام داود النبي عليه السلام، لأنهم يدّعون إنه ظلم واعتدى وحوّل الهيكل المقدّس من نابلس إلى إيليا، وهو بيت المقدس، ولا يمسون الناس، وإذا مسوهم اغتسلوا، ولا يقرّون بنبوّة من كان بعد موسى عليه السلام من أنبياء بني إسرائيل.
وفي شرح الإنجيل: إنّ اليهود انقسمت بعد أيام داود إلى سبع فرق.

الكتاب: وكانوا يحافظون على العادات التي أجمع عليها المشايخ مما ليس في التوراة.
والمعتزلة: وهم الفريسيون، وكانوا يظهرون الزهد ويصومون يومين في الأسبوع، ويخرجون العشر من أموالهم، ويجعلون خيوط القرمز في رؤس ثيابهم، ويغسلون جميع أوانيهم، ويبالغون في إظهار النظافة.
والزنادقة: وهم من جنس السامرة، وهم من الصدوفية، فيكفرون بالملائكة والبعث بعد الموت وبجميع الأنبياء ما خلا موسى فقط، فإنهم يقرّون بنبوّته.
والمتظهرون: وكانوا يغتسلون كلّ يوم ويقولون لا يستحق حياة الأبد إلّا من يتطهر كلّ يوم.
والإسابيون: ومعناه الغلاظ الطباع، وكانوا يوجبون جميع الأوامر الإلهية، وينكرون جميع الأنبياء سوى موسى عليه السلام، ويتعبدون بكتب غير الأنبياء.
والمتقشفون: وكانوا يمنعون أكثر المآكل وخاصة اللحم، ويمنعون من التزوّج بحسب الطاقة، ويقولون بأن التوراة ليست كلها لموسى، ويتمسكون بصحف منسوبة إلى أخنوخ وإبراهيم عليه السلام، وينظرون في علم النجوم ويعملون بها.
والهيرذوسيون: سموا أنفسهم بذلك لموالاتهم هيرذوس ملكهم، وكانوا يتبعون التوراة ويعملون بما فيها انتهى.
وذكر يوسف بن كريون في تاريخه أن اليهود كانوا في زمن ملكهم هور قانوس، يعني في زمن بناء البيت بعد عودهم من الجلاية ثلاث فرق: الفروشيم: ومعناه المعتزلة، ومذهبهم القول بما في التوراة وما فسره الحكماء من سلفهم. والصدوفية: أصحاب رجل من العلماء يقال له صدوف، ومذهبهم القول بنص التوراة وما دلت عليه دون غيره.
والجسديم ومعناه الصلحاء، وهم المشتغلون بالعبادة والنسك، الآخذون في كل أمر بالأفضل والأسلم في الدين انتهى. وهذه الفرقة هي أصل فرقتي الربانيين والقرّاء.
فصل: زعم بعضهم أن اليهود عانانية وشمعونية، نسبة إلى شمعون الصدّيق، ولي القدس عند قدوم أبي الإسكندر، وجالوتية وفيومية وسامرية وعكبرية وأصبهانية وعراقية ومغاربة وشرشتانية وفلسطينية ومالكية وربانية. فالعانانية تقول بالتوحيد والعدل ونفي التشبيه، والشمعونية تشبه، وتبالغ الجالوتية في التشبيه، وأما الفيومية فإنها تنسب إلى أبي سعيد الفيوميّ، وهم يفسرون التوراة على الحروف المقطعة. والسامرية ينكرون كثيرا من شرائعهم ولا يقرّون بنبوّة من جاء بعد يوشع، والعكبرية أصحاب أبي موسى البغداديّ

العبكريّ، وإسماعيل العكبريّ، يخالفون أشياء من السبت وتفسير التوراة، والأصبهانية أصحاب أبي عيسى الأصبهاني، وادّعى النبوّة وأنه عرج به إلى السماء فمسح الرب على رأسه، وإنه رأى محمدا صلّى الله عليه وسلّم فآمن به، ويزعم يهود أصبهان أنه الدجال، وأنه يخرج من ناحيتهم، والعراقية تخالف الخراسانية في أوقات أعيادهم ومدد أيامهم، والشرشتانية أصحاب شرشتان، زعم أنه ذهب من التوراة ثمانون سوقة، أي آية، وادّعى أن للتوراة تأويلا باطنا مخالفا للظاهر، وأما يهود فلسطين فزعموا أن العزير ابن الله تعالى، وأنكر أكثر اليهود هذا القول، والمالكية تزعم أن الله تعالى لا يحيى يوم القيامة من الموتى إلّا من احتج عليه بالرسل والكتب، ومالك هذا هو تلميذ عانان. والربانية تزعم أن الحائض إذا مست ثوبا بين ثياب وجب غسل جميعها، والعراقية تعمل رؤس الشهور بالأهلة، وآخرون بالحساب يعملون والله أعلم.
فصل: وهم يوجبون الإيمان بالله وحده وبموسى عليه السلام وبالتوراة، ولا بدّ لهم من درسها وتعلمها، ويغتسلون ويتوضؤون ولا يمسحون رؤوسهم في وضوئهم، ويبدؤون بالرجل اليسرى، وفي شيء منه خلاف بينهم، وعانان يرى أن الاستنجاء قبل الوضوء، ويرى أشمعث أن الاستنجاء بعد الوضوء، ولا يتوضؤون بما تغير لونه أو طعمه أو ريحه، ولا يجيزون الطهارة من غدير ما لم يكن عشرة أذرع في مثلها، والنوم قاعدا لا ينقض الوضوء عندهم ما لم يضع جنبه الأرض، إلّا العانانية فإن مطلق النوم عندهم ينقض، ومن أحدث في صلاته من قيء أو رعاف أو ريح انصرف وتوضأ وبنى على صلاته، ولا تجوز صلاة الرجل في أقلّ من ثلاثة أثواب، قميص وسراويل وملاءة يتردّى بها، فإن لم يجد الملاءة صلّى جالسا، فإن لم يجد القميص والسراويل صلّى بقلبه، ولا تجوز صلاة المرأة في أقل من أربعة أثواب، وعليهم فريضة ثلاث صلوات في اليوم والليلة، عند الصبح وبعد الزوال إلى غروب الشمس ووقت العتمة إلى ثلث الليل، ويسجدون في دبر كل صلاة سجدة طويلة، وفي يوم السبت وأيام الأعياد يزيدون خمس صلوات على تلك الثلاث. ولهم خمسة أعياد:
عيد الفطر: وهو الخامس عشر من نيسن، يقيمون سبعة أيام لا يأكلون سوى الفطير، وهي الأيام التي تخلصوا فيها من فرعون وأغرقه الله.
وعيد الأسابيع: بعد الفطير بسبعة أسابيع، وهو اليوم الذي كلم الله تعالى فيه بني إسرائيل من طور سيناء.
وعيد رأس الشهر: وهو أوّل تشري، وهو الذي فدى فيه إسحاق عليه السلام من الذبح، ويسمونه عيد رأس هشايا، أي رأس الشهر. وعيد صوماريا: يعني الصوم العظيم.
وعيد المظلة: يستظلون سبعة أيام بقضبان الآس والخلاف. ويجب عليهم الحج في كل سنة ثلاث مرّات لما كان الهيكل عامرا، ويوجبون صوم أربعة أيام. أوّلها: سابع عشر

تموز من الغروب إلى الغروب، وعند العانانية هو اليوم الذي أخذ فيه بخت نصر البيت.
والثاني: عشر آب. والثالث: عاشر كانون الأول. والرابع: ثالث عشر آذار. ويتشدّدون في أمر الحائض بحيث يعتزلونها وثيابها وأوانيها وما مسته من شيء فإنه ينجّس ويجب غسله، فإن مست لحم القربان أحرق بالنار، ومن مسها أو شيئا من ثيابها وجب عليه الغسل، وما عجنته أو خبزته أو طبخته أو غسلته فكله نجس حرام على الطاهرين حلّ للحيض، ومن غسل ميتا نجس سبعة أيام لا يصلي فيها، وهم يغسلون موتاهم ولا يصلون عليهم، ويوجبون إخراج العشر من جميع ما يملك، ولا يجب حتى يبلغ وزنه أو عدده مائة، ولا يخرج العشر إلّا مرّة واحدة، ثم لا يعاد إخراجه، ولا يصح النكاح عندهم إلّا بوليّ وخطبة وثلاثة شهود ومهر مائتي درهم للبكر، ومائة للثيب لا أقل من ذلك، ويحضر عند عقد النكاح كأس خمر وباقة مرسين، فيأخذ الإمام الكأس ويبارك عليه ويخطب خطبة النكاح ثم يدفعه إلى الختن ويقول: قد تزوّجت فلانة بهذه الفضة أو بهذا الذهب وهو خاتم في يده، وبهذا الكأس من الخمر، وبمهر كذا، ويشرب جرعة من الخمر، ثم ينهضون إلى المرأة ويأمرونها أن تأخذ الخاتم والمرسلين والكأس من يد الختن، فإذا أخذت وشربت جرعة وجب عقد النكاح، ويضمن أولياء المرأة البكارة، فإذا زفت إليه وكّل الوليّ من يقف بباب الخلوة وقد فرشت ثياب بيض حتى يشاهد الوكيل الدم، فإن لم توجد بكرا رجمت، ولا يجوز عندهم نكاح الإماء حتى يعتقن، ثم ينكحن، والعبد يعتق بعد خدمته لسنين معلومة، وهي ست سنين، ومنهم من يجوّز بيع صغار أولاده إذا احتاج، ولا يجوّزون الطلاق إلا بفاحشة أو سحر أو رجوع عن الدين، وعلى من طلق خمسة وعشرون درهما للبكر، ونصف ذلك للثيب، وينزل في كتابها طلاقها بعد أن يقول الزوج أنت طالق مني مائة مرّة، ومختلعة مني، وفي سعة أن تتزوّجي من شئت، ولا يقع طلاق الحامل أبدا، نعم، إلّا أن يجوّزوه ويراجع الرجل امرأته ما لم تتزوج، فإن تزوّجت حرّمت عليه إلى الأبد. والخيار بين المتبايعين ما لم ينقل المبيع إلى البائع. والحدود عندهم على خمسة أوجه، حرق ورجم وقتل وتعزير وتغريم، فالحرق على من زنى بأمّ امرأته أو ربيبته أو بامرأة أبيه أو امرأة ابنه، والقتل على من قتل. والرجم على المحصن إذا زنى أو لاط، وعلى المرأة إذا مكنت من نفسها بهيمة. والتعزير «1» على من قذف، والتغريم على من سرق، ويرون أن البينة على المدّعي، واليمين على من أنكر.
وعندهم أنّ من أتى بشيء من سبعة وثلاثين عملا في يوم السبت أو ليلته استحق القتل وهي: كرب الأرض، وزرعها، وحصاد الزرع، وسياقة الماء إلى الزرع، وحلب اللبن، وكسر الحطب، وإشعال النار، وعجن العجين، وخبزه، وخياطة الثوب، وغسله، ونسج

سلكين، وكتابة حرفين أو نحوهما، وأخذ الصيد، وذبح الحيوان، والخروج من القرية، والانتقال من بيت إلى آخر، والبيع، والشراء، والدق، والطحن، والاحتطاب، وقطع الخبز، ودق اللحم، وإصلاح النعل إذا انقطعت، وخلط علف الدابة، ولا يجوز للكاتب أن يخرج يوم السبت من منزله ومعه قلمه، ولا الخياط ومعه إبرته، وكل من عمل شيئا استحق به القتل فلم يسلم نفسه فهو ملعون «1» .

بَنِي إِسْرَائِيلَ