أ. بلقاسم يخلف
مـقــدمـة:
نعيش حاليا عصرا تتسارع فيه المعارف وتتجدد وتتنوع الابتكارات وتتغير بحيث أصبح من الضروري مراجعة من حين لآخر كل ما اكتسبناه ولو كان هذا المكتسب المعرفي لم يمض عليه وقتا طويلا، وذلك لنساير هذا التقدم الهائل في كل مجالات المعرفة. وإن كان هذا ينطبق على كل فرد مهما كانت درجة معرفته ومستواه العلمي فهذا يكون أهم إذا تعلق الأمر بميدان التربية والتعليم ويخص المعلم ذاته. ففي ظل هذا العصر ومعطياته المتعاظمة والمتجددة باستمرار كشف علم النفس التربوي عن ضعف بعض الطرائق التربوية وقصور مضامين المواد التعليمية القائمة حالياً عن بلوغ الأهداف المرجوة، لذا وجد هذا العلم نفسه أمام ضرورة إعادة النظر في موقفه من الطفل والمدرسة والمعلم والمنهج الدراسي والعلاقات القائمة بينهم ومناهج التعليم وطرق التدريس وفلسفة التربية، فمراجعة المناهج والبحث في التعليم والتعلم والتكوين بصورة عامة من أسس بقاء المجتمع وتقدمه. فلم يعد مقبولاً بالنسبة لهذا العلم اليوم أن ننظر إلى الطفل وكأنه صفحة بيضاء يسجل عليها المعلم ما يريد، أو أن يبقى المنهج الدراسي مليئاً بالمعلومات التي يطلب من التلاميذ حفظها واسترجاعها أثناء الامتحان، أو أن ننظر للمعلم وكأنه الملقن والمالك الوحيد للمعرفة مثلا. لقد بينت الدراسات الحديثة التي أجريت في العقود الأخيرة، أن إمكانات الطفل وقدراته هي أكبر بكثير ممّا كان يعتقده علم النفس قبل هذا التاريخ. وبات من الضروري النظر من حين لآخر في تكوين المعلم ومناهج التدريس والزمن واستغلاله والظروف العامة المحيطة بالتعلم والتعليم وقدرات المتعلم ووسائل التعليم وغيرها من الشروط العامة التي يجب توفرها من أجل آداء مهام التعليم في كل المستويات وفي مختلف المؤسسات.
وتعد المعارف والمهارات التي يقدمها هذا العلم من الموضوعات الأكثر أهمية لمن يتناول عمله ميدان التربية والتعليم وذات أهمية قصوى في إعداد المعلم والمربي بصورة عامة.
إن علم النفس التربوي يعد من فروع علم النفس ذو الدور الفعال لما له من الأهمية النظرية والتطبيقية في العملية التربوية في إحداث التغيرات المرجوة في مجالات التعلم والتعليم إذ يقدم المبادئ النفسية الأساسية للمربي بصورة عامة والمعلم بصورة خاصة، علم النفس التربوي يقدم المعلومات والمبادئ النفسية العامة التي تساعد على فهم سلوك المتعلم وتنمية شخصيته في كل جوانبها واستغلال طاقة الفرد ومختلف القدرات وتوجيه السلوك ومعرفة الذات.
كذلك يمكننا أن ننظر إلى علم النفس التربوي على أنه الفرع الوسيط بين التربية وعلم النفس كونه يهتم بالجانب التربوي ويعتمد على القوانين والمفاهيم النفسية فهو بهذا مزج بين علم النفس والتربية.
المحور الأول: مدخل إلى علم النفس التربوي:
- تعريف علم النفس التربوي وتحديد مجاله ومواضيعه.
- أهداف علم النفس التربوي
- أهمية و فوائد علم النفس التربوي بالنسبة للمعلم
- مناهج البحث في علم النفس التربوي
- علاقته بفروع علم النفس الأخرى
1- تعريف علم النفس التربوي وتحديد مجاله ومواضيعه:
علم النفس التربوي من العلوم الحديثة النشأة غير أنه مثل علم النفس (الذي هو فرعا منه) له ماض طويل يمتد إلى الفلسفات القديمة متوغلا في فلسفة التربية. ويعد جوهن فردريك هيربارت (HERBART, Johann Friedrich) (1776-1841) الفيلسوف والبيداغوجي الألماني أول مبشر بهذا العلم عندما حاول أن يستشف من علم النفس المبادئ التي كانت تبدو له ذات قيمة في التربية والتعليم، فيرفض النظريات التي تدافع عن فكرة التمييز بين القدرات (الملكات) العقلية ويقترح فكرة أن كل الظواهر العقلية أساسها التفاعل بين الأفكار الأولية. فحسبه الطرق والنظم التربوية يجب أن تؤسَّس على علم النفس والأخلاق: علم النفس يساعد على توصيل المعارف الأساسية، والأخلاق لتحديد الهدف الاجتماعي للتربية، من مؤلفاته الأساسيةle Manuel de psychologie (1816). ومن قبله كومنيوس (E.A.COMENIUS) (التشيكي) (1592-1670، وبستالوزي (Pestalozzi, Johann Heinrich (1746-1827، وفروبل (Friedrich Fröbel) ((1782-1852 وروسو (Rousseau, Jean-Jacques) ((1712-1778 وغيرهم، غير أن نظرية الملكات كانت هي المسيطرة على بدايات علم النفس التربوي التي تعود في أصولها إلى الفلسفة اليونانية وفلسفة العصور الوسطى التي كانت ترى أن العقل الإنساني يتألف من قوى مستقلة كالذاكرة و الإرادة و الانتباه التي تؤدي إلى حدوث مختلف الأنشطة العقلية.
إذا كان علم النفس التقليدي يرى أن الطفل راشدا صغيرا فإن علم النفس الحديث يخالف ذلك ويراعي خصوصية الأطفال وطبيعتهم الإنسانية وميولاتهم الخاصة ويرى بأن الطفل يفكر ويتخيل بعيدا عن سمات الراشد وخصائصه. وإذا كان علم النفس التقليدي يُعرف بعلم نفس الملكات أي ينظر إلى التكوين العقلي للإنسان على أساس الملكات، فإن لعلم النفس الحديث عكس هذه الرؤية التقليدية إذ يفسره على أنه طاقة دينامية واحدة.
ويستبدل مفهوم التعلم كعملية آلية ميكانيكية بمفهوم أكثر ديناميكية يكون فيها التعلم معتمدا على استجابات الطفل والاهتمام بنشاطه.
فضل هيربارت يعود إلى الربط المباشر بين الممارسة التربوية والمبادئ النفسية التي صاغها. ويرى أن العقل كينونة وجدانية ينمو ويتطور ويكتسب ملامحه عبر عملية الاتصال الحسي مع العالم الخارجي، ويحدد هيربارت مصدرين أساسيين لتكوين المعرفة عند الإنسان هما:
- تفاعل الإنسان مع الطبيعة.
- تفاعل الإنسان مع الوسط الاجتماعي.
والوظيفة الأساسية للتربية عند هيربارت هي أنها تمد العقل بالأفكار والتجارب.
رغم إسهامات هذا العالم وغيره في ترسيخ علم النفس التربوي وتحديد معالمه بين العلوم الأخرى فإنه في الواقع (علم النفس التربوي) كعلم تجريبي مستقل عن الفلسفة ظهر في الربع الأخير من القرن التاسع عشر على يد ادوارد ثرندايك (Thorndike, Edward Lee) (1874-1949) الأمريكي الذي ألف أول كتاب له حول هذا الموضوع عام 1903 تحت عنوان "علم النفس التربوي" (Educational Psychology) » ولم يبدأ هذا العلم في اتخاذ صورة واضحة إلا منذ عام 1920 وقد تتابعت الاهتمامات والمؤلفات والبحوث الأكاديمية حول هذا العلم، وأنشئت المعامل والمختبرات الخاصة به، وظهرت المجلات المتخصصة لمعالجة موضوعاته، وعقدت المؤتمرات العلمية التي أسهمت في تحديد طبيعته، إلى أن أصبح هذا العلم من المقررات الأساسية اللازمة لتدريب المعلمين في كليات ومعاهد التربية بمختلف أنواعها ومستوياتها... وبدأ الاهتمام يتحدد ويزيد بعلم النفس التربوي في الثلاثينيات من هذا القرن، حيث تم تحديد موضوع سيكولوجية المواد الدراسية كالقراءة والحساب وانتشرت أبحاث كثيرة في طرق التدريس، وفي الأربعينيات تطور هذا الفرع نتيجة تأثره بالمفاهيم الإكلينيكية المشتقة من ميدان الطب العقلي والعلاج النفسي، حيث زاد الاهتمام بمشكلات التوافق والتكيف والصحة النفسية للطالب. وفي الخمسينيات زاد الاهتمام بعمليات التعلم داخل غرفة الصف والعلاقات بين الطلبة أنفسهم من جهة أخرى.« ([1])
علم النفس التربوي المعاصر استفاد من نظريات التعلم ومن البحوث والاستكشافات العلمية والتجريبية المختلفة في كل الميادين: حول النمو وعلم الاجتماع ومن الأبحاث والنظريات المتناقضة في بعض الأحيان لمختلف المدارس: السلوكية والغشطالطية والمعرفية وغيرها ومن مختلف البحوث العلمية من ميادين بحث مختلفة خاصة في عصرنا الحالي.
فالمعرفة الشمولية والدقيقة لمراحل تطور الحياة النفسية عند الأطفال والمراهقين مثلا و المعرفة المعمقة والعلمية لبعض القضايا والموضوعات النفسية، و معرفة المعطيات البيولوجية التي تتصل بمراحل نمو الطفل والترابطات النفسية والتصورات التي تتصل بطرق التفكير مثلا كلها و غيرها ساعدت على بلورت و استقلال و إثراء علم النفس التربوي.
لم يعد في الواقع مجرد تطبيقا لنظريات التعلم وسيكولوجية النمو أو مزيجا من النظريات وسيكولوجية التعلم والقياس النفسي والتربوي بل له كيانه » ويعود الفضل في ذلك إلى استخدام العلماء لغة الأنساق أو المنظومات Systems، ويقصد بالمنظومة مجموعة من العلاقات المنظمة المتداخلة التي تربط بين أجزاء متفاعلة يتكون منها كل أو نمط يؤدي وظيفة معينة. وقد يكون تصور العملية التعليمية كمنظومة والذي اقترحه روبرت جليزر منذ عام 1962 أكثر التصورات شيوعا.«[2] وتتألف هذه المنظومة من العناصر التالية: الأهداف التربوية، المدخلات السلوكية، عمليات التعلم، والتقويم التربوي، كما يوضحه الشكل الموالي:
الشكل رقم (1) المنظومة الأساسية للعملية التعليمية كما اقترحها روبرت جليزر
وهذه العناصر هي المكونات الأساسية لموضوع علم النفس التربوي. ولو اعتمدنا على هذا النسق في عملية التعلم لقلنا أن أي أستاذ مهما كانت مادته المدرسة وحتى يستغل وقته ويحقق أهدافه التعليمية، عليه أن يعتمد في تدريسه أو بالأحرى في كل حصة من حصصه التعليمية على هذه العناصر ويتساءل قبل تصميم الدرس أو الوحدة التعليمية وأثناء تنفيذها ما هي الأهداف المرجوة من هذه الحصة أو الوحدة؟ ما هي الكفاءات التي يجب إحداثها أو تثبيتها عند كل متعلم؟ ما هو السلوك المُتعلم الذي يجب أن أعلم المتعلم إياه؟ ما هي التغييرات الايجابية الواجب إحداثها عند كل متعلم؟... ما هو أو ما هي السلوكات أو الكفاءات التي هي بحوزة كل متعلم؟ ماذا باستطاعة المتعلم أن يفعل الآن قبل أن أقدم له الدرس؟ ماذا أفعل حتى أستطيع أن أحدث التغيرات المرجوة في سلوك كل متعلم؟ ما هي الطرق والوسائل التي أستعملها حتى أصل إلى الأهداف في أسرع وقت ودون جهد كبير مثلا سواء للمتعلم أو لي كمعلم؟... كيف أعرف أن هناك تغير ايجابي في سلوك المتعلم؟ ما هي الوسائل والعلامات التي تدل أن المتعلم قد أصبحت لديه كفاءات جديدة بإمكانه توظيفها في مواقف تعليمية جديدة؟ كيف أعرف أنني حققت الأهداف التي سطرتها من قبل؟ أي ما هي المخرجات السلوكية؟...
ا- تعريف علم النفس التربوي:
لتوضيح مصطلح "علم النفس التربوي" تعددت التعريفات وذلك لتعدد الزوايا التي يُؤخذ منها هذا العلم ولتعدد كذلك تعريفات العبارات المكونة لهذا المصطلح: "علم"، "النفس"، "التربية". هذه العبارات التي تعددت معانيها بتعدد العصور والمدارس والفلسفات (ولا نريد في هذا المجال التعمق في هذه العبارات).
لقد كان هناك جدل كبير حول ماهية هذا العلم، فإذا كان البعض يرى هذا العلم كمبدأ التطبيق في ميدان التربية والتعليم، أي في غرفة الدراسة، للمعارف والطرائق والأساليب النفسية والنظريات التي توصل إليها علم النفس، فإن البعض الآخر يرى أن علم النفس التربوي له ميدانه المتميز بنظرياته ومناهجه البحثية ومشكلاته وأساليبه الخاصة، وعلى هذا الأساس فمن بين اهتماماته الأساسية نجد:
- فهم عملية التعلم والتعليم
- تطوير طرائق لتحسين هذه العمليات.
وإذا أعطينا تعريفا له في إطار علم النفس نقول أنه الدراسة العلمية للسلوك الإنساني خلال مختلف العمليات التربوية.
ولقد عرف ديفيد أوزبول وروبرسون علم النفس التربوي، بأنه مجموعة العلاقات المشتقة تجريبيا أو منطقيا بين العوامل والمتغيرات في الموقف المدرسي والنواتج المرغوبة كما تقاس بمؤشرات السلوك العقلي.
ويعرفه ديبوا (Dubois) فيقول: علم النفس التربوي من العلوم النظرية التطبيقية التي تحاول فهم ما يجري في المدرسة وفي غرفة الصف، وفهم أسباب حدوثه.
كما يُعرف » بأنه علم تجريبي يدرس سلوك المتعلم خلال ممارسته لعملية التعلم.« ([3])
يعرفه ويترك (Wittrock) على أنه العلم الذي يدرس مشكلات التربية وحلها من خلال مفاهيم ومبادئ علم النفس المختلفة.
يعرفه كيج وبيرلينر (Gage &Berliner) على أنه دراسة التعلم والتعليم والمدرسة وما يرتبط بها من عمليات باستخدام مفاهيم ومبادئ علم النفس.
ويعرفه برونر (Bruner) على أنه الدراسة العلمية للسلوك الإنساني في المواقف التربوية، أي أنه العلم الذي يربط بين علم النفس والتربية.([4])
من خلال هذه التعريفات يتضح لنا أن هذا العلم الجديد هو أحد ميادين علم النفس النظرية والتطبيقية التي تُعنى بالمتعلم في كل جوانبه العقلية النفسية الاجتماعية التربوية وتسخيرها لفهم وتوجيه واستغلال التعلم والتعليم.
ب- تحديد مجاله ومواضيعه:
لتحديد موضوعات علم النفس التربوي قام مثلا "يال" عام 1971 بمسح للمؤلفات في هذا المجال (مائة كتاب) وحلل محتواها فوجد أكثر الموضوعات تكرارا:
- النمو في مختلف جوانبه الانفعالي والمعرفي والاجتماعي والفسيولوجي.
- عمليات التعلم ونظريات التعلم وطرق التدريس وتنظيم الموقف التعليمي.
- القياس والتقويم: بناء الاختبارات التحصيلية وشروطها...
- التفاعل الاجتماعي: بين التلاميذ أنفسهم وبين التلاميذ والمعلمين.
- الصحة النفسية للفرد والتوافق النفسي والمدرسي.
المتمعن في الموضوعات التي يهتم بها هذا العلم يجدها متنوعة ومتناثرة، لكن في جوهرها تدور حول واقع المشكلات التي تواجه المعلم أثناء أداء مهمة التعليم والتدريس سواء تعلق الأمر بالمعلم نفسه أو المتعلم أو المادة المُعلمة وظروف التدريس، هي مواضيع تدور حول مختلف عناصر المنظومة كما هو في الشكل (1). و يتحدث ديبوا عن مختلف موضوعات علم النفس التربوي الذي يعتبره فرعا من فروع علم النفس التطبيقي فيحصرها في العوامل والمتغيرات التي تساعد على فهم السلوك وضبطه والتنبؤ به في إطار المواقف التعلمية والتي يحددها في الجوانب التالية:
- خصائص المتعلم وطبيعة الفروق الفردية.
- مشكلات الطفل التطورية ذات العلاقة بالسلوك المدرسي والتوافق والدافعية.
- استراتيجيات تخطيط وتنفيذ العملية التعليمية التعلمية.
- استراتيجيات تصميم الاختبارات وقياس السلوك.
غير أننا يمكن تلخيص موضوعاته وقضاياه في ما يلي:
1. خصائص المتعلم النمائية: وهي دراسة مراحل النمو الإنساني في مظاهره المختلفة (المظهر النفسي- الحركي، الوجداني، وخاصة المعرفي) والعوامل المؤثرة فيه قصد توظيف هذه الخصائص النمائية في عملية التعليم والتعلم لتطوير القدرات الفردية (مع مراعاة الفروق الفردية).
2. عملية التعلم: ويتناول جميع جوانب السلوك الإنساني (السلوك الإدراكي، المعرفي، الإجتماعي، النفسي- الحركي...)، معرفة كيفية حدوث التعلم وقوانينه وشروطه والعوامل المؤثرة فيه.
3. دافعية التعلم: وهي المحرك الأساسي لحدوث عملية التعلم، أي معرفة الظروف البيئية المناسبة والمساعدة على إحداث التغيرات الايجابية المرجوة في سلوك أي متعلم.
4. الفروق الفردية بين المتعلمين: نظرا لاختلاف العوامل المؤثرة في النمو (العوامل البيئية (الطبيعية والاجتماعية) والوراثية)، فإن الفروقات الفردية تعد شيئا طبيعيا، إذ نجد اختلافات جوهرية بين المتعلمين من حيث القدرات العقلية والانفعالية والنفسية- الحركية وغيرها. فعلم النفس يأخذ بعين الاعتبار هذه الفروقات الفردية في تصميم المادة المُتعلمة وطريقة عرضها من طرف المعلم.
5. قياس و تقويم عملية التعلم: من أجل معرفة مدى تحقيق الأهداف ونجاعة الطريقة وملاءمة المادة للمتعلم، كان التقويم من أهم الموضوعات التي يهتم بها علم النفس التربوي.
6. بيئة التعلم: فالظروف العامة التي يحدث فيها أي تعلم تعتبر كذلك أساسية: فالمحيط الفيزيائي والبشري أي غرفة الدراسة والعلاقات بين المتعلمين والمعلمين والإدارة المدرسية ومختلف عمليات الاتصال من المواضيع التي يهتم بها هذا العلم نظرا لتأثيرها على التعلم. هي مجالات مختلفة يهتم بها علم النفس التربوي، هذه المجالات يحددها سيفرت وكليفن (Seifert &Klevin) في أربع مجالات كما هو مبين في الجدول الموالي([5]) رقم (1).
الجدول رقم (1) مجالات علم النفس التربوي و موضوعاته
المجال
الموضوعات
التطور و النمو
- المعرفي – الأخلاقي - الجسدي
- اللغوي الاجتماعي - الانفعالي -...
التعليم و التعلم
- التخطيط الصفي – إدارة الصف و ضبطه
- تعليم التفكير – نظريات التعلم (السلوكية، المعرفية، الاجتماعية، التكاملية...)
الدافعية للتعلم
- دور الدافعية في التعلم و وظائفها،
- نظريات الدافعية (الإنسانية، الإجتماعية، المعرفية، التحليلية...)
التقويم
- مختلف التقويمات(التقويم التشخيصي، البنائي، الانتقائي...)
2- أهدافه:
مثل باقي العلوم يهدف علم النفس التربوي إلى الفهم ثم التنبؤ ثم ضبط السلوك أو الظواهر التربوية (موقف تعليمي تعلمي). وفهم الظاهرة يعتمد أساسا على وصف العلاقة بين الظاهرة المراد دراستها والظواهر الأخرى المؤثرة فيها اعتمادا على المسلمة السببية أن لكل ظاهرة طبيعية أسباب، الفهم في جوهره هو تساؤلات في البداية نحاول الإجابة عنها "كيف؟"و"لماذا؟" يحدث السلوك. والفهم يساعد على التنبؤ أي توقع حدوث الظاهرة: وهو احتمالي وليس حتميا وقوع الظاهرة اعتمادا كذلك على مسلمة الاضطراد إذ هناك استقرار نسبي في الظواهر الطبيعية. والتنبؤ هو كذلك محاولة الإجابة على تساؤلات "ماذا يحدث؟" و"كيف يحدث؟" هذا الفهم، وهذا التنبؤ يساعد على ضبط الظاهرة أو التحكم فيها: فمعالجة أسباب الظاهرة يجعلها تحدث أو لا تحدث. أي القدرة على التحكم في بعض العوامل أو المتغيرات المستقلة المعروفة (التي تعرفنا عليها) التي تسهم في إحداث الظاهرة (السلوك، الكفاءة، مخرجات العملية التربوية...) رغم أن الضبط في هذا المجال ليس من السهل الوصول إليه بسبب تنوع وتغير وتفاعل الأسباب أو المتغيرات التي تسهم في إحداث الظاهرة العلمية التربوية.
في الواقع فالهدف الأساسي هو تطوير وتطبيق أسس علم النفس العام من أجل تطوير العملية التربوية واستغلالها والاستفادة منها. فمن وراء نشاطه العلمي يهدف إلى الوصول إلى المعرفة التي تمكنه من تفسير العلاقة الموجودة بين المتغيرات التي هي بمثابة السلوك في المواقف التربوية والعوامل المختلفة المؤدية إلى حدوث هذا السلوك.
3- فوائد علم النفس التربوي للمعلم:
حتى وإن دار الجدل حول مهنة التدريس هل يمكن اعتبارها فن وموهبة تصقل من خلال الخبرة أم هل يمكن اعتبارها مهارات يكتسبها المعلم من خلال الممارسة؟ بمعنى آخر هل يكفينا أن نكون حاملين لشهادة حتى نستطيع التدريس أم يجب أن تكون لدينا استعدادات أولية قبل الولوج في المهنة؟ فان معرفة الفرد لمفاهيم علم النفس التربوي ونظرياته ومبادئه المختلفة قبل ممارسة المهنة ضرورة لتحضير المعلم والأستاذ لهذه المهمة وتبصيرهم بالمهنة إن اعتبرنا التدريس مهنة من المهن.
هذا العلم يعتبر من المواد الأساسية واللازمة لتدريب المعلمين وكل من يشتغل في ميدان التربية والتعليم لتأهيلهم لأنه يزودهم بالأسس والمبادئ النفسية التي تتناول طبيعة المتعلم من جهة والتعلم المدرسي من جهة أخرى وحتى المعلم ذاته. هذا يأتي من منطلق الإيمان الجازم بأن علم النفس التربوي يمكن اعتباره ضرورة ملحة وثقافة تربوية تفيد فائدة كبيرة في النهوض بالتعليم والمجتمع بصورة عامة إذ يعين على اكتشاف الفرد لنفسه والتعرف على القدرات والميولات والكفاءات والدوافع والحاجات والأغراض سواء عند المعلم والمتعلم ويميز بين السوي والشاذ مثلا من أجل تحسين عملية التعليم والتدريس، وتبيان كيف يتعلم الفرد وتحديد مساره وسلوكه بل وحياة المجتمع برمته.
إن غياب علم النفس التربوي من ساحة تكوين المعلم سيؤدي بهذا الأخير إلى اللجوء أثناء أدائه لمهامه إلى الاستعانة بالطرق التقليدية التي تعلم بها وسوف لن يعامل التلميذ الذي هو أمامه إلا مثل التلميذ الذي هو "بداخله"، أي سيتبع الطريقة التي عومل بها أثناء تعلمه، واستمرار الطريقة لا يعني بالضرورة صحتها. أو أن يلجأ إلى المحاولة والخطأ في آداء مهنته وهو عمل عشوائي. وما نود الإشارة إليه هو أن هذا العلم ليس طريقة سحرية تأتينا بكل الحلول للمشكلات التربوية التي تصادفنا. فعلم النفس التربوي حتى وإن جاءنا بمعلومات حول المبادئ العامة للنمو وأعطانا طرق التدريس الناجعة واقترح علينا الحلول لذوي القدرات الخاصة، فإن على صاحب المهنة فهم واجباته المهنية ومتطلباتها وأن يعمل على تطوير ذاته وتزويدها بكل الوسائل التي تمكنه من التوافق المهني. ورغم كل شيء فأهميته يمكن تلخيصها في بعض النقاط منها:
- استبعاد المفاهيم الخاطئة حول التعلم والتعليم والنمو والذكاء... أي تزويد المعلم بالأخبار والمعلومات والمعارف والأسس التربوية حول سلوك المتعلم وخصائصه في الأوضاع التعليمية المختلفة.
- إكساب المعلم المبادئ والمفاهيم والنظريات النفسية المختلفة في مجالات التعلم والنمو والدافعية مثلا لفهم عمليات التعلم والتعليم والتقييم والاستعانة بها في آداء مهامه المختلفة وإبعاد العشوائية في العمل.
- مساعدة المعلم على التعرف على مدخلات ومخرجات التعلم أي معرفة القواعد العامة للتعليم: الخصائص العامة للمتعلم (القدرات العامة للمتعلمين قبل بداية التعلم) والكفاءات الواجب إكسابها للمتعلم مثلا في نهاية التعلم وحل المشكلات.
- مساعدة المعلم وتدريبه على التفسير العلمي لمختلف أنماط السلوك الصادرة عن المتعلم (مختلف السلوكات داخل الصف الدراسي وحتى خارجه)، وبالتالي الفهم الحسن للعملية التربوية والتعليمية.
- التنبؤ بالسلوك وتحديد مساره وضبطه وذلك بإلمام المعلم بالعوامل المرتبطة بالنجاح أو الفشل (كطرق التعليم ووسائله، الدافعية والجو الانفعالي المصاحب للتعلم، الظروف البيئية والاجتماعية والوراثية).
هي كفاءات يطورها المعلم من خلال اطلاعه على المبادئ العامة لعلم النفس التربوي ومن خلال الممارسة الميدانية التي سوف لا محالة تزيد من مهارات التدريس التي على كل معلم تطويرها.
4 - مناهج البحث في علم النفس التربوي:
كغيره من العلوم الإنسانية يطبق علم النفس التربوي مناهج علمية في بحث الظواهر التربوية، ونظرا لتعدد وتعقد الظاهرة الإنسانية فإن هذا العلم يطبق مناهج بحث مختلفة وفق الظاهرة المدروسة ومناسبة لمتغيرات الدراسة المقترحة وذلك بالطبع وفق شروط محددة. ويجب الإشارة هنا أن الظاهرة الإنسانية مختلفة عن الظاهرة الطبيعية كون:
- الظاهرة الطبيعية ثابتة نسبيا على خلاف الظاهرة الإنسانية الأكثر تغييرا.
- تعقد الظاهرة الإنسانية كونها تتأثر بعوامل مختلفة على خلاف الظاهرة الطبيعية المتميزة بالبساطة النسبية.
- إمكانية التجريب وإعادة التجريب في الظاهرة الطبيعية غير أن الظاهرة الإنسانية وحيدة.
لقد تعددت أسماء المناهج المستعملة كقولنا المنهج التاريخي، الوصفي، التجريبي، الإكلينيكي، وأيا كان المنهج فإنه يتبع خطوات البحث العلمي من تحديد المشكلة، ووضع الفرضيات، وتنفيذ التصميم التجريبي، والتأكد من النتائج وصياغة القوانين. ومهما اختلفت التسميات فإنه يمكن تصنيف هذه المناهج إلى: المناهج الوصفية، المناهج التجريبية، المناهج الإكلينيكية.
أ- المناهج الوصفية:
من أقدم المناهج وتتناول دراسة التاريخ التطوري لبعض ظواهر النمو كدراسات داروين (C. Darwin) (1809-1882) وتيرمان ( Terman, Lewis Madison1877-1956) وﭭيزل (Gesell) ( Gesell, Arnold Lucius)(1880-1961)، وغيرهم. وتسعى هذه الدراسات الوصفية إلى تتبع الظاهرة الإنمائية والسلوكية كاللغة والنمو الفسيولوجي والإجتماعي والتغيرات التي تطرأ على المتعلم في مراحل نموه. والدراسات الوصفية التطورية تأخذ شكلين:
- الدراسات الطويلة (الطولية): يتتبع فيه الباحث الظاهرة لمدة طالت (بضع سنوات) أم قصرت (بضعة أشهر). هي طريقة تتطلب الجهد والوقت الكبيرين.
- الدراسات المستعرضة: على خلاف الأولى هذه الطريقة توفر الجهد والوقت فمثلا عند دراسة نمو اللغة عند الطفل فعوضا عن تتبع الظاهرة لفترة عمرية معينة فتقسم الفترة الزمنية المراد تتبع الظاهرة عبرها إلى فترات عمرية ثم تأخذ عينات كبيرة منها تغطي هذه الفترة العمرية الفرعية.
ب- المناهج التجريبية:
من المناهج الأكثر دقة وموضوعية لأنه يعتمد على ضبط والتحكم في المتغيرات المراد دراستها. والتجريب هنا ليس مثل التجريب في العلوم الأخرى، إذ يدرس الباحث المتغيرات التي اختارها من الظاهرة ويُحدث في بعضها تغييرا مقصودا ليتوصل إلى العلاقات السببية بين المتغيرات. والتجربة تتكون من:
1- المتغيرات ومن المتغيرات لدينا:
- المتغيرات المستقلة (الحرة) وهي المتغيرات أو العوامل التي يتحكم فيها الباحث ليرى أثرها على المتغيرات الأخرى.
- المتغيرات التابعة (المقيدة) وهو السلوك أو المتغيرات التي لا يتحكم فيها الباحث والتي يتوقع أن تتأثر بالتغيرات الحاصلة على العوامل المستقلة فيلاحظها ويقيسها.
- المتغيرات الدخيلة وهي المتغيرات المتعلقة بأفراد العينة أو بالشروط العامة والمحتمل تأثيرها على الظاهرة المدروسة (نتائج الدراسة). فعلى سبيل المثال إذا أراد الأستاذ معرفة تأثير طريقة تدريس ما على تحصيل التلاميذ فطريقة التدريس تعتبر المتغير المستقل، والتحصيل الدراسي المتغير التابع، والظروف العامة (حرارة الجو، ظروف العمل وذكاء المتعلمين...) المتغيرات الدخيلة.
2- المجموعات، هي العينة، وهي مجموعتين على الأقل لإجراء أي دراسة، تسمى إحداهما المجموعة الضابطة والأخرى التجريبية، يشترط في هذه المجموعات التكافؤ في العديد من المتغيرات: المستوى الدراسي مثلا الجنس الذكاء... إلا أن المجموعة التجريبية تخضع للعامل المستقل. وحتى تصبح الظاهرة التربوية قابلة للدراسة يجب أن تتوفر فيها شروط منها:
* القدرة على التحكم في العوامل المستقلة.
* القدرة على قياس العامل أو العوامل التابعة.
* القدرة على ضبط العوامل الدخيلة.
* تمثيل العينة لمجتمع الدراسة.
ج- المناهج الإكلينيكية:
في الأصل هذا المنهج مرتبط بدراسة الظواهر غير العادية (المرضية)كما تدل عليه كلمة كلينيك (clinique) علما أن طرق دراسة الحالات قد تختلف من حالة لأخرى. غير أنها تشترك في بعض النقاط منها:
* جمع المعلومات عن الحالة وذلك بمختلف الطرق بالفحص الطبي، والأسئلة، والاختبارات السيكولوجية (اختبارات الذكاء، والشخصية،).
* التشخيص أي تحديد مواطن القوة والضعف وذلك بالاعتماد على المعلومات التي جمعت بعد دراستها وتحليلها بمختلف الطرق.
* وضع العلاج المناسب وهذا بعد وضع الفروض التي يعتقد الباحث أنها مناسبة لعلاج المشكلة المدروسة.
وما نود الإشارة إليه هنا أن المنهج يُختار حسب نوعية الظاهرة المدروسة وطبيعتها. فالظواهر العادية تدرس بمناهج بحث وصفية إذا كانت تعبر عن متغير واحد مثل جوانب النمو المختلفة كاللغوية والجسمية والعقلية والإجتماعية أو الظواهر المنفردة كخصائص المتعلم الموهوب مثلا والتعلم الفعال، أما إذا تعلق الأمر بالظواهر الخاصة كالقلق والضعف العقلي فإنها تدرس بالطرق الإكلينيكية مثلا.[6] أو دراسة الحالة (التي هي منهج وصفي) التي قد تكون فردا أو مجموعة من الأفراد أو قسما دراسيا أو حتى مدرسة. ويبقى علم النفس التربوي يستعين بالعلوم الأخرى كالرياضيات و الإحصاء وطرقها للكشف عن الموضوعات التي يتناولها.
5- علاقته بفروع علم النفس الأخرى:
إذا كان علم النفس بصورة عامة يهتم بدراسة السلوك الإنساني في جميع مجالات الحياة (التعلم، الإدراك، الذكاء، النمو في مظاهره المختلفة...)، فإن علم النفس التربوي يهتم بسلوك الإنسان في المواقف التربوية فقط، ويمكن اعتباره أحد الفروع التطبيقية لعلم النفس العام. إنه يستفيد كذلك من البحوث والنظريات المتوافرة في الفروع الأخرى لعلم النفس كعلم النفس الإجتماعي، علم نفس النمو، علم النفس الفسيولوجي، وعلم النفس الإكلينيكي والفارقي... وكما هو معلوم فالمعرفة متداخلة ومتراكمة في جميع المجالات وتكمل بعضها بعضا.
فروع علم النفس هي الأخرى تستفيد من المبادئ والمفاهيم التي تتوصل إليها بحوث علم النفس التربوي خاصة في مجالات التعلم والدافعية وحل المشكلات.
علاقة علم النفس التربوي بفروع علم النفس والعلوم التربوية كما يراها غودوين وكلاسمير (Gooduin &Klausmeir) تشكل » منظومة تربوية متكاملة من العلاقات المنظمة والتفاعلات الدينامية التي تساعد الدارس أو المعلم على التعامل مع عملية التعلم والتعليم بفعالية عالية.»[7]
أما مكونات هذه المنظومة فهي الأهداف التربوية، المدخلات التربوية، عملية التعلم (التجهيز التربوي)، المخرجات التربوية، التقويم التربوي.
- الأهداف التربوية فتمثل ما يسعى إلى تحقيقه المعلم في نهاية الوحدة أو المرحلة التعلمية.
- المدخلات التربوية هي حالة المتعلم قبل بدء عملية التعلم أي المكتسبات والكفاءات القبلية والدافعية والقدرات العقلية.
- المخرجات التربوية هي النتائج المترتبة عن التعلم أي التغيرات التي طرأت على سلوك المتعلم أي الكفاءات التي اكتسبها نتيجة التعلم.
- التقويم التربوي هو الحكم على مدى تحقيق الأهداف ونجاح عملية التعلم وتجهيزاتها المختلفة.[8]
- عملية التعلم (التجهيز التربوي) وهي الإجراءات المتبعة من أجل تحقيق أهداف عملية التعلم كالوسائل التعليمية وطرق التدريس وظروف العمل.
من أبرز الفروع التي يرتبط بها علم النفس التربوي نجد على سبيل المثال لا الحصر:
أ- علم نفس النمو (التطوري): هذا العلم الذي يركز اهتمامه حول مسائل أساسية في النمو والتي يمكن تصنيفها إلى ثلاثة:
* الاهتمام بسلسلة التغيرات التي يمر بها الفرد أثناء دورة الحياة (الطفولة وما قبل الولادة، المراهقة، الرشد والشيخوخة).
* دراسة الفروقات الفردية في بعض الخصائص النمائية.
* دراسة الفروقات الفردية في الثقافات والمجتمعات المختلفة أساسي في ميدان علم النفس التربوي. وبحوث هذا الفرع أسهمت كثيرا في تطوير وإفادة علم النفس التربوي في ميدان التربية والتعليم والتعرف على الظروف البيئية والتنشئة الاجتماعية مثلا المؤثرة على القدرات العقلية وسمات الشخصية.
ب- علم النفس الإجتماعي: المعلم لا يتعامل ويتفاعل مع أفراد فرادى داخل القسم لكن مع جماعات (قسم دراسي)، لذا فهو بحاجة لفهم أكثر لديناميات الجماعة وأثرها في سلوك أعضائها واتجاهاتهم وفهم مبادئ السلوك الجماعي حتى يصبح أكثر قدرة على التعامل مع العوامل التي تؤثر في المواقف الجماعية المسهلة للتعلم أو المعيقة له، حتى يستفيد منها في عمله. المتعلم أو المعلم ينتمي إلى أسرة ومجتمع وثقافة بكل ما تحمله من قيم ومبادئ، فمن أجل ذلك فإن كل ما يقدمه علم النفس الاجتماعي من نتائج ستزيد من فهمنا لأنفسنا ولمتعلمينا.
هذا العلم دفعنا إلى إعادة النظر في تصورنا للوضعيات التربوية وطرائق التحليل والسيرورة التعليمية. وهكذا أصبح من اللازم على المعلم أن يعرف آليات اشتغال الجماعة تكوينها وتطورها البنيوي وسيرورة أعضائها ومآلهم و قيادتها. إن السلوك بحسب علم النفس الاجتماعي هو نتاج العلاقات الديناميكية الصادرة عن تفاعل الفرد مع المحيط (إمكانيات البيئة المادية والاجتماعية والثقافية والمعنوية). كما أن هذا العلم يسمح بمعرفة مستويات وعتبات التفاعل والاندماج مثلا: كيف تؤثر الجماعة في الفرد وكيف يؤثر الفرد في الجماعة، وكيف تصطبغ المواقف الفردية بالجماعية وكيف يتقبل الفرد أنظمة الضبط الإجتماعي أو يرفضها. ولقد وظفت التربية المدرسية بصفة خاصة هذه المعطيات السيكو- اجتماعية قصد إشباع حاجات التلميذ من العلاقات الاجتماعية. وهذا الإشباع يتحقق بواسطة التعلم. لقد بين علم النفس الاجتماعي للمربي والباحث أن جماعة المتعلمين مهما كان حجمها، كبيرة أم صغيرة، هي مجال لعلاقات معقدة وتفاعلية وأنه لا ينبغي اعتبارها مجرد تجميع للأفراد، فالصف الدراسي هو مجتمع مصغر على المعلم الإلمام بخصوصيات الجماعة ودينامياتها مثلا.
ج- علم القياس النفسي: القياس هو العملية التي يتم بها تقدير شيء ما تقديرا كميا في ضوء وحدة قياس معينة أو نسبة إلى أساس معين. أو هو العملية التي تحدد بوساطتها كمية ما يوجد في الشيء من الخاصية أو السمة التي نقيسها. أي تقدير الأشياء والمستويات تقديرا كميا وفق إطار معين من المقاييس المدرجة، اعتمادا على أن كل شيء موجود بمقدار وكل مقدار يمكن قياسه. والقياس النفسي منذ بداياته وقياس الذكاء مع Alfred Binetمنذ نشأة حركة قياس الذكاء والتأخر العقلي وسمات الشخصية زاد من أهمية القياس والتقويم التربوي لتحقيق الدقة والموضوعية. فبفضل البحوث أصبح بالإمكان قياس بعض الجوانب التي كانت تبدو مستعصية عن القياس كالاتجاهات، وجوانب بعض السلوك المعرفي الإنفعالي أو الإجتماعي.
القياس السيكومتري (La psychométrie) تستعمل فيه الروائز بمختلف أنواعها (روائز المعرفة، روائز القدرات العقلية، روائز الشخصية). والرائز هو أداة قياس دقيقة لسلوكات وتصرفات معينة، كما أنه أداة إجرائية تمكن من تكميم تلك السلوكات ومقارنتها بسلوكات وتصرفات أفراد آخرين يوجدون في الوضعية نفسها.
القياس السوسيوميتري (la sociométrie) من أول توظيف لهذه التقنية مع جان لويس مورينو (Moreno J. L.) في كتابه الموسوم بـ " أسس القياس الاجتماعي" (Les fondements de la sociométrie). أصبح هذا القياس وسيلة لتحديد درجة قبول الفرد في جماعته والكشف عن العلاقات القائمة بينه وبين باقي الأفراد. ويمكن استخدام هذه التقنية داخل الفصل الدراسي من أجل كشف واستجلاء والتعرف على العلاقات الخفية بين التلاميذ ولم لا بين الأساتذة كأن نوجه سؤالا مثلا من ترغب العمل معه؟ أو من هو الشخص أو التلميذ الذي لا ترغب العمل معه؟ أو من هو التلميذ الذي تظن أنه سيعمل معك؟ بهذه التقنية وغيرها يعرف المدرس المفضلين أو الزعماء (القادة) والمنعزلين والمرفوضين ثم يحاول مساعدة التلميذ المهمش على الاندماج والمنعزل على حل أسباب عزلته.
تفيد مثلا الروائز (المعرفية) في بلورة عملية التعلم حيث توظف فرديا أو جماعيا لقياس معارف واختبارات التحصيل المدرسي. إنها تقنية ناجعة يستعملها المعلم والأستاذ لمراقبة التطور البيداغوجي لدى التلاميذ. وهناك أيضا روائز القدرات العقلية وأهمها رائز الذكاء ( سلم بنيه– سيمون 1911 ستانفورد بينيه 1917، سلم وكسلر، بلفي....الخ) ويعبر عن نتائجه إما بالعمر العقلي أو بمعامل الذكاء، فالمعلم مطالب بمراعاة ما تقدمه الدراسات السيكولوجية حول نمو الطفل والمراهق وعلاقة ذلك بالذكاء. ولو اعتمدنا على أبحاث بياجيه (J. Piaget) لقلنا أن كل مرحلة يناسبها ذكاء. وأخيرا هناك روائز الشخصية، وهي عبارة عن مقاييس نفسية لدوافع الشخص واتجاهاته وانفعالاته وعلاقاته بالآخرين. وهي أداة فاعلة في بلورة العمل التربوي.
د- علم النفس الفيزيولوجي: إذا كان علم النفس الفيزيولوجي يدرس العلاقات الموجودة بين الميكانيزمات النفسية ووظائف الجهاز العصبي وخاصة تلك التي تؤثر في السلوك الإنساني ومختلف الإحساسات، فهذا يعني أن المعرفة الفسيولوجية تفيدنا في عملية التعليم وفي فهم السلوك العادي الذي نمارسه في حياتنا العادية بناء على أسسها البيولوجية والعصبية. علم النفس الفسيولوجي يساعدنا في بناء البرامج الدراسية والتخطيط لها وتطبيقها، فدروس القراءة والكتابة مثلا تكون مبنية على أسس علمية إذا ما اعتمدنا على نتائج البحوث في ميدان علم النفس الفسيولوجي.
علم النفس التربوي هو على العموم أحد فروع علم النفس العام كما أشرنا لذلك ويبقى أحد فروعه التطبيقية ويعتمد على باقي الفروع الأخرى كعلم النفس التجريبي وعلم النفس العيادي والتحليل النفسي ويستفيد من البحوث المختلفة في ميادين العلوم الإجتماعية المختلفة.
التحليل النفسي وظفت معطياته في تفسير تصرف الشركاء في العملية التعليمية، فأصبح المدرس قادرا على معرفة تاريخ الطفل ومكبوتات اللاشعور، واستمدت التعليمية من التحليل النفسي توجيهات كثيرة تخص المدرس الذي يطلب منه أن يقف على أنواع صراعاته الداخلية ويفصح عنها حتى لا يمارس الإسقاط. كما ينبه التحليل النفسي إلى الطفل الذي يحمل معه إلى القسم الشيء الكثير من علاقاته الأسرية. أو صراعه مع الوسط (الأسري في البداية ليمتد إلى المدرسة) بمختلف مكوناته معترفا بأهمية المعطيات السيكولوجية وبانعكاسات اللاشعور والكبت والإحباط والإسقاط والتحويل والتقمص والتقليد على التحصيل المدرسي والتعلم والعملية التعليمية بصورة عامة.
ويفيد التحليل النفسي بتأكيده على تدخل العوامل الذاتية والاجتماعية التي تنتمي إلى "مجال اللاشعور –بالمفهوم الفرو يدي- لأن التعلم لا يقتصر فقط على القدرات العقلية، بل إن الوظيفة الليبيدية (la libido) كما يؤكده فرويد والأبحاث فيما بعده، تتدخل في الوظيفة العقلية، فطلب المعرفة لا ينفصل عن مبدأ "اللذة" و"اللعب" والذي قد يكون في جوهره إعلاء، وعموما يمكن تلخيص إسهامات التحليل النفسي التربوية في بعض النقاط منها:
- تحليل العلاقات التربوية بين الأطراف المعينة.
- التعرف على دور اللاشعور في تحديد السلوك من وسط لآخر (أسرة، مدرسة مثلا).
- الكشف عن الأسباب النفسية للتعثر الدراسي لدعم المتعثر نفسيا وليس معرفيا فقط.
- تزويد الأستاذ بالمعارف الضرورية لفهم وتحليل سلوك المتعلم.
المحور الثاني: سيكولوجية التعلم
1- معنى التعلم/ مراحل التعلم وأنواعه
2- الشروط العامة للتعلم الإنساني والعوامل المؤثرة فيه
3- نتائج التعلم ومخرجاته
4- نظريات التعلم
* النظريات السلوكية/ نظرية الإشراط الكلاسيكي، المحاولة والخطأ، الإشراط الإجرائي...
* النظريات المعرفية/ نظرية الجشطالت، نظرية المجال، التعلم
5- التطبيقات التربوية لنظريات التعلم.
التعلم من المفاهيم الرئيسية في علم النفس إذ ظل يحظى باهتمام العلماء والمفكرين ورجال التربية في كل زمان ومكان ومن المواضيع التي تشغل بالنا جميعا. فمنذ عهد الفلاسفة الإغريق بل ومنذ نزول الأديان السماوية الأولى حتى إلى الإسلام وإلى عهدنا الراهن الحافل بشتى صنوف العلم والمعرفة وتطبيقاتها التقنية والعملية ومفهوم التعلم يشكل إحدى القضايا المحورية في حياة الإنسان.
لم يختلف علماء النفس وقبلهم الفلاسفة في إبراز أهمية التعلم لكن في تفسير قضاياه. من التعلم الإلهي ) عَلّمَ الإنْسانَ مَا لمْ يَعْلمْ ( (العلق: 5) ) وَعَلَّمَ آدمَ الأسْمَاء كُلّها( (البقرة:31) إلى دور الخبرة التي تخط في الإنسان ما يعيش لأنه يولد كورقة بيضاء (جون لوك (1632-1704) (John Locke) أو إلى تفسيره عن طريق ارتباطات بين المنبهات والاستجابات (السلوكيون أمثال واطسون (John , Broadus WATSON) (1878-1958)) وغيرهم. لقد قدموا تصورات كثيرة ومختلفة لهذه العملية، وتبقى قضايا التعلم تستحق اهتمام عالم النفس والمعلم وكل من يبحث في مشكلات التعليم كون أن أي سلوك إرادي (نفسي- حركي، وجداني، أو حتى معرفي) يصدر عن الإنسان لا يكون مصدره إلا التعلم. والتعلم لم يكن مهما عند الإنسان فقط بل حتى عند الحيوان.
كمعلمين ومعلمات، فمن أدوارنا الأساسية علينا أن نحاول جاهدين على تسهيل عملية التعلم، ولذلك لا بد لنا أن نعرف كيف يتعلم الطالب وما هي الطرق التي تعينه على الفهم والإدراك والتفكير والتذكر، ولماذا تعلم هذا السلوك و ليس ذاك؟
نظرا لتعقد الظاهرة فهناك نظريات ومدارس كثيرة اهتمت بتفسير عملية التعلم ومن خلالها ظهرت قوانين التعلم والتي حاولت أن تنشئ علاقات بين عناصر الموقف التعليمي عن طريق التعلم بالاستبصار والإدراك الحسي مثلا ومازالت وجهات نظر ونظريات تنسج متحدية ومتجاوزة الأفكار التي سادت وسيطرت على الممارسات التربوية.
1 - معنى التعلم/ مراحل التعلم و أنواعه:
أ- معنى التعلم:
التعلم عند الكثير من الناس هو تلك العملية التي تؤدى إلى تغير في أداء الفرد وتعديل في سلوكه عن طريق التمرين والخبرة، أي أنه اكتساب معرفة ومهارات وكفاءات. كما يمكن أن يعرف بأنه تلك العملية المسؤولة عن النمو المطور للفرد، وتحسينه المستمر بحيث يمكنه التكيف مع بيئته. والتعلم شخصي إذ لا يمكنننا أن نتعلم مكان فرد آخر حتى وإن كنا في غالب الأحيان بحاجة إلى معونة "معلم" وإرشاداته لإثارة دافعيتنا وقوانا العقلية ونشاطاتنا الذاتية. » يقال عن إنسان أنه "تعلم" حين يتمكن من القيام بعمل لم يكن يستطيع القيام به من قبل، ويتأكد التعلم من خلال السلوك والتغيرات الحاصلة في هذا السلوك.» ([9])
اقترحت العديد من التعريفات لمفهوم التعلم نظرا لتعدد النظريات المفسرة له، إذ اعتبره ارثور جيتس (ََArthur GATES & autres) وآخرون »كتغير في السلوك عن طريق الخبرة والمران، له صفة الاستمرار وصفة بذل الجهد المتكرر حتى يصل الفرد إلى استجابة ترضي دوافعه وتحقق غاياته.»[10] أو كتعريف جيلفورد (Guilford, Joy Paul) (1897-1987) الذي يرى التعلم كأي تغير في السلوك الذي يحدث نتيجة استثارة. أو كتعريف كيمبل (Kimble) حيث عرفه بأنه تغير دائم نسبيا في إمكانيات السلوك نتيجة للخبرة المعززة.
وإذا كان المعرفيون يؤكدون على دور العمليات المعرفية (التذكر، التخيل، التفكير) في التعلم واعتباره نشاطا عقليا داخليا لا يمكن ملاحظته مباشرة ولكن التعرف عليه من خلال نتائجه أي الأداء، فإن السلوكيون عكسهم يركزون إهتمامهم على المؤثرات الخارجية التي تشكل سلوك الفرد وتبرمجه. هما اتجاهين أساسين انبثقت عنهما طرق في التدريس والتعلم والتعليم وتطبيقات تربوية استخدمت في أقسام الدراسة.
رغم تعدد التعريفات فيبقى التعلم أي تغير ثابت نسبيا في سلوك الفرد نتيجة الخبرة، له خصائص مميزة منها أنه عملية قبل أن نرى آثارها على سلوك الفرد أي في أدائه (في اللغة مثلا والحركات وحتى طريقة الإنفعالات) فهي تنطوي على عدد من العمليات، فإننا نستقبل، أي نحس، ثم نوصل هذه الإحساسات إلى الأعضاء المعنية، ثم ندرك، وننتبه، ونفكر، ونتعرف ونترجم، ونتذكر، ونفهم العلاقات. أنه كذلك سلوك جديد لم يكن موجودا من قبل: تعلم القراءة والكتابة، وأنه أيضا تقدم ايجابي أو تحسن أو زيادة في المعرفة، أي تعلم تقدمي ولا يعني هذا أن أي تقدم يعتبر تعلم، فهناك العديد من التغيرات تكون بسب النضج أو حتى لتعاطي بعض العقاقير أو حتى نتيجة التعب، فيجب أن يكون هناك استمرار نسبي في السلوك. أن يشمل هذا التعلم مختلف جوانب الشخصية. » و من ثم فإن مقدار التعلم يتجلى كما و كيفا: كما بعدد الأمور التي يستطيع الفرد أن يقوم بها، وكيفا بالطريقة التي يستجيب وفقا لها في الموقف التعليمي.»[11] هذا عن التعلم »أما القيام بالعمل فينحصر في القيام بالفاعلية التي كان الفرد قد تعلمها. وهذا يظهر قابليات الفرد التعلمية، فالضارب على الآلة الكاتبة وعازف البيانو مثلا يفعلون ما كانوا قد تعلموه. وبطبيعة الحال فإن لاعب كرة القدم الماهر لا يقوم بعمله كل مرة على نفس الشكل ولكنه يحاول التحسن والتعلم المستمرين من خلال قيامه بالعمل كل مرة جديدة.»[12] ويستفيد مما تعلمه ويوظفه في مواقف جديدة. وهذا ما يذهب إليه وودورث (Woodworth) في تعريفه للتعلم »التعلم نشاط من قبل الفرد يؤثر في نشاطه المقبل، أي يعتبر التعلم سلوكا يقوم به الفرد يؤثر في سلوكه المقبل. »[13]
ب- مراحل التعلم:
عملية التعلم عملية معقدة تشمل أنواعا من النشاط والخبرات المتعددة بتعدد المواقف التي يمر ويعيشها الفرد غير أنه بصورة عامة فالموقف التعليمي »وحدة ذات قطبين أحدهما المتعلم والثاني المجال الحيوي الذي يتحرك فيه، وكل من هذين القطبين وحدة معقدة تتفاعل بها عدة قوى وعوامل مختلفة كما يتفاعل كل مع الآخر.»[14]
ترتبط عملية التعلم بظروف خارجية (متعلقة بالموقف التعلمي) وداخلية (خاصة بالمتعلم) كالظروف النفسية وعمليات عقلية كثيرة منها: التذكر والنسيان، التصور والتخيل، الإدراك والانتباه.
و دورة التعلم هذه تمر بمراحل هي:
- مرحلة عدم الرضا.
- مرحلة اختيار سلوكيات جديدة.
- مرحلة ممارسة السلوكيات الجديدة.
- مرحلة إحراز أدلة على النتائج.
- مرحلة التعميم والتطبيق والتكامل.
- مجابهة مشكلات جديدة.
ومما لا شك فيه أنه هناك أنواع مختلفة من التعلم، فتعلم اللغة مثلا يختلف عن تعلم الفنون، بل وحتى في تعلم اللغة ذاتها هناك اختلاف بين تعلم اللغة الكتابية واللغة اللفظية أو لغة الإشارات. وكما دلت البحوث والدراسات فيمكن اختصار مراحل التعلم في:
1- مرحلة الاكتساب: وهي مرحلة إدماج أو إدخال أو تمثيل المتعلم على اختلاف القدرات والظروف والمادة المتعلمة للسلوك الجديد حتى يصبح جزءا من حصيلته السلوكية.
2- مرحلة الاختزان: أي حفظ المعلومات في الذاكرة.
3- مرحلة الاستعادة: وهي قدرة المتعلم على استرجاع المعلومة في صورة استجابة بشكل أو بآخر.[15]
هي مراحل أو محطات في عملية التعلم على المعلم مراعاتها و الانتباه لها أثناء ممارسته لمهنته. كما أن معرفة المعلم بخصوصيات التعلم ومراحله، تجعله قادرا على ضبط طرقه في التدريس مثلا وإدراك أساس التعثر عند كل متعلم.
ج- أنواع التعلم:
إذا كان التعلم يتضمن تغيرات في جوانب شخصيتنا فهذا يعني أننا نتعلم سمات الشخصية من ميولات وقيم ودوافع واتجاهات وكل أنواع السلوكات: لفظية كانت أم حركية، ذهنية أو إجتماعية ، وهذا يعني كذلك أننا نتعلم في كل مواقف الحياة وأن التعلم لا يقتصر على مكان واحد أو هيئة معينة: إننا نتعلم في البيت، في الشارع، في المدرسة، من الأستاذ والزميل والكتاب.
التعلم نظرا لتعقد مظاهره صنف إلى عدة أنواع من حيث أشكاله وصوره، أو من حيث بساطته وتعقيده. هي تغيرات في الشخصية يمكن حصرها في ثلاث جوانب رئيسية هي:
* التغير في النواحي الحركية: أي السلوك النفسي- الحركي، مثل الكتابة والقراءة وطريقة الأكل وقيادة السيارة والمشي وغيرها من أنماط السلوك الحركي التي يمكن أن تصبح عادات حركية نقوم بها دون شعور منا.
* التغير في النواحي العقلية المعرفية: تشتمل على ما نتعلمه من معارف وحقائق ومبادئ وطرق التفكير المختلفة.
* التغير في النواحي الوجدانية (الانفعالية): أي تلك العواطف والميولات (للأشخاص والأشياء...) وما نكتسبه من اتجاهات وقيم اجتماعية وتذوق فني وجمالي وأدبي.[16]
على العموم فالتعلم يصنف إلى خمسة أنواع رئيسية:[17]
1- التعلم اللفظي: هي ليست القدرة على تعلم الكلام فحسب بل كذلك إستيعاب بعض المعلومات والحقائق واسترجاعها وتوظيفها في مواقف مختلفة وتدريب الفرد على عمليات التفكير وإدراك العلاقات والمقارنة بين المعلومات وإصدار الحكم والتقييم السليم.
2- التعلم الحركي: هذا التعلم هو قدرة الفرد على استخدام عضلاته (الإرادية) بما يؤدي إلى توافق عضلي من نوع جديد كنموذج للإستجابة المطلوبة مثل تعلم الفرد الكتابة وتعلم السياقة.
3- التعلم الإدراكي: إننا نتعلم كيف نرى الأشياء وندرك المواقف والمواضيع بصورة جديدة، هذا النوع من التعلم يهدف إلى إعادة تنظيم المثيرات الحسية في نماذج إدراكية جديدة.
4- تعلم الاتجاهات: الاتجاهات هي الموجه والمحرك لسلوك الإنسان نتعلمها من محيطنا الإجتماعي الثقافي، فميلنا أو نفورنا من بعض الأفكار مثلا ما هو إلا ناتج تعلم، فالتأثير عليها وتغييرها هو التحكم في سلوك الإنسان.
5- تعلم أسلوب حل المشكلات: عند تغير المحيط يميل الفرد إلى تغيير سلوكه حتى يتأقلم (يتكيف) مع الوضعيات الجديدة أي إيجاد الحلول للمواقف الجديدة.
2- الشروط العامة للتعلم الإنساني والعوامل المؤثرة فيه:
هناك اختلافات هائلة في سلوك البشر وهم الذين خلقوا على أسس فسيولوجية متشابهة. هذه الاختلافات والتي هي تعديلات وتغييرات توفرها إمكانيات الأفراد الفسيولوجية والظروف الإجتماعية- الثقافية لا يمكن ردها في الأساس إلا للتعلم. فنحن نتعلم أن نكون أفرادا من المجتمع البشري إذ نتعلم كيف نؤدي دورنا في الحياة الاجتماعية، فنتعلم البقاء والتكيف ونتعلم التفاعل مع الآخرين ونتعلم الاتجاهات والقيم وتحسين حياتنا. هذا التعلم يخضع إلى شروط عامة يمكن تقسيمها إلى قسمين أساسيين شروط داخلية خاصة بالمتعلم كظروفه الفسيولوجية (مستوى نضجه الفسيولوجي وصحته) وقدراته العقلية ودافعيته نحو الموضوع المتعلم، وشروط خارجية: كمحيط التعلم ووضوح الأهداف وطبيعة المادة المتعلمة. هي شروط ذات تفاعل متبادل.
كما هو معلوم كل الناس بحاجة إلى غذاء ومسكن وملبس ونوم، وهي حاجات مادية أساسية لا بد منها لإقامة الحياة لكن نوعية هذه العوامل المادية والظروف التي يحصل بها الناس على ما يلزمهم لها أثرها الكبير، فالحرمان من سد الحاجات الأساسية يؤدي إلى إضطرابات سلوكية عنيفة ويفضي إلى فروق جسدية، وكذلك القول عن الحاجات المشتقة من الحاجات المادية حتى وإن تباينت درجاتها من مجتمع لآخر فالحاجة مثلا إلى الأمن والطمأنينة والحاجة إلى الإنتماء والمحبة وتقدير الذات، وعدم تلبيتها كما ونوعا ينتج أعراضا سلوكية مختلفة كالعدوان والإنزواء والإنحراف وما لها من أثر على التعلم.
» و يجب أن لا ننسى أن فعالية الجهود التي يبذلها المتعلم تبقى رهنا بنجاحه في تلبية مجمل حاجاته المادية و المعنوية التي يشترك فيها مع غيره من الناس أو التي ينفرد بها أحيانا دونهم.»[18]
على العموم لكي تتم عملية التعلم يجب أن تتوفر هذه الشروط أهمها:
أ- النضج: والمقصود منه هو ليس اكتمال النمو الجسمي والطبيعي فحسب بل عملية نمو تشمل الكائن في كل جوانبه (الفسيولوجي، النفسي، العقلي، المعرفي، الإنفعالي،) حيث تصبح قابلة وقادرة على العمل بها.
ب- الدافعية: هي طاقة كامنة في الفرد توجه السلوك وتعززه وتعمل على زيادة استثارته، هذه الدوافع المحفزة مثلا عن التعلم يمكن تقسيمها كذلك إلى ثلاثة أنواع منها ما هي لصيقة بموضوع التعلم كرغبتنا في تعلم لغة أجنبية، منها ما هي خارجة عن نطاق العمل وموضوع التعلم كرغبتنا في التعلم من أجل الحصول على جائزة أو إرضاء لوالدينا ومنها ما يرتبط بظروف التعلم.
جـ - الممارسة: »هي تكرار أسلوب النشاط مع تعزيز موجه.» وهي شرط أساسي في عملية التعلم وتشمل جميع أساليب النشاط سواء تعلق الأمر باكتساب مهارات حركية أو معلومات أو طريقة تفكير، فلا يمكن الحكم على حدوث التعلم إلا بالممارسة، إذ لا يمكن الحكم على الفرد أنه تعلم إلا إذا تكرر الموقف وظهر التحسن في الأداء، وللممارسة المجدية خصائص منها:
* المواءمة بين الميول والقدرات فتؤدي إلى حدوث التعلم بأقل جهد.
* مراعاة الفروق الفردية.
* وضوح الهدف.
* نوعية الممارسة .
3- نتائج التعلم و مخرجاته:
يهدف التعلم إلى تحصيل أربع نتائج أساسية والتي يطلق عليها اسم عادات التعلم وهي[19]:
أ- عادات أو مهارات حركية: وتتمثل في ما نتعلمه من عادات الأكل واللباس وطريقة الكلام والكتابة والمشي ورسم الخرائط.
ب- عادات معرفية: تتمثل فيما نكتسبه من مفاهيم وقواعد وطرق تفكير مثل التفكير الإبداعي والتفكير الناقد.
ج- عادات وجدانية أو انفعالية: تتمثل في العواطف والميول مثل حب أو كراهية الأشخاص والمواد الدراسية وما نكتسبه من اتجاهات وقيم اجتماعية وتذوق فني أو أدبي أو جمالي.
د- عادات اجتماعية و خلقية: كالأمانة والتسامح والتعاون.
إن هذه مخرجات التعلم ليست مقطوعة الصلة فيما بينها فاللغة مثلا في ذاتها هي أداة إجتماعية ومهارة فكرية وعادة حركية واتجاه وجداني وطريقة خاصة شخصية في الأداء.
4- نظريات التعلم:
لا شك في إن الحركات الفلسفية في عصر النهضة وما تلاه قد أثرت في كثير من المدارس والنظريات النفسية وذلك في بدايات إستقلال علم النفس على وجه الخصوص، وفي هذا السياق فإنه لا يمكن إنكار الأثر الايجابي لتطور الفلسفة (الاتجاه الوضعي التجريبي) والذي مثله أعلام مثل لوك (Locke) وجون استيوارت ميل (John S. Mill) وجيمس ميل (James Mill) وهيوم (Hume) وبيركلي (Berkely) وغيرهم - والمؤكد لأهمية الخبرات الحسية والارتباط بينها كأساس للنشاط العقلي والسلوك- على بعض الاتجاهات النفسية ومنها السلوكية. كما أنه لا شك فيه أن نظرية التطور قد أثرت في كثير من النظريات النفسية ولقد كان أثرها واضحا على كثير من السلوكيين، كذلك فالاهتمام بدراسة فيزيولوجية الجهاز العصبي والحسي، حتى ظهر ما سمي بالفيزياء النفسية، جاء بمنهج جديد يعتمد على ملاحظة السلوك الظاهري. كذلك علم نفس الحيوان الذي ركز على دراسة الإستجابات الطبيعية للحيوانات وتغيرها أثناء الحياة كان له دور في ظهور هذه النظريات، وهذا يعني بدء الاهتمام بتحليل الظروف المحدثة للتعلم، وأيضا بالاعتقاد التطوري أو الاستمرارية بين الكائنات مما سيعني إمكانية الاستفادة من التجارب التي أجريت على الحيوانات، إضافة إلى تزويدنا بأساليب بحثية تعتمد الملاحظة والتجريب وتحليل البيانات بأسلوب يمكن من قياس السلوك.
لم يختلف علماء النفس حول أهمية التعلم في حياة الإنسان بل في إبراز و تفسير قضاياه. لقد كان تحديد أنواع التغير السلوكي الذي يطرأ على الإنسان عند التعلم من القضايا التي تتصدى لها نظريات التعلم. وما ظهور الكثير من النظريات كالإرتباطية والشراطية والدافعية والإجرائية والجشطلطية ومعالجة المعلومات وغيرها إلا دليل على تعدد طرق دراسة التعلم، وإن كان القاسم المشترك بين هذه النظريات جميعا هو البحث عن عامل يتمثل في الوقوف على سلسلة من المبادئ التي يتعلم بها الناس.
من هذه النظريات المفسرة للتعلم نتناول بعض النماذج منها النظريات السلوكية والمعرفية.
1- النظريات السلوكية:
لعل أبحاث علماء النفس المهتمين بدراسة السلوك الحيواني، وأيضا أبحاث الفسيولوجيا كانت من أهم العوامل المؤسسة للمدرسة السلوكية، حيث تمثل أبحاث بافلوف الفسيولوجية في روسيا والتي قادت إلى سيكولوجية الاشتراط، وأيضا أبحاث ثورندايك رائد مدرسة كولمبيا الوظيفية على الحيوانات ونظريته في التعلم بالمحاولة والخطأ أهم الأساسيات للسلوكية الراديكالية. غير أن جذور هذه المدرسة يمتد إلى الفلسفات الوضعية والنظرية التطورية. فقد »عرفت تعاليم كونت الوضعية والمبادئ والمفاهيم البراغماتية التي استمدها جيمس وديوي وأنجيل من النظريات التطورية إنتشاراً واسعاً وسريعاً بين المثقفين والمتعلمين في الولايات المتحدة الأمريكية. وانعكس هذا الواقع الجديد في العدد الكبير من الدراسات والطرائق التي استخدمت فيها والنتائج التي خلصت إليها، الأمر الذي مهد السبيل لظهور السلوكية التي ميزت علم النفس الأمريكي وطبعته بطابعها طوال هذا القرن، بل وامتد تأثيرها إلى كليات ومعاهد علم النفس في أنحاء متعددة من العالم. ومن أشهر تلك الدراسات ما قام به إدوار ثورندايك EDWARD THORNDIKE(1874-1949م).»[20]
مؤسس هذه المدرسة ج. واطسن (Watson, John Broadus) (1875-1958) الذي عرف السلوكية بأنها توجه نظري قائمة على مبدأ أن علم النفس العلمي يجب أن يدرس فقط السلوك القابل للملاحظة، إقترح واطسن على علماء النفس أن يتركوا للأبد دراسة الوعي والخبرات الشعورية والتركيز فقط على السلوكيات التي نستطيع ملاحظتها مباشرة إقتناعا منه بأن قوة الطريقة العلمية قائمة على كونها قابلة للفحص بالملاحظة المطلوبة وأن إستعمال أي أسلوب سيعيدنا إلى عصر اﻵراء الشخصية حيث تضيع المعرفة. وترى هذه المدرسة بأن السلوك هو أي استجابة أو نشاط قابل للملاحظة تقوم به العضوية تجاه مثير، ومن هنا جاءت المعادلة الرئيسية في المدرسة السلوكية :
المثير إستجابة.
وبالرغم من الجدل والنقاشات والتي أثارت أفكار واطسون إلا أن المدرسة ثبتت أقوالها وازدهرت، ومما ساعد في تطور هذه المدرسة يمكن القول هي دراسات عالم الفسيولوجيا الروسي بافلوف.
ويقسم المؤرخون السلوكية إلى أنماط مختلفة وفقا لطبيعة الاشتراط (الإجرائي والكلاسيكي) كما يمكن تقسيم تطور السلوكية وفقا لطبيعة دراسة وتفسير الإشتراط ومناهج البحث.
أ- التقسيم حسب طبيعة الاشتراط:
* الإشتراط الكلاسيكي: يمكن تصنيف كل من الارتباطيين من علماء الحيوان ومنهم بافلوف وثورندايك إضافة إلى السلوكيين الأوائل وتحديدا واطسن ومن تبعه من المجددين الذين لم يضيفوا الكثير من أمثال قاثري (Gatheri) وتولمان (Tolman)، فالإرتباط هنا يحدث إجمالا نتيجة الإرتباط بين المثيرات والمؤدية إلى إستجابات ما يتم اكتسابها بالتعزيز على شكل:
مثير شرطي+ مثير طبيعي - بالتكرار--- استجابة شرطية.
* الإشتراط الإجرائي: يمثله سكنر (Skinner) ومن تبعه من أتباع السلوكية، ويعتمد الاشتراط فيه على اقتران الاستجابات بالمعززات وذلك بصرف النظر عن المثير أو ارتباط المثيرات ببعضها.
ب- تقسيم تطور السلوكية طبقا لطبيعة دراسة وتفسير الاشتراط ومناهج البحث :
* السلوكية النفسية: والتي عمدت إلى محاولة تفسير السلوك من خلال ربطه بالمثيرات الخارجية ويصنف كل من بافلوف وثورندايك تحت هذا النوع.
* السلوكية المنهجية: وتعنى بالعلم نفسه ويمثلها واطسن حيث نادى بالتركيز على دراسة السلوك الظاهري بأساليب البحث العلمي.
* السلوكية التحليلية: وتعرف أيضا بتحليل السلوك، وترجع إلى سكنر، حيث بدأ محاولته لإخراج العلم من واطسنيته حل أزمة العمليات العقلية بالمناداة بان أي نشاط عقلي يمكن تفسيره من خلال النشاط الظاهر المرتبط به. أي أنه يمكن تحديده سلوكيا. فعندما نصف حالة الفرد العقلية أو إعتقاده فإنما نصف ما يظهر عليه أو ما نتوقع أن يفعله من سلوك في الموقف.
* السلوكية الاجتماعية: ظهر فريق من السلوكيين الجدد في الخمسينات، حيث حاولوا التوفيق بين السلوكية الواطسنية المسيطرة في أمريكا وبعض المسلمات المقدمة في النظريات الأخرى، ولعل أهم ما قدم منهم هو اعترافهم بأهمية العوامل الوسيطة (المعرفية والنفسية) فتحدث هل (Hull) على سبيل المثال عن العوامل الوسيطة والتي تشمل الحوافز والعادة والكبح.
كما أن لنظرية روتر في التعلم الاجتماعي والشخصية أثرها في نظرية باندورا في التعلم الإجتماعي.
تحديد بعض المفاهيم الأساسية:
قبل التطرق لبعض نظريات التعلم نود التطرق لبعض المفاهيم المستعملة في هذه المدارس المفسرة للتعلم:
* السلوك: الإستجابة الكلية التي يبديها كائن حي إزاء أي موقف يواجهه.[21]
* الإرتباطية: هو المذهب القائل بأن كل العمليات العقلية تتألف من توظيف الإرتباطات الموروثة والمكتسبة بين المواقف والإستجابات، وينظر إلى هذا المذهب باعتبار أنه الأساس في نظرية إرتباط المثير والاستجابة (م- س).[22]
* الإستجابات: وهي تطلق على أية ردود فعل ظاهرة قد تكون عضلية أو غدية أو غيرها من ردود الفعل الظاهرة (بما فيها الصور والأفكار) والتي تحدث كرد فعل لمثير ما. وقد أشار ثورندايك إلى ردود الفعل الفسيولوجية الظاهرية والتي يمكن مشاهدتها وقياسها والتي تربط السلوك بالبيئة المحيطة به. أما في الوقت الحاضر فان تعبير»الاستجابات «يطلق على ردود الفعل الفسيولوجية (التي تقاس بطريقة مباشرة) والنفسية (التي تقاس بطريقة غير مباشرة).[23]
* الإثارة: ولهذا التعبير أي الإثارة معنيان:) أي عامل خارجي (مثير ما يتعرض له الحي. وأي تغير داخلي في الكائن الحي نفسه عن طريق أي عامل خارجي.[24]
أ- نظرية الإشراط الكلاسيكي:
خلال دراسة العالم الروسي ايفان بترفيتش بافلوف (Pavlov, Ivan Petrovich)(1849-1936) للأفعال المنعكسة المتصلة بعملية الهضم لاحظ أن العصارة المعدية في الكلاب التي كان يقوم عليها بتجاربه لا تتأثر فقط بوضع الطعام في فم الكلب لكن تتأثر بمجرد رؤية الطعام بل كانت تبدأ بإفراز لعابها بمجرد رؤيتها للحارس الذي يقدم لها الطعام، بل وحتى بمجرد سماعها لخطوات قدميه قبل أن يصل الطعام إلى أفواهها فعلا. وأدرك بافلوف أن رؤية الحارس لم تكن المثير الطبيعي للإنعكاسات اللعابية ولكن رؤية الحارس قد أصبحت من خلال تعود الكلاب على ذلك المؤشر الإشارة أو العلامة التي تستهدي بها على قرب وصول الطعام. وسرعان ما أدرك بافلوف أنه إكتشف ظاهرة لا بد أن يكون لها أهمية قصوى في مساعدة الكائن الحي على التكيّف مع ظروف بيئته، وفي بادئ الأمر أطلق بافلوف على هذه الإنعكاسات المكتشفة حديثا إسم "إفراز الغدد النفسي" ولكنه أبدله فيما بعد بما أسماه "الانعكاس المشروط" والذي يعني إنتقال أثر المثير الطبيعي للإستجابة إلى مثير غير طبيعي (لا يسبب الإثارة أساسا) كنتيجة لاقتران المثيرين وتكرار حدوثهما.
تقوم الفكرة إذا على الارتباط فعلا يبن منبه طبيعي (م. S) واستجابة طبيعية (ج. R) (م !ج) وهذا ما يحدث مع المتغيرات الطبيعية، إلا أن هذا لا يعتبر تعلما فهو السلوك الطبيعي. والتعلم أو الإشتراط يقوم إذا على القيام بسلوك جديد، وهذا ما يحدث عن طريق إرتباط المثيرات الطبيعية بمثيرات شرطية. إذ مع التكرار والدعم اللاحق يحدث الارتباط بين المثير الشرطي والمثير الطبيعي ويكتسب المثير الشرطي قوة المثير الطبيعي في إحداث الإستجابة.
من تجارب بافلوف وضع على لسان كلب قليلا من مسحوق اللحم أو نقطة من حامض (المنبه الطبيعي م.) فوجد الكلب يستجيب لهذا المسحوق بسيلان اللعاب (استجابة طبيعية ج.) وانتقل إلى خطوة ثانية حيث أسمع الكلب جرسا واستجاب الكلب بأذنيه فقط لرنات الجرس وطبعا لم يفرز أي لعاب من غدده. أما الخطوة الثانية فكانت قرع الجرس ومعه وبعد برهة تقديم الحامض إلى لسانه واستجاب الكلب بإفراز اللعاب تحت تأثير الحامض وبعد تكرار التنبيه والإستثارة (جرس + حامض) مرات عدة حذف الحامض و أسمع الكلب الجرس فوجد أن اللعاب قد أفرز واستجاب لمجرد سماع الجرس لوحده.[25]
بهذا الشكل تم تأسيس علاقة مؤقتة بين نشاط نظام معين (اللعاب) وموضوعات خارجية (حامض + جرس) وأطلق بافلوف على هذه العلاقة إسم الفعل المنعكس الشرطي الذي يتألف من: فعل منعكس + منبه = ومع التكرار حدوث إستجابة للمنبه الثانوي التي كانت فقط للمثير الأصلي.[26] هذه التجربة نلخصها كما يبينه الجدول الموالي:
الجدول رقم(2) ملخص تجربة بافلوف
المثير الطبيعي (الأكل مثلا)
-
الاستجابة الطبيعية (اللعاب)
المثير الشرطي (الجرس) + المثير الطبيعي(الأكل)
-
استجابة طبيعة (اللعاب)
بتكـــرار العـمليـــة
المثير الشرطي (الجرس)-الاستجابة الشرطية (اللعاب)
1- العوامل المؤثر ة في الإستجابة الشرطية:
إذا أردنا الإحاطة بكافة الظروف لإحداث الإستجابات الشرطية نجد:
1- استبعاد العوامل المشتتة.
2 – مراعاة الوقت بين المنعكس الشرطي (الجرس) و بين المثير غير الشرطي (الحامض) وقد وجد بافلوف أن أفضل زمن ملائم لتكوين الرابط الشرطي هو الذي يمر متراوحا بين ربع و نصف ثانية (جرس +¼ أو ½ ثانية + حامض)، أما إذا قل هذا الوقت عن خمس ثانية فإن الإستجابة لا تتكون ولا يعرف السبب في ذلك، فإذا زادت الفترة الزمنية بين الجرس والحامض عن 30 ثانية بطل شرط الإرتباط ولا تتكون الإستجابة.
3- أن يسبق المنبه الشرطي (الجرس) المثير غير الشرطي (الحامض) حتى تحدث الإستجابة عن طريق التكرار.
4- إذا تكرر حدوث المنبه الشرطي (الجرس) دون مصاحبة المثير غير الشرطي (الحامض) حدثت ظاهرة أطلق عليها بافلوف إسم الانطفاء.[27]
2- خصائص الإستجابة الشرطية:
1- حتى يكون هناك منعكس شرطي يجب أن يكون هناك منعكس طبيعي.
2- تخضع الإستجابة الشرطية للعوامل المحيطة بالعضوية أثناء إكتساب المنعكس الشرطي (سواء كانت داخلية خاصة بالكائن (هنا كلب بافلوف كالجوع والعطش) أو خارجية كصوت الجرس مثلا.
3- تكوين المنعكس الشرطي غير مشروط بمثيرات خاصة كما هو الحال بالنسبة للمنعكس الطبيعي، فاللعاب لا يمكن إحداثه إلا بالطعام لكن يمكن إستبدال الجرس بالضوء أو أي مثير آخر لإحداث الإستجابة الشرطية (اللعاب).
4- كلما كانت المثيرات المشتتة للإنتباه أقل كلما كان التعلم أحسن.[28]
3- التطبيقات التربوية لنظرية بافلوف:
أُعتمد على الإشراط الكلاسيكي في تفسير السلوك وأُستخدم في معالجة السلوك غير السوي كعلاج حالات الإفراط في الخوف مثلا (الخُواف أو الفوبيا) الذي يستخدمه المعالجون السلوكيون والعاملون في ميدان الصحة العقلية والنفسية، واكتشف رجال التربية ما لهذا الإجراء من فائدة في تخفيض حدة الخوف في حالات مثل الخواف من الكلام والخواف من الإمتحانات والقلق خشية عدم التمكن من الأداء.
من التطبيقات المستخلصة من نظرية بافلوف والتي نستطيع الإستفادة منها في ميدان التربية والتعليم لدينا مثلا:[29]
1- ربط تعلم التلاميذ بدوافع من جهة وتعزيز العمل التعلمي لأن غياب المثير غير الشرطي يؤدي إلى إنطفاء الإستجابة المتعلمة.
2- يمكن الاستفادة من هذه النظرية (عن إنطفاء الإستجابة) في إبطال العادات السيئة التي تظهر عند المتعلمين في القراءة والكتابة مثلا.
3- تعديل السلوك في المجال الإنفعالي وإلقاء الضوء على طرق اكتساب العادات وعملية التطبع الاجتماعي.
4- حصر العوامل المشتتة للإنتباه في غرفة الدراسة لأن الموقف التعليمي الذي تكثر فيه المثيرات المحايدة لا يساعد على التعلم.
5- عملية التعميم والتمييز من العمليات الهامة حيث يمكن أن نستفيد منها في فهمنا لكثير من مظاهر التعلم الإنساني لأن تعلم الكثير من المفاهيم والحقائق في المناهج الدراسية يحتاج إلى التركيز مثلا على المفاهيم والحقائق المتشابهة من أجل التمييز بينها.[30]
6- يحتاج تعلم الكثير من السلوكات والمعلومات والمهارات إلى إحداث إقتران بين مثيرات شرطية وأخرى غير شرطية (عند تعلم القراءة مثلا إقتران الكلمة بالصورة ).
7- التأكيد على المعلم ليجعل من خبرة التعلم خبرة سارة للمتعلم (حب الطفل للمعلم هو حب للمادة المدرسة وحب للمدرسة).
ب- المحاولة و الخطأ:
لم يكن ثورندايك (Thorndike,Edward Lee) (1874-1949) تابعا أو متأثرا بالفكر السلوكي (الواطسني) كما يعتقد الغالبية، إلا أن فكره لم يكن بعيدا عن الفكر السلوكي، إذ كان أحد تلامذة وليم جيمس الوظيفيين. » ومع أن ثورندايك يؤكد على إنتمائه الإرتباطي، ويرفض أن يوصف بالسلوكي، إلا أن مواقفه في ميادين علم النفس المختلفة التي اشتغل فيها تعارض إدعاءه، وتجعل منه رائداً من رواد السلوكية. وهذا ما نلمسه من خلال المقابلة بين تلك المواقف من جهة، ومبادئ السلوكية وأفكارها من جهة ثانية. »[31]
إن تجاربه على الحيوان ووصوله إلى فكرة التعلم بالمحاولة والخطأ القائمة على فكرة الإرتباط دفعت إلى تصنيفه ضمن السلوكيين، ونظرا كذلك لتداخل السلوكية والوظيفية. » فالتعلم من وجهة نظر ثورندايك هو تغير آلي في السلوك، ولكنه يقود تدريجيا إلى الإبتعاد عن المحاولات الخاطئة، أي إلى نسبة تكرار أعلى للمحاولات الناجحة، التي تؤدي إلى أثر مشجع... وقد عرفت نظرية ثورندايك، التي ظلت مسيطرة لعدة عقود من هذا القرن، على الممارسات التربوية في الولايات المتحدة الأمريكية، باسم الترابطية لأنه يعتقد أن التعلم عملية تشكيل إرتباطات بين المثيرات واستجاباتها.»[32]
قام ثورندايك بأبحاثه على الحيوانات، منطلقا من خلفيته الوظيفية المبنية على الفكر التطوري المؤكدة لمبدأ الاستمرارية بين الكائنات، وأيضا لمبدأ التكيف وارتباط الأفعال بوظائف حياتية وبالتالي إحتمالية التطبيق.
وفكرة الإرتباط ليست جديدة عند ثورندايك »غير أن الجديد في فكر ثورندايك هو العناصر أو الأطراف التي يحدث الإرتباط بينها. ففي حين يجد الإتجاه الإرتباطي أن الذكاء أو العقل أو العملية النفسية بوجه عام تنشأ بفعل الإرتباط بين الأفكار بعضها مع بعض، أو بينها وبين الحركات، يرى ثورندايك أن هذا الارتباط إنما يتم بين الحركات والمواقف.»[33] ويعطي الأهمية القصوى للتجربة الحسية في تشكيل العملية النفسية و» ينطلق ثورندايك من الوراثة كعامل أساسي في تحديد مستوى الذكاء. فالكائن الحي، حسب رأيه، يولد وهو مزوّد بجهاز عصبي مع ما يشتمل عليه من خلايا وأنسجة ووصلات. ويختلف الذكاء من فرد إلى آخر، ومن حيوان إلى آخر، تبعاً لعدد تلك الخلايا والأنسجة والوصلات. أي أن مستوى الذكاء يتوقف على عدد الوصلات العصبية؛ فكلما كان هذا العدد كبيراً كان مستوى ذكاء الكائن عالياً. »[34]
إحدى ابرز تجاربه كانت عن القطط التي كانت توضع في قفص صغير له باب يُفتح إذا سحبت القطة خيطا مدلى داخل القفص لتخرج وتأكل الطعام الموجود خارج القفص. تقوم القطة الجائعة بحركات عشوائية إلى أن يُسحب الخيط بالصدفة، ولاحظ ثورندايك أن الوقت الذي تحتاجه القطة للوصول إلى الحل والخروج من القفص يتناقص تدريجيا إلى أن أصبحت قادرة على سحب الخيط والخروج فورا. وقد نتج عن أبحاثه الطويلة وصوله إلى نظرية التعلم بالمحاولة والخطأ والتي تفسر التعلم من خلال الإبقاء على المحاولات المؤدية إلى تأثير جيد مرضي وإضعاف إرتباط تلك التي لا تحقق الإشباع. وذلك وفقا لعدد من المبادئ (القوانين) التي إستمر في مراجعتها مؤكدا أهمية بعضها وضعف أهمية أخرى.
1- قوانين التعلم عند ثورندايك:
حاول تفسير التعلم بارتباطات مباشرة بين المثيرات والاستجابات ووضع قوانين للتعلم منها:
1- قانون الأثر:
كي تُكتسب سلوكات (استجابات) يجب أن توصل الكائن الحي إلى حالة الرضا. وتقوم فكرة ثورندايك على أساس أن الفعل المؤدي إلى أثر جيد يميل إلى الظهور مستقبلا في حالة حدوث المثير. غير أن السلوك الذي لا يؤدي إلى الإشباع يُهمل ويميل إلى عدم الظهور مستقبلا. ينص هذا القانون على أن أي ارتباط قابل للتعديل بين موقف وإستجابة يزداد إذا ما صاحبته حالة إشباع ويضعف إذا ما صاحبته أو أعقبته حالة ضيق، و»الأثر بحديه: الإيجابي والسلبي، أي الثواب والعقاب، هو، في نظر ثورندايك، شرط لازم لاكتساب مختلف المهارات. فتعزيز إرتباط ما يتوقف على أثره الطيب، واستبعاد أو حذف إستجابة غير مرغوبة مرهون بما تتركه من أثر سيِّئ.»[35] والمقصود بذلك هو المكافأة. يقول ثورندايك: "إنه إذا قام إرتباط قابل للتغيير وكان مصحوباً أو متبوعاً بحالة مُرضية فإن قوة الإرتباط تزيد. أما إذا قام الارتباط وكان متبوعاً أو مصحوباً بحالة مزعجة فإن قوته تضعف".[36] هذا القانون تم تعديله سنة 1932 إذ تبين عدم توازي تأثير الثواب والعقاب على عملية التعلم، فإنهما ليسا متغيرين متعاكسين. ففي حين يؤدي الثواب إلى تقوية الإرتباط، يؤدي العقاب إلى نتائج مختلفة فقد يؤدي إلى إيقاف السلوك مؤقتا، إلا أنه لا يزيله كما أنه لا يساعد مباشرة على تعديل السلوك إذا لم تقدم البدائل.
2- قانون الإستعداد:
يصف الأسس الفيزيولوجية لقانون الأثر أي يصف الظروف المساعدة لحدوث التعلم، ويفسر ثورندايك ذلك بالإعتماد على حساسية الميكانزمات العصبية لإحداث السلوك. فالإستعداد للسلوك يعني إمكانية القيام به كنتيجة للتهيؤ العصبي، فالجوع مثلا قد يعني إستعداد الفرد للقيام بالبحث عن الطعام لما له من أثر إشباعي، في حين أن ما لا يقوم به مؤشر على عدم الاستعداد يفسر وفق هذا القانون معنى الارتياح أو الضيق ويصوغ ثلاثة حالات لإبراز معنى الإستعداد:[37]
أ- حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل، وتعمل، فإن عملها يريح الكائن الحي.
ب- حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل، ولا تعمل، فإن عملها يزعج الكائن الحي.
ج- حينما تكون الوحدة العصبية مستعدة للعمل، وتجبر على العمل، فإن عمله يزعج الكائن الحي.
3- قانون الإنتماء:
يعتبر هذا القانون من أهم القوانين التي أضافها لنموذجه في صورته الأخيرة وتبعا لهذا المبدأ فإن تعلم الإرتباط يكون أكثر سهولة إذا كانت الإستجابة تنتمي إلى الموقف. ويعتمد إنتماء المكافأة أو العقاب على مدى ملاءمتها لإرضاء دافع أو حاجة عند المتعلم وعلى علاقتها المنطقية بموضوع الثواب والعقاب، فإثابة العطشان بالماء يجعل إستجابته أقوى مما لو كانت إثابته بالنقود.[38]
4- قانون الإستقطاب:
وفق هذا القانون تسير الإرتباطات في الاتجاه التي تكونت عليه في البداية، فمثلا إسترجاع قائمة كلمات عربية- فرنسية كما تعلمها التلميذ تكون أسهل من إسترجاعها في الإتجاه المعاكس فرنسية – عربية.
5- قانون انتشار الأثر:
حسب هذا القانون فاثر الإثابة لا يقتصر على الرابط الذي يثاب عليه فقط بل يمتد إلى الروابط المجاورة التي تتكون قبل إثابة الرابط وبعد إثابته. فعلى سبيل المثال إذا عزز الأستاذ كلمة (موقف تعليمي) عند المتعلم فإن أثر الثواب (الإرتباط) يمتد إلى الكلمة (الموقف التعليمي) السابقة واللاحقة، وقوانين أخرى كقانون التعرف فكلما كانت عناصر الموقف الجديد معروفة عند المتعلم كلما سهل التعلم. أو التغير الإرتباطي ويعني إمكانية حدوث الإرتباط بظروف أو مثيرات أخرى. ويتم ذلك من خلال إعادة المحاولات مع إدخال واستبعاد بعض من عناصر الموقف تدريجيا مثال على ذلك حفظ قصيدة، فمع تكرار القصيدة وإضافة أبيات جديدة يمكن أن يتم الحفظ.
وتبقى» قوانين الاستعداد والمران (التدريب) والأثر تحكم جميع عمليات التعلم. لم يقلل ثورندايك أبدا من شأن هذه القوانين الثلاثة على الرغم من قيامه بإجراء تعديلات عليها مرات عديدة.»[39]
2- التطبيقات التربوية لنظرية ثورندايك
منذ عام 1898 عندما عرض ثورندايك رسالته التي أهلته لنيل شهادة الدكتوراه تحت عنوان "ذكاء الحيوان: دراسة تجريبية للعمليات الإرتباطية عند الحيوانات" إستطاع أن يكون له أثر مباشر على نظريات التعلم وعلم النفس والتربية. ذلك الأثر الذي امتد طوال أربعة عقود. وتأثيره على موضوع التعلم لا زال قائما حتى الآن حتى وإن كانت النظرة السلوكية لمفهوم التعلم لم تعد تحظى بالاهتمام الذي حظيت به في الماضي. إذ أن الإتجاه المعاصر يميل نحو الأخذ بالنظرية المعرفية والتي أخذت تزداد رسوخا يوما بعد يوم.
وبما أن الإنسان يتعلم عن طريق المحاولة والخطأ فعلى المعلم توفير الظروف المناسبة للمتعلم لممارسة هذه المحاولات. وعليه فمن التطبيقات التربوية التي يمكن إعمالها داخل الفصل الدراسي، نذكر من أبرزها:
* مبدأ مشاركة المتعلم: في قانون الإستعداد أو التهيؤ إذ على المعلم إستثارة دافعية التلاميذ عن طريق إشراكهم في اختيار أنشطة التعلم وممارستها وتكييفها بما يستثير لديهم دوافع الفضول وحب الاستطلاع وجعل بيئة التعلم مثيرة وجذابة ومشبعة لحاجات التلاميذ ودوافعهم.
* مبدأ تقوية الإرتباطات عن طريق الممارسة: ففي ضوء قانون التدريب، يجب على المعلم مساعدة تلاميذه على تكوين إرتباطات جديدة وتدعيم وتكرار هذه الإرتباطات الحسنة وممارستها أو إضعاف تلك التي هي غير مرغوب فيها، وينطبق هذا القانون على:
* المهارات الحركية: الكتابة والقراءة ورسم الخرائط والأشغال الفنية....
* بعض العادات السلوكية.
* حفظ وتذكر المعلومات اللفظية ( كالقصائد ).
* التدريبات اللغوية والتمرينات الرياضية والتجارب العملية.
* مهارات الفك والتركيب والتجميع والأنشطة اليدوية الأخرى.
* مبدأ الأثر: في ضوء هذا القانون فإنّه على المعلم استخدام الضوابط الفعالة التي يهتم بها التلاميذ أو تضايقهم بحيث يمكن التحكم في سلوك التلاميذ وتحقيق ما يشبع دوافعهم أحيانا ويثير قلقهم أحيانا. وعلى ذلك يوضح ثورندايك وظيفة المعلم في الصف كما يلي:
- تقسيم موضوع الدرس إلى عناصره الأوّلية.
- تمديد المثيرات المناسبة لكل عنصر مع اعتبار عدد كبير من الإتجاهات لديه.
- ترتيب عناصر ومكوّنات الدرس حسب تدرجها.
- تقديم العناصر بطريقة تسعى لحدوث الإستجابة الصحيحة.
- تشجيع تكرار الإستجابات الصحيحة وتجنّب حالة المضايقة عند الطالب.
* مبدأ التدرّج: يمكن الإستفادة من هذا المبدأ في وضع البرامج الدراسية والدروس، بمعنى أن تكون موضوعات الدراسة (مواضيع الدروس) في المراحل الأولى (في البداية) سهلة ثمّ تزداد صعوبة شيئا فشيئا، وذلك لكي تساعد الخبرات السابقة وما كان يسودها من شعور بالنجاح لحلّ المشكلات الجديدة وما تحتاج إليه من جهد وعناية. وما دامت العادات لا تكوّن نفسها فلا نكوّن عادات جديدة مادامت واحدة تؤدي الوظيفة، وأن نبني عادات عند المتعلم يستفيد منها.
ويهتم ثورندايك بثلاث مسائل أساسية تؤثر في استفادة المعلم منها في عمله داخل الصف:[40]
* تحديد الروابط بين المثيرات و الاستجابات التي تتطلب التكوين أو التقوية أو الإضعاف.
* تحديد الظروف التي تؤدي إلى الرضا أو الضيق عند التلاميذ.
* إستخدام الرضا أو الضيق في التحكم في سلوك التلاميذ.
* التركيز على التعلم القائم على الأداء وليس الإلقاء.
ج- الإشراط الإجرائي:
هو الاتجاه الأكثر انتشاراً وبروزاً من الإتجاهات الجديدة في السلوكية، ولما كانت هذه النظرية نسقا منتظما لأبحاث علم النفس فإنه يشار إليها باسم التحليل التجريبي للسلوك، كما يطلق عليهما مسميات أخرى مثل الشرطي الإجرائي، الوسيلي. وقد تمكن صاحب هذه النظرية بوروس فريدريك سكنر (Buhrrus Frederic Skinner) (1904-1990) بفضل أعماله العديدة أن يتبوأ مكانة مرموقة بين علماء النفس الأمريكيين، وأن تجد أفكاره سبيلها إلى المشتغلين بميدان التربية وعلم النفس في العديد من بلدان العالم، وتحظى باهتمامهم.
تعتبر النظرية الإجرائية السلوك موضوعها الأساسي لأن السلوك ذاته جانب أساسي من جوانب الحياة الإنسانية وجدير بالدراسة لذاته. والسلوك قد يكون فطريا أو مكتسبا بدرجة ما وقد يعتمد على عوامل تسبقه (حوادث سابقة) كما قد يعتمد على ما يعقبه (عوامل لاحقة).
هناك أنماط من السلوك تحدث بفعل بعض المثيرات أو يمكن إستحداثها بفعل هذه المثيرات (مثل إغماض العين إستجابة لنفخة من الهواء) أو بكاء الطفل لتأتي إليه أمه. والسلوك ليس مجرد حركة، فهذه النظرية لا تستبعد إعتبار الأحداث العقلية كالتفكير والتخيل أنواعا من السلوك.
1- أنواع السلوك عند سكنر:
استجابة العضوية في المواقف المختلفة (الطبيعية والتجريبية) هي العنصر الأول في تشكل السلوك. وحسب سكينر قد تكون الاستجابات المتعاقبة متشابهة ولكنها لا تكون أبدا مماثلة، لذلك فمن الضروري ألا ندرس الإستجابات الفردية فحسب بل فئات الإستجابات. وبعض فئات الإستجابات يطلق عليها إسم ردود الفعل الاستجابية وهي الإستجابات التي تحددها المثيرات المنبهة لها أو تسحبها، وهذه الأنواع من الاستجابات هي التي تتمثل في العلاقة بين المثيرات والإستجابات المسماة بالإنعكاسات، وعلى سبيل المثال فإن البكاء الناجم عن تقطيع شرائح البصل الطازج ينتمي إلى نوع من الإستجابات أي أنه جزء من إنعكاسات تختلف عن تلك الإستجابات التي تحدث بفعل هبوب الريح البارد على الوجه.[41]
قسم سكنر السلوك (الحيواني والإنساني) إلى نوعين: السلوك الإستجابي والسلوك الإجرائي. ووجد أن السلوك الإجرائي يحتل الجزء الأكبر من السلوك. فمعظم الخبرات الحياتية والعادات التي يكتسبها الإنسان أو الحيوان تتكون بفضل الإستجابات الإجرائية. في حين أن قليلاً منها يتكون عن طريق الإستجابات الإستجابية.
أ- السلوك الاستجابي:
هذا السلوك يتكون من الإستجابات التي تستجرها مثيرات محددة معروفة مثل اتساع أو تضيق حدقة العين لكمية الضوء المؤثر في شبكية العين.
ب- السلوك الاجرائي:
سلوك يؤثر في البيئة، ويترتب عليه تغير في العالم بل إنه يغير في البيئة ذاتها بطريقة أو بأخرى، وهو يماثل إلى حد قريب جدا السلوك الأدائي أو ما يعرف (باسم السلوك الإرادي أو السلوك الغرضي، القصدي) ومن الأمثلة على ذلك التحدث والإنتقال من مكان لآخر... ومن هذه الرؤية فإن الكائن الحي يكون نشيطا في بيئته وبالتالي فهو لا يدفع هنا وهناك في هذه البيئة مسلوب الإرادة.
وبعض أنواع الإستجابات التي يطلق عليها إسم الإجراءات نعرفها بآثارها البيئية وليس عن طريق المثيرات التي تستدعيها، وعلى سبيل المثال: قيادة السيارة أو ركوب الدراجة أو المشي على الأقدام بهدف الوصول إلى مكان ما إجراءات متشابهة قد تنتمي إلى نوع واحد من الإستجابة.[42]
والسلوك الإجرائي هو سلوك معزز وتشكيل السلوك ينطوي على عملية تحديد الهدف السلوكي المرغوب فيه وتجزئته إلى سلسلة من الخطوات المتتابعة التي تقترب تدريجيا من بلوغ الهدف والتي ينبغي تعزيز كل خطوة منها.
إستراتيجيات تشكيل السلوك تتحدد من خلال بعض الخطوات منها:
- تحديد النتائج التي قد تكون مؤثرة في التوصل إلى التغيير المطلوب.
- تحديد العناصر السلوكية السليمة وغير السليمة بوضوح والقابلة للملاحظة .[43]
- تحديد حجم الخطوات (ليست صغيرة جدا حتى لا يضيع الوقت في الأمور الدقيقة جدا إن لم يكن ذلك ضروريا، ولا كبيرة فلا نستطيع تعزيز السلوك).
- تحديد المعززات التي ثبتت فعاليتها في معالجة مواقف التعلم المشابهة لها.
- التأكد من إكتساب السلوك في كل مستوى.
2- تعزيز السلوك عند سكنر:
ما هو العامل أو الشرط الذي يؤدي إلى احتفاظ الكائن الحي ببعض الإستجابات دون البعض الآخر عبر المحاولات التي تتاح له؟ ويجيب سكينر، التعزيز.
يعتبر التعزيز أحد الموضوعات التي أولاها سكنر اهتماماً خاصاً، وخصص له جزءاً هاماً من أعماله. فقد نشر بالتعاون مع فرستر (FERSTER) كتاباً ضخماً بعنوان "جداول التعزيز". ويتضمن هذا الكتاب 921 رسماً بيانياً لـ 250 مليون إستجابة قامت بها الحمائم في مواقف تجريبية إستغرقت 70000 ساعة.[44] ومن بين المتغيرات يركز سكنر وزميله على نوعين للتعزيز: المعدل والفاصلي. ويقوم الأول على أساس معدل صور الإستجابة. أما الثاني فيتوقف التعزيز فيه على الزمن وحده دون النظر إلى عدد الإستجابات.
وكل من النوعين إما أن يكون ثابتاً أو متغيراً. ففي المعدل الثابت يتم التعزيز بعد صدور عدد محدد من الاستجابات. وفي المعدل المتغير يكون التعزيز بعد عدد مختلف ومتفاوت من الإستجابات. بينما يتم التعزيز الفاصلي الثابت بعد مضي وقت محدد مسبقاً. ويتم التعزيز الفاصلي المتغير في أوقات متفاوتة وغير محددة.
»وهنا مرة أخرى. يقتفي سكنر أثر ثورندايك. غير أن فهمه للتعزيز يختلف عن فهم ثورندايك. فبينما يعني ثورندايك بالتعزيز الإرتياح والرضا وتجنب الألم، يراه سكنر متجسداً في كل واقعه تزيد من احتمال صدور الاستجابة التي كانت سبباً في ظهور تلك الواقعة.
ويعترف سكنر بأهمية المعزّزات الإيجابية، مثلما يعترف بوجود المعزّزات السلبية. ويرى أن التعزيز يتم عن طريق تقديم المعزّز الإيجابي أو عن طريق استبعاد المعزّز السلبي. أي أن الكائن الحي يتعلم إستجابة ما بأسلوبين: تقديم المعزّز الإيجابي واستبعاد المعزّز السلبي. ويتوقف سكنر للتمييز بين ما يعنيه بالتعزيز السلبي والعقاب. فالأول يحدث نتيجة حذف المعزّز السلبي.»[45]
ولا يستبعد سكنر العقاب من عملية التعلم إذ يمكن أن يكون عاملا هاما في تعديل السلوك »أما العقاب فهو، في نظره، أسلوب معاكس. إنه يعني تقديم معزّز سلبي (الضرب، التوبيخ، الصدمة الكهربائية...). ولذا فإن الآثار التي تتركها الحالتان مختلفة. فإذا كان التعزيز يقوي إمكانية صدور الإستجابة المطلوبة، فإن العقاب لا يقود حتماً إلى إضعاف إمكانية حدوث الإستجابة غير المرغوب فيها. »[46]
بهذا فهو يرفض السلوك بصيغة (منبه - إستجابة) ويعتبرها عاجزة عن ضبط السلوك بسبب إغفالها أثر الإستجابة في السلوك اللاحق. ويقترح صيغة أخرى ذات ثلاثة حدود: 1-الواقعة التي تحدث الإستجابة بسببها 2- الإستجابة 3-التعزيز.كما يبينه الشكل الموالي رقم(2)
شكل رقم (2) محددات السلوك حسب سكينر
3- تصنيف المعززات:
هناك عدة تصنيفات للمعززات:
* كالمعززات الأولية والثانوية: الأولية أو الطبيعية أو غير الشرطية مثل الطعام والشراب. أما الثانوية أي الشرطية أو المتعلمة هي المحايدة في أصلها لكن بالإقتران مع مثيرات أخرى اكتسبت القدرة على التعزيز.
* التعزيز الإيجابي والتعزيز السلبي: الإيجابي هو إضافة مثير معين مباشرة بعد السلوك المرغوب فيه كمدح التلميذ مباشرة بعد ظهور السلوك أو تقديم الإجازات أو من خلال إزالة سلوك مؤلم. أما السلبي هي المثيرات التي تريد العضوية التخلص منه أو التخفيف منها كتخفيف العقوبة المسلطة على المتعلم. فالمعززات السلبية هي عبارة عن مثيرات تزيد من إحتمالية ظهور الإستجابة عندما يتم إزالتها.
* المعززات الغذائية (أنواع الطعام...)، المادية (الهدايا)، النشاطية (برامج ترفيهية)، الرمزية (المثيرات القابلة للإستبدال كنقاط الإستحقاق)، الإجتماعية (الثناء والابتسامة، مسح الشعر...).[47]
4- التعليم المبرمج:
ربما يرجع الفضل في إنتشار إجرائية سكنر إلى ربطها بمجالات حيوية، كالتربية والتعليم والصحة النفسية مثلا، إذ عمل على تطبيق التعليم المبرمج باستخدام مبادئ التعليم الإجرائي في التعليم ومعالجة الأمراض العصابية.
وتتلخص فكرة سكنر عن التعليم المبرمج في أن تسلسل المادة المتعلمة في خطوات متتالية يحافظ على فعالية المتعلم ويسهل عليه هذه المهمة، »حيث أنه يوفر للتلميذ ما يوفره الصندوق للفأر أو الحمامة من خلال تغذيته ببرنامج يحتوي على دروس قديمة وجديدة. وما على التلميذ في هذا الموقف إلا أن يضغط على زر معين كي تظهر المادة التعليمية (تمارين، جمل، أسئلة...) على الشاشة. ثم يطلب منه حلها أو الإجابة عليها. وليتعرف على ما إذا كانت نتيجة عمله صحيحة أم خاطئة عليه أن يضغط على الزر المخصص لذلك. ويعتبر اتفاق الإجابة التي تظهر على شاشة جهاز التعليم وإجابة التلميذ بمثابة التعزيز. بينما يكون عدم الإتفاق بينهما فرصة لتعرف التلميذ على خطئه وتفاديه في المحاولة الثانية.»[48] هذا الأسلوب من التعليم يزود المتعلم في كل خطوة من خطوات تعليمه بالتغذية الراجعة، ويمكّن من إستخدام وسائل مختلفة في التعلم كالكتب المبرمجة والأجهزة (الوسائل) التعليمية المختلفة أي مصادر تعليمية مختلفة خلاف المعلم خاصة مع التطور التكنولوجي الهائل الذي يشهده عصرنا الحالي. ويتيح كذلك فرصة للتعلم الفردي.
5- التطبيقات التربوية لنظرية سكينر:
حذر سكنر المعلمين من الممارسات الصفية المنفرة التي قد تقترن بسلوكهم أو بمادتهم المدرسة. وما يمكن الإستفادة منه من هذه النظرية هو إضافة إلى التعليم المبرمج يمكن الإشارة إلى بعض النقاط منها:
- استخدام التعزيز الإيجابي وفي الوقت المناسب في عملية التدريس.
- تحديد حجم السلوك المراد تشكيله وتسلسل الخطوات وتتابعها.
- ضبط المثيرات المنفرة وتقليلها حتى لا يزيد إستخدام أسلوب العقاب أو التعزيز السلبي.
- معالجة السلوكات غير المرغوب فيها لأن السلوك ما هو إلا نتيجة عملية تعلم. لذلك كان مجال هذا العلاج من أكثر المجالات أهمية في تطبيق مبادئ الإشراط حيث يمكن تعليم الأفراد ذوي المشكلات السلوكية المختلفة طرق إضعاف أو إزالة السلوك غير المرغوب فيه.[49]
- الاعتماد على التغذية الراجعة أي إخبار المتعلم بنتائج تعلمه في الوقت المناسب أي بعد المحاولة مباشرة، خاصة بنوع الخطأ الذي ارتكبه يساعده على كيفية تصحيح الخطأ وبذلك يسرع التعلم.
2- النظريات المعرفية:
علم النفس المعرفي (psychologie cognitive) هو علم يدرس تكوين وتناول المعلومات لدى الإنسان (Cognition)، والمعرفة هي موضوع إهتمام هذا الفرع المتعلقة بأنواع المعلومات المختلفة التي نكتسبها في مواقف الحياة التي نتعرض لها، كما تتعلق بأنواع العمليات المرتبطة بطريقة اكتسابها والإحتفاظ بها في الذاكرة وإعادة استخدامها.
بواسطة دراسة المعرفية يتطلع علماء النفس المعرفي إلى فهم الممارسات اليومية لمختلف أنشطة الفرد بصفة مستمرة والتي تشترك فيها العديد من العمليات المعرفية مثل: الإنتباه، الإدراك، التفكير، التذكر، وحل المشكلات، التعلم والعمليات الإرتقائية المختلفة.
مصطلح علم النفس المعرفي ظهر في دراسات بلاك ورامسي (Black, Ramsey) سنة 1951 في كتاب "الإدراك، مدخل إلى الشخصية" غير أننا لا يمكن إغفال أعمال على سبيل المثال هيرمان ابنغهاوس (Ebbinghaus, Hermann) (1850-1909) في مجال كيفية حدوث العمليات المعرفية لتفسير السلوك الإنساني (الذاكرة والتذكر)، وفيما بعد أعمال جون بياجيه (Jean PIAGET) حول النمو المعرفي لدى الطفل. هذا العلم الذي نما وتطور كثيرا موظفا كثيرا مختلف الإكتشافات العلمية في تفسير مختلف العمليات العقلية حتى أنهم يعتبرون أن التفكير لدى الإنسان يتم بنفس الطريقة التي يتم بها برنامج حاسوبي مثلا، أو تفسير عملية التعلم لدي الإنسان من خلال ما يعرف بالإرتباطات الشرطية، كعملية بناء معرفي يخزن في الذاكرة - حيث تنظيم المعلومات الخاصة بالأحداث المختلفة التي حدثت وتعرض لها الفرد- ويستعيدها منها ويعطي الإستجابة الموافقة عندما يستقبل المنبهات (أسئلة الإختبار مثلا). فالمتعلم يعتمد على البناء المعرفي الذي تلقاه ويسترجعه من الذاكرة، ويوظفه وفق الموقف الذي تطلب استدعاء البناء المعرفي، وبالتالي فإن الإستجابة تختلف بإختلاف طبيعة الموقف. فالعضوية تخزن في الذاكرة الأحداث التي وقعت في التجربة، وعند إختبارها، يتم استرجاع هذا البناء المعرفي، والإستجابة تتحدد حسب المعلومات التي تم تعلمها واختزانها.
من هنا كان اهتمام كثير من علماء النفس بالتعلم المعرفي، أي التعلم الذي يصحبه إستثارة الفهم والإستبصار، وتكوين تصورات ذهنية عن الموضوعات المتعلمة. وأبرز هؤلاء العلماء هم علماء الجشطلت (Gestalt) "الشكلية " والتعلم بالإستبصار.
أ- نظرية الجشطالت:
التسمية مشتقة من كلمة غشتالت GESTALT الألمانية، التي تعني "الصيغة" أو "الشكل". مؤسسها ماكس ورتايمر (Max WERTHEIMER) (1880-1943) الذي انضم إليه كورت كوفكا (Kurt KOFFKA) (1886-1941م) وولفانغ كوهلر (Wolfgang KöHLER) (1887-1967م).
اختارت المجموعة الإدراك (إدراك الحركات المرئية) * ليكون موضوعاً لسلسلة من التجارب المخبرية التي تولى ورتايمر الإشراف عليها وشارك فيها كوفكا وكوهلر كمفحوصين.
الجشطلت (Gestalt) هذا المفهوم »الأساسي الرئيسي في النظرية الجشطلتية لا يمكن لسوء الحظ، ترجمته إلى الإنجليزية (والعربية) أيضا ترجمة دقيقة وبطبيعة الحال فان هذا هو سبب بقاء الكلمة الألمانية الجشطلت (Gestalt) جزءاً من مصطلحات علم النفس الفنية المستخدمة عالميا. والكلمة تعني أقرب ما يكون الصيغة أو الشكل أو النموذج أو الهيئة أو النمط أو البنية أو الكل المنظم، كذلك الكل المتسامي ... والجشطلت كل مترابط الأجزاء باتساق أو انتظام، أو نظام فيه تكون الأجزاء المكونة له مترابطة ترابطاً دينامياً فيما بينها وما بين الكل ذاته.»[50]
جاءت هذه النظرية ردا على المدرسة الارتباطية وفكرة الارتباط. »وقالوا بأن الخبرة تأتي في صورة مركبة، فما الداعي إلى تحليلها ثم البحث عما يربطها. وذهبوا إلى أن تمييز العناصر مضلل في علم النفس، وأن السلوك لا يمكن رده إلى مثير واستجابة. »[51]. فإذا ما أردنا أن نفهم لماذا يقوم الكائن بالسلوك الذي يسلكه فلا بد لنا من أن نفهم كيف يدرك هذا الكائن نفسه والموقف الذي يجد فيه نفسه، ومن هنا كان الإدراك من القضايا الأساسية في التحليل الجشطلتي.
عارضت النظرية الجشطلتية تلك النظرة إلى النفس الإنسانية المتمثلة في أن هذه النفس ليست أكثر من اﻟﻤﺠموع الكلي لأجزائها المكونة لها والمتمثلة في الأحاسيس والمشاعر وغيرها. أليس العقل أكثر من مجرد مجموعة أو خليط مما يحتويه؟ أليست الألحان الموسيقية أكثر بكثير من مجرد النغمات المتوالية التي تتكون منها؟ وهل الجملة مجرد جمع للحروف والكلمات؟ أليست السيمفونية شيئا يختلف كل الاختلاف عن مجرد مجموع الأصوات التي تصنعها مجموعة مختلفة من الموسيقيين عن طريق مجموعة من الآلات الموسيقية في آن واحد وفي غرفة واحدة؟ والشيء الذي أدى إلى ظهور النظرية الجشطلتية والنظريات الأخرى المنافسة لها يمثل الاعتقاد الراسخ بأن الصورة الآلية الإرتباطية الخاملة للنفس البشرية لا تعبر بحق عن الطبيعة الفنية الخلاقة ذات الطبيعة المعقدة التنظيم للعمليات والحوادث العقلية.[52]
ولما كان للغشطلتيين صلة بالعلوم (كوهلر تلقى تعليما فيزيائيا ورياضيا، ورتايمر صديقاً للعالم الفيزيائي المعروف ألبرت أنشتاين. ومن خلال هذه العلاقة قام بإشراكه في تجارب وأجرى معه سلسلة من المقابلات). فلا عجب، والحالة هذه، أن يعلن هؤلاء عن إقامة علم النفس وفق النموذج الفيزيائي اعتقاداً منهم بأنه يضمن الإرتقاء بدراسة الظاهرة الإدراكية من مستوى الوصف إلى تعيين بعدها المادي والفيزيولوجي.[53]
1- التعلم عند الغشطالت:
التعلم في صورته النموذجية عملية إنتقال من موقف غامض لا معنى له أو موقف لا ندري كنهه إلى حالة يصبح معها ما كان غير معروف أو غير مفهوم أمرا في غاية الوضوح ويعبر عن معنى ما ويمكن فهمه والتكيف معه.
وتختلف الطريقة الجشطلتية في فهمها للتعلم اختلافا جذريا عن وجهات النظر السابقة، بل إنها تتناقض تناقضا حادا مع وجهات النظر المعاصرة لها (المحاولة والخطأ، الإرتباط)، فالأساس في التعلم الفهم والاستبصار والإدراك. فالتعلم يحدث نتيجة الإدراك الكلي للموقف وليس نتيجة إدراك أجزاء الموقف منفصلة لأن تحليل الكل أي أجزائه المكونة له يفقد كثيرا من خصائصه.
ففي إحدى تجاربه يقوم كوهلر بوضع الشمبانزي في قفص يتدلى من سقفه قرط من الموز. ولكي يصل هذا القرد إلى الطعام عليه أن يستخدم عصا موجودة في ركن من أركان القفص (أو يتسلق، في وجه آخر لهذه التجربة، صندوقاً من الخشب ملقى في أحد أركان القفص، أو يتسلق، في وجه ثالث، صندوقين خشبيين متفاوتي الحجم بعد أن يضع الصندوق الصغير فوق الصندوق الكبير، أو أن يقوم بسحب طرف أحد الحبال الذي يتصل بالموز).
وفي تجربة أخرى كان كوهلر يضع الموز خارج القفص وعلى مرأى من الشمبانزي. ولكن الحيوان لا يستطيع أن يصل إليه إلا إذا استخدم عصا موجودة على مقربة منه كامتداد ليده، أي أن يستخدمها كأداة. وفيما بعد قام كوهلر بتعقيد شروط المشكلة، إذ وضع عصوين في ركن القفص وضمن ساحة إدراك الحيوان. وكان على الحيوان لكي يحصل على الطعام أن يحوّل العصوين إلى عصا (أداة) واحدة بإدخال نتوء يوجد في طرف إحداهما بثقب موجود في طرف الأخرى، لأن استخدام واحدة منهما فقط لا يوصل إلى الهدف. وكان القرد يجد الحل للمشكلات.
فكيف يتم ذلك؟ يجيب كوهلر ومعه كوفكا بأن سلوك الحيوان يقتصر في البداية على تأمل الموز والنظر في الأدوات المقترحة (العصا، الصناديق، الحبال.. الخ)، ثم يحول بصره عنها ويلتفت حوله بعض الوقت ليرجع بعدها إلى تأمل الهدف والوسيلة، وهكذا، دون أن يقوم بأي إجراء عملي يذكر.
وفي التجربة الأخيرة (ذات المرحلتين) لم يلاحظ كوهلر أي جديد في سلوك القرد، باستثناء عدد المحاولات التي قام بها بعد التقاطه للعصا الطويلة (وأحياناً القصيرة)، وعدم تمكنه من الوصول إلى الهدف، الأمر الذي جعله يتراجع قليلاً ليتأمل العصوين من جديد لينتهي به الأمر إلى إلتقاطهما وإدخالهما بعضهما ببعض وتحويلهما، بالتالي، إلى عصا واحدة طويلة، ثم الإمساك بها ليحصل في النهاية على الموز.
وهكذا يمر الحيوان (وكذا الإنسان) للخروج من الموقف الإشكالي، في رأي الغشتالتيين، بمرحلتين رئيسيتين:
المرحلة الأولى: ويقوم خلالها الحيوان بدراسة الموقف والنظر في شروطه، وهو ما يدعى بالإستبصار.
المرحلة الثانية: وفيها يتوصل الحيوان إلى الحل بصورة مفاجئة. وتشمل هذه المرحلة الجانب الأدائي أو الإجرائي من النشاط الذهني.
من خلال التجارب إنتقل الغشتالتيون من دراسة الإدراك إلى دراسة التفكير، الذي هو بالنسبة لهم إعادة تنظيم عناصر الموقف، حيث تتخذ فيه هذه العناصر صيغة جديدة أو غشتالتاً جديداً. وهو ما أطلق عليه الغشتالتيون مفهوم الإستبصار.[54] الذي هو الفهم الكامل لبنية الغشطالت من خلال العلاقات القائمة بين أجزائه وإعادة تنظيم هذه العلاقات.
ا- العوامل المؤثرة في الاستبصار:
هناك عوامل لها تأثير على عملية الإستبصار.
- مستوى النضج الجسمي: في تجربة كوهلر لا معني ولا جدوى من العصا إن لم يكن القرد قادرا على حملها.
- مستوى النضج العقلي: تنظيم المجال وإدراك العلاقات يكون حسب درجات القدرة العقلية.
- تنظيم المجال: في تجربة العصا (الوسيلة)، والهدف (الموز)، والجوع (الدافع). ولو غاب عنصر من هذه العناصر ما حصل الإستبصار.
- الخبرة: الألفة بعناصر الموقف تساعد على إعادة تنظيمه وربط أجزائه بعضها ببعض.
»أما المسألة الخاصة بطبيعة التعزيز ودوره في عملية التعلم وهي المسألة التي تعتبر في صلب نظرية التعلم المعاصرة، فهي مسألة لا تحظى باهتمام كبير عند العلماء الجشطلتيين. والواقع أن هؤلاء العلماء يرون أن أوجه التعزيز الخارجي مثل الطعام والنجوم المذهبة التي توضع على كتابات الأطفال تشجيعا لهم والربت على رؤوس الآخرين تشجيعا إنما تصرف الإنتباه عن التعلم ولعلها وسائل تتدخل في عملية التعلم الحقيقي.»[55]
2- قوانين الغشتالت (التعلم):
هناك قوانين ينتظم تبعا لها العالم الخارجي في مجال الإدراك، هذه القوانين التي تعرف كذلك باسم التنظيم الإدراكي منها:[56]
1- قانون التشابه: فالأشياء والمعلومات والخبرات المتشابهة على اختلاف أنواعها وأحجامها وأشكالها، وخبرات معرفة أو خاصة باكتساب مهارة من نوع ما تميل إلى التجمع لتكوين وحدات معرفية أو مهارية متكاملة يزيد فيها إتضاح المعني.
2- قانون التقارب: الأشياء المتقاربة في الزمان والمكان من العوامل المساعدة على إدراك المجموعات الحسية.
3- قانون الثبات أو الإقفال (الإغلاق): فالأشياء الناقصة تدعونا إلى إدراكها كاملة، فالأشياء الناقصة تميل إلى أن تكمل نفسها حتى تكون أثبت وأسهل في تكوين الصورة أو الصيغة في الإدراك الحسي.
4- قانون الاتصال (الإستمرار): الأشياء المتصلة تدرك كصيغ، مثل النقاط التي بينها خطوط.
5- قانون الشمول: الأشياء تدرك كصيغ إذا كان هناك ما يجمعها ويحتويها ويشملها كلها، فصورة صفين متوازين من الأشياء تعطي صيغة طريق مثلا.
»ومجمل ما عناه الغشتالتيون بهذه القوانين هو أن الفرد ينزع إلى إدراك الأشياء بصورة كلية ومتوازنة وحسنة بفعل العمليات الفيزيولوجية الفطرية التي يقوم بها الدماغ. فالصورة ندركها كاملة ولو تخلّلتها فجوات أو ثغرات أو حتى إذا كانت مجرد خطوط متقطعة. كما ننزع إلى الربط (الإغلاق) بين النقاط الموجودة أمامنا على الورقة وإدراكها كشكل هندسي. ونؤلف بين الأشياء القريبة بعضها إلى بعض في صورة كلية.»[57] وتقارب الأشياء زمنيا ومكانيا يساعد على تذكرها.
3- التطبيقات التربوية لنظرية الغشتالت:
هذه النظرية لو اعتمدنا وطبقنا القوانين التي جاءت بها فيمكن الإستفادة منها في عدة نواحي منها:
- فمادام الكل يسبق الأجزاء، ففي ميدان التربية والتعليم فإن عرض موضوع التدريس في جملته وتوضيح النظرة العامة وبعد ذلك التطرق إلى أجزائه يساعد على فهم الوحدة الكلية للموضوع.
- كذلك إتباع الطريقة الكلية أي البدء بالجمل عوضا عن الكلمات والحروف يكون أحسن بالنسبة للتلميذ، فالحرف لا معنى له بالنسبة للطفل المبتدئ، أما الجملة فإن لها مدلول ومعنى يسهل على الطفل إدراكه.
- لو اعتمدنا على قانون الثبات والإقفال فان الحقائق (الجمل، الأفكار، الكلمات..) الناقصة، والمعلومات غير المرتبة سيميل الفرد إلى إكمالها وترتيبها في ذهنه، وبذلك يتخلص من القلق الذي تثيره هذه الحقائق المشوهة.
3- التعلم بالملاحظة:
يعود تاريخ نشأة هذه النظرية إلى بداية الستينيات، عندما قدم زعيمها ألبرت باندورا (Albert BANDURA) بحثاً إلى ندوة نبراسكا (Nebraska) بعنوان "التعلم الإجتماعي من خلال المحاكاة ("SOCIAL LEARNING THROUGH IMITATION") (1962). ونشر بالإشتراك مع أحد طلابه وهو ريتشارد ولترز (R. WALTERS) كتاباً تحت عنوان "التعلم الإجتماعي ونمو الشخصية" (SOCIAL LEARNING AND PERSONALITY DEVELOPMENT)" (1963). ولم تتخذ أبعادها وتكتمل محاورها كنظرية إلا بعد مضي أكثر من عقد من الزمن، أي في نهاية السبعينيات.
فبعد أن أشار الباحثان إلى كتاب ميللر ودولارد "التعلم الاجتماعي والتقليد" وما احتواه من فرضيات تستثير الفكر، سجلا حقيقة ذات مغزى تطوري وتاريخي، حيث قالا: "وقد تطلب الأمر عشرين سنة أخرى كي تصبح المحاكاة مشكلة نظرية ومشكلة بحث على قدر كبير من الأهمية وقد تحول محور اهتمام رئيس من محاور البحث من تحليل التعلم القائم على المحاكاة إلى تحليل التعلم بالملاحظة. وهذا النوع من التعلم يتصدى إلى قضايا إكتساب الإستجابات الجديدة."[58]
مما لا شك فيه كذلك هو أن للسلوكيين الجدد أثرهم على هذه النظرية، الذين حاولوا التوفيق بين السلوكية الواطسنية المسيطرة في أمريكا وبعض المسلمات المقدمة في النظريات الأخرى. ولعل أهم ما قدم منهم هو اعترافهم بأهمية العوامل الوسيطة (المعرفية والنفسية).
فعلى سبيل المثال تحدث هل (Hull) عن العوامل الوسيطة والتي تشمل الحوافز، العادة والكبح، كما حاول دولارد ومللر (Miller) ترجمة المفاهيم الفرويدية إلى مفاهيم سلوكية. كما قدم طولمان (Tolman) فكرته عن السلوك الهادف (الغائية) والتوقع في عملية التعلم حيث تدل الفكرتان على أهمية الجانب المعرفي.
كما كان للتقدم في مجال نظريات التعلم المعرفية وخاصة التقدم في مجال المعالجة المعلوماتية أثرها، وهذا ما يظهر في تبني باندورا لهذه العمليات العقلية كمتغير تفاعلي في تفسيره للتعلم.
إذا كان أصحاب الحتميات البيئية أمثال سكنر يرون أن السلوك تجري مراقبته من قبل قوى خارجية تطغى على الكائن الذي يملك القدرة على التفاعل والتشكل بفعل الأحداث الخارجية، وإذا كان على النقيض من ذلك (أصحاب الحتمية الذاتية) يرون أن الأحداث الداخلية (المتمثلة في شكل غرائز ودوافع وسمات وغيرها) هي التي تلزم الكائن الحي على السلوك بطرق ثابتة وتكوّن الشخصية المتشكلة، فان الموقف البديل يقر بالتأثيرات الداخلية والخارجية على حد سواء.
وعند النظر إلى هذه المصادر الرئيسة الثلاثة من المحددات: السلوك، البيئة، العوامل الشخصية، فلا تعطى لأي منها أي مكانة متميزة على حساب المصدرين الآخرين، رغم أنه في بعض المواقف قد يبرز عامل من الثلاثة كمؤثر مسيطر. ويقول باندورا إن هذا هو موقفه هو، أو ما يسمى بالحتمية المتبادلة، وينظر إلى التأثيرات المحددة على أساس أنها إحتمالية في طبيعتها أكثر من كونها الحتمية السببية، محددات السلوك هذه يمكن تمثيلها في الشكل الموالي رقم (3)
الشكل رقم(3) محددات السلوك

السلوك البيئة
العوامل الشخصية
(التوقعات، المعتقدات، الإدراكات الذاتية، الأفكار، التفضيلات،...)
هو شكل مثلث معكوس والعوامل الشخصية وُضعت في رأس المثلث المقلوب لما لها من أهمية حسب باندورا. العمليات المعرفية التي تعتبر نظما تمثيلية رمزية، عادة ما تتخذ شكل الأفكار والصور الذهنية. وتلعب دورا مركزيا في نظرية باندورا إذ تتحكم في سلوك الفرد والبيئة، وفي الوقت ذاته محكومة بسلوك الفرد والبيئة. على كل حال كل هذه العناصر متأثرة ومؤثرة بعضها في بعض.
»في الحتمية المتبادلة فإن السلوك الإنساني هو وظيفة المحددات السابقة المتعلمة واللاحقة المحددة. وكل مجموعة محددات تحتوي على متغيرات هي في طبيعتها معرفية إلى حد كبير، وإن لم تكن كذلك بصورة مطلقة. وهذه الأشكال من أشكال المعرفة تحدث من خلال ملاحظة الإنسان لنتائج سلوكه هو و/ أو من ملاحظته لسلوك الآخرين وهكذا فإن مصدرين رئيسيين للتعلم هما نتائج الإستجابات (التعلم بالعمل). وما ظل حتى الآن يدرس بصورة تقليدية تحت عناوين مختلفة مثل المحاكاة (أو التقليد)، والعمليات الإبدالية النموذجية، أو التعلم القائم على الملاحظة (التعلم بالملاحظة).»[59]
أما فيما يخص المحددات السابقة للسلوك» هي تلك التأثيرات المعقدة التي تحدث قبل قيام السلوك، وتشمل المتغيرات الفسيولوجية والعاطفية، والأحداث المعرفية مثل التوقعات والترقبات، والآليات الفطرية للتعلم، أما المحددات التالية فتشمل أشكال التعزيز (التدعيم) أو العقاب التي قد تكون خارجية في طبيعتها أو داخلية، أو حثا ذاتيا. »[60]
نموذج التعلم بالملاحظة يقوم على افتراض أن الإنسان ككائن إجتماعي يتأثر باتجاهات الآخرين ومشاعرهم وتصرفاتهم أي بسلوك الآخر. ونتعلم الاستجابات الجديدة ﻟﻤﺠرد ملاحظة سلوك الآخرين. هؤلاء الناس الآخرون يعتبرون من الناحية التقنية نماذج، واكتساب الإستجابات من خلال مثل هذه الملاحظة يسمى الإقتداء بالنموذج.
1- الإنتباه والتعلم:
من بين التجارب التي قام بها باندورا في إحدى رياض الأطفال هي أنه قام بتقسيم الأطفال إلى خمس مجموعات كما يلي:
1- شاهد أفراد المجموعة الأولى رجلا يعتدي جسديا ولفظيا على دمية كبيرة بحجم الإنسان مصنوعة من المطاط مملوءة بالهواء.
2- أفراد المجموعة الثانية شاهدوا نفس الأحداث مصورة في فيلم سينمائي.
3- أفراد المجموعة الثالثة شاهدوا هذه الأحداث العدوانية نفسها لكن في فيلم كرتوني.
4- أفراد المجموعة الرابعة لم شاهدوا أيا من هذه الأحداث واعتبروا كمجموعة ضابطة
5- أفراد المجموعة الخامسة شاهدوا شخصا مسالما غير عدوانيا.
ثم وضع كل طفل من هذه المجموعات الخمس إلى وضع مشابه للوضع الذي شاهد فيه سلوك النموذج وقامت مجموعة من الملاحظين بمراقبة، من وراء زجاج نافذة ذو اتجاه واحد، إستجابات كل طفل للوضع الذي هو فيه وتسجيل الإستجابات العدوانية. وبينت نتائج الدراسة أن متوسط الإستجابات العدوانية للمجموعات الثلاثة الأولى (التي شاهدت الموقف العدواني) يفوق بكثير متوسط إستجابات المجموعتين (الرابعة والخامسة).[61]
2- آثار التعلم بالملاحظة:
ويسميها باندورا التعلم بالمحاكاة ويقترح على الأقل ثلاثة أنواع من آثار هذا التعلم بالملاحظة:
1- تعلم سلوكات جديدة: عندما يقوم النموذج بأداء إستجابة جديدة فان الملاحِظ يحاول تقليدها، والنموذج ليس بالضرورة أن يكون حيا حقيقيا، بل يكون في التمثيلات الصورية، والرمزية الموجودة في الأساطير والكتب والأفلام والحكايات الشعبية وغيرها، كل ذلك يقوم بوظيفة النموذج الحي.
2- الكف و التحرير: ملاحَظة النموذج تؤدي إما إلى تحرير بعض الإستجابات التي كانت متاحة من قبل في رصيد الشخص الملاحِظ وإما إلى الكف وتجنب أداء بعض السلوكات.
3- تسهيل ظهور إستجابات: هي الإستجابات التي تقع في حصيلة الملاحظ السلوكية فالأمر لا يستدعي اكتساب إستجابة جديدة بل يساعد على إزالة الخوف ومنع الكف.
والواقع أن آثار النماذج لا تقتصر على مجرد المحاكاة علما أن عمليات الانتباه لها محددات والإنسان لا ينتبه لكل الحوادث التي تحصل في الحياة. ووفقا لما قاله باندورا هناك على الأقل متغيران رئيسان، بالإضافة إلى الدافعية، يؤثران على هذه العملية. الأول يرتبط بخصائص النموذج، ويرتبط الثاني بخصائص الفرد الملاحظ.
فالنماذج التي تهتم بحاجات الأشخاص الذين يقومون بالملاحظة، والتي تقدم غالبا مكافأة لهؤلاء الملاحظين هي التي يتم إنتقاؤها من قبل الملاحظ، بينما يجري تجاهل تلك النماذج التي تنقصها مثل هذه الخصائص، ونتيجة لذلك فإن الأفراد الملاحظين لابد من أنهم يتعلمون بالملاحظة من النوع الأول أكثر من النوع الثاني.
وخاصية أخرى من خصائص الأشخاص الملاحظين التي تؤثر على الإنتباه هي مستوى النمو (فالأطفال الأكبر سنا لديهم مدى إنتباه أطول من الأطفال الأصغر سنا. وبالإضافة لذلك فالأطفال الأكبر سنا قد يعرفون متى ينتبهون ومتى لا ينتبهون للنموذج.)
3 - التطبيقات التربوية:
- هذه النظرية تساعد على مراجعة أساليب نمذجة السلوك والتنشئة الاجتماعية ومراجعة الأدب التربوي والنفسي.
- التعلم بالملاحظة يساعد على إكساب سلوكات جديدة نتيجة ملاحظة النماذج التي يعايشها التلميذ سواء من خلال الزملاء أو المعلمين أو النماذج التي يقرأ عليها في النصوص المدروسة مثلا ولذا فمراقبة هذه النماذج يعتبر أمرا مهما لكل من يقف عمله على التربية والتعليم.
- إذا كانت عملية النمذجة هي نسخ سلوك آخرين مهمين للمتعلم مثلا فان مراعاة التعزيز في العملية التربوية يعتبر أمرا ضروريا.
- تساعد عملية التعلم بالملاحظة في تعلم العادات الإجتماعية أي ثقافة المجتمع وإكساب اللغات.
- التلميذ الذي يتعامل مع معلمين (نماذج) مختلفين يساعده ذلك على زيادة خبراته غير المباشرة.
المحور الثالث: تعلم المفهوم
- تعريف المفهوم/ طبيعة تعلم المفهوم/ كيف يتم تعلم المفهوم؟
- أنواع المفهوم/ المفاهيم والمدركات العلمية
المدركات والمفاهيم من الموضوعات الهامة في علم النفس نظرا للدور الكبير الذي تلعبه في عملية التعلم ولقد تحدث الكثير عن هذا الموضوع باسم "التجريد والتعميم" واستعملوا لفظ "التغيرات المتوسطة" أو " التكوينات المتوسطة" وغيرها. ومن الأوائل الذين تحدثوا عن المدركات والمفاهيم نجد كلارك هل (Hull) حيث كانت "المدركات الكلية" هي موضوع الدكتوراه التي حصل عليها سنة 1920م، وبعد حصوله عليها، ظلّ موضوع بحثه مهملا حتى عقد مؤتمر كبير لعلم النفس في سنة 1930م لام فيه كلارك هل علماء النفس إهمالهم لموضوع "المدركات" وكان هذا العام نقطة تحول لكلّ من هل (Hull) والمدركات علما أن النظرية الأساسية لهل هي السلوكية الجديدة.[62]
ومفاهيم الفرد تلعب دورا رئيسيا في كيفية إدراكه وتنظيمه للأشياء (الأشخاص وحتى الأفكار) الموجودة من حوله. فهي بمثابة القوانين المنظمة والمحددة لكيفية الإدراك، ففي ميدان التربية كل تلميذ يجب أن يحصل على مفاهيم عديدة وصور ذهنية مختلفة حول ما يدور من حوله في الحياة حتى تصبح العملية التعليمية ذات معنى. فالمفاهيم ذات وظيفة مهمة في عملية التعلم إذ تساعد على:
- تبسيط العالم الواقعي من أجل تواصل وتفاهم يتسم بالكفاية.
- تنظيم خبراتنا بصورة يسهل استدعاؤها والتعامل معها.[63]
على العموم يمكن استخلاص أهمية دراسة المفاهيم والمدركات في بعض النواحي منها أن:[64]
1- فهم المفاهيم والمدركات يجعل المادة الدراسية أكثر شمولا.
2- فهم المفاهيم والمدركات هو الطريق الرئيسي نحو زيادة فاعلية انتقال أثر التدريب والتعلّم.
3- تساعد الطفل على اكتساب الإهتمامات و الميول العلمية بطريقة وظيفية.
4- تساعد الطفل في تسهيل عمليات التعلم والتعليم.
5- تفهم كيفية نمو وتطور مفاهيم الأطفال من أجل إعداد البرامج والأساليب والطرق الناجحة التي تساعد على إنماء تلك المفاهيم والمدركات وتطورها.
6- تساعد الطفل في توظيف المعلومات وذلك باستخدامها في الفهم والتفسير لما يثيرهم في البيئة.
7- تزويد الطفل بالحقائق والمعلومات التي تعينه في الإدراك، التصنيف والتمييز.
على العموم فإن تكوين المفاهيم يعني تبسيط المعلومات لسهولة التعامل معها، إلا أن المبالغة في هذا الإتجاه قد تؤدي إلى الإضرار بعملية التعلم، فهذا التبسيط المبالغ فيه يكون على حساب الدراسة العميقة للظواهر الفريدة من حولنا. فإذا توقفنا عند معرفتنا أن كل شيء له جناحين فهو طائر ويستطيع الطيران فإن هذا لا يمنعنا من التنبه إلى الخصائص المميّزة لكل نوع من أنواع الطيور لمعرفة خصائصها ومميزاتها.
فتدريس المفاهيم وتعلّمها من المواضيع الجوهرية في العملية التعليمية التعلمية، لأن تدريس المفاهيم جنبا إلى جنب مع التعميمات والنظريات والمبادئ تساعد على التعلم أحسن لأن المفاهيم كذلك تساهم مثلا في حل بعض صعوبات التعلم خلال إنتقال الطلاب من صف إلى آخر، فما يأتي أولا يعتبر كنقطة إرتكاز ضرورية فيما بعد وما سيأتي بعد لابد وأن يدعم المعلومات السابقة. فالبحث في موضوع المفاهيـم والمدركات العلمية وعلاقتها بعمليتي التعليم والتعلّم أمر يهم كل معلم ومربي حتى يستطيع من خلالها وضع البرامج والخطط التدريسية المناسبة لكل مادة وكل تلميذ وفي المستوى المطلوب.
1- تعريف المفهوم:
تعددت تعاريف "المفهوم" بتعدد الزوايا والنظريات التي يُدرك بها هذا المصطلح، فعُرِّف كأنه صنف من المثيرات التي يمكن أن تكوَن مجموعة أشياء أو حوادث أو أشخاص تشترك معا بخصائص عامة ويشار إليها باسم خاص ("دسيسكو").
أو أن المفاهيم صنف من المثيرات المشتركة بخصائصها الجوهرية حتى لو اختلفت فيما بينها بشكل ملحوظ (جانييه وبرجز).
أو كتعريف برونر (Bruner): المفاهيم عبارة عن مجموعة المصطلحات التي يستخدمها العالم في عمله أو الباحث في بحثه كعناوين يشير كل منها إلى مجموعة من الحوادث أو الظواهر أو العلاقات الواقعة ضمن مجال بحثه.
أو أنه سلسلة من الإستدلالات المتصلة تشير إلى مجموعة من الخصائص الملاحظة لشيء أو حدث يؤدي إلى تحديد فئة معينة تتبعها استدلالات إضافية عن خصائص غير ملحوظة (جودنو) (Goodnow) وأوستن (Austin) .
كما يعرف أوسجود (Osgood) المفهوم بأنه إستجابة عامة لعدد من الظواهر والمثيرات التي يشترك بعضها مع البعض الآخر في مظهر من المظاهر.
أما في "معجم علم النفس والتربية" فنجد تعريف "المفهوم العام (Concept, general)" كما يلي: »الفكرة التي تمثل عددا من العناصر تشترك كلها في أمر ما، فإذا سمع الإنسان كلمة "أسد" فهم مفهوما عاما هو أنه حيوانا. ويتضمن المفهوم العام المفهوم المجرد (abstract concept) وهو صفة أو صفات مشتركة تفهم لشيوعها بين عناصر فئة ما مثل الأسدية والإنسانية والأمانة.»[65] ومهما اختلفت التعريفات فالمفهوم لابد من أن تتوفر فيه جملة من المعايير هي:
- أن يكون مصطلحا أو رمزا، له دلالة لفظية ويمكن تعريفه.
- أن يكون تجريدا للخصائص المشتركة لمجموعة من الأشياء.
- أن يتّسم بالشمول لأنه يشير إلى المواقف أو السّمات التي تتضمنها مجموعة من الأشياء[66].
المفاهيم يمكن تحديدها كذلك من حيث الصفات التي تتدخل في تكوينها، ويوجد العديد من المزاوجة بين الصفات، فيمكن تصنيف مثلا الأشخاص حسب العمر أو الوزن أو المهنة أو الجنس وغيرها من الصفات.
2- أنواع المفاهيم:
كما تعددت تعاريف المفهوم تعددت كذلك أنواعه، إذ نجد هناك وجهات مختلفة لأنواع المفاهيم، فهناك من يرى أننا يمكن تقسيمها إلى قسمين: مفاهيم تلقائية ومفاهيم علمية (بياجيه (Piaget))،
فالمفاهيم التلقائية: يكتسبها غالبا المتعلم من تلقاء نفسه عبر إحتكاكه بالبيئة من خلال الخبرة الحسيّة المباشرة مثل: مفهوم الحجم.
أمّا المفاهيم العلميّة: فهي التي يكتسبها غالبا المتعلّم عن طريق مرشد أو معلّم مثل: مفهوم التوازي.
أو أن تقسم المفاهيم إلى ثلاثة: مفهوم موصل أو رابط أو موحد ومفهوم غير رابط ومفهوم علائقي (برونر(Bruner)).
- المفاهيم الواصلة أو الرابطة أو الموّحدة: وهي تعرف بمجموعة السّمات المشتركة بين فئة من الأشياء أو المواقف.
- المفاهيم غير الواصلة أو غير الرّابطة: تعرف بمجموعة السّمات أو الخواص المتباينة بين فئة من العناصر والأشياء أو المواقف.
- المفاهيم العلائقيّة: هي تعرف بمجموعة السّمات أو الخواص المشتركة المتباينة بين فئة من العناصر أو الأشياء أو المواقف.
3- المدرك العلمي:
تعددت كذلك تعاريف المدرك العلمي حتى وإن كانت في مجملها تدور حول إبراز العمل العقلي الذهني المحض، من هذه التعريفات نذكر على سبيل المثال:
- تعريف أوسجد: يقصد بالمدرك، إستجابة عامة لغوية لمجموعة من الظواهر التي ترتبط مع بعضها البعض في مظهر من المظاهر.
- وكلارك هل يعرف المدرك كالتالي: هي تكوينات علميّة متعدّدة، ترتبط مع بعضها البعض حتى تؤدي إلى ظهور إستجابة معيّنة نتيجة تعرّضه للمثيرات.
- أما أرثر جيتس فيعرف المدركات باسم "التعميم" وهو إدراك العلاقة أو الخاصيّة المشتركة أو المبدأ في عدد من المواقف. وهو يرى أن الإنسان يستطيع أن يصنف معلوماته فيستعمل رمزا واحدا لمجموعة من المفردات بعد عملية تصنيفها وربطها، وهذا الرّمز الواحد هو المدرك وهذه العملية تحتاج إلى تجميع الخبرات السابقة وإلى قدر كاف من الإلمام باللغة.[67] هذا التعريف يركز على القدرات العقلية إضافة إلى التجارب أو الخبرات السابقة. وهذا العمل تقوم به الكلمات بصورة رئيسية، وهي تنظم المثيرات أو الظواهر ثم تربط بينها وبين الخبرات السابقة.
غير أن هناك من لا يفرق بين "المدرك" و"المفهوم" كسموك (Smock) الذي يرى أن المدرك هو استجابة رمزية عامة لمجموعة من المثيرات ليس بينها بالضرورة عناصر مشتركة ولكنّها تتجمع في تنظيمات إدراكية أو أنماط إدراكية معينة.
مهما اختلفت التعريفات فإنها كلها تتفق على أن المدرك هو إستجابة لفظية لغوية عامة تربط بين مجموعة من المثيرات. غير أنهم لم يتفقوا حول الصفات (الخصائص) المشتركة التي تجمع هذه المدركات ونجد ثلاثة اتجاهات:
- الأول: يقصد بالخصائص المشتركة تلك العناصر المتطابقة بين المثيرات التي يجمعها المدرك، مثال: مدرك (شجرة) تختلف الأشجار في حجمها ونوعها وشكلها ونوعية ثمارها إلا أنّها جميعا لابدّ أن تشترك في وجود صفات مشتركة فيما بينها.
- الثاني: خلاف الإتجاه الأول يحدد هذا الاتجاه الخصائص المشتركة بأنّها علاقات جزئية بين الأشياء وليس تطابقا. مثال: الكرة، حبة بطيخ أحمر ("دلاع")، عجلة السيارة، هي أشياء رغم التباين الموجود فيما بينها إلا أن هناك علاقات جزئية موجودة بين هذه الأشياء أهمها علاقة الدائرية في كل منها.
- الثالث: يرى هذا الاتجاه أن الخصائص المشتركة هي المعنى المتوسط، مثال: الكرمبيط، الطماطم، البصل، الجزر، ليس بينها علاقة تطابق ولا علاقة جزئيّة ولكنها جميعا تشترك في أنّها من الخضروات.
4- خصائص المفهوم أو المدرك العلمي:
للمفاهيم أو المدركات خصائص هذه الخصائص تشمل على ظاهرتين أساسيتين هما: الصفات والقواعد والمقصود بالصفات هي التي تملك المميزات التي توجد في كل مفهوم، أما المقصود بالقواعد فهي تلك الطرق المختلفة التي تَنتظم عليها أو بواسطتها الصفات المميزة لمفهوم أو مدرك ما.
* أما صفات المفهوم فنذكر منها:
- أنها عبارة عن تعميمات تنشأ من خلال تجريد بعض الأحداث الحسيّة وخصائص حاسمة مميزة. فالكتاب على اختلاف أشكاله وتنوع الورق الذي صنع منه واللغة المكتوب بها ومحتواه يدل على صفة معينة نعممها على هذه المدركات الحسية.
- تعتمد المفاهيم في تكوينها على الخبرة السابقة كالخلفية الأسرية والفرص التعليمية التي يمكن أن تمثل متغيرات في تكوين المفاهيم، ويضاف إلى هذا أن هناك جوانب إنفعالية وجوانب إدراكية ترتبط بتكوين المفاهيم والمدركات.
- رمزية لدى أفراد الإنسان، فمفهوم (الحمامة) يمكن أن يرد إلى الذهن من عدة مصادر مثل الطائر أو كحادثة دينية معينة أو كرمز للسلام.
- تنتظم المفاهيم في تنظيمات "أفقية" أو "رأسية" وكمثال للتنظيمات الأفقية، إذا قدمنا للمتعلم أمثلة للطيور الدجاج، البط، النسور، الحمام، الغراب، كلها تنتمي لنفس الفصيلة الكبرى من الحيوانات لأنها جميعا لديها بعض الخصائص المشتركة. ومع ذلك فهي تختلف في بعض الجوانب مما يسمح لنا أن نصنّفها إلى جماعات داخل نفس المستوى من مملكة الطيور (الدواجن، الطيور الجارحة...)
- تتغير المفاهيم والمدركات من البسيط إلى المعقد ومن المحسوس إلى المجرد.
- تؤثر المفاهيم والمدركات على التوافق الشخصي والإجتماعي للفرد.
* أما قواعد المفهوم:
لقد عدد علماء التربية وعلماء النفس خمسة قواعد أساسية تنظم الصفات المميزة لكل مفهوم هي:
أولا: قاعدة الإثبات: وهي من أسهل المفاهيم تعلّما نظرا لتوفر العديد من الأمثلة عليها وتعني هذه القاعدة إثبات صفة مميزة معينة على مثير ما ليكون مثالا على المفهوم. فإذا أردنا تعليم الطالب مفهوم الفعل مثلا فإن كل ما يشتمل على صفة الفعلية يعدّ مثلا موجبا على المفهوم وما عدا ذلك يعد مثالا سالبا عليه. " مسح، كتب- إقرأ- " أمثلة موجبة. أما "كراس- كتاب- ورقة" أمثلة سالبة على المفهوم.
ثانيا: قاعدة الإقتران أو التجميع: أي إشتراط اقتران صفتين مميزتين أو أكثر معا في المثير لكي يكون مثالا موجبا على المفهوم.[68]
ثالثا: قاعدة اللاإقترانية أو التضمين الإنفصالي: تعنى هذه القاعدة تطبيق صفات مميزة منفصلة، أو غير مقترنة بالأشياء أو المثيرات لتشكل أمثلة على المفهوم أي (إمّا/ أو) بمعنى إمّا أن تتوافر الصفة الأولى مثلا أو الصفة الثانية في الشيء أو المثير الذي يكون مثالا على المفهوم. فمثلا الأعداد التي تقبل القسمة على (5) بدون باق يجب أن تبدأ بصفر أو بخمسة، فمفهوم: "قابلية القسمة على 5 بدون باق" يعني أن أيّ عدد يبدأ بصفر أو بخمسة يعتبر مثالا موجبا على هذا المفهوم، فالصفتان في هذا المثال غير مجتمعتان بل منفصلتان تماما. فالأعداد: 10، 15، 20، 25، 30... كلّها تعتبر أمثلة موجبة على هذا المفهوم. بينما الأعداد: 3، 17، 216... كلّها تعتبر أمثلة سالبة على هذا المفهوم.
رابعا: قاعدة الشرط المفرد: وتعني هذه القاعدة وجوب توافر صفة مميزة وتتخذ هذه القاعدة صيغة العبارة (إذ/ إذن) فإذا كان المفهوم المقصود يتضمّن صفتين مميزتين الأولى والثانية فإن هذه القاعدة تشترط: الصيغة التالية "إذا توافرت الصفة الأولى، إذن يجب أن تتوفر الصفة الثانية أمّا إذا توافرت الصفة الثانية فليس بالضرورة أن تتوافر الصفة الأولى". مثل: كل رسول نبي وليس كل نبي رسول يقتضي أن الرسالة تعني النبوّة لكن النبوّة لا تعني الرسالة. ومن الأمثلة الموجبة على المفهوم: موسى- عيسى- محمد عليهم الصلاة والسلام. ومن الأمثلة السالبة على المفهوم: يوسف- زكريا- ذو الكفل عليهم السلام.
خامسا: قاعدة الشرط المزدوج: تنص هذه القاعدة على توفر شرط متبادل بين صفتين مميزتين بحيث إذا توافرت أي منهما توافرت الأخرى حتما لتحديد أمثلة المفهوم، وتأخذ هذه القاعدة الصيغة المركبة الآتية: (إذا/ إذن) و(إذ/ إذن). فإذا كان المفهوم المقصود يتضمن خاصيتين مميزتين مثل الأولى والثانية فإن العبارة تكون كالآتي: إذا توافرت الصفة الأولى، إذن تتوفر الصفة الثانية وإذا توفرت الصفة الثانية تتوفر الصفة الأولى حتما.
5- تعلم المفهوم:
هو نشاط عقلي يتمثل في قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة ويتضمن عمليتين أساسيتين هما: التمييز والتعميم.
فتعلم المفهوم يتضمن أي نشاط يؤدي إلى تصنيف حوادث أو مثيرات متباينة جزئيا في صنف واحد، وذلك يكون وفق قاعدة معرفية أو عقلية يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة.
بعض المفاهيم أسهل تعلما كالتي تمثل أشياء عينية (أشجار، وجوه،...) من الأخرى الأكثر تجريدا كالعدالة والرحمة.
يعتقد بنتون ج. اندروود (Benton J. UNDEROOD) أن تعلم (أو التعرف على) المفاهيم، يتطلب أن يرى الشخص علاقات بين المثيرات. ولكي يرى الفرد مثل هذه العلاقة، يستلزم ذلك أن يوحي كل مثير في مجموعة من المثيرات بنفس الصفة. مثلا إذا رأى طفل مثلثا أزرق اللون ومربعا أزرق اللون فلا بد أن يفكر في صفة "أزرق" بالنسبة لكلا المثيرين. ولكي يفهم الطفل أن مجموعة من الحيوانات هي كلاب لا بد أن يكون قد تعلم أن يطلق عليها الإسم الصحيح أي أن يصدر إستجابة كلب على كل فرد من أفراد هذه المجموعة.[69]
على كل حال تعلّم المفهوم هو قدرة الفرد على إعطاء إستجابة واحدة لمجموعة من المثيرات التي تشترك معا بخصائص متشابهة، فهو نشاط عقلي تصنيفي يتضمن عمليتين أساسيتين هما: التمييز والتعميم، ويتم تعلّم المفهوم وفق قاعدة معرفية أو عقلية يستخدمها الفرد في تحديد صفة معينة أو أكثر. هذا التعلم يتأثر بعوامل متعلقة بالموضوع المدرَك والظروف العامة، وأخرى متعلقة بالشخص المدرِك.
لو نأخذ تطور الحكم الأخلاقي عند الطفل فنجد بياجيه مثلا يفرق بين مستويين في التفكير الأخلاقي للطفل »أولا التفكير الأخلاقي الفعلي، "التجربة الأخلاقية"، التي تتكون تدريجيا في الفعل، مع معايشة الأحداث، بمناسبة الصدامات والخلافات، والتي تؤدي إلى أحكام قيمية تساعد الفرد على توجيه نفسه في كل حالة خاصة، وتقييم أفعال الآخرين إن كان ذلك يهمه بطريقة مباشرة نوعا ما. وهناك من جهة أخرى تفكير أخلاقي نظري أو لفظي، مرتبط بالتفكير الأول بكل أنواع السلاسل... هذا التفكير يظهر عند الطفل كلما استدعي إلى إصدار أحكاما حول أفعال الآخرين والتي لا تهمه مباشرة...« [70]
أ- العوامل المؤثرة في تعلّم المفهوم أو المدرك العلمي:
* أعضاء الحس: إذا كانت أعضاء الحس هي القنوات التي تمر من خلالها الخبرات في طريقها للدماغ، فإن حالتها وكفاءتها تؤثران في تعلّم المفاهيم، فالشخص المصاب في إحدى أعضاء حسه (الرؤية، السمع، اللمس،...) سيتأثر في تعلمه لمختلف المفاهيم: الطفل المصاب مثلا بعمى الألوان يدرك الأشياء بصورة تختلف عن الطفل السليم ويؤدي هذا إلى إختلاف في تكوين وتعلّم المفاهيم لديه لأن الإدراك هو الأساس الذي تبنى عليه المفاهيم.
* الذكاء: يلعب الذكاء دورا مهما في تعلّم المفاهيم.
* فرص التعلّم: بما أن التعلّم هو تراكم للخبرات فان فرص التعليم المختلفة تسهم في تكوين المفاهيم، لذا ينبغي توفير وتنويع هذه الفرص.
* نوع الخبرة: لا يكفي أن تكون لدينا فرصا كثيرة للتعلم بل فنوع الخبرة التي نتعرض لها مهمة.
* الجنس: بما أن الأطفال يتدربون منذ الطفولة المبكرة على التفكير والعمل بالأسلوب الذي يناسب أفراد الجنس (التنميط الجنسي) الذي ينتمون إليه، فإن ذلك ينزع إلى الظهور في المعاني التي يربطونها بمختلف الأشياء والخبرات وتزداد الفروق بين الجنسين كلما تقدّم الأطفال بالعمر، بسبب القيام بالأدوار المناسبة لجنسهم.[71]
ولقد تحدثت نظريات علم النفس عن طرق تعلم الفرد (الأطفال والبالغين) للمفهوم ولعل أشهرها نظرية جون بياجيه- جيروم برونر- فيكوتسكي.
- نظرية بياجيه:
يعترف بياجيه بأن ما يعرفه الإنسان إنما ينجم جزئيا عما يتعلمه من بيئته الإجتماعية والمادية أي من عالم الناس والأشياء، كما يعترف بأن وجود الكائن بصورة سليمة شرط أولي لحصول التعلم ويضيف إلى عوامل التعلم الإجتماعية والمادية والنضوجية عاملا آخر هو عملية الموازنة، وتعني كيف يستطيع الإنسان تنظيم المعلومات المتناثرة في نظام معرفي غير متناقض، وهي لا تنجم مما يراه الإنسان بل إنها تساعد الإنسان على فهم ما يراه. عن طريق هذه القدرة (الموازنة) يستطيع الإنسان تدريجيا الاستدلال ( inférence ) على الكيفية التي ينبغي أن تكون عليها الأشياء في هذا العالم.
عملية الموازنة تبدأ ببعض الإضطراب إذ يشعر الإنسان بأن هناك شيئا ما ليس على ما يرام وعدم كفاية معارفه لحل المشكلات مما يؤدي إلى حالة عدم التوافق، هذه الحالة تدفع الفرد إلى السعي لاستعادة أو تحقيق التوازن، هذه العملية تتم بإحدى الطريقتين:
* التمثيل (Assimilation): يعني به النشاط الذي يقوم به الفرد في الوسط الخارجي بمساعدة ما يملكه من بنيات وخطط والذي يؤدي به إلى إدماج بعض عناصر هذا الوسط في تلك البنيات والخطط، حيث يستخدم الفرد ما يتوفر لديه من معارف بعد إعادة تنظيمها وكشف علاقات جديدة بين عناصرها، فيقوم بتمثل الأشياء الموجودة في البيئة مستخدما الكلمات والرموز إلا أنه قد يحرّف المعلومات التي قد تواجه تعارضا مع وجهة نظره، وهنا تظهر طريقة من طرق التعميم فيوجد الطفل بين موضوعات ليس لها وحدة خاصة تربط عناصرها في الواقع ويفترض أن الظاهرات الطبيعية كالجبال والأنهار من صنع الإنسان مثلا وذلك لخطأ في التمثل أو التعميم ويرجع ذلك إلى أن الأطفال يقيمون هذه العمليات المعرفية على أساس خبرتهم الجديدة أو الذاتية والتي يلعب فيها الخيال والأوهام دورا رئيسا.
* التكيف: ويتم ذلك باستدخال أو اكتساب معارف جديدة تعتبر ضرورية لحل المشكلات المسببة للشعور بعدم التوازن.
يعيد الفرد تنظيم معارفه من وقت إلى آخر بهدف زيادة فاعليتها ويتم ذلك عند التمثيل وعند استدخال معارف جديدة (التكيف)، حيث تنتظم هذه المعارف في مجموعات يربطها عامل مشترك يسمى كل منها مجموعة معرفية (سكيمات) (Schème) هذه المجموعات المعرفية تتغير كما وكيفا مع النمو.
ويميز بياجيه بين نوعين من المعرفة: المعرفة الشكلية وهي تشير إلى معرفة المثيرات بمعناها الحرفي فالطفل الرضيع يرى حلمة زجاجة الإرضاع فيبدأ في المص، معرفة لا تنبع من المحاكمة العقلية. معرفة الإجراء (الفعل) المعرفة التي تنبع من المحاكمة، تلك التي تنطوي على التوصل إلى الإستدلال في أي مستوى من المستويات. والمعرفة الإجرائية تهتم بالكيفية التي تتغير عليها الأشياء من حالتها السابقة إلى حالتها الحالية. أما المعرفة الشكلية فتهتم بالأشياء في حالتها الساكنة في لحظة زمنية معينة.
ووفقا لنظرية بياجيه هناك أربع مراحل رئيسية من مراحل التطور المعرفي عند الأطفال:
- المرحلة الحسية الحركية: (0-2 سنة)
ففي السنتين الأولى والثانية من عمر الطفل يتعلم الأطفال فكرة إستمرارية الأشياء وانتظامها في العالم الفيزيقي، فمن خلال المسك والمص (الرضاعة) والنظر إلى الأشياء ورميها بعيدا ومن خلال تحريك الأشياء هنا وهناك يتعلم الأطفال بناء فهم جيد نوعا ما لحدود الأشياء الصغيرة وإمكاناتها. وعلى سبيل المثال في نهاية السنة الثانية فالشيء الذي يخبأ أمام الطفل بغطاء يمكن الحصول عليه ثانية.
في نهاية المرحلة الحسية- الحركية ينشأ مفهوم دوام الشيء أو البقاء كنتاج للتجربة الإدراكية والعملية للطفل، والمتمثلة في تطور الخطط الحسية- الحركية التي توفر للطفل قدراً من التكيف مع الأوضاع الخارجية المختلفة والمتغيرة.
ومن خلال التنظيم الحسي الحركي يعرف الأطفال أن بعض التغيرات تؤدي إلى بعض الاختلافات.
- المرحلة الحدسية أو مرحلة ما قبل العمليات أو ما قبل المفاهيم: (2-7 سنوات)
لعل أهم ما يميزها، هو ظهور الرمزية بتطور الوظيفة الكلامية التي تمكن الطفل من إقامة علاقات أكثر تقدماً مع الكبار من جهة، ومع أترابه من جهة ثانية، وغنى تصوراته وقدرته على مقارنة الأشياء وتحليل وتركيب بعض خصائصها الفيزيائية والكيميائية واستخدام الرموز في نشاطاته المتنوعة.
هذه المرحلة تقدم إضافات هامة إلى إمكانيات الطفل وقدراته كالكلام والتصورات واستدخال الأفعال الخارجية إلى الفكر باستخدام الكلمة أو الرمز بدل الفعل.
- المرحلة الحسية (العمليات المادية): (7-11 سنة)
مرحلة تحولات عقلية كبيرة من التمركز حول الذات إلى الإندماج الإجتماعي، حيث يبدأ الطفل الذي يستقبل هذه المرحلة بدخوله إلى المدرسة بمشاركة أترابه ألعابهم التمثيلية (الدورية) المعقدة وتنمو لديه بشكل واضح الروح الإجتماعية ويصير أكثر قدرة على فهم الآخرين، وعلى التعبير عن أفكاره وأحاسيسه وعن العلاقات القائمة بين الوقائع والأشياء والحوادث باستخدام أدوات التعليل والربط وظروف الزمان والمكان. كما يستوعب عبر سنوات هذه المرحلة الكثير من المعايير الإجتماعية والقيم الخلقية التي تزوده بإمكانية تقييم أفعاله وأفعال الآخرين.
أهم مكتسبات هذه المرحلة على صعيد النشاط العقلي عند الطفل هو تكوين المفاهيم الأساسية للاحتفاظ ("مفهوم الاحتفاظ بالسوائل والحجم والوزن..."). إذ أن الطفل يظهر خلالها مقدرة على القيام بالعمليات العكسية. كأن يصنف الموضوعات الخارجية، ويقيّم العلاقات فيما بينها ويضعها في مجموعات أو فئات (الحيوانات، النباتات، الأثاث المنزلي...) على أساس ما هو مشترك بينها من صفات، كاللون والشكل والحجم والوظيفة وسواها.
ويقوم بالترتيب التصاعدي (من الأصغر إلى الأكبر) أو التنازلي (من الأكبر إلى الأصغر) دون أخطاء. ويستطيع أن يتوصل من خلال المعطيات: أ < ب، ب < ج، إلى أن أ < ج، وأن يدرك مثلا تعاقب المساواة (علاقة التعدي) على شكل أ=ب، ب=ج، ويصل إلى أن أ=ج. بيد أن جميع هذه العمليات المنطقية التي يجريها الطفل في هذه المرحلة ترتبط في مجاله الإدراكي إرتباطاً مباشراً. وهذا معناه أن تفكير الطفل هنا لم يتحرر بعد من سيطرة الإدراك الحسي المباشر وتبعيته لما يقدمه الإحساس من معطيات حول خصائص الأشياء وعلاقاتها بعضها ببعض.
- المرحلة المنطقية أو مرحلة العمليات الشكلية (المجردة) (11-15سنة)
لعل أبرز ما تتسم به هو قدرة المراهق على وضع الفرضيات وإجراء المحاكمات الإستدلالية والإستنباطية المنطقية، والقدرة على تمثيل المفاهيم المجرّدة كالخير والعدالة والحق والفضيلة، والقوانين العلمية التي تخضع لها حركة الأجسام والظواهر الطبيعية في الزمان والمكان. ويرتقي بمعرفته من المستوى الحسي إلى المستوى المجرد.
إن التقسيم الذي جاء به بياجيه لمراحل النمو وأطواره لا يعني انفصال تلك المراحل أو إستقلالها بعضها عن بعض بقدر ما يعني أنها حلقات في سلسلة، تكمل كل واحدة منها الأخرى أو تنتج عنها وتمهد لظهورها.
في تعلّم المفهوم أو المدرك يشير بياجيه إلى وجود ثلاث مراحل رئيسية عند الطفل: المجموعات الخطيّة التصويرية والمجموعات اللاخطية وأخيرا المفاهيم.
والمجموعات الخطية هي تجمعات تتكون دون الإلتفاف إلى صفات المواد التي بين أيدي المتعلم الطفل، يتم تشكيلها لأسباب فردية وإدراكية للتسلية والمتعة الآنية لأن التجمع الحقيقي للمفاهيم ينبغي أن يكون متعمدا.
وليس هناك خطّ فاصل واضح يمثل الإنتقال من المجاميع الخطّية إلى اللاّخطيّة لأن الأساس الأولي للمجاميع اللاخطيّة يبدو في الواقع متعايشا جنبا إلى جنب مع المجاميع الخطية منذ البداية. إن النقلة من مرحلة إلى أخرى هي مسألة تحول من التجميع حسب أوجه الشبه عن طريق الصدفة إلى القيام بالعملية نفسها عمدا، وللأسف ليس من السهل ملاحظة الفروق.[72]
بياجيه يرى أن الإنتقال من المجاميع الخطية إلى المجاميع اللاخطيّة يحصل عادة في خلال السنة الرابعة من العمر، وتلك هي المرحلة التي يبدأ فيها الطفل أن يظهر مرونة عقلية ملحوظة إذ يبدأ بتجميع المواد حسب صفة واحدة من صفاتها، وتصنيف الأشكال الهندسية في كومات مناسبة.
ويلاحظ أن الفترة الأولى من مرحلة المجاميع الخطيّة ما زالت تتميّز بوجود عدم إنتظام وحالات من الإلتباس، ففي بداية الأمر قد لا يستطيع الطفل تجميع المواد وقد يترك بعضها دون تجميع.
وتختلف المجموعات الخطية عن المفاهيم من حيث الدرجة وليس النّوع، فالفرق يكمن في الواقع في قدرة الطفل على تغيير الأسس متى ما شاء.
فكرة بياجيه عن المفاهيم الحقيقية هي في الواقع، السّمو بالعملية العقلية من المحاولة والخطأ إلى التنظيم العقلي المسبق للنتائج النهائية، فمثلا صفة الإستدارة تصبح سمة تجريدية تتجاوز مظهر المواد على انفراد، فالأشياء تكون مستديرة إذا ما امتلكت تلك الخاصية المجرّدة بغض النظر عن لونها وحجمها.
إن الإنتقال من الأشكال الأكثر بدائية للتجميع عملية طويلة وشاقة بالنسبة للطفل، إلا أن هذا الانتقال التدريجي من الفكر القائم على المدارك إلى الفكر المجرد قد يكون أهمّ عمليّة تطوريّة في مراحل الطفولة، وبما أن المعارف كلّها متدرّجة هرميّة فإنه ينبغي الإهتمام بترسيخ وترصين الخطوات السّابقة.[73]
[1]- صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة-عمان، الطبعة الأولى، 1998. ص.18.19.
[2]- صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعلاه ص. 19
[3] - ينظر صالح محمد علي أبو جادو المصدر أعلاه ص.23.
[4]- ينظر عدنان يوسف العتوم وآخرون، علم النفس التربوي: النظرية و التطبيق، عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، الطبعة الأولى، 2005. ص. 20.19.
[5] - ينظر عدنان يوسف العتوم و آخرون، علم النفس التربوي: النظرية و التطبيق، مصدر أعلاه، ص. 25
[6] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه ص. 28
[7] - عدنان يوسف العتوم وآخرون، علم النفس التربوي: النظرية والتطبيق، ، مصدر أعلاه، ص. 22
[8]- المصدر نفسه، ص. 23
[9] - فاخر عاقل، علم النفس التربوي، بيروت، دار العلم للملايين، ط.9. أيلول (سبتمبر)1982، ص.144
[10]- سامي محمد ملحم، سيكولوجية التعلم والتعليم: الأسس النظرية والتطبيقية، عمان، دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة، ط.2، 2006. ص. 48
[11]- فاخر عاقل، علم النفس التربوي، المصدر أعلاه، ص.144
[12]- المصدر نفسه، ص.145.
[13] - نقلا عن محمد مصطفى زيدان ونبيل السمالوطي، علم النفس التربوي، جدة، المملكة العربية السعودية، دار الشروق للنشر والتوزيع والطباعة، ط.2. 1405 هـ 1975م. ص.47.
[14] - نقلا عن المصدر نفسه، ص.52.
[15] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه ص.130 .131.
[16]- سامي محمد ملحم، سيكولوجية التعلم والتعليم: الأسس النظرية والتطبيقية، ، مصدر أعلاه، ص. 52.
[17]- المصدر نفسه، ص.53.
[18] - أحمد صيداوي، قابلية التعلم، بيروت، معهد الإنماء العربي، ط.1. 1986.ص.18
[19] - سامي محمد ملحم، سيكولوجية التعلم والتعليم: الأسس النظرية والتطبيقية، مصدر أعلاه، ص.54. 55.
[20] - بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، منشورات اتحاد الكتاب العرب دمشق – 2001، ص.225.
[21]- معجم علم النفس و التربية، ج.1 الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1984 ص.19
[22]- مصطفي ناصف، نظريات التعلم، ترجمة: د.علي حسين حجاج مراجعة: د. عطية محمود هنا، عالم المعرفة، سلسلة كتب يصدرها المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أكتوبر 1983، ص.19
[23] - المصدر نفسه، ص.19
[24]- المصدر نفسه ص.20.19
[25]-عبد المجيد كركوتلي، بافلوف أبحاثه في الجهاز العصبي والتعلم والتدريب وظواهر أخرى، مطبعة الهلال، ط.3 1986 ص.43
[26] - المصدر نفسه، ص.45
[27]- ينظر عبد المجيد كركوتلي، بافلوف أبحاثه في الجهاز العصبي والتعلم والتدريب وظواهر أخرى، مطبعة الهلال، ط.3، 1986 ص.51.52.
[28]- صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه ص.148.149
[29]- المصدر نفسه ص.151.
[30]- ينظر عدنان يوسف العتوم وآخرون، علم النفس التربوي: النظرية والتطبيق، مصدر أعلاه، ص. 99.
[31] - بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص.225
[32] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.134
[33] - بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص.228
[34] - المصدر نفسه، ص.228
[35]- بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص.231
[36]- ينظر المصدر نفسه، ص.231.
[37] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.136
[38] - المصدر نفسه. ص.136.137.
[39]- مصطفي ناصف، نظريات التعلم، المصدر أعلاه، ص.32
[40]- صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.138. 139.
[41]- مصطفي ناصف، نظريات التعلم، المصدر أعلاه، ص.133
[42]- المصدر نفسه، ص.133
[43] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.163. 164.
[44]- ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص. 339. 340.
[45]- ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص. 339.
[46]- ينظر المصدر نفسه، ص. 339.
[47]- صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.161.
[48]- ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص.340 .341
[49] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.166.
* الحقيقية أن هذه الظاهرة كان قد كشف عنها عالم الفيزيولوجيا البلجيكي بلاتو في بداية القرن التاسع عشر. إذ توصل إلى أن عرض الصور الساكنة بواسطة جهاز خاص جهاز stroboscope (قياس سرعة التردد) يحدد تعاقبها ويتحكم بسرعة عرضها يحمل المشاهد إلى رؤيتها كأشياء متحركة.
[50]- مصطفي ناصف، نظريات التعلم، المصدر أعلاه، ص.203 .204.
[51] - صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.169.
[52] - مصطفي ناصف، نظريات التعلم، المصدر أعلاه، ص.200.
[53] - ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص.209.
[54]- ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص. 211 .212 .213.
[55] - مصطفي ناصف، نظريات التعلم المصدر أعلاه، ص.203.
[56]- ينظر- محمد مصطفى زيدان و نبيل السمالوطي، علم النفس التربوي، المصدر أعلاه، ص.123 124.
- صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص.175. 176.
[57]- ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص. 220.
[58]- ينظر بدر الدين عامود، علم النفس في القرن العشرين (ج.1)، المصدر أعلاه، ص. 346.
[59]- مصطفي ناصف، نظريات التعلم المصدر أعلاه، ص.133.
[60]- المصدر نفسه، ص.133.
[61]- ينظر صالح محمد علي أبو جادو، علم النفس التربوي، مصدر أعلاه. ص180. 181.
[62] - ينظر مصطفى زيدان، نظريات التعلم وتطبيقاتها التربوية، الديوان الوطني للمطبوعات الجامعية، الجزائر، 1983م، ص.268-269.
[63] - ثناء يوسف الضبع، تعلم المفاهيم اللغوية والدينية لدى الأطفال، ط1، دار النهضة العربية، القاهرة، 2001م، ص.72
[64] - المصدر نفسه، ص.69
[65] - معجم علم النفس والتربية، ج.1 الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، 1984 ص.31
[66] - مجدي عزيز ابراهيم، تعليم وتعلّم المفاهيم الرياضية للطفل، مكتبة الانجلو المصرية، القاهرة 2001م ص. 41.
[67]- ينظر زكريا الشربيني ويسرية صادق، نمو المفاهيم العلمية للطفل، القاهرة- مصر، دار الفكر العربي، ط1. 2000 م، ص.56-57-58.
[68] - أنور عقل، نحو تقويم أفضل، ، بيروت- لبنان، دار النهضة العربية، ط1. 2001 م، ص 318 .321.320.
[69] - ينظر سارنوف أ.مدنيك وآخرون، ترجمة محمد عماد الدين إسماعيل، التعلم، دار الشروق، ط.3 1409هـ 1989م ص.133
[70]- Jean PIAGET, Le jugement moral chez l’enfant, PUF, 1969, P. 136.
[71] - زكريا الشرنيني و يسرية صادق، نمو المفاهيم العلمية للأطفال، المصدر أعلاه، ص.77.
[72] - ينظر ثناء يوسف الضبع، تعلم المفاهيم اللغوية والدينية لدى الأطفال، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2001م، ص.77.
[73] - ينظر ثناء يوسف الضبع، تعلم المفاهيم اللغوية و الدينية لدى الأطفال، دار النهضة العربية، القاهرة، ط1، 2001م، ص.79.