علم إدارة الأزمات والكوارث

علم إدارة الأزمات والكوارث

Science of crisis and disaster management

إدارة الأزمات


المقدمة
الفصل الأول: المفاهيم العامة، والأسس النظرية لإدارة الأزمات
المبحث الأول: مفهوم إدارة الأزمات
المبحث الثاني: أنواع الأزمات، والمنهج العلمي لِسَبْرها
الفصل الثاني: أُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه، وإستراتيجيات مواجهتها
المبحث الثالث: أُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه
المبحث الرابع: إستراتيجيات مواجهة الأزمات
الفصل الثالث: تكوين فريق إدارة الأزمات وإعداده، ومراحل عمله
المبحث الخامس: تكوين فريق إدارة الأزمات
المبحث السادس: مراحل إدارة الأزمات، وإجراءات الوقاية منها
الفصل الرابع: تطبيقات إدارة الأزمات
المبحث السابع: تطبيقات إدارة الأزمات الدولية، في ظل القطبية الثنائية
المبحث الثامن: تطبيقات إدارة الأزمات المحلية
المصطلحات الفنية
**********
الفصل الأول

المفاهيم العامة، والأسس النظرية لإدارة الأزمات

…على الرغم من أن الأزمة هي وليدة مجتمعها؛ إلاّ أنها تؤثر فيه تأثيراً مباشراً، وتتفاعل مع معطياته وظروفه. والتفاعل المتبادل بين الأزمة والمجتمع، يحكمه، في الأساس، الفكر السائد في المجتمع؛ فكلما كان ذلك الفكر متقدماً، ازدادت قدرة المجتمع على تجاوز أزماته. وازدياد شدة الأزمة واستفحالها، لن يكونا سبباً كافياً لتدمير المجتمعات وانهيارها، وخاصة تلك والراغبة في مواجهتها. ولن يتحقق ذلك، إلاّ من خلال إدارة، تسيطر على ِقيم المجتمع ومُثُله العليا، وتكون قادرة على تنظيم مسيرته، وتعمل على تقوية دعائمه وروابطه؛ فضلاً عن المشاركة الفعالة، من أبناء المجتمع، في مواجهة ومقاومة التصدعات، التي تنعكس على قدراته، وتؤثر في إمكانياته.

…وإذا كان التأثير المتبادل، بين الأزمة والمجتمع، يتأطَّد بعلاقات متناقضة، ويتأتّى من المصالح المتعارضة للقوى، التي أوجدتها، تلك المضادة لها؛ إلاّ أن الأزمة ليست إلا مؤشر واضح، يؤكد خللاً ما، قد اعترى المجتمع، ويلزم مواجهته بالأساليب العلمية، حتى يمكن إعادته إلى توازنه الطبيعي.

وسواء حاقت الأزمات بشخص، أو مجتمع، أو دول؛ فإنها أصبحت جزءاً أساسياً من نسيج الحياة، وحقيقة من حقائقها، ومرحلة متقدمة من مراحل الصراع، ومظهراً من مظاهره، على أي نطاق أو مستوى؛ بدءاً من الصراع النفسي، والصراع بين الأشخاص، والصراع داخل المجتمع، بمستوياته المختلفة، والذي يشمل الأسْرة والقبيلة والعشيرة، حتى مستوى الدولة نفسها؛ وانتهاء إلى الصراع بين الدول المختلفة. وتتعدد أوجه الصراع وأشكاله، ففي العصور القديمة، كان الصراع بسبب الموارد المحدودة، أو الفرص المعنوية المفقودة، حيث بدأت الصراعات، بين الأشخاص والقبائل البدائية، على المياه والمراعي. وتطورت الأسباب، لتصبح احتلال أراضي الغير. ومنذ القرن السادس عشر، بدأ شكل جديد للصراع على الموارد الاقتصادية، وتوسيع التجارة؛ ما أدى تعارض المصالح. وأسفر الصراع على الأسواق، ومصادر الموارد الأولية، عن الظاهرة الاستعمارية، التي أثارت، في الوقت نفسه، صراعاً، فكرياً وأيديولوجياً بين النظُم الرأسمالية والاشتراكية؛ وتحوَّل، في إحدى مراحله، إلى صراعات مسلحة مديدة.
المبحث الأول

مفهوم إدارة الأزمات

…تتعدد أسباب الأزمات بتعدد الصراعات وتنوّعها. فقد تكون لعوامل، اقتصادية واجتماعية، ناجمة عن ازدياد الفوارق الاجتماعية بين طبقات المجتمع. وتكون عواملها سياسية، قوامها التفاخر، القومي والديني، في المجتمعات ذات الأعراق والديانات المختلفة، أو الصراعات، الحزبية والثقافية، وعدم المشاركة السياسية. كذلك، قد يكون سبب الصراع، في مجتمع ما، هو تباين قِيَمه ومبادئه، والذي يؤول إلى تنافر أيديولوجي، بين الطوائف الاجتماعية المتباينة، أو بين نظام الحكم والشعب. وبذلك، تتضح معالم الصراع الداخلي، وتأخذ شكلاً من أشكال المقاومة، حينما تفتقد تسويته الآليات الملائمة، والفاعلة؛ فضلاً عن القدرة على تحقيق التوازن الاجتماعي في الدولة؛ ما يُفْقِد الحكم شرعيته، ويُشعِر أبناء المجتمع بالتمزق، وفقدان الهوية، والاغتراب. وبذلك، تكون الأزمة مرحلة من مراحل الصراع، الذي تتسم به عمليات التفاعل الناشط، أينما وجدت الحياة، وفي أيّ صورة من صورها المختلفة.

تطوُّر مفهوم إدارة الأزمات

…يصعب تحديد مفهوم دقيق وشامل للأزمة، وخاصة بعد اتساع نطاق استعماله، وانطباقه على مختلف صور العلاقات الإنسانية، وفي مجالات التعامل كافة. إلا أن تطوره التاريخي، قد ظهر في الطب الإغريقي القديم، تعبيراً عن نقطة تحُّول مصيرية في تطور المرض، يرتهن بها شفاء المريض، خلال فترة زمنية محددة، أو موته ومن ثَم، تكون مؤشرات المرض، أو دلائل الأزمة، هي الأعراض، التي تظهر على المريض، والناجمة عن الصراع، بين الميكروبات والجراثيم ومقاومة الجسم لها؛ وليس عن الأزمة المرضية، التي ألمت به. وبعد أن شاع اصطلاح الأزمة، في المعاجم والكتب الطبية، بدأ استخدامه، مع بداية القرن التاسع عشر، في التعبير عن ظهور المشاكل، التي تواجهها الدول، إشارة إلى نقاط التحول الحاسمة، في تطور العلاقات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

…في عام 1937، عُرِّفت الأزمة بأنها خلل فادح، وفاجئ، في العلاقة بين العرض والطلب، في السلع والخدمات ورؤوس الأموال. ومنذ ذلك التاريخ، بدأ التوسع في استخدام مصطلح الأزمة، في إطار علم النفس، عند الحديث عن أزمة الهوية. وكذلك، استخدمه الديموجرافيون، عند حديثهم عن أزمة الانفجار السكاني. وأسفر استخدامه عن تداخل، بين مفهوم الأزمة والمفاهيم المختلفة، ذات الارتباط الحيوي، والوثيق به.

مفهوم الأزمة، في العلوم الاجتماعية

…تعني الأزمة، في اللغة العربية: الشدة والقحط. وأَزَمَ عن الشيء: أمسك عنه. وأَزَمَ على الشيء أزْماً: عض بالفم كلِّه عضاً شديداً. وتأزم: أصابته أزمة. وفي اللغة الإنجليزية، تعريف الأزمة؛ فيعرّفها قاموس وبستر Crisis بأنها نقطة تحوُّل إلى الأحسن أو إلى الأسوأ، في مرض خطير، أو خلل في الوظائف، أو تغيير جذري في حالة الإنسان، وفي أوضاع غير مستقرة. وعرَّفها قاموس أمريكان هيرتيج بأنها وقت أو قرار حاسم، أو حالة غير مستقرة، تشمل تغييراً حاسماً، متوقعاً؛ كما في الشؤون السياسية. أمّا قاموس أكسفورد، فعرَّفها بأنها نقطة تحوُّل، أو لحظة حاسمة في مجرى حياة الإنسان، كالأزمة المالية أو السياسية. وكذلك عَرَّف قاموس جامعة أكسفورد الأزمة، بأنها نقطة تحوُّل في تطوُّر المرض، أو تطوُّر الحياة، أو تطوُّر التاريخ. ونقطة التحوُّل هذه، هي وقت، يتسم بالصعوبة والخطر والقلق من المستقبل؛ ووجوب اتخاذ قرار محدَّد، وحاسم، في فترة زمنية محددة. وجذور الكلمة، في الإغريقية، هي Krisis؛ وتعني: قرار Decision.

علم الإدارة، ومفهوم الأزمة

…اهتم علم الإدارة بتحديد مفهوم الأزمة، في علاقته بالجوانب كافة، الخاصة بالإدارة وشروط النجاح. ولذلك، تنوعت الدراسات في مجال إدارة الأزمات، وتعدد اهتماماتها؛ فمنها ما تناول إدارة الأزمات بعامة؛ وثمة ما تناول موضوعات التخطيط والاستعداد لمواجهتها؛ ودراسات اهتمت بعملية اتخاذ القرارات، أثناءها؛ وأخرى تخصصت بأسلوب توفير المعلومات، وعملية الاتصالات، إبّان الأزمة. ومن ثم، تعددت مفاهيمها، وتركز بعضها في موقف الأزمة، أو نتائجها، الإيجابية أو السلبية؛ وفي هذا الإطار، كان الاهتمام بالإجراءات الوقائية، أو الاستجابة المطلوبة. وتحدد مفهوم الأزمة، من وجهة نظر علم الإدارة، بأنه حالة أو موقف، يتسم بالتهديد الشديد للمصالح والأهداف الجوهرية؛ وكذلك، يتسم بضغط الوقت، أو الضغط الزمني. ولذلك، فإن الوقت المتاح لمتخذ القرار، قبل وقوع الأضرار المحتملة وتفاقمها، يكون محدوداً جداً، ويتأثر، أساساً، بخصائصه وسماته، ومستوى الضغط الذي يشعر به.

علم الاجتماع، ودراسة الأزمة

…اهتم علم الاجتماع بدراسة الأزمات، التي يتعرض لها البناء الاجتماعي، وتأثيرها في العلاقات الاجتماعية السائدة، وانعكاسها على الجماعات المختلفة. وتركز أبرز مساهماته في تحديد ردود الفعل الاجتماعية، والسلوك الاجتماعي ودراستها أثناء مواجهة الأزمات؛ وتمثَّل ذلك في ظهور علم سوسيولوجيا الأزمات. وأَوْلى علم الاجتماع اهتمامه الانحراف، أو الخروج عن المألوف، في العلاقات والنظُم الاجتماعية، والذي تسببه الأزمات، التي قد تكون سبباً أساسياً لتدمير العلاقات المستقرة، والضرورية للإنسان. وحديثاً، بدأ يركز في المخاطرة وارتباطها بالأزمة؛ إذ إنها تلفت الانتباه إلى ما يحْدِق بالمجتمعات من أخطار، تمثِّل، على سلبيتها مبدأً محركاً للمجتمع، الذي أحدث قطيعة مع التراث والطبيعة.

علم النفس، ودراسة الأزمة

…حرص علم النفس على دراسة الآثار النفسية للأزمة، والتي قد تتخذ أشكالاً متنوعة، كالارتباك والصدمة والقلق والتوتر وعدم التوازن. وغالباً ما تسبب الأزمة ارتباكاً كبيراً للناس، في حياتهم وأساليب تكيفهم مع الضغوط؛ وعادة ما تثير مشاعر الخوف والصدمة. وتستند نظرية الأزمة، في إطار علم النفس، إلى عدة فرضيات، تتمثل في الآتي:

1. من الشائع، أن يمر الناس بحالة من عدم الاتزان، ومن تفكك النظام الاجتماعي، مع وجود عوائق ضاغطة، في غضون وقائع الأزمة.

2. يُعَدّ الضغط الموقفي الحادّ خبرة حياة عادية، وليست جسيمة؛ يمكنها أن تطاول، في الغالب، كثيرين، وفي وقت واحد من حياتهم.

3. أولئك الذين يمرون باضطرابات داخلية، يثابرون على استعادة اتِّزانهم.

4. أثناء الصراع، لاستعادة الاتزان الداخلي، يكون الإنسان في حالة حادّة، محدودة الزمن، من الضعف النفسي.

5. أثناء هذه الحالة من الضعف النفسي، فإن عامة الناس يكونون قابلين للتدخل النفسي.

6. يمكن أن تتسم الاستجابة الداخلية للناس بمراحل عامة، لرد الفعل لأزمة، والذي يمكن أن يمروا به كلّهم؛ بغض النظر عن طبيعة الحدث الواقع.

7. يمكن الأزمات أن تنمو وتتطور، كما يمكنها أن تنتج سلبيات.

…الأزمة، إذاً، من وجهة نظر علم النفس، ارتباك في العلاقات المستقرة، المطلوبة للإنسان. وهى تظهر عندما تكون تلك العلاقة مهمة له، وعندما يدرك الناس تحطم العلاقات أو تدهورها.

الأزمات وعلاقتها التبادلية

…على الرغم من أن الأزمات، قد بدأت مع بداية الخليقة؛ إلاّ أن إدارة الأزمات، لم تتبلور عِلماً، مفاهيمه وأصوله، إلاّ في النصف الثاني من القرن العشرين. ومرت دراسة الأزمات بمرحلتَين. انتهت أولاهما بعد الحرب العالمية الثانية، وتركزت دراساتها في السرد التاريخي للأحداث، واستخلاص دروسها المستفادة. أمّا المرحلة الثانية، فقد بدأت في ستينيات القرن العشرين، وتطورت فيها الدراسات، حتى شملت المناهج، وأدوات التحليل العلمي، والاقتراب التدريجي، والانتماء إلى العلوم السياسية؛ إذ ارتبط مفهوم الأزمة بالعديد من المفاهيم الأخرى، التي تتضح في الآتي:

1. المشكلة Problem

… هي حالة من التوتر وعدم الرضا، الناجمين عن بعض الصعوبات، التي تعوق تحقيق الأهداف. وتتضح معالم المشكلة في حالة عدم تحقيق النتائج المطلوبة؛ ولذلك، تكون هي السبب الأساسي لحدوث حالة غير مرغوب فيها؛ بل تصبح تمهيداً لأزمة، إذا اتخذت مساراً معقداً، يصعب من خلاله توقُّع النتائج بدقة.

2. الكارثة Disaster

… هي حالة، سببت العديد من الخسائر في الموارد، البشرية والمادية. وتتعدد أسباب الكوارث، فتكون طبيعية، مثل: الزلازل والبراكين والحرائق الطبيعية؛ أو تكون بشرية، مثل الصراعات الإدارية، أو تعدد المشكلات وتراكمها في كيان تنظيمي؛ وقد تكون صناعية ناتجة من استخدام معدات تكنولوجية، وأجهزة صناعية متخلفة.

…تتداخل المشكلة والكارثة والأزمة، إذا استعصى حل الأُولى، فتتحول إلى كارثة، تكون الأزمة إحدى نتائجها. ولئن كانت الأولى، تتحمل كثيراً من المرونة في التعامل معها؛ فإن الثانية، لا مرانة فيها، بل تتطلب الحسم السريع. وللكارثة، على آثارها السلبية العديدة، جوانبها الإيجابية؛ إذ إنها تعبئ المشاعر القومية، وتحفز أبناء المجتمع إلى التعاون، للتغلب على نتائجها؛ بل إنها قد توحِّدهم، على تضارُب مصالحهم، وتعارُض ميولهم. أمّا الأزمة، فتثير الشكوك، وتبيد الثقة في المجتمع.

المصطلحات المرتبطة بمفهوم الأزمة

1. الحادث Accident

هو أمر فجائي، ينقضي أثره فور وقوعه؛ فلا يتسم بالاستمرارية، ولا بالامتداد. وإذا نجمت عنه أزمة، فإنها لا تمثّله، في الحقيقة؛ وإنما هي إحدى نتائجه؛ وقد تمتد فترة، بعد نشوئها والتعامل معها.

2. الصدمة Shock

هي الشعور المفاجئ الحادّ، الناتج من حادث غير متوقَّع؛ وهو يجمع بين الغضب والذهول والخوف. ومن ثم، تكون الصدمة هي أحد عوارض الأزمات، وإحدى نتائجها؛ ولذلك، فهي لا تمثّل إلا إطاراً خارجياً عاماً، يغلف أسباب الأزمة. ويتطلب التعامل معها استيعاب تأثيرها، في أقلّ وقت ممكن؛ حتى يمكن الوصول إلى جوهر ما نجم عنها؛ ما يخالف التعامل مع الأزمة، والذي يتركز في مواجهة جوهرها.

3. الصراع Conflict

يقترب مفهوم الصراع من مفهوم الأزمة، التي تجسد تصارع إرادتَين، وتضادّ مصالحهما. إلا أن تأثيره، ربما لا يبلغ مستوى تأثيرها، الذي قد يصل إلى درجة التدمير. كما أن الصراع، يمكن تحديد أبعاده واتجاهاته وأطرافه وأهدافه، التي يستحيل تحديدها في الأزمة. وتتصف العلاقة الصراعية، دائماً، بالاستمرارية؛ وهو ما يختلف عن الأزمة، التي تنتهي بعد تحقيق نتائجها السلبية، أو التمكن من مواجهتها.

4. الخلاف Dispute

وهو يمثّل التعارُض والتضادّ، وعدم التطابق، سواء في الشكل، أو في الظروف والمضمون. وهو قد يكون أحد مظاهر الأزمة، أو وجهاً من وجوه التعبير عنها أو باعثاً على نشوئها واستمرارها؛ ولكنه لا يعبّر عنها تماماً.

التطور التاريخي لعلم إدارة الأزمات

انبثقت إدارة الأزمات، منذ القدم، من خلال الممارسة العملية؛ فكانت مظهراً من مظاهر تعامل الإنسان مع المواقف الحرجة، التي يواجهها، في إطار مسميات، أي مثل: الحنكة، والخبرة الدبلوماسية، و كفاءة القيادة. وكانت هذه الممارسات، هي الاختبار الحقيقي لقدرته على مواجهة الأزمات، وتعامله مع المواقف الصعبة، التي تتمخّض بتفجّر طاقاته الإبداعية. ولقد اهتدت الجماعات الإنسانية في وقت مبكر من تاريخها، إلى أسلوب آخر، غير الصراع والتنافس؛ يمكنها من المحافظة على بقائها واستمرارها وتطورها. وإذا كان مبدأ البقاء للأقوى، قد ساد المراحل الأولى لنشأة الإنسانية، وأودى ببعض الجماعات، المتصارعة على المراعي ومصادر المياه؛ فإن الإنسان، قد تبيَّن أن التعاون، واقتسام الموارد المتاحة، هما أفضل من الصراع، الذي يعرض الإنسانية لخطر الفناء.

ولقد نشأ اصطلاح إدارة الأزمات، في الأصل، من خلال علم الإدارة العامة؛ وذلك للإشارة إلى دور الدولة في مواجهة الكوارث المفاجئة، والظروف الطارئة، مثل: الزلازل والفيضانات والأوبئة والحرائق، والصراعات المسلحة، والحروب الشاملة. وما لبث أن نما، بصفته علماً، ولاسيما في مجال العلاقات الدولية؛ للإشارة إلى أسلوب إدارة السياسة الخارجية، في مواجهة المواقف الدولية المتوترة. وسرعان ما ازدهر في إطار علم الإدارة، بكونه أسلوباً جديداً، تبنته الأجهزة الحكومية، والمنظمات العامة؛ لإنجاز مهام عاجلة، وضرورية، أو لحل المواقف الطارئة. ومن خلال تحقيق تلك المهام، ظهرت إدارة المشروعات، أو فكرة غرفة العمليات، الرامية إلى إدارة المشاكل الحادّة، المتفجرة؛ فهي، إذاً، إدارة أزمات، وتمثِّل أحد فروع أو آليات الإدارة، مثل: الإدارة بالأهداف، أو الإدارة العلمية. وبتبلور أسلوب إدارة الأزمات، بدأت تتضح إمكانية تحويله إلى نمط متكامل، ذي وحدة وظيفية متكاملة؛ لمعالجة مواقف محددة، تتمثّل في الأزمات والمشاكل الصعبة؛ ليصبح، بذلك، نمطاً إدارياً محدد الخصائص، له آلياته الخاصة، لمواجهة تلك المتعددة، والمتتالية، والمتزامنة منها.

لقد كان هناك اهتمام بالغ، من جانب المتخصصين، وعلماء الإدارة العامة، في العصر الحالي، الذي يتسم بظاهرة المؤسسات؛ إذ تُبنَى السياسات العامة للنظُم السياسية المعاصرة، على الحفاظ على استمرارية سيادة الدولة، وضمان هويتها وأمنها القومي. كما يوجد دور أساسي للسياسات التنموية، في التخطيط والتطوير الإداري؛ لتأصيل سبُل النمو والرفاهية. ويكمل ذلك الدور السياسات العامة، المتعلقة بالتوجهات المستقبلية، واستقراء الأزمات المحتملة؛ إضافة إلى استنتاج التحديات، التي قد تفرضها الأزمة، سواء كانت تحديات سياسية أو إدارية.
طبيعة الأزمة الدولية وتطوُّرها التاريخي

1. مفهوم الأزمة الدولية

…الأزمة الدولية، هي ظاهرة سياسية، عرفتها العلاقات بين المجتمعات، قبل أن تأخذ شكل الدول. ومن ثم، فهي تعني الحالة، التي تتسم بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة، تنذر بالانفجار في العلاقات الطبيعية بين الدول. وتشكل طوراً متقدماً من أطوار الصراع الدولي، الذي يبدأ بالمجادلات بين الأطراف، ويطّرد ليصل إلى درجة الصراع المسلح. فهي، إذاً، الطور الذي يسبق المواجهة العسكرية مباشرة. ويستمد مفهوم الأزمة الدولية معاييره العملية، من خلال أهمية التحديد الدقيق للحدود، الفاصلة بين المرحلة التي يمكن الدولة فيها، أن تسعى إلى وقف تدهور الموقف؛ والمرحلة التي يصعب فيها تدارك ازدياد حدّة الأزمة وتطُّورها إلى صراع مسلح. وكلاتا المرحلتَين آلياتها وتقنياتها.

…على الرغم من تعدُّد الاجتهادات في تحديد تعريف شامل، ودقيق، للأزمة الدولية، إلا أن تعريف مجمع سلوك الأزمة الدولية International Crisis Behavior ICB، وكان هو الأدق؛ إذ عرَّفها بموقف ناجم عن تغيير في البيئة، الخارجية أو الداخلية للقرار السياسي؛ يتسم بخصائص رئيسية، في تصور السلطة السياسية العليا، ويتمثّل في تهديد ِقيم المجتمع الأساسية، يواكبه أو يعقبه ترجيح المواجهة العسكرية، مع الإدراك الكامل، بأنه يوجد توقيت محدد للرد على ذلك التهديد.

2. تطُّور طبيعة الأزمة الدولية

إن التعامل مع الأزمات الدولية، هو مجال بحث علمي حديث؛ فلم يكن هناك اهتمام به، إلا في عقب أزمة الصواريخ الكوبية، عام 1962. إلاّ أن دراسة تطوُّرها وتحليله يكشفان عن اختلاف في خصائصها وسماتها، في خلال المراحل الزمنية المتعاقبة، ينبثق من اختلاف مفاهيم الشرعية والأمن والقوة والردع، عبر التاريخ. فمنذ مؤتمر فيينا (1814 - 1815) حتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، عام 1914، بُذلت محاولات لوضع ترتيبات أمنية إقليمية، استهدفت تحقيق توازن للقوى، وفّر لأوروبا أطول فترة سلام في تاريخها، عُرفت بقرن السلام الأوروبي؛ إذ لم يكن فيها صراعات مسلحة، إلاّ حرب القرم (1854 - 1856)، والحرب الفرنسية ـ البروسية (1870 - 1871). وفي نهاية هذه الحقبة من التاريخ، بدأت تتضح تداعيات أزمة الحرب العالمية الأولى، في إطار تنامي مطالبة القوميات الأوروبية المختلفة بالاستقلال، وتكوين تحالفات جديدة، تهدف إلى إعادة توازن القوى في أوروبا؛ حتى كان مصرع وليّ عهد النمسا، في مدينة سراييفو، ليكون سبباً لانهيار النظام الدولي، الذي كان قائماً قبل اندلاع تلك الحرب.

…حفزت الخسائر، البشرية والمادية، الناجمة عن الحرب العالمية الأولى، إلى البحث عن أسباب الصراع. واستُنتج أن سياسة القوة، هي السبب الرئيسي للصراعات المسلحة. ومن ثم، ظهرت النظرية النفعية، التي صِيغَت في إطار المفاهيم الليبرالية، وأقرت بوجود صراع دائم، وتعارض مصالح بين الدول. إلا أن المصلحة الكبرى لجميع الدول، هي تجنّب الصراع المسلح. وفي إطار هذا المفهوم، جسدت عصبة الأمم مبادئها، الرامية إلى تجنيب العالم صدامات أخرى. وعلى الرغم من ذلك، فقد عاد تنامي الأزمات إلى الظهور، مع جموح طموحات هتلر القومية، التي لم تكتفِ بجمع أشلاء قومية ممزقة بين عدة دول؛ بل تجاوزته إلى إحياء الدور المفترض لهذه القومية، من تأكيد سموّها، وتحقيق سيادتها على كافة الأجناس؛ تحقيقاً لشعار "ألمانيا فوق الجميع". وكان بدء هتلر بتحقيق أهدافه، بغزوه بولندا، في سبتمبر 1939، وإعلان بريطانيا الحرب عليه ـ إيذاناً باندلاع الحرب العالمية الثانية، وانهيار فكر المثالية السياسية.

…في حقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية، اختفت ظاهرة تنامي الأزمات، بسبب وجود الرادع النووي. ولذلك، تميزت طبيعة الأزمات السياسية، في تلك الحقبة، بأنها محسوبة التصعيد والإدارة. بيد أن ذلك لم يحُل دون الحرب الباردة، التي تخللتها مواقف التصعيد والتهديد العسكري؛ إلاّ أن الرادع النووي، دفع بالقوّتَين العظميَين إلى اتفاق ضمني، تتفاديان به التدمير المتبادل. ولذلك، لم تبلغ أيّ أزمة بينهما حدّ الصراع المسلح؛ بل تجنبتا أيّ مواجهة مباشرة، ولو محدودة. والضوابط، التي فرضتاها على أصدقائهما وحلفائهما، وسمت الحرب الباردة بسِمة الخصومة العاقلة، وتجنُّب أيّ مواجهة نووية. فالعلاقة وثيقة، إذاً، بين الإدارة الناجحة للأزمات القطبية والخصومة العاقلة؛ إذ إنها بددت عوامل انفجار الأزمة القطبية،.فزادت من احتمالات إدارة الأزمات اللاحقة، والمرتبطة بها.

…على أثر سقوط الشيوعية، وتفكُّك المعسكر الشرقي وانهياره، في نهايات القرن العشرين، توقعت المثالية السياسية، أن يزول خطر المواجهة ويحل السلام. إلا أن هذا التصور المفرط في التفاؤل، قد تلاشى مع انتهاء نظام القطبية الثنائية. وانهار الانضباط الدولي، الذي كان يواكبها، وتهاوت الضوابط التي أرساها؛ ومن ثم، تفككت القيود، التي كانت مفروضة على تصعيد الصراع. فانتفت العوامل المحفزة إلى احتواء الأزمات الدولية، والحدّ من التطلعات الإقليمية المتعددة. وبدأت عمليات تسوية الحسابات التاريخية بين الدول، والخلافات الدينية والعرقية، من خلال الصراع المسلح؛ لكونه أقصر الطرق وأسرعها في تحقيق الأهداف. كذلك، بدأت الصراعات الداخلية، في العديد من الدول، التي دخلت دائرة العنف والعنف المضاد. وبذلك، يكون النظام العالمي الجديد، قد دخل إلى مرحلة أخرى، من زيادة حدّة الأزمات، المحلية والدولية، التي سيعانيها فترات طويلة مقبلة.

مفهوم الإدارة بالأزمات ـ علم صناعة الأزمة

…إذا كانت إدارة الأزمة، تعني كيفية التغلب عليها، بالأدوات العلمية الإدارية المختلفة، وتجنُّب سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها؛ فإن قوام الإدارة بالأزمات، هو افتعالها، واتخاذها قناعاً، لتغطية مشاكل الكيان الإداري، وإخفائها؛ فهي تفقد الاهتمام بها، إزاء نظيراتها المختلقة، والأشد تأثيراً. ولذلك، يطلق على الإدارة بالأزمات علم صناعة الأزمة للتحكم والسيطرة على الآخرين. ولا تحقق الأزمة المفتعلة أهدافها، إلا إذا استوفت مواصفات، أهمها: الإعداد المبكر لها، وتهيئة مسرح التنفيذ، والتوزيع الدقيق للأدوار على منفذيها، وتحديد التوقيت الملائم للتنفيذ، وإيجاد مبرراته وذرائعه. وللأزمة المدبَّرة إيقاعها السريع، المتلاحق، الذي يتسم بتراكم الإفرازات والنتائج، وكلُّ منها تعمل على تحقيق الهدف المراد تحقيقه. وإذا لم يتحقق، فلن يخف التأثير المصاحب لإفرازات الأزمة؛ ولن تهدأ قوى صنع الأزمة، أو لن تتراجع حتى يتحقق ذلك الهدف، الذي يتمثل في الآتي:

1. إخفاء المشاكل الرئيسية الموجودة بالفعل؛ إذ إن الأزمة المفتعلة، تصرف التفكير عنها.

2. السعي إلى السيطرة والهيمنة على بعض المواقع، أو المناطق؛ تحت دعوى الحماية، أو الخوف من اعتداءات أطراف أخرى.

3. السعي إلى إجبار الأشخاص، أو الجماعات، أو الكيانات، على اتخاذ مواقف دفاعية، بدلاً من مواقفها الهجومية، التي كانت تتخذها من قبل.

4. الخروج من أزمات مزمنة، يعانيها المجتمع.

5. منع الأطراف الأخرى من استمرار تحقيق نجاحاتها.

…على الرغم من أن الإدارة بالأزمة، ليست عملية إستراتيجية؛ وإنما عملية هامشية، تنتهي بسرعة، وتحتاج إلى إعلانها السريع؛ فإن كثرة اتِّباعها، أصيب الكيان بالضعف، وسيطرة القائد على الأمور سيطرة مستبدة؛ فضلاً عن أن ثورة الاتصالات والمعلومات، وازدياد الوعي، أفقدا هذا الأسلوب تأثيره؛ فبات استخدامه يحقق، لا النتائج المطلوبة منه، إلا في الكيانات، التي يسيطر فيها القائد سيطرة كاملة على المجتمع.

أسباب نشوء الأزمات

…الأزمة ما هي إلا فشل لمتخذي القرار، إما بسبب خلل إداري، أو خبرة محدودة، أو عدم المعرفة؛ وقد تكون بسبب تضافر هذه العوامل كلها، أو بعضها. ولذلك، فإن تكرار الأزمات وتعددها، يتطلبان تحديد أسباب نشوئها، وخاصة أن لها مقدمات، تدل عليها، وظواهر متعددة، ترافقها بداية من مرحلة نشوئها وحتى احتوائها وإيجاد حلولها الملائمة. ولمراحل الأزمة المختلفة تداعياتها، التي تُعَدّ مقدمة لأحداث ومتغيرات عديدة، تطرأ على الحاضر، وتطاول المستقبل، وتنتهي نتائجها إلى تغيير الموقف عمّا كان عليه قبل نشوء الأزمة. وتتعدد أسباب الأزمات (الشكل الرقم 2)، فتكون داخلية أو خارجية، أوتعارُض الأهداف والمصالح؛ وتتمثل في الآتي:

1. سوء الفهْم

…الأزمات الناجمة عن سوء الفهْم، تكون دائماً عنيفة؛ إلا أن مواجهتها، تكون سهلة، وخاصة بعد تأكد سببها، الذي غالباً ما يرجع إلى المعلومات الناقصة، أو التسرع في إصدار القرارات. ولذلك، تتضح أهمية الحرص على الدراسة الكاملة للمعلومات، قبل إصدار القرار.

2. عدم استيعاب المعلومات بدقة

…يشترط اتخاذ القرارات السديدة، استيعاب المعلومات وتفهُّمها بصورة صحيحة. إذ إن الخطأ في إدراكها وتداخل الرؤية، سيكونان سبباً لنشوء أزمات عنيفة الشدة، للكيان الإداري، أو المشروع، أو الدولة، ناجماً عن انفصام العلاقة بين ذلك الكيان والقرارات المتخذة. وعندئذ ستتفشى الارتجالية والعشوائية، حتى تكوَّنا أزمة اضمحلال الولاء والانتماء؛ ويكون هناك مجال خصب لانتشار القِيم السلبية والقهر والتخاذل، ويعم الفساد؛ ما يؤدي انهيار الكيان.

3. سوء التقدير والتقييم

…هو من أكثر أسباب نشوء الأزمات، وخاصة في حالة الاصطدام العسكري، الناشئ عن الإفراط في الثقة غير الواقعية، واستمرار خداع الذات بالتفوق؛ فضلاً عن سوء تقدير قدرات الطرف الآخر والتقليل من شأنه؛ ما يسفر عن سوء تقدير للموقف برمته. وتزداد التوازنات اختلالاً إذا استغفل الطرف الآخر نظيره، فعمد إلى حشد طاقاته والاستعداد الجيد للمواجهة، التي يختار توقيتها الملائم، ويحقق المفاجأة، التي تصل إلى درجة الصدمة، التي تفقد الطرف الأول توازنه؛ فيختل تفكيره، يلجأ إلى أساليب ارتجالية، عشوائية، تتمخض بأزمة مدمرة، يصاحبها، غالبا، ً ضغوط عنيفة، تطيح الكيان.

4. الإدارة العشوائية، الارتجالية

…هذا الأسلوب من الإدارة، لا يسبب الأزمات فقط؛ وإنما يساعد، كذلك، على تدمير الكيان نفسه، ويكون باعثاً على تحطيم قدراته وإمكانياته، واستعداده لمواجهتها. فالإدارة العشوائية، تنبثق من الجهل، وغياب النظرة العلمية، الإستراتيجية؛ وتشجع الانحراف والتسيب، والتكالب على المكاسب المرحلية قصيرة الأجل. ويجعل ذلك متخذ القرار شخصاً أجوف، لا يؤمن بالتخطيط وأهميته؛ كما يساعد على إشاعة الصراع، بين مصالح الإدارة ومصالح العاملين في الكيان الإداري. وتستبدل الإدارة العشوائية الرقابة الأمنية بالمتابعة العلمية الوقائية؛ ما يشيع الإرهاب والخوف والتطاحن والتشابك، ويصبح الكيان كلّه مرتعاً خصباً للفساد والإفساد واستباحة الموارد؛ فتتولد أزمات عديدة؛ من أهمها: انخفاض معدلات الإنتاج وتدنّي مستواه، وارتفاع معدلات دوران العمل. وتعتري هذه الأزمات بعامة دول العالم النامي، التي تفتقد الرؤية المستقبلية، العلمية.

5. السيطرة على متخذي القرار

…يحمل على هذه الرغبة الابتزاز، وإيقاع متخذ القرار تحت ضغط، نفسي ومادي، واستغلال تصرفاته الخاطئة، التي كان قد اقترفها، وبقيت سِرّاً؛ لإجباره على اجتراح تصرفات أكثر ضرراً، تصبح هي نفسها مصدراً للتهديد والابتزاز. ويُعَدّ هذا الباعث جزءاً أساسياً من آليات صناعة الأزمة، التي تستخدمها الكيانات العملاقة في تدمير الكيانات الصغرى؛ لإجبارها على التخلي عن عقيدتها التنموية، لتتحول إلى تابع هامشي.

6. اليأس

…اليأس أزمة، نفسية وسلوكية، تشكل خطراً داهماً على متخذي القرار؛ إذ تُحبطهم، وتُفقدهم الرغبة في العمل والتطور والتقدم، وتُسلمهم إلى حالة راتبة (الروتين). وتتفاقم الأزمة، لتكون حالة اغتراب بين الشخص والكيان؛ وتصل إلى قمّتها بانفصام مصلحتَيهما؛ ويتضح ذلك في الأزمات العمالية، الناتجة من ظروف العمل غير الملائمة وانخفاض الدخول، وعدم مراعاة الإدارة للظروف الإنسانية. وتتطلب مواجهة هذا النوع من الأزمات، إشاعة جو من الأمل، من خلال تحسين تلك الظروف، وتأمين مكاسب العاملين.

7. الشائعات

…هي من أهم مسببات الأزمات وبواعثها، بل قد تكون مصدرها الأساسي، إن وُظِّفت، مقترنة بعدة حقائق ملموسة، وبأسلوب متعمد ومضلل، وفي توقيت ملائم، وفي إطار بيئة محددة. ويتضح ذلك، من خلال الأزمات التموينية، وتلك العمالية، الناجمة عن إشاعة تخفيض الأجور، أو الاستغناء عن عدد من العمال. وقد يسبب ذلك مظاهرات عمالية عنيفة، تتطلب معالجتها حكمة بالغة، تحّول دون تسببها بخسائر، مادية وبشرية، جسيمة.

8. استعراض القوة

…تنتهج هذا الأسلوب الكيانات الكبيرة، الرامية إلى تحجيم الكيانات الصغيرة الصاعدة. وكذلك، تلجأ إليه الكيانات الأصغر، رغبة في قياس رد فعل الكيانات الأكبر حجما. وبذلك، تبدأ عملية استعراض القوة، من دون حساب مسبق للنتائج، فتولد الأزمة، وتتفاقم مع تتابع الأحداث وتراكم النتائج.

9. الأخطاء البشرية

…وهي أحد أسباب نشوء الأزمات، سواء كانت في الماضي أو الحاضر أو المستقبل؛ بل قد تكون عاملاً من عوامل نشوء كارثة، تتوالد منها أزمات عديدة، تكشف عن خلل في الكيان الإداري.

10. الأزمات المخطَّطة

…وهي الأزمات المختَلَقة؛ وقد تسمَّى، تجوُّزاً، في بعض الأحيان، أشباه الأزمات Semi-Crises. ومصداقها حادث خليج تونكين، حيث مَرّ زورقا طوربيد، تابعان للقوات البحرية لفيتنام الشمالية، بجوار مدمرتَين أمريكيتَين، كانتا ترابطان فيه؛ وعلى الرغم من أن ذلك لم يسفر عن أيّ تهديد، أو خسائر للمدمرتَين، إلا أن الرئيس الأمريكي، جونسون، تلقّفه، ليفتعل أزمة كبرى، تحمل الكونجرس الأمريكي على السماح له بالتدخل في فيتنام.

11. تناقُض السُبل

…تنشأ الأزمة، في هذه الحالة، عن اختلاف طموحات منفذي القرار وأهدافهم، وتعدد توجهاتهم؛ فمنهم من يعمل على تنفيذ القرارات بسرعة؛ وآخرون يتباطئون فيه. وهو ما يُفقد متخذ القرار رؤيته لما يدور داخل الكيان الإداري، ويوقعه تحت تأثير تعارُضهم. لو حاول التوفيق بين الجانبَين، من خلال تغيير قراراته، لأمسى الكيان الإداري متخبطاً، مفتقداً وحدته الفكرية والعملية؛ للكيان الإداري، ما ينجم عنه أزمات غامضة، لا يمكن تحديد أسبابها؛ فتضمحل الثقة بمتخذ القرار. ومع استمرار محاولات التوفيق، تتسع دائرة عدم المصداقية، ويزداد الشك في القدرات، وتتفاقم الأزمة.

12. تضارب المصالح

…يُعَدّ تضارب المصالح وتباينها، من الأسباب الرئيسية لنشوء الأزمات، سواء على المستويَين المحلي أو الدولي، بل على مستوى الوحدات، الاقتصادية والإدارية، كذلك فإذا تضاربت المصالح بين الكيانات، أو الأشخاص، برز الدافع إلى نشوء الأزمة؛ إذ سيعمل كلُّ طرف على خلق الأزمات للطرف الآخر. وسيسعى كلُّ منهما لاستمرار استفحالها وضغطها على الجانب الآخر. وعلى الرغم من أنها تضر بكلا الطرفَين، إلا أن كّلاً منهما، يتوخّى أن يكون إضرارها بالآخر أشدّ وأفدح.
المبحث الثاني

أنواع الأزمات، والمنهج العلمي لِسبْرها

أنماط الأزمات الدولية

…هناك متغيران أساسيان، يحددان أنماط الأزمات الدولية وأبعادها؛ هما: قابليتها للتحكم، وإمكانية حلّها حّلاً وسطاً. وتزداد درجة قابليتها للتحكم، كلما كانت بسيطة وغير مركبة. أمّا الحل الوسط، فهو رهن المصالح المشتركة لأطرافها؛ وإن انتفت تلك المصالح، تكون احتمالات احتواء الأزمة وحلها محدودة. وتصنف الأزمات الدولية أربعة أنماط، هي:

1. التلاعب

تتجسد أزمة التلاعب في مبادرة كلَّ من طرفيها إلى استكشاف المدى، الذي يمكن إجبار الطرف الآخر فيه على التخلي عن موقفه. وغالباً ما يكون أطراف الأزمات دولاً وحكومات ومنظمات، ذات مسؤولية دولية، توفر لها المقدرة على التحكم في مسارها؛ وفي هذه الحالة، يصعب تدخّل طرف ثالث في الأزمة، ولو كانت حادّة؛ إذ سيكون هناك إمكانية، للتراجع والتراضي على حل وسط؛ بل إن لم يتأتَّ ذلك الحل، فإنه سيُجْتَنَب الصراع المسلح بين الدولتَين.

2. التوريط

ويتسم هذا النوع من الأزمات بمصالح مشتركة مهمة بين أطرافها، الذين يتصرفون في إطار عدة ظروف، يصعب التحكم فيها؛ ما قد يحملهم على ردود فعل، لم يستعدوا لها. وقد ينجم عن تعدد الأطراف الفاعلة في الأزمة، إيجاد نمط متغير للتحالفات، يسفر عن تغيير لتقدير أهمية المصالح المشتركة؛ فتزداد درجة التهديد. وعلى الرغم من أن أزمات التوريط، غالباً ما تمتد فترة زمنية طويلة نسبياً، إلا أنها لا تتسم بالحدّة؛ ومن ثم، يكون هناك دائماً حلّ وسط لها.

3. حافة الهاوية

هي أشدّ الأزمات الدولية خطراً، من حيث مستوى التهديد، أو احتمال المواجهة المسلحة. وتتسم بدرجة حدّة مرتفعة، حيث لا توجد مصالح مشتركة، أو تكون قليلة. وتتصف، في الوقت نفسه، بدرجة كبيرة من القابلية للتحكم؛ إلا أن الواقع، يؤكد أهمية استعداد الطرف، الذي يزيد من حدّة التوتر، للدخول إلى مرحلة الصراع المسلح، وإلا سيفقد مصداقية أيّ تهديد، في المستقبل، ويفقد مكانته الدولية.

4. التفاقم الجامح

تسبّبه عدة أزمات متعاقبة، ومترابطة، محركها الفاعل، الأساسي، أطراف غير رسمية، تتمثل في المنظمات السرية أو أصحاب المصالح، أو حتى الرأي العام. ويتسم هذا النمط من الأزمات بالتعقيد؛ نظراً إلى تعدُّد أطرافه، الذين يُعَدّ تغيير أحدهم لمواقفه ضغوطاً على الأطراف الأخرى. ومن ثم، فهو يتكون من عدة أزمات متزامنة، وغير مباشرة، تتصف بمحدودية المصالح المشتركة، وبعلاقات التنافس والتوتر؛ لذا، فإن أطرافها، عادة ما يكونون مستعدين لخوض نزاعات، قد تنتهي إلى صراعات مسلحة.
أدوات إدارة الأزمة الدولية

…تعتمد الدولة، في إدارة الأزمات، على عدة آليات، تتمثل في الآتي:

1. الدبلوماسية

…وهي من أهم أدوات إدارة الأزمات، وخاصة في وقت السلم؛ وتعرَّف بأنها عملية التمثيل والتفاوض بين الدول، من خلال إدارتها لعلاقاتها الدولية. ويتعدد استخدام الأساليب الدبلوماسية لأدوات الضغط الإكراهي، الذي قد تلجأ إليه الدولة، عند محاولة تحقيق مكاسب معينة؛ بيد أنها لا تتمادى فيه، حتى لا ينعكس على مصالحها؛ وهو يتمثل في كلِّ تحركاتها الضاغطة على الخصم، ليقبل مطالبها. ويمكن الدولة، كذلك، أن تلجأ إلى أدوات التعايش التوفيقي، الذي يشمل كافة إجراءاتها المعبِّرة عن رغبتها في تسوية الأزمة؛ فضلاً عن الإشارة إلى المصلحة المشتركة لأطرافها في تجنّب تفاقمها. ومزْج الضغط الإكراهي بالتعايش التوفيقي مزجاً مرناً، ومتزناً، قد يسوِّي الأزمة الدولية، ويحفظ على الدولة مصالحها الجوهرية.

2. القوة العسكرية

…تُعَد القوة العسكرية، هي الأداة الرئيسية لفرض الإرادة على الغير. ولكي تحقق دورها في إدارة الأزمات، يجب أن يكون هناك استعداد كامل للدفاع عن أراضي الدولة ونظامها السياسي. ولا يتأتّى لها ذلك إلاّ بدقة المعلومات وتكاملها، الذَين يساعدانها على احتواء الأزمة، أو إنهائها وإزالة آثارها؛ ناهيك بمدى قدرة الدولة وأجهزتها، على التجاوب والتنسيق مع القوة العسكرية، في إدارة الأزمة.

3. المساعدات الاقتصادية

…المساعدات الاقتصادية عامل من العوامل المهمة في العلاقات الدولية؛ ولذلك، فهي أداة مهمة في إدارة الأزمات الدولية؛ إذ يمكن التوسُّل بها إلى فرض الإرادة، وخاصة على الدول النامية، التي تحتاج إلى الدعم الاقتصادي الدائم.

4. التجسّس

…لابدّ لإدارة الأزمات من أعمال الجاسوسية والاستخبارات، التي تتيح تحديد قدرات الخصم، السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ بل يمكنها، كذلك، إضعاف قدراته، ودعم معارضيه، وتخريب مَرافقه ومنشآته الحيوية؛ إضافة إلى تأثيرها في الرأي العام لشعبه.

5. الحرب النفسية

…ساعد تطوُّر وسائل الاتصال، وأجهزة الإعلام، وفاعلية دورها المؤثر، على جعْل الحرب النفسية أداة من أدوات إدارة الأزمات، بتناسق متكامل بين مختلف آليات تلك الإدارة. فالدعاية قد تسبق العمل العسكري، وتمهد له، وتؤهل المجتمع الدولي لتدابيره، وإضفاء الشرعية عليه؛ بل تصاحب العمل، الدبلوماسي أو الاقتصادي، كذلك، لإثارة جبهة العدوّ الداخلية، أو تكثيف الحملات الإعلامية، لدفع الرأي العام إلى مناصرة موقف ما، أو التشكيك فيه.
مراحل تفاقُم الأزمات الدولية

…تصَّعَّد الأزمة الدولية، من خلال عدة مراحل، هي:

المرحلة الأولى:…مناورات ما قبل الأزمة، وتتضمن حالة الحرب الباردة؛ والتعريض، السياسي والاقتصادي والدبلوماسي؛ والتصريحات الرسمية.

المرحلة الثانية:…بداية الأزمة التقليدية، وتتضمن تشدد المواقف وتواجُه الإرادات، وإظهار القوة.

المرحلة الثالثة:…بلوغ الأزمة درجة الحدّة، وتتضمن تخفيض التمثيل الدبلوماسي؛ وتجميد العلاقات؛ وربما بعض الأعمال الحربية التقليدية، المحدودة.

المرحلة الرابعة: إعلان الحرب التقليدية، وإجلاء السكان من المناطق الحدودية، ورفع الاستعداد العسكري إلى أقصاه.

المرحلة الخامسة: تحُّول الحرب التقليدية إلى صراع مسلح مركزي، في مناطق محددة. وتكون العمليات العسكرية الهجومية على مناطق داخل الدولة، بهدف التأثير في قدراتها، البشرية والمادية.

المرحلة السادسة: إعلان الحرب الشاملة، وخلالها يكون هناك الصراع المسلح، قد بدأ بصورة بطيئة، وفي الوقت نفسه، يكون الصراع بين الجانبَين، قد وصل إلى درجة شديدة الضعف.

المرحلة السابعة: بداية حرب المدن، بلوغ التدمير أعلى درجاته. ويصبح الصراع المسلح حرباً شديدة الخطر، تُستخدم فيها الأسلحة كافة، تقليدية وغير تقليدية، وتُنفَّذ صور القتال.
إدارة الأزمات الدولية، في ظل النظام العالمي الجديد

…الغرض الأساسي لإدارة الأزمات الدولية، هو تجنّب وصولها إلى مرحلة الصراع المسلح؛ تطوُّرها إلى قتال، هو إيذان بفشل الإدارة في تحقيق أهدافها. وقوانين تلك الإدارة، تختلف كلية عن قوانين القتال ومبادئه؛ إذ هي وسيلة للردع Detervence؛ بينما هو فن استخدام الأسلحة، لمنع القتال، أو هو فن تجنّب القتال. ويكون متخذ القرار، في إدارة الأزمة، مجبراً على التعامل بمهارة؛ حتى يمكنه توجيه الضربة الأولى، وكذلك الثانية. وإذا كانت القدرة على توجيه الضربة الأولى متاحة وممكنة، فكلُّ دولة، تصبح قادرة على بداية القتال، في المكان الذي تريده، والوقت الذي تحدده، وبالطريقة التي تخطط لها؛ غير أنه يستحيل عليها أن توقفه في المكان الذي تريده، و الوقت الذي تحدده، وبالطريقة التي تأملها؛ لأن ذلك يتطلب حسابات دقيقة، ومعقدة، عن الضربة الثانية، التي تكون رداً على الضربة الأولى.

…مع البدء بتكوين نظام عالمي جديد، وخاصة بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، تباينت الآراء في اختفاء الصراعات العقائدية، ليحل بدلاً منها المنافسات الاقتصادية. إلاّ أنه، في الوقت نفسه، اتسعت الفجوة بين الشمال والجنوب، وازدادت التفرقة بين دول العالم، الغنية القوية والفقيرة الضعيفة، واستمرار الاستخفاف بالقانون الدولي. وفي هذا الإطار، اتسمت الأزمات الدولية، في ظل النظام العالمي الجديد، بالآتي:

1. انضمام الدول العظمى كلها، على خلافاتها، الرئيسية أو الفرعية، إلى تحالف دولي، في مواجهة أزمة الخليج. ويتكرر هذا التحالف، بصورة أخرى، لمواجهة الإرهاب؛ ولكن إدارة الأزمة الإقليمية، فقدت آليتها؛ إذ لم تقتصر على قوى متدخل، وأخرى مراقبة؛ بل أصبح لكلِّ الدول دور فيها، ولو بدرجات متفاوتة.

2. سهولة استخدام القوة العالمية في إدارة الأزمة الإقليمية، بعد أن اختفى تحدي القوات العالمية الأخرى. وفي الوقت نفسه أصبح استخدامها أكثر صعوبة، ومحفوفاً بالأخطار؛ لأنه صار محكوماً، بطريقة أكثر انضباطاً، بقوى عالمية مستعدة للتدخل.

3. إذا كان الغرض من إدارة الأزمة، في النظام العالمي ثنائي القطبية، هو منع استخدام القوة؛ فإن هذا الأسلوب، يظل قائما، ً في ظل النظام الدولي الحالي، مع استثناء أن وصول الأزمة إلى ذروتها، قد يمهد الطريق لتدخّل قوى عالمية، لحسم الموقف؛ الأمر الذي كان محفوفاً بالقيود، في السابق.

4. ازدياد اللجوء إلى استخدام الشرعية الدولية في التحكم في بعض الصراعات الإقليمية، على الرغم من أنها تطبق بطريقة انتقائية. ففي النظام العالمي ثنائي القطبية، تضاءل دور الشرعية الدولية، وأصبحت الخلافات، الإقليمية والعالمية، تحل خارجها؛ خوفاً من استخدام حق النقض فيتقرر في مجلس الأمن والغالبية في اجتماعات الجمعية العامة، وهي تتكون من دول العالم النامي، وأصبحت التدخلات العالمية تتم تحت ستار الشرعية الدولية. وبموجب قرارات دولية أكثر سهولة ويسراً، ولذلك أصبح ما يطبق في حالات معينة لا يمكن تطبيقه في حالات أخرى مماثلة.

5. نقل السلاح إلى مناطق التوتر، أصبح تجارة أكثر منه سياسة. وعلى الرغم من اتفاقيات الحدّ من انتشار السلاح، والقيود المفروضة على إنتاج أسلحة الدمار الشامل، والأسلحة النووية، إلاّ أنه ثمة سيولة في سوق السلاح العالمي؛ الأمر الذي قد يستمر فترة طويلة، في إطار التنافسات الاقتصادية المتصاعدة، وخاصة بعد حالات الركود الاقتصادي، التي يعانيها العديد من الدول الصناعية المتقدمة.

مبادئ إدارة الأزمات الدولية وأُسُسها:

…تتمثل المبادئ والأسس، التي يجب أن تُراعى في إدارة الأزمات الدولية، في عدة قواعد، هي:

1. الحفاظ على الخيارات العسكرية والسيطرة الدائمة عليها، اختياراً وتوقيتاً. وقد تطاول تلك السيطرة المناورات التكتيكية، والعمليات، التي قد تكون سبباً لاصطدام مسلح غير مرغوب فيه.

2. اختلاق بعض التوقعات، التي تساعد على التأني والتريث في معدل الأعمال العسكرية، حيث يكون ضرورة الإبطاء المتعمد لقوة الدفع في التحركات العسكرية؛ لتوفير الوقت الكافي لإجراء تقدير موقف، ومزيد من التحركات الدبلوماسية.

3. التنسيق بين التحركات، الدبلوماسية والعسكرية، في إطار استراتيجية متكاملة، تستهدف حل الأزمة، من دون الدخول في صراع مسلح.

4. تحديد التحركات العسكرية، لتكون في صورة واضحة تجاه الحل المرغوب فيه، وملائمة للأهداف المحددة من الأزمة.

5. الإيقاف والحدّ من التحركات العسكرية، التي توحي للخصم بقرب نشوب الصراع المسلح؛ ما قد يجبره على توجيه ضربة إجهاض.

6. الأخذ بالخيارات، الدبلوماسية والعسكرية، التي تترك للخصم مخرجاً ملائماً للأزمة، لا يتضارب مع مصالحه الرئيسية.
مقومات إدارة الأزمة الدولية

…إن أبرز ما يتسم به القرار السياسي، في ظروف الأزمة، هو الصعوبات الشديدة في تحليلها، والتي تواجه متخذي القرار، ولا سيما تحديد أهداف الخصم. فالضغط النفسي، ومحدودية الوقت، وتضارُب المعلومات، هي من العوامل، التي تنعكس على السَّبْر الموضوعي للأزمة، وحصر أهداف الخصم وتحديدها. ولتقليل الآثار السلبية للعوامل المصاحبة للأزمة، لابدّ من تحليل مقوماتها، في الإطار التالي:

1. تقدير مدى التحكم في الأزمة، وتأكيد أن تداعياتها، لن تدفع الفاعلين إلى خطوات غير محسوبة، لا تتفق مع البُعد الحقيقي للخلاف. ويحدد مدى ذلك التحكم ثلاثة متغيرات، هي:

أ. عدد الفاعلين الرسميين في الأزمة.

ب. عدد الفاعلين غير الرسميين، وقدرتهم على الحركة والضغط.

ج. أهلية متخذ القرار ومركزه لدى كلِّ فاعل، يتعامل بصورة مستقلة مع الأزمة.

…وتتفق درجة التحكم في الأزمة مع إمكانية تسييرها نحو الحل السلمي، من خلال التفاوض، والمساومة بأشكالها المختلفة، والمدى المحتمل لها.

2. تقدير المخارج المحتملة للأزمة، من خلال ثلاثة عوامل أساسية، هي:

أ. الأهلية النسبية للقيمة الكامنة في موضوع النزاع لكلِّ طرف.

ب. مدى اتساع المصالح المتبادلة الأخرى وعمقها، بين الطرفَين المتنازعَين.

ج. إمكانية المبادلة، بين القيمة موضوع النزاع، والقيمة الأخرى ذات الأهمية المماثلة لأحد جانبَيه.

…وتحليل أهداف الخصم يجب أن يكون دقيقاً ومتكاملاً؛ حتى يمكن تحديد رد الفعل المتوقع منه. وغالباً ما يمكن تكييف أهدافه في ثلاثة خيارات أساسية، تتمثل في الآتي:

أ. الصراع المسلح.

ب. المساومة في المطالب.

ج. الاستعداد للتخلي عن مطالبه؛ حتى يتجنب الصراع المسلح
أنماط الأزمات المحلية وتصنيفها

…تعددت الآراء في تقسيم الأزمات المحلية، إلا أنه يمكن تصنيفها في مجموعات متمايزة (الشكل الرقم 1)، هي:

1. تكرّر الأزمات

…يُعَدُّ التكرر من أهم الأسس في تصنيف الأزمات. وعلى الرغم من أن حدوثها الدوري، يتيح رصد مقدماتها وتجنّبها، فإن أيّ كيان إداري، سواء كان فرداً أو مؤسسة أو دولة، لا يستطيع تلافيها، على ما يملك من أجهزة وقائية. ويمكن تقسيمها إلى:

أ. أزمات دورية متكررة

…لئن سمح تكرر الأزمات بتوقع حدوثها، فإنه لا يتيح التنبؤ تنبؤاً دقيقاً بمداها وحجمها وشدتها واتساع مجالها. وهي تتمثل في الأزمات الاقتصادية، المرتبطة بالدورة الشرائية، والناجمة عن الكساد، والتي قد تنجم، كذلك، عن الانتعاش، نتيجة لخلل في قوى الإنتاج.

…ب. أزمات غير دورية

…وهي تتصف بالعشوائية، ولا يرتبط حدوثها بأسباب دورية؛ ولذلك، يصعب توقّعها. غير أن المتابعة الدقيقة، وملاحظة عوامل نشوئها، يساعدان على تلافيها. وتتمثل في الأزمات الناجمة عن سوء الأحوال الجوية، أو تغير الظروف المناخية، مثل الأمطار والأعاصير.

2. حدَّة الأزمات

…يمكن تقسيم الأزمات، طبقاً لمدى تغلغلها وتمكنها من الكيان، الذي أصابته، إلى نوعَين أساسيَّين، هما:

أ. الأزمات السطحية

وهي أزمات، لا تشكل خطراً؛ إذ إنها تحدث فجأة، وتنقضي بسرعة، وخاصة إذا عولجت أسبابها. وهي تنجم عن الشائعات الكاذبة، مثل الأزمات التموينية المفتعلة.

ب. الأزمات العميقة

وهي الأشد خطراً؛ إذ تكون شديدة الضرر والقسوة، لارتباطها ببنية الكيان الذي تعتريه، وقد تدمره، إن أهملت مواجهتها.

3. تأثير الأزمات

…يتفاوت تأثير بتفاوت أسبابها

أ. أزمات محدودة التأثير

وهي وليدة ظروف معينة. ولا يكون لتأثيرها معالم واضحة في الكيان الذي تنتابه؛ ولذلك، فإن مواجهتها تتحقق من خلال تعديل سياساته وأساليب إدارته. وتتمثل في افتقاد سلعة تموينية معينة، مع توافر بدائلها.

ب. أزمات جوهرية

يؤثر هذا النوع من الأزمات تأثيراً واضحاً، مؤكدا، ًفي بنية الكيان الذي يحل به؛ ما ينعكس على أدائه ويفرض قيوداً على حركته، ويساعد على حرمانه حاجاته ومطالبه الأساسية، التي لا يمكنه الاستغناء عنها. ولذلك، فإنه لا يمكن تجاهل هذا النوع من الأزمات، أو إهمال مواجهتها؛ إذ إن استمرارها قد يسفر عن نتائج صعبة، وقد يلد أزمات أشد خطراً وتدميراً. وتتمثل تلك الأزمات في نقص المياه أو الوقود أو الغذاء.

4. شدة الأزمات

…تراوح الأزمات بين نوعَين أساسيَّين من الشدة والضعف، هما:

أ. أزمات عنيفة

وهي بالغة الشدة والعنف، تؤثر في الكيان الإداري، بل تكاد تدمره. ولا سبيل إلى مواجهتها، غير إفقادها للقوة الدافعة، وتفتيتها إلى أجزاء؛ حتى يمكن معالجة كلِّ جزء على حدة. ويتمثل هذا النوع من الأزمات في الإضرابات العمالية، والامتناع عن العمل حتى تُستجاب المطالب؛ ما يسبب خسائر ضخمة.

ب. أزمات خفيفة

…يتمثل هذا النوع في الأزمات الناتجة من حوادث تخريب. وعلى الرغم من أنه قد يبدو عنيفاً، إلاّ أن تأثيره يكون محدوداً، ويسهل معالجته بسرعة، بعد معرفة الأسباب، والكشف الصريح عنها. وقد يُستعان عليه بالشعب، بتحويله من طرف خصم إلى طرف مشارك، وفعال، في علاج الأزمة.

5. مستوى الأزمات

…أ. الأزمات الشاملة

تصيب الدولة، وتؤثر في المجتمع كلَه؛ فهي أزمات شاملة، سواء في أسبابها و نتائجها، وكذلك متطلبات علاجها. ولهذا النوع من الأزمات تداخلات وأبعاد مختلفة التأثير. ويشمل الأزمات المتصلة ببنية الدولة وأدائها الاقتصادي، ونظامها السياسي، أو وضعها الأمني، الداخلي أو الخارجي؛ فضلاً عن سيادتها واستقرارها، السياسي والاجتماعي. وهذه الأزمات، تتطلب مواجهتها جهداً كبيراً، بل تتطلب معونات دعماً خارجياً.

ب. الأزمات الجزئية

تتمثل في أزمات المشروعات أو الوحدات الإنتاجية. وينحصر تأثيرها فيها إلا أنه قد يمتد إلى المشروعات الأخرى المرتبطة بها؛ بل يطاول الدولة برمّتها، إن لم يكن السيطرة عليه. وهذا النوع من الأزمات يتميز بالتنوع والتعدد، طبقاً للكيان الذي قد ينشأ فيه؛ إضافة إلى التأثيرات المتباينة للأزمات، والمتمثلة في عوامل انتشارها وترابطها وتكاملها ونشوئها واختفائها. وفي هذا النوع من الأزمات، يجب تدخّل الدولة، لمواجهة الأزمة واحتوائها، إنْ لم يتمكن الكيان الإداري، الذي تأثر بها، من مواجهتها.

6. أبعاد الأزمات

أ. أزمات عالمية، لها تأثير محلي

غالباً ما تنجح الدول الكبرى في نقل أزماتها إلى الدول التي تدور في فلكها، فيكون تأثير تلك الأزمات فيها أشد خطراً منه في الدولة المركز، فلو ساء محصول القمح الأمريكي، مثلاً، فإن تأثيره لن يقتصر على الولايات المتحدة الأمريكية فقط، بل سيكون أشد تأثيراً في الدول، التي يعتمد عليه غذاؤها؛ إذ يمكن واشنطن أن تؤمن حاجتها إلى القمح من مخزونها الإستراتيجي، أو أن تستبدل به سلعاً أخرى؛ وهو ما يتعذر على الدول التابعة لها اللجوء إليه.

…ب. أزمات محلية، لها تأثير خارجي

يتضح مثل هذه الأزمات، كلما كانت الدول النامية مترابطة؛ إذ يمكنها ترابطها وعلاقتها التعاونية من جعل أزماتها تطاول العالم الخارجي، فتدفع الدول الكبرى إلى النهوض بمسؤولياتها تجاه تلك الأزمات. ويتحقق ذلك على مراحل، تتمثل في امتصاص ضغطها واستيعابه؛ ثم إفقادها تأثيرها الذاتي، وتحويله إلى باعث لضغوط أزمة جديدة، يمكن تصديرها إلى الخارج، ويكون ذلك استغلال ضغوط الأزمة الجديدة كرد فعل للتعامل مع الأزمة الأصلية وتحويل مسارها؛ ويلي ذلك المرحلة الأخيرة، وهي جني مكاسب تحويل مسار الأزمة إلى أطراف أخرى، وإجبارها على مواجهتها. ويتمثل ذلك في ما عمدت إليه الدول المنتجة للنفط، من نقل الأزمة النفطية إلى جميع الدول المستهلكة؛ وما بادرت إليه، في الوقت نفسه، الدول الصناعية الكبرى، من نقل عبء تلك الأزمة، مرة أخرى، إلى دول العالم كافة، التي تعتمد على منتجات تلك الدول النفطية.

…ج. أزمات محلية فقط

وهي الأزمات، التي لا يتعدى تأثيرها حدود الدولة، بل يقتصر على قطاع محدود منها؛ ولا يمكن ترحيلها إلى الخارج؛ ولذلك، فهي تعالج في إطار محلي داخلي فقط. ويتمثل ذلك في الأزمة، التي نشأت عن انقطاع خدمات الكهرباء عن معظم مناطق جمهورية مصر العربية، في أحد أيام أبريل 1990، بسبب صاعقة، ضربت خطوط كهرباء الضغط العالي، في أحد المواقع في الوجه القبلي؛ الأمر الذي نحم عنه زيادة التحميل، فجأة، على المحطات الأخرى، فانقطع التيار عن بعضها وأبقى العديد من أنحاء الجمهورية بلا كهرباء. ولقد أسهم ذلك في أزمات محلية للعديد من القطاعات، وخاصة بعض المستشفيات، ووسائل النقل التي تعمل بالكهرباء؛ إلا أنها بقيت محلية فقط، كما اختلفت درجات تأثيرها في القطاعات، الخدمية والإنتاجية.

7. محاور الأزمات

…أ. أزمات مادية

وهي التي يكون تأثيرها ملموساً، مثل: أزمة الغذاء، وأزمة السيولة النقدية، وأزمة البطالة. ويمكن التعامل معها، مادياً وطبيعياً، بطرائق ومناهج مختلفة، ومتعددة. كما يمكن التحقق من مدى نجاح آليات التعامل معها، من خلال النتائج المترتبة على محاولات مواجهتها.

…ب. أزمات معنوية

وهي التي تدور حول محور غير موضوعي، له ارتباط بذاتية الأشخاص المحيطين بها. ويتمثل هذا النوع في أزمات الثقة أو المصداقية، أو أزمات الولاء. ويلاحظ أن محور هذه الأزمات معنوي، شخصي، غير ملموس؛ ولذلك، فإن مواجهتها تتحقق بإدراك مضمونها.

…ج. الأزمات المزدوجة

يتمثل هذا النوع في المشكلات، الدولية والمحلية، مثل أزمات الرهائن، وأزمة الإرهاب أو الاغتراب. وهي ذات جانبَين، أحدهما مادي، ملموس، هو الواقع المادي، الذي أحدثته أو نتجت منه، وهو الأشخاص المختطفون، أو الخسائر والأضرار المادية. والآخر معنوي، يتمثل في ردود الفعل العنيفة، المصاحبة للأعمال الإرهابية، وما تشيعه من عدم الإحساس بالأمن، والخوف من ردود الفعل الانتقامية. وهذا الشكل المزدوج من الأزمات، أصبح هو السائد، في العصر الحالي.

مراحل تكوُّن الأزمات وتفاعلاتها الداخلية

…الأزمة ظاهرة اجتماعية، تتكون خلال مراحل متتابعة، مختلفة، تشهد تفاعلات داخلية، تنبه لبداية تكوُّنها وأطوار النضج المتعاقبة (الشكل الرقم 3). وتمثل متابعة هذه المراحل أهمية خاصة لمتخذ لقرار، الذي يمكنه التنبه لوجودها وظهورها، وتكوُّن العوامل المساعدة على نضجها؛ فيكون أقدر على مواجهتها. وتمر الأزمة، من لحظة نشأتها وحتى اضمحلالها، بخمس مراحل، هي:

1. النشوء

…في هذه المرحلة، يكون هناك إحساس مبهم بوجود شيء غير متوقع، يلوح في الأفق، وينذر بخطر غير محدد المعالم، أو الاتجاه، أو المدى الذي سيصل إليه. ويرجع اتساع نطاق المجهول في الأزمة إلى عدم وجود معلومات كافية عن أسبابها، واحتمالات تطورها، والأضرار التي ستسببها. لذلك، تكون خبرة متخذ القرار وكفاءته، من العوامل المهمة، والأساسية في التعامل معها ومواجهتها، إبّان مرحلتها المتقدمة.

2. النموّ

…تبدأ هذه المرحلة، حينما لا يتنبه متخذ القرار لخطر الأزمة، في مرحلة نشوئها؛ إذ يَطَّرِد نموّها، معتمداً على محفزات ناتجة من الأزمة نفسها، وأخرى خارجية، استقطبتها، وتفاعلت معها؛ ما زادها قدرة على النموّ. وخلال هذه المرحلة، يتعاظم إحساس متخذ القرار وشعوره بوجود الأزمة، فتبدأ المحاولات الجادة لمواجهتها، وإلاّ فإنها ستنعكس، سلباً، خلال هذه المرحلة على الكيان كله، وتتفاقم لتبلغ مرحلتها التالية.

3. النضج

…يدفع الأزمة إلى هذه المرحلة، عدم كفاءة الإدارة وجهلها وتخلفها. فتزداد عوامل تفاقمها، التي تمدّها بالقوة المؤثرة، اللازمة لبلوغها أقصى درجاتها شدة وعنفاً؛ ما يجعل السيطرة عليها أمراً مستحيلاً، إلاّ من خلال مصادمتها صِداماً عنيفاً، قد ينتهي إلى تدمير الكيان أو المشروع، الذي نشأت فيه.

4. الانحسار

وهي المرحلة، التي تصل إليها الأزمة، بعد تحقيق أهدافها خلال الاصطدام العنيف؛ إذ تفقد قدراً كبيراً من قوّتها، فتبدأ بالانحسار. وإنْ فشل الاصطدام في تبديدها أو تقليصها، فقد تتجدد، وتأخذ شكل موجات متلاحقة، تزعزع استقرار الكيان، الذي يدخل مرحلة الانكماش والتقلص، حتى يصل إلى درجة الفناء أو الاختفاء.

5. الاضمحلال

…حينما تفقد الأزمة قوة دفعها، تتلاشى مظاهرها. ويدفع اختفاؤها الكيان، الذي نشأت فيه، إلى إعادة البناء، وعلاج الآثار المترتبة عليها. ويستعيد فاعليته وأداءه، بعد اكتسابه الخبرة والمناعة، في التعامل مع مثل هذه الأزمات، التي ألمت به.

مناهج سَبْر الأزمات

…يُعَدّ السبْر السليم للأزمة، هو المدخل الصحيح لمواجهتها. وهو رهين عدة عوامل، تتمثل في توافر المعرفة والخبرة، ووجود بيانات كاملة، ودقيقة، لدى متخذ القرار. ويتضمن سبْر الأزمة تحديد أسبابها وعوامل نشوئها؛ إضافة إلى التحديد الدقيق لأسلوب معالجتها، وتوقيتها؛ فضلاً عن متطلبات إدارة الأزمة، من معلومات ووسائل اتصال، وإعداد خطط التعامل معها حتى يمكن إيقاف تفاقمها واحتواؤها. وتتمثل مناهج سبْر الأزمات، في الآتي:

1. المنهج التحليلي

…في هذا المنهج، تُسبَر الأزمة، وفقاً للمرحلة التي وصلت إليها، فيحدَّد مظهرها وملامحها والنتائج التي أفرزتها وتأثيرها. وبذلك، يمكن توصيفها، وعرض أبعادها وجوانبها، وتحديد مداها، وأطرافها الفاعلة، وتداعياتها المحتملة.

2. المنهج التاريخي

…يعتمد هذا المنهج على أساس التحليل التاريخي الكامل للأزمة، وكيفية تطورها؛ فهي لا تنشأ فجأة، وليست وليدة اللحظة؛ وإنما نتاج تفاعل أسباب وعوامل، نشأت قبل ظهورها، تاريخياً. وبذلك، يكون التعامل مع الأزمة قائماً على أساس المعرفة الكاملة بماضيها التاريخي وتطورها؛ وردّها إلى أصولها الحقيقية، هو الأساس لطرح وسائل مواجهتها. ووفقاً لهذا المنهج، تُقسم الأزمة إلى مراحل تاريخية محددة، تُسبَر كلُّ منها والعوامل التي أثرت فيها؛ لمعرفة تلك الباعثة لها، والأخرى المساعدة؛ حتى تتضح، في النهاية، الحقائق الكاملة، أمام متخذ القرار.

3. منهج النظُم

…يرى هذا المنهج، أن الأزمة تدور في إطار نظام متكامل، يحتوي على أربعة مكونات أساسية، تتمثل في مدخلاته، التي يعتمد عليها في الأداء الملائم لوظيفته الأساسية. وبتحديد هذه المدخلات، يمكن الوصول إلى بواعث الأزمة، وأماكن القصور والضعف؛ إذ قد يكون نقص هذه المدخلات، أو عدم توافقها، من مسببات الأزمة. كذلك، يجب تحليل نظام تشغيل تلك المدخلات، ومدى توافقها مع مخرجاته؛ وعند وجود خلل في نظام التشغيل نفسه، تفرز الأزمات. ومن قصور نظام التشغيل، يظهر نظام خاص بالأزمة، له نتائج وآثار ومظاهر ملموسة. ولإحكام الرقابة الوقائية على العمليات السابقة، لا بدّ من وجود تغذية مرتدة للنظام التشغيلي، بهدف اكتشاف القصور، كي يمكن التعامل مع الأزمة، في جميع مراحلها، بفاعلية كاملة.

4. المنهج البيئي

…هو يرى أن الأزمة، هي وليدة البيئة التي نشأت منها، وتفاعلت معها؛ ولذلك، يعتمد على تحليل القوى البيئية المؤثرة فيها، والتي تضم عوامل مستقلة، فاعلة، ومؤثرة في نموّها واتجاهها؛ وأخرى تتفاعل معها، وتتأثر بها، وتستجيب لضغوطها. وتحليل محددات تلك العوامل والقيود المفروضة على حركتها واتجاهها، سواء كانت مستقلة أو غير مستقلة ـ يتيح التعامل مع القوى البيئية، والتحكم فيها، والسيطرة عليها، والحد من خطر الأزمة. ويتحقق ذلك، من خلال تصنيف القوى البيئية ثلاث مجموعات:

المجموعة الأولى: قوى بيئية، يمكن التحكم فيها، والسيطرة على مسارها واتجاهاتها وقوة عنفها.

المجموعة الثانية: قوى بيئية، لا يمكن التحكم فيها، ولا السيطرة عليها أو على اتجاهاتها.

المجموعة الثالثة: قوى بيئية، لا يمكن التحكم في قوة عنفها؛ وإنما يمكن توجيهها، والسيطرة على اتجاهاتها بقدر معين.

…ومن ثم، يمكن استخدام قوى المجموعَتين: الأولى والثالثة، في التأثير في قوى المجموعة الثانية؛ فيمكن الحدّ من خطر الأزمة.

5. منهج السبْر المستقل للأزمات

…يدرس هذا المنهج كلَّ أزمة على حدة، لكونها حالة مستقلة، تتفرّد بخواص محدَّدة؛ فيَسْبُرها سبْراً متكاملاً، يشمل أسباب نشأتها، والعوامل المؤثرة فيها، والنتائج التي أفرزتها؛ إذ يعمد إلى تحديد الآتي:

أ. حجم الأزمة، الذي وصلت إليه، ونتائجها الملموسة.

ب. المناخ العام، الذي أحاط بها، منذ نشأتها.

ج. العوامل والأسباب الكامنة، التي تمخضت بها، ودوافع نشأتها.

ويحقق هذا المنهج الرؤية الأكثر دقة وشمولية؛ لدراسته العوامل والجوانب والمتغيرات والثوابت، المؤثرة والمتأثرة بالأزمة؛ ما يساعد على تحديد وسائط معالجتها، واتخاذ قرارات أكثر موضوعية، لمواجهة ضغطها، تستند إلى توافر المعلومات وتكاملها أمام متخذ القرار. إلاّ أن هذا المنهج، يصعب تعميم نتائجه على الأزمات كافة؛ نظراً إلى الخصوصية الشديدة لكلٍّ منها.

6. منهج الدراسات المقارنة

…يعمد هذا المنهج إلى المقارنة بين الأزمات، الماضية والحالية؛ فيحدِّد أوجُه اتفاقها واختلافها، ويستنتج وسائل العلاج، التي نجحت سابقاً، أو يستحدث أخرى جديدة. وتكون المقارنة وفقاً لأحد الأسس التالية:

أ. مقارنة زمانية تاريخية.

ب. مقارنة مكانية جغرافية.

ج. مقارنة نشاط الناتج من الأزمة.

د. مقارنة حجم الأزمة.

7. منهج الدراسات المتكاملة

…يمزج هذا المنهج مزجاً كاملاً، بين المناهج السابقة؛ إذ يَسْبُر الأزمة، ويتتبّعها تاريخياً، ويقارنها بالأزمات السابقة، وفقاً لرؤية عميقة لتاريخها، وتحديد أسباب نشوئها، والعوامل الباعثة لها، ومراحل تطورها، والمدى الذي وصلت إليه، والقوى المؤيدة والمعارضة لها. وفي إطار رؤية استشرافية، يمكن تحديد تطوراتها المستقبلية وأخطارها المحتملة، وحجم الخسائر المتوقعة. ويحقق هذا المنهج الأبعاد التالية:

أ. العمق: دراسة التطور التاريخي للأزمة، باستخدام أدوات المنهج التاريخي، في استقرائها وتتبّعها، سواء في إطارها العام الكلي أو الخاص الجزئي.

ب. الشمول: اعتماد أسلوب الدراسات المتكاملة الشاملة، في الاستقراء والتحليل للبيانات والمعلومات كافة، عن العوامل والمسببات والفروض والخيارات المتعلقة بالأزمة.

ج. الاتساق والتوازن: توفير قدرات بحثية، تتيح استخدام أدوات التحليل، الإحصائي والقياسي، بالقدر الذي تتطلبه دراسة الأزمة.
الفصل الثاني

أُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه، وإستراتيجيات مواجهتها

…تتعدد إستراتيجيات مواجهة الأزمات. ويحدَّد اختيار أيٍّ منها، وفقاً للإمكانيات المتوافرة والمتاحة، والتحديد الدقيق لمسارات الأزمة، والتحولات التي قد تطرأ عليها. والنجاح في التعامل معها، هو رهين الاختيار السليم لإستراتيجية المواجهة ومنهجها، والذي يجب أن يحقق القدرة على التكامل، بين مختلف المجالات، السياسية والاقتصادية والإدارية؛ ويوفر مناخ التفاهم والمشاركة الفعالة، لجميع المستويات والاختصاصات الوظيفية، في الكيان الإداري أو المؤسسة أو الدولة. وتستند الكفاءة، والفعالية في استقراء المستقبل، وبالقدر الذي يحقق الإدراك الكامل بطبيعة الأزمة، فإن ذلك يتوقف أساساً إلى الاستنتاج الدقيق لشتّى الخيارات الممكنة، في مواجهة أخطارها.

…ويُعَدّ تحديد الهدف الرئيسي، والأهداف الثانوية وأسبقيات تحقيقها، من المبادئ الأساسية للتعامل مع الأزمات؛ إذ في ضوئها، تحدَّد إستراتيجية المواجهة، التي قد تتسم بالعنف والقوة، بهدف القضاء علي الأزمة أو الحدّ من خطرها؛ وقد تهدف إلى تجزئتها ووقف نموّها، أو تغيير مسارها. ومن ثم، فإن لكلٍّ من الإستراتيجيات تكتيكاتها وأساليبها المختلفة، التي تنتهجها خلال مراحل تطور الأزمة، مع الأخذ في الحسبان الظروف، الزمانية والمكانية، التي يمكن أن تساعد على إضفاء مزيد من القوة، عند مواجهة الأزمات. ولا يمكن المفاضلة بين الإستراتيجيات مفاضلة مطلقة، عند التعامل مع الأزمات، بل مع الأزمة الواحدة، عند تكرارها؛ وإنما يحدد إستراتيجية التعامل مع الأزمة الهدف المطلوب تحقيقه، ومدى ملاءمته تلك الإستراتيجية، وما يتطلبه ذلك من تحرك داخلي، لتدعيم القدرات الذاتية؛ وآخر خارجي، لاستقطاب القوى اللازمة للمواجهة.

…كما يتطلب التعامل مع الأزمات الاستعداد الكامل، والدائم، من خلال توافر الاحتياطيات الملائمة لمواجهتها؛ إضافة إلى الفهْم الكامل لأبعادها. ولن يتحقق هذا اْلفهْم، إلاّ من خلال الوجود الدائم، والمستمر، في موقع الأزمة، حيث يمكن الحدّ من تناميها، وتحقيق التدخل السريع، والفوري، وبالقدر الذي يتطلبه الموقف. ولن يكون هذا الوجود المستمر ذا فاعلية، من دون تفويض السلطة إلى فريق إدارة الأزمات ما يرتئيه.
المبحث الثالث

قواعد وأُسُس التعامل مع الأزمات ومبادئه

…مواجهة الأزمات، منذ نشأتها، مروراً بمرحلة الحدّ من خطرها، وحتى يمكن التغلب عليها ـ تتطلب الالتزام بعدة مبادئ أساسية، هي بداية نجاحها؛ وتتمثل مواجَهَتها في الآتي (الشكل الرقم 4):

1. تحديد الأهداف والأسبقيات

…يُعَدّ تحديد الأهداف تحديداً دقيقاً، من أهم عوامل النجاح في مواجهة الأزمات؛ ولا سيما الهدف الرئيسي، الذي كثيراً ما يكون غير واضح. بيد أن تحديدها، لا يشترط أن يكون هو قمة الأزمة؛ وإنما جزء ذو تأثير فعال في بنْيتها ومجرياتها، يمثل 50% من معالجتها ومواجهتها. ولابدّ من تنسيق الأهداف، وتحديد أسبقياتها؛ إذ إن الهدف الرئيسي، المتمثِّل في مواجهة الأزمة برمّتها، قد يكون غير ممكن أو خارج الإمكانيات والقدرات المتاحة، فيُعْمَد إلى تجزئته، أو تحديد أهداف ثانوية، ومواجهة أشدها خطراً. وتحديد الهدف، لا يعني انتفاء عامل المخاطرة، الذي قد ينطوي علي بعض الإخفاقات أو النجاحات.

2. حرية الحركة وسرعة المبادأة

…حرية الحركة، هي أولى خطوات تحقيق الهدف؛ إذ تنأى بمتخذي القرار عن التأثر بالصدمات، وتتيح لهم المبادأة، التي تُخْضِع الأزمة لعامل رد الفعل العكسي؛ فيمكن السيطرة عليها والحدّ من خطرها.

3. المباغتة

…تكاد المفاجأة تحقق السيطرة الكاملة على الأزمة، ولفترات ملائمة؛ إذ إن إعلان أسلوب مواجهتها، يمكن أن يسفر عن فشل الجهود المبذولة لحلها؛ بينما نتائج المفاجأة، تتيح الحدّ من خطرها والقضاء عليها. ولتحقيق المباغتة، لابدّ من الكتمان الشديد في حشد القوة المكلفة بالتعامل مع الأزمة (الإرهابيون مثلاً)، ولتوصيلها إلى أقرب ما يمكن من الهدف. كذلك، يجب التغطية على عملية حشد القوى، من خلال التفاوض الفعال، مع إرهاق الإرهابيين وعدم إعطائهم الفرصة للراحة؛ إلا أنه يجب، في الوقت نفسه، تحقيق مطالبهم كافة، من مأكل ومشرب ووسائل المعيشة. كما يفضل استغلال أول ضوء، لكونه الوقت الأكثر ملائمة لتنفيذ مهمة الاقتحام، مع مراعاة توفير الإضاءة الضرورية لمكان التنفيذ.

4. حشد القوى وتنظيمها

…امتلاك القوة من عوامل النجاح في مواجهة الأزمة، وإحداث التأثير المطلوب في المحيط، المحلي والدولي، وفقاً لنطاقها. ويهدف تنظيم القوى إلى حشد الإمكانيات كافة، المادية والبشرية، وتعبئتها معنوياً تعبئة، تمكنها من مواجهة الأزمة والقضاء عليها. والقوة تتضمن مقومات متعددة، بعضها يرتبط بمكان الأزمة، والآخر يرتبط بزمانها والمرحلة التي بلغتها. ويتضمن حشد القوة خمسة جوانب أساسية، تتمثّل في القوة الجغرافية، الناتجة من تفاعل الإنسان مع المكان، والموارد البيئية؛ والقوى الاقتصادية، التي تتمثّل في الموارد المتاحة؛ والقوة العسكرية، من حيث حجمها، ونوع تشكيلاتها، وروحها المعنوية، إضافة إلى تسليحها ومعداتها. والقوة المعنوية، هي الجانب النفسي الإدراكي، والجانب الإعلامي التأثيري؛ ما يعني الجهد التأثيري المنظم في الرأي العام، في الداخل والخارج، بما يحد من قدرة الطرف الآخر وفاعليته، ويضعف قواه. ويجب ألاّ يكون الحشد وهمياً، فلا بدّ أن تراعى فيه التقنيات والخبرات البشرية، التي يمكن تفعيلها لمواجهة الأزمة.

5. التعاون والمشاركة الفعالة

…قد تعجز القدرات المتاحة عن مواجهة الأزمة الناشئة، سواء كانت محلية أو دولية؛ فتتحتم الاستعانة عليها بمساندة خارجية، تضاعف الطاقات على مواجهتها، بل تساعد على اتساع الرؤية، وشمولية التخصص، وتكامل المواجهة؛ إضافة إلى السرعة والدقة، الناجمتَين عن تنوع الخبرات والمهارات والقدرات.

6. السيطرة المستمرة على الأحداث

…يزيد التلاحق السريع، والمتنامي، لأحداث الأزمة، من حدّة آثارها السلبية، الناتجة من استقطاب عوامل قوة خارجية مدعمة لها. ولذلك، فإن التعامل معها، يتطلب التفوق في السيطرة على أحداثها، من خلال المعرفة الكاملة بتطوراتها، والإجراءات الفاعلة اللازمة لمواجهتها. كما تتطلب عملية السيطرة التحرك في ثلاثة اتجاهات، تتمثل في التعامل مع العوامل المسببة للأزمة، والقوى المدعمة لها، وكذلك العوامل ذات الصلة بها. ولذلك، فإن مواجهتها تستلزم تحقيق التفوق في السيطرة على أحداثها؛ ما يتأتّى من خلال الآتي:

أ. المعرفة الكاملة، والتفصيلية، بتطورات الأزمة، وما يتطلبه ذلك من حضور مستمر، وفعال، لمتابعة أحداثها.

ب. الاختراق الأمني للقوى الموجهة للأزمة، والصانعة لها، والمهتمة بها كذلك؛ وهو ما يطلق عليه الاختراق الثلاثي الأبعاد، ويتمثل في الآتي:

1 - الاختراق الأمني للقوى الموجهة للأزمة: وهي القوى الحقيقية، التي عادة ما تكون غير واضحة، وتدير عملية صنع الأزمة إدارة، تحقق مصالحها، على المديَين: البعيد والقريب.

2 - الاختراق الأمني للقوى الصانعة للأزمة: وهي القوى التي أُهدرت مصالحها، فاستغلت ذلك نظيرتها، التي تستطيع توجيه الأزمة، والتأثير في تحركات تلك القوى واتجاهاتها، والوصول بها إلى مرحلة المواجهة العنيفة.

3 - الاختراق الأمني للقوى المهتمة بالأزمة: وهي القوى التي تجتذبها نظيرتها الصانعة للأزمة، بالتأثير فيها، وجعلها تنتقل، تدريجاً، من خارج محيط الأزمة إلى مركزها العنيف. تكوِّن القوى المهتمة بالأزمة، أداة فعلية، ترجيحية، تمكِّن من السيطرة على الطرف الآخر.

7. التأمين الشامل للأشخاص والممتلكات والمعلومات

…يُعَدّ التأمين المادي للأشخاص والممتلكات والاحتياجات، ضرورة حتمية لمواجهة الأزمات؛ إذ يجب توفير الحد الأدنى من التأمين الطبيعي، لكلٍّ من الأشخاص والممتلكات والمعلومات، قبل حدوثها، وتوفير سبُل الوقاية منها. وكذلك التأمين الحيوي الإضافي، عند حدوث الأزمة فعلاً، والذي يتطلب مواجهة قواها بقوى أشد منها؛ لإيقاف تنامي آثارها، والحدّ من امتداد مجالاتها؛ وقوامه هو تكوين الاحتياطيات الفاعلة، التي قد يحتاج إليها الكيان، للتغلب على أزمته.

إن وجود نظام، يحُول دون اختراق الجانب المعادي، ويحجب المعلومات عنه، ويعزله داخلياً وخارجياً ـ هو بداية نهاية الأزمة، واحتوائها بنجاح. ولذلك، فإن عملية التأمين نفسها ضرورة حتمية لمواجهة الأزمات، وخاصة تلك التي يكون لها جوانب تدميرية، أو التي تكون قد اتخذت مظاهر تخريبية. وتستند عملية التأمين إلى عدة معايير:

أ. طبيعة الأزمة، حجماً ومدى، ومجالاً.

ب. حالة القوى الصانعة للأزمة، ومدى ترابطها وقدرتها على التشكل والتجمع السريع، وتماسكها في مواجهة الصدمات الأمنية المتتالية.

ج. حالة الاحتياطي العام المتاح للاستخدام، والقوى المساندة، والمؤيدة لتلك المواجهة للأزمة، والقوى التي تصنعها وتحركها.

د. مسرح الأزمة.

هـ. نوع الأدوات والوسائل والأساليب والموارد، المستخدمة في معالجة الأزمة، وفي صنعها؛ وحجم الإمكانيات المتاحة لكلِّ طرف، وقدرته على استخدامها، وقوّته على التأثير في مجريات الأزمة وأحداثها.

و. مرونة كلّ طرف وقدرته على الحركة والمناورة، وتلبية احتياجات الصراع، سواء كانت احتياجات المواجهة أو احتياجات التوسع.

…قوام عملية التأمين، إذاً هو الرؤية العلمية لاستخدام الموارد المتاحة، وفي إطار إدارة علمية متطورة، تحقق التكيف السريع، لمواجهة الأزمة بفاعلية؛ والسعي إلى ابتكار أدوات ووسائل جديدة، لمواجهة الأزمات والتصدي لها، ومعالجة آثارها.

8. المواجهة السريعة لأحداث الأزمة ومراحلها

…كان للطفرة التكنولوجية، والتقدم العلمي، اللذَين شهدهما العالم، أثرهما البالغ في طبيعة الأزمات، التي أصبحت سريعة التطور والأحداث، فاستدعت التصدي السريع لها؛ ما يحتم وجود الكوادر العلمية، المدربة على مواجهة الأزمات؛ وتوافر إمكانيات وموارد، تحدّ من التدهور السريع للأحداث. وإذا كانت المواجهة السريعة أمر حيوي، فإنها يجب أن تتسم بالدقة، كي لا تتزايد حدّة الأزمة، وحتى يمكن تكبيد مسببها خسائر فادحة، تردعه عن التفكير في صناعة أزمة جديدة. ولذلك، فإن أول الأخطار، التي يواجهها صانع القرار، هو البطء أو التخاذل أو تجاهل الأزمة، أياً كان محورها أو طبيعتها؛ إذ إن تأثيرها سيزداد، وقد يكون مدمراً، إنْ لم تواجَه في الوقت الملائم.

9. الاقتصاد في استخدام القوة

…يجب أن يكون تحديد الإمكانيات والقدرات، المخصصة بها مواجهة الأزمة، خاضعاً لحسابات دقيقة. فالإسراف في استخدام القوة، يكون إهداراً للإمكانيات، من حيث نفقتها، مقارنة بمعدل الأمان الذي وفرته، ورد الفعل العكسي الناتج من الأزمة، وكذلك احتمالات وجود عمليات ارتداد خداعي للأزمات الهامشية؛ ما ينهك، في النهاية، قدرات الكيان. إضافة إلى أن الإفراط والمبالغة في استخدام القوة، يكون لهما رد فعل، وتحويل مظاهر الأزمة العلنية إلى ضغط مستتر، يصعب متابعته أو ملاحظة تطوره بشكل دقيق. ويضاف إلى ذلك، أن بعض الأزمات لها صفة التجدد الذاتي؛ إذ إنه كلما أمكن مواجهة الأزمة واحتواؤها والقضاء عليها، ظهرت مرة أخرى؛ وما ذلك إلاّ لأن الأسباب الحقيقة للأزمة، لم تعالج؛ وإنما اكتُفي فقط بحصرها في حدود معينة. ومن ثم، تتضح أهمية اقتصاد متخذ القرار في استخدام القوة إلى الحدّ المطلوب، وعدم إسرافه فيه.

10. اتِّباع الأساليب غير المباشرة، في مواجهة الأزمة

…تُعَدّ الأساليب غير المباشرة، من أفضل الوسائل للتعامل مع الأزمة والتأثير في تطوراتها؛ نظراً إلى ما تتسم به من الشمول والتنوع، وخاصة أن التدرج في مواجهة الأزمات والتعامل معها سيكون أشد فاعلية، وعلى مراحل متفاوتة. وكذلك يمكن استخدام الأدوات المعالجة للأزمة بشكل متلازم، ومتتابع، بعكس الأساليب المباشرة، التي تحتاج إلى التعرض السريع للأحداث. كما يتطلب استخدام الأساليب غير المباشرة، قدراً كبيراً من التناسق؛ كي يصعب اختراقها. وتتمثل فاعلية الأساليب غير المباشرة في خبرة الجهاز الإداري للمنشأة وكفاءته، عند مواجهة الأزمات، المحلية والدولية، والتهديد بأخطار التدخل الخارجي. ومن ثم، تتضح أهمية خبرة القائد في امتصاص ضغط الأزمة واستيعابها، والالتفاف حولها، ريثما تمكن الفرصة الملائمة للقضاء عليها نهائياً.

وتحقق الأساليب غير المباشرة مبادئ التعامل الميداني الناجح مع الأزمات، والتي تتمثل في الآتي:

أ. تسمح الأساليب غير المباشرة بالتدرج في مواجهة الأزمات، والتعامل معها بفاعلية أكبر، وبدرجات متفاوتة، ومن دون أن تتنبه لها القوى الصانعة والمحركة للأزمة؛ بل يمكن خلال الأساليب غير المباشرة، استيعاب تفاعلات الأزمة وامتصاصها بشكل تدريجي، يلائم أحداثها وقوة إفرازاتها.

ب. يمكن استخدام مجموعة الأدوات والإمكانيات، في مواجهة الأزمة بشكل متلازم، ومتتابع، تبعاً للحاجة إلى كلٍّ منها، وفقاً لتراكمات النتائج، التي أفرزتها مرحلة المواجهة الأولى. وفي بعض الحالات، قد يستلزم وجود دعم خارجي؛ ما يوضح أهمية التنسيق لمواجهة تطورات الأزمة وتصاعدها أو الحدّ من خطرها، والبدء بمواجهتها، بما يحقق علاجها الملائم. وفي هذا الإطار، تسمح الأساليب غير المباشرة بالاستخدام المتكامل، والمتلازم، لأدوات مواجهة الأزمة؛ بعكس المواجهة المباشرة، التي تتطلب التعرض السريع للأحداث، والوصول بالموقف إلى قمته، والقضاء عليه، مهما كانت النفقات باهظة.

ج. يتطلب استخدام الأساليب غير المباشرة، توافر القدرة على استخدام مجموعة متكاملة من أدوات مواجهة الأزمات، بقدر كبير من التناسق؛ إضافة إلى أنها تحقق الترابط والتكامل، بما يصعب اختراقها من جانب صانعي الأزمة.

د. تستخدم الأساليب غير المباشرة، بفاعلية، في معالجة الأزمات الدولية الحادّة، وخاصة عندما تواجه الدولة أخطار التدخل الخارجي، أو الدخول في صراع دولي، لا تستطيع تحمّل نفقته أو التعامل معه بالرفض؛ فتعمد إلى الالتفاف حول الأزمة، بمبادرة ذكية، تتضمن عرضاً، لا يستطيع الطرف الآخر رفضه. والحقيقة أن هذا العرض، ما هو إلا محاولة لاستيعاب ضغط الأزمة، وتحويل مساره، وإفقاده دوافعه، ريثما تمكن مواجهته والقضاء عليه.

…وبصفة عامة، إن تطبيق هذه المبادئ، يعتمد، أساساً، على توافر روح معنوية مرتفعة، ورباطة جأش، وهدوء أعصاب، وتماسك تام خلال أحرج المواقف، وقدرة عالية على تحمّل الصدمات ذات الطابع العنيف، الناتج عن الأزمات شديدة التأثير. إضافة إلى ضرورة وجود جهاز استخبارات كفء، يوفر المعلومات، الكافية واللازمة والتفصيلية والدقيقة والحديثة، عن الأزمة وتطوراتها وعواملها؛ ليمكن التعامل معها في إطار معرفة شبه كاملة.

قيود التعامل مع الأزمة

…يتطلب التعامل مع الأزمات بصيرة استرشادية، تحيط بقيود التدخل في الأزمات، وفقاً لطبيعة الموقف، والظروف والإمكانيات والأدوات، والوقت المسموح به، والمحدد للتعامل مع الأزمة، لوقف تناميها. ولذلك، تتحدد لعملية التعامل مع الأزمات أهداف، يتعين الوصول إليها. وتتمثل في أهداف فورية عاجلة، لوقف تدهور الموقف، ووقف تصاعد الأحداث، والحدّ من الخسائر والنفقات؛ وأخرى نهائية، لمعالجة آثار الأزمة، وتطوير الأداء، لاستعادة الأوضاع، كما كانت عليه قبلها؛ ووضع نظام وقائي، يمنع تكرارها، ويحول دون الأزمات المشابهة، ولذلك، فإن التعامل مع الأزمة، يتضمن جانبَين أساسيَّين، هما:

1. جانب علاجي

يتولّى معالجة الأضرار والخسائر، التي تسببت بها الأزمة، ومن خلال معرفة دقيقة، وخبرة كاملة بكيفية التعامل مع تلك الأضرار والخسائر. إلا أن الجانب العلاجي، هو جانب سلبي؛ إذ يعالج الآثار الناجمة عن الأزمة، بعد أن تكون قد انتهت.

2. جانب وقائي

وهو يهدف إلى إيجاد نظام حماية، للوقاية من الأزمات، والتقليل، ما أمكن، من عواملها وعناصرها؛ واستطراداً، اجتناب الكثير من الخسائر والأضرار الشديدة، الناجمة عنها.

…المدى الزمني للتعامل مع الأزمة، قصير الأجل إلى حدٍّ بعيد؛ ولذلك، يكون وقت التدخل المتاح محدوداً، والسرعة مهمة، لتحقيق إنجاز ملموس، أساسي للنجاح في مواجهة الأزمة.



[1] المباراة ذات الحصيلة الصفرية: تعني أن يحاول أحد طرفيها تحقيق الانتصار الكامل على حساب الخسارة الكاملة للطرف الآخر فيها.
قواعد التعامل مع الأزمات الدولية

…تعددت قواعد التعامل مع الأزمات، ونمت وتطورت، تدريجاً، على مر العصور، بعد أن اكتسبت مصداقيتها، من خلال التجربة؛ ولذلك، كانت للقراءة الواعية للتاريخ أهميتها في صقل بصيرة متخذي القرار. وإذا كانت التجارب التاريخية، هي أساس علم إدارة الأزمات، فإن الاستفادة منها، تخضع لمفهوم القياس، لا لمفهوم التكرار. ومن خلال هذا التصور، يمكن تقدير أن الأزمة، ليست كياناً مستقلاً، قائماً بذاته؛ وإنما حلقة من حلقات صراع، له جذوره، القريبة أو البعيدة. ولذلك، استُخلصت قواعد التعامل مع الأزمات الدولية، فكانت:

1. مرحلية الأهداف

…يشترط النجاح في إدارة الأزمة، إدراك كلٍّ من طرفَيها أو أطرافها، أنه لا يمكنه أن يحقق كلَّ أهدافه، دفعة واحدة؛ إلا أن ذلك، لا يمنع وجود أهداف، يجب ألاّ يُتخلّى عنها، حتى لو تطلبت حمايتها الدخول في صراع مسلح، وتتمثل في المصالح الجوهرية. وإذا تحقق ذلك لكلا الطرفَين، وكان هدفهما المشترك هو تجنب القتال، فسيحرص كلُّ منهما على التصرف بعقلانية، بعيداً عن التشدد والمغالاة في مطالبه؛ ولذلك، فإن بلورة هدف واضح، ومحدد، تساعد على إيجاد الحل الملائم للأزمة الدولية وتسويتها. وبالعكس، فإن محاولة تحقيق أهداف انتهازية، هي من العوامل التي تصعد الأزمة. ومن ثَم، يجب توخي الحذر من مغبة الانزلاق في زيادة المطالب، أو التمادي في طلب التنازلات، نتيجة للاعتقاد بأن الخصم، لن يملك لها رداً؛ ما يتسبب بفشل جهود إدارة الأزمة، ويصل بها إلى مرحلة الصراع المسلح.

2. الحرص على عدم إحراج الخصم

…ترى الأصول المستقرة في إدارة الأزمات، أن الخصم شريك في تلك الإدارة، وخاصة أنه أصبح غير مُجْدٍ حل الأزمات المعاصرة، باتباع ما يسمى بالمباراة ذات الحصيلة الصفرية [1]؛ وإنما صار من المسلم به اللجوء إلى ما يسمى بمباراة تبادل التنازلات. ولذلك، بات ضرورة، ألاّ يتسبب أيُّ من طرفَي الأزمة بإحراج الآخر؛ فيسدّ عليه المخارج، فيدفعه دفعاً إلى العنف.

3. التصعيد التدريجي للردع، أو الخيارات المرنة

…وهذا الأسلوب، يوفر لمتخذ القرار، في الأزمة، اختيار بديل آخر، هو أقوى من ذاك الذي لم يُجْدِ تنفيذه؛ إذ إنه لا جدال في عدم جدوى اختيار بديل أضعف، إذا ما فشل البديل الأقوى في تطويع إرادة الخصم؛ واستخدام أقوى الخيارات في الضغط، في بداية الأزمة، وفشله، سيحرمان صاحب القرار بديلاً آخر من استخدام القوة. وهذه القاعدة، يلزم في تطبيقها مراعاة الحدود، التي لا يجوز التخلّي عنها، من مصالح حيوية للدولة، أو الأهداف غير القابلة للمساومة. أما إذا تقرر اللجوء إلى القوة العسكرية، للدفاع عن تلك المصالح والأهداف، فإنه من الأفضل البدء بأقلّ أساليب القوة عنفاً، شريطة أن تنطوي على قدر كافٍ من التأثير، بغية عدم إهدار أيِّ فرصة، تتيح للطرف الآخر مزيداً من الوقت، يراجع فيه مواقفه المتعنتة.

4. إتاحة الوقت للخصم

…إن إهدار حرية الحركة، لا ينجم عن افتقاد الخيارات فقط؛ ولكنه قد يترتب على ضغط عامل الوقت، كذلك، الذي لا يسمح للخصم بالتدقيق في اختيار البديل الملائم، سواء كان ذلك بسبب ضيق الوقت، أو بسبب الضغوط النفسية، التي يفرضها حرج الموقف؛ ما يحدّ من قدرته على إدراك أكثر الخيارات المطروحة أمامه ملاءمة.

5. توسيع نطاق المشاورات

…لا تقتصر فائدة تعدد الآراء على إدارة الأزمات فقط، بل تتعداها إلى رسم السياسة الخارجية للدولة؛ بما توفره عملية إفساح المجال أمام عرض الآراء، والحلول الخلاقة للأزمات، فتسهم في تعدد الرؤى وشمولها لجوانب الأزمة، وسُبُل حلها؛ ومن ثَم، يمكن التوصل إلى حسابات دقيقة لتبعات أيّ قرار.

6. إحكام قبضة القيادة السياسية على القرار

…وهو من أكثر القواعد والقيود الأساسية رسوخاً، في إدارة الأزمات، وأقلّها تعرضاً للجدل؛ تجنباً للعواقب الوخيمة، التي قد يترتب عليها صراع عسكري؛ وضماناً لتسخير القوة العسكرية لخدمة أهداف سياسية، حدِّدت بدقة، وعدم تجاوزها. ومن ثَم، يكون هناك اتفاق عام على عدم استخدام خطط الطوارئ، بطريقة آلية، أثناء الأزمات الدولية؛ وإنما يمكن مراجعتها قبل التطبيق، وتعديلها في ضوء الظروف المصاحبة للأزمة.

7. توسيع قاعدة الدعم اللازم للقرار

…يستمد قرار الأزمة معظم فاعليته، مما يتمتع به من تأييد الحلفاء والأصدقاء، ومدى توافر غطاء من الشرعية الدولية له. بيد أن أهمية الدعم الخارجي للقرار أو بديله، لا تلغي ضرورة دعمه الداخلي، الذي قد يصل إلى تحقيق إجماع قومي حوله؛ ويعني ذلك عدم وجود تعارض، بين البديل المقترح والقيم الجوهرية للمجتمع.

8. تحصين قرار الأزمة

…تنبثق سلامة قرار الأزمة، من القدرة على عزله عن المؤثرات الداخلية، بقدر الإمكان؛ وبناء حساباته على أُسُس موضوعية خالصة، تتعلق بمواجهة الخطر الداهم، الذي يهدد إحدى القيم الجوهرية للدولة، أو ما يعرف بالمعطيات الذاتية للموقف، أو من خلال منظور محدود بطبيعة هذا الخطر.

9. تعزيز نظام الاتصالات

…تتطلب إدارة الأزمات تعاوناً مشتركاً، بين طرفَي الأزمة، لوقف تداعيات الموقف. ولذلك، يجب الإبقاء على قنوات الاتصال بينهما متيسرة، ومتعددة، بقدر الإمكان، لتشمل:

أ. مصادر جمع المعلومات ورئاستها، وبين هذه الأخيرة ووحدة معالجة المعلومات.

ب. أعضاء وحدة معالجة المعلومات، لتفسيرها وتقويم الخيارات.

ج. وحدة معالجة المعلومات وتفسيرها، والجماعة المنوط بها اتخاذ القرار.

د. متخذ القرار، والدول الحليفة والصديقة، للتشاور في أمر القرار المتخذ.

هـ. متخذ القرار، والأجهزة التنفيذية، التي ستكلف بتنفيذه.

…لا تقتصر عملية الاتصال على توصيل القرارات والتعليمات فقط؛ وإنما يجب أن تحقق إمكانية معرفة النتائج، المترتبة على تلك العملية، والتي تتمثل في الآتي:

أ. وصول المعلومات أو القرارات بصورة سليمة.

ب. وصول المعلومات والقرارات بالكيفية، التي يريدها متخذ القرار.

ج. بدء المنفذين بتنفيذ القرارات.

…وبصفة عامة، تستند عملية الاتصال، أو شبكات الاتصال، إلى مجموعة من الوسائل، لنقل القرارات والتعليمات، من مراكز اتخاذ القرار إلى المنفذين. وتتمثل وسائل الاتصال في الآتي:

أ. الوسائل الشفهية

…تتضمن الأحاديث المباشرة، والاجتماعات، والمقابلات. وهي تُعَدّ من أفضل وسائل الاتصال؛ إذ تسمح بتفاهم عميق، في توصيل القرارات والتعليمات، المطلوب تنفيذها.

ب. الوسائل الكتابية

…تستخدم هذه الوسائل في عمليات الاتصال، بهدف الرجوع إليها؛ لارتباطها بالتقارير والقرارات والاقتراحات، التي تتطلب بلورتها وكتابتها قدراً من الدقة.

ج. الوسائل المصورة

…مع التقدم السريع لوسائل الاتصال المصورة، والتي تمثلت في التليفزيون، وأجهزة نقل الصورة، ازدادت أهمية استخدامها في نقل القرارات والتعليمات وتبادلها.

المتطلبات الإدارية للتعامل مع الأزمات

…يتطلب التعامل مع الأزمة اتِّباع عدة أساليب إدارية متقدمة، توفر له المناخ الملائم، ولفريق مواجهة الأزمة حرية الحركة. أبرزها (الشكل الرقم 5):

1. تبسيط الإجراءات، يساعد على التعامل مع الأزمة، ومعالجتها بالسرعة المطلوبة، بالأسلوب الملائم.

2. موافقة المنهجية العلمية، والابتعاد عن الارتجالية والعشوائية. ويقوم المنهج الإداري العلمي على وظائف أساسية، أهمها:

أ. التخطيط الدقيق، والتحديد المسبق لما يجب عمله، وكيفية تحقيقه، وتوقيته الملائم. والمسؤول عن تنفيذه. يراعي ذلك التخطيط الارتباط بواقع الأزمة وحقائقها وتطوراتها المستقبلية، والتوقع السليم للأحداث؛ وإعداد خطط طوارئ، كفيلة بمعالجة الأزمات.

ب. الجهود المختلفة وتنسيقها وتكاملها، لضمان الفاعلية في مواجهة الأزمات وخاصة تلك التي تتطلب جهداً جماعياً؛ إذ إنه كثيراً ما ينجم عن التعارض والتناقض ازدياد حدّة الأزمات، أو ظهور أزمات جديدة.

ج. التوجيه الصحيح للإمكانيات، المادية والبشرية، وفقاً للظروف البيئية المحيطة بالأزمة. ويتضمن التوجيه السليم شرح طبيعة المهمة، وتوصيف العمل نفسه، وتحديد نطاق التدخل، والغرض والهدف من التدخل، وحدود تفويض السلطة، وأساليب المناورة وحدودها. ويجب أن يتصف التوجيه بالآتي:

1 - تكامل القرارات والتعليمات تكاملاً، يحقق تنفيذ المهام المطلوبة، كمّاً ونوعاً، ومكانه وتوقيت بدئه.

2 - صدور القرارات عن السلطات المختصة، وكتابتها أو تسجيلها، وتضمّنها تحديد الصلاحيات وحدودها كافة؛ حؤولاً دون تجاوزها أو إساءة فهْمها، أو تعرّضها للنسيان أو الإهمال؛ وتسهيلاً للرجوع إليها، إذا ما اقتضت الضرورة.

د. مرحلية النتائج، وليس نهايتها؛ واستمرار المتابعة الدقيقة للأزمة وتطوُّر مراحلها، وخاصة مع وجود الأسباب الكامنة.

3. الحرص على الحضور الدائم في موقع الأحداث، وتلافي أيّ خلل أو عجز أو قصور عن الحركة. فالأزمة تحتاج إلى الاستعداد الملائم وتوافر الاحتياطيات الكافية لأيّ تقصير. وتتطلب مواجهتها الناجحة الفهْم الكامل، الذي لا يتحقق بعيداً عنها، أو عن مواقع أحداثها، أو عن معرفة مديريها ومحركيها. فالحضور الدائم، إذاً، ضرورة، تتيح الفهْم العميق لأسباب الأزمة ومقوماتها وأبعادها؛ بل تُوقف تفاقمها، وتحدّ من تدهور مقوماتها. ومن ثَم، فإن للتدخل الفوري، وبالقدر الذي يمليه الموقف، نتائجه النفسية الملموسة، المؤثرة في الحركة وردود الفعل، للقوى المسببة للأزمة، ولحلفائها؛ بل لتلك المحايدة، كذلك، التي تُبذَل المحاولات لجذبها إلى أتون الأزمة. ولاشك أن وفرة الاحتياطي العام الملائم، تساعد على التصدي للأحداث، والحدّ من تناميها.

4. محورية تفويض السلطة (الشكل الرقم 6)، سواء في إدارة الأزمات أو في نطاق عمل فريق مواجهتها، وخاصة إذا كانت ذات تشعبات مختلفة، ما تتطلب السرعة العاجلة في إيجاد القرارات الملائمة، التي يجب أن تتصف بالآتي:

أ. تلاؤم القرار والحدث.

ب. إمكانية تنفيذ القرار وسهولته في حدود الإمكانيات المتاحة.

ج. وضوح القرار لكلّ مَن أُسند إليهم مهمة مواجهة الأزمة وإدارتها.

د. خلوّ القرار من أيّ غموض، للحيلولة دون أيّ لبس أو سوء فهْم، يؤدي نتائج عكسية.

هـ. سلامة القرار وخلوُّه من التعقيد.

و. انسيابية القرار إلى المستويات كافة، الإدارية والتنفيذية، من دون عوائق أو قيود.

ز. متابعة قريبة، كمّاً ونوعاً، وفقاً لنظام المتابعة المعمول به.

ح. صدور القرار في توقيت ملائم، يمكّن من مواجهة تصاعد الأحداث، والحدّ من آثارها.

…غير أن تفويض السلطة، على أهميته لمواجهة الأزمات، فإنه ليس مطلقاً، بل يكون في إطار المستويات الإدارية نفسها، التي تتحدد القرارات وتفويض السلطة في نطاقها، كالآتي:

1 - قرارات إستراتيجية: تصدر عن مستوى الإدارة العليا، وتكون بعيدة المدى، وذات تأثير هيكلي، تتسم بالثبات وعدم التغيير.

2 - قرارات سياسية: تصدر عن مستوى الإدارة الوسطى، وتكون متوسطة المدى، ومؤثرة في نشاط الكيان الإداري، وتكون شبه ثابتة نسبياً.

3 - قرارات تكتيكية: تصدر عن مستوى الإدارة التنفيذية، وتكون قصيرة الأجل، وسريعة التغيير، ولا ترتبط إلاّ بأحداث الأزمة.

5. تحقيق الاتصالات المتعددة، واستمرارها مع أطراف الأزمة؛ لأنهما يوفران المعلومات الملائمة، والمتابعة المستمرة، والدائمة، لتداعيات الأحداث، وسلوكيات الأزمة. والاتصال الفعال، يوجه الجهود، ويوحد القدرات والإمكانيات وينظمها، لتحقيق الأهداف المحددة من مواجهة الأزمة، وخاصة في حالة عدم استقرار الأزمة، وتطورها المستمر.

6. الوجود المستمر، والدائم، في مواقع الأحداث؛ إذ يساعد على توفير المعلومات الضرورية، واللازمة، لفريق مواجهة الأزمة. وهو نوعان:

أ. الوجود السريع، وغير المعلن، في مواقع الأحداث، وخاصة في حالة شح المعلومات عن الأزمة، وتضخم تأثيراتها، وتداعي أحداثها، وتزايد العداء المعلن. ويُستنهض له قوم أذكياء، مَهرة، واثقون بأنفسهم، قادرون على التوجه الذاتي؛ مهمتهم تحديد القوى المسببة للأزمة، داعميها، وأهدافهم، والأدوات والقدرات التي تتوافر لديهم؛ فضلاً عن تحديد مناطق القوة والضعف في بنْية الأزمة، واقتراح الوسائل المؤثرة في طرفها الآخر. وقد يعهد إليهم التغلغل في مواقع التحكم في مسارات الأزمة، والعمل على إفساد مخططاتها. كذلك، يمكن، من خلال الوجود السري في مواقع الأحداث، إعداد المسرح الملائم للتدخل في الأزمة، والسيطرة على المعوقات، التي قد تحول دون إدارة الأزمة بنجاح وفاعلية.

ب. الوجود العلني في مواقع الأحداث، وهو أسلوب المواجهة العنيفة، وخاصة إذا كانت الأزمة ذات أبعاد تدميرية. وفي حالة عدم مواجهتها بالسرعة الملائمة، فإنها قد تتفاقم، وتفرز نتائج غير متوقعة؛ ولذلك، يكون للوجود المعلن عدة أهداف، منها تأكيد المصادمة العنيفة لقوى صناعة الأزمة ومؤيديها؛ وتدمير المصالح والعلاقات، القائمة على القوى المتسببة بها، وإرهاقها بأقصى الخسائر. وينجم عن تحقيق تلك الأهداف احتواء الأزمة؛ بيد أنه احتواء، لا يقضي عليها، ولكنه عملية مرحلية؛ إذ إن معالجتها معالجة عنيفة، لا تئدها، ولكنها تخمدها فقط، فترة زمنية، قد تكون طويلة أو قصيرة؛ فلا تلبث أن تظهر، مرة أخرى.

التحدي، السياسي والإداري، للأزمة

…ينبثق التحدي السياسي من ظاهرة الأزمة وطبيعة تفاقمها المفاجئ، وما يرتبط به من صعوبة التنبؤ بتوقيتها وحجمها وأبعادها التدميرية، أما التحدي الإداري، فينجم عن تعدُّد الأنشطة وتداخل الاختصاصات والمسؤوليات، التي تفرضها إدارة الأزمات.

1. التحدي السياسي

…يرتكز التحدي السياسي للأزمة على قضايا المجتمع، التي تمثل تحدياً للسياسات العامة، التي يجب أن تحددها الأجهزة، التشريعية والتنفيذية. وتتضمن تلك القضايا الآتي:

أ. دور الحكومة المركزية في إدارة الأزمات، مقارناً بالأدوار، التي ينبغي أن تنهض بها الإدارات المحلية الفرعية المختلفة.

ب. الإمكانيات التي يجب أن تُسَخَّر للإعداد والتحضير، لمواجهة الأزمات المختلفة.

ج. طبيعة التشريعات القومية الواجبة، للتخفيف من حدّة الأزمة، وكيفية تحقق الحكومة تطبيقها؛ والإجراءات والعقوبات، المترتبة على عدم التقيد بها، من قِبَل الإدارات المحلية أو الأشخاص.

د. تحديد أفضل الوسائل، التي يجب على الحكومة المركزية انتهاجها، لتقديم العون والمساعدة إلى المتضررين من الأزمات.

هـ. المجالات والدراسات والأبحاث العلمية، التي ينبغي للحكومة المركزية تشجيعها، ودعمها الدعم الملائم؛ بهدف التوصل إلى أفضل الخيارات في إدارة الأزمات وأكثرها ملائمة.

و. تحديد خير السبل إلى تنمية إعلام الرأي العام بأخطار الأزمات، وطرائق الحدّ منها.

2. التحدي الإداري للأزمة

أ. تفرض الطبيعة المركبة لظاهرة الأزمة تحدياً إدارياً، ناجماً عن طبيعة التكوين المؤسسي، وتعدد النشاطات، وتداخل الاختصاصات والمسؤوليات، التي تفرضها خاصية إدارة الأزمة. ونظراً إلى أن السمة اللازمة للتكوين المؤسسي، بصفة عامة، هي الاعتماد على البنية الوظيفية للدولة؛ الأمر الذي يستدعي نشوء وزارات ومصالح وإدارات متعددة، لها وظائفها ومسؤولياتها، تحرص كلُّ منها، دائماً، على استقلاليتها وحدود اختصاصاتها؛ فإن التكوين المؤسسي للدولة، على المستوى المركزي، يقوم، أساساً على التقسيم الأفقي للسلطات؛ وتُحدَّد، في الوقت نفسه، درجات معينة من الاختصاصات، وفق علاقات رأسية بين الوزارات والمصالح، من جانب؛ والإدارات المحلية، من جانب آخر. ويظل التكوين المؤسسي، في كلِّ الحالات والظروف، متسماً بدرجة عالية من الاستمرارية والنمطية، القائمة على نُظُم معلومة، وتوقعات محددة في الأداء.

ب. في مقابل الدرجة العالية، من التجزئة والاستقلالية، في التكوين المؤسسي للدولة، وما يترتب عليها من استمرارية ونمطية، فإن ذلك الكيان، يكون غير ملائم إطلاقاً لإدارة الأزمات، وخاصة أن طبيعتها، تبرز تعدداً وتداخلاً، بين النشاطات والاختصاصات والمسؤوليات؛ إذ إن إدارتها ومواجهتها، تتطلبان إدارة حكومية، وقطاعات مختلفة النشاطات. ومن ثَم، ينتج ذلك التداخل تشابكاً وتكويناً مركباً في العلاقات التنظيمية، على المستويَين: الأفقي والرأسي في مؤسسات الدولة؛ فتظهر إشكالية التحدي الإداري، الذي تستوجبه طبيعة إدارة الأزمة؛ وهو ما يتطلب نسقاً تنظيمياً، يختلف اختلافاً جوهرياً عن سمات الإدارة لمؤسسات الدولة ووزاراتها المختلفة، في الظروف العادية، التي تكون الأوضاع فيها مستقرة.



[1] المباراة ذات الحصيلة الصفرية: تعني أن يحاول أحد طرفيها تحقيق الانتصار الكامل على حساب الخسارة الكاملة للطرف الآخر فيها.
المبحث الرابع

إستراتيجيات مواجهة الأزمات

أساليب مواجهة الأزمات

…على الرغم من تعدد أشكال الأزمات وأنواعها، إلاّ أن الهدف من مواجهتها، يتمثل في الحدّ من التدهور والخسائر؛ والاستفادة من الموقف المستجد، في الإصلاح والتطوير؛ ودراسة أسبابها وعواملها، كي يمكن اتخاذ الإجراءات الملائمة لمنع تكرارها. ولتحقيق ذلك، تُنتَهج عدة أساليب (الشكل الرقم 7)، أبرزها:

1. الأساليب التقليدية

تتميز الأساليب التقليدية بطابعها الخاص، المستمد من خصوصية الأزمة. وتتعدد لتشمل الآتي:

أ. إنكار الأزمة وعدم إعلانها: وهذا الأسلوب، تستخدمه، غالباً، الإدارات المتسلطة، التي ترفض الاعتراف بوجود الخلل، وتسعى إلى عدم إعلانه، منكرة حدوث الأزمة. ومن خلال إصرارها على ذلك، يمكنها السيطرة على الموقف.

ب. تأجيل ظهور الأزمة: تمثّل هذه الطريقة نوعاً من التعامل المباشر مع الأزمة، يهدف إلى تدميرها، من خلال عنف التعامل والمواجهة، سواء مع إفرازاتها أو أسبابها.

ج. تكوين لجان لدراسة الأزمة: يُعتمد هذا الأسلوب، حينما تُفتقد المعلومات الكافية عن القوى الفاعلة في الأزمة. ويكون الهدف الأساسي من تكوين اللجان، هو تحديد الفاعلين الأساسيين في نشوئها، والمحركين لها، وإفقادها قوى دفعها.

د. التقليل من شأن الأزمة: بعد الاعتراف بوجود الأزمة، يُعمَد إلى الاستخفاف بها، والاستهانة بتأثيرها ونتائجها؛ وإنما يُتعامل معها بالأسلوب الملائم، لكي يمكن الكيان الإداري استعادة توازنه.

هـ. السماح بظهور الضغوط الداخلية للأزمة: كبت الضغوط الداخلية للأزمة يزيد من قوّتها وآثارها السلبية، وقد يؤدي انفجارها المدمر. ولذلك، يُبادر إلى معالجتها، من خلال الدراسة المتعمقة لقوى الضغط الداخلية؛ لتحديد مصادر تصارع المصالح والحقوق، فيمكن تعيين مكامن الضعف في بنْية الأزمة، والسعي إلى القضاء عليها.

و. تفريع الأزمة: لاشك أن تعدُّد مسارات الأزمة، يحدُّ من خطرها؛ ولذلك، تُفرَّع ثلاث مراحل أساسية. تشهد أولاها مواجهة عنيفة للقوى الدافعة للأزمة، وتحديداً لمدى تماسكها. أما المرحلة الثانية، فتُحدد خلالها أهداف بديلة لكلِّ اتجاه فرعي من اتجاهات الأزمة؛ ليسهل التعامل مع كلٍّ منها على حِدة. وفي المرحلة الثالثة، تبدأ عملية استقطاب كلِّ تلك الاتجاهات ومفاوضتها، في إطار رؤية شاملة.

ز. عزل القوى الفاعلة في الأزمة: يمهَّد لذلك بإرسال أشخاص، سراً، إلى نطاق عمل الأزمة؛ لتحديد القوى، التي سببتها، وعزلها عن مركز الأزمة، وعن مؤيديها.

ح. إخماد الأزمة: من خلال مصادمة قواها كافة مصادمة عنيفة، وعلنية، والقضاء عليها. ويُلجأ إلى ذلك، غالباً، حينما يشتد خطر الأزمة المباشر، ويهدد استمرارها بتدمير الكيان الإداري.

2. الأساليب غير التقليدية

…توافق الأساليب غير التقليدية طبيعة التطورات، التي شهدتها الكيانات الإدارية، ولاسيما نوع الأزمات التي تواجهها وشكلها وطبيعتها. وتتمثل تلك الأساليب في الآتي:

أ. الفريق المتكامل: وهو أكثر الأساليب استخداماً، اقتضاه تشعّب عوامل الأزمة وتداخلها، اللذان حتما بإشراك متخصصين، في المجالات المختلفة، لمواجهتها مواجهة علمية، وعدم إغفال نقاطها، التي تُفتقَد الخبرة بها. وأصبح فريق مواجهة الأزمة، يضم الخبراء والمتخصصين بالموضوعات المتعلقة بالأزمة؛ لبحثها ودراستها، وتحديد سُبُل التعامل معها، وإعداد خطة العمل، التي تكفل تحقيق النجاح. وفريق العمل، قد يختص بالتعامل مع أزمة معينة، وقد يكون فريق عمل دائماً، قوامه أصحاب المهارات الخاصة، الذين يدرَّبون ويؤهَّلون، استعداداً للتعامل مع الأزمات، التي تخصصوا بها.

ب. ادِّخار الاحتياطات: تعمد إليه الكيانات الإنتاجية الصناعية، التي تحتاج إلى مواد خام لعمليات الإنتاج؛ وبذلك، يمكنها مواجهة أزمة النقص في المواد الخام.

ج. المشاركة الديموقراطية: هذا الأسلوب شديد التأثير، عندما تتعلق الأزمة بالعنف البشري. وعادة ما يُستخدم في المجتمعات، التي تتسم بالحرية الفردية، والسلوك، الاقتصادي والسياسي والاجتماعي، الحر؛ حيث يُعلن مدى الأزمة وخطرها، وأسلوب مواجهتها؛ وتُحدَّد واجبات أبناء المجتمع ومسئولياتهم؛ تمهيداً للقضاء عليها.

د. احتواء الأزمة: وقوامه حصار الأزمة في نطاق محدود، واستيعاب الضغط المولد لها، وإفقادها قوّتها التدميرية. وغالباً ما يتَّبع هذا الأسلوب في الأزمات العمالية.

هـ. تصعيد الأزمة: يُلجأ إلي حينما تكون معالم الأزمة غير واضحة، بسبب تعدُّد التكتلات، عند تكوينها. ولإضعافها، لابدّ من تصعيد الأزمة حتى تصل إلى مرحلة تعارض المصالح، الذي ينجم عنه تفكك تكتلاتها. وغالباً ما يتَّبع هذا الأسلوب في الأزمات السياسية، بين الأحزاب ذات الدعم الجماهيري المتنافر التوجهات.

و. تفريغ الأزمة من مضمونها: وهو من أنجح الأساليب غير التقليدية. إلا أنه يجب تحديد ذلك المضمون، الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي أو الديني أو الثقافي، لتفريغها منه؛ فتفقد هويتها، وقوّتها الدافعة. وبصفة عامة، يمكن تفريغ الأزمة من مضمونها إمّا بالتحالفات المؤقتة مع القوى المسببة لها، أو بالاعتراف الجزئي بالأزمة، ثم إنكارها.

ز. تفتيت الأزمة: وهو من أفضل الأساليب، للتعامل مع الأزمات الضخمة، وشديدة القوة، التي تنذر بأخطار عديدة. ويعتمد هذا الأسلوب على المعرفة الكاملة بالقوى كافة المسببة للأزمة، و تحديد مصالحها المتعارضة، ومنافعها المحتملة، وتحالفاتها القائمة. ثم التأثير في وحدة تلك التحالفات، وتحويل الأزمة الأساسية إلى أزمات محدودة الحجم، تُفقِدها ضغطها، الذي كان موجوداً في إطار التحالفات.

ح. تدمير الأزمة ذاتياً، من الداخل: وهو من أصعب الأساليب غير التقليدية. ويستخدم في الأزمات ذات الضغط العنيف، والمدمر، والتي يُفتقَر فيها إلى المعلومات. فيُتعامل معها بعنف، ويسعى إلى التأثير في مكامن الضعف فيها، واستقطاب بعض القوى ذات التأثير المباشر في قوى الدفع في الأزمة؛ بهدف التأثير في استقرارها، وإفقادها التماسك، وإيجاد حالة من الصراع الداخلي بينها؛ ما يؤدي تدميرها. ويلي ذلك القضاء على القوى المتزعمة للأزمة، وإفقادها مصداقيتها؛ والمساعدة على إيجاد زعامات جديدة، تكون أكثر اعتدالاً وتفهماً للموقف، يمكن من خلالها تكوين قوى، تتصف بالإيجابية، والفاعلية، داخل الكيان الإداري.

ط. إعلان الوفرة الوهمية: وهو أحد الأساليب النفسية، التي تُنتهَج في الأزمات العنيفة، والسريعة، والمتلاحقة الأحداث، والتي يصاحبها عامل نفسي، يعمل على خلق حالة فزع، وخوف شديد، قد تجذب قوى جديدة إلى الأزمة. ويتضح ذلك في الأزمات التموينية، المتعلقة بالسلع الضرورية، التي يتدافع المستهلكون في الحصول عليها، مهما كانت أسعارها؛ فيُبادَر إلى الإيحاء بوفرتها، ونفي الأزمة.

ي. تحويل مسار الأزمة: يُستخدم هذا الأسلوب في الأزمة العنيفة، التي لا يمكن إيقاف تصاعدها؛ فيُعمَد إلى تحويل مسارها إلى مسارات بديلة أخرى، تتيح احتواءها، باستيعاب نتائجها، والخضوع لها، والاعتراف بأسبابها؛ ثم التغلب عليها، تغلباً، يحسر أضرارها إلى أدنى مستوى ممكن.

الأسلوب العلمي

هو الأسلوب الأكثر ضماناً للسيطرة على الأزمة. ويمر بمجموعة من الخطوات المتكاملة، والمترابطة (الشكل الرقم 8)، تتمثل في الآتي:

1. تقدير الموقف والدراسة المبدئية لأبعاد الأزمة

خلال تقدير الموقف، تُحدَّد تصرفات القوى، المسببة للأزمة والمضادة لها، ومكونات تلك التصرفات، ومدى ما وصلت إليه من نتائج وردود فعل. ويُحلَّل مضمون العلاقات ومكونات القوة، لكلا طرفَي الأزمة؛ وتُرتَّب العوامل المشتركة، والمؤثرة في الموقف، حسب خطرها.

2. تحليل الموقف والدراسة التحليلية للأزمة

…يستهدف تحليل الأزمة استنتاج المصالح الكامنة فيها وأهدافها غير المعلنة، وصولاً إلى مكوناتها، التي يسمح تقسيمها بالتوصل إلى معلومات جديدة عن الموقف، والعوامل المساعدة على إيجاد الأزمة، ومدى تأثر كلٍّ منها وتأثيره فيه؛ ثم تحليل أسباب التوتر، على أساس تلك المعلومات، ومراحل الاستقرار، التي حققتها القوى المضادة للأزمة. فضلاً عن تحليل نقاط القوة والضعف في الأزمة والقوى المضادة لها؛ والوقوف على طبيعة الخطر، الذي تشكله الأزمة، وأعباء استمرارها، ومدى تأثيرها.

3. التخطيط العلمي والمتكامل، للتعامل مع الأزمة

تعتمد هذه المرحلة على المراحل السابقة، إذ يتيح التحليل الكامل للبيانات المتحصلة كافة، إعداد الخطط والبرامج والقوى، اللازمة لمواجهة الأزمة. وتتطلب خطة المواجهة عدة إجراءات، لتوفير الحماية اللازمة لكلِّ مجالات الأزمة، وترتيب أسبقياتها؛ ما يساعد على تقليل الخسائر ووقف التدهور. كذلك تحديد حجم المساعدات الخارجية المطلوبة ونوعها؛ وإعادة هيكلة الموارد، البشرية والمادية، المتاحة؛ وتحديد المسؤوليات، من خلال إصدار التعليمات اللازمة إلى المشاركين في مواجهة الأزمة، بتنظيم عمليات الاتصال في داخل مجالها وخارجه. ويلي ذلك تأكيد استيعابهم لخطة المواجهة، والتتابع الزمني للمهام، وحشد كلّ الطاقات، وإمداد فريق المهام بما تتطلبه المواجهة، وتحديد التوقيت الملائم لبدء تنفيذ الخطة.

4. التدخل العقلاني لمعالجة الأزمة

تتضمن معالجة الأزمة مهام أساسية، وأخرى ثانوية وتكميلية. تتمثل الأولى في المواجهة السريعة، والاستيعاب، وتحويل مسار القوى الصانعة للأزمة. بينما تتمثل المهام الثانوية في عمليات تهيئة المسارات، وتقديم التأييد المطلوب إلى الفريق المكلف بالمواجهة، سواء كان تأييداً علنياً مؤثراً أو خفياً، ووفقاً لما تمليه الحالة، وتقتضيه المعالجة. أما المهام التكميلية، فتتمثل في إزالة الآثار الناتجة من عملية المواجهة، ومحاولة إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل الأزمة.

إستراتيجيات مواجهة الأزمات وتكتيكاتها

تعتمد إستراتيجيات مواجهة الأزمات، على القدرات الشخصية لفريق المواجهة، والظروف الموضوعية المحيطة بالأزمة، والإمكانيات والقدرات المتاحة. ويمكن اختيار إحدى الإستراتيجيات، لاتباعها طوال عملية المواجهة؛ إلاّ أنه يمكن تغيير الإستراتيجية، طبقاً لمراحل تطور الأزمة. وتتمثل إستراتيجيات المواجهة، وكذلك التكتيكات التي توافقها، في الآتي (الشكل الرقم 9):

1. التعامل العنيف مع الأزمة

غالباً ما تتبع هذه الإستراتيجية مع الأزمات المجهولة، التي لا معلومات كافية عنها. وكذلك الأزمات المتعلقة بالمبادئ. إضافة إلى اعتمادها في حالة تشعب الأزمة وانتشارها في عدة اتجاهات. وفي إطار هذه الإستراتيجية، تنفَّذ عدة تكتيكات متباينة، هي:

أ. التدمير الداخلي للأزمة: من خلال تحطيم مقوماتها، والتأثير في تفكير محركيها، والسعي إلى خلق صراع داخلي بين القوى المسببة للأزمة، ومحاولة استقطاب بعضها.

ب. التدمير الخارجي للأزمة: بالحصار الشديد للقوى المسببة لها، وتجميع القوى الخارجية، التي تعارضها، ومحاولة إقحامها في إطار الأزمة، سعياً إلى تدمير مقوماتها.

2. الحدّ من نموّ الأزمة

في إطار هذه الإستراتيجية، يُقْبَل الأمر الواقع، ويسعى إلى منع تدهور الموقف؛ فهي، إذاً، إستراتيجية تلائم مواجهة القوى الكبرى المسببة للأزمات المتشعبة؛ إضافة إلى صلاحها لأزمات الرأي العام وقضاياه، والاضطرابات العمالية. أمّا تكتيكاتها، فهي:

أ. التعامل، بحرص، مع القوى المحركة للأزمة والمسببة لها.

ب. تلبية بعض متطلبات القوى المسببة للأزمة، من خلال التفاوض المباشر، وتقديم بعض التنازلات المحدودة.

ج. العمل على تخفيف حدّة الأزمة، من خلال النصح والتوجيه.

د. تقديم المساعدة والدعم إلى القوى المعارضة للأزمة.

3. تقسيم الأزمة

قوام هذه الإستراتيجية، هو تقدير الموقف، بدقة؛ والدراسة التحليلية لمكونات الأزمة، والقوى المؤثرة فيها، والعلاقات الارتباطية بينها. وتُعتمَد في الأزمات الكبيرة، شديدة التهديد؛ إذ تُقسّم الأزمة إلى عدة أزمات ضعيفة الضغط، ما يسهل التعامل معها. وتركز هذه الإستراتيجية في فك الروابط المكونة للأزمة، وتحويلها إلى عوامل ومكونات متعارضة؛ ولذلك، تتبع عدة تكتيكات، أبرزها:

أ. إيجاد نوع من تعارض المصالح، بين مكونات الأزمة.

ب. عرض بعض المكاسب على بعض القوى المسببة للأزمة، ما يساعد على انهيار التحالفات القائمة.

4. التأثير السلبي في الفكر المحرك للأزمة

يكوّن الفكر المحرك للأزمة مجموعة ِقيم واتجاهات، ذات تأثير شديد في قوة الأزمة؛ تحاول هذه الإستراتيجية إضعافها، تخفيفاً للضغط، الذي تسبب بظهور الأزمة وتناميها. ولتحقيق ذلك، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التشكيك في مبادئ القوى المكونة للأزمة وقِيمها.

ب. محاولة اجتذاب بعض القوى المرتبطة ارتباطاً ضعيفاً بفكر الأزمة.

ج. السعي إلى تضامن وهمي مع الفكر، الذي يحرك الأزمة؛ لإحداث انقسام داخلي فيه.

5. دفع الأزمة إلى مرحلة متقدمة

تهدف هذه الإستراتيجية إلى دفع القوى المحركة للأزمة، إلى الدخول في مرحلة متقدمة، يظهر خلالها الصراع الداخلي، بين التكتلات غير المتجانسة للقوى المسببة لها. وتتمثل تكتيكاتها في الآتي:

أ. التظاهر بضعف المقاومة.

ب. استخدام الشائعات في إذاعة معلومات عن بعض الانهيارات، الناجمة عن الأزمة.

ج. تقديم بعض التنازلات، التي قد تثير الخلافات، بين القوى المسببة للأزمة.

6. تغيير اتجاه الأزمة

تهدف هذه الإستراتيجية إلى التعامل مع الأزمات شديدة القوة والعنف، ذات التأثير المدمر، الذي يصعب مواجهته أو مقاومته؛ إذ يُبادَر إلى مسايرة الأزمة، أقصر مرحلة ممكنة؛ ثم العمل على تغيير اتجاهها إلى عدة اتجاهات فرعية، تساعد على المواجهة الفاعلة، وتحقيق نتائج إيجابية. ولتنفيذ هذه الإستراتيجية، تُتَّبع عدة تكتيكات، هي:

أ. التنحي بعيداً عن الأزمة، والسماح لها بالظهور.

ب. التحرك مع الأزمة، وخاصة مع اتجاهها الأساسي الفعال.

ج. العمل على خفض سرعة اندفاع الأزمة.

د. إيجاد اتجاهات فرعية، وبديلة، تساعد على تفتيت الأزمة.

هـ. إبعاد الأزمة عن مجالها الأساسي.

و. إحكام السيطرة على اتجاه تحرك الأزمة.
الخصائص العامة للأزمات المحلية

…نظراً إلى السرعة الشديدة، التي تتسم بها تطورات الأزمات المحلية، فإنها تتميز بتعدد مصادر المعلومات، التي قد تتباين، فتسهم في اتخاذ قرارات غير سليمة، تزيد الأزمة تفاقماً. ولذلك، لابدّ من تغيير المعتقدات، القائلة بأن إدارة الأزمات، هي نوع من الرفاهية، يمكن الاستغناء عنه؛ والإيمان بأن نفقات إدارة الأزمات، هي إستراتيجية مهمة، توفر العديد من الميزات والفرص. ومن ثَم، يجب ألاّ ينصب الاهتمام على قضايا النجاح والنمو والتوسع فقط، بل يتخطاها إلى احتمالات الفشل والخسائر، وكذلك تطوير القدرات، لمواجهة الأزمات المحتملة. وبعد أن أصبحت المنظمات والمؤسسات كافة معرضة للفشل، بات ضرورة التفكير في تحديد التوقيت لهذا الفشل، وكيفية التعامل معه، والخطوات الممكن اتخاذها، لمنع الأزمات، في مراحلها الأولى. وعلى الرغم من أهمية أساليب الحؤول دون الأزمات، فإنها طالما أُغفلت؛ لأنها تُثير تساؤلات عن طبيعة الأسلوب الإداري، والثقافة التنظيمية اللازمة لمواجهة الأزمة وإدارتها. وعدم وجود الخطط الملائمة لإدارة الأزمات، قد يحمل على مواجهتها مواجهة غير علمية، وغير منظمة، ينجم عنها تضارب القرارات وازدواجها وتعارضها، في كثير من الحالات؛ ما يبدد الموارد والطاقات، ويظهر عدم كفاءة التنفيذ وضعف فاعليته.
الأزمات الصناعية

…على الرغم من تشابه الأزمات الصناعية والكوارث الطبيعية، في تأثيراتهما المدمرة إلاّ أنهما مختلفتان؛ إذ إن الأزمات الصناعية، هي كوارث، يتسبب بها العامل البشري، والنظام الاجتماعي؛ وقد تتعدى الحدود، الجغرافية والزمانية، فتؤثر في العديد من الدول، بل في أجيال متعاقبة [2]. والأزمات الصناعية ظاهرة، تنبع من داخل التنظيم، ويكون سببها إما الأشخاص أو نُظُم الاتصالات، أو التكنولوجيا المستخدمة. وقد تكون، في بعض الحالات، بين المنظمات والمنشآت. وتتمثل خصائصها في الآتي:

1. تنذر بالأزمة الصناعية إشارات محدودة، وضعيفة، قد يُستخف بها؛ وأحداث بطيئة الإيقاع، متعددة الوجوه. قد تبدأ بالنظام الإنتاجي، أو البيئة، فيحل أثرها بالأشخاص؛ وقد تبدأ بالنظام الإداري نفسه، فتضر بالعاملين فيه، أو المجتمع المحيط به؛ و قد تتخذ شكل أمراض مهنية وأخطار في مكان العمل، ناجمة عن مخلفات الإنتاج، التي تسبب تلوثاً وأضراراً بيئية. وكذلك، يُعَدّ الاستخدام غير السليم للمنتجات، أو التخريب، أو محاولة استخدام المنتجات الفاسدة، هي كلّها من مسببات الأزمات الصناعية.

2. تستدعي أضرار الأزمة الصناعية نفقات باهظة، تتمثل في التعويضات المطلوبة، سواء لمواجهة الأضرار، ومكافحة التلوث، وإعادة البناء، وسحب المنتجات المعيبة وإعادة تشغيلها.

3. تكون الخسائر الاجتماعية، المصاحبة للأزمات الصناعية، فادحة؛ نظراً إلى تأثيراتها المتشعبة، في النواحي، الاجتماعية والسياسية. فقد ينجم عن الأزمات الصناعية ترحيل السكان من المناطق المتضررة، وإعادة تأهيل الأشخاص، الذين تأثروا بالأزمة؛ فضلاً عن التوتر السياسي، الناجم عن صراعات داخلية، يفجرها تحديد أسباب الأزمة والمسؤولين عنها.

4.تتعدد أسباب الأزمات الصناعية، إلا أن التفاعل المركب، بين العوامل، البشرية والتنظيمية والتكنولوجية، يسفر عن بدايتها. فالعوامل البشرية، تتضمن أخطاء الإدارة والعمال؛ إضافة إلى أعمال التخريب والإرهاب. وتتمثل العوامل التنظيمية في العجز عن توفير الحماية الكافية؛ ما يزيد الأخطار، ويحُول دون خطط طوارئ دقيقة. أما العوامل التكنولوجية، فقد تشمل عيوب التصميم، والمعدات المعيبة، واستخدام مواد أساليب غير مطابقة للمواصفات. وتتفاعل هذه العوامل مع البيئة، الاجتماعية والمادية. وفي إطار الافتقار إلى ظروف ملائمة للعمل، من مياه وطاقة ومواصلات ونُظُم اتصال، قد تزداد أخطار الأزمات الصناعية، وتستفحل في حالة افتقاد خطط ملائمة لوسائل الدفاع المدني. مما يؤدي إلى آثار مدمرة للأزمات الصناعية.
تصنيف الأزمات الصناعية

…تتخذ الأزمات الصناعية المحلية وجوهاً شتّى، إلا أنه يمكن تقسيمها إلى مجموعات متباينة كما يلي:

1. التهديد الخارجي للمعلومات الفنية، ذات الطبيعة السرِّية، والناجم عن هجوم المنظمات المتنافسة.

2. تعطُّل معدات الإنتاج، أو عدم تمكن العاملين من الاضطلاع بمهامهم؛ إما بسبب الإجهاد، البدني والذهني، أو بسبب الأخطاء البشرية.

3. الأزمات الناتجة من التهديد الخارجي.

4. الأزمات الناتجة من الخسائر المادية، الناجمة عن الكوارث، التي تلحق أضراراً بالعاملين والسكان والبيئة.

5. الأزمات الناتجة من الأمراض المهنية، التي تودي بمرضاها.



[2] لقد أثر حادث المفاعل النووي تشيرنوبل في الاتحاد السوفيتي السابق على حوالي اثنتي عشر دولة من دول الجوار، كذلك تسبب في وفاة العديد من الضحايا، ومن المتوقع أن يكون سبباً في انتشار الأمراض السرطانية لمدة ثلاثون عاماً قادمة.
الفصل الثالث

تكوين فريق إدارة الأزمات وإعداده، ومراحل عمله

على الرغم من حدوث الأزمات، منذ القدم، إلاّ أنها اكتسبت، في العصر الحديث، خصائص وصفات، لم تكن موجودة من قبل. فأصبحت مغايِرة مغايَرةً كبيرة، نتيجة لاختلاف الأوضاع والظروف؛ إضافة إلى تزايد تشابكها، وتكاثف علاقاتها، وتشعب عواملها ومكوناتها، واتساع دائرة المهتمين بها، وتغير القوى المؤثرة فيها والمتأثرة بها. ونتيجة لذلك، أصبحت القرارات الفردية غير ملائمة، وباتت إدارة الأزمات إدارة جماعية، تقوم على رؤية فكرية متكاملة، لاتخاذ القرار.

وإدارة الأزمات علم، له أصوله وقواعده؛ لم يتبلور إلاّ في السنوات الأخيرة. وهي، كذلك، فن، يعتمد، أساساً، على أشخاص، يجب أن يتّسموا بقدرات ومهارات خاصة، منها القدرة على الإبداع والتخيل والتقدير السليم. وتتولد المهارات المتعلقة بإدارة الأزمات، وتنمو، بالتدريب، واكتساب المعارف، والصقل في الظروف المواتية، وخاصة مع تطبيق الأسلوب العلمي في ترقية القادة، وتوافر المؤسسات والمنظمات ومعاهد البحث العلمي، التي تستخدم أحدث الأساليب التعليمية المتقدمة، في نقل التجارب والخبرات بإدارة الأزمات.

ومواجهة الأزمات، لا تحتاج إلى القيود، والجمود، والالتزام بمحددات الظروف المحيطة، التي طالما كانت سبباً لإفراز الأزمة؛ وإنما تحتاج إلى التحرر من القيود، التي تعوق الحركة في اتجاه السيطرة على تطوُّر الأزمة، وخاصة أن مواجهتها، تعني تفجير طاقات جديدة، لم تستخدم في إطار البيئة التنظيمية، والأساليب السابقة. والنجاح في مواجهة الأزمات والتعامل معها، يبدأ بمحو المشكلات السابقة، والاستعداد للتعامل مع المشكلات المحتملة المستقبلية. وتمثل فداحة الخسائر اختباراً قاسياً للقائد، وتحفز، في معظم الحالات، إلى استنفار مهارات وقدرات قيادية، لا تظهر في الأوقات العادية. ولذلك، لابدّ للقائد، عند مواجهته للأزمة، من استخدام ما يتأتّى له من مهارات الابتكار والمرونة، والاستفادة من المشاركة بالرأي والمشورة.

وعملية مواجهة الأزمات، لا يمكن تنفيذها تنفيذاً راتباً، بصفتها وظيفة تقليدية، من دون استيعاب للقوى المختلفة المحيطة بالأزمة، والتي تتمثل في الأنظمة والمؤسسات والسياسات والإستراتيجيات؛ وكذلك القوى، الاجتماعية والاقتصادية. فتكوين فريق لإدارة الأزمة، هو، إذاً، مهمة صعبة، تتطلب الاختيار الدقيق، والتدريب السليم، وإعداد أعضاء الفريق والإشراف عليهم وتوجيههم.
المبحث الخامس

تكوين فريق إدارة الأزمات

ثمة اختلاف كبير، بين فريق التعامل مع الأزمة، وفريق إدارتها؛ فالأول، تُناط به مهمة وظيفية معينة، قوامها التصدي لأزمة محدودة، والحدّ من خطرها، ومعالجتها، والتعامل مع القوى التي صنعتها. بينما إدارة الأزمة، هي إدارة مستقلة، في الكيان الإداري، تتصف بالدوام والاستمرارية، لكونها جزءاً من هيكله التنظيمي. وغالباً ما تلجأ الكيانات الإدارية إلى استخدام فريق إدارة الأزمات؛ نظراً إلى أن الأزمات المعاصرة، تتطلب وجود متخصصين. أمّا تكوينه، فيختلف باختلاف الأزمات نفسها؛ فيُعَدّ ويدرّب وفقاً لها، وتحدَّد مهمته وسلطاته، والإطار العام لحركته. فالعملية التنفيذية لمواجهة الأزمة، هي، إذاً، التي تفرض مواصفات ذلك الفريق؛ ولذلك، فإن اختيار أعضائه، يرتبط بنوعها؛ فضلاً عن استيفائهم شروطاً عدة، أبرزها:

1. القدرة على التدخل في الأزمة، بمهارة.

2. عدم قابلية التأثر بأحداث الأزمة، سواء نفسياً أو عاطفياً.

3. الإصرار على تنفيذ الأوامر المتخذة، مهما كانت الأخطار الناتجة.

4. التضحية بالذات، مع أهمية الولاء للكيان الإداري والانتماء إليه.

ولا بدّ أن تتوافر في قائد الفريق خصائص ومواصفات، هي أحد المقومات الأساسية لنجاح المهمة، أبرزها:

1. توافر الشجاعة الكاملة على مواجهة الأخطار.

2. التفاؤل والثقة بالنفس، والتصميم على مواجهة الأزمة وقهرها.

3. تنمية العلاقات الإدارية بأعضاء الفريق وتطويرها.

4. المشاركة الوجدانية في إطار الموقف الذي يواجهه الفريق.

5. اتخاذ القرار الملائم، في الوقت المحدد.

6. سداد التوقع لمسارات الأزمة واتجاه حركتها.

7. استنباط الخطط اللازمة للتعامل مع الأزمة، في إطار المعلومات المتاحة.

خصائص الفريق

أسفر تشعب الأزمات وتعددها واتساع آثارها، عن اختفاء القرارات الفردية في إدارتها؛ فأصبحت إدارة جماعية القرار، قوامها رؤية فكرية متكاملة لفريق متخصص، يحظى بعدة خصائص، أهمها:

1. تحقيق مستوى عالٍ من الاتصالات، الأفقية والرأسية، وحرية التفكير والمناقشة في كل الأمور والاحتمالات.

2. قِلَّة أعضاء الفريق وملاءمتهم المهام المطلوبة. وليس لعددهم رقم ذهبي متفق عليه؛ ولكن، يحذَّر من تكثيره، من دون داع.

3. تنوُّع تخصصات الفريق وتعدُّدها، مع مراعاة القدرة على التعاون المشترك والعمل الجماعي.

4. المرونة والقدرة على التحرك السريع، بعيداً عن القواعد واللوائح والبيروقراطية؛ وضرورة أن يخوِّل فريق الأزمة أعضاءه، كلُّ على حدة، سلطات وصلاحيات، يحق له استخدامها، أثناء مواجهة الأزمة.

5. التنسيق والاتصال الفعال، بين فريق الأزمة والمستويات القيادية؛ تلافياً لأيِّ خطأ أو مشكلة، أثناء مواجهتها. ولا شك أن تكنولوجيا الاتصال، وما تتيحه من إمكانيات خاصة (الهواتف النقالة، البريد الإلكتروني…) قد ذَلَّلا كثيراً من المشكلات، التي كانت تعوق الاتصالات، بين أعضاء فريق الأزمة، من جهة؛ وبينه وبين القيادات العليا، من جهة ثانية.

6. اختيار قائد للفريق، تتوافر فيه مواصفات، شخصية وموضوعية، تؤهله للقيادة، وتحمُّل المسؤولية، والقدرة على اتخاذ القرار، والتعاون مع المستويات القيادية. ومنْحه صلاحيات واسعة، تمكّنه من التحرك السريع، واتخاذ القرار، أثناء الأزمة؛ ولكن، يفضَّل أن تحدَّد تلك الصلاحيات، تنظيمياً وإدارياً، وفق المراحل المختلفة لتطور الأزمة. ويفضَّل أن يُعَيَّن نائبان له، لمواجهة الأزمة، أثناء تغيبه.

اختيار أعضاء الفريق

محور الأزمة هم البشر، سواء بمصالحهم وتبادل المنافع، أو التشابك والارتباط، بين القوى المسببة للأزمة وتلك المقاومة لها؛ ما يجعل تكوين فريق لإدارتها، مهمة صعبة، تتوخَّى الاختيار الدقيق لأعضائه والإشراف عليهم، وتوجيههم. ويتأتى ذلك، من خلال انتقاء أولئك الذين يستوفون المواصفات المطلوبة، ومراقبة سلوكهم، وتأكيد حسْن تصرفهم في المواقف المختلفة. وقد يكون اختيارهم، من خلال الاحتكاك العفوي، أثناء أحداث أزمة سابقة، أثبتت صلاحيتهم للعمل ضمن فريق إدارة الأزمات.

تكوين فريق الإدارة للأزمات المحلية

ينبثق تكوين الفريق من حجم الكيان الإداري وتكوينه، ونطاق عمله، المحلى أو الدولي. وهو، بصفة عامة، يضم:

1. إخصائي قانوني: يكلَّف بمراجعة خطة الأزمات، وتحديد ما يجب إصداره من بيانات، تتناول الأزمة والنتائج المترتبة عليها.

2. إخصائي بالعلاقات العامة: مهمته تفهُّم الأسلوب الإعلامى، اللازم لتغطية الأزمة؛ وكذلك عقد المؤتمرات الصحفية.

3. خبراء فنيين: يعملون في الوحدات الإنتاجية. ويكون هدفهم تحسين الأداء، عندما تقع الأزمة، على أن يكونوا مستنفَرين للتعامل مع مقتضياتها.

4. إخصائي مالي: يتدارك الارتباك المالي، الناجم عن الأزمات العنيفة؛ على أن يكون ذا دراية كاملة بالموقف المالي، والاحتياطيات المالية. ويكلَّف بإعداد خطط مواجهة الأزمات ومصادر التمويل عند حدوثها.

5. إخصائي اتصالات: يجهز مركز الأزمات بوسائل اتصال متقدمة تكنولوجياً، يؤمِّن عد اختراق شبكاتها.

6. إخصائي بالشؤون العامة: نظراً إلى خضوع المنظمة لرقابة الأجهزة الحكومية، فإنه لا بدّ من متخصص بالشؤون العامة، له معرفة كاملة بالتعليمات الحكومية، المتعلقة بالأحداث والأزمات، التي تنتج من النشاط الخارجي للشركة. كما يتولّى المراجعة الشاملة لخطة إدارة الأزمة؛ لتحديد المصادر المسؤولة عن التبليغ، والجهات الواجب إبلاغها؛ إضافة إلى أسلوب صياغة التقارير.

7. رئيس الكيان الإداري، أو نائبه: يشارك في إعداد خطة الأزمات؛ نظراً إلى درايته الكاملة بمختلف الأدوار، التي يمكن إسنادها إلى العاملين، وحدود المساندة والتأييد المطلوبَين.

تكوين فريق الإدارة للأزمات الدولية

1. جماعة اتخاذ القرار: تتألف من ممثلين دائمين، على مستوى الدولة، يرابطون في مركز إدارة الأزمات. ويمكنهم الاستعانة بالعديد من الخبراء والمستشارين، في مختلف التخصصات، طبقاً لطبيعة الأزمة ونوعها ومكانها. وتتضح أهمية تلك الجماعة خلال المراحل الأولى لإدارة الأزمة الدولية، حينما تضع مقترحات القرار وخياراته المختلفة.

2. جماعة دعم القرار: وهي جماعة عمل، يضمها تنظيم مركز إدارة الأزمات. وتتكون من:

أ. قسم المعلومات

وهو المسؤول عن توفير المعلومات المختلفة عن الأزمةن وأسلوب تداولها. ولذلك، لابدّ من مركز معلومات، مجهز بالمعدات الإلكترونية، التي تمكن من تداولها؛ ويضم محور معلومات إقليمياً، وآخر دولياً، ويضطلع محور ثالث بالمتابعة.

ب. قسم التحليل والتقييم

يشمل هذا القسم متخصصين بتحليل الأزمات، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية والإرهابية، والصراع الدولي؛ يُعهَد إليهم بتحليل المواقف، وإعداد الخيارات للقرارات المتخذة خلال مرحلة إدارة الأزمة.

ج. قسم الاتصالات

وهو القسم المكلَّف بتوفير وسائل الاتصال المختلفة، لمركز إدارة الأزمات، سواء كانت مرئية أو مسموعة، من خلال مركز الإشارة المتكامل.

د. قسم التنسيق وعرض النتائج

يتولَّى وسائل عرض البيانات وقواعد المعلومات. ويكلَّف بتنظيم مركز إدارة الأزمات وتشغيله، في الفترات العادية، وخلال الإدارة الفعلية للأزمة.

هـ. قسم الإعلام

وهو المسؤول عن الإعلام، المحلي والإقليمي والدولي، الذي يهيِّئ الرأي العام، من خلال الوسائل المتاحة، لتقبُّل القرارات المتخذة خلال الأزمة؛ إضافة إلى دراسة ردود فعل للرأي العام، إقليمياً ودولياً.

3. جماعة المعاونة: تشمل الأقسام المتعلقة بالتدريب والتأهيل، والتخطيط والأمن، والإدارة المالية، والعلاقات العامة. وتكلَّف بتنظيم العمل الداخلي لمركز إدارة الأزمات.

4. جماعة المستشارين: وهي جماعة منتقاة، متمرسة بإدارة الأزمات؛ يستعين متخذو القرار بمشورتها وخبرتها النادرة، والمتخصصة. وتكون الاستعانة بالمستشارين، إما بحضورهم المباشر، أو من خلال وسائل الاتصال المختلفة.

5. جماعة التنسيق: وهم مندوبون دائمون، من مختلف الوزارات، وخاصة الدفاع والأمن والخارجية والاقتصاد والمالية والإعلام والصحة؛ مهمتهم تنسيق الجهود المختلفة في إدارة الأزمات، الإقليمية والدولية؛ على أن يستمر عملهم، ويدوم في مركز إدارتها.

مهامّ مركز الإدارة واختصاصاته.

لمراكز إدارة الأزمات مهام محددة، ومتعددة، تتمثل في الآتي:

1. تجميع المعلومات وتحليلها، للمساعدة على بلورة سيناريوهات؛ واستكشاف التحديات المختلفة، وإمكان تحوُّلها إلى أزمات؛ استعداداً لمواجهتها.

2. توقُّع ردود الفعل، في كل حالة، وفقاً للمتغيرات؛ كي يمكن احتواء الأزمة، من دون اللجوء إلى الوسائل والأساليب العنيفة، كلّما أمكن ذلك.

3. إعداد الدراسات المتكاملة للعوامل، الإدراكية والسيكولوجية والعقائدية، لدى صانعي الأزمات؛ تمهيداً لاستنتاج تصرفاتهم، عند وقوعها.

4. تطوير أجهزة صنع القرار وإحكام عملها، وخاصة ما يتعلق بالمسؤوليات والمعلومات والاتصالات، والاستفادة من الدراسات الحديثة.

5. الدراسة المستمرة للرأي العام، الناجم عن الأزمة، وما يطرأ عليه من تغيرات.

6. التنسيق المستمر مع الأجهزة المختصة، وإيجاد وسائل الاتصال السريعة معها.

7. على المستوى الدولي، إعداد الدراسات المتكاملة، والمستمرة، عن مفاهيم الأزمات وتطوُّرها وإدارتها، وموازين القوى؛ والتركيز في تلك التطبيقية والعملية، وإجراء المقارنات المختلفة بين الأزمات.

8. التنسيق مع المراكز المتخصصة بإدارة الأزمات، وتبادل المعلومات والآراء، سواء كانت تلك المراكز محلية، أو إقليمية، أو عالمية.

9. العمل المستمر لتنمية مهارات العاملين وقدراتهم، على مستوياتهم كافة، وتدريبهم على الاشتراك في اتخاذ القرارات وتنفيذها. وذلك من خلال محاكاة الأزمات، السابقة والمتوقعة؛ وعقْد الندوات والدورات التدريبية، التي ينظمها مركز إدارة الأزمات.

مكونات مركز الإدارة

…يفضل إنشاء مركز لإدارة الأزمات، لاستخدامه عند تعرض الكيان الإداري لأزمة ما. وغالباً ما يتكون مركز إدارة الأزمات من عدة قاعات مختلفة، تتضمن قاعة اجتماعات، وأخرى لإعداد السيناريوهات، ومركز اتصالات، ومركزاً للصحافة، وأماكن للسيطرة والأمن (الشكل الرقم 10). ويراعَى في تجهيزه عوامل عدة، منها:

1. وضوح أسلوب التعامل مع أجهزة الإعلام، حتى يمكن الإعداد المسبق للبيانات والمعلومات، التي سيفصَح عنها، في خلال الأزمة، على أن تكون صحيحة، ودقيقة، وثابتة؛ كي لا تؤثر، سلباً، في المصداقية.

2. مواظبة المختصين والفنيين، الذين لهم صلة بالأزمة، على الوجود في المركز؛ لاستجابة ما يستدعيه الموقف من المعلومات الفنية المتخصصة، سواء إبّان مواجهة الأزمة، أوفي خلال المؤتمرات الصحفية.

3. اختيار المركز الإعلامي، الذي ستعقد فيه المؤتمرات الصحفية، بأسلوب يحقق تنفيذ الإجراءات الأمنية، الضرورية لدخول أجهزة الإعلام وخروجها.

4. الإعداد المبكر لمركز إدارة الأزمات، يراعي توفير الأماكن، لعمل وسائل الإرسال والاستقبال المتطورة وأجهزتها؛ إضافة إلى أجهزة الاتصالات، السلكية واللاسلكية، والفاكس، والبريد الإلكتروني؛ زِد على ذلك أجهزة العرض، وشاشات التكبير.

5. مراعاة القدر الملائم من خصوصية المؤسسة، في هندسة المركز؛ وحاجة الإعلام إلى بثّ المعلومات مباشرة؛ وإمكانية استمرار العمل، عدة أيام متتالية.
تكنولوجيا المعلومات ومراكز إدارة الأزمات

…تحقق تكنولوجيا المعلومات، في مراكز إدارة الأزمات، العديد من الأهداف المهمة التي تتمثل في الآتي:

1. إعداد مركز، يتمتع بالديناميكية العالية، والقدرة على سرعة التحول من درجة استعداد إلى أخرى؛ وبما لا يؤثر في تسلسل إجراءات التعامل مع الأزمة.

2. تجهيز المركز ودعمه بالوسائل والإمكانات والمعدات والأجهزة، التي تمكنه من التحكم التام في جميع العوامل، الزمنية والمكانية؛ وبما لا يُفقِده القدرة على التحرك، والعمل في مختلف الظروف.

3. معاونة القائمين على إدارة الأزمات على أداء عملهم، بالكفاءة المنشودة، وبأسلوب عصري، متطور؛ وعلى نحو، يَفِي بحاجتهم إلى القوى البشرية، المؤهلة تأهيلاً رفيعاً، في هذا المجال.

4. دعم المهارات والقدرات على التصدي العلمي لمعطيات الأزمات ومكوناتها، بدءاً بمهارة توقّع العوامل المسببة لها، وانتهاءً بمرحلة إزالة آثارها، والاستفادة من نتائجها؛ وذلك من خلال رصد الاتجاهات الحديثة لأسلوب إدارة الأزمات، وتسخيرها لخدمة هذه الغاية.

5. تزويد مراكز إدارة الأزمات بالوسائل، التي من شأنها أن تساعد على الارتقاء بمستوى الوعي السياسي للقائمين على إدارة الأزمات، وربطه بحقائق المتغيرات والتحديات الأمنية الراهنة، سواء الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية.

6. توفير الأدوات، التي تدعم التعامل بمنهجية متكاملة مع مختلف أنواع الأزمات، بالتعاون مع جميع أجهزة الدولة المعنية، وفق تحليل دقيق، وضوابط يُهْتَدَي بها، في هذا المجال.

7. إعداد البيئة والمناخ، النفسي والسلوكي، لمواجهة الأزمات، والتغلب على التحديات، التي يمكن أن تصادف العاملين في هذا المجال، وتحويلها إلى منطلقات ومحفزات إلى تحقيق الغايات المنشودة؛ وذلك من خلال تعرُّف معطيات المواقف والظروف المحتملة، وتأكيد الصفات القيادية، القادرة على المواجهة والتصدي.

8. توفير الدراسات والأبحاث العلمية، المتعمقة في مجال إدارة الأزمات، بالتعاون مع جميع الأجهزة المعنية؛ وتهيئة البيئة العلمية الملائمة لتشجيع الباحثين على الدراسة، في هذا المجال؛ وعلى نحو، يرسي ويؤصِّل قاعدة راسخة، من العلوم والمعارف، في المجال نفسه.

9. بناء الاتصالات، لتوطيد التعاون مع المراكز البحثية، والجامعات، والهيئات، العلمية والقومية والدولية، ذات الاهتمام المشترك.

حاجة إدارة الأزمات إلى التكنولوجيا

…لتحقيق الأهداف السابقة، لابدّ من توفير نوعيات معينة من تكنولوجيا المعلومات، في مركز إدارة الأزمات، أبرزها:

…1.…القوى البشرية المؤهلة تأهيلاً جيداً، والتي تخضع لمعايير اختيار خاصة، طبقاً لمهمة كلِّ عنصر، مع تحديد واضح لمؤهلاتها وسماتها.

…2.…المعدات والحاسبات، مثل: أجهزة البحث والتتبع، وكاميرات الفيديو الرقمية، ومعدات تحديد المكان GPS، والحاسبات الثابتة، بأنواعها، والمتنقلة، التي تلائم العمل وتحديد أسلوب بناء إدارة الأزمة.

…3.…تكنولوجيا الاتصالات، بأنواعها المختلفة، السلكية واللاسلكية عبر الأقمار الصناعية؛ والبرمجيات الجاهزة، والقدرة على توظيفها في بناء التطبيقات المتعددة، اللازمة لإدارة العمل، والشبكات الداخلية LAN، وتلك المحلية والدولية؛ ونُظُم المعلومات، التي تشمل:

أ. التطبيقات Applications.

ب. حزم البرامج الذكية Smart Systems، التي تساعد طاقم إدارة الأزمة على الاستنتاج وتحليل المعلومات.

ج. نظم دعم اتخاذ القرار Decision Support Systems، التي تساعد على انتقاء واحد من الخيارات المختلفة، مع تقديم الأسباب والنتائج المتوقعة من كلِّ بديل.

فضلاً عن استخدام نُظُم المعلومات الجغرافية Geographical Information Systems، التي تمكن من الاستخدام الجيد لطبقات المعلومات المختلفة، التي يمكن تركيب بعضها فوق بعض، على الخرائط الرقمية؛ ما يوضح المناطق المحرومة الخدمات الأساسية، مثل: المدارس، والمستشفيات، ومياه الشرب النقية، والصرف الصحي. وقد تظهر تلك الخرائط، عند توقيعها مع التجمعات السكانية العشوائية، بؤراً للإرهاب؛ لم تكن لتظهر لولا استخدام نُظُم بحوث العمليات Operation Research، والتي تمكن من استخدام العلوم المختلفة من حلول المحاكاة Simulation، وحلول التوصل القصير Shortest Path، واستخدام نظم الخبرة Expert Systems، والتي تمكن من تسجيل الخبرات من العلماء والمستشارين وذوي الخبرة على تنظيم آلية تمكن من الاستعانة الفورية بتلك الخبرات حتى في عدم وجود أصحابها في نفس المكان والتوقيت، واستخدام نظم إدارة الأزمات Crisis Management Systems، وهي تعتمد أساساً على استخدام السيناريوهات المختلفة والمعدة مسبقاً والتي يتم تدريب القائمين على إدارة الأزمة على استخدامها، ولقد وضح ذلك في إدارة الأزمة أثناء حرب الخليج، والذي كانت تتم فيها كل خطوة ـ ولأول مرة في تاريخ الأزمات ـ بالإعلان عن الخطوات المستقبلية للقوات علناً، حيث كان يتم إعداد السيناريو مسبقاً، ويتم تنفيذه طبقاً لما تم تخطيطه والإعلان عنه.

التأهيل لإدارة الأزمات

1. النجاح في إدارة الأزمة، هو رهين المستوى التدريبي لفريق تلك الإدارة. ولا يقتصر التدريب على التعلم واكتساب مهارات وخبرات جديدة فقط؛ وإنما يتجاوزها إلى اختبار خطة إدارة الأزمة. ولقد كشف أوجُه قصور عديدة في خطط شتّى، فَأَمْلَى تعديلات جوهرية في تكوين الفريق نفسه، أو تغييراً لبعض أعضائه. وتهدف برامج التدريب إلى:

أ. مراجعة الإمكانيات المادية، المطلوبة لإدارة الأزمة، ومدى توافرها.

ب. اختبار السرعة في استجابة الفريق لاستدعائه، وقدرته على الوصول إلى مواقع بعض الأزمات المتوقعة.

ج. المراجعة والتحديث للمعلومات والبيانات، الخاصة بالأزمات المتوقعة، وطبيعة كلٍّ منها.

د. المراجعة والاختبار للأدوار والمهام، المنوطة بكلٍّ من أعضاء الفريق؛ واستدراك أوجُه النقص، سواء في التنسيق، أو قلّة عددهم.

2. التدريب واكتساب الخبرات، ركْن من أركان النجاح، يتأتّى بأساليب شتّى، من أهمها:

أ. المحاضرات، العلمية والعملية.

ب. دراسة الحالات السابق إعدادها للتدريب.

ج. اتِّباع أساليب المحاكاة، للتدريب على سيناريو الأحداث المحتمل.

د. استخدام "ورش" العمل، ومختبرات الإنجاز والأداء.

3. الاستعانة بالوسائل، السمعية والبصرية، الحديثة والمتقدمة، على العملية التدريبية، التي يُشترط استمرارها لتحقيق الآتي:

أ. إكساب فريق إدارة الأزمات المعلومات، اللازمة والحديثة.

ب. صقل مهارات أعضاء الفريق، وزيادة قدراتهم، والارتقاء بأدائهم.

ج. إحاطة أعضاء الفريق بكلِّ ما هو جديد، من أساليب مواجهة الأزمات.

د. تحقيق المواءمة والتوافق وروح الفريق، بين المتخصصين بمواجهة الأزمات.

4. إكساب فريق إدارة الأزمة المهارات والاتجاهات الأساسية اللازمة، التي تبدِّد قصور كلٍّ من أعضائه، فتؤهلهم للعمل بفاعلية. ويعتمد تدريب القيادات المكلفة بإدارة الأزمات، على استخدام أساليب المحاكاة، التي تمنحه الواقعية ومماثلة ظروف الأزمة وكيفية مواجهتها؛ إذ يكون ميدانه في الأماكن والمواقع الفعلية، حيث يتوقع أن تكون تلك القيادات، أثناء إدارة الأزمة. ويراعَى في تدريبها النقاط التالية:

أ. تعريض القائد لكثير من الإجهاد والتوتر، اللذين سيعانيهما في مواجهة الأزمات.

ب. تعويد القائد العمل، على الرغم من افتقاده إلى المعلومات، التي قد يتعذَّر عليه امتلاكها.

ج. تنوُّع العمليات التدريبية، وفقاً لتنوُّع الاختصاصات ومجالات العمل، أثناء قيادة الأزمة.

د. اختيار القيادات الملائمة، جسماً وعقلاً، للتعامل مع الأزمات؛ فضلاً عن استعدادها ورغبتها في اكتساب المهارات والاتجاهات الضرورية للعمل.

هـ. التمرس بعمليات مختلفة، عقلية وبدنية، قد تفرضها ظروف الأزمة.

و. دراسة الخبرات والتجارب، الناتجة من أزمات سابقة، والاستفادة منها.

ز. التطوير والتحديث المستمران للمعلومات والمهارات، المستخدمة في مجال الأزمات.

المقومات الأساسية لإدارة الأزمات

لا يتأتّى اتخاذ القرار، في إدارة الأزمة، ما لم تُستوفَ مقومات أساسية عدة، أبرزها:

1. توافر المعلومات الكاملة، الدقيقة.

2. استشراف الأزمات.

3. التخطيط الجيد، والدقيق، لمواجهة الأزمات.

4. اتِّباع الآليات والأدوات الكمية، في التعامل مع الأزمات.

دور المعلومات

تُستقَى المعلومات من تحليل البيانات والحقائق الإحصائية، وتُتَّخَذ أساساً للقرارات؛ ولذلك، يجب أن تتصف بالدقة والشمول والوضوح، في فترة زمنية ملائمة. وللمعلومات دور رئيسي وحيوي في مواجهة الأزمات. ولا يقتصر جمْعها على مرحلة ما قبل الأزمة فقط، وإنما يمتد ليشمل مراحلها المختلفة، بل يستمر بعد انتهائها. أمّا أبعادها، فتتمثل في البُعد النفسي، الذي يتضمن سلوك الفرد في تداول المعلومات، سواء كان منتجاً لها أو مستفيداً منها؛ والبُعد الاجتماعي، المنبثق من طلب المجتمع وإنتاجه للمعلومات؛ والبُعد التنظيمي، الناجم عن التدابير المتخذة، والأجهزة التنظيمية، التي تنشأ لتسجيل المعلومات؛ والبُعد التكنولوجي، المتضمِّن الوسائل التكنولوجية وأسلوب استخدامها في جمْع المعلومات وتحليلها وتداولها. وتتعدد مصادر المعلومات، فمنها العلنية وغير العلنية، والرسمية وغير الرسمية؛ وتشمل المكتبات؛ ومراكز التوثيق؛ ومراكز المعلومات، القومية والمحلية والصناعية؛ والجهات الحكومية؛ والجمعيات، المهنية والأكاديمية والفنية، المتخصصة؛ بل مؤسسات النشر والطبع، كذلك.

استشراف الأزمات

يصعب تخمين الأزمات والحدس فيها، وخاصة في إطار العلوم، الاجتماعية والإنسانية، التي لا يمكنها الاستيقان بالسلوك المستقبلي؛ إذ إن المتغيرات، التي تحكمه، متعددة، والعلاقة بينها غير حتمية، ولا هي محددة بدقة. إلا أن عملية اتخاذ القرار، واستشراف الأزمات، تنبع من بيئة داخلية، ذات خصائص وسمات معينة؛ تختلف في المجتمعات باختلاف معطياتها، الجغرافية والسكانية، ومواردها الاقتصادية، وتقدُّمها العلمي، وأنشطتها الثقافية والحضارية؛ فضلاً عن اختلاف أنظمتها السياسية، وكفاءة أجهزتها التنفيذية، وتفاعل سلطاتها، التشريعية والقضائية تفاعلاً، يحقق أهداف الدولة.

التخطيط الجيد، والدقيق

إن جوهر عملية التخطيط، هو تخمين الأزمات المحتمل مواجهتها، وأطرافها، والظروف المحيطة بها؛ والتحديد الدقيق للأسس الإستراتيجية الواجب اتِّباعها، في مراحل الأزمة المختلفة؛ سواء كان ذلك في مرحلة اتخاذ إجراءات الحدّ منها، أو في مرحلة مواجهتها، أو في مرحلة ما بعدها. وتتضمن عملية التخطيط الإجراءات كافة، المُزْمَع تنفيذها، والتعبير عنها في وثيقة الخطة، التي تهدف أساساً إلى منع الأزمة، والإعداد الدقيق لإدارتها، في حالة نشوبها. وتشمل الوثيقة أهداف الخطة؛ والأخطار والتهديدات، التي حفزت إليها؛ والمفاهيم والمعايير، التي رُوْعِيَت في إعدادها؛ فضلاً عن مكونات الخطة، والإستراتيجية المتبعة لمواجهة الأزمة، والفريق المكلف بتنفيذها؛ إضافة إلى تحديد مصادر المعلومات وكيفية العِلم بها، والنظُم الفنية المتكاملة لتبادل المعلومات، وأساليب التدريب المستمرة على تنفيذ الخطة.

اتِّباع الآليات والأدوات الكمية

في إطار التقدم، العلمي والتكنولوجي، أصبح الاعتماد على الأدوات الوصفية، وغير الكمية، وحدها، في التعامل مع الأزمات ـ غير كافٍ. وبرزت أهمية تعزيزه بالاعتماد على الآليات المركبة، والمعقدة، التي تحتاج إلى استخدام الحاسبات الآلية في حساباتها، والتعامل معها؛ والمساعدة على تقييم أخطار القرارات المتخذة، وردود الفعل المحتملة، ومدى نجاح الاحتياطيات في احتواء الأزمة؛ ناهيك بمساعدتها على الحدّ من الخسائر. وتتمثل الأدوات الكمية في الأساليب الآتية:

1. الأرقام القياسية

وهي أهم الأساليب الكمية، التي تستهدف توضيح التطورات المختلفة، التي يمكن التعبير عنها كماً، وخاصة فيما يتعلق بأحداث الأزمة وعوامل نشوئها. فالرقم القياسي، يعكس حجم الحركة، وفقاً لتطوُّر مكوناته؛ فيتيح متابعة تطورات الأحداث، ويوفر لمتخذ القرار صورة كاملة عن مقدار التغير في الأزمة، نتيجة لتغير مكوناتها، بكميات وقِيم محدودة.

2. بحوث العمليات

تتضمن بحوث العمليات العديد من الأساليب الكمية، المُتَّبَعة في إدارة الأزمات، والعاملة على معالجة الأخطار الناجمة عن عدم التأكد؛ إضافة إلى تحديد أهم أدوات التدخل في الأزمة، وتوقيته الملائم، والبرنامج التنفيذي للتعامل معها، الأزمة، ومن خلال وضع برنامج زمني، وتحديد الإجراءات والقواعد والمسارات المحدودة، توزَّع المهامّ على فريق إدارة الأزمة، وتُحدَّد المسؤوليات والسلطات.

3. نظرية المباراة

يتضمن أسلوب نظرية المباراة نموذجاً رياضياً كمياً، يرتبط بالصراع على الأزمة. ومن خلال توقع شكل المواجهة المستقبلية، بين القوى الصانعة للأزمة، وتلك التي تقاومها، تُطَبَّق أُسُس نظريات المباراة، في مجال إدارة الأزمات، من خلال تكوين مصفوفة المباراة، التي تشمل حساب سائر العوامل والمتغيرات، المتوقعة الحدوث مستقبلاً. وبعد تكوين المباراة، يمكن رسم حركة التعامل مع الأزمات، في إطار قواعد احتمالية محسوبة لكلِّ قرار في إدارة الأزمة. ويفضَّل استخدام الحاسبات الإلكترونية في التعامل مع الأزمات شديدة التعقيد.

4. تشعّب القرارات

توافر الاحتمالات لتصرف القوى الصانعة للأزمة، يحتم على مواجهتها تعدُّد الخيارات والاحتمالات، واختلاف التقديرات؛ فتتكاثر القرارات، الأساسية والفرعية والنهائية، وفقاً لكلِّ موقف أو احتمال. ولذلك، يستخدم أسلوب تشعّب القرارات في إدارة الأزمات؛ لأنه يمَكِّن مدير الأزمة من اتخاذ غير قرار، إزاء الموقف الذي يواجهه. ويُستعان بالأشكال والرسوم البيانية، على رسم ذلك التشعّب وأبعاده ومراحله، وتحديد المسارات، البديلة والفرعية، والاتجاه الأساسي، والمراحل المتتابعة لكلِّ قرار، في إطار الاحتمالات المتوقعة. ويبدأ العمل بتحديد الهدف النهائي، الذي يجب الوصول إليه، وعلى الطرف الآخر تكون بداية تشعّب القرارات، وهي نشوء الأزمة؛ ويتفرع منها عدة مسارات فرعية، يمكن أن تحقق الهدف النهائي، والتي يمكن أن تتخذها عملية مواجهة الأزمات. ويتفرع من المسارات البديلة مسارات مرحلية، تمثّل قرارات ابتدائية، يُحتَمل اتخاذها عند مواجهة الأزمة، في هذه المرحلة. وبذلك، يكون قد أُحِيطَ بالاحتمالات كافة، التي يمكن أن تتعرض لها المؤسسة، فيُستَعَدّ لها. ويلاحظ أن في هذا الأسلوب، يُبْدَأ بنقطة اتخاذ القرار النهائي لمعالجة الأزمة؛ بينما المسارات، والقرارات الأولية، والاستعدادات اللازمة لمواجهتها، تُحدَّد من النهاية إلى البداية.
المبحث السادس

مراحل إدارة الأزمات، وإجراءات الوقاية منها

…لمعظم الأزمات مراحل أساسية، تتفاقم أحداثها. واكتشاف إشارات الإنذار، الصادرة عن الأزمة، والإجراءات الوقائية منها، هما الإدارة المبكرة لها. وإذا أمكن النجاح في هاتَين المرحلتَين، تأتَّى منْع العديد من الأزمات. أمّا مرحلة احتواء الأضرار والحدّ منها، ومرحلة استعادة النشاط، فتمثلان رد الفعل، إذ تُنفَّذ فيهما الأنشطة كافة، بعد أن تتضح معالم الأزمة. أمّا المرحلة الأخيرة، وهي التعلم، فتلي انقضاء الأزمة؛ إنها، إذاً، مرحلة إدارتها الفاعلة (الشكل الرقم 11).

1. اكتشاف إشارات الإنذار

تنبعث سلسلة إشارات الإنذار، التي تنبئ باحتمال نشوب الأزمة. ويصعب، في بعض الأحيان، التفرقة بينها؛ إذ إن لكل أزمة إشاراتها. يسفر تجاهلها عن ظهور الأزمة بصورة أشد تأثيراً.

2. الاستعداد والوقاية

تحمل إشارات الإنذار المبكر، على استعدادات وأساليب كافية للوقاية من الأزمات؛ تستهدف اكتشاف نقاط الضعف في الكيان الإداري ومعالجتها، قبل أن تنشأ الأزمة.

3. احتواء الأضرار والحدّ منها

تحدِّد طبيعة الأزمة وتأثيرها المعنوي أبعاد هذه المرحلة؛ إذ إنه لا يمكن تجنّب تأثير الصدمة؛ وإنما يُسعى إلى احتواء الأضرار الناشئة عن الأزمات، التي لها خاصية التأثير النفسي، والانتشار السريع.

4. استعادة النشاط

تشمل هذه المرحلة تنفيذ خطط وبرامج مُعَدَّدة مسبقاً، سواء كانت خططاً قصيرة الأجل أو طويلة. وتتضمن عدة إجراءات، تستهدف استعادة الأصول المعنوية المُفْتَقَدة.

5. التعلم

وهي المرحلة الأخيرة في عملية إدارة الأزمة، وإعادة تقييم ما أُنجز. والتعلم لا يعني تبادل الاتهامات، أو إلقاء المسؤولية على الغير.
عمل فريق إدارة الأزمات

1. جمع الحقائق والمعلومات

يعمد فريق إدارة الأزمات، قبل البدء بوضع خطة الأزمات، إلى جمْع الحقائق والبيانات كافة، التي يحتاج إليها؛ وتشمل:

أ. بيانات ومعلومات متوافرة دائماً في مركز إدارة الأزمات.

ب. بيانات ومعلومات سريعة التغير، تتراكم في مراكز أخرى، يمكن الاتصال بها.

ج. معلومات وبيانات لا توجد في المراكز الدائمة، وتتوافر في المراكز البحثية.

د. بيانات تقديرية، يحتاج إعدادها إلى متخصصين، عند طلبها أثناء الأزمة.

هـ. معلومات يجب توافرها، أثناء إدارة الأزمة:

1 - بيانات أو معلومات عن احتمالات وقوع أزمة، في توقيت، أو مكان، أو قطاع معين.

2 - بيانات ومعلومات عن عوامل نشوء أزمة واشتدادها.

3 - بيانات ومعلومات عن أعراض أزمة.

4 - بيانات ومعلومات عن حدوث أزمة.

5 - بيانات ومعلومات عن القطاعات، التي تتأثر بالأزمة.

6 - إمكانيات متاحة لمواجهة الأزمة.

7 - جهات يمكنها التعامل مع الأزمة.

8 - سيناريوهات لازمة لمواجهة الأزمة.

2. إعداد سيناريوهات لأزمات متوقعة

توافر البيانات والحقائق، يمكِّن من توقع الأزمات المحتملة، من خلال حصر الأخطار واستقرائها. وللتعامل مع الأزمة، يحتاج متخذ القرار إلى سيناريوهات بديلة وتحليلها، واعتماد الملائم منها، في إطار تأمين المصالح الحيوية والمحافظة عليها. ومهمة إعداد السيناريو، ليست سهلة؛ قوامها تقدير الأحداث ومعدلات تصاعدها، وواقعية التدريب عليها؛ فنجاحها رهن بالخبرة، والإلمام العلمي، والقدرات الخاصة على التصور السليم.

يشتمل السيناريو على عدة تصورات للتحركات والعمليات المتتالية، التي يجب أن تتراكم، ليمكن تحقيق الهدف منها. فيتضمن أدوات التنفيذ ومكانه، وتوقيتات المهام والعمليات التنفيذية وأسلوب تتابعها، ونوع النتائج المطلوب الوصول إليها، في كلِّ مرحلة، والجهات المسؤولة عن تنفيذ كلِّ جزء من أجزاء السيناريو، ومستوى الأداء المستهدف. ويجب أن يسبق إعداده توضيح طبيعة المهمة، المكلَّف بها فريق الأزمات، والأطراف الأخرى المشتركة في العملية.
العمل في مركز إدارة الأزمات

1. طريقة تنظيم العمل في مركز إدارة الأزمات، تأثيرها في أنواع تكنولوجيا المعلومات المستخدمة وأساليبها، وفقاً للحالات التالية:

الحالة الأولى:…متابعة الموقف ومراقبته، وتشغيل الأجهزة، واستغلال الخبرات المتيسرة، والاستعانة بالخبراء على إعداد التقارير وتوقُّع الأزمات.

الحالة الثانية:…انتقال السلطات والمسؤوليات إلى جماعة العمل الأعلى مستوى، بعد ظهور بوادر الأزمة.

الحالة الثالثة: وقوع الأزمة؛ وتولِّي متخذ القرار نفسه ومعاونوه الرئيسيون، السلطات والمسئوليات؛ وقد تنتقل مسؤولية إدارة الأزمة إلى مستوى رئاسة الوزراء، أو رئيس الدولة نفسه.

2. توافق نظام المعلومات المتيسر وتعامله مع هذه الحالات، طبقاً لحاجة كلٍّ منها إلى المعلومات؛ بما يمكن فريق إدارة الأزمة، ومتخذ القرار، من توقُّع الأزمة، سواء كانت محتملة أو مؤكدة، واتخاذ الإجراءات الوقائية والعلاجية. وكذلك الإعلان بحدوث الأزمات، ونقل الأحداث، والتحليل الأولي للبلاغات والمعلومات، واستعلام مواقع الأحداث، والمساعدة على وضع تصوُّر تحليلي، وتقييم الخيارات المختلفة وتحليلها، واتخاذ القرار ودعمه، والتدخل المباشر، والتعامل مع عناصر الأزمة المختلفة، واستخدام الوسائل، التي تحدّ من تناميها وتداعياتها. ولتحقيق هذه المهام، ينقسم العاملون في مراكز إدارة الأزمات، إلى خمس جماعات أساسية، هي:

أ. الأولى: مهمتها التعامل المباشر مع عناصر الأزمة؛ وهي الأكثر اعتماداً على نظام تكنولوجيا المعومات.

ب. الثانية: تضطلع بالمتابعة والتحليل للأزمة وتداعياتها.

ج. الثالثة: تتولَّى إدارة الأزمة.

د. الرابعة: تسعى إلى استعادة الأوضاع.

هـ. الخامسة: تعمل في المركز التبادلي لإدارة الأزمة.


التعامل مع الأزمة
…عملية مواجهة الأزمات وإدارتها بأسلوب علمي متكامل، تمرّ بعدة أدوار متكاملة، ومترابطة، ومتتابعة، أهمها:

1. تقدير الموقف

أ. تحديد إجراءات القوى المسببة للأزمة وتصرفاتها، ونتائج تلك الأزمة، وردود الفعل، والمواقف المحيطة بها، والمؤثرة فيها.

ب. تحليل مكونات القوى المسببة والمحركة للأزمة وعلاقة بعضها ببعض، ومصادر الوصول إلى النتائج الحالية، وأسباب نشوء الموقف الراهن وتطوره، وعلاقات المصالح، والصراع والتنافس والتكامل، التي ربطت بين القوى المسببة للأزمة وأيِّ قوى أخرى.

ج. تحليل دقيق للقوى، الصانعة للأزمة والمعارضة لها، وقدرة كلٍّ منهما على الحركة والمناورة، ومدى دعمها الخارجي. ويتضمن هذا التحليل الأبعاد التالية:

1 - تحديد دقيق، وشامل، للقوى الصانعة للأزمة، حجماً وعدداً؛ سواء منها الظاهرة والمستترة.

2 - تحديد عوامل القوة، التي ترتكز عليها القوى الصانعة للأزمة ورصدها وتوقُّعها؛ وتعيين ما تملكه تلك القوى من مصالح، تؤثر في مواقف الآخرين، المؤيدين والمعارضين، ومراقبة ما ينشأ عنها من تصرفات، سواء اتخذت شكل تعايش مع الأزمة أو مواجهة تصادمية معها.

3 - تحديد القوى المساعدة، والمؤيدة، لقوى الأزمة، التي لا تستطيع، غالباً، أن تضطلع، بمفردها، بضغط الأزمة، أو بإنشاء أزمة عنيفة؛ ولذلك، فهي تحتاج إلى قوى مؤيدة لها. ويستدعى ذلك تحديد التحالفات التي أنشأتها تلك القوى، وتقدير مدى قوّتها وفاعليتها، والمصالح التي تجمع بينها.

4 - تحديد أسباب الأزمة وكيفية صناعتها، من خلال الدراسة الدقيقة لنتائجها. وتحديد تلك الأسباب، هو البداية الحقيقية للمواجهة؛ إذ يبيِّن تفاعلها، الذي تمخض بنشأة الأزمة وتفاقمها.

2. تحليل الموقف

أ. بعد تقدير الموقف، والتوصل إلى حقائق محددة، يبادر قائد الفريق المكلَّف بإدارة الأزمة، بمساعدة معاونيه، إلى تحليل الموقف بمقوماته ومكوناته المختلفة؛ لاكتشاف المصالح الحقيقية المتوخاة من الأزمة، وأهداف صانعيها الحقيقية، غير المعلنة، التي يسعون إلى تحقيقها. ويطاول التحليل الجوانب التالية:

1 - علاقات الارتباط والانحدار للمتغيرات والثوابت، المتعلقة بعوامل الموقف، ومدى تأثير كلٍّ منها؛ إضافة إلى تأثيرها في صنع الأزمة، وتكوين الموقف المتأزم.

2 - أسباب التوتر، والعوامل التي دعمته، ومستوياته التي بلغتها الأزمة؛ ومراحل الاستقرار والتعادل، التي استطاعت قوى إدارة الأزمة الوصول إليها.

3 - مواطن القوة والضعف لدى كلٍّ من قوى صنع الأزمة والمواجهة لها.

4 - طبيعة الأخطار التي ستنجم عن الأزمة، وأعباء استمرارها ونفقاته، ومدى تأثيرها.

ب. تحويل النتائج، التي أسفر عنها تحليل الموقف، إلى عناصر كمية، تتيح التوصل إلى المؤشرات والنتائج والحلول، الكلية والجزئية، والخيارات المختلفة.

3. التدخل في الأزمة

…وهي مرحلة رسم السيناريوهات، وإعداد الخطط والبرامج، وحشد القوى لمواجهة الأزمة والتصدي لها. ويرتكز إعداد السيناريوهات على الخريطة العامة لمسرح العمليات، والتي تتضمن الأطراف والقوى كافة، التي حشدها صانعو الأزمة ومقاوموها؛ وتحديد بؤر التوتر وأماكن الصراع. واستناداً إلى تلك الخريطة، يُخطَّط تحرك المواجهة كالآتي:

ب. تحديد الأماكن الأكثر أمناً وتحصيناً؛ لاتخاذها نقاط ارتكاز، وقواعد انطلاق.

ب. تحديد الأماكن الآمنة؛ لاتخاذها حاجزاً يتلقى الصدمات، في حالة تدهور الموقف؛ فضلاً عن كونها مناطق إنذار واحتواء للضغوط.

ج. تحديد أسباب الأزمة المتصلة بالنظام، والرموز التي يمكن تحميلها المسؤولية عنها، وتسليط السخط عليها، والتمهيد لاستبدال رموز جديدة بها، ذات شعبية مقبولة لدى قوى صنع الأزمة.

د. وضع خطة لامتصاص ضغوط الآنية للأزمة، تستجيب بعض مطالب القوى الصانعة لها، وتقرّ التوافق المرحلي معها؛ على أن يكون ذلك وفقاً للمراحل العلمية الآتية:

1 - الاعتراف بالأزمة.

2 - التوافق والاستجابة المرحلية لمطالب الأزمة.

3 - تحقيق أسباب الأزمة وتأكيدها.

4 - تكوين لجان، تناقش الأزمة، وتشترك في حلها.

5 - نقل العبء المترتب على حل الأزمة، إلى القوى الصانعة لها.

هـ. توزيع الأدوار على قوى مقاومة الأزمة، لا سيما فريق إدارتها، والفريق المكلَّف مواجهتها والتدخل المباشر فيها.

و. تأكيد استيعاب الخطة العامة لمواجهة الأزمة، من قِبَل كلٍّ من المعنيين بها؛ والتتابع الزمني للمهام، وفقاً للسيناريو، الذي اختير لمواجهة إفرازاتها، والتصدي للقوى الصانعة لها، بل اجتذاب بعضها؛ للسيطرة على مسرح الأزمة سيطرة فاعلة.

ز. حشد كلّ ما يحتاج إليه التعامل مع الأزمة؛ وتزويد فريق المهام باحتياجاته، من الأدوات والمعدات، التي يتطلبها الموقف.

ح. تحديد التوقيت الملائم للبدء بتنفيذ خطة المواجهة تنفيذاً فعالاً، وحاسماً؛ على أن تستمر متابعة الأحداث، ومراقبة رد فعل الطرف الآخر.

4. معالجة الأزمة

…يسبق الأزمة فريق إدارتها، ومتخذ القرار فيها بمجموعة سيناريوهات جاهزة Basic Tasks؛ يواجهون بها ما يطرأ من مواقف صعبة، أو يعدِّلونها لتكون صالحة ملائمة للاستخدام الفعلي. وتُوزَّع، بمقتضاها، أدوار ومهامّ، أساسية وثانوية، وتكميلية، هي قوام معالجة الأزمة.

أ. المهامّ الأساسية

…تشمل المصادمة، والمواجهة السريعة، العنيفة؛ والاستنزاف، والاستيعاب؛ وتحويل مسار القوى صانعة الأزمة.

ب. المهامّ الثانوية

تتولَّى تهيئة المسارات، وإعداد مسرح الأزمة، ودعم فريق المهام الأساسية، سراً أو علناً، وفقاً لما تمليه عملية المواجهة.

ج. المهام التكميلية

تعمل على إزالة الآثار والانطباعات، التي خلّفتها سابقتاها في المسرح؛ وتحسين تلك الانطباعات، واستعادة الأوضاع كما كانت عليه قبل الأزمة.
عوامل سيناريو الأزمة

1. دراسة العوامل الطبيعية وتحليلها.

يتسع مجال العوامل الطبيعية، ليشمل الأبعاد، الاقتصادية والسياسية والاجتماعية. فتدرس الطبيعة الجغرافية لمسرح الأزمة، وظروفه المناخية؛ لمعرفة ما يعانيه طرفاها، ووجوه القوة، التي يعتمد عليها كلُّ منهما، وتأثير البيئة السياسية، الداخلية والخارجية، وطبوغرافية المنطقة في إدارة الأزمة.

2. دراسة الموقف العام وتحليله

يتطلب التعامل مع الأزمة رؤية واقعية لقدرات القوى المسببة لها وإمكانيات مصادمتها معها، أو مفاوضتها، أو تجاهلها، مرحلياً على الأقل. ويبدأ تحليل الموقف العام بتحديد المرحلة، التي وصلت إليها الأزمة، والقوى التي تسيطر عليها؛ والأخطار التي قد تسببها عملية الانتظار؛ ونفقات عملية المواجهة.

3. تحليل المهامّ

يضطلع فريق إدارة الأزمة بمهامّ متلازمة، تنفذ في وقت واحد؛ وأخرى متلاحقة، يتبع بعضها بعضاً؛ وثالثة منفصلة، تستهدف تشتيت فكر القوى المسببة للأزمة. وتحليل علاقاتها التبادلية، وتأثير بعضها في بعض، هو ضرورة لتحديد متطلباتها.

4. دراسة الموارد والإمكانيات وتحليلها

تعتبر الإمكانيات والموارد أحد الضروريات لمواجهة الأزمات. وتبدأ الإمكانيات بالقوى البشرية، التي حدثت في نطاقها الأزمة. وغالباً ما يزيد حدّتها محاولة غير المؤهلين المساعدة على مواجهتها؛ ولذلك، يحرص سيناريو الأزمة على الإحاطة بمجتمعها، ومنع غير المتخصصين من التداخل فيها. ومن الإمكانيات المهمة توافر المعلومات الحديثة، ذات الأهمية الخاصة، قبل اختيار السيناريو أو تعديله؛ إذ تجعله أنجح في إدارة مجتمع الأزمة، وأكثر موافقة وفاعلية في مواجهة صانعيها.

5. تحليل القوى المسببة للأزمة

وهو من الصعوبات، التي يعانيها فريق مواجهة الأزمات؛ إذ إنه يواجه خصماً غير واضح، ولا ظاهر؛ وكشفه يساعد على تحديد أهدافه البعيدة، التي يسعى إلى تحقيقها، وتعيين مصادر دعمه الخارجي. وكلّما أُمعن في معرفته وتحليله، ازدادت إمكانية اختراقه، والنجاح في اختيار السيناريو الملائم لمواجهته.
إعداد سيناريو الأزمة

إن الرؤية الشاملة لمعدي سيناريو مواجهة الأزمة، وقدرتهم على تحديد قواها، سيان تلك التي تحركها والتي تديرها، والوقوف على إمكانيات أُولاهما، وفرص التعامل مع الثانية؛ والخبرة الكاملة، والتأهيل الملائم ـ تتداخل جميعها في إعداد ذلك السيناريو، الذي تمليه أحداث وظروف معينة، تقارب الواقع. ويُرْدَف بسيناريوهات بديلة، قد تخالف ذلك الواقع، بدرجات متفاوتة. إلا أنه يتعين وجود قدر ملائم من المرونة، يمكن فريق إدارة الأزمة من الحركة في معالجتها، طبقاً لما تقتضيه الظروف والأوضاع، التي يواجهها.

سيناريو مواجهة الأزمة، هو، إذاً، المنظم الرئيسي لحركة التعامل مع مجهول؛ ما يوجب إعداده بدقة وفاعلية بالغة؛ بل هو، أساساً، أداة حركة وتحقيق إنجاز معين، يضطلع فيه كلُّ من أعضاء الفريق المنوط به إدارة الأزمة، بدور محدد، في إطار المهام المتكاملة، التي يؤدونها أداءً متتابعاً، ومتزامناً. ولذلك، لابدّ من تدريبهم على السيناريو، وتوفير ما يدعمهم ويساعدهم على تحقيق تلك المهام.

قواعد إعداد السيناريو (الشكل الرقم 12)

1. تحديد أسلوب التدخل في الأزمة ومواجهتها. ويستند إلى سَبْر طبيعتها سَبْراً دقيقاً، متكاملاً، يمكّن من التعامل معها تعاملاً مباشراً، أو غير مباشر؛ أو التكيُّف معها، أو مصادمتها بعنف، يدمرها. وتعدُّد وجوه التدخل، هو ما يقتضي تعدُّد السيناريوهات، التي يُنْتَقَى منها الأكثر ملائمة لمواجهة الأزمة.

2. منح فريق إدارة الأزمة سلطة ومسؤولية، تخولانه التصرف، من دون الرجوع إلى المستوى الأعلى؛ فتتيحان له عاملَي الوقت وحرية الحركة.

3. تحديد النطاق المسموح التعامل في إطاره. ويكون محدوداً بنقاط الصدام. وقد يتسع ليشمل مناطق الإمداد والتأمين والحماية والوقاية؛ وهي مناطق، يتعين تحديدها بدقة في السيناريو.

4. استشراف تطوُّر الأزمة، يساعد على إعداد سيناريو التعامل معها. والقدرة على تخيُّله، تبلور طريقة الاقتراب المثلى من الأزمة، وتكشف مكامن خطرها؛ ما يجعل إعداد السيناريو أكثر دقة ومقدرة على استيعاب متغيرات الأوضاع المحتملة.

5. التغيرات المحتملة، وخاصة تلك اللحظية، تستدعي مراقبة التغيير في الموقف القائم، وتعدُّد الرؤى للتعامل مع الأزمة.

6. المعطيات، الجغرافية والحضارية والاجتماعية، عوامل ثابتة، مقيَّد استخدامها. تتمثل أُولاها في جغرافية المكان، من جبال وأنهار وأودية، وكذلك شبكات الطرق والجسور والسدود والمطارات، وشبكات الاتصالات. أمّا الاجتماعية منها، فتتمثل في العصبيات والأقليات والنزعات الدينية الكامنة. وتتجسد الأخيرة في المعايير الثقافية، وهيكل القِيم والعادات والتقاليد. ويُستفاد من تلك المعطيات في إعداد الخطة الإعلامية، المساندة لجهود التعامل مع الأزمة وإدارتها.

7. الاستشارة الوجدانية، بِنَبْش الذكريات، ومخاطبة ضمير المجتمع، لإقناع أبنائه بالتفكير في تبديل موقفهم المؤيد لقوى الأزمة. ومن ثَم، يمكن التأثير في أنماط التفكير واتجاهاته، باستخدام العوامل المؤثرة في المشاعر والعواطف؛ ما يفيد في إعداد السيناريو لمواجهة القوى المسببة للأزمة.

8. الاستعانة بالمؤشرات الوضعية، المؤثرة في قوى الأزمة؛ ودفع هذه، أحياناً، إلى اقتراف أخطاء، تكون سبباً مباشراً لفقْد التأييد الخارجي. ويسهل، بذلك، إيجاد المناخ والمبرر لمواجهتها وتدميرها، في إطار من الدعم والتأييد الخارجيَّين.

9. استخدام المؤثرات النفسية في القوى المسببة للأزمة، يُشْعِر أبناء المجتمع بقِيمتهم الذاتية، ويزيد رغبتهم في المشاركة في الحركة. أمّا التركيز في الأخطار وعوامل التهديد، وبث الخوف الداخلي، فيحفزهم إلى الابتعاد عن مناطق الصدام.

10. انتهاز سيناريو المواجهة للقلق، الناجم عن الأزمة، والذي يُعَدّ أحد المحركات الرئيسية للناس، واستغلاله في توجيه المجتمع. ويمكن استخدام المؤثرات الخارجية، ونوازع النفس البشرية الذاتية، في زيادة القلق؛ ما يفقد البشر توازنهم، ويساعد على توجيههم الاتجاه المرغوب فيه.
عوامل نجاح السيناريو

حينما تنفجر الأزمة، تتشظّى أزمات ثانوية عديدة لكلِّ منها مصلحتها وأهدافها الخاصة؛ لذا تتطلب مواجهتها إعادة تركيبها، والتغلب على التعارض بين أطرافها، والوصول إلى إطار أشمل، يُستخدم أساساً للمواجهة. ويتأتّى ذلك من خلال:

1. دراسة مكونات الأزمة، سواء في مضمونها العام أو في محورها الخاص؛ وترتيب المهام التي يجب أن يشملها سيناريو التعامل معها، والتعديلات اللازمة للتوافق معها، وفقاً لتطور الموقف.

2. تكليف غير فريق المواجهة الأزمة، والتحديد الدقيق لتوقيت تدخُّل كلٍّ منها، ودوره، وتوقيت تراجعه، وأسلوب إعداده لتدخُّل الفريق التالي. وما ذلك إلاّ حؤول دون عدم التنسيق بين أَفْرِقة المواجهة، وازدواج مهامّها؛ ما يسفر عن تفاقم الأزمة.

3. التنسيق الجيد بين أعضاء فريق المهام، التي يستدعي تنفيذها دعم قوى خارجية، تكون مستعدة للتدخل عندما يتطلب الموقف ذلك. ومن ثَم، لا بدّ أن تُراجع الإجراءات كافة، لتأكيد سلامة التنسيق بين القوى كافة، سواء كانت داخلية أو خارجية؛ حتى يمكن مواجهة التطورات المحتملة.

4. مراعاة السيناريو لمحددات عوامله ومتطلبات استخدامها؛ بل الاحتياط لها، وعدم تجاوزها. فالإسراف في العنف، يفقِد مبررات الشرعية؛ ولذلك، لا بدّ من وسائل أخرى، تمحو آثار استخدامه.

5. شرح وتوضيح كلّ مراحل السيناريو ومكوناته؛ إذ إن تنفيذه، لن يكون ناجحاً، إلاّ من خلال حسن الصياغة، والإعداد، والتدريب على وسائل عملية، كالمجسمات والحاسبات الإلكترونية؛ كي يمكن اكتشاف الجوانب الغامضة من الأزمة، وتحليل تفاصيلها المعقدة، والمتداخلة.
عوامل اختيار السيناريو

عوامل عديدة، ترجّح السيناريو الملائم؛ أبرزها:

1. الطبيعة الطبوغرافية لمكان المواجهة؛ إذ الإحاطة بتفاصيله، تساعد على اختيار السيناريو الملائم لمواجهة الأزمة وتفتيتها، وإفشال مخططها.

2. خصائص الأزمة والحالة التي هي عليها، ووضع قواها، وتأثيرها في المجتمع المحيط بها.

3. الهدف المطلوب تحقيقه، سيان كان إجبار الطرف الآخر على عمل ما، أو جعله يمتنع عن عمل معين.

4. المصالح والمكاسب، التي تسعى القوى المسببة للأزمة إلى الحصول عليها، والأضرار والخسائر، التي تستهدف تحقيقها. وقياساً على حجم المكاسب والخسائر، يمكن تحديد السيناريو الذي يمكن اتِّباعه، للتعامل مع تلك القوى.

5. الوقت المتاح لفريق الأزمة، بدءاً بتكليفه المهمة، واستعداده الفعلي لها؛ مروراً بتدخُّله، ومبادرته إلى تنفيذها؛ وانتهاءً بإنجازها.

ومن خلال العوامل الآنفة، يمكن تحديد نوع التدخل، الذي سيتولاه فريق مهام الأزمة، والأساليب التي سيتَّبعها. وفي إطار تلك المعلومات، يحدَّد السيناريو الملائم للتنفيذ.

مصفوفة الأزمات

مصفوفة الأزمات نموذج، يساعد على تحليلها، وفقاً لمعيارَي شدة الخطر، ودرجة التحكم. يعني أوّلهما التهديد، الذي يكتنف استمرارية عمل الكيان الإداري. أمّا الثاني، فيعني القدرة على التأثير في نتيجة الأزمة. ويقتضي كلُّ وضع من أوضاع مصفوفة الأزمات، إستراتيجية محددة (الشكل الرقم 13)، عمادها العلاقة بين المعيارَين السابقَين:

1. المربع الأول: خطر شديد، ودرجة تحكم منخفضة. ويحتوي على أزمة، لا قدرة على التحكم فيها، إلاّ بقدر محدود.

2. المربع الثاني: خطر شديد، ودرجة تحكّم عالية. ويحتوي على أزمات شديدة الخطر؛ وإنما يمكن السيطرة على نتائجها.

3. المربع الثالث: خطر ضعيف محدود، ودرجة تحكّم عالية. ويحتوي على أزمات غير حادة، يمكن إدارتها بكفاءة.

4. المربع الرابع: خطر محدود، ودرجة تحكّم منخفضة. ويحتوي على أزمات محدودة الأهمية، ولا خيارات في مواجهتها.

تساعد المصفوفة على تقييم الأزمة، واستنتاج إستراتيجية مواجهتها. ففي المربعَين: الأول والرابع، تتركز الإستراتيجية المطبقة في خطط ما بعد الأزمة؛ إذ مادام التحكم فيها غير ممكن، فلا بدّ من التفكير في كيفية التعامل مع نتائجها. أمّا الأزمات الواقعة في المربعَين: الأول والثاني، فلا بدّ لها من المشاركة والتأييد الخارجي والمشاركة فيها. وتستدعي الأزمات الواقعة في المربعَين: الثاني والثالث، إدارة ناشطة. والأزمات الواقعة في المربعَين: الثالث والرابع، لا تتطلب مشاركة ودعماً خارجياً، ولا مشاركة الإدارة العليا؛ وذلك لمحدودية خطرها.

دور الإعلام في مواجهة الأزمات

لوسائل الإعلام دور مهم إثناء مواجهة الأزمات وبعدها؛ بل إن بعضها، تعتمد إستراتيجية مواجهتها على الوسائل الإعلامية، وخاصة تلك التي تتعلق بالبيئة والمجتمع. ويتمثل الدور الإعلامي في الآتي:

أ. إعلام الرأي العام بأبعاد الأزمة.

ب. المساعدة على تنشيط الكيانات المحلية لمواجهة الأزمة.

ج. الحث على تقديم المساعدات المجدية، وفق الاحتياجات الضرورية الماثلة.

د. الصلة بين أجزاء المجتمع ومتخذي القرار السياسي، والقائمين على إدارة الأزمات.

وتحكم العلاقة الإعلامية بين الرأي العام وإدارة الأزمة، ضوابط عدة، أبرزها:

أ. مراعاة الدقة والحذر، وإعلان الحقائق التفصيلية؛ لأن الرأي العام، سيُبنى على معرفة تطور الأحداث وأسبابها، ورد فعل الأجهزة الرسمية، لمواجهة الأزمة.

ب. الحرص على الدقة الكاملة في إعداد التصريحات والبيانات، ذات الطبيعة السياسية؛ بما يساعد على تشكيل الرأي العام، ومواجهة الأزمة واحتواء تداعياتها.

ج. الاعتراف بالأخطاء المرتَكَبة في بداية الأزمة.

د. التعامل بموضوعية، وعدم الانفعال، أمام أجهزة الرأي العام.

هـ. إعلان الحقائق ونشرها، بالسرعة اللازمة؛ لإيجاد مناخ عام، يلائم مواجهة الأزمة.

الوقاية من الأزمات

يُشترط للتعامل مع الأزمات إدارة فاعلة، ترتكز على المعرفة والرشاد، وتستند إلى الأسس العلمية، المكتسبة من واقع التجارب الإنسانية؛ وتستنير بجهود العلماء والباحثين، في شتى المعارف والعلوم، المتعلقة بعلم إدارة الأزمات. وقد تمخّضت تلك الخواصّ بنظام يقي أخطار الأزمات، إلاّ أنه لا يحُول دون وقوعها؛ وإنما يساعد على الصمود أمام ضغوطها. وألحّ على وجوده ما يلي:

1. الوقاية أقلّ نفقة من العلاج. والدمار الناجم عن الأزمة، يتجاوز النفقات المادية إلى الخسائر المعنوية الباهظة، وأشدها خطراً فقدان الثقة والمصداقية والولاء والانتماء.

2. الوقاية تحقق التوازن والقدرة على الحركة المنتظمة، في مواجهة أحداث الأزمة، وتحدّ من الاختلال، الذي قد تسببه.

3. الاستفادة من إيجابيات الأزمة، وتجنُّب سلبياتها.

4. الحيلولة دون تفاقم أحداث الأزمة، بحرمانها أيّ دعم، بل أيّ فرصة للنموّ، وخاصة أنها تغذي نفسها بنفسها.

وتعِين على الوقاية من الأزمات، والحدّ من أخطارها، مجموعات إجراءات الآتية:

المجموعة الأولى: مراجعة شاملة، لتقييم فاعلية الكيان الإداري. تحدِّد قدرات النظُم، المالية والقانونية، وفاعليتها، ومكمن الخطر فيها، والاحتياطات الوقائية لمواجهته.

المجموعة الثانية: الإعداد النفسي الداخلي، من خلال الاهتمام بالجوانب النفسية المترتبة على الأزمة؛ مع السعي، في الظروف المعاصرة، التي تتسم بالتعقيد، إلى الربط بين التكنولوجيا المستخدمة والمواطنين والكيان الإداري.

المجموعة الثالثة: الاهتمام بموقف الأطراف الخارجية المؤثرة من تطورات الأزمة. وتحديد أسلوب ملائم للتعامل مع وسائل الإعلام، قبل الأزمات وأثناءها وبعدها.

المجموعة الرابعة: مراجعة إجراءات السلامة، وإعادة تقييم هياكل الكيانات، الإدارية والصناعية؛ ودراسة الأساليب والخبرات السابقة، المتبعة في مواجهة الأزمات.

إجراءات هي ضرورة لمواجهة الأزمات. إذ لابدّ من التخطيط المسبق لمواجهة أزمة واحدة، على الأقل، من أزمات كلِّ مجموعة؛ وكذلك التخطيط الكامل لمجموعة واحدة، على الأقل، من الإجراءات الوقائية (الشكل الرقم 14)، وخاصة أن الأشكال المحددة، التي يمكن أن تتخذها الأزمة، تُعَدُّ مختلفة عن المجموعات العامة للأزمات نفسها، التي طالما اتخذت أشكالاً جديدة، بينما تبقى أنواعها العامة ثابتة، من دون تغيير. والتركيز في الأزمات المتكررة، والشائعة، من الناحية التاريخية، ليس كافياً لتخطيط المواجهة؛ بل إن القواعد والأسس، التي تحكُم تعرُّف الأزمات وتحديدها، تستدعي الدراسة والتحليل للشكل، الذي يمكن أن يظهر فيه نوعها العام، وفي إطار البيئة التي ينمو فيها؛ كي يمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية، وأبرزها:

1. إجراءات وقائية مباشرة، وتتضمن برامج دورية، لمتابعة الأداء والمهام متابعة مقبولة، وطبيعية؛ والوقوف على الانحرافات، أو بوادر التوتر، ومعالجتها قبل أن تتنامى، وتصل إلى حدّ الأزمة.

2. إجراءات وقائية غير مباشرة، قوامها المراجعة الدورية للهياكل، الإدارية والتنظيمية؛ لتحديد مدى ملاءمتها احتياجات العصر، ومواكبتها التطورات التكنولوجية العالمية.

…وقدرة نُظُم الوقاية من الأزمات على أداء مهامها، هي رهْن:

أ. سرعة التصدي، بحزم وقوة مؤثرة، لأي خلل أو قصور، قد يسبب أزمة.

ب. التركيز والتوافق المستمر مع متطلبات البيئة، الخارجية والداخلية، التي تعمل في إطارها القوى الفاعلة في مواجهة الأزمة.

ج. المرونة الكاملة، والقدرة غير المحدودة على استيعاب ضغوط الأزمة كافة، وإفقادها قوّتها وإحباط أهدافها.

3. فاعلية الإنذار المبكر Early Warning، والاهتمام بالإشارات، التي تنبئ بقرب حدوث الأزمات؛ لأنها أولى خطوات الوقاية منها. ويسفر تجاهلها، أو تفسيرها تفسيراً غير سليم، عن ظهور الأزمة واشتداد خطرها. وأهم الإشارات:

أ. الإشارات السلوكية، التي ينمّ بها افتقاد التعاون والحماس، والانحلال داخل المجتمع وعدم انضباطه؛ وغياب الالتزام والمسؤولية؛ وتفشي السخط، والحديث فيه علانية.

ب. الإشارات التنظيمية، التي يَشِي بها عدم الرضا عن القرارات المتَخذة والصدع بين متخذيها والمهتمين بها. ويؤكد استمرار نقدها، وعدم الاقتناع بها، خللاً في عملية صنع القرار. زِد على ذلك أن تداخل الاختصاصات، في الهياكل التنظيمية، والعلاقات بين الوزارات، والمصالح المختلفة، وأجهزة السلطة ـ هي كلها دلائل إيذان مبكر بالأزمات.

4. استعادة الثقة المتلاشية بالنفس؛ ولكن، بعد تحديد أسباب تلاشيها وعوامله.
الفصل الرابع

تطبيقات إدارة الأزمات

…ثمة قواعد ومبادئ عدة، تراعى في إدارة الأزمات؛ تطَّور بعضها، تدريجاً، بعد أن أكسبته التجارب العملية مصداقيته. ومن ثَم تكتسب القراءة المتأنية للتاريخ أهميتها، إذ تصقل الخبرات، وتبلور معياراً رشيداً، يمكن الرجوع إليه، في مواجهة أزمات الحاضر والمستقبل. والتجارب التاريخية، هي، إذاً، مادة إدارة الأزمات؛ غير أن الاستفادة منها، يخضع لمفهوم القياس، وليس لمفهوم التكرار، مادام مستحيلاً، أن يكرر التاريخ أحداثه تكراراً متطابقاً تماماً. وفي هذا الإطار، لا يكون القياس التاريخي تجربة جاهزة، تصلح لعلاج كلِّ الحالات؛ بل إن للحسّ التاريخي الحادّ دوره، في تقرير القابلة منها للقياس، وتلك التي تشذ عنه؛ وذلك رهْن القدرة على تمييز المتغيرات المؤثرة في جوهر الحقيقة التاريخية، من تلك التي لم تحقق التأثير المطلوب.

…وفي إطار مواجهة الأزمات وإدارتها، لا سبيل، هو أفضل من منهج القياس التاريخي، الذي يتخذ التجربة التاريخية مصدراً رئيسياً لدراستها الأزمات وتحليلها. إلاّ أنه لا بدّ من تجنّب اللبس، بين القياس التاريخي الصحيح، الذي يأخذ في حسبانه المتغيرات الراهنة، وذاك الخاطئ، الذي يتجاهلها. ومن ثَم، ليس للتاريخ قواعد ثابتة، تصلح للحالات كافة؛ وإنما قياس جائز على حالات مشابهة، تتيح توقّع بعض النتائج المحتملة، لتصرفات معينة، في مواقف مماثلة، وقابلة للمقارنة. فالتاريخ، إذاً، زاخر بالحكمة، فيه كلَُ الخبرات اللازمة لحل المشاكل المعاصرة، شريطة معرفة الملائم منها. وإدارة الأزمات، في الممارسات بين البشر والمجتمعات، قديمة قِدمهما؛ حيث كانت من مظاهر التعامل الإنساني مع المواقف الطارئة، أو الحرجة، سواء كانت بفعل الطبيعة أو البشر. وكانت هذه الممارسة، هي الاختبار الحقيقي لقدرة الإنسان على مواجهة الأزمات، والتعامل مع المواقف الحرجة؛ بما تفجره من طاقات إبداعية وتحثه على الابتكار.

…وإدارة الأزمات، لا تقتصر على التعامل مع الأزمة، لحظة حدوثها؛ ولكنها نشاط مستمر، يسبقها، تمهيداً لمواجهتها؛ ويليها، استخلاصاً لدروسها.
المبحث السابع

تطبيقات إدارة الأزمات الدولية، في ظل القطبية الثنائية

…ظاهرة الصراع، هي إحدى الحقائق الثابتة في واقع الإنسان والجماعة، وعلى مستويات الوجود البشري كافة. والصراع جزء كبير ومهم من العلاقات الدولية؛ فهو يعبِّر عن موقف، ينشأ عن تناقض المصالح أو القِيم، بين أطراف، تَعِي ذلك التناقض، ويرغب كلُّ منها في تحقيق أهدافه، التي تعارض رغبات الآخرين، بل تصادمها. واستمرار ذلك، ينتهي إلى تصادم الأطراف، أو إدارة التناقض واحتوائه. ويسيطر الصراع الدولي على سائر الصراعات؛ إذ إنه أشدها خطراً، وتهديداً لمسيرة الحضارة والتقدم. ويطغى على حيّز عريض من السلوك الدولي، الذي أصبحت ساحته تعج بالعديد من الصراعات والمنازعات والحروب والأزمات، حيث تلاحقت وتداخلت المشاكل، في إطار سيولة دولية ناتجة من الوضع الانتقالي للنظام الدولي، واستمرار الصراعات الإقليمية، وتفاقم المنازعات القومية الداخلية. والأزمة الدولية، هي حالة تتسم بالتوتر الشديد، والوصول إلى مرحلة حرجة، تنذر بانفجار العلاقات الطبيعية بين الدول؛ إنها، إذاً، طور متقدم من أطوار الصراع الدولي، يبدأ بالمجادلات، الكلامية والإعلامية، ويطَّرد ليبلغ ذروته في الاشتباكات العسكرية. ولذلك، تحتل الأزمة الدولية، على سلم التوتر، الدرجة التي تسبق المواجهة العسكرية مباشرة. ولكلِّ من مراحل التفاقم والتوتر آلياتها وأدواتها.

1. الأزمة الصينية (1945)

أ. خلفية تاريخية للأزمة

…رأت الولايات المتحدة الأمريكية، أن نجاح اليابان في عدوانها على الصين، وسيطرتها عام 1938 على جزء كبير منها، هو تهديد لمصالحها الحيوية لحلفائها في المحيط الهادي. وتأكد هذا الاعتقاد بهجوم اليابان، في 7 ديسمبر 1941 على ميناء بيرل هاربر Pearl Harbor. فقررت واشنطن إعلان الحرب على طوكيو، وكبح جماحها، بدعم نظام كاي شيك، في الصين الوطنية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً؛ ليتمكن من مواجهة التهديد الياباني، الذي طاول السواحل الصينية؛ وليقوى، كذلك، على التصدي للشيوعيين.

وسرعان ما أبدت الخارجية الأمريكية حرصها على الحؤول دون توجُّه الشيوعيين الصينيين إلى الاتحاد السوفيتي، فبادرت إلى الاتصال بكلٍّ من ماوتسي تونج، وكاي شيك، سعياً إلى حكومة ائتلافية، تضم الطرفَين؛ بل بمساعدات، اقتصادية وعسكرية، للشيوعيين الصينيين، الذين ما لبثوا أن وافقوا على المقترحات الأمريكية. بيد أن الرئيس الأمريكي، روزفلت، تجاهلها؛ بل قصر مساعدته على نظام كاي شيك، وأمعن فيها فضلاً عن معارضته لأي اتصال بالطرف الآخر.

وفي ضوء التقارير والمعلومات المتضاربة، عن أوضاع الصين الداخلية، حددت الحكومة الأمريكية موقفها منها بالآتي:

1 - منع السوفيت من التدخل في الصين.

2 - العمل على تجنّب حرب أهلية.

3 - تأييد كاي شيك ودعمه.

4 - الإسراع في إجلاء القوات اليابانية عن الصين.

…ولتحقيق هذه الأهداف، اتخذت الإدارة الأمريكية عدة إجراءات، هي:

أ- الاستيلاء على الموانئ، ومراكز الاتصال، الصينية، في إطار عملية عسكرية، نفذها، عام 1945،نحو خمسين ألفاً من مشاة البحرية، في تينتسن وتستنجتاو.

ب- منْع القوات الأمريكية في الصين، من التدخل في مصلحة كاي شيك، في حالة نشوب حرب أهلية، بينه وبين الشيوعيين.

ج- دعم موقف كاي شيك، بمساعدة قوات الصين الوطنية على استعادة الأراضي، التي لا تزال تحت سيطرة القوات اليابانية؛ وإعادة بناء تلك القوات، بما يمكنها من المحافظة على أمن بلادها الداخلي، بما فيها مناطق منشوريا.

ب. بداية الأزمة وأسلوب إدارتها

…في نوفمبر 1945، اندفعت أربعة جيوش أمريكية، من مواقعها في جنوبي الصين إلى شماليها؛ لمساعدة كاي شيك. فتصدى لها الشيوعيون، حيث أَرْدَوا العديد من رجالها؛ ما كان له أثره العنيف، في الولايات المتحدة الأمريكية، ولا سيما في الجمهوريين، خصوم ترومان، والفاعليات الصينية (اللوبي) في تلك البلاد؛ وعلى المستوى الشعبي. أمّا الرئيس الأمريكي، فأوفد ممثلاً شخصياً إلى الصين، مهمته الحدّ من تدخُّل السوفيت ومساعدتهم الشيوعيين الصينيين. وبادرت واشنطن إلى الاعتراف بنظام كاي شيك، نظاماً شرعياً، ووحيداً، في الصين؛ وطفقت تقدِّم إليه التسهيلات والمعونات الاقتصادية له؛ إذ أيقنت أن تخليها عنه، سيسفر عن تقسيم تلك البلاد، وسيطرة الاتحاد السوفيتي على مناطق صينية، توجد فيها قوات أمريكية، وخاصة منشوريا؛ فتفقد الولايات المتحدة الأمريكية كلَّ الأهداف، التي حاربت من أجلها، في الشرق الأقصى.

…ولكن تقارير الموفد الرئاسي الأمريكي إلى الصين، حملت الرئيس ترومان على إعادة النظر في السياسة الأمريكية، وإيجاد صيغة توفيقية للأهداف المتعارضة في ظاهرها، بين عدم التخلي عن كاي شيك، وعدم التمادي في مساعدته. واقتضى ذلك اتخاذ عدة قرارات، أبرزها:

1 - الامتناع عن أيّ تصريح، يتعرض لحقيقة نظام كاي شيك.

2 - رفض جميع طلبات المساعدة، العسكرية والاقتصادية، التي تقدم بها كاي شيك، وخاصة بعد ثبات عدم استخدامها في ما قُدِّمت لأجله 0

3 - خفض المعونات، العسكرية والاقتصادية، المقدمة إلى الصين في ميزانيتَي 1947 و 1948.

ج. التقييم الأمريكي للأزمة

1 - الأزمة مرحلة من مراحل الخصام، بين الولايات المتحدة الأمريكية وكلٍّ من الاتحاد السوفيتي خاصة، والشيوعية العالمية عامة.

2 - المعلومات الخاطئة، وتناقض الانطباعات الشخصية مع الحقائق الموضوعية، أسهما في اتخاذ الإدارة الأمريكية قرارات سلبية، انبثقت من اعتقاد روزفلت، أن خلْع العظَمة على الصين الوطنية، تخلِّيه عن العديد من الامتيازات القانونية الأمريكية فيها، وإلغاءه قوانين العزل المفروض عليها، والسعي إلى تخصيصها بمقعد دائم في مجلس الأمن ـ سيحفز حكومة كاي شيك إلى التصرف تصرُّف دولة عظمى، تدعم الاستقرار في الشرق الأقصى.

3 - المعلومات المضلِّلة، المنحازة نظام كاي شيك، أسهمت في تفاقم حدّة الأزمة، وبلوغها مرحلة الصراع المسلح.

4 - القطيعة للطرف الصيني الآخر، ولاسيما رفض الرئيس الأمريكي، روزفلت، أن يستجيب رغبة ماوتسي تونج وشواين لاي في حوار مباشر معهما ـ زادت الأزمة حِدة. ولو تأتّى ذلك الحوار، لأَمْكَن الحصول على المعلومات الصحيحة عن الأوضاع في الصين.

5 - مداراة الرئيس الأمريكي، ترومان، المعايير الداخلية، بإعلانه عزمه على انتهاج سياسات سلفه، من دون إعادة تقييمها؛ فضلاً عن سماحه للجمهوريين، والفاعليات الصينية (اللوبي)، بالتدخل المستمر في الأزمة ـ أفسدا عليه إدارتها.

6 - تجاهُل الرئيس ترومان مقترحات وزارة الخارجية الأمريكية، وقف المساعدات للصين الوطنية؛ وترقب ما سينجم عن أطماع الاتحاد السوفيتي في منشوريا، وحرص الصين على المحافظة على وحدتها الإقليمية؛ عسى أن ينفجر الصراع الحقيقي بين الدولتَين، وينعكس على وحدة الصف الشيوعي ـ كان أحد العوامل السلبية في إدارة الأزمة.

2. أزمة الصواريخ الكوبية

…أ. خلفية تاريخية للأزمة

…في يناير 1959، نجح الثائر فيديل كاسترو في إطاحة باتيستا، واستولى على الحكْم في كوبا. وبدأ بالبحث عن حليف بديل من الولايات المتحدة الأمريكية، المؤيدة للحاكم المخلوع، فلم يجد سوى الاتحاد السوفيتي. وتوثيقاً لهذه العلاقة التحالفية، اعتنق كاسترو الماركسية، منذ منتصف عام 1959؛ فانقلبت كوبا، الجزيرة التي تبعد نحو 65 كم من السواحل الأمريكية، إلى الشيوعية؛ فاختل توازن القوى في تلك المنطقة. ولم ترغب واشنطن في استخدام القوة، للحدّ من تداعيات الموقف، آنئذٍ، وخاصة في عهد الرئيس أيزنهاور. وحينما تولّى جون كيندي الرئاسة الأمريكية، سعى إلى إطاحة كاسترو؛ فساعد مناهضيه على غزو كوبا في إطار عملية خليج الخنازير، التي أخفقت في مهمتها؛ ولكنها أفلحت في تشريع الأزمات السياسية.

…لقد بادرت موسكو وهافانا إلى توثيق علاقاتهما التجارية، لتشمل، في غفلة من واشنطن، إنشاء قواعد صواريخ متطورة في كوبا. وما لبث ازدياد النشاط السوفيتي في الجزيرة، أن أثار حفيظة الكونجرس الأمريكي، فعمد إلى مناقشته. ولكن الرئيس السوفيتي، خروشوف، عَجِل إلى طمأنة نظيره الأمريكي، كيندي، في 4 سبتمبر 1962، في رسالة، تضمنت تعهداً من الاتحاد السوفيتي بألاّ يحاول إثارة أزمات، خلال هذه المرحلة. إلاّ أن الرئيس الأمريكي، أنذر موسكو إنذاراً حازماً، وحمّلها المسؤولية عن إدخال أسلحة إلى كوبا. وأعلن، تزايد الوجود العسكري السوفيتي في الجزيرة. بيد أن أجهزة الاستخبارات الأمريكية المختلفة، أجمعت، في ما سمِّي "تقديرات سبتمبر المخجلة"، في 19 سبتمبر على نفي أيِّ احتمال لنشر الاتحاد السوفيتي صواريخ في كوبا. ولكن، تدارك تلك التقديرات بإعلانه، في 22 أكتوبر 1962، امتلاك دلائل، تؤكد وجود سلسلة من مواقع الصواريخ النووية، التي يطاول مداها ألف ميل، والقادرة على حمْل رؤوس نووية.

…ب. تطُّور الأزمة وأسلوب إدارتها

…بعد اكتشاف الصواريخ السوفيتية، أُلف فريق لإدارة الأزمة، قوامه خمسة عشر عضواً، عُرف باسم "اللجنة التنفيذية لمجلس الأمن القومي"، عُهِد إليها بِسَبْر نيات موسكو، واستنباط الخيارات، في مواجهة التهديد السوفيتي.

تمخضت اللجنة بتقديرات متباينة. رأى أحدها أن هدف السوفيت، هو تعزيز موقفهم التفاوضي، لإزالة الصواريخ الأمريكية من تركيا. وهو رأى داحض؛ إذ إن الولايات المتحدة الأمريكية أعلنت عزمها على إزالة صواريخها تلك، من دون مقابل؛ فضلاً عن اختلال التوازن الإستراتيجي، بينها وبين نظائرها السوفيتية في كوبا؛ فالأولى تناهز 15 صاروخاً؛ بينما تقدَّر الثانية بنحو 42 صاروخاً متوسط المدى، و 36 صاروخاً بعيد المدى.

وعَدّ تقدير آخر إصرار الاتحاد السوفيتي على نشر صواريخه في كوبا، على صرامة التحذيرات الأمريكية، حفزاً للرئيس الأمريكي إلى تنفيذ تهديده، وضرب الصواريخ السوفيتية؛ إذ إن الاتحاد السوفيتي، لم يحرص على إخفائها، بل رغب في أن يكتشفها الأمريكيون، عسى أن يضربوها، فيثير عليهم العالم كله، بل ينتهز تورُّطهم، فيتقدم هو نحو برلين. وأدحض هذا الرأي، كذلك، أن التضحية بآلاف الجنود الأمريكيين في برلين، مقابل الآلاف من الجنود السوفيت في كوبا، من دون هدف جوهري واضح ـ هي فكرة غير عقلانية.

وقال تقدير ثالث بأن هدف الاتحاد السوفيتي، إنما هو الدفاع عن كوبا، في مواجهة التهديدات الأمريكية، التي ازدادت حدَّتها، خلال الفترة السابقة على الأزمة. وحمايتها، ليست قضية ثانوية، بالنسبة إلى الاتحاد السوفيتي؛ فهي المركز الشيوعي الوحيد، المتقدم، في نصف العالم الغربي؛ ولذلك، تدفقت عليه، منذ بداية عام 1962، المعونات العسكرية السوفيتية. ويُفَنِّد هذا الرأي، أن الدفاع عن كوبا، لا يقتضي وجود صواريخ نووية؛ فضلاً عن كثافتها؛ وإنما يكفيه 22 ألف مقاتل سوفيتي، كانوا في الجزيرة، أثناء الأزمة.

…بعد تحليل النيات السوفيتية، بادر فريق إدارة الأزمة الأمريكي إلى طرح خيارات مواجهتها:

1 - تجاهل التهديد السوفيتي، بهدف منع الدخول في مواجهة استفزازية مع موسكو. إلا أن هذا المقترح استُبعد؛ لأن قواعد الصواريخ في كوبا، تخل بالتوازن الإستراتيجي، بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي.

2 - إجراء اتصالات سِرية بكاسترو، تخيِّره بين سحب الصواريخ السوفيتية، أو تحمُّل عقبى بقائها. غير أن هذا البديل غير واقعي؛ إذ إن تلك الصواريخ، لا تخضع لكوبا، بل للسوفيت.

3 - الضغط على الاتحاد السوفيتي، من خلال الأمم المتحدة، لحمْله على سحب الصواريخ؛ أو إجراء اتصالات به، سرية أو علنية. ويعيب هذا الخيار، أن تحويل الأزمة إلى الأمم المتحدة، لن يكون مجدياً، وخاصة أن رئيس مجلس الأمن، إبّان الأزمة، كان سفير الاتحاد السوفيتي نفسه. أما إجراء اتصالات سرية بموسكو، فإنه قد يعد اعترافاً أمريكياً بحقها في الدفاع عن كوبا. وستعني الاتصالات العلنية بها، أن يتخلَّى كِلا الطرفَين عن بعض أهدافه.

4 - غزو كوبا، والقضاء على نظامها الشيوعي، وخاصة أن الظروف المحيطة بالأزمة، تتيح لهذا الخيار الفرصة الملائمة، والمبررات الشرعية. إلاّ أنه نُحِّي مؤقتاً ولم يُستبعَد كلية؛ نظراً إلى خسائره البشرية الفادحة، وإمكانية تحوُّله إلى مواجهة نووية عالمية.

5 - توجيه ضربة جوية مركزة، ومحدودة، إلى قواعد الصواريخ، وتدميرها تدميراً تاماً. وانُتقِد على هذا الخيار، أنه يتطلب هجوماً جوياً شاملاً، يدفع كوبا إلى انهيار سياسي فيها، قد يحمل الولايات المتحدة الأمريكية على غزوها؛ فيسفر عمّا انتهى إليه البديل السابق.

6 - فرض حصار بحري على كوبا، يحُوْل دون وصول مساعدات عسكرية سوفيتية أخرى إليها. ويؤخذ على هذا البديل، أنه قد يستّب صداماً عسكرياً بين الجانبَين؛ إذ إن الحصار البحري، يُعَدُّ خرقاً لميثاق الأمم المتحدة، وقواعد القانون الدولي؛ فضلاً عن أنه لا يتعامل مع مشكلة الصواريخ تعاملاً مباشراً.

…ج. القرار الأمريكي

…حاذر الرئيس الأمريكي، في إجراءاته الفورية لمواجهة الأزمة، نشوب حرب نووية عالمية؛ فقرر:

1 - فرض حصار بحري على كوبا، يمنع وصول المزيد من المساعدات العسكرية السوفيتية إليها.

2 - الاستطلاع المستمر، والدقيق، لكوبا، وخاصة قواتها العسكرية؛ لمعرفة التطورات، والاستعداد لمواجهة أيّ تهديد.

3 - حسبان أيُّ صاروخ نووي، موجَّه من كوبا إلى أيِّ مكان في نصف الكرة الغربي، ستعدُّه الولايات المتحدة الأمريكية هجوماً سوفيتياً عليها، يستلزم الرد الكامل، والحاسم.

4 - رفع حالات الاستعداد، في قاعدة جوانتانامو.

5 - دعوة الهيئة الاستشارية لمنظمة الوحدة الأمريكية، إلى اجتماع عاجل؛ للنظر في التهديد السوفيتي لأمن نصف الكرة الغربي.

6 - الدعوة لاجتماع طارئ لمجلس الأمن، لاتخاذ إجراءات حاسمة، ضد التهديد السوفيتي للسلام والأمن العالميَّين.

…وأَوْلت واشنطن الحصار البحري اهتمامها، لكونه وسطاً بين السلبية المطلقة ورد الفعل العنيف، يكاد يخلو من المجازفة؛ غير أنها ارتأت تعديل تسميته، فاستبدلت فرض حزام وقائي بفرض حصار بحري، تجنباً للمحاذير القانونية لكلمة حصار. كما تركت الحرية الكاملة للاتحاد السوفيتي في قرار بدء المواجهة المباشرة، لتحميله تبعاتها؛ فضلاً عن إيثارها منطقة الكاريبي، ميداناً لاختبار القوة بينهما، إن هو نوى اللجوء إليها. ووافق على هذا القرار الأمريكي كلُّ من منظمة الدول الأمريكية، وحلف شمال الأطلسي.

حيال استفحال الأزمة، وتراسُل طرفَيها، عرض الاتحاد السوفيتي، في 27 أكتوبر 1962، سحْب صواريخه من كوبا، في مقابل تعهّد أمريكي بعدم غزْوها. فأعلنت الإدارة الأمريكية موافقتها على الاقتراح السوفيتي. وتبددت، بذلك، احتمالات المواجهة النووية، التي أحدقت بالعالم.

…د. تقييم إدارة الأزمة

1 - تصورات طرفَي الأزمة الخاطئة، ساعدت على نشوبها. فالولايات المتحدة الأمريكية، شامت الحكمة والفطنة في الاتحاد السوفيتي، وحرصه على احترام الأوضاع القائمة؛ فاستبعدت إقدامه على نشر صواريخ نووية في كوبا؛ ولكنه خيَّبها. أمّا هو، فقد أيقن بافتقارها إلى الحزم الكافي لمواجهة الأزمة.

2 - اتِّباع الرئيس الأمريكي أسلوباً سِرياً في إدارة الأزمة، إبّان مراحلها الأولى. واعتماده على آراء العديد من مستشاريه ومساعديه، من خلال تشكيل لجنة تنفيذية لمجلس الأمن القومي، الذي استندت قراراته إلى تقارير وكالة الاستخبارات المركزية فقط؛ ما أسفر عن فرْض الحزام الوقائي (الحصار البحري) على كوبا، دون الخيارات كافة.

3 - رفْض واشنطن طلب الأمم المتحدة، رفْع الحصار الأمريكي عن كوبا، في مقابل وقْف المعونات العسكرية السوفيتية للجزيرة. وما رفْضها طلب المنظمة الدولية، على الرغم من موافقة موسكو عليه، إلاّ تأكيد للإصرار الأمريكي وتشدده، حيال الأزمة.

4 - مرونة الإدارة الأمريكية وتقبُّلها توجهات الاتحاد السوفيتي المعتدلة، التي أبداها في الرسائل بين الطرفين ـ ساعدا على حلّ الأزمة؛ فالاتصال المباشر، في إدارة الأزمات، هو، إذاً، ضرورة لحلّها.

3. أزمة حرب أكتوبر 1973

أ. خلفية تاريخية للأزمة

…لاحت منذ بداية السبعينيات، معالم الوفاق الدولي بين الاتحاد السوفيتي والولايات المتحدة الأمريكية. كذلك بدأت عملية انفراج العلاقات المصرية ـ الأمريكية، وخاصة بعد طرد الرئيس أنور السادات الخبراء السوفيت، في يوليه 1972؛ وإحيائه للاتصالات المصرية ـ الأمريكية، من خلال قنوات غير مباشرة؛ وأمكن احتواء كثير من الخلافات العربية البينية؛ ما زاد القناعة الأمريكية باستقرار الأوضاع في المنطقة، ودعم حالة اللاحرب واللاسلم. وقدرت الإدارة الأمريكية، أنه ليس أمام العرب سوى الحل السلمي، وبالشروط الأمريكية؛ فسعت إلى:

1 - منع الصراع المسلح، في منطقة الشرق الأوسط، بين العرب وإسرائيل.

2 - الحدّ من تنامي العلاقات، بين العرب والاتحاد السوفيتي، في إطار المحافظة على سياسة الانفراج الدولي.

3 - صياغة أُسُس وقواعد جديدة لأيّ مفاوضات عربية ـ إسرائيلية.

…وتنفيذاً لهذه الأهداف، طفقت الولايات المتحدة الأمريكية تدعم إسرائيل عسكرياً، لتفُوْق قوّتها قوة الدول العربية بعامة، ودول الطوق بخاصة. وحاولت إقناع العرب بأن الصراع العربي ـ الإسرائيلي لن ينتهي إلاّ بالسبُل الدبلوماسية؛ فاستجدت قنوات اتصال سِرية بين القاهرة وواشنطن، طورت العلاقات بينهما وأنعشتها. وفي 24 سبتمبر 1973، علمت الاستخبارات الأمريكية، أن مناورات ستنفَّذ، على الجبهتين: المصرية والسورية، وينم تغيير أسلوبها بنِيَّة الهجوم، على الجبهتَين كلتَيْهما. بيد أن الإدارة الأمريكية، تجاهلت ذلك وهوَّنت خطره. ولم تكن الاستخبارات الإسرائيلية بِأَخَطَّر من نظيرتها الأمريكية، إذ استهانت بالأمر، على توافر الشواهد، التي أكدت قرب العملية الهجومية، ولاسيما وصول شحنات صواريخ سوفيتية، إلى مصر وسورية.

…ب. تطوُّر الأزمة وأسلوب إدارتها

…سدرت الإدارة الأمريكية في استخفافها بخطر الموقف، على اندلاع القتال، في 6 أكتوبر 1973؛ ليقينها بالفَوْق الإسرائيلي العسكري على العرب. وما اقتراح جماعة عمل واشنطن للعمليات الخاصة، تحريك بعض وحدات الأسطول السادس إلى منطقة الشرق الأوسط ـ إلا تعبير عن الاقتناع الأمريكي بهزيمة عربية جديدة، قد تحمل السوفيت على التدخل؛ ما يجب الاستعداد له مبكراً؛ فضلاً عن أنها سترمي حكْم مصر في أيدي اليساريين؛ ما قد يستتبع انقلابات عسكرية، في العالم العربي.

…خشيت واشنطن نجاح العرب في هزيمة إسرائيل بأسلحة سوفيتية؛ وهي الساعية إلى قَصْر دور موسكو في الصراع. ولكنها لم تطرح دعوتها على مجلس الأمن، ريثما تستعيد الدولة العبرية الأراضي، التي حررتها القوات: المصرية والسورية؛ وتمسِك بزمام الموقف إمساكاً، توقن العاصمة الأمريكية بحتميته؛ حتى أنها لم تسرع في إمدادها بالأسلحة؛ ناهيك بأنها لو عجلت به، لاستثارت حفيظة العرب، ودفعت الاتحاد السوفيتي إلى الإمعان في دعمهم.

…سرعان ما بادرت الإدارة الأمريكية إلى مشاورات مع الاتحاد السوفيتي في 6 و 7 أكتوبر 1973؛ بهدف الاتفاق المبدئي على شروط وقف إطلاق النار، قبْل طلب عقد اجتماع لمجلس الأمن. كما اتصلت بالحكومة المصرية، مؤكدة خطر الهجوم الإسرائيلي المضادّ، وطالبة قبول وقف إطلاق النار، على أساس انسحاب القوات إلى مواقعها قبْل الاشتباكات. وحذرت، كذلك، الأردن من التورط في الصراع المسلح. إلاّ أن مصر وسورية والاتحاد السوفيتي، رفضت شروط وقف إطلاق النار رفضاً كاملاً.

أيقنت واشنطن أنه لا بدّ من انتصار عسكري إسرائيلي، يُرغم الدول العربية على قبول وقف إطلاق النار؛ ولكن إسرائيل، لن ترضى به، إلاّ إذا تحوّل الموقف العسكري في مصلحتها. ولذلك، تريثت الإدارة الأمريكية في طلب وقف إطلاق النار، ريثما تُنْجِز إسرائيل ما وعدت، من حسم الموقف، على الجبهة السورية، في 9 أكتوبر؛ وتحقيق الانتصار على العرب، في نهاية الأسبوع الأول من بداية الصراع.

…في نهاية يوم 9 أكتوبر، تطوَّر الموقف تطوُّراً سريعاً، حمل إسرائيل على طلب إمدادات عسكرية عاجلة؛ بل دفع رئيسة وزرائها إلى زيارة العاصمة الأمريكية. كما أثار الشكوك في صحة تقارير الاستخبارات الأمريكية، وحقيقة الموقف العسكري الإسرائيلي. ولذلك، ارتأت الإدارة الأمريكية تعديل سياستها، فوافقت على طلبات إسرائيل العسكرية، وتعويضها من خسائرها كافة. وقِبلت أن تكون مواقع القتال، هي خط وقف إطلاق النار، حين إقراره؛ مع التزام إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة.

في 10 أكتوبر، وافقت إسرائيل على وقف إطلاق النار غير المشروط، والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة. وأكدت الإدارة الأمريكية وصول إمدادات عسكرية سوفيتية إلى مصر وسورية، فبادرت إلى إنشاء جسر، جوي وبحري، يمد الإسرائيليين بالأسلحة، بعد أن أصبحوا في موقف صعب يحملهم على اللجوء إلى خيارهم الأخير، وهو استخدام القنبلة النووية.

…بعد تمكُّن القوات الإسرائيلية من ثَغْر الجبهة المصرية، في الدفرسوار، وافقت الإدارة الأمريكية على الاقتراح السوفيتي، عقد اجتماع بينهما؛ حرصاً على سياسة الانفراج الدولي. إلاّ أن عدم التزام إسرائيل بقرار مجلس الأمن، الرقم 338، الصادر في 22 أكتوبر 1973؛ ورفض الولايات المتحدة الأمريكية، في 24 أكتوبر، الضغط عليها، لإجبارها على تنفيذه ـ أفسدا على الدولتَين العظميَين اجتماعهما، بل زادا الموقف بينهما توتراً؛ إذ بادرت موسكو إلى رفع درجة استعداد 7 فِرق سوفيتية محمولة جواً، وإنشاء قيادة متقدمة لها، في جنوب شرقي الاتحاد السوفيتي، وزيادة عدد قطع الأسطول السوفيتي في البحر الأبيض المتوسط إلى 85 قطعة؛ لإجبار إسرائيل على تنفيذ قرار وقف إطلاق النار. فردت واشنطن برفع درجة استعداد القوات الأمريكية الإستراتيجية. غير أن استنفارهما، لم يَطُل؛ إذ أيدتا كلتاهما، في 25 أكتوبر، قرار مجلس الأمن، الرقم 340، الداعي إلى إنشاء قوة طوارئ دولية، من دون مشاركتهما، لمراقبة وقف إطلاق النار. فتبددت، في 26 أكتوبر، ظلمات الأزمة.

…ج. تقييم إدارة الأزمة

…كان لأزمة أكتوبر 1973 دور أساسي في تصحيح الرؤى والمفاهيم الأمريكية، في تبنِّي إستراتيجيات جديدة، توائم أهداف واشنطن المرحلية.

1 - كان هدف الولايات المتحدة الأمريكية، في الشرق الأوسط، قبل أزمة أكتوبر 1973، هو إبقاء أوضاعه على ما هي عليه، ومنع الصراع المسلح فيه. ومع بداية الصراع، لم يراودها شك في حتمية هزيمة العرب، وضرورة الحدّ من التدخل السوفيتي في المنطقة. وفي الوقت نفسه، كان هناك تصميم أمريكي على ألاّ تحقق إسرائيل انتصاراً ساحقاً على العرب، من خلال حمل مجلس الأمن على إصدار قرار، بوقف إطلاق النار، ويعيد القوات إلى مواقعها قبل الاشتباك. ومع الرفض، العربي والسوفيتي، للشق المتعلق بعودة القوات إلى مواقعها قبل الاشتباك؛ وتدهور الموقف الإسرائيلي العسكري، عمدت واشنطن إلى إمداد إسرائيل باحتياجاتها العسكرية، بما لا يتيح لها سحْق العرب، الذين سيرفضون، آنئذٍ، التفاوض من موقف ضعف.

2 - لم تتردد الإدارة الأمريكية في توجيه تحذيرات شديدة اللهجة إلى إسرائيل، حينما خرقت وقف إطلاق النار، وتمكنت من حصار الجيش المصري الثالث. ولكن، لم تتردد، كذلك، في رفع درجة استعداد قواتها، لمواجهة تدهور الموقف، على أثر الاستعداد السوفيتي للتدخل العسكري.

3 - نجحت الولايات المتحدة الأمريكية في عزل المؤثرات الخارجية عن أسلوب إدارة الأزمة. فقد واكبت أزمة حرب أكتوبر مشكلتان أساسيتان، هما: فضيحة ووترجيت، وأزمة النفط. إلا أن تفاعلات سياستها الداخلية، لم تنعكس، في هذه الأزمة، على قراراتها السياسية؛ على الرغم من الارتباط الوثيق بين سياستيها: الخارجية والداخلية.

4 - تفهمت واشنطن دوافع حرب أكتوبر، فاعترف الرئيس الأمريكي، نيكسون، بضرورة الاضطلاع بدور إيجابي، وفعال، يستهدف تسوية سلمية دائمة، في الشرق الأوسط. ولذلك، كان هناك العديد من الاتصالات الدبلوماسية الأمريكية، من أجل تحقيق هذا الهدف، سواء أثناء مرحلة الصراع المسلح أو بعده.

5 - مما لا شك فيه، أن القرارات الأمريكية، أثناء حرب أكتوبر 1973، الرامية إلى وقف إطلاق النار؛ وتكثيف الدعم، العسكري والمالي، الأمريكي لإسرائيل؛ والاتصال بالقيادة المصرية، والاتحاد السوفيتي، من أجل العمل على وقف إطلاق النار؛ وإعلان حالة التأهب النووي؛ والضغط على إسرائيل، لفتح طريق إمداد للقوات المصرية المحاصرة، شرق القناة ـ كل ذلك، كان الخلفية، التي مهدت لقبول أطراف الصراع الدور الأمريكي الجديد، وإقناعهم بالوساطة الأمريكية؛ إذ أصبح خيار التفاوض أكثر إقناعاً وقبولاً.
المبحث الثامن

تطبيقات إدارة الأزمات المحلية

…تسفر السرعة الشديدة، التي تتسم بها تطورات الأزمات المحلية، عن توافر المعلومات، وتعدُّد جهاتها. وقد تكون معلومات متباينة، تسهم في اتخاذ قرارات غير سليمة، فتتفاقم الأزمة. ولذلك، فإن التغيير في معتقدات إدارة الأزمات، هو نوع من الرفاهية، يمكن الاستغناء عنه؛ وتحويل هذه المعتقدات والمفاهيم إلى الإيمان بأن نفقات إدارة الأزمات، هي إستراتيجية مهمة، توفر العديد من الميزات والفرص. ومن ثَم، يجب ألاّ ينصب الاهتمام على قضايا النجاح والنمو والتوسع فقط، بل لا بدّ أن يشمل احتمالات الفشل والخسائر، وكذلك تطوير القدرات لمواجهة الأزمات المحتملة. وبعد أن أصبحت المنظمات والمؤسسات كافة معرضة للفشل، أمسى ضرورة التفكير في تحديد توقيت هذا الفشل، وكيفية التعامل معه، والخطوات الممكن اتخاذها لمنع الأزمات في مراحلها الأولى. وعلى الرغم من أهمية أساليب منع حدوث الأزمات، فإنها عادة ما تُغْفَل؛ لأنها تُثير تساؤلات عن طبيعة الأسلوب الإداري، والثقافة التنظيمية اللازمة لمواجهة الأزمة وإدارتها. وقد ينجم عن افتقاد الخطط الملائمة لإدارة الأزمات، مواجهتها مواجهة غير علمية، ولا منظمة؛ ما ينتج تضارب القرارات وازدواجها وتعارضها، في كثير من الحالات؛ ويسهم في إهدار الموارد والطاقات، وعدم كفاءة التنفيذ وضعف فاعليته.
1. كارثة بوهبال

…فجر الثالث من ديسمبر 1984، تعرض المصنع القريب من المنطقة السكنية، في مدينة بوهبال الهندية، والذي ينتج مبيدات حشرية، ويتبع شركة يونيون كاربايد، إلى تسرب الغاز السام، الذي ينتجه المصنع؛ ما أودى بأكثر من ألفَي شخص، إضافة إلى إصابة أكثر من مائتَي ألف بإصابات خطيرة، وصلت إلى العمى الكلي، في كثير من الحالات. وكان ذلك بسبب السحابة الكثيفة، التي استمرت مدة ساعة، على الأقل، فوق المدينة المنكوبة. وكان هناك العديد من العوامل، التي سببت هذه الكارثة البشرية؛ أبرزها: عيوب فنية في تصميم المصنع، وأخطاء في التشغيل، وإهمال في الصيانة، وقصور في التدريب. ولقد عُدَّت هذه الأزمة من أسوأ الكوارث الصناعية، حتى عام 1984، حيث أحدث الغاز السام، بتفاعله مع الماء، ما يشبه الموت غرقاً. وكان أكثر الضحايا هم الأطفال وكبار السن.

…وعلى الرغم من نقص المعلومات عن الأزمة، قرر كل من رئيس مجلس الإدارة والمدير العام لشركة يونيون كاربايد، أن يتوجها، خلال 48 ساعة، إلى الهند لمتابعة الموقف، وإجراء التحقيقات اللازمة. وعلى الرغم من أنهما شكلا فريقاً لإدارة الأزمة، إلا أنهما لم يكونا على اتصال مباشر موقع الأحداث، ولم يحاولا الاتصال بإدارة المصنع، في الهند، للاستفسار عن الموقف؛ ولذلك، اتسمت هذه المرحلة من إدارة الأزمة بنقص المعلومات الكافية. وإذا كان انتقال عضوَي فريق إدارة الأزمة، من الولايات المتحدة الأمريكية إلى الهند، هدفه الوجود بالقرب من الأحداث، إلا أنه لم يكن هناك معلومات كافية لديهما، تؤكد ضرورة وجودهما، وخاصة أنهما لم يكونا واثقين بقدرتهما على تفقّد موقع الحادث؛ إذ إن الاتصالات بمدينة بوهبال سيئة جداً، الأمر الذي جعل من الصعوبة وجود اتصال مستمر، بين موقع الأزمة والمركز الرئيسي للشركة.

…على الرغم من كل التحذيرات، التي وجهت إلى رئيس مجلس إدارة شركة يونيون كاربايد، والتي أكدت احتمال القبض عليه، بواسطة الحكومة الهندية، بعد القبض على العديد من مديري مصنع بوهبال؛ إلاّ أنه قرر السفر، فأُلقي القبض عليه، هو وفريق الأزمة المصاحب له. ووجهت إليهم تهمة الإهمال؛ ما حدّ من قدراته على إدارة الأزمة، عدة أيام، ظل فيها اتصاله مقطوعاً بالعالم الخارجي.

تقييم إدارة الأزمة

أ. إذا كان قرار رئيس مجلس إدارة الشركة السفر إلى الهند، ومعه فريق لإدارة الأزمة، يتسم بالشجاعة، فإنه يفتقر إلى الذكاء؛ إذ لم يكن سليماً، وإنما اتسم بالتهور والتسرع، وخاصة أنه لم يكن هناك معلومات كافية عن ضرورة الرحلة وأهميتها. وكذلك لم تكن هناك معلومات، تؤكد إمكانية تفقّد فريق إدارة الأزمة لموقع الأحداث.

ب. كانت الاتصالات المباشرة، بين المصنع في مدينة بوهبال، والمركز الرئيسي للشركة في دانبري، في الولايات المتحدة الأمريكية، سيئة جداً؛ ما جعل اضطلاع فريق إدارة الأزمة بمهامّه محدوداً جداً. ومع الوضع في الحسبان عملية اعتقاله، مدة أسبوع، في الهند، تكون هناك فترة انعزال تام، بين فريق إدارة الأزمة وتطور الأحداث في بدايتها. ولذلك، كان يجب تشكيل فريق لإدارة الأزمة، في دانبري؛ وفي الوقت نفسه، يمكن إرسال مندوبين، لجمع الحقائق وإبلاغها إلى الفريق؛ ما كان سيمكن من مواجهة الأزمة، في ظروف أفضل ممّا كان متاحاً في بوهبال.

ج. لقد وضحت صعوبة الاتصالات، بين المصنع في مدينة بوهبال والمركز الرئيسي للشركة في دانبري؛ على الرغم من شركة يونيون كاربايد، لم تكن الشركة الأمريكية الوحيدة في الهند، حيث كان العديد من الشركات الأمريكية العاملة. ولذلك، كان ضرورة زيادة خدمة الاتصالات، عبر الأقمار الصناعية، لتوفير المعلومات اللازمة، وفي الأوقات الحرجة.

د. على الرغم من أن شركة يونيون كاربايد، قد أرسلت، بالفعل، عدداً محدوداً من الفنيين والأطباء إلى بوهبال، في وقت مبكر من الأزمة؛ إلاّ أنه كان يجب إرسال أعداد أكبر، من المركز الرئيسي، والإمدادات الطبية اللازمة لمساعدة المواطنين في المدينة. ولذلك، لم يكن كلّ ما قدمته الشركة إلا محاولة للسيطرة على الأضرار؛ ولم يُتبع الأسلوب العلمي في إدارة الأزمات.

هـ. على الرغم من إشارات الإنذار العديدة، من احتمال حدوث الأزمة، ومنها التقرير الداخلي، الذي حذر من حدوث تفاعل سريع، لا يمكن التحكم فيه؛ وحدوث تسربات مماثلة، بلغ عددها واحداً وسبعين تسرباً، في مصنع غرب فرجينيا، في الولايات المتحدة الأمريكية؛ ووجود تقرير السلامة الصناعية، الصادر عن الشركة نفسها، عام 1982، في شأن احتمال حدوث الكارثة في مصنع بوهبال، وطالب التقرير بضرورة توفير نظام حديث لأجهزة السلامة الرئيسية، بدلاً من النظام المتقادم والمتهالك ـ كلُّ ذلك، لم يؤخذ مأخذ الجد. واعترفت شركة يونيون كاربايد، بأن أجهزة السلامة، التي صِينَت منذ فترة طويلة، قد فشلت في العمل، ولذلك تعرضت مصداقية الشركة للتدهور.

و. خلال التحقيقات، اتضح أن سبب التسرب، هو أحد العمال، الذي لم يَجْتَز البرنامج التدريبي المؤهل لوظيفة أعمال الصيانة؛ فضلاً عن أن موجِّه ذلك العامل، كان محدود الخبرة. ومن ثَم، كان السبب الرئيسي لهذه الكارثة البشرية، هو الافتقار إلى أجهزة السلامة؛ واستخدام عمال ومشرفين محدودي الخبرة، في أداء أعمال، تتطلب تدريبات وقدرات خاصة.

ز. كان نظام الإنذار، في داخل المصنع، غير كافٍ، ولا وجود له، في خارجه؛ إضافة إلى أن الشركة، لم تبذل الجهد اللازم، لتوعية سكان المنطقة، الموجود فيها المصنع، في شأن قواعد السلامة والأمان. وقد كان يمكن تجنّب الكارثة، لو أمكن إخلاء المنطقة من السكان، وخاصة أنه اكتُشف عطل وحدة التبريد، التي كان يمكنها تأخير عملية تسرب الغاز، مدة يومَين، يمكن في خلالهما السيطرة على الأزمة.

ح. عندما بدأت الدعاوى القانونية بمطالبة الشركة بتعويضات عن الأضرار، التي سببها مصنع بوهبال، أعلنت الشركة، أنها قد أكملت المراحل الأولى للتحقيق، ولم تصل إلى نتائج، يمكن التصريح بها؛ استناداً إلى أن المتحدث باسم اتحاد الصناعات الكيماوية، في الولايات المتحدة الأمريكية، قد زعم، في وقت مبكر للأزمة، أن في مصنع بوهبال نُظُم سلامة ذات كفاءة عالية؛ وأن العاملين، في الهند، يعملون وفقاً لنُظُم التشغيل المصممة. والحقيقة أن كلَّ الظواهر، التي سبقت الكارثة، والتحقيقات التي تلتها، أكدتا خلاف هذه الادعاءات؛ ولذلك، فقدت التقارير الصادرة عن الشركة مصداقيتها، سواء في داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أو في الهند.

2. كارثة تشيرنوبل

في 26 أبريل 1986، وقع انفجار في مفاعل الطاقة، في مدينة تشيرنوبل، في أوكرانيا؛ ما أسفر عن تحطمه، وتطاير أجزاء من مكوناته، انتشرت في المناطق المحيطة به؛ حيث أشعلت العديد من الحرائق، التي أسهمت في زيادة كميات المواد المشعة. ولقد استمر انبعاث المواد المشعة أحد عشر يوماً. ونجم عن الحادث وفاة واحد وثلاثين من العاملين في المحطة النووية. وناهز عدد الذين تعرضوا لإشعاع شديد 203 أشخاص. أما الذين تعرضوا لإشعاع متوسط، فقدِّر عددهم بنحو 150 ألفاً. فضلاً عن التلوث الإشعاعي، الذي طاول ألف كيلو متر مربع، تأثرت فيها البيئة بآثار ضارة، انعكست على النباتات والمباني ومصادر المياه والهواء والتربة. ويتوقع أن تكون الزيادة في معدل حدوث الأمراض السرطانية، في خلال السبعين عاماً المقبلة، بين الذين تعرضوا لجرعة إشعاعية متوسطة، نحو 0.6%.

…لم تعلن الإدارة السوفيتية الحادث. إلاّ أن السحابة المشعة، اكتشفت، في 28 أبريل، أي بعد يومَين على حدوثه، عند مرورها فوق محطة الطاقة النووية السويدية، فور سماك، التي تبعد نحو 100 كم، شمال تشيرنوبل. وكان معظم المواد المشعة، المنطلقة من المفاعل، على شكل غازات أو ذرات غبار، شكلت سحابة ذرية، يزيد طولها على 160 كم، ويناهز عرضها 50 كم. واستمرت السحابة، طيلة اليومَين التاليَين للانفجار، تخيم فوق الأجزاء الشمالية من أوكرانيا وبولندا، وبدأ الإعلان بها في 27 أبريل، حينما اكتشف الخبراء في مركز كاجا، في بولندا، وجود إشعاعات في الجو. أما في السويد، فقد سجلت المراصد حدوث تغيير في كميات الإشعاع. وفي صباح 28 أبريل، سجل مفاعل فور سماك السويدي ارتفاع نسبة الإشعاع في الجو، بمعدلات مرتفعة جداً؛ واتُّخذت إجراءات إخلائه من العمال، للاعتقاد بأن فيه تسرباً إشعاعياً. وبدأت الإذاعة السويدية بتحذير السكان من احتمال وجود تسرب إشعاعي، ودأبت في بث إجراءات التأمين. إلاّ أنه، في الوقت نفسه، بدأت تصل إشارات تحذيرية من المفاعلات النووية السويدية الأخرى؛ ما أكد أن المشكلة، ليست تسرباً إشعاعياً محلياً. وبادرت الإدارة السويدية إلى إخبار الولايات المتحدة وتحذيرها؛ اعتقاداً، في البداية، أنه اختبار نووي سوفيتي سري، تسربت منه إشعاعات في الجو. ولذلك، بدأت أقمار التجسس الأمريكية برصد وإذاعة معلومات تفصيلية عن الكارثة النووية.

…ونظراً إلى أن سحابة الغبار الذري، الناتجة من انفجار المفاعل، كانت تتحرك مع اتجاه الرياح، فقد بدأت تظهر الإشعاعات في أجواء كلٍّ من النرويج وفنلندا والدانمارك وبولندا؛ إضافة إلى السويد. وعلى الرغم من كلِّ هذه الآثار المدمرة، لم يعلن الاتحاد السوفيتي هذه الكارثة، إلاّ في مساء 28 أبريل. ومع تغيّر اتجاه الرياح، في 29 أبريل، بدأت السحابة تتجه نحو موسكو. وفي الثالث من مايو، غيرت الرياح اتجاه السحابة، وحملتها إلى يوغسلافيا وإيطاليا وسويسرا. وبذلك، يُعَدّ انفجار مفاعل تشيرنوبل من أخطر أزمات التلوث البيئي؛ إذ أعلن العلماء، أن المنطقة، التي وقعت فيها الأزمة البيئية، في مدينة كييف السوفيتية ـ ستظل، عدة سنوات، غير صالحة للإقامة بها، وستبقى أراضيها، وفي دائرة قطرها نحو 35 كم، غير صالحة للزراعة. كما قدرت النفقات المادية لإزالة آثار الحادث بنحو 13 بليون دولار.

تقييم إدارة الأزمة

أ. على الرغم من صدور العديد من التقارير، حول نُظُم الأمان في محطة تشيرنوبل النووية، والتي أكدت أنها هي والرقابة الآلية، سوف توقفان العمل في المفاعل، وتغلاقانه في خلال ثوانٍ معدودة، وخاصة أن لدى المحطة نُظُم تبريد مركزية، والعديد من التصميمات ونُظُم الأمان التكنولوجية الأخرى؛ إلاّ أنه قد حدث ما لم يكن يتوقعه الخبراء والعلماء، وانصهر مفاعل تشيرنوبل، وحدث المستحيل، الذي كان الخبراء يؤكدون أن نسبة حدوثه، لا تتعدى نسبة الواحد في المليون.

ب. أخطأ الاتحاد السوفيتي في إدارته للأزمة خطأً جسيماً، إذ لم يعلن الكارثة النووية، فور وقوعها، حتى اكتشفتها وأعلنتها دول محيطة به. وكان لهذا التأخير آثاره المدمرة، في العديد من المناطق السوفيتية، وكذلك في الدول المحيطة به كافة، وكان يمكن احتواء الكثير من الأضرار، لو أمكن اتخاذ الإجراءات الوقائية لمواجهة الأزمة.

ج. أعلن العديد من الخبراء بعلوم الذرة الغربيون، أن هناك نقصاً شديداً في الحاسبات الآلية المتقدمة، التي تستخدم في ضمان الأمان وسلامة المفاعلات النووية؛ وأن أدوات القياس، وأنظمة الرصد والتحليل والإنذار الآلية كلّها، تعتمد، أساساً، على استخدام الحاسبات الآلية المتقدمة، التي يفتقر إليها الاتحاد السوفيتي، كما أن احتياجات الأمن لا تؤخذ بجدية.

د. كان سبب انفجار المفاعل أخطاء بشرية متعددة، أبرزها: عدم مراعاة قواعد التشغيل، والعيوب الفنية في تصميم المفاعل. فضلاً عن افتقاد الخطط الملائمة لمواجهة الأزمات المماثلة، إذ لم تكن هناك استعدادات ملائمة، لتنفيذ عمليات الإخلاء السريع، ولأعداد كبيرة من السكان؛ ولذلك، ظهرت المشاكل، الفنية والطبية والاجتماعية.

هـ. لم تكن هناك استعدادات كافية، لمعالجة التلوث البيئي في مساحات كبيرة؛ وكذلك، افتُقِدَت الإمكانيات الملائمة، لمكافحة الحريق في المحطة النووية، مع وجود أخطار الإشعاع، إذ افتقرت المحطة إلى الملابس، والأجهزة الواقية، المستخدمة في مثل هذه الحوادث. كما أنه لم تكن هناك أيّ إمكانيات أو استعدادات، لإطفاء الحرائق داخل المفاعل النووي؛ فهذه الكارثة وآثارها المدمرة، كانت بسبب تسرب نسبة محدودة من الإشعاعات؛ فما بالك بتسرب كلِّ الإشعاعات من قلب المفاعل‍! حتماً، سينجم عنه مقتل عدة آلاف، في المناطق والدول المحيطة.

و. لم تكن هناك هيئة مسؤولة عن الوقاية من الإشعاع، لتتخذ الإجراءات الوقائية، في حالة وقوع الحوادث الإشعاعية. وتتولَّى وضع الحدود المقبولة للتلوث الإشعاعي، وفحص المواد والعناصر كافة، لتأكيد خلوّها من ذلك التلوث، أو الإشراف عليها، في حالة ثبوت تلوثها.

ز. ضرورة تعريف المواطنين، المقيمين بمحيط المناطق، التي تضم مفاعلات نووية، بالاستخدامات المقيدة للإشعاع وأخطاره على حدٍّ سواء؛ وتدريبهم على أسلوب مواجهة مثل هذه الأزمات؛ حتى يمكن الحدّ من الأضرار الناتجة من حوادث التلوث الإشعاعي للبيئة.

ح. يجب أن يكون هناك استعداد كامل، لتنفيذ إجراءات الوقاية، في حالة وجود تلوث إشعاعي، أو مجالات إشعاعية. وتتضمن هذه الإجراءات الآتي:

1 - سرعة السيطرة على مكان الحادث، ومنع الاقتراب منه.

2 - تنفيذ الإجراءات الوقائية، في المناطق المحيطة بمكان الحادث.

3 - تنفيذ إجراءات الإخلاء، والإيواء في مناطق آمنة.

4 - سرعة إزالة تلوث الأشخاص، الذين تعرضوا للإشعاع.

5 - السيطرة على مصادر الغذاء والماء.

3. الإغماء في المدارس المصرية

في 31 مارس 1993، وفي إحدى المدارس الإعدادية، في محافظة البحيرة، شعرت إحدى التلميذات بدوار وإعياء، وسقطت على الأرض، مغشياً عليها. وتوالى، بعد ذلك، سقوط الطالبات، واحدة تلو الأخرى، حتى بلغ إجمالي الحالات عشرين حالة؛ ما مثّل ظاهرة غير مسبوقة، واستلزم تحويل تلك الحالات من الوحدة الصحية إلى المستشفى المركزي. وفي اليوم التالي، عاود الإغماء الغامض هجومه على ستين طالبة أخرى، في مدارس القرى المجاورة. ولم يتوقف عند حدود محافظة البحيرة، بل انتشر في مدارس خمس عشرة محافظة، على مدى عشرة أيام، مخلفاً أكثر من ثلاثة آلاف إصابة بين الفتيات. ولقد كانت أعراض هذا الوباء، تبدأ بإحساس الطالبات بالدوار، وزيغان البصر، ثم تتطور إلى إغماء مفاجئ، يستمر عدة دقائق. وبعد إفاقتهن، يستشعرون، صداعاً، وآلاماً في البطن، ورعشة واحمراراً في العين. وبفحص هذه الحالات في المستشفيات، تبيَّن أن جميع الوظائف الحيوية للجسم، هي في نطاقها الطبيعي، ولا ظواهر، ولا شواهد مَرَضية. ولم تكشف التحاليل المعملية، تسمماً، ولا تعرضاً لمواد كيماوية أو ميكروبات.

أ. تبايُن الآداء في الأزمة

1 - بدأ يتضح وجود تباين في الآراء، حول أسباب حالات الإغماء. فسيطرت على الرأي العام، وعلى قطاعات عريضة من المسؤولين، فكرة وجود غاز غامض هو مسبب لها. وبدأ ذلك الاعتقاد، مع إعلان طبيب الوحدة الصحية، التي عالجت الحالات الأولى من الإصابات، أن 70% من حالات الإغماء، هي حالات نفسية؛ وأن 30% الباقية، يحتمَل أن تكون نتيجة وجود غاز غير معروف. وفي اليوم السادس للوباء، أي في 5 أبريل، أعلنت رئيسة مركز السموم في جامعة الإسكندرية، أن هناك احتمالاً لتعرّض الطالبات لغاز يثير الأغشية المخاطية، ويسبب صداعاً شديداً ودواراً. وفي 6 أبريل، رفض مجلس الشعب تفسير وزير الصحة، حول كون سبب الإغماء عاملاً نفسياً. وأثار أعضاؤه المخاوف، حول وجود غاز غامض، استُخدم، عمداً، للتأثير في هرمون الأنوثة. وأظهر تحليل البيانات ودراستها، وتصريحات المسؤولين، والإجراءات العملية، أن ثمة قناعة كبيرة لدى العديد من الجهات البحثية الرسمية، بأن السبب الأساسي لإغماء الطالبات، هو وجود غازات أو ملوثات.

2 - بعد مرور شهر كامل على توقف الوباء، عُقدت ندوة علمية، في كلية الطب، في جامعة الزقازيق؛ ضمت مئة طبيب وطبيبَين، و 68 مدرساً. ورأى 68% من المدرسين، و 55% من الأطباء، أن سبب الوباء، هو وجود غاز مجهول. بينما أرجع 10% من المدرسين، و 19% من الأطباء، السبب إلى العامل النفسي.

ب. دور الإعلام في تفاقم حدة الأزمة

تناولت أجهزة الإعلام أحداث الأزمة، منذ نشأتها، بأوصاف، تسببت بإيجاد حالة من الرعب والخوف والغموض في المجتمع. ومع تكرار مثل هذا الأسلوب في نشر الأحداث، التي تلت الأزمة، تفاقمت حدّتها، وتضاربت البيانات، وغابت الحقائق العلمية، بسبب المحاولات غير الواعية، لتفسير هذه الظاهرة، والتي وصلت إلى نشر أحاديث صحفية مع المعالجين بالفلك والنجوم، لتوضيح أسباب هذه الأزمة؛ وكأن الظاهرة فوق مستوى العلم والعقل، ودخلت في نطاق الغيبيات والطلاسم والمجهول! ولذلك، كانت هذه الأزمة نموذجاً مثالياً للدور، الذي يمكن أن تضطلع به وسائل الإعلام في تفاقم الأزمة، وفقْد السيطرة عليها.

ج. تقييم إدارة الأزمة

1 - على الرغم من الإشارات المبكرة، التي تنبئ باحتمال حدوث الأزمة، والتي كان منها حدوث حالات الإغماء الجماعي لدى جماعة من الطالبات في محافظة الشرقية، قبْل أسبوع من أزمة إغماء الطالبات في محافظة البحيرة؛ إلاّ أنه لم تؤخذ الاستعدادات اللازمة لاحتمال تكرار حالات الإغماء، وعُدَّت حالة نفسية. كما أن الحالات الأولى من وباء الإغماء الجماعي، التي حدثت في محافظة البحيرة، تُعَدّ مؤشرات واضحة، وإنذاراً مبكراً، استمر أربعة أيام. غير أن الجهات المعنية بالأزمة، لم تأخذ هذه الإشارات بنوع من الحرص والجدية. ويرجع ذلك لعدم إبلاغها في الوقت الملائم، وإصرار السلطات المحلية على التعامل مع الأزمة، بإمكانياتها المحدودة.

2 - بعد ظهور علامات الأزمة، لم يُسْتَعَد لمواجهتها الاستعداد الكافي؛ إذ أُهمِل الطب النفسي في فحص الحالات، ووُجِّهت الجهود كافة إلى البحث عن التلوث البيئي. كما لم يكن هناك دور لعلماء الأوبئة في دراسة الأزمة، لو استُعين بهم، في بدايتها، لأمكن معرفة نوع الوباء ومصدره، وطرق انتقاله.

3 - لقد استمرت السلطات الصحية المحلية في تعاملها مع الوباء، على مدار أربعة أيام، حتى تدخلت، بعد ذلك، وزارة الصحة، ووزارة الدفاع، ووزارة التربية والتعليم. وعندما طالب وزير الصحة، في جلسة مجلس الشعب، في 5 أبريل، بالحدّ من النشر في وسائل الإعلام؛ لتهدئة الرأي العام، لم تُسْتَوْعَب جدية وخطر هذه التوصية؛ بل تناول الأزمة العديد من غير المتخصصين؛ ما أشاع جواً من الرعب والهلع العام. وبذلك، كان لوسائل الإعلام دورها الأساسي في نقل العدوى والوباء، من مدرسة إلى أخرى، ومن محافظة إلى أخرى.

4 - لوحظ أن وسائل الإعلام، لجأت إلى مصادر محدودة الخبرة، لتفسير هذه الأزمة؛ ما نجم عنه تضارب في الآراء. ولذلك، تتضح أهمية وجود هيئة علمية مرجعية، لتقديم المشورة اللازمة لوسائل الإعلام. ويمكن للجمعيات العلمية، والجامعات، ومراكز البحوث، تكوين هذه الهيئة.
المراجع والمصادر

المراجع العربية

1. أحمد فؤاد رسلان، "نظرية الصراع الدولي"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.

2. أحمد يوسف أحمد، "الصراعات العربية ـ العربية"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1988.

3. بول أثرتون، "مراكز المعلومات وتنظيمها"، مكتبة غريب، القاهرة، 1977.

4. حامد أحمد مرسي، "نظرية المباريات ودورها في تحليل الصراعات الدولية"، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1984.

5. حسن فوزي النجار، "أمريكا والعالم"، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1986، ص 198.

6. حسن نافعة، "مصر والصراع العربي ـ الإسرائيلي"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1986.

7. السيد أمين شلبي، "الوفاق الأمريكي السوفيتي 1963 - 1976"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1981.

8. السيد عليوة، وآخرون، "العلاقات الدولية"، كلية التجارة وإدارة الأعمال، جامعة حلوان، القاهرة، 2001.

9. السيد عليوة، "إدارة الأزمات والكوارث"، مركز القرار للاستشارات، القاهرة، 1997.

10. السيد عليوة، "إدارة الصراعات الدولية، دراسة في سياسات التعاون الدولي"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1988.

11.…عباس رشدي العماري، "إدارة الأزمات في عالم متغير"، مركز الأهرام للترجمة والنشر، القاهرة، 1993.

12.…عطية حسين أفندي عطية، "مجلس الأمن وأزمة الشرق الأوسط 1967 - 1977"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986.

13.…عماد جاد، "حلف الأطلنطي، مهام جديدة في بيئة أمنية مغايرة"، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، القاهرة، 1998.

14.…قدري حفني، "ظاهرة العنف السياسي من منظور مقارن، رؤية نفسية"، مركز البحوث والدراسات السياسية، كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة، 1995.

15. مجمع اللغة العربية، المعجم الوجيز، الهيئة العامة لشؤون المطابع الأميرية، القاهرة، 1998.

16. محسن أحمد الخضيري، "إدارة الأزمات"، مكتبة مدبولي، القاهرة، 1997.

17.…محسن أحمد الخضيري، "إدارة الأزمات: منهج اقتصادي إداري لحل الأزمات على مستوى الاقتصاد القومي والوحدة الاقتصادية"، مكتبة مدبولي، ط 1، القاهرة، 1979.

18. محمد إبراهيم الجارالله، "الإشعاع الذري"، مكتبة العبيكان، الرياض، 1995.

19.…محمد رشاد الحملاوي، "إدارة الأزمات: تجارب محلية وعالمية"، دار أبو المجد، القاهرة، 1993.

20.…محمد عبدالغني حسن هلال، "مهارات إدارة الأزمات"، مركز تطوير الأداء والتنمية، القاهرة، 1996.

21.…محمد عبدالقادر حاتم، "دور الإعلام المصري في تحقيق المفاجأة الإستراتيجية في حرب أكتوبر"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2001.

22. محمد غريب جودة، "موجز تاريخ العالم"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 2000.

23.…مروان بحيري، "النفط العربي والتهديدات الأمريكية بالتدخل"، مؤسسة الدراسات الفلسطينية، بيروت، 1980.

24.…ممدوح حامد عطية، "إنهم يقتلون البيئة"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1997.

25.…منى صلاح الدين شريف، "إدارة الأزمات الوسيلة للبقاء"، البيان للطباعة والنشر، ط 1، القاهرة، 1998.

26.…نبيل محمود عبدالغفار، "السياسة الأمريكية تجاه الصراع العربي الإسرائيلي"، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1982.

27.…هيثم الكيلاني، "الإستراتيجيات العسكرية للحروب العربية ـ الإسرائيلية 1948 - 1988"، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت، 1991.

الدوريات

28.…أحمد مختار الجمال، "المفاوضات وإدارة الأزمات"، السياسة الدولية، العدد 107، يناير 1992.

29.…أمين هويدي، "إدارة الأزمات في ظل النظام العالمي المراوغ"، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 112، أبريل 1993.

30.…خالد محمد فهمي، "أبعاد اقتصادية لمشكلات البيئة العالمية"، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 110، أكتوبر 1992.

31.…عباس رشدي العماري، "إدارة الأزمات الدولية المعاصرة"، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 90، القاهرة، 1987.

32.…عثمان محمد العربي، "اتصالات الأزمة، مسح وتقييم للتطورات النظرية فيها"، المجلة لبحوث الإعلام، كلية الإعلام، جامعة القاهرة، العدد الخامس، يناير ـ أبريل 1999.

33.…عطية حسين أفندي، "الإدارة الدولية لقضايا البيئة"، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 110، أكتوبر 1992.

34.…محمد إبراهيم عبدالمنعم، "أنواع الأزمات والتكنولوجيا المطلوبة لإدارتها"، مجلة لغة العصر، العددان السابع و الثامن، يوليه ـ أغسطس 2001، القاهرة.

35.…مراد إبراهيم الدسوقي، "الأبعاد الإستراتيجية لقضايا البيئة"، مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية بالأهرام، السياسة الدولية، العدد 110، 1992.

المؤتمرات والندوات

36.…أحمد حسني البربري، "نظرية التدخل في الأزمات في محيط الخدمة الاجتماعية"، المؤتمر السنوي الثالث لإدارة الأزمات، كلية التجارة، جامعة القاهرة، 3 - 4 أكتوبر 1998.

37.…أحمد رفعت عبدالغفار، "كارثة إغماء طالبات المدارس المصرية، أبريل 1993"، المؤتمر السنوي لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، القاهرة، 1996.

38.…إيمان أحمد الشربيني، "رؤية مستقبلية لإدارة الأزمات التمويلية للهيئات التي لا تهدف تحقيق الربح"، المؤتمر التمهيدي السنوي الثالث لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، 3 - 4 أكتوبر 1998.

39.…عبدالله أحمد سليمان، "مقترح تنظيم مركز إدارة الأزمات"، المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، القاهرة، 1996.

40.…عبدالوهاب الكيالي، وآخرون، "الموسوعة السياسية"، ج 2 و 5، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1981، 1987.

41.…محمد السيد سعيد، "أصول إدارة الأزمات"، ندوة مركز الدراسات الإستراتيجية، لندن، 1991.

42.…منى صلاح الدين شريف، "التنبؤ بالمخاطر والأزمات المحتملة"، أعمال المؤتمر السنوي الأول لإدارة الأزمات والكوارث، كلية التجارة، جامعة عين شمس، وحدة بحوث الأزمات، القاهرة، 1996.

كتب مترجمة

43.…إريك موريس، وآلان هو، "الإرهاب، التهديد والرد عليه"، ترجمة د. أحمد حمدي محمد، الهيئة المصرية العامة للكتاب.

44.…تنتوني جيدنز، "الطريق الثالث، تجديد الديموقراطية الاجتماعية"، ترجمة أحمد زايد ومحي الدين، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، 1999.

45. روبرت ليكي، "حرب كوريا 1950 - 1953"، دار النهضة العربية، القاهرة، 1964.

المراجع الأجنبية

46. A. S. Harnby, E. R. Gatenly and H. Inakefild, The Adranced Learner's Dictionary of Current English, London, Oxford Univ., 1969.

47. Allan Dowty, "Middle East Crisis", USA Los Angeles, California Press, 1981.

48. Conrad Smith, Media & Arocalypsa Greenwood Press, London, 1992.

49. Denis Smith, Beyond Contingency Planing Towards a Model of Crisis Management, Industrial Crisis Quarterly, Vol. 4, No. 4, 1990.

50. Fink, Crisis Management Planning for the Inevitable, AMACON, New York, 1986.

51. Jonathan M. Roberts, "Decision Making During International Crisis, London, Macmillan Press Ltd., 1988.

52. Laurnce Barton, Crisis in Organizations: Managing & Communicating in the Heat of Cheos South, Western Publishing Ohio, 1993.

53. Mahmoud Mourad, The Terrorist Phenomenon, General Egyptian book organization, 1998.

54. Russel R. Dynes, Eugene & E. L. Quarantelli, Administrative, Methodological & Theoretical Problems of Disaster Reprinted from Indian Sociological Bulletin, 4, July 1967.

55. Webster's Ninth New Collegiate Dictionary, MERRIAM, Webster Inc., Publishers, USA.
المصطلحات الفنية

1. المشكلة… Problem

… هي حالة من التوتر، وعدم الرضا، تنجم عن بعض الصعوبات، التي تعوق تحقيق الأهداف أو الوصول إليها.

2. الكارثة… Disaster

… هي حالة حدثت فعلاً وأسفرت عن العديد من الخسائر في الموارد، البشرية والمادية.

3. الأزمة Crisis

… هي نتيجة نهائية لتراكم العديد من التأثيرات، أو حدوث خلل مفاجئ، يؤثر في المقومات الرئيسية للنظام. وتشكل تهديداً صريحاً، واضحاً لبقاء المنظمة أو النظام نفسه.

4. الحادث… Accident

… يعبِّر عن شيء فجائي، وقع بصورة سريعة، وينقض أثره فور وقوعه.

5. الصدمة Shock

… هي شعور مفاجئ حادّ، ينتجه حادث غير متوقع؛ ويجمع بين الغضب والذهول والخوف. ومن ثَم، تكون الصدمة هي أحد عوارض الأزمات وإحدى نتائجها.

6. الصراع… Conflict

… مفهوم يعبِّر عن العلاقة الاجتماعية بين الناس. ويسبِّبه تعارُض الأهداف أو المصالح، سواء بين الأشخاص، وبين الكيانات، التنظيمية والاجتماعية، المختلفة.

7. الخلاف… Dispute

… وهو مفهوم يعبِّر عن المعارضة، والتضادّ، وعدم التطابق في الشكل، أو في الظروف والمضمون. وهو قد يكون أحد مظاهر الأزمة؛ ولكن، لا يعبِّر عنها تماماً.

8. إدارة الأزمات Crisis Management

… هي كيفية التغلب على الأزمة، بالأدوات، العلمية والإدارية، المختلفة؛ وتجنُّب سلبياتها، والاستفادة من إيجابياتها.

9. الإدارة بالأزمات Management by Crisis

… تعتمد الإدارة بالأزمات على صناعة الأزمة، بصورة حقيقية، أو بصورة مفتعلة. ويمكن ذلك من خلال التخطيط لخلق الأزمة، ثم استثمارها، أو استثمار الفرص، التي يمكن أن تنتج من أزمة حقيقية، لتحقيق بعض الأهداف، التي كان يصعب تحقيقها، في الظروف العادية.