الأرض المقدسة بين اليهودية والنصرانية والإسلام
إعداد الطالب
حذيفة سمير الكحلوت
إشراف فضيلة الدكتور
أحمد جابر العمصي
قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في
قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
1434 هـ - 2013 م
الجامعة الإسلامية – غزة
الأرض المقدسة
بين اليهودية والنصرانية والإسلام
إعداد الطالب
حذيفة سمير الكحلوت
إشراف فضيلة الدكتور
أحمد جابر العمصي
قدمت هذه الرسالة استكمالاً لمتطلبات الحصول على درجة الماجستير في
قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة
3414 ه - 0231 م ( (
الجامعة الإسلامية – غزة
عماتة الت ا سا الع يا
ك ية التي
قس العذيتة الماارة المعا ة
ب
}قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ
إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يوُرِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ
وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {
الأعراف/ 301
ت
الإهداء
إلى أحدث قطرات الدماء في مسيرة الإسلام نحو بيت
المقدس.. دماء شهداء رابعة العدوية في مصر الكنانة
وإلى القوي الأمين .. حامل همّ الأمة ورمز الحرية والكرامة ..
سعادة الدكتور محمد مرسي رئيس جمهورية مصر العربية
وإلىّ كل مسلمٍ .. حُبّ اً، وولاءً، وعرف ان اً
وإلى كلّ يهوديٍ ونصرانيٍ .. حجةً، وبرهاناً، وإلزام اً
أقدّم هذا البحث المتواضع...
ث
شكر وعرفان
أحمد الله العظيم أن وفقني لإنجاز هذا البحث، الذي تكبّدت فيه قد ا رً غير يسير من العناء
والجهد، ولكنّه جهد المقلّ، وبضاعة الطالب المبتدئ، لا ادّعاء لي فيه بفضل إلا بتوفيق ربي ،
فله الحمد والشكر كثي ا رً، أولاً وأخي ا رً..
اونطلاقاً من قول النبي : )مَ لََ يَشْكُ النَّاسَ لََ يَشْكُ اللهَ عَزَّ جَ () 1( فبعد شكر الله
، أتوجه بشكري العميق في هذا المقام إلى من كان لهما الفضل الأول بعد الله عليّ، ا لت ي
الفاض ي الم بيي ، اللذين أفاضا عليّ من كرمهما وتربيتهما ودعائهما، فلهما كل حبّ وتقدير ووفاء،
سائلاً المولى أن يجزيهما الخير الكثير، والعطاء الوفير، والصحة والعافية.
ثم الشكرٍ والعرفان لز جتي الصالحة الناصحة، الواثقة المصابرة، التي أخذ هذا البحث من
وقتها الكثير، وشاركتني في إنجازه بجهدها وصبرها ومثابرتها، فج ا زها الله عني كل خير.
ومن واجبي أن أتوجه بالشكر والتقدير إلى فضيلة الدكتور: حمت جاب العم ي؛ لصبره عل ي ،
و لما أفادني من توجيهات طيلة فترة الإش ا رف، فج ا زه الله خي ا رً .
كما أتوجه بالشكر إلى أستاذ ي الكريمين؛ عضوي لجنة المناقشة: فضيلة الأستاذ الدكتور حمت
ي سف ب ح بية، وفضيلة الدكتور عمات التي عبت الله الشنطي، حفظهما الله، وذلك لقبولهما
مناقشة الرسالة، ولجهدهما لرفع مستواها.
ولا يسعني أيضاً أن تمر م ني هذه الكلمات دون أن أخصّ بكلمة شكر ومحبة أستاذين كريمين،
كان لهما فضل السبق في تشجيعي وحثّي ومساندتي منذ بداية د ا رستي للماجستير، شيخي الفاضل
1( سن الت ماي : كتاب البر والصللللللة، باب ما جاء في الشللللكر لمن أحسللللن إليك برقم: 1591 ، وقال الترمذي:
حديث صحيح.
ج
الجليل أبو عبد الله زك يا طه شحاتة، وأستاذي الفاضل أبو أنس إب ا ري عيسى لاح، سائلاً المولى
لهما الثبات وطول العمر وحسن العمل.
مسك الختا .. أشكر جامعتي الغ ا رء، الصرح المبارك، والدرّة المضيئة في سماء أرض غزة
الطيبة، الجامعة الإسلامية، وأخصّ كلّية أصول الدين وقسم العقيدة والمذاهب المعاصرة فيها، أدامها
الله منب ا رً للحق وشعاعاً للنور المبين ..
الحمت لله في الأ لى الآخ ة
ي ال ه ع ى نبينا محمت ع ى آله حبه س
ح
المقدمة
اللهم لك الحمد منز ل الكتاب مجر ي السحاب هاز م الأح ا زب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده،
وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وحاملي لوائه إلى يوم
الدين، وبعد:
سُرقت أرض الإس ا رء والمع ا رج، ولا ت ا زل، واستُبيحت، ولم تنعتق بعد، لكنها ليست سرقةً سياسية
أو تاريخية، أو حاجةً إنسانية – كما ي ا رد تصويرها- بل سُرقت واستبيحت في فت ا رت التاريخ - والتي
كان آخرها على يد بني صهيون- تحت شعا ا رت دينية؛ تو ا رتية تلمودية صليبية!! محاطة بهالة من
"التقديس" والتدليس، الذي ي ا رد منه زرع بذرة الشرّ على أرض الخير المقدّسة، ودارت دورة الأيام ولا
ت ا زل، والمسلمون متمسكون بهذه الأرض تمسكاً عقائدياً؛ لا سياسياً وثورياً وقومياً فحسب.
لكن أجيال المسلمين لابد أن تكون على بصيرة بحجم المع ركة العقائدية على هذه الأرض،
ولابد أن تعي أنّ } مَكْر اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ { الذي يحاك لهذه الأرض منذ زمن بعيد، ليس تدافعاً
لكسب حق تاريخي متنازع عليه، وأنه ليس ص ا رعاً من أجل "دولة" أو "سيادة" أو "تقرير مصير"
فحسب، بل هو ص ا رع بين الحق والباطل، ساحته الأساس هي العقيدة، وميدانه الأهمّ هو الدين، مع
المفارقة والمفاصلة بين أصحاب الدّين القويم الذي ارتضاه ربّ العالمين، وأصحاب الأديان المحرّفة
الم زيّفة التي تلاعبت بها أيدٍ خبيثة توعدها الله بالويل والخس ا رن المبين ..
وهذا البحث يتناول عقائد أهل الكتاب من اليهود والنصارى، وعقيدة المسلمين، فيما يتعلق
بقدسية أرض فلسطين وما يترتب عليها من منهجيات واقعية، عرضاً ونقداً وتحليلاً..
أسباب اختياري للموضوع:
)1 غربتي الكبيرة في التعرّف وتعريف الناس بخفايا معتقد اليهود وطوائف من النصارى – خاصة
الإنجيليين الأصوليين والصهيونيين المسيحيين في الغرب- فيما يتعلق بأرض فلسطين وقدسيتها.
)2 د ا رستي واطّلاعي على د ا رسات وأبحاث صهيونية وغربية سياسية ودينية واعلامية مترجمة،
وأخرى ع ربية تتعلق بأرض فلسطين والقضية الفلسطينية، والتي يتناول فيها الغربيون والصهاينة
خ
مواضيع تتعلق بالحق التاريخي والديني والحضاري لليهود في أرض فلسطين، والدعم الأعمى من
نصارى الغرب لهم، ورغبتي في استقصاء حقيقة تقديس الطائفتين لفلسطين.
)3 رغبتي في تحقيق شيء بسيط من حلم شيخنا الأستاذ الدكتور الشهيد ن ا زر ريان في كتابة
أحد تلاميذه حول هذا الأمر، خاصة في التأصيل العقائدي الشرعي لحقنا في بلادنا المباركة من ربّ
العالمين.
أهمية الموضوع:
.1 أنه يتناول بالبحث والمقارنة قضية من أخطر قضايا المسلمين، بل أهمّها على الإطلاق في
هذا الزمان، وهي قضية بلادنا فلسطين، الأرض المقدسة التي باركها الله وبارك ما حولها.
.2 أنه يحاول إ ا زلة الغشاوة عن أعين الناظرين إلى قضيتنا على أنها قضية سياسية بحتة، بلا
جذور عقائدية دينية عميقة.
.3 أنه يمسّ صلب عقيدة المسلمين، من منطلق أنّ التفريط بهذه الأرض- مع قدسيتها- هو
تفريط بشيء من الق آ رن، فضلاً عن التنكر للموروث الحضاري العظيم لهذه الأمة.
.4 استجدّت الحاجة إلى الموضوع أكثر -ب أ ريي- حديثاً بعد ما تكشّف أخي ا رً من تنازلات من
قبل بعض المنتسبين لهذه الأمة عن أج ا زء من أعزّ وأشرف بقاع هذه الأرض لصالح اليهود.
الدراسات السابقة:
بحسب اطّلاعي لم أعثر على بحثٍ شاملٍ يتناول المقارنة بين الأديان الثلاثة )اليهودية
والنص ا رنية والإسلام( فيما يتعلق بالأرض المباركة وعقيدة التقديس ومتعلقاتها ولوازمها، وهذا ما تميّز
به هذا البحث المتواضع، من جهة توسّع الباحث في استقصاء عقيدة التقديس لدى الملل الثلاث،
وأنواعها وما يترتب عليها من آثار ملموسة.
غير أنّ هناك الكثير ممن كتب عن الحقّ في فلسطين، وعن عقيدة اليهود خاصة فيها، وعن
الصهيونية، وزخرت المكتبات بالحديث عن عقائد اليهود والاحتلال الصهيوني لأرض فلسطين، على
شكل كتب، أو كتيّبات لتوعية المسلمين، ومحاض ا رت ومقالات وندوات وغيرها، منها على سبيل
د
المثال: كتاب د. محمد عمارة " القدس بين اليهودية والإسلام"، وكتيّب للدكتور صالح الرقب بعنوان:
"ليس لليهود حق ديني أو تاريخي في فلسطين".
أما على صعيد الأبحاث العلمية فهناك رسالة ماجستير بعنوان: عذيتة اليه ت في ال عت
بف سطي .. ع ض نذت، لمحمد بن علي آل عمر- جامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1111 هلل،
ورسالة بعنوان: " ث الَنح ا ف العذتي الفك ي عنت اليه ت ع ى الفك ال هي ني المعا " لعطا
الله بخيت المعايطة- جامعة أم القرى 1145 هلل، وهناك د ا رسات متفرقة حول اليهود وفلسطين وحق
المسلمين في فلسطين.
منهج البحث:
الجمع بين المنهج الوصفي التحليلي والمقارن.
عملي في البحث:
)1 تتبع الآيات الق آ رنية، والأحاديث النبوية، وتخريجها، فيما يخدم موضوع البحث، والرجوع لكتب
التفسير وأقوال العلماء السابقين والمعاصرين، واستنباط ما يصلح من هذين المصدرين العظيمين
للاستدلال على موضوع الد ا رسة.
)2 تتبع عقيدة اليهود والنصارى وأفكارهم الدينية من مصادرهم، وما يوضحها ويفسرها من
مصادرهم الحديثة، في موضوع التقديس عموماً وفي الأرض المقدسة، ومناقشة تفسي ا رتهم، واستنباط
ما يصلح من هذه المصادر للاستدلال على موضوع الد ا رسة.
)3 الربط بين المصادر الدينية والسياسية لليهود والنصارى ومقارنتها فيما يتعلق بموضوع البحث.
)4 إعداد فهارس للآيات الق آ رنية والأحاديث النبوية، والأعلام، والأماكن، والمصطلحات،
ووضعها في نهاية البحث.
ذ
ملاحظات:
يرغب الباحث في تسجيل جملة من التنويهات والملاحظات لكل قارئ أو مطّلع على هذا البحث
المتواضع ري كالتالي:
1( ما نصّ عليه الباحث بلفظة "التو ا رة" في ثنايا البحث؛ كأن يقول" جاء في التو ا رة" أو "تذكر التو ا رة"
أو ما شابه ذلك، فإنّ المقصود هي تو ا رة اليهود المحرّفة التي بين أيدينا وأيديهم اليوم، وهذا ينطبق
كذلك على "الإنجيل" أو "الأناجيل" عند ذكرها، إذ الم ا رد تلك الأناجيل المحرّفة الموجودة بين دفتي
ما يسمى بالكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد.
2( حافظ الباحث على توازن الفصول في بيان مصادر العقيدة عند الملل الثلاث، وقد يكون في
تفصيل بعض جوانب هذه المصادر نوع إطالة وتوسّع في غير صلب البحث، لكن هذا البيان مطلوب
في الد ا رسات المقارنة، وقد حاول الباحث الاختصار بما لا يخل ولا يلتبس على القارئ العادي غير
المختص.
3( اعتمد الباحث بشيء من الاستفاضة على الموسوعة القيّمة للمفكر د. عبد الوهاب المسيري؛
موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، فيما احتوته من ت ا رجم وافية لجلّ الشخصيات والمصطلحات
ذات العلاقة بتاريخ اليهود وديانتهم وما يتصل بهم، كما نقل الباحث بعض تعقيبات المسيري على
الموضوعات التي تناولها البحث، وهذه النقول لا تعني تبني الباحث لنظريات الدكتور حول اليهود
واليهودية، بل هي استفادة علمية أمينة من عمل بحثي ضخم خلفه المسيري رحمه الله تعالى.
4( توسّع الباحث قليلاً في استخدام عبا ا رت: "في فهم الباحث" أو " بحسب فهم الباحث" أو "في تقدير
الباحث"، وذلك في بيان المعاني التي تبادرت إلى ذهن الباحث أثناء تناوله للموضوع، وللتمييز بين
كلامه وما سبقه أو لحقه من نقول.
5( عند تناول الباحث للتعريف بالأماكن والبلدان، فإنه حاول الاعتماد على أقدم المصادر اولمعاجم
عملاً بالمنهج البحثي، لكن قد ترد بعض العبا ا رت القديمة كوحدات قياس المسافة والمساحة وما
شابه، فنقلها الباحث كما وردت، وحاول تقريبها إلى اللغة المعاصرة أحياناً.
ر
خطة البحث
قسّم الباحث البحث إلى بعة ف ، مسبوقة بمذتمة؛ بيّن فيها أهمية الموضوع وأسباب
اختياره، والد ا رسات السابقة، ومنهج البحث وخطّته.
ما بذية الف المباحث المطالة فهي ع ى النح التالي:
الفصل تمهيدي: التعريف بالقدسية والبركة وأثرهما في الاعتقاد عند أهل
الملل
فيه مبحثا :
المبحث الأ / التع يف بالذتسية الب كة بالأتيا الثلاثة:
المطلب الأول: معنى القدسية والبركة لغة.
المطلب الثاني: معنى القدسية والبركة اصطلاحاً.
المطلب الثالث: تعريف بالأديان الثلاثة.
المبحث الثاني/ علاقة الذتسية الب كة بالَعتذات عنت ر الم :
المطلب الأول: تقديس الأماكن والأشخاص لدى ملل وفرق مختلفة.
المطلب الثاني: أثر الاعتقاد بالقدسية والبركة على السلوك والواقع.
الفصل الأول: عقيدة اليهود في الأرض المقدّسة
المبحث الأ / الع ام المؤث ة ع ى العذيتة اليه تية:
المطلب الأول: مصادر الفكر اليهودي.
المطلب الثاني: المؤث ا رت والظروف الموضوعية.
المطلب الثالث: مناقشة مصادر العقيدة اليهودية.
المبحث الثاني/ عذيتة اليه ت في الأ ض المذتسة ال ت ع يه :
المطلب الأول: القدسية والبركة في العقيدة اليهودية.
المطلب الثاني: أنواع القدسية والبركة في الت ا رث اليهودي.
المطلب الثالث: جغ ا رفيا الأرض المقدسة في الت ا رث اليهودي.
المطلب ال ا ربع: اعتقاد اليهود بالحق الديني والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم.
المطلب الخامس: اضط ا رب واختلاف الطوائف اليهودية في هذه العقيدة.
ز
المبحث الثالث/ ال هي نية علاقتها بعذيتة اليه ت في الأ ض المذ تسة:
المطلب الأول: تعريف عام بالصهيونية وأساسها الديني والفكري.
المطلب الثاني: علاقة الفكر الصهيوني بعقيدة اليهود في الأرض المقدسة.
المبحث ال ا بع/ آثا العذيتة اليه تية في الأ ض المذتسة:
المطلب الأول: مجازر الصهاينة في فلسطين وعلاقتها بعقيدة اليهود.
المطلب الثاني: التوسع الاستيطاني وجدار الفصل وعلاقتهما بعقيدة اليهود.
المطلب الثالث: تهويد القدس وعلاقته بعقيدة اليهود.
المطلب ال ا ربع: هيكل سليمان في العقيدة اليهودية.
المطلب الخامس: فكرة المسيح عند اليهود وعلاقتها بالأرض المقدسة.
الفصل الثاني: عقيدة النصارى في الأرض المقدّسة:
المبحث الأ / الع ام المؤث ة ع ى العذيتة الن ا نية:
المطلب الأول: مصادر الفكر النص ا رني.
المطلب الثاني: المؤث ا رت والظروف الموضوعية.
المطلب الثالث: مناقشة مصادر العقيدة النص ا رنية.
المبحث الثاني/ عذيتة الن ا ى في الأ ض المذتسة ال ت ع يه :
المطلب الأول: القدسية والبركة في العقيدة النص ا رنية.
المطلب الثاني: أنواع القدسية والبركة في الت ا رث النص ا رني.
المطلب الثالث: اعتقاد النصارى بالحق الديني والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم.
المطلب ال ا ربع: اضط ا رب وتباين الطوائف النص ا رنية في هذه العقيدة.
المبحث الثالث/ آثا العذيتة الن ا نية في الأ ض المذ تسة:
المطلب الأول: الحروب الصليبية على الأرض المقدسة.
المطلب الثاني: الصهيونية المسيحية ودورها في تثبيت اليهود في الأرض المقدّسة.
المطلب الثالث: مظاهر الدعم الغربي )النص ا رني( المعاصر لليهود في الأرض المقدسة.
الفصل الثالث: عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة:
المبحث الأ / م ات عذيتة المس مي في الأ ض المذتسة:
س
المطلب الأول: مصادر الحق الديني للمسلمين في الأرض المقدّسة.
المطلب الثاني: مصادر الحق التاريخي للمسلمين في الأرض المقدّسة.
المبحث الثاني/ عذيتة المس مي في الأ ض المذتسة:
المطلب الأول: مفهوم القدسية والبركة عند المسلمين.
المطلب الثاني: مكانة الأرض المقدسة في العقيدة الإسلامية.
المطلب الثالث: الأرض المقدسة وملاحم آخر الزمان.
المبحث الثالث/ آثا عذيتة المس مي في الأ ض المذتسة:
المطلب الأول: الفتح الإسلامي للأرض المقدسة.
المطلب الثاني: وقفيّة فلسطين في الإسلام.
المطلب الثالث: وجوب الجهاد لاسترداد الأرض المقدسة.
المطلب ال ا ربع: حكم الإسلام في التفريط بشيء من الأرض المقدسة.
النتائج والتوصيات.
الفهارس.
وانني بعد انتهائي من كتابة هذا البحث المتواضع، وصفت الأرض المقدّسة في عشرة أبيات
من الشعر تبادرت إلى ذهني وبناني، من وحي ما ق أ رت وما كتبت، فقلت:
اختارها الجبارُ قدسلاً واصطفلى
فتباركت وتقدّست في كل ديلن
وتدافع الأغ ا ربُ فوق تُ ا ربهلللللللللللا
فتألّمت وتصبّرت عبر السنيلن
هبّ لها الفاروقُ يوم استصرخت
فلتلنلسّملت حرّيلة بعل د الأنيلن
جلاء الصليبيون يوملاً غ رّ ةً
فتحرّرت وتطهّرت بصلاح ديلن
دار الزملانُ ويلا لها من دولةٍ
عبث اليهودُ بإرث خير المرسلين
وتج بلروا وتنمّ لروا فلي غفللة
وتز نلروا بهلوان جندِ المسلميلن
هانت عللى قومٍ جثوا لعدوّهلا
لكنّهلا استللبلت قلو ب الصالحيلن
فتجهّزوا واستطيبوا بجهلادهلم
بذل الدّماء الغالياتِ بكللّ حيلن
فاستبشرت أرضُ الرّسالات التي
طالت بهلا آملاد ظلم الغاصبيلن
واستلعلذ بل ت نلي ا ر ن جنلدِ اللهِ إ ذ
بلاللكليّ ت لشلفي كللّ آلام اللسّ نليلن
ش
راا، وما كان في هذا الجهد المتواضع من خيرٍ وصواب وحقّ، فهو من الله ، وما كان فيه
من خطأ أو زلل فهو من نفسي والشيطان، وقد تعلّمت من مشواري في هذا البحث أنّ النقص صفةٌ
ملازمة للمرء مهما حرص، ولو أنّه أعاد ق ا رءة ما كتب في كل يوم مرّةً لوجد فيه نقصاً وثغ ا رت،
فسبحان المتفرد بالكمال والجلال .
والله أسأل أن يتقبّل مني هذا الجهد، وأن يجعله في مي ا زن حسناتي يوم لا مغيث إلّا هو
سبحانه، وكذا في مي ا زن حسنات كل من ساهم فيه بكلمة أو نصيحة أو جهد، كما أسأل العليّ القدير
أن ينفع به من ق أ ره وأن يكون بدايةً لكاتبه في الاجتهاد في طلب العلم.
وبعدد ما في هذا البحث من كلمات أبتهل إلى الله أن يجعلني ومن ق أ ر هذه السطور من
أوليائه الم ا ربطين على ثغور الأرض المقدّسة، وأن يجعلنا وقوداً وجنوداً لفتحها وتحريرها شب ا رً
شب ا رً، وأن ينزّل علينا نصره وتمكينه، إنّه نعم المولى ونعم النصير ..
آخ تع انا الحمت لله ة العالمي
الباحث: حذيفة سمير الكحلوت
3
الفصل التمهيدي
القدسية والبركة وعلاقتهما بالاعتقاد عند أهل الملل
وفيه مبحثان:
المبحث الأول: التعريف بالقدسية والبركة وبالأديان الثلاثة
المبحث الثاني: علاقة القدسية والبركة بالاعتقاد عند أهل الملل
4
المبحث الأول
التعريف بالقدسية والبركة وبالأديان الثلاثة
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: معنى القدسية والبركة لغة
المطلب الثاني: معنى القدسية والبركة اصطلاح ا
المطلب الثالث: تعريف بالأديان الثلاثة
5
المطلب الأول
معنى القدسية والبركة لغة
أولا: معنى القدسية:
القدسية: " )قاف ودال وسين( أصلٌ صحيح، وهو من الكلام الشرعيِّ الإسلاميّ، و يدلُّ
على الطهْر؛ ومن ذلك: الأرضُ المقدَّسة، أي: المطهَّرة، وتسمَّى الج نة حَظِيرةَ القُدْس، أي: الطُّهر،
وجَبْرَئيلُ رُوح القُدُس، وكلُّ ذلك معناه واحدٌ " ) 1 .)
" وفي صِفَة الله : القُدُّوس، فَعُّول من القُدْس وهو الطهارة، قال الأَزهري) 2 (: لم يجئ في
صفات اللَّه أي في هذا الباب غير القُدُّوس وهو الطاهر المُنَزَّه عن العُيوب والنَّقائص، - –
والتَقْدِيس: التَّطْهِير والتَّبْريك، وتَقَدَّس أَي: تطهَّر، وفي التنزيل: }ونحن نُسَبِّحُ بحمدك ونُقَدِّس لك{
)البقرة/ 03 (، قال الزجاج) 3 (: معنى نُقدس لك: أَي نُطهِّر أَنفسنا لك وكذلك نفعل بمن أَطاعك نُقَدِّسه
أَي نطهِّره " ) 4 .)
1 ( معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ابن فارس، تحقيق: عبد السلام محمد هارون، دار
46 ( بتصرف . - / 1011 ه/ 1191 م، ) 5 ، الفكر، ط 1
2 ( الأزهري ) 073 282 ه(: محمد بن أحمد بن الأزهري الهروي، أبو منص ور، أحد الأئمة في اللغة والأدب، -
مولده ووفاته في ه ا رة بخ ا رسان، نسبته إلى جده "الأزهر"، عني بالفقه فاشتهر به أولاً، ثم غلب عليه التبحر في
العربية، فرحل في طلبها وقصد القبائل وتوسع في أخبارهم ] الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن
011 ( بتصرف يسير [ . - / 2332 م، ) 5 ، فارس الزركلي الدمشقي، دار العلم للملايين/بيروت، ط 15
3 ( الزجّاج ) 022 242 ه(: إب ا رهيم بن السري بن سهل، أبو إسحاق الزجاج: عالم بالنحو واللغة، ولد ومات في -
بغداد، كان في فتوته يخرط الزجاج ومال إلى النحو فعلمه المبرد، وطلب عبيد الله بن سليمان )وزير المعتضد
العباسي( مؤدب اً لابنه القاسم، فدله المبرد على الزجاج، فطلبه الوزير، فأدب له ابنه إلى أن ولى الو ا زرة مكان أبيه،
فجعله القاسم من كتابه، فأصاب في أيامه ثروة كبيرة، من كتبه: معاني القرآن و خلق الإنسان و الأمالي اوع ا رب
63 ( بتصرف [. - / القرآن، وغيرها ] الأعلام، الزركلي ) 1
4 ( لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، تحقيق: عبد الله الكبير وَ محمد حسب الله وَ هاشم
0561 ( بتصرف . - / الشاذلي، دار المعارف/القاهرة، ط )بدون(، ) 5
6
" وحكى ابن الأَع ا ربي) 1 (: )لا قَدَّسه اللَّه( أَي: لا بارك عليه، قال: والمُقَدَّس المُبارَك،
و}الأَرض الُمقَدَّسة{)المائدة/ 21 (: المطهَّرة، وقال الف اَّ رء ) 2 (: الأَرض المقدَّسة: الطاهرة، وهي
دِمَشْق) 3 (، وفِلَسْطين وبعض الأُرْدُنْ، ويقال: أَرض مقدَّسة، أَي: مباركة، وهو قول قتادة) 4 (، واِليه
ذهب ابن الأَع ا ربي، وقال الشاعر مخاطباً ناقته: لا نَومَ حتى تَهْبِطِي أَرضَ العُدُسْ * وتَشْرَبي من
خير ماءٍ بِقُدُسْ ، أَ ا رد الأَرض المقدَّسة " ) 5 .)
أما في البلدان: " قُدْس بالضم ثم السكون، قال الليث ) 6 (: هو جبل عظيم بأرض نجد" ) 7 .)
1 ( ابن الأع ا ربي ) 202 253 ه(: إمام اللغة، أبو عبد الله محمد بن زياد بن الأع ا ربي الهاشمي مولاهم، الأحول، -
النسابة، انتهى إليه علم اللغة والحفظ، قال الأزهري:" ابن الأع ا ربي: صالح، ا زهد، ورع، صدوق، حفظ ما لم يحفظه
غيره، وسمع من بني أسد، وبني عقيل، فاستكثر، وصحب الكسائي في النحو" ، له مصنفات كثيرة أدبية، و)تاريخ
القبائل(، وكان صاحب سنة واتباع، قيل: كان ربيب المفضل، صاحب )المفضليات(، فأخذ عنه ] سير أعلام
، النبلاء، شمس الدين الذهبي، مجموعة من المحققين بإش ا رف الشيخ شعيب الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة/بيروت، ط 0
499 ( بتصرف [ . - / 1635 ه/ 1195 م، ) 13
2 ( الف اّ رء ) 237 244 ه(: العلامة، صاحب التصانيف، أبو زكريا يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الأسدي -
مولاهم، الكوفي، النحوي، صاحب الكسائي، ثقة، ورد عن ثعلب أنه قال: لولا الف ا رء، لما كانت عربية، و لسقطت؛
لأنه خلصها، ولأنها كانت تتنازع ويدعيها كل أحد، قال ابن الأنباري: لو لم يكن لأهل بغداد والكوفة من النحاة إلا
الكسائي والف ا رء، لكفى، وقال بعضهم: الف ا رء أمير المؤمنين في النحو، وقيل: عرف بالف ا رء لأنه كان يفري الكلام،
- .] )121 119/ مات الف ا رء بطريق الحج، وله ثلاث وستون سنة ] انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 13
3 ( دمشق: البلدة المشهورة قصبة الشام، قيل سميت بذلك لأنهم دمشَقوا في بنائها أي أسرعوا، فتحها المسلمون في
640 ( بتصرف يسير [ . - / رجب سنة 16 ه ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
4 ( قتادة ) 228 12 ه(: بن دعامة بن قتادة بن عزيز، أبو الخطاب السدوسي البصري، مفسر، حافظ، ضرير، -
أكمه، قال الإمام أحمد ابن حنبل: قتادة أحفظ أهل البصرة، وكان مع علمه بالحديث أ رس اً في العربية، ومفردات - -
اللغة، وأيام العرب، والنسب، وكان يرى القدر، وقد يدلس في الحديث، مات بواسط في الطاعون ] سير أعلام
- .] )191/ 241 ( بتصرف ، انظر أيضاً: الأعلام، الزركلي، ) 5 / النبلاء، الذهبي، ) 5
(5 0553 ( بتصرف يسير . - / لسان العرب، ابن منظور، ) 5
6 ( الليث بن سعد ) 275 44 ه(: بن عبد الرحمن، أبو الحارث الفهمي، الإمام، الحافظ، شيخ الإسلام، وعالم -
الديار المصرية، ، مولى خالد بن ثابت بن ظاعن. كان الليث رحمه الله فقيه مصر، ومحدثها، ومحتشمها، - -
ورئيسها، ومن يفتخر بوجوده الإقليم، بحيث إن متولي مصر، وقاضيها، وناظرها من تحت أوامره، ويرجعون إلى
أ ريه، ومشورته، ولقد أ ا رده المنصور على أن ينوب له على الإقليم، فاستعفى من ذلك ] سير أعلام النبلاء، الذهبي،
163 ( بتصرف [. - - 104/9(
7 . )052/ ( معجم البلدان، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، دار صادر/بيروت، 1019 ه/ 1199 م، ) 1
7
" وقال ابن دريد) 1 (: ) قدس أوارة ( جبل معروف، وقال الأزهري: جبلان لمزينة وهما
معروفان بحذاء سقيا مزينة، وقال ع ا رم) 2 (: بالحجاز جبلان يقال لهما القدسان قدس الأبيض وقدس
الأسود، والقدس اسم للبيت المقدّ س، وقَدس بفتح القاف؛ هي بحيرة بين حمص) 3 ( وجبل لبنان) 4 ،)
تنصبّ إليها مياه تلك الجبال، ثم تخرج منها فتصير نه ا رً عظيماً وهو )العاصي() 5 ( الذي عليه
مدينة حماة) 6 (، وشيزر) 7 (، ثم يصبّ في البحر قرب أنطاكية) 8 ( " ) 9 . )
1 ( ابن دريد ) 022 220 ه(: العلامة، شيخ الأدب، أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد بن عتاهية الأزدي، -
البصري، صاحب التصانيف، تنقل في فارس وج ا زئر البحر يطلب الآداب ولسان العرب، ففاق أهل زمانه، ثم سكن
بغداد، قال أحمد بن يوسف الأزرق: ما أ ريت أحفظ من ابن دريد، ولا أ ريته قرئ عليه ديوان قط إلا وهو يسابق إلى
روايته، يحفظ ذلك، وقال أبو بكر الأسدي: كان يقال: ابن دريد أعلم الشع ا رء، وأشعر العلماء ] سير أعلام النبلاء،
19 14 ( بتصرف يسير [ . - - / الذهبي، ) 15
2 ( ع ا رم بن الأصبغ: السلمي )ت: نحو 295 ه(: ثقة في معرفة جبال "تهامة" وق ا رها وسكانها، وأشجارها ومياهها،
كان أع ا ربيا، من بني سليم، تنقل في جهات تهامة، ووضع كتابا سماه أو سمي من بعده " كتاب أسماء جبال تمامة
- 220/ وسكانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الاشجار وما فيها من المياه" ] الأعلام، الزركلي، ) 6
. ] )226
3( حمص: بلد مشهور قديم كبير مسوّر، وفي طرفه القبلي قلعة حصينة على تلّ عال كبيرة، بين دمشق وحلب في
. ] )032/ نصف الطريق، بناه رجل يقال له حمص بن المهر بن جان بن مكنف ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
4 ( جبل لبنان: جبل مطلّ على حمص، يجيء من العرج الذي بين مكة والمدينة حتى يتصل بالشام، فما كان
بفلسطين فهو جبل الحمل، وما كان بالأردن فهو جبل الجليل، وبدمشق سنير، وبحلب وحماة وحمص لبنان ] معجم
. ] )11/ البلدان، الحموي، ) 5
5 ( نهر العاصي: وهو اسم نهر حماة وحمص، ويعرف بالميماس، مخرجه من بحيرة قدس، ومصبه في البحر قرب
. ] )49/ أنطاكية، واسمه قرب أنطاكية الأرند ] معجم البلدان، الحموي، ) 6
6 ( حماة: مدينة كبيرة عظيمة بالشام، يحيط بها سور محكم، مشرفة على نهرها المعروف بالعاصي، وفي طرف
033 ( بتصرف [ . - / المدينة قلعة عظيمة عجيبة واتقان عمارتها، وهي مدينة قديمة ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
7 ( شيزر: قلعة تشتمل على كورة بالشام قرب المعرّة، بينها وبين حماة يوم، في وسطها نهر الأردن عليه قنطرة في
. ] )090/ وسط المدينة، أوله من جبل لبنان، تعدّ في كورة حمص، وهي قديمة ] معجم البلدان، الحموي، ) 0
8( أنطاكية: مدينة تجارية في تركيا )حاليا(، تقع في وادي العاص الأدنى، مركز لواء الإسكندرونة، وتبعد عن
مدينة اللاذقية السورية نحو 113 كم ومثلها عن مدينة حلب، ويخترقها نهر العاص. وأنطاكية مدينة تاريخية قديمة
أسسها "سلوقس" عام 033 ق.م، حررها المسلمون عام 409 م بقيادة أبي عبيدة عامر بن الج ا رح ، واحتلها
الصليبيون فأصبحت إحدى الإما ا رت الصليبية الأربع لفترة 193 عاماً حتى حررها الظاهر بيبرس، ثم ضمها
.] )53/ 244 (، أيضاً: مجلة البحوث الإسلامية، ) 91 / العثمانيون في 1514 م ] انظر: معجم البلدان، الحموي، ) 1
(9 . )011/6 ،052/ معجم البلدان، الحموي، ) 1
8
ثاني ا: معنى البركة:
أما البركة فمعناها قريب من القدسية، وان كانت تتسع في اشتقاقها اللغوي إلى معنى
الاستق ا رر والنماء والزيادة والك ا رمة والتشريف والسعادة والارتفاع وغيرها ) 1 .)
" قال الخليل) 2 (: البَرَكة من الزيادة والنماء، والتّبريك: أن تَدعُوَ بالبَرَكة، وتبارك الله :
تمجيدٌ وتجليل، وفُسِّر على:}تعالى الله{)النمل/ 10 (، والله أعلم بما أ ا رد، وقال أبو حاتم) 3 (: طعامٌ
بَريكٌ أي ذو بَرَكة ".) 4 )
قال الف ا رء في قوله : }رَحْمَةُ اللهِ وبََرَكَاتُهُ علَيْكُمْ{ )هود/ 70 (: "البركات السعادة،
وقيل: كذلك قوله في التشهد: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته؛ لأن من أسعده الله بما
أسعد به النبي فقد نال السعادة المباركة الدائمة، ونُقل في تَفْسيرِ }تَبَارَكَ اللهُ{ أي: ارْتَفَع، وقال
الزَّجّاجُ: تَبارَكَ: تَفاعَلَ من البَرَكَةِ كذلك يَقولُ أَهلُ اللُّغَ ة".) 5 )
1 ( انظر: تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الر اّ زق الحسيني أبو الفيض الملقّب بمرتضى،
. )59 / الزَّبيدي، دار الهداية/الرياض، ط)بدون(، ) 29
2 273 ه(: الخليل بن أحمد الف ا رهيدي أبو عبد الرحمن، الإمام، صاحب العربية، ومنشئ علم - ( الخليل ) 233
العروض، البصري، أحد الأعلام، كان أ رس اً في لسان العرب، دين اً، ورع اً، قانع اً، متواضع اً، كبير الشأن، وله كتاب
601 621 ( بتصرف [ . - - / )العين( في اللغة، وثقه ابن حبان ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 9
3 ( أبو حاتم: الإمام، العلامة، أبو حاتم سهل بن محمد بن عثمان السجستاني، ثم البصري، )ت: 253 ه( المقرئ،
النحوي، اللغوي، صاحب التصانيف، له باع طويل في: اللغات، والشعر، والعروض، واستخ ا رج المغمى، وله: كتاب
)إع ا رب القرآن(، وكتاب )ما يلحن فيه العامة(، وكتاب )المقصور والممدود(، وغير ذلك ] سير أعلام النبلاء،
. ] )249/ الذهبي، ) 12
4 . )201/ ( معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ) 1
5 . )244/ ( لسان العرب، ابن منظور، ) 1
9
" وقال ابنُ الأَنْبارِيّ ) 1 (: تَبارَكَ اللّه أي: يُ تَبَرَّكُ باسمِه في كُلِّ أَمرٍ ، وقال اللّيثُ: في تَفْسِير
}تبََارَكَ اللهُ{: تَمجِيدٌ وتَعْظِيمٌ. وقيل: تَبارَكَ اللّه أي: بارَكَ، وقال الأَزْهَرِيُّ: البركة من بَرَكَ البَعِيرُ
إِذا أَناخَ في مَوضِ عٍ فلَزِمَه... والقُرَى المُبارَكَةُ : قيلَ: بَيْتُ المَقْدِس) 2 (، وقيلَ: الشامُ " ) 3 . )
وحاصل الأمر: أن لفظ القدس والقدسية في جميع اشتقاقاتها هي أصل يدل على الطهر
وعلو الشأن، كما أن لفظ البركة أصل يدل على معان متعددة ومت ا ربطة، أهمها الزيادة والنماء،
والعلو، والتشريف والتمجيد، والسعادة، واللزوم والاستق ا رر.
ويجد الباحث أن القرآن الكريم قد ذكر القدسية والبركة في الكثير من المواضع، فقد جاء
لفظ القدسية في عشرة مواضع: منها مرة واحدة بلفظ )المقدّسة( في قوله تعالى: }ياَ قَوْمِ ادْخُلُوا
الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ { )المائدة/ 21 (، وفي أربعة مواضع بلفظ
250 (، }إِذْ ، )روح القدس(، في الآيات:} وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ {)البقرة/ 99
1 ( ابن الأنباري ) 034 272 ه(: أبو بكر محمد بن القاسم بن بشار ، الإمام، الحافظ، اللغوي، ذو الفنون، -
المقرئ، النحوي، قال أبو علي التنوخي: كان ابن الأنباري يملي من حفظه، ما أملى من دفتر قط، وقيل: إن من
جملة محفوظه عشرين ومائة تفسير بأسانيدها، قال أبو بكر الخطيب: كان ابن الأنباري صدوقا دينا من أهل السنة،
من كتبه: )الوقف والابتداء(، و)المشكل(، و)غريب الغريب النبوي(، و)شرح المفضليات(، و)شرح السبع الطوال(،
294 296 ( بتصرف يسير [ . - - / و)ال ا زهر(، و)الكافي( في النحو، ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 15
2 ( بيت المقدس: قال الإمام السخا وي: " هو بلد فضائله لا تستقصى، وشمائل بهجتها ا زئدة بمسجده الشريف
الأقصى، ثالث الحرمين، وثاني المسجدين، وأول القبلتين، ذي الصخرة المعظمة، والقبة النضرة المحترمة، لا تشد
الرحال بعد المسجدين إلا إليه، ولا تعقد الخناصر بعد الموطنين إلا عليه، وبه صلى الرسول بالأنبياء ليلة
الإس ا رء، وعرج به منه إلى السماء، بدون شك وامت ا رء، الصلاة فيه مع الإخلاص وعدم الاشتباه، تفضل عليها في
غير المسجدين بخمس مئة أو بألف صلاة، ولشرفه سأل الكليم موسى عند وفاته ربه الدنو منه، ليفوز بتلك
القربة؛ بل استوطنه وورده خلق من الأنبياء والصحابة والأعيان؛ جديرون بإف ا ردهم في ديوان، وكنت ممن تشرف
بسلوكه، وتعرف بالأخذ عن أجلاء السند فيه وملوكه، تفضل الله الكريم بالعود إليه، وتطول بما المعول في تحقيقه
عليه " ] البلدانيات، الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: حسام القطان، دار
- . ] ) 1622 ه/ 2331 م، )ص 46 40 ، العطاء/السعودية، ط 1
3 299 ( بتصرف . - - /01 ، 51 59/ ( تاج العروس، الزبيدي، ) 29
01
قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ تُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ
.) وَكَهْلاً{)المائدة/ 113 ( }قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ {)النحل/ 132
وفي موضعين بلفظ )المقدّس( وهما في قوله لنبيه موسى : }إِنيِّ أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ
.) إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {)طه/ 12 (، }إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى{ )النازعات/ 14
وبلفظ )نقدّس( في موضع واحد في قوله تعالى: } وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لكََ{
.) )البقرة/ 03
وفي موضعين بلفظ )القدوس( وهو اسم من الأسماء الحسنى الله تعالى: }هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا
.) هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ { )الحشر/ 20 ( ، }يسَُبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ { )الجمعة/ 1
أما لفظ البركة ومشتقاته فقد ورد في القرآن الكريم في اثنين وثلاثين) 02 ( موضع اً ) 1 :)
منها اثنا عشر موضع اً جاءت بألفاظ المباركة: )مباركٌ ، ومباركاً، ومباركةٌ، ومباركةً،
ومباركةٍ، والمباركة (، وتسعة مواضع بلفظ: }تبارك{، وستة مواضع بلفظ: }باركنا{
وثلاثة مواضع بلفظ: }بركات{، وموضع واحد بلفظ: }بورك{، وموضع واحد بلفظ:
}بارك{.
أما في الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، فقد توسع واضعوه في ذكر القدسية والبركة،
إذ بلغ عدد مشتقات )قدس( بألفاظها المتنوعة سبعمائة وواحد اً وثمانين ) 782 ( موضعاً، منها
103 ( موضعاً في العهد القديم، و) 252 ( موضعاً في العهد الجديد. (
1 ، 155 ، الأع ا رف/ 56،14،109 ، هود/ 69،90 ، الإس ا رء/ 1، مريم/ 01 ، ( آل عم ا رن/ 14 ، الأنعام/ 12
، الأنبياء/ 53،91،91 ، المؤمنون/ 16،21 ، النور/ 05،41 ، الفرقان/ 1،13،41 ، النمل/ 9، القصص/ 03 ، سبأ/ 19
. الصافات/ 110 ، ص/ 21 ، غافر/ 46 ، فصلت/ 13 ، الزخرف/ 95 ، الدخان/ 0، ق/ 1، الرحمن/ 99 ، الملك/ 1
00
أما لفظ البركة والمباركة ومشتقاتها فقد بلغت في الكتاب المقدّس ستمائة وسبعة وأربعين
147 ( موضعاً، منها ) 557 ( موضعاً في العهد القديم و) 43 ( موضعاً في العهد الجديد. (
أي: أن مجموع ألفاظ البركة والقدسية في الكتاب المقدس بلغت ألفاً وأربعمائة وثمانية
وعشرين ) 2428 ( موضع اً) 1 .)
وقد تنوعت أسماء وأفعال التقديس والبركة في الكتاب المقدّس بين تقديس وبركة الأماكن
والأشخاص والأوقات:
(» ولتك ن أور ش ل م ي مق د س ة وح ر ة ه وتخو م ها و أحطُّ عنها العشو ر وال ضائب « : فالأماكن مثل 2 « ،) حٌَّ
م ه و الرَّبُّ ، و م مب ا ركٌ صَ ر ي تِ، م له صَ ري ة خ لا ي ص
ِ
(» و م رت فعٌ ا 3 .)
(» وأُق ي د م س خ ي م ة الا ج ي ت ماعي وال م ذب ح، و ها م رو م ن وب نمو م ه أُق ي د م سهم م ي ل كَ ي كه م نوا ي ل « : والأشخاص مثل 4 ،)
ف ق ا ل شا م و م ل ي لِا م و د: م مب ا ركٌ أَن ت يَ اب ينِ دا م و م د ن ك ت ف ع م ل وت ق ي د م ر «
ِ
(» ، ف ا 5 .)
و كَ ن اللاَّ ي ويُّو ن يم س ي ك م تو ن م كَُّ الشَّ ع ي ب ق ائي ي ل ين: ا س م ك م توا، لأَنَّ ال ي و م م مق دَّسٌ ف لا « : والأوقات مثل
(» تَ ن زموا 6 « ،) » و بَ ر ك م الل ال ي و م السَّاب ع وق دَّ س م ه ، لأَن مَّ ه ي في ي ه ا س تَا ح ي م ن ي جَيعي عَ ي ي لِ ا يَّ لَّي ي عَ ل م الل خا ي لق ا ( 7 .)
1 ( بعد مقارنة عدد من النسخ للكتاب المقدس، ولاختلافها وتباين طبعاتها فإن من العسير أن تجد تطابق اً كاملاً بين
نسخه، وفي ما أثبته الباحث من أعداد لألفاظ البركة والقدسية، ) تم اعتماد نسخة كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية
الأرثوذكسية المصرية( عبر موقعها الرسمي، ا ربط: / st-takla.org . www ، تم سحب النسخة بتاريخ
2311/5/23 م .
2 01 : ( المكابيين الأول 13
3 69 : ( صموئيل الثاني 22
4 66 : ( الخروج 21
5 25 : ( صموئيل الأول 24
6 11 : ( نحميا 9
7 0 : ( التكوين 2
01
المطلب الثاني
معنى القدسية والبركة اصطلاح ا
لا شك أن هناك ارتباط اً وثيق اً بين المعنى اللغوي والاصطلاحي للقدسية والبركة، حيث إن
المفس رين للق آ رن الكريم يعتمدون على اللغة العربية وأقوال العرب كركيزة أساسية لفهم المعاني
الق آ رنية التي جاء فيها مصطلحات البركة والتقديس؛ لأن الق آ رن نزل }بلِِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ{
. ) )الشعراء/ 245
أولا: القدسية في الاصطلاح الشرعي:
قال القرطبي) 1 ( رحمه الله: " لقد جعل الله - لبعض الأماكن زيادة فضل على بعض؛ كما
قد جعل لبعض الأزمان زيادة فضل على بعض، ولبعض الحيوان كذلك، ولله أن يفضّ ل ما
شاء، وعلى هذا فلا اعتبار بكونه مقدس اً بإخ ا رج الكافرين واسكان المؤمنين؛ فقد شاركه في ذلك
غيره" ) 2 .)
" لذا قال مجاهد) 3 (: الأرض المقدسة هي المباركة؛ والبركة التطهير من القحوط والجوع
ونحوه، وقال: هي الطور وما حوله، وروي عن قتادة: أنها الشام كُلُّها، وعن ابن عباس: أ نها
2( القرطبي: محمد بن أحمد بن أبي بكر بن فرح الانصاري الخزرجي الأندلسي، أبو عبد الله، القرطبي،
)ت: 491 ه( من كبار المفسرين، صالح متعبد، من أهل قرطبة، رحل إلى الشرق واستقر بمنية ابن خصيب )في
شمالي أسيوط، بمصر( وتوفي فيها، من كتبه "الجامع لأحكام القرآن"، و"قمع الحرص بالزهد والقناعة" و "الأسنى
في شرح أسماء الله الحسنى" و "التذكار في أفضل الاذكار" و "التذكرة بأحوال الموتى وأحوال الآخرة" و "التقريب
- .] )022 021/ لكتاب التمهيد" وكان ورعا متعبد اً، طارحا للتكلف ] الأعلام، الزركلي، ) 5
2 ( الجامع لأحكام الق آ رن، شمس الدين القرطبي، تحقيق: هشام البخاري دار عالم الكتب، الرياض، ط)بدون(، -
. )195/ 1620 ه/ 2330 م، ) 11
3 234 ه(: بن جبر أبو الحجاج المكي الأسود، الإمام، شيخ الق ا رء والمفسرين، أبو الحجاج - ( مجاهد) 22
المكي، الأسود، مولى السائب بن أبي السائب المخزومي، روى عن: ابن عباس فأكثر وأطاب وعنه أخذ - -
القرآن، والتفسير، والفقه، وروى عن جمع من الصحابة منهم أبو هريرة وعائشة وابن عمر رضي الله عنهم، قال
سفيان الثوري: خذوا التفسير من أربعة: مجاهد، وسعيد بن جبير، وعكرمة، والضحاك، وقال يحيى بن معين،
656 661 ( بتصرف [. - - / وطائفة: مجاهد ثقة، قيل: مات ساجداً ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 6
03
أريحاء) 1 (، وعن الزجاج وغيره هي: دمشق وفلسطين وبعض الأردن، وقول قتادة أي الشام - –
يجمع هذا كله" ) 2 . )
" وقال الضَّحَّاك) 3 (: هي إيليَا وبَيْتُ المَقْدِسِ، وقال كَعْ ب ) 4 (: وجَدْ تُ في كتاب اللَّه المُنَزَّل ]أنَّ
الشَّام[ كَنْزُ الله من أرْضِ ه، وبِها كَثْرَةٌ من عِبَادِه" ) 5 .)
قال الح ا رلي) 6 (: "القدس طهارة دائمة لا يلحقها نجس ظاهر ولا رجس باطن") 7 .)
1( أريحا: هي مدينة في غور الأردنّ، بينها وبين بيت المقدس يوم للفارس في جبال صعبة المسلك ) 06 كلم شمال
شرق القدس(، سمّيت فيما قيل بأريحا بن مالك بن أرفخشد بن سام بن نوح ] معجم البلدان، الحموي،
145/1 ( بتصرف [ . - (
2 125 ( بتصرف. - / ( الجامع لأحكام القرآن ) 4
3 ( الضحاك: ابن م ا زحم الهلالي، أبو محمد، وقيل أبو القاسم، )ت: 135 ه( صاحب التفسير، كان من أوعية
العلم، وليس بالمجود لحديثه، وهو صدوق في نفسه، وكان يكون ببلخ وبسمرقند، حدث عن ابن عباس ، وأبي
سعيد الخدري ، وابن عمر ، وأنس بن مالك ، وعن الأسود، وسعيد بن جبير، وعطاء، وطاووس، وطائفة،
وثقه أحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وغيرهما، وحديثه في السنن لا في الصحيحين، وقد ضعفه يحيى بن سعيد،
كان يؤدب الاطفال، ويقال: كان في مدرسته ثلاثة آلاف صبي، له كتاب في )التفسير(، توفي بخ ا رسان ] سير
- .] )433 519/ أعلام النبلاء، الذهبي، ) 6
4 ( كعب: كعب بن ماتع الحميري اليماني، المعروف بكعب الأحبار )ت: 02 ه( العلامة الحبر، الذي كان يهود يا
فأسلم بعد وفاة النبي ، وقدم المدينة من اليمن في أيام عمر ، فجالس أصحاب محمد ، فكان يحدثهم عن
الكتب الاس ا رئيلية، ويحفظ عجائب، ويأخذ السنن عن الصحابة، وكان حسن الاسلام، متين الديانة، من نبلاء
العلماء، حدث عن: عمر، وصهيب، وغير واحد، وحدث عنه: أبو هريرة، ومعاوية، وابن عباس رضي الله عنهم - –
691 ( بتصرف [. - / وذلك من قبيل رواية الصحابي عن التابعي، وهو نادر عزيز ] سير أعلام النبلاء، ) 0
5 ( اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي، تحقيق: عادل عبد الموجود وَ علي
. )241/ 1611 ه/ 1119 م، ) 9 ، معوض، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط 1
6 ( الح ا رلي: هو العلامة المتفنن أبو الحسن علي بن أحمد بن حسن التجيبي الاندلسي )ت: 409 ه(، وح ا رلة:
قرية من عمل مرسية، ولد بم ا ركش، وجال في البلاد، ولهج بالعقليات، وسكن حماة، وعمل تفسي ا رً عجيباً ملاه
باحتمالات لا يحتمله الخطاب العربي أصلا ، وتكلم في علم الحروف والأعداد، ووعظ بحماة، وصنف في المنطق،
69 ( بتصرف [. - / وفي شرح الأسماء الحسنى، وكان يضرب بحلمه المثل ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 20
7 ( نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين أبي الحسن إب ا رهيم بن عمر البقاعي، دار الكتب
. )134/ 1626 ه/ 2332 م، ) 1 ، العلمية/بيروت، ط 2
04
وقيل في التقديس في حق الله : " هو لغة التطهير: واصطلاحا: تنزيه الحق عن كل
ما لا يليق بجنابه، وعن النقائص الكونية، وعن جميع ما يعدّ كمالا بالنسبة إلى غيره من
الموجودات، مجردة كانت أو غير مجردة، وهو أخصّ من التسبيح كيفية وكمية، أي أشدّ تنزيه اً منه
وأكثر؛ ولذلك أخر عنه في قولهم: سبوح قدوس " ) 1 .)
،) ومن هنا فإن التقديس يستعمل للأماكن، ومن ذلك: } ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ { )المائدة/ 21
يعني: أرض الشام، كما يستعمل التقديس في حق الآدميين؛ فيقال: فلان رجلٌ مقدس: إذا أريد
تبعيده عن مسقطات العدالة ووصفه بالخير، ولا يقال: رجل مس بح، بل ربما يستعمل في غير ذوي
العقول أيض اً، فيقال: قدّ س الله روح فلان، ولا يقال: س بحه) 2 . )
إذاً، يتضح مما سبق أن المعنى الاصطلاحي الشرعي للقدسية والتقديس لا ينفك عن
معناهما اللغوي إذ هو: طهرٌ وتشريف ثابت في ذات الله ؛ فهو القدّوس، وكذا يهبه الله
للخاصة من عباده وأرضه وفق مقتضيات حكمته .
ثاني ا: البركة في الاصطلاح الشرعي:
ذُكر معنى البركة لغة في المطلب السابق، وتقرر أنها تحمل معانٍ قريبة من القدسية، إلا
أ نها أكثر استخداماً في التعبير القرآني، وفي الس نّة النبوية كذلك.
و مما جاء في المعنى الاصطلاحي للبركة، أنّها: " دوام الخير، وزيادته، وكثرته، وثبوته
أيض اً ") 3 .)
1 ( دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، القاضي عبد رب النبي بن عبد رب الرسول الأحمد
. )202/ 1621 ه/ 2333 م، ) 1 ، نكري، دار الكتب العلمية/بيروت، ط 1
2 ، ( معجم الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، مؤسسة النشر الإسلامي، ط 1
1612 ه، )ص 125 ( بتصرف . –
3 ( التعريف بنصه ذكره الشيخ محمد بن صالح المنجد، ضمن دروس صوتية قام بتفريغها موقع الشبكة الإسلامية
على الإنترنت، ا ربط: www.islamweb.net ، والاقتباس من الدرس المنشور على الشبكة تحت رقم: 210 ، سحب
2311 م. /35/ بتاريخ 25
05
قال ال ا رغب) 1 (: " وتحقيق ذلك أن البركة في الأصل مأخوذة من )برك البعير( وهو صدره،
ومنه برك البعير إذا ألقى بركه على الأرض، واعتبر فيه معنى اللزوم فقيل: ب ا ركاء الحرب
وبروكاؤها للمكان الذي يلزمه الأبطال، وسمي محبس الماء بركة، ثم أطلقت على ثبوت الخير
الإلهي في الشيء، كثبوت الماء في البركة، والمبارك ما فيه ذلك الخير، على ذلك: }وَهَذَا ذِكْرٌ
مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ{ )الأنبياء/ 53 (، تنبيه اً على ما يفيض عليه من الخي ا رت الالهية، ولما كان الخير
الإلهي يصدر من حيث لا يحس وعلى وجه لا يحصى ولا يحصر، قيل لكل ما يشاهد منه زيادة
غير محسوسة هو مبارك وفيه بركة " ) 2 .)
أما عن مصدر البركة، فإن الله هو خالق البركة، وهو الذي يمنحها من يشاء وما يشاء
سبحانه.
قال ابن الق يم) 3 ( رحمه الله: " والبركة المضافة لله – نوعان، أحدهما: بركة هي فعله ،
والفعل منها بارك، ويتعدى بنفسه تارة، وبأداة على تارة، وبأداة في تارة، والمفعول منها مبارك، وهو
1 ( ال ا رغب: هو العلامة الماهر، المحقق الباهر، أبو القاسم، الحسين بن محمد ابن المفضل الاصبهاني، )ت
532 ه(، صاحب التصانيف، كان من أذكياء المتكلمين، من أهل )أصبهان( سكن بغداد، واشتهر، حتى كان يقرن
بالإمام الغ ا زلي، من كتبه: )محاض ا رت الأدباء( و )الذريعة إلى مكارم الشريعة( و )الاخلاق( و )جامع التفاسير( و
)حل متشابهات القرآن( و )تفصيل النشأتين(، و )تحقيق البيان( ، وكتاب في )الاعتقاد( و )أفانين البلاغة(، ] سير
. ] )255/ 123 (، أيضاً: الأعلام، الزركلي، ) 2 / أعلام النبلاء، الذهبي، ) 19
2 . )66/ ( مفردات ألفاظ القرآن الكريم، ال ا رغب الأصفهاني، دار القلم/ دمشق، ط)بدون(، ) 1
3 ( ابن قيم الجوزية ) 752 142 ه(: محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي، أبو عبد الله، شمس -
الدين ، من أركان الإصلاح الاسلامي، وأحد كبار العلماء، مولده ووفاته في دمشق، تتلمذ لشيخ الإسلام ابن تيمية
حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ما يصدر عنه، وهو الذي هذب كتبه ونشر علمه،
وسجن معه في قلعة دمشق، وأهين وعذب بسببه، وطيف به على جمل مضروبا بالعصى، وأطلق بعد موت ابن
تيمية، وكان حسن الخلق محبوبا عند الناس، أغري بحب الكتب، فجمع منها عدداً عظيم اً، وكتب بخطه الحسن
شيئا كثي ا رً، وألف تصانيف كثيرة منها: )إعلام الموقعين( و )الطرق الحكمية في السياسة الشرعية( و )شفاء العليل
في مسائل القضاء والقدر والحكمة والتعليل( و )الداء والدواء( و)التفسير القيم( و )مدارج السالكين( و)هداية
59 54 ( بتصرف [ . - - / الحيارى( و)طريق الهجرتين( و)الروح( ... وغيرها الكثير، ] الأعلام، الزركلي، ) 4
06
ما جعل كذلك فكان مبارك اً بجعله ، والنوع الثاني: بركة تضاف إليه إضافة الرحمة والعزة،
والفعل منها تبارك، ولهذا لا يقال لغيره ذلك، ولا يصلح إلا له فهو سبحانه المبارك" ) 1 .)
والب ركة هي صفة ذات له باعتبار، وصفة فعل باعتبار آخر، لقوله : }تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ
الْفُرْقَانَ{ )الفرقان/ 1(، وغيرها من الآيات، فقد قال ابن عباس في تفسيرها: " يقول: ذو بركة،
ويقال: تبارك وتعالى وارتفع وتب أ ر عن الولد والشريك ) 2 ( "، وبهذا الاعتبار هي صفة فعل.
" وقال الحسين بن الفضل) 3 (: تبارك في ذاته وبارك من شاء من خلقه، قال ابن القيم: وهذا
أحسن الأقوال، فتباركه سبحانه، وصف ذات له، وصفة فعل، كما قال الحسين بن الفضل، وقال
ابن عطية) 4 (: معناه عظم وكث رة بركاته، ولا يوصف بهذه اللفظة إلا الله ( " 5 (، وبهذا الاعتبار
فهي صفة ذات له .
وتكون البركة في بعض الأمكنة، والأزمنة، والأشخاص، والأقوال، والأفعال، والأشياء.
ففي الأمكنة كبركة المسجد الأقصى وما حوله لقوله : }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ
.) المَْسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَْسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ { )الإسراء/ 1
1 194 ( بتصرف. - - 195/ ( بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي/بيروت، ط)بدون(، ) 2
2 .) ( تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، الفيروز آبادي، دار الكتب العلمية/ لبنان، ط)بدون(، )ص 033
3 ( الحسين بن الفضل: ابن عمير )ت: 292 ه(، العلامة، المفسر، الامام، اللغوي، المحدث، أبو علي البجلي
الكوفي، ثم النيسابوري، عالم عصره، إمام عصره في معاني القرآن، عاش فوق المائة عام، قال الحاكم: سمعت
إب ا رهيم بن مضارب، سمعت أبي يقول: كان علم الحسين بن الفضل بالمعاني إلهام اً من الله ، فإنه كان قد
615 616 ( بتصرف [ . - - / تجاوز حد التعليم ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 10
4 ( ابن عطية ) 542 482 ه( : الإمام العلامة، شيخ المفسرين، أبو محمد عبد الحق بن الحافظ أبي بكر غالب -
بن عطية المحاربي الغرناطي. وكان إماما في الفقه، وفي التفسير، وفي العربية، قوي المشاركة، ذكيا فطنا مدركا،
من أوعية العلم، له شعر، ولي قضاء المرية، وكان يكثر الغزوات في جيوش الملثمين، وتوفي بحصن لورقة، له
-599/ كتاب التفسير المسمى: )المحرر الوجيز في تفسير الكتاب العزيز( ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 11
. ] )292/ 599 (، أيضاً: الأعلام، الزركلي، ) 0
5 ( جلاء الأفهام في فضل الصلاة على محمد خير الأنام، ابن القيم الجوزية، تحقيق: شعيب الأرناؤوط وَ عبد
. ) 1639 ه/ 1199 م، )ص 034 ، القادر الأرناؤوط، دار العروبة /الكويت، ط 2
07
وفي الأزمنة: كبركة شهر رمضان، وخاصة ليلة القدر، قال : }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ{
.) )الدخان/ 0
وفي الأشخاص: كبركة الأنبياء، قال عن نوح :}قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ
عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ{ ) هود/ 69 (، وقال عن عيسى : }وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ{ )
.) مريم/ 01
وفي خيار المؤمنين بركة، كلٌ على قدر إيمانه، ولهذا جاء في الحديث أن النبي - -
قال: )إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ ( ) 1 .)
كما بارك ربنا في بعض الأشجار والمياه والأطعمة، قال : }يوُقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ
.) زَيْتُونِةٍ{)النور/ 05 ( ، }وَنزََّلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء مُّبَارَكًا{) ق/ 1
كما أن بعض الأقوال مباركة، لقوله .) : }تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَة{) النور/ 41
وقد ذكر الله من الأعمال والأشياء ما يمكن بفعله حدوث البركة، ومن ذلك قوله :
.) }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ { )الأعراف/ 14
ومنه قوله : )فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ عَنْ طَعَامِكُمْ، اجْتَمِعُوا عَلَيْهِ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ
لَكُمْ() 2 .)
1 ( صحيح البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ترتيب وترقيم: د. محمد فؤاد عبد الباقي، شركة مكتبة ألفا/
. ) 1621 ه/ 2339 م، كتاب الأطعمة، باب أكل الجمار، برقم: 5666 ، )ص 490 ، مصر، ط 1
2 ( المستدرك على الصحيحين، أبوعبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن نُعيم بن الحكم
الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع، تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية/ بيروت،
110 (، وحسّنه الألباني ] صحيح الجامع الصغير وزيادته /2( ، 1611 م/ 1113 م، كتاب الجهاد، برقم: 2655 ، ط 1
. ] )12/1( ، 1639 ه/ 1199 م، برقم: 162 ، )الفتح الكبير(، الإمام الألباني، المكتب الإسلامي/ بيروت، ط 0
08
خلاصة المطلب:
أول : إن البركة تقترب في معناها من القدسية والقداسة، إذ إنّ كلا منهما متعلق كصفة بذات الله
وأفعاله، كما أنهما يتعلقان بالموجودات من الكائنات.
ثاني اً: إنّ القدسية والبركة لا توهب من إنسان لإنسان آخر أو من إنسان لمكان؛ بل إنّ منحها
وهبتها تكون من الله ، بتقديره وحكمته، وبما علّق عليه حدوثها من أقوال وأفعال، وبما اختصه
سبحانه بها من أماكن وأشخاص وغيرها.
ثالث اً: إنّ القدسية والبركة هي زيادة تفضيل وتخصيص ورفعة، فالقداسة هي الطهارة الدائمة التي لا
يلحقها نجس أو فساد، والبركة هي ثبوت الخير الإلهي واختصاصه بالشيء.
ا ربع اً: إنّ أرض فلسطين خاصة، وأرض الشام عامة، هي من الأرض التي اختصها الله
بالقدسية والبركة، وذلك بنص ومفهوم الق آ رن والسنة النبوية، وأقوال العلماء، كما سيأتي في الفصل
الثالث كاملاً ) 1 . )
1 ( وهذا هو موضوع البحث الذي بين أيدينا، إذ إنّ القدسية والبركة في هذه الأرض كانت ولا ت ا زل محور ص ا رع
أهل الأديان عليها، ومهما كانت الأطماع السياسية والم ا زيا الاقتصادية لهذه الأرض كتفاصيل لهذا الص ا رع، فإنّ
أساس الص ا رع كما سيتضح من خلال صفحات هذا البحث هو ص ا رع بصبغة دينية أصيلة لا تنفك عنه، وان - -
كانت تحيط به خلفيات تاريخية وغيرها.
09
المطلب الثالث
التعريف بالمسلمين وأهل الكتاب
بين يدي هذا البحث تقديم يعرّج فيه الباحث على تعريف موجز للملل الثلاث محل البحث؛
الإسلام واليهودية والنص ا رنية، وعلاقة كلّ منها بالأرض المقدّسة تاريخياً.
أولا : الإسلام ) 1 :)
أ الإسلام لغة: -
أصل مادة اشتقاقه هي السين واللام والميم، يقول ابن فارس) 2 (: " معظم بابه من الصحة
والعافية، فالسلامة أن يسلم الإنسان من العاهة والأذى، قال أهل العلم: الله هو السلام؛
لسلامته مما يلحق المخلوقين من العيب والنقص والفناء ... ومن الباب أيض اً: الإسلام، وهو:
الانقياد؛ لأنه يسلم من الإباء والامتناع " ) 3 .)
ويقول ال ا رغب الأصفهاني: " الإسلام هو الدخول في السلم، وهو أن يسلم كل واحد منهما
من أن يناله من ألم صاحبه" ) 4 . )
1 ( مقصود الباحث في هذا المطلب بيان الاصطلاح العام للفظة الإسلام في حال إطلاقها، واقتبس الباحث بعضاً
من بحر أقوال العلماء في هذا الصدد، والا فإن الحديث عن الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاجاً لا تستوعبه صفحات
هذا البحث وليس مقصوداً بيانه هنا، وما كُتب في الإسلام أكثر وأشهر من أن يحصى والحمد لله.
2 ( ابن فارس ) 045 024 ه(: الإمام العلامة، اللغوي المحدث، أبو الحسين، أحمد بن فارس بن زكريا بن محمد -
ابن حبيب القزويني، المعروف بال ا رزي، المالكي، اللغوي، نزيل همذان، كان أ رسا في الأدب، بصي ا رً بفقه مالك،
مناظ ا رً، متكلم اً على طريقة أهل الحق، وله مصنفات ورسائل، وتخرج به أئمة، من تصانيفه: )مقاييس اللغة(
و)المجمل( و)الصاحبي( في علم العربية، و)جامع التأويل( في تفسير الق آ رن، وغيرها ] سير أعلام النبلاء، الذهبي،
- . ] )110/ 135 130/19 (، أيض اً: الأعلام، الزركلي، ) 1 (
3 . )13/ ( معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ) 0
4 . ) ( مفردات غريب القرآن، ال ا رغب الأصفهاني، )ص 263
11
ب الإسلام اصطلاح ا: -
قال شيخ السلام ابن تيمية) 1 ( رحمه الله: " الإسلام: دين الله - ، وهذا هو الإسلام العام
الذي لا يقبل الله من أحد غيره، قال الله : }وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ { )آل
عمران/ 95 (، وقال الله : }شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ
- ( " ) الْحَكِيمُ *إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ { )آل عمران/ 11 19 2 .)
وقد اكتمل الإسلام قبل موت النبي محمد ، وارتضاه الله لعباده ديناً إلى يوم يبعثون،
.) } الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً{ )المائدة/ 0
" ولفظ الإسلام في لسان الشرع ي ا رد به الدين كله الذي جاء به محمد من العقائد
والأعمال والأحكام، ومعنى هذا اللفظ: الانقياد لله ظاه ا رً وباطن اً، والإخلاص له فيهما لقول الله
،) : }بلََى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ { )البقرة/ 112
ويجيء الإسلام في لسان الشرع أيضاً بمعنى الأعمال الظاهرة الدالة بحسب الظاهر على الانقياد
والإذعان، المبنية على التصديق التام؛ لما جاء في حديث سؤال جبريل : وَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ
أَخْبِرْنِي عَنِ الْإِسْلَامِ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ : ) الْإِسْلَامُ أَنْ تَشْهَدَ أَنْ لَ إِلَهَ إِلَّ اللهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ
1 ( ابن تيمية) 728 112 ه(: أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام ابن عبد الله بن أبي القاسم الخضر النميري -
الح ا رني الدمشقي الحنبلي، أبو العباس، تقي الدين ابن تيمية، الإمام، شيخ الإسلام، ولد في ح ا رن، وتحول به أبوه
إلى دمشق، فنبغ واشتهر، وطلب إلى مصر من أجل فتوى أفتى بها، فقصدها، فتعصب عليه جماعة من أهلها
فسجن مدة، ونقل إلى الإسكندرية، ثم أطلق، فسافر إلى دمشق سنة 912 ه، واعتقل بها سنة 923 ه، وأطلق، ثم
أعيد، ومات معتقلا بقلعة دمشق، فخرجت دمشق كلها في جنازته، كان كثير البحث في كل الفنون، أما تصانيفه
فربما تزيد على أربعة آلاف ك ا رسة ] انظر: الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الحافظ شهاب الدين أبي الفضل
أحمد بن علي بن محمد العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية/صيدر أباد -
- .] )165 166/ 149 (، أيض اً: الأعلام، الزركلي، ) 1 / 1012 ه/ 1192 م، ) 1 ، الهند، ط 1
2 ( الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية، و ا زرة الشئون
. ) 1619 ه، )ص 54 ، الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد/المملكة العربية السعودية، ط 1
10
اللهِ ، وَتُقِيمَ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِيَ الزَّكَاةَ، وَتَصُومَ رَمَضَانَ، وَتَحُجَّ الْبَيْتَ إِنِ اسْتَطَعْتَ إِلَيْهِ سَبِيلًا (، قَالَ:
صَدَقْتَ ) 1 ( ) 2 . )
يقول العلماء) 3 (: الإسلام في الشرع على ضربين: أحدهما: د ون الإيمان، وهو الاعت ا رف
باللسان، وله يحقن الدم حصل معه الاعتقاد أو لم يحصل واياه قصد بقوله - - :} قَالتَِ الْأَعْرَابُ
آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا { )الحجرات/ 16 (، والثاني: فوق الإيمان: وهو أن يكون مع
الاعت ا رف اعتقاد بالقلب ووفاء بالفعل واستسلام لله في جميع ما قضى وقدّر، كما ذكر عن
إب ا رهيم في قوله } إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ { )البقرة/ 101 (، وقوله } تَوَفَّنِي مُسْلِمًا
وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالحِِينَ { )يوسف/ 131 ( أي اجعلني ممن استسلم لرضاك .
وحاصل الأمر كما بين شيخ الإسلام أنّ " الإسلام يجمع بين أمرين، أحدهما: الانقياد - -
والاستسلام لله رب العالمين، والثاني: إخلاص ذلك واف ا رده لله ، وعنوانه وجوهره: قول: لا إله
إلا الله، وله معنيان، أحدهما: الدين المشترك، وهو عبادة الله وحده لا شريك له، الذي بعث به
جميع الأنبياء، والثاني: ما اختص به نبينا محمد من الشرعة والمنهاج، وهو الشريعة والطريقة
والحقيقة، وله مرتبتان، إحداهما: الظاهر من القول والعمل، وهو المباني الخمس أي أركان
الإسلام، والثانية: أن يكون ذلك الظاهر مطابقاً للباطن، وهذا ما يميّز المؤمن من المنافق" ) 4 .)
1 1626 ه/ ، ( صحيح مسلم، الامام الحافظ أبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر/ بيروت، ط 1
. ) 2330 م، كتاب الإيمان، باب بيان الإيمان والإسلام والإحسان، برقم: 2، ) ص 01
2 ( العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، عبد الحميد بن باديس، تحقيق: محمد الصالح رمضان،
1614 ه/ 1115 م، )ص 09 ( بتصرف . - ، دار الفتح/الشارقة، ط 1
3 ( انظر: تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري الهر وي، تحقيق: عبد السلام هارون وآخرون، الدار
652 (، أيضاً: مفردات غريب القرآن، ال ا رغب الأصفهاني، / 1096 ه/ 1146 م، ) 12 ، المصرية/القاهرة، ط 1
. )2393/ )ص 261 (، أيضاً: لسان العرب، ابن منظور، ) 0
4 ( الفتاوى الكبرى، شيخ الاسلام ابن تيمية، تحقيق: حمد عبدالقادر عطا مصطفى عبدالقادر عطا، دار الكتب -
544 ( بتصرف . - / 1639 ه/ 1199 م، ) 4 ، العلمية/بيروت، ط 1
11
من خلال ما سبق بيانه يمكن أن يع رف الإسلام بأنه: الدين الحق الذي ارتضاه رب
العالمين لعباده أجمعين، عقيدة وشريعة ومنهاجاً، منذ بعثة خاتم المرسلين إلى يوم الدين) 1 .)
ثاني ا: أهل الكتاب:
ذكر الله أهل الكتاب بهذا اللفظ في القرآن الكريم في واحد وثلاثين موضع اً في تسع - -
سور) 2 .)
يقول الإمام الشهرستاني) 3 (: أهل الكتاب: " الخارجون عن الملة الحنيفية، والشريعة
الإسلامية، ممن يقول بشريعة وأحكام وحدود وأعلام وينقسم أهل الكتاب إلى قسمين: الأول: من له
كتاب كالتورة والإنجيل وهم من يخاطبون في الق آ رن بأهل الكتاب، والثاني: من له شبهة كتاب - -
كالمجوس والمانوية ؛ وذلك لأنّ صحف إب ا رهيم رُفعت إلى السماء، فيتقدم ذكر أهل الكتاب - –
لتقدمهم بالكتاب ويؤخر ذكر من له شبهة كتاب، واليهود والنصارى هما أكبر أمم أهل الكتاب ") 4 .)
قال ابن تيمية رحمه الله في تفسير قوله - - : }إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ
، مَنْ ءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالحِاً فَلَهُم أَجْرُهُم عِنْدَ رَبِّهِم وَلا خَوْفُ عَلَيْهِم وَلا هُم يحَزَنُون{)البقرة/ 42
المائدة / 41 (.: " إنّ لفظ }الَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى{ يتناول جميع أهل الكتاب التوا رة والإنجيل - -
الذين كانوا قبل النسخ والتبديل، والذين كانوا بعد ذلك، فهذا الاسم لا يختص بالكفار منهم، كما أن
1 ( التعريف بهذا الاصطلاح هو من فهم الباحث لمجمل أقوال العلماء السابقة.
2 111 النساء/ ،110 ،113 ،11 ،19 ،95 ،92 ،91 ،93 ،41 ،45 ، 131 آل عم ا رن/ 46 ، ( البقرة/ 135
، 99 ، العنكبوت/ 64 ، الأح ا زب/ 24 ، الحديد/ 21 ،49 ،45 ،51 ،11 ، 191 ، المائدة/ 15 ،151 ،150 ،120
.4 ، 11 ، البينة/ 1 ، الحشر/ 2
3 ( الشهرستاني ) 548 474 ه(: الأفضل، محمد بن عبد الكريم بن أحمد الشهرستاني، أبو الفتح ، شيخ أهل -
الكلام والحكمة، وصاحب التصانيف، برع في الفقه، وق أ ر الأصول، وصنف كتاب )نهاية الإقدام(، وكتاب )الملل
299 ( بتصرف [. - / والنحل(، وكان كثير المحفوظ، قوي الفهم، مليح الوعظ ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 23
4 ( الملل والنحل، الإمام الشهرستاني، تحقيق: محمد بن فتح الله بد ا رن، مطبعة الأزهر أضواء السلف/مصر، -
695 ( بتصرف . - 690/ 1044 ه/ 1169 م، ) 1 ، ط 1
13
لفظ )بني إس ا رئيل( ولفظ )أهل الكتاب( ليس مختصاً بالكفار، ولكن كانوا مسلمين ومؤمنين مع
كونهم من بني إس ا رئيل ومن أهل الكتاب، وكذلك من اليهود والنصارى") 1 .)
لذلك عندما يذكر في التنزيل أهل الكتاب كقوله : }ياَ أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ
لَكُمْ{ )المائدة/ 11 ( ؛ فالم ا رد به: أهل الكتابين: التو ا رة، والإنجيل، لكن ذكر الكتاب، وهو اسم
الجنس، فينصرف إلى الفريقين؛ أي اليهود والنصارى، كما قال جمهور المفسرين) 2 .)
إذاً، تتضافر آ ا رء المفسرين والعلماء بأن أهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وكذا قال جمهور
الفقهاء، غير أنّ الحنف يّة توسّعوا في أهل الكتاب فقالوا: هم كلّ من يؤمن بنبي ويقرّ بكتاب، ويشمل
اليهود والنصارى، ومن آمن بزبور داود ، وصحف إب ا رهيم وغيره؛ وذلك لأنهم يعتقدون
دين اً سماوياً منزلاً بكتاب ) 3 . )
واستدل الجمهور بقوله : }أَن تَقُولُواْ إِنَّمَا أُنزِلَ الْكِتَابُ عَلَى طَآئِفَتَيْنِ مِن قَبْلِنَا وَإِن كُنَّا عَن دِرَاسَتِهِمْ
لَغَافِلِينَ {)الأنعام 154 ( ، قالوا: ولأن تلك الصحف أي غير الكتابين كانت مواعظ وأمثالاً، لا - –
أحكام فيها، فلم يثبت لها حكم الكتب المشتملة على أحكام) 4 .)
1 . )55/ ( الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ) 9
2 ( انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر الطبري،
690 (، أيضا: تفسير الق آ رن، أبو / 1623 ه/ 2333 م، ) 4 ، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة/بيروت، ط 1
المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، تحقيق: ياسر بن إب ا رهيم وَ غنيم بن عباس بن غنيم، دار
20 (، أيضاً: تفسير القرآن "اختصار النكت للماوردي"، الإمام عز / 1619 ه/ 1119 م، ) 2 ، الوطن/الرياض، ط 1
، الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي الدمشقي الشافعي، تحقيق: عبد الله الوهبي، دار ابن حزم/ بيروت، ط 1
249 (، أيضاً: تفسير النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تحقيق: / 1614 ه/ 1114 م، ) 1
019 (، أيضاً: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم / مروان محمد الشعار، دار النفائس/بيروت، 2335 م، ) 1
والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله الحسيني الألوسي، دار إحياء الت ا رث العربي/بيروت، ط)بدون(،
.)116/0(
3 1612 ه/ 1112 م، ، ( انظر: حاشية رد المختار على الدر المختار، ابن عابدين، دار الفكر/بيروت، ط 2
.)65/0(
4 . )696 / ( انظر: الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
14
أما في تفصيل التعريف بأهل الكتاب فهم كما سبق على قسمين بحسب دينهم - -
وكتابهم، وسيتناول الباحث كل قسم بشيء من التفصيل ضمن هذا المطلب:
القسم الأول: اليهودية:
قال الإمام الشهرستاني: " اليهود: هم أمة موسى ، وكتابهم التو ا رة، وهو أول كتاب
نزل من السماء أعني أن ما كان ين زل على إب ا رهيم وغيره من الأنبياء عليهم السلام ما كان - - -
يسمى كتاباً بل صحف اً") 1 .)
وقد ذكر الله اليهود في الق آ رن بهذا الاسم في ثمانية مواضع في أربع سور) 2 (، ك لّها في
مواطن الذم والقدح وبيان كفرهم؛ غير أنّ القرآن تحدث عن اليهود تصريحاً واشارة في مئات الآيات
من الذكر الحكيم، لكن بألفاظ أخرى )كبني إس ا رئيل، قوم موسى، وأهل الكتاب، وغيرها(.
وعن أصل التسمية، فإن هناك خلاف اً بين علماء الأديان والعقيدة والتاريخ في سبب تسميتهم
بهذا الاسم وفي أصوله اللغوية والتاريخية، بل إنّ الخلاف قائم في تعريف اليهود واليهودية، في
ظل الإشكاليات الكبيرة التي تحيط باليهود تاريخياً ودينياً.
ويستطيع الباحث إيجاز أقوال العلماء في أصل التسمية فيما يلي:
2( قيل: أصل التسمية من: هاد الرجل، إذا تاب ورجع، وسمّوا بذلك لقول موسى لربه
.) : }إنا هدنا إليك{ )الأعراف/ 154
غير أنه لا يقتصر في معنى "هاد" على التوبة، قال ابن الأَع ا ربي: هادَ إِذا رجَع من خير
إِلى شرّ ، أَو من شرّ إِلى خير، وهادَ إِذا عقل، ويَهُودُ اسم للقبيلة ) 3 .)
1 - . )612 611/ ( المصدر السابق، ) 1
2 . 92 ، التوبة/ 03 ،46 ،51 ، 123 ، آل عم ا رن/ 49 ، المائدة/ 19 ، ( المواضع هي: البقرة/ 110
3 6919 (، وأوضح ابن منظور أن هذا القول هو قول مجاهد وسعيد بن / ( انظر: لسان العرب، ابن منظور، ) 4
جبير واِب ا رهيم، وقال تعالى: }إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ{)البقرة/ 42 (، وقيل إِنما اسم هذه القبيلة يَهُوذ فعرب بقلب الذال
دالاً، وقالوا: اليهود فأَدخلوا الأَلف واللام فيها على إِ ا ردة النسب يريدون اليهوديين... وسميت اليهود اشتقاقاً من هادُوا
. )611/ أَي تابوا وأَ ا ردوا باليَهُودِ اليَهُودِيِّينَ ولكنهم حذفوا ياء الإِضافة، انظر أيضاً: الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
15
وفي فهم الباحث فإنّ في القول بأنّ سبب تسمية اليهود يعود إلى هذا الأصل نظر؛ وذلك
لأن لفظة "اليهود" لم تستعمل في عهد موسى ، سواءً في القرآن الكريم أو حتى في أسفار
الكتاب المقدس؛ إذ ذكرت للمرة الأولى في سفر الملوك الثاني) 1 (، كما أنّ إتيان وصفهم باليهود في
معرض الذم في الق آ رن الكريم كما أسلفنا لا يستقيم مع معنى الهَود أي التوبة والرجوع إلى الله - –
، إذ ليست هذه من صفاتهم، والله أعلم.
2( وقيل: مصدرها: إقليم "يهودا"، الذي اكتسب هذا الاسم من أبناء وأحفاد "يهوذا"، وهو الابن
ال ا ربع ليعقوب ، حيث قدّمه على إخوته الأحد عشر، فصار حاكماً لهم إلى أن مات، وورث
أولاد يهوذا رياسة الأسباط من بعده، إلى أن أرسل الله موسى ، ثم قدّمهم موسى في
حياته، وقدّمهم يوشع بن نون) 2 (، من بعده أيضاً، حتّى جاء داود وهو من سبط يهوذا -
كذلك ثم ورثه ابنه سليمان - ، فلما مات سليمان افترقت بنو اس ا رئيل، عشرة أسباط في شمرون
)نابلس اليوم(، وسبطان في القدس، هما: سبط يهوذا وسبط بنيامين، وكان يقال لسكّان نابلس )بنو
اس ا رئيل(، ولسكان القدس )بنو يهوذا(، إلى أن انقرضت دولة الجنوب على يد )سرجون() 3 ( ملك
آشور سنة 921 ق.م، وبقي ملك بني اس ا رئيل في القدس تحت إمرة ملوك بني يهوذا، حتى جاء
1 يفِ ذ ي لِ ال و ق ي ت أَ ر ج ع ر ي ص م ين م ي م لِ أَ را م أَ ي لَ ي للأَ را ي م ي ين، و ط ر د ال يَمو د ي م ن أَي لَ. و جا ء الأَ را ي ميُّو ن « : 4، ونصّه : ( سفر الملوك الثاني 14
لَ أَي لَ وأَق ا م موا
ِ
ا لَ ه ذا ال ي و ي م
ِ
. » م هن ا ك ا
2 ( يوشع بن نون: هو نبي من أنبياء بني إس ا رئيل، وقد ثبتت نبوته في السنة النبوية المطهرة، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
)غَ اَ ز نَبِيٌّ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فَقَالَ لِقَوْمِهِ لَا يَتْبَعْنِي رَجُلٌ ... فَغَ اَ ز فَدَنَا مِنْ الْقَرْيَةِ صَلَاةَ الْعَصْرِ أَوْ قَرِيبًا مِنْ ذَلِكَ فَقَالَ
لِلشَّمْسِ إِنَّكِ مَأْمُورَةٌ وَأَنَا مَأْمُورٌ اللَّهُمَّ احْبِسْهَا عَلَيْنَا فَحُبِسَتْ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَلَيْهِ... الحديث( ] متفق عليه، البخاري:
كتاب النكاح، باب من أحب البناء قبل الغزو، برقم: 5159 ، )ص 461 (، صحيح مسلم: كتاب الجهاد والسير، باب
تحليل الغنائم لهذه الأمة خاصة، برقم: 6664 ، )ص 993 ( [ وقال ابن حجر في فتح الباري: قوله: غ ا ز نبي من
الأنبياء أي: أ ا رد أن يغزو، وهذا النبي هو يوشع بن نون ] فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني،
. ] )221/ 1091 ه، ) 4 ، دار المعرفة/بيروت، ط 1
3 935 ق.م(، استولى على العرش بعد موت "شلمانصر"، - ( سرجون الثاني: وهو: "شاروكين" ملك آشور ) 921
وذلك أثناء حصاره السامرة، فأتمّ الحملة بنجاح، وهجّر سكانها، وقد هزم عام 923 ق.م تحالفاً عسكرياً من بقايا
المملكة الشمالية، وبعد اغتياله خلفه "سناخريب" على العرش ] موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب
. ] )10/ 1111 م، ) 6 ، المسيري، دار الشروق/القاهرة، ط 1
16
)بختنصر() 1 ( وكان اسمه بالفارسية فيما قيل: "بخترشه" سنة 594 ق.م، وخرّب القدس، وجلا - -
جميع بني إس ا رئيل إلى بابل) 2 (، فعرفوا هناك بين الأمم )ببني يهوذا(، وفي ذلك الزمان تفرقت بنو
إس ا رئيل ونزل بعضهم أرض الحجاز بيثرب ووادي القرى وغيرها... ومن هنا جاءت تسميتهم، حيث
صار يقال للواحد منهم )يهودي( حتى مجيء الإسلام، وبدّل العرب الذال وقلبوها دالاً مهملة؛
فسميت بنو إس ا رئيل )باليهود(، وبذا نزل القرآن.) 3 .)
وهذا هو القول فيما يبدو للباحث هو الأقرب للصواب، والذي يتوافق مع الاستخدام التاريخي
والديني للفظة اليهود، كما سيأتي، والله أعلم.
0( وقيل: إنّ سبب التسمية لأنهم يتهوّدون، أي يتحركون عند ق ا رءة التو ا رة، قاله: أبو عمرو
ابن العلاء) 4 ( .) 5 .)
1( بختنصر: ملك بابلي، قيل: هو أحد ملوك الدنيا الأربعة الذين ملكوا شرقها وغربها، وفي ذلك خلاف، جلا من
كان ببيت المقدس من اليهود إلى ع ا رق العجم، وأسكنهم أصفهان، خرب مدينة القدس وهدمها، ونقض المسجد
594 ق.م(، ثم لم يزل بيت المقدس خ ا رباً إلى أن بني في الإسلام ] انظر: نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب (
. ] )123/ 1626 ه/ 2336 م، ) 16 ، الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، دار الكتب العلمية/بيروت، ط 1
2 ( بابل: مدينة قديمة، كان بابها مما يلي الكوفة، وكان الف ا رت يجري ببابل حتى صرفه )بختنصّر( إلى موضعه
الآن مخافة أن يهدم عليه سور المدينة، ومدينة بابل بناها بيو ا رسب الجبار واشتق اسمها من اسم المشتري، لأن
بابل باللسان البابلي الأول اسم للمشتري، فلم تزل عامرة حتى كان الإسكندر، وهو الذي خرّبها ] معجم البلدان،
013 ( بتصرف [ . - / الحموي، ) 1
3 1639 ه، ، ( انظر: تاريخ الطبري، محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط 1
092/1 وما بعدها(، أيضاً: تاريخ اليهود وآثارهم في مصر، تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، (
د ا رسة وتحقيق: د. عبد المجيد دياب، دار الفضيلة/ القاهرة، ط)بدون(، )ص 130 131 (، أيضا: بنو إس ا رئيل في -
- . )61 69 ، 1639 ه/ 1199 م، )ص 11 ، القرآن والسنة، د. محمد سيد طنطاوي، الزه ا رء/مصر، ط 1
4( أبو عمرو بن العلاء ) 254 73 ه(: بن عمار بن العريان، البصري، المقرئ، أحد الأئمة الق ا رء السبعة، اختلف -
في اسمه كثي ا رً، وقال ابن مجاهد: كان أبو عمرو مقدماً في عصره عالماً بالق ا رءة ووجوهها قدو ةً في العلم باللغة، إمام
الناس في العربية، متواضعاً في علمه ... ولم تزل العلماء في زمانه تعرف له تقدمه وتقر له بفضله وتأتمّ في الق ا رءة
- . ] )61/ 639 ( بتصرف، أيضاً: الأعلام، الزركلي، ) 0 / بمذاهبه ]انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 4
5 ( التفسير الكبير أو )مفاتيح الغيب(، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين القرشي ال ا رزي الملقب
. )19/ 1621 ه/ 2333 م، ) 0 ، بفخر الدين ال ا رزي، دار الكتب العلمية/بيروت، ط 1
17
هذا ما أعان الله الباحث على اختياره من الأقوال المشهورة في سبب تسمية )اليهود( بهذا
الاسم، لكنهم كما سلف ذُكروا في مواطن كثيرة بغير هذا اللفظ فمن أسمائهم أيضاً: - –
)العب ا رنيون، الإس ا رئيليون أو بنو إس ا رئيل(.
أما في سبب تسميتهم بالعب ا رنيين فالخلاف قائم كذلك فيه، واليهود يطلقون على أنفسهم
العب ا رنيين، وعلى دولتهم الدولة العبرية؛ مدّعين انتسابهم إلى إب ا رهيم ، الذي ورد وصفه في
التو ا رة بالعب ا رني) 1 (، لأنه عبر نهر الف ا رت) 2 ( وأنها ا رً أخرى) 3 .)
غير أن هذه الدعوى هي حلقة من حلقات التزوير التاريخي الذي يمارسه اليهود؛ إذ إن لفظ
)العبري( أو العب ا رني، بمعنى العبور للنهر، ينطبق على غير إب ا رهيم ، ولا وجه لاختصاصه
به، بل إنّ التو ا رة ذاتها أطلقت اللفظ على غير إب ا رهيم ( 4 .)
بل إن د. عبد الوهاب المسيري) 5 ( رحمه الله يذكر في موسوعته " أن مصطلح )عب ا رني( - -
أو )عبري( يدلّ على معانٍ كثيرة وأحياناً متناقضة، والعب ا رنيون كتلة بشرية ضخمة يعود أصلها إلى
الجزيرة العربية، استقرت في منطقة الهلال الخصيب وفلسطين في أوقات متفرقة، والكلمة في
معناها العام تضمّ كل القبائل السامية التي تناسلت من صفوفها الشعوب المختلفة التي انتشرت في
كنعان) 6 (، وسوريا وبلاد ال ا رفدين، ومن بينها تلك القبيلة التي جاء منها إب ا رهيم ونسله، وقد
1 . » ف أَ تَ م ن نَا وأَ خ بَ أَب را م ال ي ع بَا ي نَّ . و كَ ن سا ي كن ا ي ع ن د ب لُّو طا ي ت م م را الأَ م مو ي ر ي ي « : 10 ، ونصّه : ( سفر التكوين 16
2 ( الف ا رت: النهر الكبير المعروف بجانب نهر دجلة في الع ا رق، والف ا رت في أصل كلام العرب أعذب المياه، عبره
. ] )262/ عتبة بن غزوان فاتحاً ] انظر: معجم البلدان، الحموي، ) 6
3 . ) ( انظر: بنو إس ا رئيل في القرآن والسنة، د. محمد سيد طنطاوي، )ص 19
4 ذا « : 2، ونصه : ( سفر الخروج 21
ِ
» ا ا ش تَي ت ع ب دا ي ع بَا ي نيًّا، ف ي ستَّ ي س ني ين يَ ي د م م، و يفِ السَّا ي ب ع ي ة يَ م ر م ج م حرًّا مجَّا ن
5 ( عبد الوهاب محمد أحمد المسيرى ) 2338 2408 م(: مفكر مصري إسلامي، صاحب موسوعة اليهود -
واليهودية والصهيونية ]انظر: سيرته الكاملة وأعماله عبر موقعه الرسمي www.elmessiri.com/ .]
6 ( كنعان: هو ابن حام ال ا ربع، وحفيد نوح ، وهو جد القبائل التي قطنت أ ا رضي غربي الأردن، وأرض كنعان
هي الأرض التي سكنتها ذريته، وأصل اشتقاقها حوري، بمعنى "الصبغ الأرجواني"، أما اسم فلسطين فقد كان يطلق
في الأصل على الساحل الذي كان يقطنه الفلسطينيون)غرب فلسطين( إلا أنه يقصد به الآن ما كان يقصد بكنعان،
115 ، أيضاً: قاموس الكتاب المقدس، عدد من المؤلفين / ] انظر: موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، المسيري، 6
اللاهوتيين، باب الكاف مع النون، ا ربط: www.al-maktabeh.com/ar/open ، بتاريخ 2311 4 1 م [. - -
18
سُمِّيت هذه القبيلة الأخيرة باسم )العب ا رنيين(، وذلك من قبيل إطلاق العامّ على الخاص" ) 1 .)
إذاً، فهم أي اليهود من خلال هذا الربط يحاولون الانتساب لعصر قديم ولنبي كريم، وهو - –
منهم ب ا رء بنص التنزيل: }مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ
.) الْمُشْرِكِينَ { )آل عمران/ 49
أما في سبب تسميتهم ببني إس ا رئيل، فإس ا رئيل: هو يعقوب ، وقد ورد ذلك في الق آ رن
الكريم في موضعين هما: }أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِن ذُرِّيَّةِ
.) إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَن خَرُّوا سُجَّداً وَبُكِيّاً { )مريم/ 59
) }كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ..{ )آل عمران 10
ومعنى إس ا رئيل: عبد الله وصفوته من خلقه، و"إيل" هو الله ، و"إس ا ر" هو العبد، كما قيل:
"جبريل" بمعنى عبد الله، وروي ذلك عن ابن عباس ( 2 . )
وقد ذكر الله بني إس ا رئيل في الق آ رن بهذا اللفظ أربعين مرة في ست عشرة سورة ) 3 .)
لكن.. لا يخفى أن اليهود الذين يسمون اليوم دولتهم باسم إس ا رئيل هم أكثر الناس بعداً عن
مفهوم العبودية لله ، كما أنهم بعقائدهم وأفعالهم لا ينتسبون إلى نبي الله يعقوب وحاشاه،
1 112 ( بتصرف، وانظر: اليهودية والمسيحية في المي ا زن، د. عماد الدين - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
. ) 1625 ه 2336 م، )ص 29 ، الشنطي، ط 1
2 . )550/ ( انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري، ) 1
3 ،113 ،99 ،92 ،93 ،02 ، 10 ، المائدة/ 12 ، 264 ، آل عم ا رن/ 61 ،211 ،122 ،90 ،69 ، ( البقرة/ 63
،16 ،93 ، 136 ، طه/ 69 ،131 ،6 ، 10 ، الإس ا رء/ 2 ، 109 ، يونس/ 13 ،109 ،106 ، الأع ا رف/ 135
، 119 ، النمل/ 94 ، السجدة/ 20 ، غافر/ 50 ، الزخرف/ 51 ، الدخان/ 03 ، الجاثية/ 14 ،51 ،22 ، الشع ا رء/ 19
.16 ، الأحقاف/ 13 ، الصف/ 4
19
فعقيدتهم تش وه مفهوم العبودية ومقام النبوة؛ فهم لا يرعون حق نبي الله يعقوب "إس ا رئيل" ، كما
لا يعرفون حقّ الله بكمال ربوبيته وألوهيته ( . 1 . )
مراحل تاريخ اليهود في الأرض المقدسة:
لا بد من عرض موجز لأبرز المحطات في تاريخ اليهود؛ وذلك لأن اليهود يربطون دينهم –
وخاصة اعتقادهم في الأرض المقدسة بأصول تاريخية، بل لا مجال لفهم دين اليهود سوى -
باستع ا رض م ا رحل تاريخهم، غير أنه لا بد من العلم بأن التاريخ اليهودي تشوبه إشكالات كثيرة
واضط ا ربات حتى في تحديد الهوية اليهودية، وهذه الإشكالات والاضط ا ربات يكاد يجمع على
وجودها كل من كتب في تاريخ اليهود ودوّن م ا رحلهم.
" بل إن اليهود أنفسهم فشلوا تاريخياً في الإجابة على سؤال، من نحن؟ ومن هم؟ أي: من
الذي يقع ضمن نطاق الهوية اليهودية ومن يقع خارجها، وهذا الإشكال البيّن جعل الصهيونية
تطرح نفسها كإطار جامع للشعب اليهودي، محاولةً إيجاد صيغة ما لتاريخ يهودي واحد، على
أساس أن الشعب اليهودي هو شعبٌ منفي تربطه علاقة عضوية بأرض الميعاد، ثم ما لبث أن
نشب الص ا رع داخل الصهيونية نفسها حول تحديد الهوية القومية، فهناك من يدعو إلى صهيونية
دينية، وهناك من يدعو إلى صهيونية علمانية، وأصل الخلاف هو السؤال القائم، ما هو مصدر
يهودية اليهودي؟، هل هو التطور التاريخي والانتماء العرقي؟ أم هو الاختيار الإلهي والتاريخ
اليهودي المقدس؟ " ) 2 .)
1 ( اليهود لم ي ا رعوا حق الأنبياء عليهم السلام، وعلى أ رسهم النبي الذي يتسمَّون باسمه ويلصقون أنفسهم به وهو
يعقوب ، وأكبر دليل على ذلك القصة التي هي مصدر تسميتهم بزعمهم والتي تصف المعركة بين الربّ - –
وبين يعقوب ، والتي انتهت بإطلاق اسم اس ا رئيل عليه، وقد وردت في سفر التكوين، الإصحاح 02 ، ونصها:
ن سانٌ حتََّّ م طلموعي ال ف ج ي ر. ول مَّا رأَى أَن مَّ ه لا ي ق ي د م ر ع ل ي ي ه ض «
ِ
ف ب ي ق ي ي ع م قو م ب و ح د م ه. و صا رع م ه ا ب م ح ف ذ ي ذ ي ه ف ا خَل ع م ح ف ذ ي ذ ي ع م قو ب يفِ م اا ر ع ي ت ي ه م ع م ه.
وق ا ل: أَ ط ي ل ق ينِ لأَن مَّ ه ق د طل ع ال ف ج م ر ، ن ل م تم با ي ر ك ينِ
ِ
ف قا ل: لا أُ ط ي ل م ق ك ا ، ف سأَ م له: ما ا م سْ ك؟، ف قا ل: "ي ع م قو م ب". ف قا ل: لا يم د عى ا م سْ ك يفِ ما ب ع م د ي ع م قو ب
سْائيي ل لأَن ك جا ه د ت م ع ا ي لله و ا
ِ
ب ل ا لنَّا ي س وق ي د ر ت ، و سأَ م له ي ع م قو م ب: أَ خ ي بَ ي ن ي بَ ي سْ ك ، ف قا ل: ي ل ما ذا ت سأَ م ل ع ي ن ا ي سْي؟ و بَ ر ك م ه م هن ا ك. ف دع ا ي ع م قو م ب ا سْ
. » ال م كَ ي ن "ف ي ني ي ئي ل" ق ائي لا: لأَ ي ن ن ظ ر م ت ا لله و جْ ا ي ل و جهٍ و م ي نَ ي ت ن ف ي س
2 2330 م، )ص 9 4 ( بتصرف . - - ، ( من هو اليهودي؟، د. عبد الوهاب المسيري، دار الشروق/القاهرة، ط 0
31
ومما يجعل محاولة د ا رسة تاريخ اليهود شاقة وعسيرة أنهم كما يقول المؤرخون الغربيون - –
ليس لهم في الحضارة البشرية نصيب يمكن أن يدلّ عليهم عبر التاريخ، ومما قيل فيهم: " اليهود
لم يكن لهم فنون ول علوم ول صناعة ول أي شيء يمكن أن تقوم عليه حضارة، ولم يأتوا قط
بأية مساعدة مهما صغرت في شيد المعارف البشرية ") 1 .)
وبما أن هذا البحث تحت عنوان: "الأرض المقدّسة"، ويحاول المقارنة بين اعتقاد الملل في
مفهوم الأرض المقدّسة، فإنني اخترت مستعيناً بالله أن أقسّم الم ا رحل التاريخية التي يربط بها - -
اليهود أنفسهم بالأرض المقدّسة في ستّ م ا رحل كالتالي) 2 :)
.2 مرحلة ما قبل دخول الأرض المقدسة.
.2 مرحلة ما بعد دخول الأرض المقدسة.
.0 مرحلة الإخ ا رج من الأرض المقدسة.
.4 مرحلة العودة إلى الأرض المقدسة.
.5 مرحلة الشتات خارج الأرض المقدسة.
.1 مرحلة احتلال الأرض المقدّسة.
المرحلة الأولى: مرحلة ما قبل دخول الأرض المقدّسة ) 3 : )
1 ( اليهود في تاريخ الحضا ا رت الأولى، جوستاف لوبون، ترجمة: عادل زعيتر، د ا رسة وتعليق: د. محمود النجيري،
.) 2331 م، )ص 25 ، دار طيبة/مصر، ط 1
2 ( ذكر هذه الم ا رحل لا يعني أن اليه ود المتواجدين اليوم ينتمون ديناً ودماً إلى أولئك القوم من بني إس ا رئيل، بل إنّ
الصحيح عكس ذلك، لكن هذه الم ا رحل نستطيع من خلالها فهم الدعاوى اليهودية التاريخية والدينية والتي سيردّ عليها
الباحث تفصيلاً في ثنايا هذا البحث بإذن الله .
3 ( سمّيتها )ما قبل دخول الأرض المقدسة( على الرغم من أن يعقوب كان في أرض كنعان، أي أرض
فلسطين المقدّسة، وذلك على اعتبار أن تاريخ بني إس ا رئيل الذين سموا اليهود فيما بعد الحقيقي يبدأ من أولاد - -
يعقوب ، وتحديداً من سبط يهوذا كما أسلف الباحث في سبب التسمية المرجّح أي أن تشكّلهم بدأ بعد خروج - -
يعقوب ، وذكرُ يعقوب في بداية هذه المرحلة هو تمهيد للتسلسل التاريخي ليس إلاّ.
30
وتبدأ هذه المرحلة من يعقوب إس ا رئيل ابن إسحاق بن إب ا رهيم عليهم السلام ، الذي نشأ - - - –
وعاش في أرض كنعان، )خاصة في مدينة الخليل( وقد ولد ليعقوب اثنا عشر ولداً، وهؤلاء
الأولاد هم أصل أسباط بني إس ا رئيل، وقد فصّلت أسفار التو ا رة هذه الأسباط تفصيلاً دقيق اً ) 1 .)
ويعقوب كغيره من الأنبياء، جاء بدعوة الحق والتوحيد، قال الله : }أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء
إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائكَِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً
.) وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ { )البقرة/ 100
ثم كانت قصة يوسف المشهورة المذكورة في الق آ رن الكريم في }سورة يوسف{،
والمذكورة كذلك في سفر التكوين) 2 (، والتي جاء فيها خروج يعقوب وأبنائه إلى أرض مصر للعيش
في ظل يوسف بدعوة منه، حين قال: }وَأْتُونيِ بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ { )يوسف/ 10 (. وتم ذلك:
.) }وقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ{ )يوسف/ 133
في هذه الفترة عاش بنو إس ا رئيل في أمن ورخاء وك ا رمة في أرض مصر، والتي كان يحكمها
الهكسوس) 3 ( الغرباء عن أرض مصر) 4 .)
ومع مرور الزمن تكاثر بنو إس ا رئيل في مصر، وازدادت أعدادهم وتبدّل حكّام مصر
الهكسوس وقامت الإمب ا رطورية المصرية على أعقابهم في القرن 14 ق.م، فتبدّل حال بني إس ا رئيل
في زمن الحكّام الجدد لمصر، إذ عاملهم ملك مصر الجديد بقسوة واضطهاد شديدين، وسخّرهم
1 . ( تفصيل ذلك في سفر التكوين الإصحاح 05
2 - .65 ( الإصلاحات: من 09
3 ( الهكسوس: قبائل وجماعات قديمة كانت تسكن فلسطين والمناطق القريبة، واستقروا في مصر القديمة في القرن
الثامن عشر قبل الميلاد، واستولوا على السلطة في مصر تدريجيًا وأخذوها من الف ا رعنة الملوك، وبقيت تحت
سيطرتهم حتى عام 1593 ق.م، أدخلوا إلى مصر لأول مرة الحصان والعربة الحربية التي تجرها الخيول وأسلحة
جديدة، وربما أقاموا نوعا جديداً من الحصون والقلاع، ساعدت هذه التغي ا رت مصر فيما بعد على بناء إمب ا رطورية
واسعة، وكان يطلق على الهكسوس في بعض الأحيان اسم )الملوك الرعاة(، ] الموسوعة العربية العالمية، شركة
أعمال الموسوعة للإنتاج الثقافي، ا ربط: www.mawsoah.net ، باب الألف مع اللام، بتاريخ: 2311 5 25 م[ - -
4 . ) 1199 م، )ص 51 ، ( انظر: اليهودية، د. أحمد شلبي، النهضة المصرية/القاهرة، ط 9
31
عبيد اً) 1 ( للبناء والأعمال الشاقة) 2 (، ويعتقد أن هذا الاضطهاد بلغ ذروته في عهد رمسيس
الثاني) 3 () 4 .)
وقد حكى الق آ رن الكريم اضطهاد واستعباد ملك مصر لبني إس ا رئيل، قال الله : }وَإِذْ
نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن
.) رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ { )البقرة/ 61
استمر الحال ببني اس ا رئيل على ذلك حتى بعث الله موسى إلى فرعون وقومه،
وكان أن كذّب فرعون وكفر وجحد هو وقومه، قال الله : }ثمَُّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلَى فِرْعَوْنَ
وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ { )الأعراف/ 130 (، وقال : }وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ
أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ وَآلِهَتَكَ قَالَ سَنُقَتِّلُ أَبْنَاءهُمْ وَنَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ وَإِنَّا فَوْقَهُمْ قَاهِرُونَ {
.) )الأعراف/ 129
وأمر الله نبيه م وسى بالخروج ببني إس ا رئيل من مصر، فخرج بهم، ولحقه فرعون
وجنوده، فأهلك الله فرعون وجنده، قال الله :}وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ
.) فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ {)البقرة/ 53
1 ( يذكر سفر الخروج في الاصحاح الأول تكاثر بني إس ا رئيل في مصر، وامتلاء الأرض منهم كثرةً، وخشية
المصريين من ذلك، ويذكر سفر العدد في الاصحاح الأول كذلك أن بني اس ا رئيل من عظم تكاثرهم بلغوا عند
إحصاء م وسى لهم عند خروجه بهم من مصر ما يربوا على مليون ونصف المليون نسمة!، وهذا العدد لا يعقل
أبداً، مع التسليم بزيادة عددهم ] انظر: تاريخ بني إس ا رئيل من أسفارهم، محمد عزة دروزة، مطابع الإعلانات
. ] )90/ الشرقية/مصر، ط 1، )بدون تاريخ(، ) 1
2 ( انظر: الخروج : الإصحاح الأول.
3 ( رمسيس الثاني ) 2030 (: هو ثالث ف ا رعنة الأسرة التاسعة عشر، وكان والده الملك سيتي الأول، حكم -
رمسيس مصر لمدة 49 سنة من 1291 ق.م. حتى 1212 ق.م. صعد إلى الحكم وهو في أوائل العشرينات من
العمر، عاش حتى أصبح عمره 11 عاماً، الك تّاب الإغريق القدامى )مثل هيرودوت( نسبوا إنجا ا زته إلى الملك شبه
الأسطوري سنوسرت الثالث، الذي عاش في عصر الدولة الوسطى، وسماه اليونانيون سيزوستريس ] موسوعة
ويكيبيديا الحرة، ا ربط: رمسيس_الثاني wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف [. - /39/ ، بتاريخ: 39
4 . )94/ ( انظر: تاريخ بني إس ا رئيل من أسفارهم، در وزة، ) 1
33
وهنا ينبغي الإشارة إلى أن هذا الخروج كان وفق كثير من المؤرخين عهد اختلاط - –
الجنس اليهودي بغيره من الأجناس، فقد خرج مع بني اس ا رئيل العديد من المصريين وغيرهم من
الساخطين على حكامهم، والعبيد والأسارى والفارّين ونحوهم) 1 . )
ونجا موسى ببني إس ا رئيل إلى أرض سيناء) 2 (، وقد سطّر القرآن الكريم حال موسى
مع قومه في هذه الفترة، ومدى عصيانهم لربهم وشغبهم على نبيهم وتجاوزهم لأمر الله ، ومدى
مماطلتهم وم ا روغتهم في طاعة نبيهم، وقد بلغ بهم الحال إلى أن عبدوا العجل من دون الله ( 3 . )
ثم كان أن أمرهم الله بدخول الأرض المقدّسة، والحوار القرآني يحكي هذا المشهد: }وَإِذْ
قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكاً وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ
أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ* يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا
خَاسِرِينَ* قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْماً جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ* قَالَ رَجُلانِ
مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ
مُؤْمِنِينَ *قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَداً مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ* قَالَ رَبِّ إِنِّي لا أَمْلِكُ إِلاَّ
نَفْسِي وَأَخِي فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ *قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ
- .) الْفَاسِقِينَ{ )المائدة/ 24 23
إذاً، عاقب الله بني إس ا رئيل بالتيه في صح ا رء سيناء أربعين عاماً، ومات كل من هار ون
وموسى عليهما السلام في هذه الفترة، وفي هذه الفترة أيضاً هلك الجيل الذي تربّى على العبودية - -
1 . ) ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 45 (، أيضاً: اليهود في تاريخ الحضا ا رت الأولى، لوبون، )ص 53
2 ( سيناء: )هي البلاد المعروفة اليوم جنوبي غرب فلسطين والمحاذية لغزة(، قال صاحب معجم البلدان: اسم
موضع بالشام يضاف إليه الطور فيقال "طور سيناء"، وهو الجبل الذي كلم الله تعالى عليه موسى بن عم ا رن
. ] )033/ ونودي فيه ] معجم البلدان، الحموي، ) 0
3 - ، ( مواضع قرآنية ذات علاقة بهذه الفترة: ]البقرة/ 41 51 ، النساء/ 150 ، الأع ا رف/ 109،101،169،161،191
يونس/ 12 ، طه/ 93،99،99 وغيرها.. [، وشرحها مستفيض في كتب التفسير وقصص الأنبياء والتاريخ وغيرها.
34
والذل، ونشأ منهم جيل آخر عاش حياة الخشونة والبداوة في الصح ا رء، وتولّى يوشع بن نون
أمر قيادة بني إس ا رئيل نحو دخول الأرض المقدّسة ) 1 . )
ودخل يوشع بن نون ببني إس ا رئيل الأرض المقدّسة، وحاصر مدناً فيها) 2 (، وانتهى به
الأمر إلى فتحها، وأشار الق آ رن الكريم إلى هذا الدخول بقوله : }وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ
مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ {
.) )البقرة/ 59
المرحلة الثانية: ما بعد دخولهم الأرض المقدّسة:
يسجّ ل المؤرخون حقيقة تاريخية مفادها أن بني إس ا رئيل لم يكونوا سوى )عابري سبيل( في
تاريخ فلسطين الحافل) 3 . )
وسيناقش الباحث هذه المسألة من الناحية التاريخية في ثنايا هذا البحث بإذن الله، لكن
المقصود هنا إيجاز هذه المرحلة التاريخية أي مرحلة حكم "الإس ا رئيليين" في الأرض المقدّسة. –
بدأت هذه المرحلة بعد موت يوشع بن نون ، وقد اتّسمت هذه الفترة من تاريخ بني
إس ا رئيل بالص ا رعات والاضط ا رب وعدم الاستق ا رر، ومكث فيها القوم على طباعهم القديمة المتجددة
1 - . ) ( انظر: بنو إس ا رئيل في القرآن والسنة، طنطاوي، )ص 01 03
2 ( يسطر سفر يشوع ملحمة دخول الأرض المقدسة ومقدماتها ونتائجها بصورة لا تليق بصورة نبي كريم، فهي
تحكي قصة قائد في منتهى القسوة والجبروت والظلم، يقتل الرجال والنساء ولا يترك في ط ريقه شيئاً إلا أحرقه ودمّره،
13 ، أيضاَ: - وهذا ما لا يجوز في حق داعية خير واصلاح فضلاً عن نبي ] انظر: سفر يشوع، إصلاحات 1
163 100 ( [ ، كما أنه وللأسف فإن هناك بعض الكتّاب من - - – / تاريخ بني إس ا رئيل من أسفارهم، دروزة، ) 1
المسلمين يلجأ إلى ذكر هذا الحدث التاريخي بذات الصورة القاسية وغير اللائقة والموغلة في الخيال التي ذكرتها
التو ا رة دون التنويه إلى تناقض ذلك مع عصمة الأنبياء عليهم السلام ومكانتهم العالية وترفّعهم عن مثل هذه - -
الفظائع؛ خاصة مع ثبوت نبوة يوشع بن نون في السنة المطهرة .
3( انظر: تاريخ فلسطين القديم منذ أول غزو يهودي حتى آخر غزو صليبي، ظفر الإسلام خان، دار النفائس/
. ) 1631 ه/ 1191 م، )ص 02 ، بيروت، ط 0
35
في كل فترة، وهي الكفر والجحود والارتداد عن منهج الأنبياء والانح ا رفات، والتي يصوّرها سفر
القضاة ) 1 ( وما بعده من أسفار العهد القديم.
وينقسم عهد بني إس ا رئيل بعد دخولهم الأرض المقدّسة إلى ثلاث م ا رحل:
أ عهد القضاة: -
وهذا العهد يشير إلى القضاة الذين تولّوا حكم بني إس ا رئيل بعد يوشع بن نون ، هذه المدة
يرجّح المحققون أنها لم تتجاوز المائة عام) 2 .)
وخلال هذا العهد لم يكن بنو إس ا رئيل في دعة وأمان، بل يذكر سفر القضاة أن هناك تسلّط اً
وعداء متتابع اً ومقاومة واجه بها أهل هذه الأرض ما اعتبروه غزواً خارجياً، ويحكي هذا السفر
خلاص بني إس ا رئيل مرة بعد مرة من أيدي أعدائهم بقيادة قضاتهم، كما أن حالة الفوضى
والاضط ا رب بلغت ذروتها بعد زعيمهم )شمعون() 3 (، مما جعل الفلسطينيين استغلالاً لهذا –
الضعف يستعيدون قوتهم ويفكرون بإنشاء مملكة خاصة لهم، خاصة في جنوب البلاد) - 4 .)
ب عهد الملوك: -
نتيجة الحال الذي وصل إليه بنو إس ا رئيل، فقد طلبوا من )صموئيل() 5 ( أن يختار لهم ملكاً
ليكون قدو ةً لهم واماماً، ليلمّ شملهم ويبني لهم هيبتهم المفقودة، وقد سطّر القرآن قصة هذا الطلب
1 - . 4 ( انظر: سفر القضاة: الإصحاحات 1
2 . )169/ ( انظر: تاريخ بني إس ا رئيل من أسفارهم، دروزة، ) 1
3 ( شمعون: اسم عبري معناه "سماع"، وهو اسم ابن ليعقوب من "ليئة"، ويطلق هذا الاسم على إحدى القبائل
العب ا رنية التي لم يحصل أف ا ردها على نصيب من الأرض التي فُتحت، فسكنوا مدناً في أرض "يهودا" ثم استولوا على
. ] )160/ بعض المواقع من جبل سعير )شمال الخليل(. ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
4 - . )140 142/ ( تاريخ بني إس ا رئيل من أسفارهم، دروزة، ) 1
5( صموئيل: أو "شموئيل"، هو اسم عبري معناه: " اسم الإله"، وهو اسم لنبي من أنبياء بني إس ا رئيل، و هو آخر
القضاة، وهو أول نبي لهم يقف إلى جوار الملوك، وقد ضمّت تو ا رة اليهود سفرين باسم صموئيل ) سفر صموئيل
الأول وسفر صموئيل الثاني(، تدور أحداث السفر الأول حول صموئيل نفسه وشاؤول، أما الثاني فتدور أحداثه
حول داود . ] )119/ . ] انظر: سف ا ر صموئيل، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
36
وأسبابه في سورة البقرة في قوله : }أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا
مَلِكاً نُّقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ قَالَ هَلْ عَسَيْتُمْ إِن كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ أَلاَّ تُقَاتِلُواْ قَالُواْ وَمَا لَنَا أَلاَّ نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَدْ
أُخْرِجْنَا مِن دِيَارِناَ وَأَبْنَآئِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ تَوَلَّوْاْ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ* وَقَالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللَّهَ قَدْ
بَعَثَ لَكُمْ طَالُوتَ مَلِكاً قَالُوا أَنىَّ يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنَا وَنَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَلَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمَالِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاهُ
- .) عَلَيْكُمْ وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَالْجِسْمِ وَاللَّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ{ )البقرة/ 269 264
والملك الذي ذكره الق آ رن الكريم باسم )طالوت(، ذكرته التو ا رة باسم آخر، وهو )شاول() 1 ( من
سبط بنيامين) 2 () 3 (، وبتنصيبه ملكاً يكون بنو إس ا رئيل قد ختموا نحو مائتي سنة من الاضط ا ربات
وعدم الاستق ا رر بعد دخولهم شرق وغرب الأردن.
وقد ذكر الق آ رن في سورة البقرة ملحمة طالوت مع أعدائه الوثنيين) 4 (، وكان داود من
جنود طالوت، وهو الذي قتل جالوت زعيم الوثنيين.
ويأتي بعد طالوت، عهد داود ثم سليمان عليهما السلام ويتميز عهدهما بالرخاء - -
والاستق ا رر، و يمكن أن يسمى بالعهد الذهبي لبني إس ا رئيل، وقد استمرّ حكم كلّ منهما أربعين
سنة) 5 .)
1 ( شاؤول: ) 1336 1323 ق.م(، اسم عبري معناه: "الذي سئل من الإله"، وشاؤول هو أول ملوك العب ا رنيين من -
قبيلة بنيامين، وكان أقرب إلى القائد العسكري منه إلى الملك، لم تمتد حدود مملكته الصغيرة إلى أبعد من منطقة
. ] )196/ قبيلته "بنيامين"، قام بحملات تأديبية ضد القبائل المعادية. ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2( بنيامين: هو اسم عبري بمعنى: "ابن يدي اليمنى"، وهو ابن ليعقوب من " ا رحيل"، وهو أخو يوسف
من أبيه وأمه، وقد أطلق هذا الاسم على إحدى القبائل العب ا رنية التي استقرت في جنوب فلسطين، وكان أف ا ردها
مشهورون بشدة بنيتهم وقوة بأسهم، كان منهم أول ملوك العب ا رنيين، وكانت مدينة القدس وبيت ايل داخل حدودهم،
وقد انضمت قبيلة بنيامين إلى يهودا حين الانقسام في مملكة العب ا رنيين المتحدة. ] موسوعة اليهود، المسيري،
160/6 ( بتصرف [ . - (
3 1، والأسفار التي تذكر حقبة ملوك بني إس ا رئيل هي ستة أسفار وهي: صموئيل : ( انظر: صموئيل الأول 10
الأول، والثاني، و الملوك الأول، والثاني، و أخبار الأيام الأول، والثاني.
4 - . ( البقرة: 251 261
5 - . ) ( انظر: بنو إس ا رئيل في القرآن والسنة، طنطاوي، )ص 01 09
37
وفي فضل هذين النبيين الكريمين قال : }وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا
.) عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ { )النمل/ 15
" وقد ورد ذكر داود في الق آ رن ست عشرة مرة، وكذا سليمان ، ونصّ القرآن على
كتاب لداود وهو)الزبور(، قال : }وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً {)الإسراء/ 55 (.، ووصف الله كلاً منهما
ب )الأوّاب(: } وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ { )ص/ 19 (، }وَوَهَبْنَا لدَِاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {
( ) )ص/ 03 1 .)
ج عهد النقسام: -
وهو العهد الذي تلا وفاة سليمان ، حوالي سنة ) 195 ق.م(، ويسمّى حسب أسفار
التو ا رة )عهد الملوك الثاني(، وفيه كما قيل انتهى النفوذ السياسي للإس ا رئيليين في فلسطين، - -
وساد الانقسام والتفكك والتشرذم، وطفت على السطح مظاهر الانفصال والشقاء القديم بين بني
إس ا رئيل من الأسباط الشمالية والأسباط الجنوبية، حيث انقسمت في هذا العهد مملكة بني إس ا رئيل
إلى مملكتين وهما) 2 :)
.2 مملكة الجنوب )يهوذا(، وعاصمتها "أورشليم") 3 :)
1 ( هذا التكريم الرباني لداود وسليمان عليهما السلام ينفي جملةً وتفصيلاً ما ورد في تو ا رة اليهود المحرّفة من - -
شناعات وأكاذيب بحق هذين النبيين العظيمين، فقد اتُّهما عليهما السلام بارتكاب أكبر الكبائر والفواحش والعياذ - –
بالله ] انظر مثلاً: الطعن في داود في سفر صموئيل الثاني إصحاح 11 ، والطعن في سليمان في سفر
.] الملوك الأول، إصحاح 11
2 ( انظر: اليهود في العالم القديم، د. مصطفى كمال عبد العليم وَ د. سيد فرج ا رشد، دار القلم/دمشق وَ الدار
1614 ه/ 1115 م، )ص 99 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، دار ، الشامية/بيروت، ط 1
1634 ه/ 1194 م، )ص 40 (، أيضاً: اليهودية والمسيحية في المي ا زن، د. الشنطي، ، المريخ/الرياض، ط 1
.) )ص 25
3( أورشليم: هي القدس، تسمى بالعب ا رنية "يورشالايم" المشتقة من الكلمة الكنعانية "يورشاليم" ] موسوعة اليهود،
. ] )125/ المسيري، ) 6
38
وأول ملوكها )رحبعام() 1 (، وقد عمّرت ما يقرب من أربعة قرون، ) 594 195 ق.م( وسقطت -
على يد )بختنصر( البابلي.
.2 مملكة الشمال )إس ا رئيل(، وعاصمتها "شكيم") 2 :)
وأول ملوكها )يربعام() 3 (، وعمّرت ما يقرب من قرنين ونصف، ) 921 195 ق.م( وسقطت -
على يد )سرجون( ملك آشور.
المرحلة الثالثة: مرحلة الإخ ا رج من الأرض المقدسة:
كانت مملكة الشمال كما سلف قد سقطت تحت سلطة الآشوريين، وبقيت مملكة يهوذا - -
الجنوبية تحاول البقاء وتنازع أعداءها من كل صوب، إلى أن اجتاحها فرعون مصر نحو عام
439 ق.م، فاحتلها، ثم واصل زحفه حتى احتل المناطق الشمالية التي سقطت سابقاً تحت حكم
الآشوريين، ولم يرق ذلك للبابليين، الذين كانوا قد ورثوا حكم الآشوريين، فجاءوا بقيادة )بختنصر(
الذي هاجم "أورشليم" وأحرق )المسجد( وهدمه، وأخذ من بقي من بني إس ا رئيل عبيداً إلى بابل، وهذا
ما يعرف في تاريخ اليهود ب )الأسر أو السبي البابلي() 4 ( سنة 594 ق.م.، وفيه وقع التدمير الأول
1 ( رُحبعام: هو ابن سليمان من نعمة العمونية، وهو اسم عبري بمعنى "اتسع الشعب"، انشقّت عن رحبعام
القبائل الشمالية في عهده وقامت الحرب بينه وبين "يربعام" طيلة حكمه، وانتشرت العبادة الوثنية في مملكته.
. ] )196/ ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2( شكيم: هي مدينة نابلس الحالية، وهي أي شكيم كلمة عبرية معناها "كتف" أو "منكب"، وتطلق علماً على - –
المدينة الكنعانية القديمة الواقعة بين جبل جرزيم وجبل عيبال بالضفة الغربية، تعود أقدم حوائطها إلى عام
119 ( بتصرف [ . - / 2333 ق.م. ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
3( يُربعام: هو يُربعام الأول، وهو اسم عبري بمعنى "يربو ويكثر الشعب"، أول ملوك المملكة الشمالية بعد انقسام
المملكة المتحدة، أظهر التمرد على سليمان فطلب قتله فهرب إلى فرعون مصر، ولم يعد سوى بعد موت
. ] )196/ سليمان، أشاع ال وثنية ونادى بعبادة عجلين صنعهما من ذهب! ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
4( السبي أو النفي البابلي والآشوري أصبحا يشكلان مفهوماً دينياً عند اليهود، وهو مصطلح يصف عملية تهجير
النخبة الحاكمة من أبناء المملكة الشمالية والجنوبية، وكان بعض انبياء بني إس ا رئيل مثل إرميا وحزقيال يرون أن - -
النفي والسبي هو تعبير عن غضب الإله على الشعب نظ ا رً لعصيانه وانح ا رفه، وأن آشور وبابل ليستا سوى أداة
غضب وعذاب، وأصبح هذا المفهوم وكلمة "بابل" تحملان في الفكر اليهودي دلائل وايحاءات أخرى، ذلك أن اليهود
الذين رفضوا العودة من بابل أصبحوا مثلاً لليهود الذين يرفضون العودة إلى فلسطين في العصر الحاضر كالذين
111 113 ( بتصرف[ . - - / يعيشون في الولايات المتحدة ويلقبهم اليهود بسكان بابل] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
39
للمسجد الذي زعم اليهود فيما بعد بأنه )هيكل سليمان( ، وكان ذلك القضاء المبرم على حكم - -
بني إس ا رئيل في الأرض المقدّسة) 1 .)
قضى اليهود في السبي البابلي ق ا ربة الخمسين عاماً، وخلت فلسطين تقريباً من اليهود، وعاش
اليهود مع البابليين واندمجوا في المجتمع البابلي، حتى احتل الفرس) 2 ( بابل عام 509 ق.م، ومن
ثم صار للفرس السلطان على فلسطين خلفاً للبابليين، وعامل ملك الفرس )قورش() 3 ( اليهود معاملة
حسنة، بل قيل: إنّ الفرس هم من أطلق اسم اليهود على بني إس ا رئيل، واليهودية على ديانتهم) 4 .)
المرحلة ال ا ربعة: مرحلة العودة إلى الأرض المقدسة:
وهذه العودة ليست على إطلاقها، إذ إن العودة ليست لدولة اليهود، بل لجماعات من اليهود
عادت من بابل إلى أرض فلسطين بعد أن ملكها الفرس، وسمحوا لليهود بالعودة تحت الحكم
الفارسي، ولكنّ كثي ا رً منهم فضّل البقاء في بابل) 5 (، ومعظم من عاد منهم كان من سبطي "يهوذا"
1 ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 96 (، أيضاً: موجز تاريخ اليهود والرد على م ا زعمهم الباطلة، د. محمود بن
. ) عبد الرحمن قدح، مجلة الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، العدد 139 ، )ص 259
2 ( الفرس: هم أهل فارس، وفارس القديمة: أرض تشمل أج ا زء من كلٍّ من إي ا رن وأفغانستان الحاليتين، وفي ظل
حكم قورش الكبير وداريوس الأول وأحشورش وغيرهم من القواد أصبحت فارس موطنًا لحضارة مزدهرة ومرك اً ز - -
لإمب ا رطورية واسعة، وأطلق الفرس على المنطقة اسم أرض الآريين الذي اشتق منه اسم إي ا رن، كان الفرس الأوائل
بدوًا جاءوا إلى المنطقة من جنوبي أ ا رضي الأو ا رل في القرن العاشر قبل الميلادي، استمرت الإمب ا رطورية التي
2311 م بتصرف [ . - /39/ أنشأوها أكثر من مائتي سنة ] الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ: 32
3( قورش الأكبر: ) 503 564 ق.م(، مؤسس الامب ا رطورية الفارسية )الأسرة الأخمينية(، فتح بابل وساعده اليهود -
المنفيين إليها في احتلالها، أصدر عام 509 ق.م مرسوماً بإعادة اليهود إلى فلسطين، لخدمة سياساته الخارجية،
وسمح لهم بإعادة بناء الهيكل واعادة الصور والمحتويات للهيكل، لذلك اعتبر اليهود قورش )خليفة ملوك بيت داود
الشرعي(، وهو الوحيد غير اليهودي الذي أشير إليه في العهد القديم بأنه الماشيّح، أي: المخلّص ] موسوعة اليهود،
119 114 ( بتصرف [ . - - / المسيري، ) 6
4 - . ) ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 94 (، أيضاً: بنو إس ا رئيل في القرآن والسنة، طنطاوي، )ص 69 69
5 ( هناك ما يبرر تفضيلهم البقاء في بابل، إذ إن الأجيال التي سكنت أرض فلسطين من بني إس ا رئيل لم تعرف
الاستق ا رر على هذا الأرض منذ دخولها في عهد يوشع ، فهم إما في ن ا زعات داخلية أو في حروب خارجية، كما
أن مُلكهم إلا ناد ا رً كان مُلكاً منقوصاً، ولم يمتلكوا السيادة على كامل الأرض البتة، كما أنهم عرف عنهم الكفر - –
والعناد ومخالفة أوامر ربهم وعصيانهم لأنبيائهم، ومن كانت هذه حاله فلا رباط بينه وبين الأرض المقدّسة، فهو
يفضّل العيش في ذل العبودية ببابل إذا وجد فيها شيئاً من الاستق ا رر.
41
و"بنيامين"، وساعدهم الفرس في إعادة بناء ما زعموا أنه )الهيكل(، وعلى الرغم من ذلك فإن
المناوشات لم تنقطع بينهم وبين أسيادهم من الفرس، وقد فقدوا استقلالهم، ولم ينعموا به بعد ذلك إلا
فت ا رت قصيرة، وظلوا تحت سيطرة الفرس زهاء قرنين كاملين) 1 .)
ومن بعد الفرس خضعت فلسطين وبلاد الشام لحكم الإسكندر المقدوني) 2 (، الذي غ ا ز
فلسطين نحو سنة 006 ق.م، ولم يلق الاسكندر أية مقاومة تذكر عند غزوه لفلسطين سوى من
حامية غزة) 3 ( وسكّانها، أما اليهود فقد دانوا له بالولاء والطاعة) 4 .)
وبعد وفاة الإسكندر آل حكم فلسطين إلى البطالمة) 5 (، وعاش اليهود في عهد البطالمة
بثقلهم في مصر، ولم تعد فلسطين تشكّل لهم محطّ الاهتمام الأكبر، وكانوا يدينون بالولاء لمعظم
ملوك البطالمة، وعملوا كجماعة وظيفية مالية وقتالية، وكانوا محط كره الجماهير اليونانية
والمصرية لهم) 6 .)
1 ، ( انظر: الأسفار المقدّسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي عبد الواحد وافي، دار نهضة مصر/القاهرة، ط 1
. ) 1096 ه/ 1146 م، )ص 9(، أيضاً: اليهودية، د. شلبي، )ص 99
2 ( الإسكندر المقدوني: الاسكندر بن فيلبس اليوناني، ملك مكدونيا المشهور بالظفر، مات سنة 020 ق.م، وصل
قبل مماته أوربا بآسيا، وسادت اللغة اليونانية في زمانه، سيطر على سوريا وفلسطين ومصر، وتغلب على مملكة
الفرس، وأقام مملكة اليونان، مات شابّاً في بابل ودفن في الاسكندرية ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج
- .] )15 16/ بوست، المطبعة الأميركانية/بيروت، ط)بدون(، 1916 م، ) 1
3 ( غزّة: مدينة في أقصى الشام من ناحية مصر، بينها وبين عسقلان فرسخان أو أقلّ )بضعة عشر كيلو مت ا رً(،
. ] )232/ وهي من نواحي فلسطين غربي عسقلان ] معجم البلدان، الحموي، ) 6
4 . )230/ ( انظر: موس وعة اليهود، المسيري، ) 6
5 03 ق.م، وعدد - ( البطالمة: يسمون أيضاً: "الأسرة المقدونية"، وهي الأسرة التي حكمت مصر في الفترة 020
14 ملكاً، وغ ا ز البطالمة فلسطين مضياً على أثر السياسة الفرعونية التي ترى أن أمن فلسطين - ملوكها نحو 16
والشام هو أمن لمصر، وكان حكم البطالمة لفلسطين أطول الفت ا رت في الحقبة التي تبدأ بسقوط فارس وحتى ظهور
230 ( بتصرف [ . - / روما. ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
6 - . )234 236/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
40
واستمر حكم البطالمة لفلسطين حتى عام 233 ق.م تقريباً، حين سيطر السلوقيون) 1 ( على
فلسطين بعد معارك كر وفر مع حكامها، وبقيت تحت حكم السلوقيين حتى عام 149 ق.م، وقد
عامل السلوقيون اليهود بشدة وقسوة وأذلوهم خلال مدة حكمهم لفلسطين، وانتقموا منهم شر انتقام،
مما أدى إلى اندلاع الثورة ضدهم من جماعة من كهنة اليهود يعرفون بالمكابيين) 2 ( ) 3 . )
استطاع اليهود بقيادة المكابيين أن يحصلوا على شيء من الاستقلال، إلا أنه كان في غالب
عهده تحت سيادة السلوقيين، وكان يضيق ويتسع حسب الظروف، ونشبت الخلافات بين زعماء
المكابيين أنفسهم، وقامت بينهم ن ا زعات على الحكم، انتهت بانتهاز الرومان) 4 ( لهذه الفرصة
والانقضاض عليهم والقضاء على حكمهم المستقل نحو عام 40 ق.م) 5 .)
وعاش اليهود تحت سيادة الحكم الروماني لفلسطين، وكان الرومان يستعملون بعض اليهود
كولاة لهم على أج ا زء من فلسطين بخضوع تام للدولة الرومانية، وهؤلاء الولاة نشبت بينهم الن ا زعات
أيضاً في ظل حكمهم الذاتي تحت سيادة الرومان، فانقضَ عليهم أحد القادة الرومانيين عام 09
ق.م، وحاصر القدس، وا رتكب فيها مذبحة رهيبة) 6 .)
1( السلوقيون: يمثلون إحدى الأسر اليونانية الحاكمة، وقد تركزت الأسرة السلوقية ) 46 012 ق.م( في سوريا، -
وحكمت آسيا الصغرى، وقد عادت "يهودا" البطلمية إلى حكم السلوقيين عام 119 ق.م في عهد أنطيوخوس الثالث
234 ( بتصرف [ . - / ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2 ( المكابيين = الحشمونيون: وهي أسرة من الكهنة الملوك حكمت اليهود في فلسطين بعد أن نجح التمرد
الحشموني في تحقيق قدر من الاستقلال السياسي لليهود، وقد كان هذا التمرد ضد السلوقيين في عهد أنطوخيوس
ال ا ربع، وهذا الاستقلال الحشموني ما لبث أن اندمج ضمن الدولة الإغريقية الرومانية ] انظر: موسوعة اليهود،
- . ] )213 231/ المسيري، ) 6
3 . ) ( انظر: بنو إس ا رئيل في القرآن والسنة، طنطاوي، )ص 53
4( الرومان: قوم ظهروا في مدينة روما التي أسست في القرن الثاني قبل الميلاد، وأسسوا امب ا رطورية مت ا رمية
الأط ا رف، ضمت معظم بلاد البحر الأبيض المتوسط، ومنها فلسطين ومصر وأج ا زء من بلاد ال ا رفدين أحياناً، كما
ضمت أغلبية يهود العالم في ذلك ال وقت في معظم أماكن تجمعهم في فلسطين ومصر وليبيا وقبرص وآسيا
])216/ الوسطى، ولم يكن هناك تجمع يهودي كبير خارج هيمنتهم سوى في بابل ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
5 - . ) ( انظر: بنو إس ا رئيل في القرآن والسنة، طنطاوي، )ص 52 51
6 153 ( بتصرف. - / 1611 ه/ 1111 م، ) 1 ، ( التاريخ اليهودي العام، صابر طعيمة، دار الجيل/بيروت، ط 0
41
المرحلة الخامسة: مرحلة الشتات خارج الأرض المقدسة:
دأب اليهود خلال حكم الرومان لفلسطين على مناوشة الرومان وخلق المشاكل لهم، ومحاولة
الثورة عليهم، فقرر الامب ا رطور الروماني "فسبسيان") 1 ( حلّ هذه المشكلة جذرياً مع اليهود، فأرسل
ابنه القائد "تيتوس") 2 ( في ديسمبر عام 93 م، فخرّب القدس، وأجلى جميع اليهود عنها، وهدم
الهيكل، وهو ما يسمى )السبي الثاني( أو )الخ ا رب الثاني( لأورشليم) 3 .)
يقول المؤرخ اليهودي شاهين مكاريوس) 4 (: " والى هنا ينتهي تاريخ الاس ا رئيليين كأمة، فقد
تفرقوا في جميع بلاد الله، وتاريخهم فيما بقي من العصور ملحق بتاريخ الممالك التي استوطنوها،
أو نزلوا فيها " ) 5 .)
لم يقف الأمر عند خ ا رب المدينة وتدمير الهيكل على يد تيتوس، فقد حاول اليهود استعادة
بعض ما فقدوا وحاولوا القيام بثورة جديدة عام 105 م، بقيادة "بركوخبا") 6 (؛ فكانت القاضية، إذ أقدم
1( فسبسيان: أحد أباطرة الرومان، واسمه الأصلي فلافيوس، بعثه نيرون عام 49 م للقضاء على التمرد اليهودي
الأول، فنجح في ذلك، لكنه عاد لروما بعد وفاة نيرون ليصبح امب ا رطورها، وقد اكمل ابنه الحملة من بعده ]موسوعة
219 ( بتصرف [ . - / اليهود، المسيري، ) 6
2 ( تيتوس: أحد أباطرة الرومان، وهو ابن فسبسيان، قاد القوات الرومانية عام 93 م في مقاطعة يهودا الرومانية،
واستولى على القدس بعد حصار دام خمسة أشهر، وهدم الهيكل، )ينسب إليه هدم الهيكل وخ ا ربه والمسئولية عن
شتات اليهود، بالرغم من مساعدة أجريبا الثاني ملك اليهود له في حملته( ] موسوعة اليهود، المسيري، - -
219/6 ( بتصرف [ . - (
3 . )151/ ( انظر: التاريخ اليهودي العام، صابر طعيمة، ) 1
4 ( شاهين مكاريوس ) 2423 2850 م(: من مؤسسي جريدة )المقطم( بمصر، وأحد أصحاب )المقتطف( ومنشئ -
جريدة )اللطائف(، ولد في لبنان، ونشأ يتيما، قُتل أبوه في حادثة سنة 1943 م، تعلم فن الطباعة، وتولى إدارة مجلة
.] )150/ المقتطف ببيروت )سنة 1994 م( ورحل إلى مصر، وخدم الماسونية بكتبه ] انظر: الأعلام، الزركلي، ) 0
5 . ) 1136 م، )ص 99 ، ( تاريخ الإس ا رئيليين، شاهين مكاريوس، مطبعة المقتطف/القاهرة، ط 1
6( بركوخبا: عبارة آ ا رمية تعني:" ابن النجم" واسمه الحقيقي "شمعون بركوزيبا"، وهو زعيم التمرد اليهودي الثاني
ضد الرومان، ويتكرر اسم "بركوخبا" في الكتابات الصهيونية باعتباره نموذجاً للبطل اليهودي الذي يدافع عن الهوية
203 ( بتصرف [ . - / اليهودية ويتمرد ضد حكم الأغيار ] موس وعة اليهود، المسيري، ) 6
43
الامب ا رطور الروماني "هادريان") 1 ( على تدمير المدينة نهائياً وأ ا زل معالمها وغيّر اسمها إلى )إيليا
كابيتولينا(، وقتل وشرّد كل اليهود منها، وهرب من استطاع منهم إلى خارج فلسطين، فازداد شتات
اليهود أكثر) 2 .)
وبانتهاء هذه المرحلة المفصلية يكون اليهود قد غابوا عن مسرح الأرض المقدّسة، ولقرونٍ
طويلة.
المرحلة السادسة: مرحلة احتلال الأرض المقدّسة:
وتمثل هذه المرحلة استيلاء اليهود على أرض فلسطين في العصر الحديث، تحت دعاوى
دينية وتاريخية، يحاولون فيها البناء على ما سبق من م ا رحل.
ومن البديهي أنّ هذا الاحتلال قد سُبق بمقدمات واعداد مت ا ركم، أدّى إلى ظهور كيان اليهود
على أرض فلسطين.
وهذا الوجود الذي ظهر على شكل دولة يهودية في عصرنا الحاضر ما كان ليحدث لولا
الت ا زوج البيّن بين اليهودية والغرب الداعم للاستعمار على أرض فلسطين، مما أدى إلى بروز هذا
الكيان في شكله الأخير الذي يجمع بين الطابع الديني الموغل في التطرف والعداء للأغيار) 3 ( وبين
الطابع الاستعماري المدعوم من القوى العالمية.
1 - ( هادريان: أحد أباطرة الرومان، قرر تحويل القدس إلى مستعمرة رومانية، فنشب التمرد اليهودي ضده ) 102
219 ( بتصرف[ . - / 105 م(، منع اليهود من دخول القدس أو العيش فيها ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2 .) ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 99 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، د. سيد ا رشد، )ص 124
3 ( الأغيار: هي المقابل العربي للكلمة العبرية "جوييم"، وهذه هي صيغة الجمع للكلمة العبرية "جوي"، التي تعني
"شعب" أو "قوم" )وقد انتقلت إلى العربية بمعنى "غوغاء" و"دهماء"(، وقد كانت الكلمة تنطبق في بادئ الأمر على
اليهود وغير اليهود، ولكنها بعد ذلك استُخدمت للإشارة إلى الأمم غير اليهودية دون سواها، ومن هنا كان
المُصطلَح العربي "الأغيار"، وقد اكتسبت الكلمة إيحاءات بالذم والقدح، وأصبح معناها "الغريب" أو "الآخر"،
والأغيار درجات أدناها "العكوم"، أي عبدة الأوثان والأصنام، وأعلاها أولئك الذين تركوا عبادة الأوثان، أي
المسيحيون والمسلمون، وهناك أيضاً مستوى وسيط من الأغيار "جيريم" أي "المجاورين" )مثل السامريين( ] موسوعة
. ] )263/ اليهودية، المسيري، ) 5
44
لا شك أن هناك محاولات عديدة عبر التاريخ اليهودي بعد الم ا رحل الخمس السابقة وقبل –
السادسة تحاول الارتباط بالأرض المقدّسة، إلا أنّ هذه المحاولات باءت بالفشل) - 1 (، لكن من خلال
استق ا رء تاريخي نجد أ نها قد شكّ لت ناتجاً تصاعدياً أدّى إلى تبلور الفكرة في نهايات القرن التاسع
عشر الميلادي.
وتعدّ أول دعوة علنية لإنشاء وطن قومي لليهود هي تلك التي أطلقها "السير هنري فنش") 2 )
في كتاب له بعنوان: )نداء اليهود( أو )البعث العظيم( الذي أصدره بإنجلت ا ر عام 1414 م) 3 .)
ثم جاءت دعوة "نابليون بونابرت") 4 (، الذي يعدّ من أوائل من دعا لإنشاء دولة يهودية في
فلسطين في العصر الحديث، وهو أيضاً أول غاز للشرق في العصر الحديث) 5 (، وكان مما قاله
لليهود في خطاب مشهور له عام 1919 م: "من نابليون القائد الأعلى للقوات المسلحة
للجمهورية الفرنسية في أفريقيا وآسيا إلى ورثة فلسطين الشرعيين، أيها الإس ا رئيليون، أيها
الشعب الفريد، الذين لم تستطع قوى الفتح والطغيان أن تسلبهم اسمهم ووجودهم القومي وان كانت
1 - . )115 110/ ( انظر: التاريخ اليهودي العام، د. صابر طعيمة، ) 2
2 ( السير هنري فنش ) 2125 2558 م(: ولد في عائلة سياسية وابتدأ تعليمه الجامعي في )كمبردج(, حيث نال -
شهادة البكالوريس عام 1594 م، انتخب عضوا في البرلمان، ثم أصبح المستشار القانوني لملك إنجلت ا ر، وهو من
أوائل من نادى بوطن قومي لليهود بفلسطين، في كتاب له بعنوان: "البعث العالمي العظيم، نشره عام 1421 م،
واعتُبر أولى المشروعات الإنجليزية لاستعادة فلسطين لليهود؛ حيث طالب الأم ا رء المسيحيين بجمع قواهم لاستعادة
"إمب ا رطورية الأمة اليهودية" ] انظر: مقالة بعنوان: أول إنجليزي يدعو إلى الاستيطان في فلسطين، هبة
عياد/الب ا رزيل، موقع "نبض الوعي العربي، ا ربط: www.arabianawareness.com 2311 م [. /4/ : بتاريخ: 26
3 . ) ( انظر: القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، )ص 149
(4 نابليون بونابرت ) 2822 2714 م(: ويعرف ب "نابليون الأول" إمب ا رطور فرنسا في الفترة بين 1936 و -
1916 ، وهو يُعَدُّ من أهم القادة العسكريين في التاريخ، تولى قيادة الجيش الجمهوري أثناء حروب الثورة الفرنسية،
وأحرز نجاحاً كبي ا رً في حملته على إيطاليا ) 1919 1914 ( ، ولكن حملته على مصر ) 1911 1919 ( أخفقت - -
تمام اً، وعاد إلى فرنسا والحكومة الثورية على وشك الانهيار، فقام بانقلاب عسكري واستولى على الحكم وقاد حروب
فرنسا، أصبح إمب ا رطو ا رً عام 1936 ، وقد امتدت رقعة الإمب ا رطورية الفرنسية في عهده لتضم كل أوربا تقريب اً، ولكن
شوكة نابليون انكسرت حينما حاول غزو روسيا، وانتهى الأمر بأن هُزم تماماً ونُفي إلى جزيرة إلبا ) 1916 م( ثم إلى
54 ( بتصرف [ . - / جزيرة سانت هيلينا الموحشة ) 1915 م( التي مات ودفن فيها ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 0
5 . )09/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
45
قد سلبتهم أرض الأجداد فقط... انهضوا إذ اً بسرور أيها المبعدون ... سارعوا، إنّ هذه هي اللحظة
المناسبة التي قد لا تتكرر لآلاف السنين .." ) 1 .)
ثم توالت الدعوات المشابهة لإقامة وطن قومي لليهود في فلسطين، وتكونت في أوروبا
وأمريكا وآسيا وغيرها عش ا رت الجمعيات والمنظمات اليهودية التي ترعى شؤون اليهود ومصالحهم،
ومن أبرزها )جمعية أحباء صهيون() 2 ( التي قدمت عام 1992 م طلباً للقنصل العثماني في روسيا
للإقامة في فلسطين، فكان الردّ بالرفض القاطع من السلطان عبد الحميد الثاني) 3 ( ) 4 .)
1 . )09/ 115 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4 / ( انظر: التاريخ اليهودي العام، د. صابر طعيمة، ) 2
2( أحباء صهيون: صهيون هو اسم ا ربية في القدس، كان قد أقام عليها اليبوسيون أبناء عمومة الكنعانيين العرب
حصناً قبل ظهور بني إس ا رئيل )قوم موسى ( بنحو 2333 عام، ولذا تكون اللفظة كنعانية عربية وليست عبرية
يهودية، شأنها شأن أسماء مدن وقرى فلسطين القديمة التي كانت ولا ا زلت تحمل أسماءها الكنعانية الأصلية،
ومنظمة: "أحباء صهيون" هي منظمة إرهابية أسسها يهود روسيا بعد منتصف القرن التاسع عشر، وانتمى لهذه
المنظمة معظم يهود روسيا البارزين، منهم والد وايزمن، وابن جوريون، وسوكولوف، سعت هذه المنظمة لاستعمار
، فلسطين وجعلها وطناً قومياً لليهود ] أبحاث في اليهودية والصهيونية، د. أحمد سوسة، دار الأمل/الأردن، ط 1
2330 م، )ص 165 ( بتصرف يسير [ . -
3 ( السلطان عبد الحميد الثاني ) 2428 2842 م(: هو عبد الحميد بن عبد المجيد الأول، السلطان ال ا ربع -
والثلاثون من سلاطين الدولة العثمانية، وآخر من امتلك سلطة فعلية منهم، تولى الخلافة في سبتمبر عام 1994 م
عقب خلع أخيه الأكبر م ا رد الخامس، واستمر في الحكم 00 عاماً، إلى أن خُلع عن العرش في نيسان 1131 م،
واشتهر بالإصلاحات الدستورية والسياسية، وتعرض تاريخه لتشويه كبير وافت ا رء من قبل خصومه العلمانيين
والجمعيات الصهيونية والماسونية، وكان له مواقف تاريخية مشرفة ضد بيع فلسطين لليهود أو توطينهم فيها، وهو
صاحب القول المشهور رداً على إغ ا رئه بالمال لبيع أج ا زء من فلسطين لليهود: " إنكم لو دفعتم ملء الدنيا ذهب اً –
فلن أقبل، إن أرض فلسطين ليست ملكي إنما هي ملك الأمة الإسلامية، وما حصل عليه المسلمون بدمائهم ل
يمكن أن يباع إل بذات الثمن، وربما إذا تفتت إمب ا رطوريتي يوماً، يمكنكم أن تحصلوا على فلسطين دون مقابل "
،) 1631 ه/ 1191 م، )ص 599 ، ] انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك، دار النفائس/بيروت، ط 1
أيضاً: والدي السلطان عبد الحميد الثاني، الأميرة عائشة عثمان أوغلي، ترجمة: د. صالح سعداوي صالح، دار
- .] ) 1611 ه/ 1111 م، )ص 12 11 ، البشير/الأردن، ط 1
4 ( انظر: ص ا رعنا مع اليهود بين الماضي والمستقبل، محمد إب ا رهيم ماضي، دار التوزيع والنشر الإسلامية/مصر،
. ) )ص 06 (، أيضاً: موجز تاريخ اليهود، د. محمود قدح، )ص 246
46
وكانت المحاولة الأكثر جدية، والتي اجتمعت لها أسباب النجاح هي محاولة مؤسس الحركة
الصهيونية، "تي ودور هرتزل") 1 (، الذي أصدر كتاب )الدولة اليهودية( ودعا إلى مؤتمر بازل) 2 ( عام
1919 م، والذي حضره زعماء اليهود وحاخاماتهم من جميع أنحاء العالم، وتقرر فيه إنشاء
)المنظمة الصهيونية العالمية( ) 3 (، وصدر في اليوم الثاني للمؤتمر تعريف صريح للصهيونية بأنها:
حركة ترمي إلى إنشاء وطن للشعب اليهودي شرعي معترف به في أرض فلسطين) 4 ( ) 5 .)
1 ( ثيودور هرتزل: ) 2434 2813 (، هو مؤسِّس الحركة الصهيونية السياسية المعاصرة، وضع نهاية للصهيونية -
التسللية، ونجح في تطوير الخطاب الصهيوني الم ا روغ، وقد خرجت كل الاتجاهات الصهيونية من تحت عباءته أو
من ثنايا خطابه الم ا روغ، درس القانون، ثم توجه إلى الأدب والتأليف، ثم عمل في الصحافة، وفي عام 1919 م،
ت أ رس أول مؤتمر صهيوني في بازل في سويس ا ر، وكان من أهم ق ا ر ا رته وضع برنامج الحركة الصهيونية للاستيلاء
على فلسطين ووضع أسس المنظمة الصهيونية العالمية، وفعلاً نجح هيرتزل في وضع الأسس الأولى للدولة
اليهودية في فلسطين عن طريق إرهاب شعبها العربي الفلسطيني وطرده منها، فبعد عشرين سنة من مؤتمره
الصهيوني الأول أصدرت بريطانيا وعد بلفور، وبعد 53 عامًا أعلنت الأمم المتحدة ق ا رر قيام )دولة إس ا رئيل( على
أرض فلسطين العربية، أهم مؤلفاته: )دولة اليهود، مسرحية الجيتو، الأرض القديمة الجديدة(. ] انظر: موسوعة
- . ] )203 229/ اليهود، المسيري، ) 4
2 ( بازل= بال: هي ثالث أكبر مدينة في سويس ا ر بعد زيورخ وجنيف، تقع على نهر ال ا رين في شمالي غربي البلاد،
موقعها مركزي عند نقطة التقاء الحدود السويسرية الألمانية والفرنسية بمحاذاة نهر ال ا رين ] موسوعة ويكيبيديا الحرة،
ا ربط: بازل wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف [ . - /39/ ، بتاريخ: 39
3( المنظمة الصهيونية العالمية = الوكالة اليهودية: تأسست عام 1919 م في المؤتمر الصهيوني الأول، وكانت
تعدّ الساعد الأيمن للحركة الصهيونية، وقامت محاولات عديدة لتوسيع قاعدتها لتضم معظم يهود العالم، وعُرِّفت
المنظمة عند تأسيسها بأنها الإطار التنظيمي الذي يضم كل اليهود الذين يقبلون برنامج بازل ويسددون رسم
العضوية )الشيقل(، وقد أنيطت بها مهمة تحقيق الأهداف الصهيونية التي جسدها برنامج بازل وعلى أ رسها إقامة
وطن قومي لليهود في فلسطين ] انظر: القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، )ص 191 (، أيضاً: موسوعة
.] )020/ اليهود، المسيري، ) 4
4( انظر: الصهيونية العالمية، عباس محمود العقاد، دار المعارف/مصر، ط )بدون(، 2331 م، )ص 26 (، أيضاً:
. ) موجز تاريخ اليهود، د. محمود قدح، )ص 249
5 2313 م. / ( للمزيد حول أفكار "هرتزل"، انظر: "يوميات هرتزل"، ترجمة: علي رمضان فاضل، مكتبة النافذة، ط 1
47
ومع اندلاع الحرب العالمية الأولى، وجد اليهود فرصتهم في تحقيق الحلم بما يعتقدون أ نّه
العودة إلى "أرض الميعاد") 1 (، فعملوا على استصدار "وعد بلفور") 2 ( عام 1119 م، الذي أعطى
الحق لهم في أرض فلسطين) 3 .)
وبعد الحرب العالمية الأولى، تم وضع فلسطين تحت الانتداب البريطاني عام 1123 م، مما
مهد الطريق للوكالة اليهودية كهيئة عمومية رسمية قانونياً لإدارة شئون فلسطين) - - 4 .)
عندما تمكن اليهود جزئياً من أرض فلسطين، كان الطريق ممهداً للخطوة التالية، حيث صدر
"ق ا رر التقسيم" عن الجمعية العامة للأمم المتحدة في 24 نوفمبر 1169 م، والذي تضمن التوصية
بتقسيم فلسطين، اونهاء الانتداب البريطاني، في تجاهل تام للشعب الفلسطيني الموجود على هذه
الأرض، وما أن أُعلن عن إنهاء الانتداب في 16 مايو 1169 م، حتى جاء الطرف الذي يهمه أمر
التقسيم، حيث أعلن "ابن جوريون") 5 ( في اليوم التالي قيام دولة يهودية في فلسطين) 6 . )
1 أو » إرتس يس ا رئيل « في الأدبيات اليهودية والصهيونية إلى عودة اليهود إلى فلسطين، أي » العودة « ( تشير كلمة
.] )19/ بعد نفيهم منها ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 2 » أرض الميعاد « أو » صهيون «
2 1103 م(، سياسي بريطاني، والوعد المنسوب له: هو - ( وعد بلفور: بلفور، هو آرثر جيمس بلفور ) 1969
التصريح الشهير الذي أصدرته الحكومة البريطانية عام 1119 م تعلن فيه عن: " تعاطفها مع الأماني اليهودية في
إنشاء وطن قومي لليهود في فلسطين"، وحين صدر الوعد كان عدد أعضاء الجماعة اليهودية في فلسطين لا يزيد
عن 5% من مجموع عدد السكان، وقد أخذ الوعد شكل رسالة بعث بها اللورد "بلفور" في 2 نوفمبر 1119 م إلى
.] )66/ اللورد "إدموند دي روتشيلد" أحد زعماء الحركة الصهيونية آنذاك ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 - . ) ( انظر: القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، )ص 191 193
4 ( المصدر السابق، )ص 191 ( بتصرف. -
5 2470 م(: زعيم صهيوني عمالي، وسياسي من الحرس القديم، وُلد في بولندا، – ( ديفيد بن جوريون ) 2881
نشأ نشأة يهودية تقليدية، وقضى بداية حياته يدرس التو ا رة والتلمود، انضم إلى جماعة عمال صهيون عام 1136 م،
هاجر إلى فلسطين عام 1134 م حيث بدأت أفكا ره الصهيونية في التبلور، ذهب إلى أمريكا حيث ساهم في تكوين
الفيلق اليهودي التابع للجيش البريطاني وعاد معه إلى فلسطين عام 1119 م، في عام 1169 م أشرف على تكوين
رئاسة الحكومة المؤقتة قبل إعلان نهاية الانتداب، وقام بنفسه بإعلان بيان قيام )إس ا رئيل( ] موسوعة اليهود،
260 ( بتصرف، انظر أيضاً: زعماء صهيون، مجدي كامل، دار الكتاب العربي/ دمشق القاهرة، - - / المسيري، ) 9
- .]) 2339 م، )ص 111 191 ، ط 1
6 242 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، / ( انظر: التاريخ اليهودي العام، د. صابر طعيمة، ) 0
. ) )ص 196
48
" وقبل الإعلان عن قيام ما يسمى )بدولة إس ا رئيل(، كان اليهود قد استولوا على معظم مدن
الساحل من حيفا) 1 ( في الشمال وحتى أسدود) 2 ( في الجنوب، وتمكنوا من تشريد معظم المواطنين
العرب المقيمين في هذه المناطق تحت سمع وبصر بريطانيا" ) 3 .)
وبذلك يكون اليهود قد عادوا إلى أرض فلسطين بقوة الاستعمار الغربي بعد إخ ا رجهم منها مرة
بعد مرة عبر قرون من الزمان، وما ميّز هذه العودة الأخيرة أن اليهود قد بلغوا فيها حداً غير
مسبوق من الاستعلاء والقوة المادية، كما أنّ المسلمين من أهل هذه الأرض وغيرها وقفوا ضد هذا
الغزو اليهودي ولا ي ا زلون، والمعركة سجال إلى يومنا هذا.
ويتضح للباحث من خلال هذا الستع ا رض لتاريخ اليهود وعلاقته بفلسطين ما يلي ) 4 :)
أولً: إنّ الفت ا رت التي حكم فيها اليهود أرض فلسطين هي فت ا رت وجيزة لا تُذكر في عمر الزمان
وبالقياس مع من حكمَها من غيرهم.
ثانياً: إنّ السمة الغالبة على حكم بني إس ا رئيل واليهود لهذه الأرض إلا فيما ندر هي - –
الاضط ا رب وعدم الاستق ا رر والحروب الداخلية والخارجية والعلاقات المتوترة مع كافة الجي ا رن من
الداخل والخارج.
1 ( حيفا: مدينة كانت قديماً حصن اً على ساحل بحر فلسطين، قرب يافا، ولم تزل في أيدي المسلمين منذ الفتح إلى
أن تغلّب عليها "كندفرى" الذي ملك بيت المقدس في سنة 616 ه، وبقيت في أيديهم إلى أن فتحها صلاح الدين
002 ( بتصرف [ . - / الأيوبي سنة 590 ه ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
2 ( أسدود: هي إحدى المدن الخمس للفلسطينيين منذ القرن 12 ق.م، مدينة كنعانية قديمة، سكنها العناقيون منذ
القرن 19 ق.م، وتقع على بعد 5 كلم من شاطئ البحر الأبيض المتوسط، احتلّها اليهود عام 1169 م، ولا ا زلت
محتلة ] المواقع الجغ ا رفية في فلسطين.. الأسماء العربية والتسميات العبرية، شكري ع ا رف، مؤسسة الد ا رسات
2336 م، )ص 633 ( بتصرف يسير [ . - ، الفلسطينية/بيروت، ط 1
3 - ، ( إس ا رئيل فتنة الأجيال العصور الحديثة، إب ا رهيم خليل أحمد، مكتبة الوعد العربي/مصر، ط 1
. ) 1013 ه/ 1193 م، )ص 199
4 ( المقصود في ما ذُ كر في هذا المبحث سرد موجز لتاريخ اليهود ذي الصلة بالأرض المقدسة، والا فإن تاريخهم
خارجها أكثر وأوسع من الناحية الزمانية والتشتت المكاني، فيُنظر هذا التاريخ الشامل في مظانّه.
49
ثالثاً: حاول اليه ود دوماً الربط بين تاريخهم ودينهم، واختلط عندهم التعريف العرقي لليهودي
بالتعريف الديني، وانعكس ذلك على علاقتهم بالأرض المقدسة التي ربطوها بمصطلحات ومفاهيم
دينية كأرض الميعاد، والهيكل، و)أرض إس ا رئيل(، وغير ذلك.
ا ربعاً: كان اليهود على مر العصور مصدر قلق وتوتر لكل من حكم أرض فلسطين أو من
استضافهم في أرضه خارجها، ولا يكاد زمان يخلو من عقاب لهم وقمع لشغبهم على حكّامهم أو
إفسادهم لنظام الحكم السياسي أو الاجتماعي وخلافه.
خامساً: كان اليهود دوماً وفي كافة م ا رحل وأماكن تواجدهم مصدر إشكال فيما يتعلق بتعريفهم و
ضبط تا ريخهم وتحديد هويتهم وانتمائهم، ويلاحَظ أنهم كانوا يُستخدمون كتَبَعٍ لأط ا رف الص ا رع حول
النفوذ في كافة أماكن تواجدهم داخل فلسطين وخارجها، وكانت ولاءاتهم تتقلب وتتبدل بشكل
مستمر.
سادساً: إنّ ال ناظر في تاريخ اليهود لا يعوزه طول تأمل لتتبدى له مظاهر التطابق التام بين خبر
القرآن وواقع حالهم، فيما يتعلق بوصف ربّ العزة لهم وهو العليم الخبير بأوصافٍ كثيرة، - –
اعترف بها مؤرخو اليهود قبل غيرهم.
سابعاً: إنّ حال اليهود مع الأرض المقدسة في تذبذب، بين استعمارها تارة، والطرد منها تارة أخرى،
وخبر القرآن والسنة فضلاً عن استق ا رء صفحات التاريخ يبشّ ا رن بدنوّ مرحلة الطرد والتتبير بإذن الله
.
51
القسم الثاني: النصرانية:
النص ا رنية لغة:
قيل: سموا بذلك لقوله تعالى: }كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِيِّينَ مَنْ أَنصَارِي إِلىَ
اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللَّهِ {)الصف/ 16 (. وقيل: سموا بذلك انتساب اً إلى قرية يقال لها "نص ا رن"،
فيقال "نص ا رني" وجمعه نصارى) 1 .)
" وتسمى القرية أيضاً: "الناصرة") 2 (، وهي قرية المسيح من أرض الجليل) 3 ( " ) 4 .)
النص ا رنية اصطلاحاً:
قال الإمام الشهرستاني رحمه الله : " النصارى أمة المسيح عيسى بن مريم - – رسول
الله وكلمته ") 5 . )
ويسمّون أنفسهم كذلك "بالمسيحيين"، انتساباً إلى المسيح عيسى ، ويزعمون أن أول
تسميتهم بالمسيحيين كان عام 62 أو 60 م في أنطاكية، وقد قيل: إنّ استعمال هذا اللفظ أول الأمر
كان من باب الشتيمة ) 6 .)
1 . ) ( مفردات غريب القرآن، ال ا رغب الأصفهاني، )ص 615
2 ( الناصرة: قرية في فلسطين بينها وبين طبرية ثلاثة عشر ميلاً، فيها كان مولد المسيح عيسى بن مريم ، أما
نص الإنجيل فإن فيه أن عيسى ولد في بيت لحم، وذكر الإنجيل يسوع الناصري كثي ا رً. ]انظر: معجم البلدان،
.] )251/ الحموي، ) 5
3( الجليل: جبل في ساحل الشام ممتدّ إلى قرب حمص، وقال ابن الفقيه: كان منزل نوح في جبل الجليل
بالقرب من حمص في قرية تدعى سحر ويقال إن بها فار التّنّور، قال: وجبل الجليل بالقرب من دمشق أيض اً، يقال
إن عيسى دعا لهذا الجبل أن لا يعدو سبعه ولا يجدب زرعه، وهو جبل يقبل من الحجاز ] معجم البلدان،
. ] )159/ الحموي، ) 2
4 .)636/ ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
5 . )521/ ( الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
6 . )001/ ( انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 2
50
وتسميتهم بالمسيحيين لم ترد في ق آ رن ولا سنة، وهي لا توافق حالهم بعد تبديل وتحريف
دينهم، فلا يسوغ استعمالها في حقهم، والله أعلم، والأولى استعمال اللفظ الذي سمّاهم القرآن به، فقد
وردت تسميتهم بالنصارى في ثلاثة عشر موضعاً، في أربع سور، هي: البقرة والمائدة والتوبة
والحج) 1 .)
كما سماهم الق آ رن في موضع واحد بأهل النجيل، في قوله تعالى: }وَليَْحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا
أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ{ )المائدة/ 69 (، وسمّاهم بأهل الكتاب في مواضع كثيرة كما أسلف الباحث. –
إذ اً، تعود الديانة النص ا رنية في أصلها إلى المسيح ، وهو نبي من أنبياء بني إس ا رئيل،
دعا إلى الله ، وجاء كإخوانه الأنبياء بالتوحيد الخالص مبلغاً رسالة ربه. - - –
وقد ذكر الله تعالى )عيسى( في القرآن باسمه في خمسة وعشرين موضع اً) 2 (، وبلفظ
المسيح في تسعة مواضع) 3 .)
مراحل سة:
ّ
تاريخ النصارى في الأرض المقد
المرحلة الأولى: عهد المسيح:
وُلد المسيح في ظل تنازع الفرس والروم على فلسطين، وكانت السيطرة للرومان، الذين
قاموا بتقسيم أرض فلسطين وما حولها على ثلاثة حكام من أبناء الملك اليهودي "هيرود") 4 ( الذي -
1 . 92 ، التوبة/ 03 ، الحج/ 19 ،41 ،51 ،19 ، 163 ، المائدة/ 16 ،105 ،123 ،110 ،111 ، ( البقرة/ 42
2 ،99 ، 191 ، المائدة/ 64 ،140 ، 96 ، النساء/ 159 ،51 ،55 ،52 ، 250 ، آل عم ا رن/ 65 ،104 ، ( البقرة/ 99
، 114 ، الأنعام/ 95 ، مريم/ 06 ، الأح ا زب/ 9، الشورى/ 10 ، الزخرف/ 40 ، الحديد/ 29 ،116 ،112 ،113
.16 ، الصف/ 4
3 . 01 ، 95 ، التوبة/ 03 ،92 ، 192 ، المائدة/ 19 ،191 ، ( آل عم ا رن/ 65 ، النساء/ 159
4 حكم كل فلسطين منذ عام 09 ق.م، ،» ملك « ( هيرود: يهودي عيَّنه الرومان ملكاً؛ أي حاكماً رومانياً يحمل لقب
وطوال حكم هيرود ،» الهيكل الثاني « وحتى وفاته، وقد شيّد في القدس هيكلاً )هيكل هيرود( الذي يشار إليه بأنه
كان يدبِّر المؤام ا رت ضد معارضي قيادته ويقتل أي شخص يشك في أنه يهدد عرشه، ومن بين الذين قتلهم ثلاثة
223 (، أيضاً: الموسوعة العربية العالمية، باب الهاء مع الياء، بتاريخ: / من أبنائه. ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2311/39/22 م [ .
51
كان من أنصار الرومان وعيّنوه حاكماً ذاتياً للقدس ، وبعد موت "هي رود" شبّ الن ا زع بين أبنائه -
الكثُر، فأقام الرومان حكماً مباش ا رً على البلاد، وقرروا توزيع حكم البلاد على ثلاثة من أبنائه) 1 .)
وبعد موت حاكم فلسطين الوسطى والجنوبية عام 4م، انتقل الحكم إلى قائد روماني هو
"بيلاطس") 2 (، الذي حكم في ظل وجود ثلاثة أنبياء هم: )زكريا ويحيى وعيسى( ، وفي عهده
حدثت محاولة صلب المسيح، ورفعه إلى السماء) 3 . )
وبعد رفع المسيح عام 00 م، اضطهد اليهود أتباعَه اضطهاداً عظيماً، حتى اختفوا، ولاذ
الحواريون بالف ا رر من القدس، ولجأ بعضهم إلى روما، وبدأت الدعوة النص ا رنية س ا رً) 4 .)
ويظهر من خلال استع ا رض تاريخ فلسطين أنّ النصارى لم يعد لهم ذكر في هذه الأرض
بالتخصيص بعد رفع المسيح 026 م. - واضطهاد اليهود لهم، على الأقل في الفترة من 00
المرحلة الثانية: من عهد قسطنطين حتى الإمب ا رطورية البيزنطية:
عموماً فإنّ مرحلة الحكم الروماني لفلسطين شهدت ن ا زعاً وتجاذباً كبي ا رً واضط ا رباً، خاصة
بين الرومان واليهود المتواجدين في الأرض المقدسة) 5 (، مع وجود سيطرة كاملة للرومان، واستمرت
هذه الأوضاع في فلسطين على هذا النحو أكثر من قرنين من الزمان، حتى استولى الإمب ا رطور
1 - . ) ( انظر: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 99 99
2( بيلاطس: باللاتينية "بنطيوس"، ويلقب بالبنطي، ومعنى الاسم: )مضغوط أو تحت الضغط(، هو والٍ أقامته
الحكومة الرومانية نائب اً أو حاكماً على فلسطين ) 04 24 م(، واستمر حكمه بضع سنين إلى ما بعد )محاولة -
صلب( المسيح ، وكانت قيصرية مركز ولايته، وكان يصعد إلى أورشليم إلى دار الولاية فيقضي للشعب هناك،
أيام حكومته لم تكن مرضية لليهود رغم تسليمه المسيح لليهود مع أنه اعترف بب ا رءته وعدم اقت ا رفه جرماً يوجب
290 (، أيضاً: جمان من فضة قاموس أعلام - / تسليمه لهم. ] انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
. ] ) 2333 م، )ص 56 ، الكتاب المقدّس، مكرم مشرقي، مكتبة الأخوة/مصر، ط 1
3 - .) ( انظر: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 99 99
4 . ) 1624 ه/ 2335 م، )ص 46 ، ( فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، الإبداع الفكري/الكويت، ط 5
5 – . )61 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 63
53
"قسطنطين") 1 ( على روما عاصمة الحكم الروماني وجعل النص ا رنية الدين الرسمي للدولة عام - –
011 م) 2 .)
ومع اعتناق قسطنطين للنص ا رنية) 3 (، أصبحت فلسطين من أملاك الإمب ا رطورية الرومانية
النص ا رنية في عهده وانقلب الاضطهاد عكسياً، إذ أصبح النصارى يلاحقون اليهود - -
ويضطهدونهم بشدة، ومُنع اليهود من الإقامة في القدس نهائي اً) 4 .)
وبقي الأمر على هذا النحو بعد قسطنطين، حتى جاء الإمب ا رطور الروماني "جوليان") 5 )
وجلس على عرش الرومان عام 041 م، وارتدّ عن النص ا رنية، وتبنّى اليهودية، وألغى الأحكام
1 ( قسطنطين ) 275 م 007 م(: يسمى "قسطنطين الكبير أو الأول"، أول إمب ا رطور روماني يدخل النص ا رنية، -
وتعتبر الكنيسة الأرثوذكسية قسطنطين قديسًا، أعاد بناء بيزنطة )وهي الآن إسطنبول في تركيا( وأسماها
القسطنطينية وجعلها عاصمته، وأرسى أسس الإمب ا رطورية البيزنطية، اعتنقت والدته النص ا رنية أيضاً، و ا زرت القدس،
2311 م، أيضاً: موسوعة /1/ وأمرت ببناء كنيسة القيامة عام 026 م ] انظر: الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ 1
. ] ) 221 (، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 49 / اليهود، المسيري، ) 6
2 . ) ( انظر: القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، )ص 121
3 ( يقرر المؤرخون من غير المسلمين ومنهم وول ديو ا رنت حقيقة أن دخول قسطنطين في النص ا رنية كان - –
سياسة وليس ديناً، وأنها "حركة بارعة أملتها عليه حكمته السياسية.. وقد كان في أثناء حكمه كله يعامل الأساقفة
على أنهم أعوانه السياسيون؛ فكان يستدعيهم إليه، وي أ رس مجالسهم، ويتعهد بتنفيذ ما تقره أغلبيتهم من آ ا رء، ولو أنه
كان مسيحياً حقاً أولاً وحاكماً سياسياً بعدئذ؛ ولكن الآية انعكست في حال قسطنطين، فكانت المسيحية عنده وسيلة
لا غاية ] قصة الحضارة، ويليام جيمس ديو اَ رنت، ترجمة: د. زكي نجيب محمُود وآخرين، دار الجيل/ بيروت،
099 ( بتصرف [. - / 1639 ه/ 1199 م، ) 11
4 . ) ( تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 121
5 ( جوليان: ) 010 002 م(: هو ابن قسطنطين الأول، وهو آخر إمب ا رطور روماني عارض النص ا رنية، ولد -
جوليان في القسطنطينية وتلقى تعليمًا نص ا رنيًا لكنه كان يعارض المعتقدات النص ا رنية س اً ر، نصّبه ابن عمه
الإمب ا رطور "قسطنطينوس الثاني" قيص اً ر حاكمًا ومدافعًا عن بلاد الغال، حاول جوليان إيقاف انتشار وتقدم الديانة
النص ا رنية وذاك بتقوية الدين الروماني، ومنع النصارى من التدريس في المدارس، مات وهو يقاتل الفرس في بلاد
2311 م [ . /31/ ما بين النهرين ] الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ: 2
54
الصادرة بحق اليهود في فلسطين، وأعلن عزمه إعادة بناء الهيكل، ولكن لم يتحقق له ذلك لانشغاله
بالإصلاح الداخلي والحرب الخارجية وأحداث كثيرة أخرى) 1 .)
وفي عام 015 م انقسمت الإمب ا رطورية الرومانية إلى إمب ا رطوريتين، شرقية عاصمتها
"بيزنطة") 2 (، وسميت الامب ا رطورية البيزنطية، وغربية عاصمتها "روما") 3 (، وسميت الإمب ا رطورية
الرومانية، وكانت الشام وفلسطين عموماً من ممتلكات الامب ا رطورية البيزنطية، واستمرت على هذا
الحال حتى زمن نبينا محمد الذي بُعث عام 413 م) 4 .)
المرحلة الثالثة: مرحلة الن ا زع مع الفرس:
" شهد القرنان التاليان لانقسام الامب ا رطورية الرومانية فترة أمن وسلام نسبي في فلسطين
قياساً بتاريخها السابق، وكانت السيطرة للإمب ا رطورية البيزنطية نص ا رنية الديانة ولم يكن لليهود - -
في هذه الفترة وجودٌ سيادي على الإطلاق كما أسلفنا ، وكان الحجّ اج من اليهود والنصارى - –
يزورون الأماكن المقدّسة في فلسطين في هذه الفترة دون حروب تذكر") 5 .)
وفي عام 416 م بعد نحو 6 أعوام من البعثة النبوية غ ا ز الفرس فلسطين، واستطاعوا أن - –
يسيطروا عليها وأن يطردوا النصارى الروم منها لفترة وجيزة، وقد ساعد اليهودُ الفرسَ في هذه
المعركة انتقاماً من النصارى، وقام الفرس بتحطيم مُلك النصارى الرومان ودمّروا بمساعدة –
1 ( انظر: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 103 (، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د. طارق
. ) سويدان، )ص 49
2( بيزنطة: مدينة إسطنبول الحالية في تركيا، والتي أطُلق عليها اسم "القسطنطينية" بعد موت قسطنطين، ويرى
بعض المؤرخين أن الإمب ا رطورية البيزنطية قد بدأت في تلك السنة، أي عام 003 م، في حين يرى آخرون أنها بدأت
سنة 015 م، وهي السنة التي انقسمت فيها الإمب ا رطورية الرومانية إلى إمب ا رطوريتين، و ا زلت الإمب ا رطورية البيزنطية
2311 م [ . /31/ بعد أن فتح الأت ا رك العثمانيون القسطنطينية سنة 1650 م ] الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ: 2
3( روما: عاصمة إيطاليا حالياً، تقع على نهر التيبر، ظلت مرك اً ز للحضارة الغربية لأكثر من 2,333 سنة، حكمت
روما العالم الغربي القديم، وظلت لمئات السنين مركز القوة في أوروبا، يقطن البابا في مدينة الفاتيكان المستقلة التي
2311 م [ . /31/ تقع في روما، لذا تعد روما مركز الكنيسة الكاثوليكية ] الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ: 2
4 ،)6103/ ( انظر: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 101 (، أيضاً: قصة الحضارة، ديو ا رنت، ) 5
- . ) أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د.طارق سويدان، )ص 93 41
5 ( تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 101 ( بتصرف . -
55
اليهود كنيسة القيامة وكنائس أخرى كثيرة في فلسطين وقتلوا خلقاً كثي ا رً من النصارى في القدس -
وغيرها) 1 .)
لكن وبعد سبع سنين من انكسار الروم، أي عام 429 م قام "هرقل") 2 ( ملك الروم بمهاجمة
الفرس في فلسطين، واستردّها أيضاً بمعاونة من اليهود ضد الفرس؛ وذلك لأن الفرس لم يحققوا
لليهود أحلامهم في إقامة حكم لهم في فلسطين، وقد تلقى اليهود وعوداً من النصارى فيما لو قاتلوا
بجانبهم ضد الفرس، ولكن، وبعد انتصار الروم، لم يوف هرقل لليهود بوعده بضغط من رجال –
الدين النصارى بل عاد الاضطهاد لليهود انتقاماً من موقفهم إ بان الغزو الفارسي ووقعت - - -
مذبحة لليهود على يد النصارى وشرّدوهم خارج فلسطين، ولم يعد لهم ذكر فيها) 3 .)
وقد سطّر القرآن الكريم خبر معركة الكر والفرّ هذه بين الفرس والروم، وأخبر بانتصار الروم
قبل وقوعه ببضع سنين، وذلك في سورة سمّيت بسورة "الروم"، قال : } الم* غُلِبَتِ الرُّومُ* فِي أَدْنَى
الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ* فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ* بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن
- . ) يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ* وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ{ )الروم/ 4 1
1( انظر: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، ص 100 ، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د.طارق سويدان،
. ص 91
2( هِ رقل ) 142 575 م(: اسم مَلك الروم الذي كتب إليه النبي - - يدعوه إلى الإسلام فِيمَنْ كَتبَ إليه من -
الملوك، و اسم المعني هنا: "فلافيوس أغسطس هرقل"، إمب ا رطور بيزنطي حكم من 413 حتى 461 م، يعتقد بأنه
من عائلة أرمينية الأصل، وهو ابن هرقل الأكبر، والذي كان أحد جن ا رلات الإمب ا رطور موريس في الحرب ضد
الفرس عام 513 م، خسرت الإمب ا رطورية البيزنطية في عهده بلاد الشام ومصر والج ا زئر وشمال أفريقيا بفتحها على
أيدي المسلمين ] انظر: جامع الأصول في أحاديث الرسول، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد
1091 ه/ 1141 م، ، الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار البيان/الكويت، ط 1
110/12 (، أيضاً: موسوعة ويكيبيديا الحرة ( wikipedia.org/wiki/ ، سحب بتاريخ 2311 34 03 م [ . - -
3 6134 (، أيضاً: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، / ( انظر: قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 5
- - . ) 106 (، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 96 90 )ص 100
56
المرحلة ال ا ربعة: مرحلة الفتح الإسلامي:
لم يدُم الانتصار الذي حققه هرقل على الفرس طويلاً، فقد كان الانتصار الذي يسبق الزوال
النهائي على أيدي المسلمين الذين دخلوا الأرض المقدسة، فاتحين منتصرين.
وكانت باكورة هذا الفتح عام 10 ه/ 406 م، إذ وقعت معركة "أجنادين") 1 (، التي انتصر فيها
المسلمون انتصا ا رً عظيماً على النصارى الروم، بقيادة عمرو بن العاص ، ثم توالت الفتوحات
في الشام في العام التالي، ففتحت دمشق وما حولها، وفي 5 رجب عام 15 ه/ 12 أغسطس
404 م وقعت معركة "اليرموك") 2 ( التاريخية الشهيرة، اولتي انتصر فيها المسلمون بقيادة خالد بن -
الوليد انتصا ا رً كبي ا رً ومزلزلاً على الروم، إذ انسحب هرقل من الشام ودمشق، تاركاً جيوشه
و ا رءه، عندها تحرّك أبو عبيدة بن الج ا رح نحو القدس، وحاصرها أربعة أشهر، ثم طلب
النصارى الصلح، لكنهم اشترطوا لإتمام الصلح أن يسلموا بيت المقدس لخليفة المسلمين عمر بن
الخطاب، فتوجه نحو بيت المقدس، ودخلها فاتحاً، وأعطى العهدة العمرية لأهل القدس، والتي
هي أحسن معاهدة في التاريخ تعطى من غالبٍ لمغلوب، ثمّ فتحت من بعد القدس كلّ فلسطين
وما حولها) 3 . )
وبالفتح الإسلامي لفلسطين والقدس يبدأ عهد جديد من تاريخ هذه الأرض، انقضت فيه حقبة
الحكم النص ا رني، وعادت فلسطين إلى أحقّ الناس بها وهم المؤمنون، بناءً على القاعدة الربانية
1( أجنادين: موضع بالشام في أرض فلسطين بين الرملة وبيت جبرين، وكان فيها الوقعة العظيمة بين المسلمين
والروم بقيادة خالد بن الوليد . ] )130/ 143 ، أيضاً: معجم البلدان، الحموي، ) 1 / ] انظر: تاريخ الطبري، ) 2
2( اليرموك: واد بناحية الشام في طرف الغور، يصب في نهر الأردن، كانت به حرب بين المسلمين والروم في
أيام أبي بكر الصديق وقدم خالد الشام مدداً لهم، وكانت "معركة اليرموك" من أعظم فتوح المسلمين وباب ما
جاء بعدها من الفتوح؛ لأن الروم كانوا قد بالغوا في الاحتشاد، فلما كسروا ضعفوا ودخلتهم هيبة ] معجم البلدان،
606 ( بتصرف [ . - / الحموي، ) 5
3 ، ( انظر: فتوح الشام، أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي، دار الكتب العلمية/بيروت، ط 1
134 131 (، أيضاً: البداية والنهاية، أبو الفداء - - / 206 211 (، أيضاً: تاريخ الطبري، ) 0 / 1619 ه/ 1119 م، ) 1
، إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، تحقيق: عبد الله عبد المحسن التركي، هجر للطباعة والنشر/الجيزة، ط 1
6145 (، أيضاً: تاريخ فلسطين - / 451 455 (، أيضاً: قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 5 / 1619 ه/ 1119 م، ) 1
- . ) القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 162 161
57
الخالدة، التي تتجدد عص ا رً بعد عصر عندما تتهيأ الأسباب لها، وهي القاعدة المسطّرة في كتاب
. ) الله:}إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ )الأعراف/ 129
المرحلة الخامسة: مرحلة الحروب الصليبية:
عاشت فلسطين قروناً في أكناف المسلمين منذ عام 15 ه؛ عام الفتح العظيم بقيادة الفاروق،
وحتى عام 612 ه/ 1311 م، " حين سقطت القدس في يد النصارى مرة أخرى عبر الحروب
الصليبية، إذ قامت عدة دويلات صليبية على أرض فلسطين وأعالي بلاد الشام والجزيرة، على
مدى قرنين من الزمان، في الفترة بين أواخر عام 1314 م وحتى 1211 م" ) 1 .)
وفيما يخصّ الأرض المقدّسة من هذه الحروب؛ " فقد اقتحم النصارى الصليبيون) 2 ( القدس
يوم الجمعة 15 يوليو 1311 م، بعد حصارها لخمسة أسابيع، وأخذوا في سلبها ونهبها، وارتكبوا
فيها من الفظائع الوحشية ما لم يسبق له مثيل، وقتلوا كل حيّ فيها، حتى بلغ عدد من قُتل من
المسلمين فيها سبعين ألفاً؛ منهم جماعة من العلماء والعباد والزهاد، وهدموا المشاهد، وأحرقوا
ودمّروا كل ما وقع تحت أيديهم، ولم تسلم الق لّة من اليهود في القدس، إذ جمع الصليبيون اليهود في
الكنيسة وأحرقوها عليهم) 3 .)
1 ( ماهية الحروب الصليبية، د. قاسم عبده قاسم، عالم المعرفة، سلسلة صادة عن المجلس الوطني للثقافة والفنون
1113 م، )ص 9( بتصرف. - ، والآداب/الكويت، ط 1
2 ( سميت الحملات بالصليبية، والمشاركين فيها بالصليبيين، وذلك لأن شعار هذه الحملات كان الصليب بتوجيه
من )رجال الدين( النصارى، إذ كانت البداية خطاب البابا "أوربان الثاني" في مدينة "كليمرون" في 29 نوفمبر عام
1315 م، والذي دعا فيه النصارى الكاثوليك إلى حرب مقدسة لتحرير بيت المقدس من أيدي المسلمين الكفرة! وفي
نهاية خطابه وزّع صلبان اً من القماش على المحتشدين ليخيطوها على ملابسهم، وبذلك صار الصليب شارة لكل
فارس مشارك في الحملة الصليبية. ] انظر: موجز تاريخ الحروب الصليبية، مصطفى وهبة، مكتبة
.] ) 1619 ه/ 1119 م، )ص 21 ، الإيمان/المنصورة، ط 1
3 ( انظر: العبر في خبر من غبر، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز الذهبي، تحقيق:
045 (، أيضاً: البداية والنهاية، ابن / محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط )بدون(، ) 2
144 (، أيض اً: تاريخ الخلفاء، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: محمد محي الدين عبد / كثير، ) 14
.) 1091 ه/ 1152 م، )ص 049 ، الحميد، مطبعة السعادة/مصر، ط 1
58
بل إنّ روايات النصارى أنفسهم، ممن شهدوا الهجوم على القدس تقول بأن "جنون الصليبيين
وبربريتهم" بلغت حد قتلهم داخل المسجد الأقصى وحده عشرة آلاف نفس من المسلمين الذين
تحصّنوا فيه للدفاع عنه أو هرباً من الموت والخ ا رب، كما أنهم أهلكوا كلّ من في طريقهم من رجال
ونساء وأطفال رضّع) 1 . )
وبقي النصارى على هذا الحال في فلسطين والقدس، حتى جيّش الملك الناصر صلاح الدين
الأيوبي) 2 ( رحمه الله الجيوش لتحرير فلسطين والقدس، وذلك في عام 590 ه/ 1199 م، ففي - –
ربيع الآخر من هذا العام وقعت في فلسطين معركة كبرى بينه وبين النصارى عرفت في التاريخ ب
"معركة حطّين) 3 ("، والتي انتصر فيها المسلمون نص ا رً كبي ا رً لم تشهده الشام منذ عهد الصحابة
رضوان الله عليهم، حتى قيل فيها: فَمَن شاهد القتلى يومئذٍ قال: ما هنالك أسير، ومَنْ عاين
الأسرى قال: ما هنالك قتيل، وكانت هذه المعركة مقدمة لتحرير كامل فلسطين) 4 .)
وكانت المعركة الفاصلة مع النصارى في منتصف رجب من نفس العام؛ إذ حاصر صلاح
الدين القدس، وقاتل حولها أشدّ قتال، ونصب المجانيق، فطلب النصارى الأمان، فأمَّنهم بعد تمنُّع،
وخلّص من أسارى المسلمين عشرين ألفاً، وغنم أموالاً طائلة منهم، ورفعت أعلام الإسلام على
السُّور، و كان على أ رس قبة الصخرة صليبٌ كبيرٌ فأ ا زله المسلمون، وكان المسجد الأقصى مشغولاً
1 1194 م، ، ( الصليبيون في الشرق، ميخائيل ا زبوروف، ترجمة: الياس شاهين، دار التقدم/موسكو، ط 1
)ص 120 ( بتصرف . -
2 ( صلاح الدين الأيوبي ) 584 502 ه(: السلطان الكبير، الملك الناصر، صلاح الدين، أبو المظفر يوسف ابن -
الأمير نجم الدين أيوب بن شاذي بن مروان بن يعقوب الدويني، ثم التكريتي المولد، وكان نور الدين قد أمره، وبعثه
في عسكره مع عمه أسد الدين شيركوه، فحكم شيركوه على مصر، فما لبث أن توفي، فقام بعده صلاح الدين،
ودانت له العساكر، وقهر بني عبيد، ومحا دولتهم، وكان خليقاً للإمارة، مهيباً، شجاعاً، حازماً، مجاهداً، كثير
الغزو، عالي الهمة، كانت دولته نيفا وعشرين سنة، أنشأ سو ا رً على القاهرة ومصر، في سنة 590 فتح طبرية،
ونازل عسقلان، ثم كانت وقعة حطين بينه وبين الفرنج، ثم أخذ عكا وبيروت وكوكب، وسار فحاصر القدس، وجدّ
299 ( بتصرف [. - / في ذلك فأخذها بالأمان ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 21
3( حطّين: قرية بين طبرية وعكا، بينها وبين طبرية نحو فرسخين، وبالقرب منها قرية يقال لها "خيارة" بها قبر
شعيب . ] )296/ ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
4 ( تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي، تحقيق: د. عمر عبد
23 11 ( بتصرف. - - / 1639 ه/ 1199 م، ) 61 ، السلام تدمري، دار الكتاب العربي/ بيروت، ط 1
59
بالخنازير والخبَث، فبادر المسلمون إلى تنظيفه وتطهيره، ووُضع منبر صلاح الدين فيه، و هكذا
تحررت القدس بعد ثنتين وتسعين سنة من استيلاء النصارى عليها) 1 . )
غير أن أج ا زء من ساحل فلسطين كانت لات ا زل في أيدي الصليبيين، وكانت تدور فيها
المناوشات ومعارك الكر والفرّ على مدار السنوات التي تلت تحرير القدس حتى وفاة صلاح الدين
عام 591 ه، وكانت الأطماع الصليبية تتوالى، و كانت أوروبا النص ا رنية تقوم بإرسال الحملة تلو
الأخرى إلى فلسطين طمعاً في احتلال القدس من جديد) 2 . )
وبعد وفاة صلاح الدين دبّ الخلاف في أتباعه الذين حكموا مملكته المت ا رمية الأط ا رف، مما
أدى إلى تنازل أحدهم وهو الكامل ابن العادل) – 3 ( عن القدس للصليبيين في مقابل ضمانهم بقاء -
ملكه في مصر والشام، في فترة معاهدة مدتها عشر سنين، وتسلم النصارى البيت المقدّ س،
واستعظم المسلمون ذلك وأكبروه، ووجدوا له من الوهن والتألم ما لا يمكن وصفه) 4 . )
ومع انتهاء الهدنة عام 409 ه، هاجم الناصر داود) 5 ( من الأيوبيين القدس واستعادها - –
من الصليبيين بالقوة) 6 (، وأعادها للمسلمين.
1 - - .)014 016 / 29 26 (، أيضاً: البداية والنهاية، ابن كثير، ) 12 / ( تاريخ الإسلام، الذهبي، ) 61
2 - . )226 215 / ( انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ) 13
3 ( الكامل ابن العادل ) 158 571 ه(: السلطان الكبير الملك الكامل أبو المعالي وأبو المظفر محمد ابن الملك -
العادل أبي بكر بن أيوب ، صاحب مصر والشام وميافارقين وآمد وخلاط والحجاز واليمن وغي رها، تملك الديار
المصرية 63 سنة، شطرها في أيام والده، وكان عاقلا مهي با، كبير القدر، لما أخذ الفرنج دمياط أنشأ على بريد منها
121 129 ( بتصرف [ . - - / مدينة المنصورة واستوطنها م ا ربطا حتى نصره الله ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 22
4 02 (، أيضاً: فلسطين / 691 (، أيضاً: تاريخ الإسلام، الذهبي، ) 65 / ( انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ) 13
. ) التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 195
5 ( الناصر داود ) 151 130 ه(: السلطان الملك الناصر صلاح الدين أبو المفاخر داود ابن السلطان الملك -
عيسى ابن العادل، كان فقيهاً حنفياً ذكياً، مناظ ا رً، أديباً شاع ا رً بديع النظم، مشاركاً في علوم، تسلطن عند موت
أبيه، وأحبه أهل البلد، فأقبل عمّاه الكامل والأشرف فحاص ا ره أشه ا ر، ثم انفصل عن دمشق وقنع بالكرك، وأعطوه
معها نابلس وعجلون والصلت وقرى بيت المقدس، ومن حسنات الناصر أن عمه الكامل أعطى الفرنج القدس - -
فعمروا لهم قلعة فجاء الناصر ونصب عليها المجانيق وأخذها بالأمان وهدّ القلعة، ونظف البلد من الفرنج، مات
091 094 ( بتصرف [ . - - / بالطاعون ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 20
6 . )069/ ( انظر: تاريخ الإسلام، الذهبي، ) 69
61
لكن ما لبث الصليبيون أن تسلموا من جديد القدس ومدناً أخرى في فلسطين من السلطان
الصالح إسماعيل) 1 ( حاكم دمشق، وذلك عام 461 ه، في موقف استهجنه عامة المسلمين وثاروا
على هذا الملك وحاولوا منع تسليم مدن فلسطين إلا أ نّه قاتلهم وس لّمها للنصارى) 2 . )
وبعد عام واحد نهض نجم الدين أيوب) 3 ( حاكم مصر والتقى مع النصارى في معركة - –
ضخمة في غزّة، واتّحدت معه جيوش الشام المنشقّة عن الصالح إسماعيل، وهُزم النصارى شرّ
هزيمة، وقُتل وأُسر منهم أعدادٌ كبيرة، و تقدّم نجم الدين نحو القدس، وحررّها بعد عام من تسليمها
واحتلالها، كل ذلك بمساعدة من الخوارزمية) 4 ( ) 5 . )
1( الصالح إسماعيل: السلطان الملك الصالح عماد الدين ابو الخيش إسماعيل ابن الملك العادل محمد بن أيوب
ابن شاذي، صاحب دمشق، تملك بصرى وبعلبك، وتنقلت به الأحوال واستولى على دمشق أعواما، فحاربه صاحب
مصر ابن أخيه، وجرت له أمور طويلة ما بين ارتفاع وانخفاض، استعان بالفرنج وبذل لهم الشقيف وغيرها فمُ قت
لذلك، وكان فيه جور، قيل فيه: نصر الكافرين وسلم إليهم القلاع، واستولى على دمشق سرقة، وحنث في يمينه،
وقتل من الملوك والأم ا رء من كان ينفع في الجهاد، سُجن وقُتل في مصر ] سير أعلام النبلاء، الذهبي،
109 ( بتصرف [ . - - 106/22(
2 . 9، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د.طارق سويدان، ص 191 / ( انظر: تاريخ الإسلام، الذهبي، 69
3 ( نجم الدين أيوب ) 147 130 ه(: السلطان الكبير نجم الدين أبو الفتوح أيوب ابن السلطان الكامل محمد ابن -
العادل، قال ابن واصل: "كان عزيز النفس أبياً، عفيفاً، حيياً، طاهر اللسان والذيل، وقو ا رً، كثير الصمت، اقتنى من
الت رك ما لم يشتره ملك، حتى صاروا معظم عسكره، ورجحهم على الأك ا رد وأمّر منهم، وجعلهم بطانته والمحيطين
بدهليزه، وسماهم البحرية"، توفي بقصر المنصورة م ا ربطاً، فأخفوا موته، حتى أقدموا ابنه الملك المعظم "تو ا رنشاه" من
110 199 ( بتصرف [ . - - / حصن كيفا، ثم نقل، فدفن بتربته بالقاهرة ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 20
4( الخوارزمية: نسبة إلى خوارزم، إحدى بلاد ما و ا رء النهرين، كانت ضمن ما يسمى ببلاد خ ا رسان قديمًا، والتي
تضم معها بلاد: بلخ وبخارى ومرو وه ا رت وغزنة، فتح المسلمون خوارزم في القرن الأول الهجري ضمن الفتوحات
الإسلامية الأولى، وظلت مدة تحت حكم الأمويين، ثم العباسيين، وتعرضت لسلطان المغول واحتلال "تيمورلنك" لها
2311 م [. /13/ فيما بين القرن الثالث عشر والخامس عشر الميلاديين ] الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ: 11
5 296 (، أيضاً: فلسطين / 11 (، أيضاً: البداية والنهاية، ابن كثير، ) 19 / ( انظر: تاريخ الإسلام، الذهبي، ) 69
. ) التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 193
60
واستمرت المحاولات الصليبية، ولكن بعد هذا التاريخ أي نحو عام 462 ه لم يعد - –
للنصارى سيطرة على القدس ومعظم مناطق فلسطين لقرون لاحقة، غير أنهم بقي لهم وجود في
الساحل وخاصةً في عكا) 1 ( إلى حين) 2 . )
" وبعد قيام دولة المماليك القوية في مصر، اتجهت جهودهم للقضاء على بقايا الإما ا رت
الصليبية على سواحل الشام وتصفية وجودهم نهائياً في المشرق العربي الإسلامي" ) 3 . )
فبدأ "الظاهر بيبرس") 4 ( هذه المهمة، حينما وحّد مصر والشام عام 459 ه، ومن ثم بدأ في
ملاحقة الصليبيين، واتّسمت سياسته بالشدة والحسم تجاههم، فاتّجه نحو الشام، وسيطر على
قيسارية) 5 (، ثم أرسوف) 6 (، بين عامي 446 440 ه، ثم استولى على يافا) - 7 (، وصولاً إلى أنطاكية،
1 ( عكّا: مدينة كبيرة، من ثغور الشام، على ساحل البحر الأبيض المتوسط في نهاية ال أ رس الشمالي لخليج عكا،
بينها وبين طبرية يومان، وقد كان لهذا الموقع أهمية جعل مدينة عكا تتعرض لأحداث عظيمة، حيث ظهر الكثير
من القادة التاريخيين على مسرحها ] انظر: الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحِميري،
1193 م، )ص 613 (، أيضاً: مجلة البحوث الإسلامية، ، تحقيق: إحسان عباس، مؤسسة ناصر للثقافة/بيروت، ط 2
. ] )419/ الرئاسة العامة لإدا ا رت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/ الرياض، ط)بدون(، ) 91
2 - . ) ( انظر: ماهية الحروب الصليبية، قاسم عبده قاسم، )ص 103 121
3 ( موجز تاريخ الحروب الصليبية، مصطفى وهبة، )ص 59 ( بتصرف يسير . -
4( الظاهر بيبرس) 171 125 ه(: بيبرس العلائي البندقداري الصالحي ركن الدين، الملك الظاهر، صاحب -
الفتوحات و الأخبار والآثار، مولده بأرض القپچاق، وأسر فبيع في سيواس، ثم نقل إلى حلب، ومنها إلى القاهرة،
فاشت ا ره الأمير "علاء الدين أيدكين البندقدار"، وبقي عنده، فلما قبض عليه الملك الصالح )نجم الدين أيوب( أخذ
بيبرس، فجلعه في خاصة خدمه، ثم أعتقه، ولم تزل همته تصعد به حتى كان )أتابك( العساكر بمصر، في أيام
الملك )المظفر( قطز، وقاتل معه التتار في فلسطين، تولى سلطنة مصر والشام سنة 459 ه، وله الوقائع الهائلة مع
91 ( بتصرف [. - / التتار والافرنج )الصليبيين(، وله الفتوحات العظيمة، توفي في دمشق ] الأعلام، الزركلي، ) 2
5( قيسارية: بلد على ساحل بحر الشام، تعد في أعمال فلسطين، بينها وبين طبرية ثلاثة أيام، وبينها وبين يافا
ثلاثون ميلاً، وتسير منها مقدار ثمانية ف ا رسخ حتى تنتهي إلى مدينة صور، وكانت قيسارية قديماً من أعيان أمهات
621 (، أيضاً: الروض المعطار في / المدن، وكانت من أمنع مدن فلسطين ] انظر: معجم البلدان، الحموي، ) 6
. ] ) خبر الأقطار، محمد الحِميري، )ص 694
6( أرسوف: مدينة على ساحل بحر الشام بين قيسارية ويافا، كان بها خلق من الم ا ربطين ] معجم البلدان، الحموي،
. ] )151/1(
7( يافا: مدينة على ساحل بحر الشام )البحر الأبيض المتوسط(، من أعمال فلسطين، بين قيسارية وعكا، من أقدم
مدن العالم، افتتحها صلاح الدين عند فتحه الساحل في سنة 595 ه، ثم استولى عليها الافرنج في سنة 599 ه ثم
. ] )624/ استعادها منهم الملك العادل أبو بكر بن أيوب في سنة 510 ه ] انظر: معجم البلدان، الحموي، ) 5
61
اولتي كانت استعادتها قاصمة ظهر الصليبيين، وحدثت بسقوط أنطاكية ه زّة عظيمة في أوروبا
والممالك النص ا رنية في فلسطين) 1 . )
وقد ترك بيبرس بعد وفاته مملكة شاسعة مت ا رمية الأط ا رف، خلفه عليها "قالوون") 2 (، الذي
عمل على إكمال درب سلفه في تصفية الوجود الصليبي في فلسطين والمشرق العربي، فواصل
هجماته وشرّد فلول الصليبيين، ولم يبق سوى عكا، التي زحف قالوون من مصر نحوها، لكنه ت وفي
في الطريق إليها، فخلفه ابنه "الأشرف خليل") 3 ( الذي واصل زحفه إلى عكا وحاصرها وحررّها من
جديد عام 413 ه/ 1213 م، بعد احتلال صليبي لها دام مائة عام، ثم واصل تطهير ما تبقى من
جيوب الصليبيين ومعاقلهم في فلسطين، فتحقق زوال دولة الصليبيين من فلسطين في عهده، بعد
نحو مائتي عام على بدء الاحتلال الصليبي) 4 . )
إذاً، انتهت هذه الفترة التي امتدت نحو قرنين من الزمان، دارت فيها رحى حروب طاحنة
على أرض فلسطين بين أهل البلاد المسلمين وبين النصارى المحتلين، انتهت بهزيمة كبرى
1 651 (، أيضاً: / 039 (، أيضاً: البداية والنهاية، ابن كثير، ) 19 / ( انظر: العبر في خبر من غبر، الذهبي، ) 0
موجز تاريخ الحروب الصليبية، مصطفى وهبة، )ص 50 ( أيضاً: فلسطين التاريخ المصوّر، د. طارق سويدان،
- . ) )ص 199 194
2 ( قالوون ) 184 123 ه(: الالفي العلائي الصالحي النجمي، أبو المعالي، سيف الدين، السلطان الملك -
المنصور، أول ملوك الدولة القلاوونية بمصر والشام، والسابع من ملوك الترك وأولادهم بمصر، كان من المماليك،
فبجاقي الأصل، أعتقه الملك الصالح نجم الدين أيوب سنة 469 ه، قام بأمور الدولة في أيام العادل ابن الظاهر،
ثم خلع العادل، وتولى السلطنة منفردا سنة 499 ، وأغار التتار على بلاده، فقاتلهم وظفر بهم، وهاجم ملك النوبة
مدينة أسوان ونهبها، فأرسل إليه قلاوون من هزمه وغنم منه مغانم كثيرة، واستمر إلى أن توفي بالقاهرة، وكان من
أجل ملوك "المماليك" قد ا رً ومن أكثرهم آثا ا رً، شجاعاً، كثير الفتوحات، أبطل بعض المظالم، مدة ملكه إحدى عشرة
230 ( بتصرف [. - / سنة وثلاثة أشهر ] الأعلام، الزركلي، ) 5
3 140 ه(: خليل بن قلاوون الصالحي، الملك الأشرف صلاح الدين ابن السلطان الملك - ( الأشرف خليل ) 111
المنصور، من ملوك مصر، ولي بعد وفاة أبيه سنة 491 ه، واستفتح الملك بالجهاد، فقصد البلاد الشامية، وقاتل
الإفرنج، فاسترد منهم عكا وصور وصيدا وبير وت وقلعة الروم وبيسان وجميع الساحل، وتوغل في الداخل، وكان
شجاعاً مهيباً عالي الهمة جواداً، له آثار عم ا رنية، وللشع ا رء أماديح فيه، قتله بعض المماليك غيلة بمصر] الأعلام،
022 021 ( بتصرف يسير [ . - - / الزركلي، ) 2
4 400 (، أيضاً: تاريخ فلسطين / 64 (، أيضاً: البداية والنهاية، ابن كثير، ) 19 / ( انظر: تاريخ الإسلام، الذهبي، ) 51
. ) القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 195 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، سيد فرج ا رشد، )ص 141
63
للنصارى، وعودتهم إلى أوروبا دون تحقيق الحلم المريض في سلب "مهد المسيح" من أيدي
المسلمين.
المرحلة السادسة: مرحلة تواطؤ اليهود والنصارى:
عاشت فلسطين من جديد في أكناف المسلمين بعد اندحار الصليبيين عنها، ولكن المحاولات
الصليبية لم تتوقف، تماماً كما أن المحاولات اليهودية بدأت بالظهور من جديد بعد انتهاء الحروب
الصليبية، التي كانت فيها ساحة الن ا زل على أشدّها بين النصارى والمسلمين في ظل غياب تامّ
لليهود، في الظاهر على الأقل.
والعداء التاريخي بين اليهود والنصارى أشهر من أن يُنكر، وذلك على خلفية موقف اليهود
من عيسى ومن أتباعه؛ إذ كفروا بنبوة عيسى وبدعوته ومعج ا زته، وتآمروا على قتله
وصلبه، إلى أن رفعه الله إليه، ثم كادوا لأتباعه من بعده ) 1 .)
لكن، بعد انتهاء الحروب الصليبية، انتشرت في أوروبا ما تسمّى بحركة الإصلاح الديني
النص ا رني المعروفة ب )حركة البروتستانت(، على يد القسيس "مارتن لوثر") 2 (، وهذه الحركة هيّأت
الأوروبيين للقبول بعقائد جديدة تخالف تلك التي ورثوها عن كنيسة روما جيلاً بعد جيل، وحاولت
بعث عقائد قديمة غيّبها الزمن، كعقيدة "شعب الله المختار" الأمر الذي شكل انعطافاً حاداً في
1 - ، ( انظر: مكايد اليهود عبر التاريخ، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم/دمشق بيروت، ط 2
- . ) 1019 ه/ 1199 م، )ص 00 01
2 ( مارتن لوثر) 2541 2480 م(: زعيم حركة الإصلاح الديني الكنسي التي أدت إلى ميلاد البروتستانتية، وقد -
تجاوز تأثيره البروتستانتية وحتى النص ا رنية نفسها، قام بترجمة الكتاب المقدس إلى الألمانية، كما كان له أثر كبير
في تطور اللغة الألمانية الحديثة، عُين قسًّا عام 1539 م، في 1512 م حصل على الدكتو ا ره في اللاهوت، وفي
1519 م أعلن مبادئه التي هاجم بها ما يسمى صكوك الغف ا رن، وفضح فيها مفاسد الكنيسة، ونتيجة لذلك، أعلن
البابا "ليو العاشر" طرد لوثر واعتباره مارقاً، وحينما طلب الإمب ا رطور "تشارل الخامس" من لوثر الرجوع عن آ ا رئه
رفض ذلك، فوقَّع الإمب ا رطور وثيقة إدانة له تعتبره خارجاً على القانون وتبيح دمه، واستمر لوثر في الدفاع عن
آ ا رئه. وكتب العديد من الكتب في ذلك، وبلغ مكانة هامة في تاريخ النص ا رنية. ]انظر: الموسوعة العربية العالمية،
2311 م [. /13/ بتاريخ: 31
64
العلاقة اليهودية النص ا رنية، فتغير الحال من عداوة إلى قبول تدريجي ومن ك ا رهية إلى انسجام
وتعاطف متصاعد ) 1 . )
و يتضح للباحث أن هذا الانعطاف بدا واضحاً فيما تلا الحملات الصليبية، إذ كانت
الحملات الصليبية الأساسية سابقة الذكر تستهدف بلاد المسلمين والأرض المقدّسة خاصة، - -
غير أنها لم تستثن كما مرّ اليهود، بل استباحت كل "الكفرة"؛ وهم غير النصارى بنظر - -
الصليبيين.
إلاّ أن الحال تغ ير، فبدأت المحاولات الصليبية من جديد بعد ظهور حركة البروتستانت،
لكنها بدأت تتناغم مع أطماع اليهود في الأرض المقدّسة لأسباب وخلفيات عديدة.
فبعد الحسم العسكري الإسلامي للحملات الصليبية وتطهير عكا آخر معاقل الصليبيين عام
413 ه، عاشت فلسطين قروناً في ظلال الدولة الإسلامية على اختلاف مشارب حكّامها وملوكها،
ثم بدأت المحاولات الصليبية بشكل جديد عسكرياً وسياسياً، وبدعم وتعاون وتنسيق مع اليهود،
وتمثلت هذه المحاولت ووجوه التواطؤ فيما يلي:
- في ظل الحكم العثماني، احتلّ الامب ا رطور الفرنسي "نابليون بونابرت" فلسطين عام
1216 ه/ 1911 م، بدعم من اليهود، وأخذ يتوغل في فلسطين، وحاصر عكا، فاستعصت عليه،
واحتل مدناً عدة في فلسطين، ودعا اليهود إلى العودة إلى الأرض المقدّسة) 2 ( غير أن حملته فشلت
فانسحب في نفس العام من فلسطين) 3 .)
1 ( انظر: المسيحية البروتستانتية وعلاقتها بالصهيونية في الولايات المتحدة، ا رجح إب ا رهيم السباتين، رسالة
. ) ماجستير، إش ا رف: د. محمد أحمد الخطيب، الجامعة الأردنية/ عمّان، 2339 م، )ص 61
2 . ) ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 66
3 ( انظر: تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك، )ص 095 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، سيد فرج ا رشد،
. ) )ص 142 (، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 233
65
- وفي عام 1260 ه/ 1929 م ظهر ما يعرف بمشروع "موشيه مونتفيوري") 1 ( بمساعدة هامة
من بريطانيا وفرنسا بهدف الضغط على الدولة العثمانية للسماح باستيطان اليهود لفلسطين) 2 .)
- في عام 1901 م أقامت بريطانيا أول قنصلية غربية في القدس، وكرّست معظم جهودها
لحماية الجالية اليهودية فيها) 3 . )
- في عام 1241 ه/ 1965 م، طلبت بريطانيا علناً من الدولة العثمانية طرد سكان فلسطين و
توطين اليهود مكانهم، لكن لم يكتب لهذه المحاولة النجاح) 4 .)
- استمرت المحاولات لمساومة الدولة العثمانية في عهد السلطان عبد الحميد الثاني للسماح
لليهود بإقامة وطن قومي لهم في فلسطين، إلا أن السلطان رفض ذلك رفضاً قاطعاً، فكان ذلك
سبباً في عزله ونفيه واسقاط الخلافة الإسلامية) 5 .)
- في عام 1114 م عقدت كل من بريطانيا وفرنسا س ا رً الاتفاقية الأخطر على العالم العربي
وهي ما عرف بمعاهدة "سايكس بيكو") - 6 (، والتي نصّ ت على أن تكون فلسطين تحت الوصاية
1 ( موشيه مونتفيوري ) 2885 2784 م(: ثري ومالي بريطاني يهودي، زعيم الجماعة اليهودية في انجلت ا ر، حقق -
ثروة طائلة، مما أهله لتولي منصب عمدة لندن كأول يهودي يحصل على لقب "سير"، تفرغ للعمل من أجل أحوال
اليهود في شرق أوروبا والعالم الاسلامي، و ا زر فلسطين سبع م ا رت، وقدم لمحمد علي باشا عام 1909 م خطة
لتوطين اليهود في فلسطين، وقد ساهم في تأسيس بعض المستوطنات الز ا رعية في الجليل ويافا، وأسس أول حي
يهودي خارج أسوار القدس القديمة، نجح في إقناع السلطان العثماني بتقديم تسهيلات لليهود كالأجانب في عموم
الدولة العثمانية، أعاد اليهود عام 1190 م دفن جثمانه في أرض فلسطين المحتلة ] موسوعة اليهود، المسيري،
199/4 ( بتصرف [. - (
2 .) 199 (، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 230 / ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 ، ( انظر: تاريخ فلسطين الحديث، د. عبد الوهاب الكيالي، المؤسسة العربية للد ا رسات والنشر/بيروت، ط 13
. ) 1113 م، )ص 20
(4 انظر: القدس عربية إسلامية، سيد فرج ا رشد، )ص 140 (، أيضاً: فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان،
. ) )ص 236
5 . ) ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك )ص 65 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، سيد فرج ا رشد، )ص 146
6 ( عُقدت معاهدة "سايكس بيكو" بين بريطانيا وفرنسا لاقتسام المشرق العربي بينهما خلال الحرب العالمية -
الأولى، فقد توصّلت الدولتان الحليفتان إلى هذه المعاهدة في 14 مايو 1114 م، نتيجة محادثات سرّية دارت بين
ممثل بريطانيا "مارك سايْكس"، وممثل فرنسا "جورج بيكو"، اللذين عرضا نتائج محادثاتهما السرّية على روسيا
القيصرية، فوافقت عليها في مقابل اتفاق تعترف فيه بريطانيا وفرنسا بحقها في ضم مناطق معينة من آسيا الصغرى
بعد الحرب، وقد عُقدت هذه الاتفاقية بين بريطانيا وفرنسا في الوقت الذي قطعت بريطانيا فيه للأقطار العربية
عهودًا بالاستقلال لقاء قيام الشعوب العربية بمساندتها والوقوف إلى جانبها في الحرب العالمية الأولى ] الموسوعة
2311 م [ . /13/ العربية العالمية، بتاريخ: 12
66
الدولية) 1 . )
- احتلت بريطانيا القدس الشريف في ديسمبر عام 1119 م بعد الحرب العالمية الأولى، بعد أن
ظلت أربعة قرون في أيدي العثمانيين، وبالت ا زمن مع هذا الاحتلال صدر وعد بلفور الذي يعطي
الحق لليهود في فلسطين) 2 . )
- في بداية عام 1119 م دخلت إلى فلسطين أولى طلائع الكتائب اليهودية المتطوعة المقاتلة
تحت ال ا رية البريطانية) 3 .)
- تحت ح ا رسة ورعاية الدولة البريطانية المحتلة بدأ اليهود يتسربون إلى فلسطين عبر موجات
هجرة متفرقة منذ وعد بلفور وحتى قيام دولة اليهود على أرض فلسطين) 4 .)
- في عام 1169 م أقام اليهود دولتهم في فلسطين بعد أن سلّمتهم بريطانيا مدن فلسطين وق ا رها
الواحدة تلو الأخرى، في ظل دعم غربي نص ا رني كبير، خاصة من بريطانيا؛ التي كان لها
الدور الأهم في بيع فلسطين وتسليمها لليهود) 5 .)
ويتضح للباحث من خلال هذا الستع ا رض لتاريخ النصارى في الأرض المقدسة ما يلي:
أولً: إنّ جلّ أحداث هذا التاريخ وخاصة بعد الفتح الإسلامي تدور فيه المعركة على - -
أشدّها بين المسلمين والنصارى على أرض فلسطين، في غياب تام تقريباً لليهود عن مسرح هذه
الأرض سوى في الفصل الأخير الذي شهد تسليم الأرض من النصارى لهم.
1 . ) ( انظر: تاريخ فلسطين الحديث، د. الكيالي، )ص 99
2( انظر: القدس عربية إسلامية، سيد فرج ا رشد، )ص 146 (، أيضاً: تاريخ فلسطين الحديث، د. الكيالي،
2331 م، ، )ص 96 (، أيضاً: تاريخ فلسطين، عمر البرغوثي وخليل طوطح، مكتبة الثقافة الدينية/مصر، ط 1
.) )ص 241
3( انظر: تاريخ فلسطين الحديث، د. الكيالي، )ص 10 12 (، أيضاً: القدس عربية إسلامية، سيد فرج ا رشد، -
. ) )ص 146
(4 انظر: الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية، د. محسن محمد صالح، تقديم: د. محمد عمارة، الطبعة
.) المنقحة، 2330 م، )ص 5
(5 1099 ه/ 1151 م، )ص 29 22 (، أيضاً: - - ، انظر: كا رثة فلسطين مذك ا رت عبد الله التل، دار الهدى، ط 1
1096 ه/ 1146 م، ، خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل، دار القلم/بيروت، ط 1
- .) )ص 032 033
67
ثانياً: إنّ الفتح الإسلامي العظيم لفلسطين وخاصة القدس أوقف المذابح التاريخية - -
المروّعة بين اليهود والنصارى على هذه الأرض، وتجلّت عظمة الإسلام وسماحته في العصر
الذهبي الذي عاشته كافة الأديان على هذه الأرض قبل عودة الحروب الصليبية المدمّرة.
ثالثاً: إنّ معظم م ا رحل حكم النصارى لفلسطين كانت بسلطة علوية خارجية، وليس بحكم
محلي أساسي، أي أن فلسطين لم تكن يوماً عاصمةً للحكم النص ا رني، فتارة تكون ضمن أملاك
الإمب ا رطورية الرومانية، وتارة ثانية ضمن أملاك الإمب ا رطورية البيزنطية، وتارة ثالثة ضمن سيطرة
الاستعمار الصليبي الشامل.
ا ربعاً: لقد سطّر المسلمون ملاحمَ تاريخية وخاضوا معارك لا مثيل لها من أجل الحفاظ على
فلسطين وتحريرها من يد كل مستعمر وغاصب، بدءاً بأجنادين والفتح العمري المجيد، مرو ا رً
بمعارك حطين والقدس وعين جالوت، وتطهير فلسطين من الصليبيين، وصولاً إلى جهاد المسلمين
في فلسطين في عصرنا هذا.
خامساً: إنّ الأطماع الصليبية واليهودية في فلسطين كانت دوماً تتجلى في ظل حالة
الضعف والتشرذم التي تجتاح الأمة الإسلامية من زمن إلى آخر، واستغلّ الغ ا زة دوماً هذا التفرّق
من أجل زرع كيانهم في قلب الأمة تحت دعاوى دينية وتاريخية، وفي المقابل كان النصر حليف
المسلمين كلما انتصب قائدٌ مسلم وحاول توحيد الصفوف وتقدّم ب ا رية الجهاد ورفع لواء الإسلام.
68
المبحث الثاني
علاقة القدسية والبركة بالاعتقاد عند أهل الملل
ويتضمن مطلبين:
المطلب الأول: تقديس الأماكن والأخصال لدى ملل وفر
مختلفة
المطلب الثاني: أثر الاعتقاد بالقدسية والبركة عل السلو
والواقع
69
المطلب الأول
تقديس الأماكن والأخصال لدى ملل وفر مختلفة
إنّ الناظر في التاريخ البشري على مرّ العصور، وفي تاريخ الأديان المختلفة، يجد أن قضية
التقديس قد أخذت حيّ ا زً هاماً في وجدان وفكر وعقيدة الأمم والملل والنحل المختلفة، والباحث لا
يرغب في هذا المبحث أن يقف على تفصيل وتفنيد ومناقشة هذه العقيدة عند الملل المختلفة، فهذا
ليس من مقصود البحث، كما أن مناقشة عقيدة اليهود والنصارى والمسلمين في هذا الباب أي –
التقديس سيأتي في ثنايا هذا البحث بإذن الله في مواضعه. -
إنما المقصود هنا بيان بعض النماذج في تقديس أهل الفرق والملل للأماكن والأشخاص
وغير ذلك لبيان الأثر المترتب على هذا الاعتقاد بشكل عام.
وبعد الحديث سابق اً عن تعريف القدسية والبركة لغة واصطلاحاً وجد الباحث أن "الأرض
المقدّسة" كاصطلاح ثابت يدور على أرض فلسطين والشام وبيت المقدس والقدس بشكل خاص،
غير أن هذه المصطلحات القداسة والبركة وجدت عند الأمم والشعوب قديماً وحديثاً وسواء كان - -
هذا المقدس بش ا رً أو جبلا أو بيتاً أو نه ا رً أو بلداً، فالقداسة تختلف من أمة إلى أمة كل بحسب
اعتقاده.
واليك بعض هذه النماذج:
.2 تقديس السامريين لجبل "ج رزيم") 1 ( في نابلس:
" والسامريون أو "السامرة" هم فرقة من اليهود سكنوا جبال بيت المقدس وقرى من أعمال
مصر، أثبتوا نبوة موسى وهارون ويوشع بن نون عليهم السلام ، ولكنهم أنكروا نبوة من بعدهم - -
من الأنبياء إلا نبياً واحد اً " ) 2 .)
1 ( جبل جرزيم: جبل صخري يطل على نابلس ويواجه جبل "عيبال"، يرتفع 2961 قدماً فوق سطح البحر، و 933
. ] )021/ قدم فوق نابلس ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 515 516 ( بتصرف. - - / ( الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
71
وهم يقدّ سون جبل "ج رزيم" الذي يعني عندهم )الجبل المختار( الذي سيعود إليه الماشيّح) 1 ،)
وسبب تقديسهم إياه اعتقادهم بأنه الجبل الذي وقف عليه نبي الله إب ا رهيم لذبح ولده حين أُمر
بذلك، وقد بنى السامريون هيكلهم فوق هذا الجبل ليحجّوا إليه، ويقدّموا الق ا ربين عليه، وقد هدم
الرومان هذا الهيكل عام 49 م ) 2 . )
.2 تقديس المجوس لبيوت الني ا رن:
" المجوس هم عبدة النار القائلين أن للعالم أصلين نور وظلمة" ) 3 (، وهي ديانة وثنية لا ت ا زل
حية إلى عصرنا هذا، وتنتشر في مناطق في الهند و اي ا رن وباكستان وأوروبا وأمريكا الجنوبية) 4 .)
وهم يقدّسون النار، ويبنون لها بيوتاً يقدسونها أيضاً، وأول ما بني من هذه البيوت بيت نار
في طوس، ثم في سجستان وبخارى وفارس وأصبهان والصين، ثم انتشرت بيوت النار في كافة
أماكن تواجد المجوس، ومن أعظمها عندهم نار في خوارزم) 5 (، عظمها المجوس أكثر من
غيرها) 6 .)
" وسبب تعظيمهم للنار أنها في اعتقادهم جوهر علوي شريف، وأنها لم تحرق إب ا رهيم ،
ولظنّهم أنّ تعظيمها ينجيهم يوم المعاد، وهي قبلة ووسيلة واشارة لهم" ) 7 .)
1 . ] )216/ ( الماشيّح: كلمة عبرية تعني "المسيح المخلّص ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 . )012/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3 . )20/ 451 (، أيضاً: الجامع لأحكام الق آ رن، القرطبي، ) 12 / ( انظر: الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
4 2339 م، ،1 ، ( انظر: موسوعة الأديان الحية في العالم، عبد الرحيم مارديني، دار المحبة/دمشق، ط 1
.) )ص 109
5 ( طوس، وسجستان، وبخارى، وفارس، وأصبهان، والصين، وخوارزم، كلها بلاد في أسيا، جلّها مما كان يطلق
عليه بلاد ما و ا رء النهرين التي فتحها المسلمون في القرن الهجري الأول، أما فارس فهي البلاد المعر وفة اليوم
2311 م [. /11/ بإي ا رن ] انظر: الموسوعة العربية العالمية، بتاريخ: 15
6 - . )450 451/ ( انظر: الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
7 - . )455 456/ ( المصدر السابق، ) 1
70
.0 تقديس الهندوسية لنهر الغانغ) 1 :)
الهندوسية ديانة قديمة جداً في بلاد الهند، ما ت ا زل قائمة، ولها طقوسها الخاصة وتقاليدها
الغريبة، ويعتقد معتنقوها بتعدد الآلهة، والتناسخ، ولهم كتاب مقدس, وهم يعتقدون بقدسية )نهر
الغانج(؛ لذا فإنهم يحجّون إليه للتطهر والتبرّك بمائه، ويلقون فيه رماد جثث موتاهم بعد حرقها) 2 .)
" ويحج الهندوس إلى الأنهار المقدسة، ويزور ملايين الحجاج الهنود سنوياً كهفاً في جبال
)الهيمالايا() 3 ( بكشمير) 4 (، يسمى )كهف امارناث(، حيث يقدّسون صخو ا رً صنعها الجليد على
ارتفاع 0093 مت ا رً " ) 5 . )
كما أن هناك 52 موضعاً آخر للحج في شبه القارة الهندية، ويعتبرها الهندوس مواطناً
للآلهة، كما يقدّسون البقرة، ويتبركون ببولها وروثها ولبنها، ويحرّمون ذبحها تحريماً شديداً
ويعتبرونها كائناً مقدّس اً) 6 ( ) 7 . )
1 ( نهر الغانغ: أحد أكبر أنهار الهند، ينتهي في بنجلاديش، يبلغ طوله 2513 كلم، وينبع من جبال الهملايا ]
موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: نهر_الغانغ wikipedia.org/wiki/ 2312 م[ . /32/ ، بتاريخ: 26
2 . ) ( انظر: موسوعة الأديان الحية في العالم، عبد الرحيم مارديني، )ص 119
3 ( الهيماليا: جبال تمر خلال خمس دول آسيوية، هي الصين والهند ونيبال وباكستان وبوتان و طاجيكستان،
وهي مصدر لثلاثة أنهر من الأنهار الرئيسة في العالم وهي نهر السند، ونهر الغانغ ونهر ينجتزي، والتي يعتمد
على مياهها 953 مليون إنسان ممن يعيشون على ضفاف هذه الأنهار ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط:
هيمالايا wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /39/ ، بتاريخ: 13
4 ( كشمير: كشمير هي المنطقة الجغ ا رفية الواقعة ما بين الهند وباكستان والصين في شمال شرق آسيا، وتاريخي اً،
تعرف كشمير بأنها المنطقة السهلة في جنوب جبال الهملايا من الجهة الغربية، احتلت كشمير من طرف الصين
اولباكستان والهند ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: كشمير wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /39/ ، بتاريخ: 13
5 2339 م، ، ( لمحات عن أديان العالم، ترجمة وتعليق: صادق عبد علي الركابي، مكتبة مدبولي/ القاهرة، ط 1
. )199/ )ص 194
6 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 191
7 ( يبلغ عدد الهندوس في العالم نحو 941.491.333 نسمة، أي ما يعادل نحو 12.9 % من سكان العالم ]انظر:
. ] ) موسوعة الأديان الحية في العالم، مارديني، )ص 111
71
.4 تقديس البوذيين لبوذا:
البوذية ديانة وضعية قديمة قامت وانتشرت في بلاد الهند، تشابه في طقوسها وتعاليمها
الديانة الهندوسية، أسسها "بوذا" أي المستنير، الذي ادّعى أتباعه أنه حلّت فيه صفة علوية جعلته
)الرجل الكامل الواحد المقدّس المبارك(، ووصل الحال بالبوذيين إلى تقديسه وتمجيده حياً
وميت اً) 1 - ( ) 2 .)
.5 تقديس الشيعة لأئمتهم وم ا رقدهم:
" الشيعة هي اسم لكل من فضّل علياً على الخلفاء ال ا رشدين قبله، و أ رى أن أهل البيت أحق
بالخلافة وأن خلافة غيرهم باطلة" ) 3 . )
والشيعة يقدّسون أئمتهم، ويضعونهم في مكانة تفوق مكانة الأنبياء والملائكة، وتقترب من
الألوهية، فمن ذلك أن الأئمة اسم الله الأعظم، وأنهم لا يموتون إلا بمشيئتهم واختيارهم، وأنهم
يعلمون الغيب، وعندهم كل الكتب التي نزلت من الله ، وأنّ الملائكة تزورهم وتك لّمهم) 4 .)
كما يقدّسون تربة كربلاء) 5 ( التي يسمونها "التربة الحسينية" إذ يحتفظ كل شيعي بقدر منها
في بيته غالبا ويتبركون بها، ويسجدون عليها في صلاتهم ويقبّلونها ويأكلون بعضاً منها - – –
استشفاءً وينقل ونها معهم في أسفارهم) - 6 .)
1 - . ) ( انظر: موسوعة الأديان الحية، مارديني، )ص 236 232
2 ( يبلغ عدد البوذيين في العالم نحو 050.916.333 نسمة، أي ما يقارب 4% من عدد سكان العالم ] انظر:
. ] ) المصدر السابق، )ص 236
3 ( انظر: فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها، د. غالب بن علي عواجي، دار لينة للنشر
. )193/ 1619 ه/ 1119 م، ) 1 ، والتوزيع/مصر، ط 0
4 290/ ( انظر: أصول الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، دار التعارف/بيروت، ط )بدون(، 1611 ه/ 1113 م، ) 1
- . )059 ،010 013 ،294،
5( كربلاء: هو الموضع الذي قتل فيه الحسين بن عليّ ، في طرف البرّيّة عند الكوفة في أرض الع ا رق ] معجم
665 ( بتصرف يسير [ . - / البلدان، الحموي، ) 6
6 1639 ه/ 1199 م، )ص - ، ( انظر: الشيعة والتصحيح الص ا رع بين الشيعة والتشيع، موسى الموسوي، ط 1
.)115
73
.1 تقديس الدروز للعبيدي) 1 :)
" الدروز: هي طائفة من غلاة الباطنية، ذات أفكار واعتقادات كفرية" ) 2 . )
ويقدس الدروز ويؤلّهون الحاكم بأمر الله العبيدي) 3 (، ويصل بهم الحال إلى تنزيهه عن الأم
والولد والعم والخال، ويصفونه بأنه "لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد") 4 .)
كما أن الدروز لا يحجّون إلى الكعبة المشرفة، إنّما يحجّون إلى )خلوة البياضة( في بلدة
حاصبية) 5 ( في لبنان، والى )الكنيسة المريمية( في قرية معلولا) 6 ( بمحافظة دمشق في سوريا) 7 . )
.7 تقديس البهائيين لعكا:
" البهائية هي إحدى الحركات الهدّامة التي تتظاهر بالانتماء إلى الإسلام، وتسعى لهدمه،
ولها اعتقادات كفرية، وتربطها باليهود والصهيونية علاقات حميمة" ) 8 . )
1 ( الحاكم العبيدي: هو أبو علي منصور الحاكم بأمر الله بن العزيز بالله ن ا زر بن المعز بالله معد بن المنصور
بالله إسماعيل بن القائم بأمر الله محمد بن المهدي عبيد الله العبيدي الفاطمي، )ت: 612 ه(، المغربي الأصل
المصري المولد والدار والمنشأ الثالث من خلفاء مصر من بني عبيد، قال الحافظ أبو عبد الله الذهبي في تاريخه:
كان جواد اً، خبيثاً ماك ا رً، رديء الاعتقاد، سفاكاً للدماء، قتل عدداً كبي ا رً من كب ا رء دولته، أمر بكتب سب الصحابة
290 (، أيضاً: النجوم ال ا زهرة في ملوك مصر / على أبواب المساجد والشوارع ] تاريخ الإسلام، الذهبي، ) 29
والقاهرة، جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردى الأتابكي بردي، تحقيق ونشر: و ا زرة الثقافة الإرشاد
.] )199/ القومي/مصر، ط)بدون(، ) 6
2 ( الحركات الباطنية في العالم الإسلامي عقائدها وحكم الاسلام فيها، د. محمد أحمد الخطيب، مكتبة -
. ) 1634 ه/ 1194 م، )ص 111 ، الأقصى/عمان، ط 2
3 . ) ( المصدر السابق، )ص 233
4 . ) ( المصدر نفسه، )ص 209
5( حاصبية: حاصبيا هي إحدى القرى اللبنانية ومركز قضاء حاصبيا في محافظة النبطية، هي العاصمة التاريخية
لوادي التيم التي حكمها الشهابيون ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: حاصبية wikipedia.org/wiki/ ، بتاريخ:
2310/39/13 م [ .
6( معلول: شمال غرب دمشق على بعد 53 كم، وترتفع عن سطح البحر بحوالي 1533 متر، اسمها يعني المكان
المرتفع ذو الهواء العليل حسب اللغة السريانية التي ما ا زل سكان معلولا يتحدثون بها ] موسوعة ويكيبيديا الحرة،
ا ربط: معلولا wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /39/ ، بتاريخ: 13
7 .) ( انظر: لمحات عن أديان العالم، صادق الركابي، )ص 606
8 . )511/ ( انظر: فرق معاصرة، عواجي، ) 1
74
والبهائيون يقدّسون مدينة عكا، وخاصة )قصر البهجة( فيها، والذي هو قبلة البهائيين
وكعبتهم حسب أمر الله وا ا ردته بزعمهم ) - – 1 (، كما يحجّون إلى شي ا رز) 2 ( التي وُلد فيها الشي ا رزي) 3 .)
خلاصة المطلب:
أولً: عرفت الأمم والملل فرقاً وجماعات وديانات تقدّس أشياءً وأماكن وأشخاصاً، وتتخذ لها
رمو ا زً دينية تمثّل بالنسبة إليها النموذج المقدّس .
ثانياً: مسألة التقديس مرتبطة بالدين بشكل أساس، وغالباً ما تدخل فيها الخ ا رفات والأساطير،
وكثي ا رً ما تتنافى مع العقل والمنطق.
1 . )524/ ( فرق معاصرة، عواجي، ) 1
2( شي ا رز: مدينة إي ا رنية، وهي مركز محافظة فارس ومقاطعة شي ا رز، وتعد سادس أكبر مدينة في إي ا رن، لقبت
ب"دار العلم" في أيام الدولة الصفوية لكثرة رجال الدين فيها آنذاك، كانت عاصمة لعدة دول تاريخية، كالدولة
الصفارية والدولة البويهية والدولة الزندية ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: شي ا رز wikipedia.org/wiki/ ، بتاريخ
2312/6/5 م [ .
3( الشي ا رزي: زعيم البابية الأول، هو علي بن محمد رضا الشي ا رزي، ولد سنة 1205 ه في شي ا رز، أعلن عام
1243 ه أنه هو الباب الموصل للإمام الغائب عند الشيعة، اعتُقل في إي ا رن لمدة ثلاث سنوات بسبب جهره بمبادئه
الكفرية، ثم أُعدم مع كبار أتباعه في شعبان 1245 ه/ 1961 م ] انظر: البابية عرض ونقد، إحسان إلهي ظهير،
. ] ) 1191 م، )ص 12 /1631 ، دار ترجمان السنة/باكستان، ط 0
75
المطلب الثاني
أثر الاعتقاد بالقدسية والبركة عل السلو والواقع
بعد استع ا رض بعض النماذج من تقديس أقوام لأماكن مخصوصة، وشخوص، وأشياء
بعينها، فإننا لابد وأن نبحث في العلاقة بين التقديس والسلوك.
" والشيء المقدَّس ليس مقدَّس اً في ذاته وانما نظ ا رً لارتباطه بمصدر القداسة واشارتها له، ولذا
فإن ما قد يكون مقدَّس اً في مجتمع قد يكون مدنَّس اً في مجتمع آخر") 1 .)
فمن البديهي أنّ الاعتقاد لا بد وأن يُبنى عليه عمل، والا كان نظرية لا حظّ لها من التطبيق
على أرض الواقع وفي حياة الناس، ومن هنا نجد أن اعتقاد أهل الديانات والملل والطوائف لقداسة
أماكنهم وزعمائهم وأشيائهم له أثر واضح في حياتهم وسلوكهم وواقع حالهم.
واذا أردت أن تحصر هذه الآثار فإنها قد تستوعب كل مناحي حياة هذه الأمم والجماعات،
وربما لاحتاج كل قسم من هذه الآثار إلى بحث مستقل، لكن الباحث سيقف بإيجاز على أثرين
مهمّين في فهم الباحث واللذان يوضحان بالغ التأثير لهذا العتقاد، سواء كان هذا التأثير - –
إيجابياً أو سلبياً:
.2 الاعتقاد بالتقديس يوثق العلاقة بين الأرض والإنسان:
فالذي يعتقد بقدسية الأرض والمكان، يرتبط بهما ارتباطاً وثيقاً، فلو نظرت مثلاً إلى
المسلمين، تجد س ا رً من أس ا رر الخالق في ربط قداسة الكعبة المشرّفة والأرض الح ا رم بالإنسان
في قوله على لسان خليله : } رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا
. ) لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ {) إبراهيم/ 09
1 . )111/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 1
76
" قال ابن عباس ومجاهد: لو قال )أفئدة ال ناس( لازدحمت عليه فارس والروم والترك
والهند واليهود والنصارى والمج وس!!، ولكن قال: }مِّنَ النَّاسِ{، فه م المسلمون؛ فقوله: }تَهْوِي
إِلَيْهِمْ{ أي تحنّ إليهم، وتحنّ إلى زيارة البيت، وق أ ر مجاهد: }تَهْوَى إِلَيْهِمْ{، أي: تهواهم وتج لّهم") 1 .)
وهذا الدعاء لله ، جعل من هذه البقعة المباركة المقدّسة جامعةً للدين والدنيا، " أما الدين:
فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى الذهاب إلى تلك البلدة بسبب النسك والطاعة لله ، وأما الدنيا:
فلأنه يدخل فيه ميل الناس إلى نقل المعاشات إليهم، بسبب التجا ا رت، فلأجل هذا الميل ي تّسع
عيشهم ويكثر طعامهم ولباسهم" ) 2 . )
وهذا الأثر للتقديس )أي الارتباط بالأرض( ينطبق على غير مكّة من الأماكن المقدسة لدى
المسلمين؛ كالمسجد النبوي في المدينة، وبيت المقدس في فلسطين.
وما تقدّم من كلام يعدّ تأثي ا رً إيجابياً للقداسة في الارتباط بالأرض المقدّسة، إذ جاءت قداستها
من قبل الله .
ويمكن قطعاً أن يكون هذا التأثير سلبياً، فيلاحظ الباحث مثلا أن الارتباط بالأرض - - –
بسبب اعتقاد قدسيتها هو هدف من أهداف اليهود والصهيونية كما سيأتي فهم يروّجون منذ - - –
زمن بعيد فكرة القداسة لأرض )إس ا رئيل( أو )أرض الميعاد(، وارتباطها بالإنسان اليهودي )شعب
الله المختار(، وبالتالي فإنّ هذا الت رويج الديني لدى اليهود يقصد منه تثبيت الشعور الوجداني لهذا
الشعب المزعوم وربطه دوماً بأرض الله الموهوبة بزعمهم. –
ومما سبق في المطلب الأول من نماذج للاعتقاد بالتقديس، تجد أنّ السامريين يرتبطون - –
منذ مئات السنين بأرض "جرزيم"، ويعتبرونها من ثوابت عقيدتهم وأصول دينهم، ويسكنون هذه
الأرض، ديانةً وتمسكاً بتلك القدسية المزعومة.
1 . )090/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 1
2 . )139/ ( التفسير الكبير، ال ا رزي، ) 11
77
وليس بعيداً عنهم ي ا ربط البهائيون حول قصر البهجة بعكاّ، ويحجّون إليه، متمسكين به مكاناً
وأرضاً.
والى الشمال منهم تهوي أفئدة الدروز إلى "حاصبية" و"معلولا"، و يتعصبون للكنيسة
"المريمية" و"خلوة البياضة".
وشرقاً يحج الشيعة إلى "كربلاء المقدسة" بزعمهم ويعتبرون أن ولوجها شرف ومغنم - -
عظيم، دونه فقد الأموال والأبناء وازهاق الأنفس، متمسحين بتربتها، متبركين بحجارتها، متوافدين
إليها من كل أماكن تواجدهم.
وأولئك الهندوس والبوذيون في أقاصي الشرق يفنون أعمارهم وأجسادهم ثمناً لاعتقاداتهم،
ويحجّون بالملايين نحو صخور وجبال وأنهار وأصنام وبقر، ويتمسحون بها ويعتكفون حولها
وتشرئب أعناقهم لها ويلتفّون حولها، لاعتقادهم بعظيم نفعها وبركتها وقدسيتها!!
ويقاس ما ترك الباحث على ما ذكر، ويتضح جلياً لكل ناظر أن من لوازم الاعتقاد بقدسية
وشرف وبركة ومكانة الأرض، التمسك بها والدفاع عنها والتشبث بها شج ا رً وحج ا رً وترباً وماءً.
.2 الاعتقاد بالتقديس وأثره في الغلو:
لا شكّ أنّ الاعتقاد بقدسية شخصٍ أو حجر أو قبر أو مكان، يدفع بعض الأتباع والدهماء -
بل وبعض الخواصّ إلى الغلوّ ومجاوزة الحدّ في تعظيم أمر هذا المقدَّس حتى يجعلوا له قد ا رً -
يفوق مكانة ما هو أفضل منه.
وقد ورد في القرآن الكريم بيان غلوّ المشركين في آلهةٍ عبدوها من دون الله ، وكان أصلها
أشخاص أو جمادات، إذ قال : }أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى*وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى*أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ
الْأُنثَى* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزَى*إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاء سَمَّيْتُمُوهَا أَنتُمْ وَآبَاؤُكُم مَّا أَنزَلَ اللَّهُ بِهَا مِن سُلْطَانٍ إِن يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ
- . )20 وَمَا تَهْوَى الْأَنفُسُ وَلَقَدْ جَاءهُم مِّن رَّبِّهِمُ الْهُدَى{ )النجم/ 11
78
وقد قيل: إنّ "اللات" كانت صخرةً بيضاء منقوشة، وقيل: كان رجلاً يلتّ السويق للحجاج
بمكّة، و"العزى": شجرة كان عليها بناء وأستار، و"مناة": صنمٌ بين مكّة والمدينة، وقد عبدت العرب
هذه الأصنام والأوثان) 1 . )
وقد حذر النبي أمّ ته من أمر الغلوّ وأخبرها عن أحوال الأمم السابقة في هذا الغلو
وأسبابه.
فقد ذُكر لرسول الله أمر كنيسة شاهدها المسلمون، وما احتوته من صور وتماثيل، فَقَالَ
رَسُولُ اللهِ )أُولَئِكَ قَوْ م إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا
وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكَ الصُّوَرَ أُولَئِكَ شِ اَ ررُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ ( ) 2 . )
" ولا تكاد توجد جماعة إنسانية ضربت بهم في الحضارة إلا وفي نسيج حضارتها ما يقابل
المسجد عند المسلمين، أو )البيعة( عند النصارى، أو )الصلوة( عند اليهود، كما هو الحال عند
قدماء المصريين والهنود والفرس والإغريق... ويطلق عادة على هذه الأماكن لفظ )معبد( أو ما
يشبهه") 3 . )
قال ابن تيمية رحمه الله: " نهى رسول الله – عن بناء المساجد على القبور، ولعن من
فعل ذلك، ونهى عن تكبير القبور وتشريفها، وأمر بتسويتها، ونهى عن الصلاة إليها وعندها، وعن
إيقاد المصابيح عليها، لئلا يكون ذلك ذريعة إلى اتخاذها أوثان اً، وحرم ذلك على من قصد هذا ومن
لم يقصده بل قصد خلافه؛ سد اً للذريعة" ) 4 . )
1 . )034/ ( انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 6
2( متفق عليه، البخاري: كتاب الصلاة، باب الصلاة في البيعة، برقم: 606 ، )ص 41 (، مسلم: كتاب المساجد
ومواضع الصلاة، باب "النهي عن بناء المساجد على القبور واتّخاذ الصّور فيها، والنهي عن اتّخاذ القبور مساجد"،
. ) برقم: 529 ، )ص 269
3 . )509/ ( مجلة البحوث الإسلامية، ) 2
4 195 ( بتصرف يسير . - / ( الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ) 4
79
وعن ابن عبّاس قال: قال رسول الله : ) لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ
أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ ( يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا ) 1 . )
قال ابن تيمية رحمه الله: " ولم يكن في الصحابة والتابعين والأئمة والمشايخ المتقدمين من –
يقول إن الدعاء مستجاب عند قبور الأنبياء والصالحين، ولا مطلقا ولا معين اً، ولا فيهم من قال إنّ
دعاء الإنسان عند قبور الأنبياء والصالحين أفضل من دعائه في غير تلك البقعة، ولا أن الصلاة
في تلك البقعة أفضل من الصلاة في غيرها، ولا فيهم من كان يتحرى الدعاء ولا الصلاة عند هذه
القبور" ) 2 . )
ويتضح مما سبق من آيات وأحاديث أنّ الإسلام جاء لينظّم أمر التقديس، وأن يجعل
المقدّسات جميعها مبنية على أساس التوحيد الخالص لله ، إذ هو مصدر هذه القداسة وحده، كما
سياتي عند بيان مفهوم القداسة والتقديس عند المسلمين في الفصل الثالث من هذا البحث.
ففي مقابل الغلو عند المشركين وتخبّطهم في رفع مكانة مقدّساتهم الشركية، جاء الإسلام
فبيّن أنّ للكون رباً واحداً هو الأحقّ بالتعظيم والتمجيد والتقديس، فقال في نهاية السورة التي
جاءت على ذكر اللات والعزى: }فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا {)النجم/ 42 (، وكان قد بيّن لهم في مطلع
ذات السورة أنّ لهم نبياً خاتماً هو محمد – هو المعصوم المب لّغ لوحي السماء، فقال - : }مَا
6(، وبين لهم في ذات – - ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا ينَطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{ )النجم/ 2
السورة أيض اً أنّ لهم كتاباً خالداً هو الأجدر بالتقديس والتطبيق، واستنكر عليهم الاستهانة به -
وتجاهله، فقال - : }أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ*وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ*وَأَنتُمْ سَامِدُونَ{)النجم/ 51
. )41
1 ( متفق عليه، البخاري: كتاب الصلاة، بابٌ، برقم: 605 ، )ص 41 (، مسلم: كتاب المساجد ومواضع الصلاة،
، باب "النهي عن بناء المساجد على القبور واتّخاذ الصّور فيها، والنهي عن اتّخاذ القبور مساجد"، برقم: 521
. ) )ص 269
2 . )624/ ( الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ) 2
81
هذان الأث ا رن من آثار الاعتقاد بالتقديس هما مما استوقف الباحث أثناء د ا رسته للمسألة.
ولا شك أنّ هناك آثا ا رً أخرى كثيرة، ليس هنا مجال التفصيل فيها والتمثيل، وبعض هذه
الآثار إيجابية )إذا كان المقدّس مصدره الدين الحقّ(، ومنها: الطمأنينة والسكينة إلى الأماكن
المقدّسة حقاً، والتي باركها الله ، وهذه الطمأنينة ناتجة عن اليقين بمعيّة الله وتأييده،
واستشعار عظمة المكان أو الزمان أو ما شابه، كزيارة المسجد الح ا رم والطواف بالكعبة، لقوله :
}إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ { )آل عمران/ 14 ( ، " مبارك اً: أي كثير الخير،
لما يضاعف فيه من ثواب العبادة، قاله ابن عباس ، وقيل: لأنه يغفر فيه الذنوب لمن حجّ ه
وطاف به واعتكف عنده، وقيل: بركته دوام العبادة فيه ولزومها" ) 1 . )
وهناك آثا ر أخرى سلبية أخرى بخلاف ما تقدّم، ومنها مثلاً بحسب فهم الباحث: -
.2 الشرك بالله ، وتقديس المخلوقين، ووصفهم بما لا يجوز إلا للخالق.
.2 القتل واستباحة الخصوم وانتهاك المحرّمات دفاعاً عن مقدّسات مزعومة.
.0 تعطيل العقل؛ بنسبة القدسية إلى أشخاص يتبعهم الناس على غير بصيرة.
.4 الرضا بالظلم، والرضوخ للعدوان من أصحاب المقامات المقدّسة المزعومة.
خلاصة المطلب:
أولً: إن لمسألة التقديس والاعتقاد بالقداسة آثا ا رً عملية في الواقع، تتجلى على أفكار البشر
وسلوكياتهم ومعاملاتهم، فهي ليست مسألة نظرية تبقى حبيسة الكتب.
ثانياً: هناك آثار إيجابية للتقديس المرتبط بالوحي، والذي لا تلاعب للبشر فيه، كما أن هناك
آثا ا رً سلبية للتقديس البشري، الذي جاء بأهواء البشر، ومن خلاصات عقولهم القاصرة.
1 5( بتصرف يسير . – / ( روح المعاني، الألوسي، ) 6
80
الفصل الأول
عقيدة اليهود في الأ سة
ّ
رض المقد
وفيه أربعة مباحث:
المبحث الأول: العوامل المؤثرة عل العقيدة اليهودية
المبحث الثاني: عقيدة اليهود في الأرض المقدسة والرد
عليهم
المبحث الثالث: الصهيونية وعلاقتها بعقيدة اليهود في
سة
ّ
الأرض المقد
المبحث الرابع: رثار العقيدة اليهودية في الأرض المقدسة
81
المبحث الأول
العوامل المؤثرة عل العقيدة اليهودية
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مصادر الفكر اليهودي
المطلب الثاني: المؤثرات والظروف الموضوعية
المطلب الثالث: مناقشة مصادر العقيدة اليهودية
83
المطلب الأول
مصادر الفكر اليهودي
لا شك أن مصادر الفكر اليهودي التي تشكل الملهم والدافع لليهود في عقيدتهم وشريعتهم
وسلوكياتهم هي مصادر تعرضت كما تاريخ اليهود للكثير من الاضط ا رب والأخذ والردّ والجدل – –
والتخبط، إذ لا يجد الباحث في شأن اليهود أدنى عناء في اكتشاف ذلك وملاحظته، كما أنّ هذه
المصادر ليست ثابتة وباتّة ونهائية، بل اعت ا رها في كل مرحلة شيءٌ من التغيير والتبديل، فضلاً
عن الخلاف القائم حول نسبتها وفت ا رت تدوينها وقداستها، وغير ذلك مما سيأتي في هذا الفصل.
وتتلخص مصادر الفكر اليهودي في أربعة أقسام أساسية:
.2 العهد القديم "التو ا رة".
.2 التلمود.
.0 فتاوى الأحبار "الحاخامات".
.4 بروتوكولات حكماء صهيون.
وسيتناول الباحث في هذا المطلب بشيء من التفصيل هذه الأقسام الأربعة مرتبة حسب
الأهمية التاريخية والدينية.
أولاً: العهد القديم "التوراة" :
" شريعة اليهود كلّهم أساسها وملاكها تو ا رتهم، بأسفارها الخمسة الأكثر أهمية وكلّهم - –
يقدسونها؛ لأنهم ينسبونها إلى نبي الله موسى ( 1 (، ويعتقدون أ نها أوحيت إليه من ربّه على جبل
الطور في سيناء، فس لّمها إلى قومه مكتوبة كما تل قّاها" ) 2 . )
1 ( ورد ذكر التو ا رة في القرآن الكريم ) 19 ( مرة.
2 1631 ه/ 1191 م، ، ( كنوز التلمود، س. ليفي، ترجمة: محمد خليفة التونسي، مكتبة دار البيان/الكويت، ط 1
. ) )ص 11
84
والتو ا رة في الأصل عندنا نحن المسلمين هي كتاب الله - – المنزل على سيدنا موسى
، والقرآن الكريم عرّفنا بالتو ا رة الحق، وقال فيها : }وَكَيْفَ يُحَكِّمُونكََ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا
حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِن بَعْدِ ذَلكَِ وَمَا أُوْلَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ* إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ
- .) أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ {) المائدة/ 66 60
لكنّ القرآن الذي أخبرنا عن التو ا رة أخبرنا كذلك أنها حُرّفت وغُيّرت وتلاعب بها اليهود، إذ
قال تعالى: }فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا
. ) ذُكِّرُواْ بِهِ { )المائدة/ 10
" والتو ا رة التي يؤمن بها اليهود اليوم على أنها تو ا رة موسى ، هي الأسفار الخمسة
الأولى من العهد القديم في الكتاب المقدس، وهي أسفار: ) التكوين الخروج اللاويين العدد – – –
التثنية( " ) - 1 .)
" لكن بعض اليهود والنصارى وغيرهم يطلقون كلمة "التو ا رة" على العهد القديم كلّه؛ بل إنّ
حاخامات) 2 ( اليهود وسّعوا تدريجياً لفظة "التو ا رة" للخلط بين الوحي الإلهي والتفسير الحاخامي، فقالوا
بأنّ هناك تو ا رتان أو شريعتان، واحدة مكتوبة تلقاها موسى على جبل سيناء، والأخرى شفوية
يتناقلها الحاخامات عن موسى ولها نفس قداسة التو ا رة المكتوبة! " ) 3 ( ، وعموماً " فعلماء
)الكتاب المقدس( مجمعون على أنّ "العهد القديم" جرى وضعه خلال وبعد النفي البابلي" ) 4 .)
1 1631 ه/ 1191 م، ، ( الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبد الغفور عطار، مكة المكرمة، ط 1
. )005/2(
2 ( الحاخام: كلمة عبرية معناها "الرجل الحكيم أو العاقل"، وهو القائد الديني للجماعة اليهودية، والحاخامات هم
فقهاء اليهود المفسّرون لنصوص التو ا رة والتلمود والمشرفون على الصلوات في المعبد ] موسوعة اليهود، المسيري،
222/5 ( بتصرف [ . - (
3 99 ( بتصرف. - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4 .) 1019 ه/ 1199 م، )ص 23 ، ( التو ا رة تاريخها وغاياتها، ترجمة وتعليق: سهيل ديب، دار النفائس/بيروت، ط 1
85
وبما أن التو ا رة كمصطلح قد توسع فيه اليهود، فيجدر أن يشير الباحث إلى أقسام - -
التو ا رة على اعتبار أنها كل أسفار العهد القديم، وهي:
القسم الأول: الأسفار الخمسة:
وهي تلك التي يمكن أن تُسمّى )الت و ا رة الأساسية(، على اعتبار أنّ التو ا رة ليست إلا جزءاً من
العهد القديم) 1 . )
وهذه الأسفار هي) 2 :)
.2 سفر التكوين: ويتحدث عن إقامة بني إس ا رئيل في مصر وميلاد موسى ، وتجلي الله
له، ونزول الوصايا العشر، وعبادة بني إس ا رئيل للعجل.
.2 سفر الخروج: وهو مخصص لخروج بني إس ا رئيل من مصر وهلاك فرعون.
.0 سفر اللاويين: ويختص بالتشريع والطقوس والق ا ربين والأعياد وغيرها.
.4 سفر العدد: يتحدث عن إحصائيات )شعب إس ا رئيل( وقبائله، وفترة سيناء، حتى دخول
الأرض المقدّسة.
.5 سفر التثنية: يحوي تك ا رر الشريعة، ووصية موسى وأيامه الأخيرة.
القسم الثاني: أسفار الأنبياء:
ويضم هذا القسم واحداً وعشرين ) 22 ( سف ا رً مقسمةً إلى ثلاثة أج ا زء كالتالي) 3 :)
الجزء الأول/ الأنبياء المتقدمون: )ستة أسفار(، وتبحث مجتمعة تاريخ بني إس ا رئيل بعد وفاة
موسى حتى العودة من السبي البابلي إلى "أورشليم"، وبناء الهيكل م رّة ثانية، ويضمّ هذا الجزء:
سفر يشوع )الذي مكّ ن لبني إس ا رئيل في أرض كنعان(، وسفر القضاة )الذين تولوا الأمر بعد
1 . ) ( انطر: اليهودية، د. شلبي، )ص 203
2 . ) 1199 م، )ص 109 ، ( انظر: اليهود تاريخاً وعقيدة، د. كامل سعفان، دار الاعتصام/القاهرة، ط 2
3 ( انظر: اليهود تاريخاً وعقيدة، د. كامل سعفان، )ص 109 (، أيضاً: بنو إس ا رئيل، محمد بيومي مه ا رن، دار
. )12/ 1111 م، ) 0 ، المعرفة الجامعية/مصر، ط 1
86
يشوع(، وسفرَي صموئيل الأول والثاني )يتناولان أيام صموئيل آخر القضاة وعهد شاؤول وداود من
الملوك(، وسفري الملوك الأول والثاني )ويتناولان تاريخ الملوك حتى السبي البابلي(.
الجزء الثاني/ الأنبياء المتأخرون: )ثلاثة أسفار(، وهي: ] اشعياء، وارمياء، وحزقيال [ .
الجزء الثالث/ الأنبياء الاثنا عشر: )اثنا عشر سف ا رً(: وهي: ] هوشع، يوئيل، عاموس،
عوبديا، يونان، ميخا، ناحوم، حبقوق، صفنيا، حجاي، زكريا، ملاخي [.
وقد اعتُبرت أسفار الأنبياء هذه قانونية نحو عام 233 ق.م .
القسم الثالث: الكتابات والأشعار:
" وتشمل ثلاثة عشر سف ا رً وهي: ] الم ا زمير، والأمثال، وأيوب، ونشيد الإنشاد، وم ا رثي
ارمياء، و ا رعوث، واستير، والجامعة، ودانيال، وعز ا ر، ونحميا، وأخبار الأيام الأول، وأخبار الأيام
الثاني [ " ) 1 . )
وبذلك يكون مجموع أسفار العهد القديم )التو ا رة( تسعة وثلاثين ) 04 ( سف ا رً، وجملة
إصحاحاته ) 121 ( إصحاحاً.
" وهذه الأقسام الثلاثة من أسفار العهد القديم كُتبت على مدى تسعة قرون تقريباً، بلغات
مختلفة، اعتماداً على الت ا رث المنقول شفوياً، وقد صُحّحت وأُكملت أغلب هذه الأسفار بسبب
أحداث أو ضرو ا رت خاصة، في عصور متباعدة أحيان اً" ) 2 . )
" وقد يُضمّ إلى العهد القديم ما يسمى )الأبوكريفا() 3 ( أي: الأسفار الخارجية أو غير
الشرعية، وهي أربعة عشر ) 24 ( سف ا رً " ) 4 . )
1 - ) ( المدخل إلى الكتاب المقدس، حبيب سعيد، دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية/القاهرة، ط)بدون(، )ص 41
بتصرف .
2 . ) ( اليهود تاريخا وعقيدة، سعفان، )ص 104
3 ( الأبوكريفا: كلمة يونانية تعني "الخفي" أو "غير الموثوق"، وهو مصطلح يشير إلى النصوص المقدّسة غير
.] )135/ القانونية التي لم يعترف بها اليهود ضمن أسفار العهد القديم. ]انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4 . ) ( اليهود تاريخا وعقيدة، سعفان، )ص 101
87
ومما يجدر ذكره أنّ "العهد القديم" يعدّ لدى طوائف يهودية ولدى جميع النصارى الكتاب
الأول قداسةً وتشريعاً، وان كان لدى معظم اليهود قد ت ا رجع إلى المرتبة الثانية بعد التلمود) 1 . )
" ويفضّل اليهود استخدام مصطلح "تناخ") 2 ( بدلاً عن "العهد القديم"، وذلك لأن العهد القديم
يشير ضمناً إلى "العهد الجديد" الذي أكمل الكتاب المقدس بنظر النصارى وهذا ما لا يريد - –
اليهود الاعت ا رف به" ) 3 .)
ثانيًا: التلمود:
وقد ذكر الباحث التلمود بعد التو ا رة؛ وذلك للترتيب الزمني والتاريخي، ولأنّ التلمود يعتمد
على ما مضى ضمناً.
" والتلمود معناه "التعليم"، ويعدّ التلمود المصدر الثاني للتشريع اليهودي، والمصدر الأول
للسياسة الصهيونية، ولا يوجد منه سوى عدة مخطوطات قديمة" ) 4 . )
" والتلمود هو أحد أهم الكتب الدينية وأقدسها عند اليهود، وهو النتاج الأساسي للشريعة
الشفوية، أي: تفسير الحاخامات للشريعة المكتوبة )التو ا رة(، ويضم التلمود سجلّاً لنقاشات
الحاخامات حول الشريعة اليهودية والأخلاق والعادات والأساطير والقصص، وهو لدى اليهود - –
مصدر أساسي للتشريع والأع ا رف" ) 5 . )
حيث ابتدع حكماء اليهود قوانين مروية عن موسى غير تلك المدونة في التو ا رة،
وسموها )القانون الشفوي(، ا زعمين أنه لا يجوز كتابة مالم يكتبه موسى ، فكان الحاخامات
يتناقلون هذه القوانين شفهي اً جيلاً بعد جيل س ا رً، لكن بعد التم رد اليهودي الفاشل على اليونانيين - -
1 . ) ( انظر: اليهود تاريخا وعقيدة، سعفان، )ص 101
2( تناخ: اسم عبري مختصر من الحروف الأولى لثلاث كلمات عبرية هي: التو ا رة )أسفار موسى الخمسة(، و
91 ( بتصرف [. - / "نفيئيم" ) أسفار الأنبياء(، و "كتونيم" )أسفار الأناشيد والحكمة( ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3 . )91/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4 . ) ( اليهود تاريخاً وعقيدة، سعفان، )ص 166
5 . ) 2334 م، )ص 25 ، ( التلمود كتاب اليهود المقدّس، أحمد ايبش، دار قتيبة/دمشق، ط 1
88
عام 105 م بقيادة )بركوخبا(، بدأ اليهود يجمعون هذه القوانين السرّية في كتاب )التلمود( خشية
ضياعها ) 1 . )
ويأخذ التلمود طابع السرّية، ويحاول اليهود إخفاءه وحذف بعض أج ا زئه عند طباعة ونشر
نسح منه، ويحتلّ عندهم قداسةً خاصّة ) 2 . )
يقول ابن حزم) 3 ( رحمه الله في الفصل: " والتلمود هو معولهم وعمدتهم في فقههم وأحكام - –
دينهم وشريعتهم، وهو من أقوال أحبارهم بلا خلاف أحد منهم" ) 4 . )
ومما يدل أيضاً على مكانة التلمود عندهم، وأنه مقدّم حتى على التو ا رة، ما جاء في صحيفة
منه: " إنّ من درس التو ا رة فعل فضيلة لا يستحق المكافأة عليها، ومن درس )المشنا( فعل فضيلة
استحق أن يكافأ عليها، ومن درس )الجما ا ر( فعل أعظم فضيلة " ) 5 .)
ويتكون التلمود من ج أ زين) 6 :)
.2 المشناه، وهو الأصل )المتن(.
.2 الجما ا ر، وهو شرح المشناه.
1 . ) 1620 ه/ 2332 م، )ص 03 ، ( انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، دار النفائس/بيروت، ط 9
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 26
3 451 ه(: الإمام أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح بن خلف - ( ابن حزم ) 084
بن معدان بن سفيان بن يزيد الفارسي الأصل، ثم الأندلسي القرطبي اليزيدي مولى الأمير يزيد بن أبي سفيان بن
حرب الأموي، الفقيه الحافظ، المتكلم، الأديب، الوزير، الظاهري، صاحب التصانيف، أثنى عليه جمع غفير من
العلماء وانتقده آخرون، وشهد له أهل زمانه بالذكاء الحاد، وسرعة البديهة، وقوة الحفظ، والتبحر في العلوم،
واشته رت تصانيفه واستحسنها العلماء، وعرف عنه الزهد في طلب الرياسة والانقطاع للعلم والتدين الشديد، ومن
مصنفاته: )الإيصال في فهم كتاب الخصال، اولمجلى في الفقه، اولمحلّى في شرح المجلّى، اولفصل في الملل
والأهواء والنحل، اولإحكام في قواعد الأحكام، اولف ا رئض، اولإجماع، وغيرها الكثير ] سير أعلام النبلاء، الذهبي،
196/19 ( بتصرف [ . - (
4 ( الفصل في الملل والأهواء والنحل، الإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم الظاهري، تحقيق: د.
. 026/ 1614 ه/ 1114 م، 1 ، محمد إب ا رهيم نصر وَ د. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل/ بيروت، ط 2
5 ، ( الكنز المرصود في فضائح التلمود، د. محمد الشرقاوي، مكتبة الوعي الإسلامي/مصر، ط 1
. ) 1613 ه/ 1113 م، )ص 149 (، انظر أيضاً: التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، )ص 26
6 . ) ( انظر: التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، )ص 15
89
الجزء الأول: المشناه/
" هو أول لائحة قانونية وضعها اليهود لأنفسهم بعد التو ا رة، جمعها "يهوذا هاناسي") 1 ( بين
233 م" ) - عامي 113 2 . )
" والمشناه: كلمة عبرية بمعنى: "يثنّي ويكرر"، وتعني حفظ الشريعة الشفوية وتك ا ر ا رها" ) 3 .)
ويتكون "المشناه" من ستة مباحث تسمى "سيداريم") 4 ( وهي) 5 :)
)2 زي ا رئيم )البذور(: ويعنى القوانين الدينية الخاصة بالز ا رعة.
)2 موئيد )الأيام المقررة(: ويعنى بالأعياد والصيام والأحكام الخاصة.
)0 نشيم )الم أ رة(: ويعنى بقوانين الزواج والطلاق والنذور.
)4 نيزيكين )الأض ا رر(: ويعنى بالقوانين المدنية والجنائية.
)5 كوداشيم )المقدسات(: ويعنى بالطقوس الخاصة بالق ا ربين والصلاة والهيكل.
)1 توهاروت )الطهارة(: ويعنى بقوانين الطهارة والنجاسة..
ويشار إلى التلمود أحياناً بكلمة "شاس"، وهي اختصار للكلمة العبرية "شيشا سيداريم"، أي:
الأحكام الستة ) 6 .)
" وبالإضافة إلى هذه الأحكام الستة، توجد رسائل تلمودية صغيرة متعددة، كما أن هناك سفر
مماثل للتلمود تماماً يسمى: "ميد ا رش") 7 (، وهو يجمع الحكم والقصص والأحكام التي جمعها أو
1 ( يهوذا هاناسي ) 233 205 م(: يعرف بلقب )سيدنا القديس(، وهو رئيس الجماعة اليهودية في فلسطين، -
وجامع المشناه، أقام علاقة ودية مع الرومان في فلسطين، وكان ملماً بالت ا رث الديني اليهودي مما مكنه من سلطة
156 ( بتصرف [. - / كبيرة على اليهود المعاصرين له ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 . ) ( التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، )ص 11
3 . )166/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4( سيداريم: كلمة عبرية بمعنى "أحكام" ] الباحث [ .
5 - . )166/ ( التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، )ص 14 15 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
6 ( انظر: المصدرين السابقين، نفس الصفحات.
7 ( ميد ا رش: هو التعليم الشفهي للتو ا رة، والكلمة مأخوذة من أصل عبري معناه "التعمق في الد ا رسة"، وهو على
نوعين: "مد ا رش حلقة"، وهو المتعلق بالنصوص التشريعية، و"مد ا رش هاجاداه"، وهو المتعلق بشروح المعلمين
]التو ا رة تاريخها وتعاليمها، سهيل ديب، )ص 16 ( بتصرف [. -
91
اختلقها الحاخامات بعد اتمام التلمود، فدونوها في هذا السفر مخافة أن تضيع، هذا رغم أن التلمود
نفسه استغرق تدوينه ما لا يقل عن ألف عام" ) 1 . )
" ولم يكن المؤلفون له في عصر واحد وانما أ لّفوه جيلا بعد جيل، فلما نظر متأخّ روهم إلى
ذلك وأنه كلما مر عليه الزمان ا زدوا فيه وفي الزيادات المتأخرة ما ينقض كثي ا ر من أوله؛ علموا أنهم
إن لم يقفلوا باب الزيادة أدى إلى الخلل الفاحش، فقطعوا الزيادة وحظروها على فقهائهم وحرموا من
يزيد عليه شي ئا " ) 2 . )
الجزء الثاني: الجما ا ر/
" و الجما ا ر قسمان: جما ا ر أورشليم، وجما ا ر بابل: أما جما ا ر أورشليم أو فلسطين: هو سجل
للمناقشات التي أج ا رها حاخامات فلسطين لشرح أصول المشناه، ويرجع تاريخ جمعه إلى عام
633 م، أما جما ا ر بابل: فهو سجل مماثل للمناقشات حول تعاليم المشناه دونها علماء بابل اليهود،
وانتهوا من جمعه عام 533 م تقريب اً " ) 3 . )
" ومن هنا فإن المشناه مع شرحه )جما ا ر أورشليم( يسمى: )تلمود أورشليم(، و المشناه مع
شرحه )جما ا ر بابل( يسمى )تلمود بابل(، وكلاهما يطبع على حده، واذا أُطلق لفظ التلمود
فالمقصود والمتداول بين اليهود هو تلمود بابل " ) 4 . )
و" الجما ا ر: كلمة آ ا رمية تعني: )التكملة أو التتمة أو الد ا رسة(، ولغة الجما ا ر في التلمود
البابلي هي الآ ا رمية الشرقية، وفي التلمود الفلسطيني هي الآ ا رمية الغربية) 5 . )
1 - . ) ( التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، )ص 19 19
2 ( هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن أيوب بن سعد
1631 ه/ 1191 م، ، الزرعي الدمشقي )ابن قيم الجوزية(، تحقيق: محمد علي أبو العباس، مكتبة القرآن/القاهرة، ط 1
- . ) )ص 149 144
3 - . ) ( التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، )ص 12 11
4 .) ( اليهودية، د. شلبي، )ص 244
5 . )165/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
90
وقد انعكس الفكر التلمودي اليهودي فيما اتّضح للباحث على جوانب الحياة كافة لدى - -
مجتمع اليهود قديماً وحديثاً، ويعدّ التعليم اليهودي التقليدي أوضح نموذج يدلل على ذلك، إذ يهتم
هذا التعليم بشكل خاص بالد ا رسات الدينية.
ويتضح ذلك من خلال شهادات اليهود المعاصرين، الذين يؤكّدون على أن التعليم اليهودي
التقليدي لا يحتوي على أية د ا رسات إنسانية أو علمية غير دينية؛ كالأدب والرياضيات واللغة
والتاريخ، فالد ا رسات الأكثر كثافة في المجتمع اليهودي التقليدي في العصور المتعاقبة هي
الد ا رسات المنعوتة ب )الد ا رسات المقدسة(، والتي تتكون في معظمها من التلمود وبعض الكتابات
الخاصة بالتفسير التلمودي) 1 . )
وخلاصة القول:
إنّ التلمود هو من أقدس مقدسات اليهود، وقد استمر جمعه وتدوينه وتصحيحه قروناً طويلة،
ولازم الغموض الكثير من جوانبه، ويسعى اليهود إلى إبقاء كثير من تعاليمه طي السرّية، واعتمدت
نصوصه على التفسي ا رت والشروحات والأهواء الخاصة بطبقات متتالية من الحاخامات وعلماء
الشريعة اليهودية، وقد تناول التلمود كل جوانب الحياة للمجتمع اليهودي، والقداسة التي خلعها
اليهود على التلمود هي التي تحكم الكثير من عقائدهم و أنماط حياتهم وسلوكياتهم منذ قرون طويلة
وحتى يومنا هذا.
ثالثًا: فتاوى الحاخامات:
إنّ هذا المصدر من أهم مصادر الفكر الديني اليهودي، وليس أدلّ على ذلك ابتداءً من قول
الله : }اتخََّذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالمَْسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ إِلَهاً وَاحِداً لاَّ إِلَهَ
إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ { ) التوبة/ 01 (، وذلك حكاية عن اليهود والنصارى .
1( انظر: الأصولية اليهودية في إس ا رئيل، إس ا رئيل شاحاك و نورتون ميزفينسكي، ترجمة: ناصر عفيفي، مكتبة
. )95/ 2336 م، ) 1 ، الشروق الدولية/ القاهرة، ط 2
91
والأحبار هم: العلماء) 1 (، " ومعناه: أنهم أطاعوهم في معصية الله ، واستحلّوا ما أحلّوا،
وحرّموا ما حرّموا، فاتخذوهم كالأ رباب " ) 2 . )
وان هذا التعبير القرآني هو نصّ واضح كل الوضوح، يقطع بأنّ أقوال وفتاوى الأحبار هي
مصدر هام في صياغة عقيدة وشريعة اليهود.
وان من أهم تجليات هذا المصدر من مصادر الفكر اليهودي، هي الفتاوى الصادرة عبر
العصور عمّن يسمّون عند اليهود بالحاخامات، وصولا إلى عصرنا الحاضر الذي تكرّست فيه
مكانتهم وازداد نفوذهم وتأثيرهم داخل فلسطين المحتلة.
" واذا كانت مصادر الفكر الديني اليهودي في عصور السلف تتمثل في نص العهد القديم
باعتباره الكتاب الأساس للديانة اليهودية بالإضافة لمصادر أخرى وأهمها التلمود فهناك مصدر - -
أساسي إضافي يحرّك جموع المتطرفين من اليهود، ألا وهو فتاوى الحاخامات، حيث تتمتع هذه
الفتاوى بقوة تأثير داخل )الكيان الصهيوني( تفوق قوة قوانين الدولة، فهي في الغالب المحرك الأول
للمجتمع في صياغة أيديولوجيته تجاه نفسه وتجاه غيره" ) 3 . )
وتعدّ كتابات الحاخامات اليهود في العصر الوسيط من أهم مرجعيات الفتوى التي يعتمد
عليها المجتمع الديني في الدولة اليهودية، فما لم يوجد في نصوص العهد القديم والتلمود، سيجده
اليهودي ماثلاً في فتاوى الحاخام )موشيه بن ميمون() 4 ( على سبيل المثال، وغيره من الحاخامات) 5 )
1 . )239/ ( انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري، ) 16
2 ( معالم التنزيل، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق: محمد النمر وَ عثمان ضميرية وَ
. )01/ 1619 ه/ 1119 م، ) 6 ، سليمان الحرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، ط 6
3 ( فتاوى الحاخامات رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإس ا رئيلي، د. منصور عبد الوهاب، الهيئة
. ) 2313 م، )ص 14 ، المصرية العامة للكتاب/القاهرة، ط 1
4 ( موشيه بن ميمون ) 2234 2205 م(: موسى بن عبد الله بن ميمون القرطبي، مفكر يهودي من كبار -
الحاخامات وعضو في الجماعة اليهودية بإسبانيا، قال اليهود فيه: "لم يظهر رجل كموسى من أيام موسى إلى
موسى"، من أهم كتبه "دلالة الحائرين" و"الس ا رج"، برع في العهد القديم والفلسفة والطب والعلوم ] موسوعة اليهود،
049 049 ( بتصرف [ . - - / المسيري، ) 0
5 . ) ( انظر: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 19
93
وتتمتع أقوال وفتاوى الحاخامات بمكانة خاصة عند اليهود؛ إذ يقول الحاخام "روسكي") 1 ( أحد -
أشهر حاخاماتهم : " التفت يا بني إلى أقوال الحاخامات أكثر من التفاتك إلى شريعة موسى") - 2 .)
" ويعتقد اليهود وفق التلمود أنّ لكل الحاخامات سلطة إلهية، وأنّ كل أقوالهم تعتبر صادرة - –
عن الله ، وأنه – يستشيرهم عندما توجد مسألة لا يمكن حلّها في السماء" !! ) - 3 .)
" وجاء في التلمود أن تعاليم الحاخامات لا يمكن نقضها أو تغييرها ولو بأمر من الله بل - –
إن خلافاً وقع يوماً بزعم التلمود بين الله تعالى وبين علماء اليهود في مسألة، وبعد طول - - – –
جدال، اضطر الله أن يعترف بغلطه بعد فصل أحد الحاخامات الربانيين في القضية!" ) 4 – )
تعالى الله عمّا يقولون علواً كبي ا رً.
وما يعطي أقوال الحاخامات أفضلية خاصة وعلوية، أن أحكام المشناه التي هي أصل التلمود
المقدس عند اليهود " هي إما أحكام عامة مجهولة المصدر واما آ ا رء الحكماء )الحاخامات(، - –
واذا وقع تعارض حول مسألة ما؛ فإن آ ا رء الحاخام هي المقدَّمة والمفضَّلة" ) 5 . )
ويتضح للباحث أن هذه الأفضلية المطلقة، والقدسية الخاصة للحاخام، والتي يُتخذ من خلالها
الحاخام ربّا من دون الله ، كانت نقطة فاصلة ومحو ا رً هاماً في سلوكيات اليهودي في قديم
الزمان وحديثه، وانّ من نتائج هذه المكانة والقدسية أن أصبح الحاخام في مجتمع اليهود صاحب
القول الفصل غال با عند الرجل العامّ ي أو الجنديّ المقاتل، أو السياسيّ المفاوض. - -
إذ لا تقتصر فتاوى الحاخامات اليهود على الشئون الدينية وما يتعلق بالحياة اليومية والعبادات
والأحوال الشخصية، بل تتعداه لكل الشئون السياسية والاقتصادية والاجتماعية وحتى الشئون
1 ( لم يعثر الباحث على ترجمة للحاخام روسكي .
2 . ) ( الكنز المرصود في فضائح التلمود، د. الشرقاوي، )ص 141
3 . ) ( المصدر السابق، )ص 193
4 ( المصدر نفسه، )ص 192 ( بتصرف . -
5 .) ( التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الاسلام خان، )ص 15
94
الدولية، مما يجعل الفتاوى هذه في بعض الأحيان المحرك الرئيس لموقف المجتمع اليهودي تجاه
بعض القضايا) 1 .)
بل إنّ الباحثين اليهود أنفسهم يشيرون إلى أنّ هذه الأقوال المؤث رة والفتاوى وما يُعرف
بالأصولية اليهودية ليست قادرة فقط على التأثير على السياسات التقليدية لكيان اليهود، بل إنها
قادرة أيضاً على التأثير على السياسات النووية لما يسمى بدولة )إس ا رئيل( ) 2 . )
نماذج من فتاوى الحاخامات:
من أهم ما تناولته فتاوى الحاخامات اليهود هو النظرة للآخر؛ العربي والمسلم، بل والمسيحي
أيضاً، إذ سعت هذه الفتاوى لهدم الديانتين، ولكن إف ا ر ا زتها كانت أشد وأقسى ضد المقدسات والرموز
الإسلامية، وخاصة ضد المسجد الأقصى والقدس) 3 . )
ويسوق الباحث في السطور القادمة نماذج محدودة لبعض فتاوى الحاخامات اليهود
المعاصرين، والتي لات ا زل منشورة على مواقع الشبكة العنكبوتية، وما سيذكره الباحث هو جزء يسير
من مئات بل آلاف الفتاوى التي يبثها حاخامات اليهود لعامة الجمهور اليهودي.
فمن الفتاوى ما يتحدث عن دين الإسلام والتحريض ضده والنيل من رموزه ومقدساته، ومنها:
"ليس للمسجد الإسلامي قداسة، بل إنّ مركز القداسة في العالم الذي اختاره الربّ هو جبل
الهيكل") 4 (، ومنها: "ماذا تريد من الإسلام المهووس الذي يخرج المؤمنون به من المسجد
والتعطّش للدماء ظاهر في عيونهم") 5 . )
1 .) ( انظر: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 00
2 .)06/ ( انظر: الأصولية اليهودية، شاحاك و ميزفينسكي، ) 1
3 .) ( انظر: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 99
4 ( فتوى حاخام يهودي نشرت على موقع www.kahana.org.il )أبريل/ 2336 م(، عنه: فتاوى الحاخامات،
. ) منصور عبد الوهاب، )ص 91
5 ( فتوى الحاخام "شموئيل الياهو" نشرت على موقع: www.moriya.org.il )مارس/ 2334 م(، عنه: فتاوى
. الحاخامات، منصور عبد الوهاب، ص 139
95
ومن الفتاوى ما يظهر العنصرية وادّعاء التميز والأفضلية للجنس اليهودي على سائر البشر،
وهذا النوع من الفتاوى كثير وشهير ومنتشر، ومنها: "إنّ الشعب اليهودي يختلف عن باقي البشر،
بدليل تجلي الربّ لهم في سيناء .. أنتم أيها اليهود تسمَّون بَش ا رً أما الأغيار فلا يسّمون
بش ا رً") 1 (!! ومنها: "هناك درجات رقيّ بين المخلوقات: النبات، والجماد، والحيوان، والنسان،
واليهود، والشعب اليهودي يتمتع بصفة و ا رثية تتمثل في القوة الإلهية، وهو ما لم تحظ به باقي
الشعوب") 2 .!! )
ومنها: "محرم تماماً دفن غير اليهودي بجوار زوجته اليهودية، فيكفي أنه في حياته سار
و ا رءها كالكلب، ولا يجوز استم ا رر هذه الصلة بعد موتهما، وبالتالي فهناك تحريم بدفن أي شخص
غير يهودي بجوار يهودي") 3 . )
ومن الفتاوى ما يدعو للقتل والتنكيل والتدمير ضد الأغيار، في تصريح مباشر لسفك الدماء
دون رحمة أو شفقة، ومن هذه الفتاوى: "يجوز إطلاق النار على الأبرياء، ول مجال للشعور
بالذنب... فإذا أطلق وا أي الجنود اليهود قذيفة أو دفعة طلقات من مروحية على جمع من - –
المدنيين الأبرياء فلا بأس ما داموا عرباً") 4 !! )
ومنها: " لا داعي للانفعال من الحساسية الوهمية بشأن فظاعة إطلاق النار على المصلين
في المسجد! ... والأصل أن تعاليم التو ا رة بالقضاء على الشر هي تعاليم بإبادة أعدائنا العماليق
... والعماليق تنطبق على كل من يزعج الشعب اليهودي") 5 .)
1 ( فتوى حاخام يهودي نشرت على موقع www.daatermet.org.il 2336/9/24 م(، عنه: فتاوى الحاخامات، (
) منصور عبد الوهاب، )ص 111
2 ( مقولة ل)الخوزي( وهو شاعر يهودي أندلسي، نقلها حاخام يهودي في فتوى له نشرت على موقع:
www.daatermet.org.il . ) 2336/9/25 م(، عنه: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 104 (
3 ( فتوى للحاخام "تسفي كوستينر"، نشرت على موقع: www.moriya.org.il 2335/32/11 م(، عنه: فتاوى (
. ) الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 165
4 2335 م، عن: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، /13/ ( فتوى للحاخام "دوف ليئور" بتاريخ 20
.) )ص 121
5 . ) ( فتوى للحاخام "يتسحاق جينزبورج"، عن: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 122
96
ومنها: "في الحرب.. طالما أنها لم تحسم، يحبذ قتل غير اليهود من الشعب الذي نقاتله،
حتى النساء والأطفال الذين رغم أنهم ل يشكلون خط ا رً مباش ا رً، يجب قتلهم خوفاً من أن يساعدوا
العدو في الحرب") 1 . )
وهناك فتاوى تتعلق بالأحداث السياسية والخاصة بالص ا رع القائم والدائم على أرض فلسطين،
ومن هذه الفتاوى فتوى للحاخام الأكبر في الكيان الصهيوني يقول فيها: "إنّ الأمواج العاتية التي
ضربت سيريلانكا وتايلاند واندونيسيا )تسونامي( كانت تعبي ا رً عن غضب الربّ ؛ لتأييد دول العالم
خطة فك الرتباط عن غزة!" ) 2 . )
ومنها: فتوى جاءت رداً على سؤال حول مشروعية تعذيب الأسرى الفلسطينيين جاء فيها:
"جاء في المصادر اليهودية أنك إذا أردت أن تعلم أعداء إس ا رئيل درساً فلا ترحم الأش ا رر" ثم
استدل الحاخام بنصوص من التو ا رة في تعذيب الملك داود للفلسطينيين، ثم تابع: "ويجب أن
نحترس من الأخلاقيات التي تدعو لأخذ الأعداء بالرحمة ... فهذه الأخلاقيات مجرد كلمات ليس
لها مجال في التطبيق العملي") 3 . )
ومنها: فتوى جاءت رداً على سؤال حول حق العودة للفلسطينيين جاء فيها: "تعالوا نطبق حق
الع ودة! ونعيد عرب أرض إس ا رئيل لبلدانهم الأصلية!، إنها أرضنا )أرض إس ا رئيل( كما هو اسمها،
والعرب هاجروا إلى هنا بمرور الوقت... سيكون يوم جمع شتات العرب الذين يعيشون بيننا إلى
بلادهم عظيم اً ") 4 . )
1 ( فتوى للحاخام "عيدو ألبا" في كتابه: تفسير ش ا رئع قتل غير اليهودي، عنه: فتاوى الحاخامات، منصور عبد
.) الوهاب، )ص 121
2 ( فتوى ل"موردخاي الياهو" الحاخام الأكبر في الكيان الصهيوني، نشرها موقع: www.walla.co.il
. ) 2335/31/01 م(، عنه: فتاوى الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 155 (
3 ( فتوى للحاخام "شموئيل الياهو" نشرها موقع: www.kipa.org.il )يونيو 2336 م(، عنه: فتاوى الحاخامات،
.) منصور عبد الوهاب، )ص 110
4 ( فتوى للحاخام "شلومو أفينر" نشرها موقع: www.ateret.org.il 2336/34/14 م(، عنه: فتاوى الحاخامات، (
.) منصور عبد الوهاب، )ص 119
97
ومنها: فتوى لجنة حاخامات الضفة الغربية )مجلس المستوطنات( جاء فيها: "إنّ الشفقة على
أطفال غزة ولبنان تعني القسوة الصريحة على أطفال إس ا رئيل!! " ) 1 . )
وبعد استع ا رض أهمية هذا المصدر في شرع وعُرف اليهود، وسوق نماذج من فتاوى
الحاخامات وأقوالهم كنموذج ومثال) 2 (، فإنه يتضح للباحث أن ما يجري على أرض الواقع وما
نلمسه ونعايشه من مف ردات الص ا رع اليومية على الأرض المقدسة، وما يطغى على مشهدها من
ممارسات اليهود ما هو إلا انعكاس لهذه الفتاوى والأقوال، وتناغم صريح مع لغة الشحن والتعبئة
العقائدية العنصرية التي يمارسها رجال الدين اليهودي، ويبثون قيمها ومفرداتها في كل الش ا رئح
المؤثرة في صنع الق ا رر والممارسة على الأرض، من سياسيين وجنود ومستوطنين وجمهور.
رابعًا: بروتوكولات) 3 ( حكماء صهيون:
" بروتوكولات حكماء صهيون، هي: تقارير ومحاضر طويلة وضعها يهودي ذو خطر ونفوذ
لإلقائها على زعماء اليهود وأقطابهم؛ كي تكون منهاجاً لخطة عمل تمكّن اليهود من السيطرة على
العالم وتسييره في غفلة من أممه وشعوبه في الاتجاه المفضي إلى سقوط كل الحكومات واقامة
الحكومة اليهودية العالمية" ) 4 . )
ويظهر أن بداية التأريخ لهذه البروتوكولات هو المؤتمر الصهيوني الأول الذي عُقد في )بال(
بسويس ا ر عام 1919 م بحضور 033 من رؤوس اليهود في العالم.
1 ( نُشرت الفتوى عبر موقع: www.ynet.co.il 2334/39/14 م(، عنه: فتا وى الحاخامات، منصور عبد (
.) الوهاب، )ص 225
2 ( للاست ا زدة حول الموضوع ي ا رجع كتاب: الأصولية اليهودية في إس ا رئيل، أيضاً: كتاب: فتاوى الحاخامات رؤية
موضوعية، أيضاً: ورشة عمل: دور الحاخامات والمتدينين اليهود في اغتصاب فلسطين، ا ربطة علماء فلسطين/
2313 م. /34/ بيروت، عقدت في: 10
3 ( بروتوكولت: جمع بروتكول، كلمة انجليزية لها عدة معان، وفي إطارها العام هي مجموعة من الضوابط والأطر
التي تحدد كيفية القيام بنشاط ما، قد يتضمن معاهدة أو سياسة أو دبلوماسية او حوسبة وخلافه ] البروتوكولات
2330 م، )ص 11 ( بتصرف [. - ، واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسي ري، دار الشروق/ القاهرة، ط 0
4 2334 م، ، ( الوحي ونقيضه.. بروتوكولات حكماء صهيون في القرآن، د. بهاء الأمير، مكتبة مدبولي/القاهرة، ط 1
)ص 66 (، نقلاً عن: "سيرجي نيلوس" أول مدقق وناقل للبروتوكولات وناشر لها بالروسية عام 1132 م.
98
" إذ يذكر "سيرجي نيلوس") 1 ( وهو أول من ترجم البروتوكولات أن سيدة فرنسية استطاعت - –
أثناء اجتماعها بأحد زعماء اليهود في فرنسا الاطلاع على جانب من محاضر المؤتمر الصهيوني
الأول، واحتوى هذا الجانب على الوثائق التي شكّلت البروتوكولات" ) 2 . )
ويصف أول مترجم لهذه الوثائق إلى العربية) 3 ( هذه الوثائق بأنها: " أخطر كتاب ظهر في
العالم، ولا يستطيع أن يقدره حقّ قدره إلا من يدرس البروتوكولات كلّها كلمة كلمة في أنا ة وتبصّر،
ويربط بين أج ا زء الخطة التي رسمتها، على شرط أن يكون بعيد النظر، فقيهاً بتيا ا رت التاريخ،
وسنن الاجتماع، وحوادث التاريخ اليهودي والعالمي" ) 4 . )
ويتضح للباحث من خلال استطلاع الم ا رجع والد ا رسات الكثيرة التي ناقشت هذا الأمر أنه قد
ثار جدلٌ كبير ونقاش مستفيض حول هذه البروتوكولات كما لم يثُر على غيرها من القضايا،
وانقسم فيها المفكّرون والمؤرّخون والباحثون بين مثبتٍ لها ومدافع عن كونها جزءً ا هام اً من
المصادر والتطبيقات التفصيلية للفكر اليهودي القديم المتجدّ د، وبين داحضٍ لنسبتها لليهود ومقلّلٍ
من شأنها، معتب ا رً أ نها جزءٌ من هوسِ المؤامرة، ولكلٍّ في تفسير أ ريه وجهة هو مو لّيها.
فالمقللون من شأن هذه البروتوكولات وأبرزهم حديثاً الدكتور عبد الوهاب المسيري يرون - –
بأنها وثيقة مزيفة ومشوّشة وتخدم الفكرة الصهيونية) 5 . )
1 ( سيرجي نيلوس ) 2424 2812 م(: سيرجي ابن الكسندر بتروفيتش نيلوس، وسيرجي هو كاتب روسي شهير -
من عائلة من المهاجرين السويسريين، درس وتخرج من موسكو، من أشهر كتبه، ما كشفه حول بروتوكولات حكماء
صهيون والتي أثارت ضجّ ة عالمية ] انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة، ورد تحت اسم: Sergei Nilus ، ترجمة
الباحث، ا ربط: http://en.wikipedia.org/wiki/Sergei_Nilus 2312 م [ . /35/ ، بتاريخ 14
2 . ) ( الوحي ونقيضه، بهاء الأمير، )ص 60
3 ( هو: محمد خليفة التونسي، نسبة إلى قرية تونس في صعيد مصر، المتوفى عام 1639 ه، كاتب وباحث
ومفكر مصري من تلامذة عباس العقاد، له العش ا رت من المؤلفات المطبوعة والمخطوطة، ] انظر: تكملة معجم
.]) 1619 ه/ 1119 م، )ص 699 ، المؤلفين، محمد خير بن رمضان بن اسماعيل يوسف، دار ابن حزم/بيروت، ط 1
4 ( الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة: محمد خليفة التونسي، تقديم: عباس العقاد، دار الكتاب
. ) العربي/بيروت، ط 2،)بدون تاريخ(، )ص 21
5 ( ا رجع في ذلك، كتاب: البروتوكولات واليهودية والصهيونية، للدكتور عبد الوهاب المسيري.
99
أما المثبتون لنسبتها لليهود فقد انطلقوا من حقائق لا تحصى على الأرض تتطابق بشكل
عجيب مع نصوص هذه البروتوكولات التي نشرت قبل عش ا رت السنين من وقوع هذه الح وادث) 1 . )
كما أنّ خلاصة حجتهم أي المرجّحون لصحة الوثائق أنها " لم تأت بجديد غير ما ورد - –
في كتب اليهود المعترف بها، ومنها التلمود، وغاية ما هنالك أن التلمود أجملَ، وهذه الوثائق
فصّلت ومثّلت لذلك المجمل" ) 2 . )
لاوحظ "نيلوس" في مقدمته عن البروتوكولات أن أقسامها ليست مطّردة اطّ ا رداً منطقياً، وتابعه
على ذلك المترجم العربي )التونسي(، وأضاف بأنّ " موضوعاتها متداخلة، فلم يتناول كاتبها كل
موضوع على حدة في بروتوكول أو أكثر" ) 3 . )
"" وهذه الوثائق التي سمّيت )بروتوكولات( ليست على وجه التحديد مضابط جلسات كما –
توحي التسمية بل هي تقرير وضعه شخص ذو نفوذ كبير على اليهود، وألقاه في محاضر -
متتالية، كما يشير نص البروتوكولات" ) 4 . )
ومن خلال نظرة سريعة إلى البروتوكولات يجد الباحث بالفعل أنها وثائق يبدو أنها انتُزعت من
عمل أكثر ضخامة وتوسعاً، إذ تحوي إشا ا رت لخطط أكثر تفصيلاً وت وضيحاً، ولك نها إذا اعتُبرت
كنصوص بأ نها مستقلة ومتكاملة، فإ نها تكفي لتكون نواة الخطة اليهودية للحلم القديم المتجدد وهو
السيطرة على العالم، على اعتبار أنّ الشعب اليهودي بزعمهم هو خلاصة الجنس البشري وما - –
عداه من )الأغيار( هم خدمٌ له.
وتتكون هذه الوثائق من أربعةٍ وعشرين بروتوكولاً مفصّلا ، يتضمن كل بروتوكول العديد من
الأفكار والعناصر، التي يمكن أن تتكرر في بروتوكول آخر، و لا يسمح المجال هنا بذكر كافة
1 ( ا رجع في ذلك: كتاب: الوحي ونقيضه، للدكتور بهاء الأمير، إضافة إلى مقدمة كتاب البروتوكولات، للتونسي،
وتعقيب سيرجي نيلوس عليها.
2 ( الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون، التونسي، )ص 16 ( بتصرف . -
3 . ) ( المصدر السابق، )ص 69
4 .) ( المصدر نفسه، )ص 53
011
عناصرها ومحتوياتها وما تضمنته من بنود المؤامرة والخطة اليهودية، ولكن يمكن للباحث إيجاز
أهم عناصر هذه البروت وكولت فيما يلي) 1 :)
.2 لا تجتمع الأخلاق والسياسة البارعة، والعنف والخديعة هما الطريق إلى العدل، والحرية هي
المصيدة المناسبة لإغ ا رء العامة) 2 .)
.2 العملاء هم الوسيلة المثلى للسيطرة على الأمم، جنباً إلى جنب مع جهل هذه الأمم، وبثّ
العلوم الضارة داخلها ) 3 . )
.0 اعتماد مبدأ )فرّق تسُدْ( ونزع فكرة )الله( من العقول، واشغال الشعوب بمصالحها) 4 .)
.4 الاستبداد هو الوسيلة الأنجح ليحكم اليهود العالم، لكن لا بدّ من إلباس الاستبداد ثوباً يتناسب
مع العصر) 5 . )
.5 فرض السيطرة على الاقتصاد، واجبار الأمميين على نسف أسس الانتاج، واستخدام الأمن
اولشرطة والجيوش لإتمام الخطط) 6 .)
.1 لا بد من تكريس فكرة )معاداة السامية( ) 7 (، وخلق هوّة بين الحكّ ام والشعوب، والتحايل على
كافة القوانين) 8 .)
1 ( هذا الايجاز هو مختصر ما استنبطه الباحث من الق ا رءة المتأنية للبروتوكولات.
2( انظر: البروتوكول الأول.
3( انظر: البروتوكول الثاني.
4( انظر: البروتوكولان الثالث وال ا ربع.
5 ( انظر: البروتوكول الخامس.
6( انظر: البروتوكولان السادس والسابع.
7 والمعنى الحرفي ،» أنتي سيميتزم « ( اللاسامية = معاداة السامية: ترجمة للمفهوم الكامن و ا رء العبارة الإنجليزية
وكان الصحفي الألماني اليهودي الأصل ،» اللاسامية « وتُترجَم أحيان اً إلى ،» ضد السامية « أو المعجمي للعبارة هو
ولهلم مار ) 1136 1919 م( أول من استخدم هذا المصطلح عام 1991 م من منظور غير ديني، ولو أُخذت –
العبارة بالمعنى الحرفي، فإنها تعني العداء للساميين أو لأعضاء الجنس السامي الذي يشكل العرب أغلبيته
العظمى، بينما يُشكك بعض الباحثين في انتماء اليهود إليه، ولكن المصطلح في اللغات الأوربية، يقرن بين
الساميين واليهود ويوحد بينهم، وهذا يعود إلى جهل الباحثين الأوربيين في القرن التاسع عشر بالحضا ا رت الشرقية،
وعدم تكامل معرفتهم بالتشكيل الحضاري السامي أو بتنوع الانتماءات العرْقية والإثنية واللغوية لأعضاء الجماعات
000 ( بتصرف [. - / اليهودية ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 2
8( انظر: البروتوكول التاسع.
010
.7 تسخير الأمم لخدمة أغ ا رض اليهود، وتدبير الانقلابات، وش ا رء الذمم بالمال، وتدمير الحياة
الأسريّة) 1 .)
.8 السيطرة على دور الصحافة والأدب ووكالات الأنباء والنشر، واغ ا رق الشعوب بالمشكلات
السياسية) 2 . )
.4 تحطيم كافة العقائد عدا اليهودية والموت لكل من يع وق أهدافنا) - – 3 . )
.23 السيطرة على الجامعات العالمية الهامة وتسييرها وفق خططنا، والحطّ من قدر رجال
الدين عند الأمم والشعوب، وافشاء الأفكار الهدّامة) 4 . )
.22 إشاعة سياسة البوليس والاغتيالات والرعب، وتدمير هيبة الأمميين واحباطهم) 5 .)
.22 تدبير الأزمات الاقتصادية، وفرض القروض الخارجية على غير اليهود، والسيطرة على
بورصات الأو ا رق العالمية) 6 . )
خلاصة القول:
المقصود بيانه في هذا القسم من المطلب أنّ بروتوكولات حكماء صهيون باتت في حقيقة
الأمر من المصادر النادرة التي نشرت تفاصيل وأمثلة مثيرة عن حقيقة الفكر اليهودي بحلّته
المعاصرة.
وقد يرى البعض بأ نه ليس دقيقاً أن توصف البروتوكولات بأنها من مصادر الفكر اليهودي، إلا
أنّ الباحث اعتمدها كمصدر مكمّ ل للمصادر السابقة؛ لما تنطوي عليه من خطط ملهمة للفكر
اليهودي المعاصر.
1( انظر: البروتوكول العاشر.
2( انظر: البروتوكولان الثاني عشر والثالث عشر.
3( انظر: البروتوكولان ال ا ربع عشر والخامس عشر.
4( انظر: البروتوكولان السادس عشر والسابع عشر.
5( انظر: البروتوكولان الثامن عشر والتاسع عشر.
6( انظر: البروتوكولات: العشرون والحادي والعشرون والثاني والعشرون.
011
وقد أُلّفت كتب ودوّنت أسفار في بيان صحّة أو ردّ هذه البروتوكولات كما سبق بيانه - –
والأولى الالتفات إلى واقع الحال المعاش منذ ظهور هذه البروتوكولات إلى العلن مطلع القرن
العشرين وحتى يومنا هذا، وكيف أنّ نصوص هذه الوثائق باتت واقعاً على الأرض في الكثير من
جوانبها، في ترجمة فعلية لأحلام اليهود وأطماعهم، ولا ي ا زلون.
إنّ الذي تميل إليه النفس بعد استع ا رض أقوال وحجج المثبتين والمنكرين بأنّ هذه - -
البروتوكولات هي صنعة يهودية خالصة، يتضح من سطورها المنهج اليهودي الذي اصطبغ به
القوم منذ فجر التاريخ، والذي تشير إليه مصادر تشريعنا الإسلامي بوضوح فضلاً عن مصادر
العقيدة والشريعة اليهودية.
لكن مع قناعة الباحث بذلك إلاّ أن المنهج الأمثل ينبغي أن يكون دقيقاً وعلمياً في تفسير ما
يُعتقد أ نه تطبيق للنوايا اليهودية المدونة في هذه البروتوكولات، وأن يلتزم الباحث في الشأن اليهودي
الوسطية، فلا إف ا رط في وصف كيد اليهود ودسائسهم وتحكّمهم في الأرض واعطائهم هالة من القوة
غير البشرية، ولا تفريط في تجاهل مكرهم وجهودهم الهائلة في تطبيق ما تمليه عليهم مصادر
عقيدتهم وفكرهم، القديمة منها والحديثة.
خلاصة المطلب:
أولً: يعدّ العهد القديم أهمّ مصادر الفكر اليهودي، وهو الذي يقدّسه اليهود ككتاب ديني،
بعضه منسوب إلى نبي الله موسى ، والآخر إلى أنبياء بني إس ا رئيل.
ثانياً: يعدّ التلمود ثاني مصادر اليهود الدينية، وهو أكثر تفصيلاً، وأخطر شأناً، لكنّه أقرب
إلى السرّية والغموض، ويمنع تداوله إلا خلسةً، خاصة لغير اليهود.
ثالثاً: تكمل فتاوى الحاخامات اليهود مصادر اليهود الدينية، وتعدّ من أهمّ ما يعتمد عليه
اليهود المعاصرين بعد المصدرين السابقين )التو ا رة والتلمود( .
ا ربعاً: نسبت إلى اليهود بروتوكولات ملهمة لفكرهم المعاصر، وكثير منها ينطبق على واقع
اليهود، مما يؤكد صحة مضامينها، ويبين مدى كيدهم للدين والأخلاق والقيم.
013
المطلب الثاني
الظروف والمؤثرات الموضوعية
إنّ التقلب والتغيّر في الآ ا رء والأهواء هو من طبائع اليهود عبر تاريخهم، وقد بدّلوا وغيّروا في
كتاب ربهم التو ا رة المنزّل على نبيهم موسى - – – ، وهذا معلوم في ديننا بالضرورة، إذ يقول
الحق في شأنهم: }أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يحَُرِّفُونَهُ مِن بَعْدِ
. ) مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يعَْلَمُونَ { )البقرة/ 95
واذا كانوا قد تج ر ؤوا على كتاب ر بهم تغيي ا رً وتحريفاً، وهم في كامل حريتهم وا ا ردتهم، عن سبق
إص ا رر وعلم وهذا صريح في قوله - : }مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ فإنّ تأثّرهم بالظروف –
والأحداث والمؤث ا رت في تحديد شكل عقيدتهم وفكرهم وسلوكهم سيكون بلا شك أكبر وأعمق.
وقد كان للعديد من الأحداث التاريخية والأزمات والظروف التي مرّ بها اليهود عبر تاريخهم
أثرٌ واضح في تحديد ملامح فكرهم.
ومن أهم هذه الظروف فيما اتّضح للباحث ما يلي:
.2 الحروب وضياع التو ا رة.
.2 الاحتكاك بالأقوام والحضا ا رت الأخرى.
.0 السبي والتشتت.
أولا: الحروب وضياع التوراة:
لاحظ الباحث آنفاً عند سرد تاريخ اليهود أو بني إس ا رئيل سابق اً في الأرض المقدّسة، أنّ - –
تاريخهم مليء بالحروب والدماء والن ا زعات، سواءً تلك التي نشبت بين بني إس ا رئيل أنفسهم والتي -
عجّلت بتفكيك ونهاية دويلتهم المؤقتة أو ح روبهم مع سكّ ان البلاد الأصليين، أو مع الغ ا زة -
الآخرين المتنازعين على الأرض المقدسة، سواءً لأغ ا رض دينية أو سياسية أو اقتصادية، أو غيرها.
014
واذا علمنا بالضرورة أنّ كتب اليهود تغيّرت وتبدّلت كثي ا رً، فإ نه لا يخفى أنّ هذه الحروب
والن ا زعات كانت سبباً أساسياً في تشكيل العقيدة والفكر اليهودي على مرّ العصور.
بل إنّ التو ا رة التي بأيدي اليهود هي نتاج تجميع محفوظات كتبتهم وأحبارهم كردّة فعل على
حرق معابدهم وزوال دولتهم وتفرّق جمعهم ورفع كتابهم، إذ أقدم جمعٌ منهم على جمع محفوظاتهم
مشكّلين ما يعرف اليوم ب"العهد القديم") 1 .)
ولا يسع الباحث هنا أن يسير مع مجرى التاريخ لرصد كل الأحداث والحروب والن ا زعات وأثرها
في تغيير وتبديل وتطوير العقيدة اليهودية، لكنّ حسبه أن يشير إلى بعض الأحداث المتفرقة، وفي
ما يذكر الباحث دليلٌ ومثالٌ على ما يترك.
فمثلاً، يذكر الكتاب المقدّس) 2 ( أنّ التو ا رة كانت عند قوم من خاصة كهنة بني إس ا رئيل، عهد
موسى بها إليهم ولم يطلع بقية الشعب عليها) 3 . )
وما دام الأمر كذلك، فربما كانت هذه هي نقطة البداية في تبرير التغيير والتبديل في شريعة
موسى .
وحول هذا التفرّد في حفظ التو ا رة عند قوم من بني إس ا رئيل، يورد ابن حزم رحمه الله قاعدة - -
هامة تستوعب بني إس ا رئيل وغيرهم، إذ يقول: "كلّ كتابٍ وشريعةٍ كانا مقصورين على رجالٍ من
أهلهما، وكانا محظورين على من سواهما؛ فالتبديل والتحريف مضمونٌ فيهما" ) 4 . )
1 ( انظر: إفحام اليهود وقصة إسلام السموأل، السموأل بي يحيى المغربي، تحقيق: د. محمد الشرقاوي، الرئاسة
. ) 1639 ه/ 1199 م، )ص 101 ، العامة لإدا ا رت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/الرياض، ط 2
2 ( سيعتمد الباحث على نسخة الكتاب المقدّس )العربية( الصادرة عن: )دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط(
عام 1196 م .
3 - . 03 1 : ( انظر: تثنية 01
4 . )114/ ( الفصل، ابن حزم، ) 1
015
ثم يصرّح ابن حزم: "وكذلك التو ا رة إ نما كانت طول مدة ملك بني إس ا رئيل عند )الكوهن الأكبر(
الهاروني وحده، لا ينكر ذلك منهم إلا كذاب مجاهر" ) 1 . )
وبعد موت موسى خلفه يوشع، ودخل بهم إلى بعض الأرض المقدّسة كما سبق ذكره ثم - –
بعد موت يوشع نكص بنو إس ا رئيل على أعقابهم؛ إذ تذكر أسفارهم أ نهم عبدوا آلهة الشعوب
المحيطة بهم فعوقبوا بتسليطها عليهم) 2 . )
ويروي العهد القديم أنّ التابوت الذي يحوي التو ا رة وقع في إحدى المعارك في أيدي
الفلسطينيين) 3 ( ثم عاد التابوت إلى بني إس ا رئيل بتدخل علويٍّ في قصّ ة عجيبة!! ) 4 . )
" لكن سفر "صموئيل الأول" الذي ذكر حادثة فقد التو ا رة واعادتها، ضمن معارك الكر والفر
بين بني إس ا رئيل وأعدائهم، لم يذكر أ نها عادت أي التو ا رة في التابوت أم أ نها أُتلفت، وان كان - –
الأقرب للواقع إتلافها من قبل "الفلسطينيين"؛ كونهم يخالفون بني إس ا رئيل في المعتقد فضلاً عن
الحرب المستعرة بين الفريقين" ) 5 . )
ومنذ تاريخ إعادة التابوت تعاقب الملوك على بني إس ا رئيل، فيما بقي مصير التوا رة غامضاً
طوال فترة حكمهم وصولاً إلى سليمان الذي أقام احتفالاً حسب رواية العهد القديم لوضع - –
التابوت في المح ا رب، وفُتح التابوت، فلم يجد القوم تو ا رتهم! ) 6 . )
1 . )119/ ( الفصل، ابن حزم، ) 1
2 . 11 : ( انظر: قضاة 2
3 . 11 : ( انظر: صموئيل الأول 6
4 ( انظر: صموئيل الأول، الإصحاح الخامس والسادس.
5 ( إظهار الحق، محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الكي ا رنوي العثماني الهندي الحنفي ، د ا رسة وتحقيق وتعليق: د.
، محمد أحمد ملكاوي، نشر: الرئاسة العامة لإدا ا رت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/الرياض، ط 1
511 ( بتصرف يسير، انظر أيضاً: الكتب المقدّسة في مي ا زن التوثيق، عبد الوهاب عبد - / 1613 ه/ 1191 م، ) 2
.) 1620 ه/ 2332 م، )ص 49 ، السلام طويلة، دار السلام/ القاهرة، ط 2
6 - . 13 1 : ( انظر: الملوك الأول 9
016
ويتضح من خلال ما سبق أنه إذا كان ذلك أمر التو ا رة المحفوظة على الألواح منذ بداية عهد
بني إس ا رئيل بها، فإنّ كل الظروف باتت متهيئة للخطأ والتبديل واللبس على الأقل، فضلاً عن
التزوير والتلاعب المتعمّد.
ويمكن أن يدلل على الأثر الذي تركته الن ا زعات على الديانة اليهودية أو ديانة بني إس ا رئيل -
سابق اً من خلال انقسام مملكة بني إس ا رئيل بعد موت سليمان - ، إلى مملكتين متناحرتين،
شمالية وجنوبية.
" فهذا العهد يؤرَّخ له على أ نه البداية الحاسمة لعهد التدهور السياسي والديني الكبير لبني
إس ا رئيل، فقد فقدت "أورشليم" مكانتها كمركز ديني موحد، وتسربت بعض العناصر الوثنية إلى
ديانتهم، بل سُمح لل وثنية الكنعانية بالانتشار والتغلغل داخل المناصب العليا في الدويلة
الشمالية") 1 .)
وبدلاً من هج ا رن بني إس ا رئيل للخطايا، التي كانت بحسب تو ا رتهم سبباً في تفتتهم وغضب - –
الرب عليهم؛ فقد انهمكوا بعد الانقسام في ضروب من الخطايا وعبادة الأوثان، وممارسة طقوس
سرّية خبيثة ) 2 .)
بل إنّ الفكر اليهودي التو ا رتي المستقر في أذهان اليهود يشير إلى أنّ غزو الجيوش - -
الأجنبية لدويلة "إس ا رئيل" وتدميرها هو جزءٌ أساسي من الخطة الإلهية، ويفسّر الكتاب المقدّس
مصير المملكة الشمالية تفسي ا رً لاهوتياً محض اً) 3 (، في دلالة جل ية حسب فهم الباحث على أثر - –
هذه الأحداث والحروب في تشكيل الوعي الديني اليهودي لا حقاً.
1 - - ) 1119 م، )ص 234 235 ، ( تاريخ الديانة اليهودية، د. محمد خليفة حسن أحمد، دار قباء/ القاهرة، ط 1
بتصرف.
2 1141 م، - ، ( انظر: إس ا رئيل فتنة الأجيال العصور القديمة، إب ا رهيم خليل أحمد، مكتبة الوعي العربي/مصر، ط 1
. ) )ص 120
3( انظر: التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، د. إس ا رئيل فنكلشتاين وَ نيل اشر سيلبرمان، ترجمة: سعد رستم،
. ) دار صفحات للد ا رسة والنشر، ط )بدون(، )ص 265
017
وأخي ا رً يشير مفكرون يهود معاصرون إلى أنّ : " م ا رجعةً للمصادر التاريخية والآثارية، تظهر
أنّ شدة التغيّ ا رت في مي ا زن القوى في كافة أنحاء المنطقة كانت عاملاً مركزياً في تشكيل تاريخ
الكتاب المقدّس العبري" ) 1 . )
ثاني ا: الاحتكا بالأقوام والحضارات الأخرى:
" عاشت اليهودية في كنف عدة حضا ا رت تأ ثّرت بها وشكَّل بعضها تحدياً لها ولقيمها، فقد
تحركت اليهودية داخل التشكيلات الحضارية المختلفة في الشرق الأدنى القديم وتأثرت بها وتبنَّت
رموزها وقيمها" ) 2 . )
" فمثلاً استوعب العب ا رنيون فكرة التوحيد من المصريين القدماء، ثم حَدَث التغلغل العب ا رني في
كنعان، وحدثت المواجهة الأولى مع الحضارة الكنعانية، وحدثت المواجهة الثانية مع الحضارة
البابلية، وقد أدَّت هذه المواجهات إلى أنّ النسق الديني السائد بين العب ا رنيين قد استوعب الكثير من
العناصر الدينية والثقافية من هاتين الحضارتين، ثم من الحضارة الفارسية، ولكن المواجهات الثالثة
وال ا ربعة والخامسة، مع الحضارة الهيلينية) 3 ( والإسلامية ثم المسيحية على التوالي، كانت أكثر
حدة") 4 .)
إذ اً لا شك حسب فهم الباحث أنّ الاحتكاك بين بني إس ا رئيل والشعوب الأخرى قد أثّر - –
بشكل مباشر في ديانة اليهود وعقيدتهم، خاصة وأنّ التوحيد لم يستقرّ في نفوس غالبيتهم، وليس
أدلّ على ذلك أنّ بني إس ا رئيل قد عبدوا العجل وموسى بين ظه ا رنيهم، }وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً
ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ ََالِمُونَ {) البقرة / 51 (، ثم طلبوا إليه أن يجعل لهم صنماً من دون الله
1 . ) ( التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، فنكلشتاين وَ سيلبرمان، )ص 009
2 . )019/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3( الهيلينية: مصطلح يطلق على التقاليد الحضارية السائدة في عهد اليونانيين خاصة في عهد الاسكندر
المقدوني، وبدأت هذه الحضارة تتغلغل في أوساط الجماعات اليهودية طيلة العصر الروماني، خاصة بين نخبة
اليهود من أثرياء وكهنة، وتمثلت الثقافة الهيلينية في كافة مناحي الحياة التعليمية والثقافية والعم ا رنية والأدبية ... إلخ
239 239 ( بتصرف [ . - - / ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
4 . )019/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
018
، }وَجَاوَزْناَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ قَالُواْ يَا مُوسَى اجْعَل لَّنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ
قَالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ { )الأعراف/ 109 ( ، فإذا كان هذا حالهم في حياة نبيهم، فكيف بهم بعد موته
بسنوات وعقود وقرون؟! لا شكّ أنهم سيكونون أبعد عن ربهم وأقرب إلى الانح ا رف والزيغ.
وبما أن بني إس ا رئيل قد دخلوا أخي ا رً الأرض المقدّسة، فقد كان لهم احتكاك مباشر مع الحضارة
المتجذرة في هذه الأرض والشعب الأصلي، وهو شعب كنعان.
إذ إنهم كما تأثروا بنمط حياة الكنعانيين وخاصة في الجانب الز ا رعي، وتحولوا من بدو رحّل
إلى أصحاب ز ا رعة وفلاحة، كذلك أخذوا قسطاً من فكرهم وثقافتهم الدينية بشكل كبير، وبما أن
البيئة الكنعانية هي بيئة وثنية؛ فقد تأثر بها بنو إس ا رئيل، مما أدخل الكثير من العناصر الوثنية في
ديانتهم، لدرجة تأثرهم في فهم طبيعة إلههم "يهوه" وص ا رعه مع "آلهة كنعان") 1 .)
" بل إنّهم قدّسوا )بعل( إله الكنعانيين، وهجروا لهجتهم السامية الأصلية، واتّخذوا اللغة
الكنعانية، وورثوا عن الكنعانيين أسس الثقافة المادية، وعبدوا الإله )تموز( الذي كان الكنعانيون
يعتقدون موته صيفاً وعودة الحياة له ربيع اً " ) 2 .)
وعلم الآثار الحديث أثبت أنّ )مملكة إس ا رئيل( لم تكن في يوم ما إس ا رئيلية محضة، سواءً من
الناحية العرقية أو الثقافية أو الدينية، إذ تشير بعض د ا رسات الآثار هذه مثلاً إلى أن م ا ركز العبادة
لهذه المملكة كانت تحمل سمات مشتقة من التقاليد الكنعانية) 3 . )
" كما أن الوضع السياسي لبني إس ا رئيل في كيانهم الجديد، وخاصة بعد قيام مملكة داود
وسليمان عليهما السلام كان له أثرٌ في تشكّل الخلفية الدينية لهم؛ فقد تم تفسير هذا الحدث - –
1 - . ) ( انظر: تاريخ الديانة اليهودية، محمد خليفة حسن أحمد، )ص 230 232
2 . ) ( اليهود تاريخاً وعقيدة، سعفان، )ص 15
3 .) ( انظر: التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، فنكلشتاين وَ سيلبرمان، )ص 260
019
التاريخي الهام دينياً على أساس أنه تحقيق للعهد المكتوب من الربّ سابقاً وهو الوعد بالأرض، وأنّ
الاله "يهوه" قد اختار صهيون كمقر إقامة دائمة له " ) 1 . )
كل ما سبق يشير بحسب فهم الباحث إلى أنّ بني إس ا رئيل تأثّروا بشكل مباشر باحتكاكهم - -
بأصحاب الأرض الكنعانيين من الناحية الدينية كغيرها من النواحي، و كان ذلك من أسباب تأثّر
ديانتهم بما تحتويه التقاليد الدينية الكنعانية غير التوحيدية، مما أضاف حاف ا زً جديداً لعملية التغيير
والتبديل الممنهج في أصل الديانة أثناء تلك الفترة و فيما تلاها من فت ا رت.
علاوة على أنّ التأثر اليهودي بالأقوام المحيطة خاصة أثناء وجودهم في الأرض المقدسة - -
لم يكن مقتص ا رً على الأثر المحلي بل تعدّاه إلى الأثر الخارجي، وخاصة في فت ا رت سيطرة الدول
الكبرى مثل مصر على فلسطين. - -
وفي هذا السياق يقول الدكتور عبدالوهاب المسيري: " والواقع أنّ تاريخي فلسطين ومصر
مرتبطان منذ بداية التاريخ الإنساني؛ إذ كثي ا رً ما قامت مصر بضم فلسطين أو فرض سيطرتها
عليها، كما كان ف ا رعنة مصر يلعبون دو ا رً كبي ا رً في تحديد سياسة الدويلتين العب ا رنيتين )المملكة
الشمالية والمملكة الجنوبية( من خلال الأح ا زب الممالئة لهم فيهما " ) 2 .)
وهذه السيطرة المصرية على )الدويلتين العب ا رنيتين( لم تكن في فهم الباحث سيطرة سياسية - –
فحسب، بل تعدت إلى تأثير بشكل مباشر أو غير مباشر في الحياة الدينية.
و بعد قرون من الزمان وجد اليهود أنفسهم بعد م ا رحل من الذوبان والاندماج مع حضا ا رت -
وديانات وعقائد كبرى محيطة بهم أمام هيمنة جديدة من القوة اليونانية بقيادة الاسكندر - -
المقدوني التي حلّت بدلاً من الإمب ا رطورية الفارسية كما سبق ذكره. - –
1 .) ( اليهود تاريخاً وعقيدة، سعفان، )ص 236
2 . )92/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
001
وأمام هذه الهيمنة وجد اليهود أنفسهم وسط مدن كبيرة شيدها اليونان وسيطرت فيها الثقافة
الهيلينية، إذ كانت تقوم في كل واحدة من هذه المدن نظم ومؤسسات يونانية وهياكل للآلهة
والإلهات اليونانية، ومدارس، ومجامع علمية، ومدارس وساحات للألعاب الرياضية ) 1 .)
ثالث ا: فترة السبي والتشتت:
يقول السموأل) 2 ( في شأن اليهود: " ولا ينبغي للعاقل أن يستبعد اصطلاح كافة هذه الطائفة
على المحال واتفاقهم على فنون من الكفر والضلال، فإنّ الدولة إذا انقرضت عن أمة باستيلاء
غيرها عليها وأخذها بلادها؛ انطمست حقائق سالف أخبارها واندرس قديم آثارها، وتعذر الوقوف
عليها؛ لأنّ الدولة إنما يكون زوالها عن أمة بتتابع الغا ا رت والمصادمات واخ ا رب البلاد واح ا رق
بعضها، فلا ت ا زل هذه الفنون متتابعة عليها إلى أن تستحيل علومها جهلاً، وكلما كانت الأمة أقدم
واختلفت عليها الدول المناولة لها بالإذلال والإيذاء كان حظها من اند ا رس الآثار أكثر") 3 .)
سبق أن ذكر الباحث في الفصل السابق أنّ المملكة الشمالية سقطت في يد الآشوريين عام
921 ق.م، وأن "بختنصر" أقدم عام 594 ق.م على القضاء على حكم بني إس ا رئيل في الأرض
المقدّسة من خلال إسقاط المملكة الجنوبية، فيما عُرف في التاريخ بالسبي أو النفي البابلي.
" وقد كان لهذين الحدثين الكبيرين أعظم الأثر في الديانة اليهودية والفكر اليهودي، إذ ظهر
في فترة السبي هذه عامل جديد أدى إلى تطور هام في مجمل الديانة اليهودية وهو عامل ظهور
"النبوة" بمفهومها اليهودي حتى أصبحت الظاهرة الدينية الأساسية في فترة السبي الآشوري - –
1 .)50/ ( انظر: قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 9
2( السموأل: هو السموأل بن يحيى بن عباس المغربي، كان فاضلا في العلوم الرياضية عالما بصناعة الطب
وأصله من بلاد المغرب وسكن مدة في بغداد وارتحل إلى الموصل وديار بكر، ثم انتقل إلى بلاد العجم ولم يزل بها
إلى آخر عمره، كان يهودياً ثم أسلم فحسن إسلامه وصنف كتاباً في إظهار معايب اليهود وكذب دعاويهم في التو ا رة
ومواضع الدليل على تبديلها وأحكم ما جمعه في ذلك ومات شاباً ] عيون الأنباء في طبقات الأطباء، موفق الدين
أبي العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن يونس السعدي الخزرجي، تحقيق: د. ن ا زر رضا، دار مكتبة الحياة/
1145 م، )ص 691 ( بتصرف [ . - ، بيروت، ط 1
3 .) ( إفحام اليهود، السموأل، )ص 160
000
والبابلي، والنبوة حسب الفهم اليهودي ظاهرة تاريخية في المقام الأول، وتمثل ردّ فعل ديني تجاه
الأحداث و التطو ا رت السياسية" ) 1 . )
" وبما أن النبوة في نظر اليهود هي ردّ فعل على الأحداث السياسية فإنها لم تقتصر على - –
وظيفتها الدينية الأساسية، بل أصبح للأنبياء نشاط سياسي، و ا رحوا يصدرون أحكامهم الدينية على
مسيرة التاريخ )الاس ا رئيلي( آنذاك، بل قاموا بتطوير الديانة اليهودية، وظهرت عقيدة المسيح
المخلص المرتبطة بظروف السبي كمحاولة دينية لتعويض خسارة سقوط المملكة الأرضية" ) 2 ) .
إذاً، فهذه الفترة من تاريخ اليهود وفق ما يتضح للباحث هي فترة اضط ا رب ديني وفكري، – –
وصياغة العقيدة اليهودية فيها تأثرت بشكل كبير بالظروف السياسية، خاصة بعد الارتباك الذي
حصل بإخ ا رجهم من الأرض المقدّسة بالقوة.
وليس أدل على ذلك من أنّ العهد القديم )التو ا رة( جُمع على الأرجح لأول مرة في بابل بعد - –
السبي، ومن هنا فإن الذين آبوا إلى الأرض المقدسة عام 501 ق.م بأمر من الملك الفارسي
"قورش" هم شعب يختلف اختلافاً عظيماً في الروح والمعارف عن ذلك الشعب الذي أُخرج منها
مأسو ا رً قبل ذلك، ذلك لأنهم تشبّعوا بحضارة وثقافة البابليين) 3 . )
كما أنّ فترة السبي البابلي وما تلاها مباشرة في الحقبة الفارسية هي فترة بلغ فيها أحبار اليهود
وكهنتهم قمة قوتهم وكامل سيطرتهم على مقد ا رت اليهود) 4 ( مما يعني ب أ ري الباحث أنّ هذه - –
الفترة شهدت نشاطاً دينياً محموماً شكّل نقطة تحوّل هامة ساهمت بقوة في إعادة صياغة الفكر
اليهودي.
1 ( تاريخ الديانة اليهودية، محمد خليفة حسن أحمد، )ص 234 ( بتصرف. -
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 239
3 . )291/ ( انظر: بنو إس ا رئيل، محمد بيومي مه ا رن، ) 0
4 ( انظر: الفكر الديني الإس ا رئيلي أطواره ومذاهبه، د.حسن ظاظا، معهد البحوث والد ا رسات العربية/ جامعة الدول
.) العربية، قسم البحوث والد ا رسات الفلسطينية، ط)بدون(، 1191 م، )ص 01
001
ومن أبلغ آثار الحياة البابلية على دين اليهود كنموذج أنّ سفر )أستير( في العهد القديم - –
ي ا ره المحققون أنه ملحمة لا أصل لها في تاريخ اليهود أو التاريخ العبري، بل هي تصور ومحاكاة
لملحمة بابلية، وقد عارض بعض اليهود إقحامه أي سفر أستير في العهد القديم، لكنه لا ي ا زل - –
أحد الأسفار الهامة في العهد القديم يغّذي طموحات اليهود بطابع مقدس!) 1 . )
وعلى ضوء هذا يمكن فهم التأثير الآشوري والبابلي الهائل على صياغة الثقافة اليهودية، بل
على صياغة الكتاب المقدّس ذاته؛ إذ إنّ قسماً كبي ا رً من التاريخ الموصوف في الكتاب المقدّس
على أنه عامل لفسْق ملوك بني إس ا رئيل واثمهم وجشعهم، إنما يرتبط أكثر برياح سياسات القوى
الدولية) 2 .)
ويُلاحظ كانعكاس لحالة السبي والتشتت أن العاطفة الدينية تتفجر عند اليهود بعد - –
النكسات وحياة الشقاء التي تعرّضوا لها نتيجة أفعالهم وتتّجه هذه العاطفة شيئاً فشيئاً نحو مزيد - –
من التردّي والبعد عن ربهم.
فمن عجائب أمرهم أنهم بعد جولات الصغار والذلة التي يمرّون بها تجدهم يبارزون ربّهم
أيها الربّ إلهنا! إن أمورنا تعسة ملتوية علينا، وبؤسنا فوق طاقتنا، وقد « : بصلاة يردّدون فيها
(»! طال شتاتنا، وكله م ا ررة وعذاب، إنّك قد نسيتنا يا الله 3 . )
ويُلاحظ أن مما استقر في أذهان اليهود في شتاتهم وسبيهم وتمزقهم أنّ ملك الله وعظمته
جلّ عما يقولون لا يكتمل إلا إذا كانت الدولة والصولة لليهود!. - –
يا إلهنا املكْ على جميع « : " ومما يشير إلى ذلك صلواتهم وترتيلاتهم التي كانوا يقولون فيها
أهل الأرض ليقول كل ذي نسمه: الله إله إس ا رئيل قد ملك، ومملكته في الكل متسلطة...
وهم يعنون بذلك أنه لا يظهر أن الملك لله ،» وسيكون لله الملك، وفي ذلك اليوم يكون الله واحد اً
1 . ) ( انظر: اليهود تاريخاً وعقيدة، سعفان، )ص 21
2 .) ( انظر: التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، فنكلشتاين وَ سيلبرمان، )ص 254
3 .) 2339 م، )ص 51 ، ( اليهود وأكاذيبهم، مارتن لوثر، د ا رسة وتعليق: محمود النجيري، مكتبة النافذة/مصر، ط 1
003
إلا إذا صارت الدولة إلى اليهود الذين هم أمته وصفوته، فأما مادامت الدولة لغير اليهود فإن الله
خامل الذكر عن الأمم وأنه مطعون في ملكه مشكوك في قدرته! " ) 1 . )
!» لمَ تقول الأمم أين إلههم؟ انتبه! لم تنام يا رب؟، انتبه من رقدتك « : " ومن قولهم أيضاً
وهؤلاء إنما نطقوا بهذه الهذيانات والكفريات من شدة الضجر من الذل والعبودية والصغار وانتظار
فرج لا يزداد منهم إلا بعد اً " ) 2 .)
ويبدو أن اليهود عندما عاد بعضهم من السبي البابلي في عهد "قورش الأكبر" ملك فارس - -
أ ا ردوا كما يتضح للباحث أن يجنوا ثم ا رت الحشد الديني الت ا ركمي الذي تعاهدوه في بابل طوال - –
فترة السبي التي كانت محضن التو ا رة المؤلّفة من كتبة اليهود وأحبارهم، وأ ا رد بعض كهنتهم وكب ا رئهم
أن يقودوا مرحلة جديدة من التطوير الديني لليهودية بخلفيتها البابلية، وتحت سيف الولاء
للإمب ا رطورية الفارسية حديثة النشأة.
" فأقدم ستة آلاف يهودي بإذن وتوجيه من ملك فارس وبقيادة "عز ا ر") - – 3 (، على العودة إلى
فلسطين وبناء معبد هناك، إذ أوحى الربُّ وفق التو ا رة إلى ملك فارس أن يطلق نداءً عاجلاً في - –
كل مملكته لجمع التبرعات لبناء بيت الرب في أورشليم) 4 (، وقام هؤلاء العائدون في سياق مصالح
الدولة الفارسية على تغيير العقيدة اليهودية القائمة في فلسطين آنذاك وغذّ وها بالنبوءات اليهودية
الجديدة التي ظهرت في بابل" ) 5 . )
1 ( إفحام اليهود، السموأل ، )ص 129 129 ( بتصرف يسير . - -
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 101
3( عز ا ر: )منتصف القرن الخامس قبل الميلادي( هو كاتب الشريعة الموسوية، وهو كاهن من أسرة صادوق ورئيس
الجماعة اليهودية العائدة من بابل، وفي العهد القديم سفرٌ باسمه، حاول بإذن من الامب ا رطور "أرتحشتا الأول" إعادة
231 ( بتصرف [ . - / بناء اليهودية على أساس التو ا رة والشريعة ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
4 - . 6 1 : ( انظر: عز ا ر، 1
5 ( اليهود تاريخاً وعقيدة، سعفان، )ص 22 ( بتصرف. -
004
المطلب الثالث:
مناقشة مصادر العقيدة اليهودية
تم الحديث في المطلبين السابقين عن مصادر الفكر اليهودي والعوامل والظ روف الموضوعية
المؤثرة فيه، ووجد أنّ هناك تداخلاً كبي ا رً بين تاريخ اليهود وعقيدتهم، وتنوعت مصادر فكرهم
وتعددت مداخل ثقافتهم الدينية، لذا لا بد من وقفة لنقد ومناقشة وتمحيص هذه المصادر، خاصة
وأنه اعت ا رها كل ما أشار إليه الباحث من ظروف وملابسات.
وتكمن أهمية هذه المناقشة وهذا التمحيص في أنّ عقيدة اليهود في الأرض المقدسة تستند
أساساً إلى هذه المصادر إما بالاستدلال المباشر أو التأثّر غير المباشر، لذا تم استع ا رض خلفية
عامة موجزة عن هذه المؤث ا رت والعوامل، ومن هنا كان ل ا زماً على الباحث في السطور القادمة أن
يضع هذه المصادر على مي ا زن الشرع والعقل والتاريخ ومحاكمتها بما توفر من أد لّة وب ا رهين وما بدا
من تناقض والتباس شديدين.
وسيتناول الباحث هذه المناقشة الموجزة في عناوين محددة، دون الخوض في تفاصيل
ودقائق ليس هنا محل ذكرها والاستفاضة فيها.
أولا : قطعية ثبوت التحريف:
إذ إنّ أهم ما يُس قَط به دين اليهود هي هذه العلة، واذا ثبت أنّ المصادر التي يستقي منها
اليهود دينهم وعقيدتهم وفكرهم هي مصادر محرّفة مبدّلة، سقط مذهبهم بالجملة، إذ كيف يسوغ أن
يُستدل على معتقدات كبرى عند اليهود بمصادر بشرية لا حظ لها من الربانية، سوى القدسية ال ا زئفة
التي خلعها كب ا رء القوم على كتبهم، كحلقة من حلقات التزوير والتحريف؟!
005
وقد دوّنت أسفار عظيمة) 1 ( قديماً وحديثاً في الردّ على اليهود، وبيان تحريف كتبهم،
والاستدلال بتناقضات كتابهم ويمكن أن يورد الباحث هنا شيئاً مما قيل، ويعلّق عليه.
نؤمن نحن المسلمين أن التو ا رة التي بين أيدي اليهود منذ زمان نبينا وقبله فضلاً عما -
بين أيدينا اليوم هي تو ا رة محرّفة وقع فيها التبديل والتغيير قطعاً، ومصدر علمنا القطعي الثبوت –
والأول والأهم والأوثق هو كلام خالقنا وخالق اليهود وخالق الكون وما فيه ومن فيه، وهو أعلم بنا
وبهم من أنفسنا وأنفسهم، إذ بيّن الله ص ا رحةً في العديد من آيات القرآن حقيقة وقوع التحريف.
ومنها: قوله تعالى: }أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ
مِن بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ{ )البقرة/ 95 (، " فالذين يحرفونه والذين يكتمونه، هم العلماء منهم، وقيل:
التو ا رة التي أنزلها عليهم، يحرفونها، يجعلون الحلال فيها ح ا رماً، والح ا رم فيها حلالا ، والحق فيها
باطلا ، والباطل فيها حق اً " ) 2 . )
" فقال الله لنبيه : كيف تطمعون في تصديق هؤلاء اليهود إياكم وانما تخبرونهم بالذي -
تخبرونهم من الأنباء عن الله عن غيب لم يشاهدوه ولم يعاينوه، وقد كان بعضهم يسمع من الله
كلامه وأمره ونهيه، ثم يبدله ويحرفه ويجحده، فهؤلاء الذين بين أظهركم من بقايا نسلهم، أحرى أن
يجحدوا ما أتيتموهم به من الحق وهم لا يسمعونه من الله، وانما يسمعونه منكم من أوائلهم الذين - -
باشروا كلام الله من الله جل ثناؤه، ثم حرفوه من بعد ما عقلوه وعلموه متعمدين التحريف) 3 .)
ومن أدلة التحريف أيضاً: قوله ،) : }مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ{ )النساء/ 64
" قيل: أي يتأولونه على غير تأويله، وذمهم الله بذلك، لأنهم يفعلونه متعمدين" ) 4 (، وقوله :
}فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ وَنَسُواْ حَظّاً مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ{
1 ( من أهم هذه المصنفات للاست ا زدة: الفصل في الملل والأهواء والنحل، لابن حزم الأندلسي، أيض اً: إظهار الحق،
لرحمة الله الهندي.
2 .)264/ ( جامع البيان في تأويل الق آ رن، الطبري، ) 2
3 .)069/ ( المصدر السابق، ) 2
4 .)260/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 5
006
)المائدة/ 10 (، " أي: فسدت فهومهم وساء تصرفهم في آيات الله، وتأولوا كتابه على غير ما أنزله،
وحملوه على غير م ا رده، وقالوا عليه ما لم يقل، }وَنسَُوا حَظّاً مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ{ أي وتركوا العمل به
رغبة عنه، وقيل: تركوا عرى دينهم ووظائف الله تعالى التي لا يقبل العمل إلا بها، وقيل: تركوا
العمل فصاروا إلى حالة رديئة، فلا قلوب سليمة، ولا فطر مستقيمة، ولا أعمال قويمة" ) 1 . )
ومن أدلة تحريفهم القاطعة قوله : }فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ
اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ )البقرة/ 91 (، " يعني بذلك: الذين
حرفوا كتاب الله من يهود بني إس ا رئيل، وكتبوا كتاباً على ما تأولوه من تأويلاتهم، مخالفا لما
أنزل الله على نبيه موسى - ، ثم باعوه من قوم لا علم لهم بها، ولا بما في التو ا رة، جهال بما -
في كتب الله لطلب عرض من الدنيا خسيس" ) - 2 . )
" وقد أكّد سبحانه بقوله: }بأَِيْدِيهِمْ{ أنّ أحبار اليهود تلي كتابة الكذب والفرية على الله
بأيديهم، على علم منهم وعمد للكذب على الله، ثم تنحله إلى أنه من عند الله وفي كتاب الله، تَكَذُّبا
على الله وافت ا رء عليه، فنفى جل ثناؤه بذلك التأكيد أن يكون ولي كتابة ذلك بعض جهّالهم بأمر
علمائهم وأحبارهم" ) 3 .)
و في اعتقاد الباحث أن المسلم يكفيه هذا أي خبر الق آ رن العظيم دليلاً وبرهاناً لا يحتاج - –
إلى تثنية أو توكيد؛ إذ كيف لمؤمن بالله ورسوله يسمع هذا البيان الصريح والقول الفصيح
في فضح تحريف اليهود لكتبهم وعظم فريتهم على خالقهم، وانطباع سريرتهم على قول الزور
والبهتان، ثم يشكّ في أنّ ما بين أيديهم اليوم من أسفار هو كلام سماوي مقدّس، كما هو ديدن
بعض المثقفين من المسلمين الذين دأبوا في خطابهم يكررون عب ا رت الثناء والتمجيد للكتاب المقدس
بدعوى سماحة الإسلام وتحت شعار "لا إك ا ره في الدين" !!.
1 ( تفسير القرآن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق: محمود حسن، دار
.)60/ الفكر/ بيروت، ط )بدون(، 1616 ه/ 1116 م، ) 2
2 . )293/ ( جامع البيان في تأويل الق آ رن، الطبري، ) 2
3 292 ( بتصرف . - / ( المصدر السابق، ) 2
007
ثاني ا: بطلان النسبة وانقطاع السند:
أثبت الباحث آنفاً خبر التحريف من كتاب الله الذي }لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ
مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ { )فصلت/ 62 (, فلا بد أن نرمي اليهود بسهامهم ونقذفهم بأحجارهم، ونلزمهم بما
لا يجدون سبيلاً إلى إنكاره، وذلك من خلال بيان التحريف بمنطوق ومفه وم كتبهم.
فبعد أن تطرق الباحث إلى طرف من الظروف والمؤث ا رت والعوامل التي جعلت التو ا رة تصل
لليهود بشكلها الحالي، فإنّ النتيجة مفادها أنّ من غير الممكن نسبة كتابة هذه الأسفار إلى موسى
كما يدعي اليهود، فضلاً عن استحالة نسبة شيء منها إلى الرب .
" إذ لا بد لكون هذا الكتاب سماوياً واجب التسليم أن يثبت أولاً بدليل تام قاطع مفاده أن هذا
الكتاب وضعه أو أملاه موسى ، ثم وصل إلينا بعد ذلك بالسند المتصل، بلا تغيير أو تبديل،
ولا بد أن يعتمد كل هذا على اليقين، ومجرد الوهم أو الظن أو التخمين دونما برهان أن هذا - -
الكتاب من وضع فلان النبي فغير كاف؛ بل غير جدير بالالتفات إليه" ) 1 . )
ونحن المسلمين نؤمن بالتوا رة التي نزلت على موسى - ونؤمن بأنها نزلت بالهدى -
والنور والتوحيد والرحمة لقوله : } نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن
قَبْلُ هُدًى لِّلنَّاسِ وَأَنزَلَ الْفُرْقَانَ {)آل عمران/ 0 2 (، وقوله - : } وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً
{)هود/ 19 (، أما ما عدا ما أنزله الله على موسى لا يعترف الإسلام به، ثم إنّ التو ا رة
التي نؤمن بها لم يعد لها وجود حقيقةً على الوجه الذي نزلت به، لما سبق ذكره من إقدام اليهود
على تحريفها، ناهيك عن أنها نُسبت إلى غير مؤلفيها الحقيقيين، وتواريخ تدوينها وتأليفها بعيدة عن
الدقة وبها الكثير من المتناقضات) 2 .)
1 1613 ه/ 1113 م، ، ( في مقارنة الأديان.. بحوث ود ا رسات، د. محمد عبدالله الشرقاوي، دار الجيل/بيروت، ط 2
.) )ص 41
2 . ) ( انظر: اليهودية، د. شلبي, )ص 269
008
وقد علمنا فيما سبق أنّ أهم أسفار التو ا رة عند اليهود هي الأسفار الخمسة التي ينسبونها - –
إلى موسى ويعتقدون أنها بوحي من الله ، ولكن ظهر للمحدثين من الباحثين من خلال -
ملاحظة الأساليب واللغات والبيئات التي كتبت فيها هذه الأسفار أنها قد دوّنت في عصور لاحقة -
لموسى بقرون طويلة، وأنها أي الأسفار كتبت بأقلام اليهود، واحتوت عقائد وش ا رئع - –
مختلفة تعكس البيئة والأفكار والنظم التي عايشها اليهود في فت ا رت متباعدة) 1 . )
ومن أوضح ما يُستدل به من العهد القديم ذاته على عدم صحة نسبة الأسفار إلى موسى
ف ما ت م هن ا ك م مو س ع ب م د الرَّ ي ب يفِ أَ ر ي ض م موأ ب ح س ب ق و ي ل الرَّ ي ب . و دف ن م ه يفِ ال ي ج وا ي ء « : ما ورد في سفر التثنية
يفِ أَ ر ي ض م موأ ب، م مق ا ي ب ل ب ي ي ت ف م غو ر . ول م ي ع ي ر ف ن سانٌ
ِ
ا ق بَم ه لَ
ِ
( » ا ه ذا ال ي و ي م 2 (، ووجه البطلان أن موسى
يتحدث عن خبر موته ودفنه، وهذا محال يقيناً، فهل يعقل نسبة السفر إليه؟!
وه م ؤ لا ي ء م م ه ال م ملمو م ك ا يَّ لَّي ن مل م كوا يفِ أَ ر ي ض أَ م دو م ، ق بل ما م لِ م يلٌِ « : ومن ذلك ما ورد في سفر التكوين
ي ل ب ينِ سْائيي ل
ِ
( » ا 3 ( ، " ولا يمكن أن تكون هذه الآية من كلام موسى ؛ لأنها تدلّ على أنّ المتكلم
بها بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إس ا رئيل، وأول ملوكهم "شاول"، وكان بعد موسى بثلاثمائة
وست وخمسين سنة" ) 4 . )
وأَ كُ ب نمو سْائيي ل « : ومن ذلك ما ورد في سفر الخروج
ِ
ا ال منَّ أَ رب ي ع ين س ن ة حتََّّ جا م ءوا لَ
ِ
ا أَ رضٍ ع ا ي م رةٍ .
أَ م كَوا ال منَّ حتََّّ جا م ءوا لَ
ِ
( » ا ط ر ي ف أ ر ي ض ك ن عا ن 5 ( ، وهذه ليست من كلام موسى كذلك؛ لأن اللّه
ما أمسك المنّ من بني إس ا رئيل مدة حياته، وما دخلوا في أرض كنعان إلى هذه المدة " ) 6 ( ) 7 . )
1 - . ) ( انظر: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 19 14
2 - . 4 5 : ( تثنية 06
3 . 01 : ( تكوين 04
4 . )649/ ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
5 . 05 : ( خروج، 14
6 . )695 / ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
7 ( للاست ا زدة من الأدلة حول عدم صحة نسبة التو ا رة إلى موسى من نصوص التو ا رة نفسها، ا رجع: إظهار
- .)104 126/ الحق، رحمة الله الهندي، ج 2، أيضاً: بنو إس ا رئيل، محمد بيومي مه ا رن، ) 0
009
ومن الحقائق التي يستدل بها على انقطاع سند التو ا رة واضط ا رب نسبتها ما يلي) 1 :)
أولً: ضياع نسخة التو ا رة الأولى التي عهد موسى بها إلى خاصة قومه، بعد أزمنة من
التذبذب بين الردّة والعودة إلى الدين، وبعد عهود من الحروب والن ا زعات والاضط ا رب، إذ لم يُعلم
جزماً متى ضاعت التو ا رة أصلاً، فضلاً عن عدم العلم بمصيرها.
ثانياً: حالة الردة والكفر والوثنية التي تقلب فيها بنو إس ا رئيل، خاصة بعد موت سليمان ،
إذا استمرت ردّتهم نحو أربعمائة عام، فما حاجتهم إذ اً إلى التو ا رة وهذا حالهم؟! وفي هذا إمعان في
تركها واهمالها وانقطاع سندها.
ثالثاً: حالات النهب والسطو من قبل الغ ا زة لبيت المقدس وعموم دويلتي بني إس ا رئيل
المتنازعتين، وقد ت ركزت وتوجّهت حالات السلب والحرق والتدمير إلى المعابد التي هي مظانّ -
وجود نسخ الشريعة والتو ا رة فيما يقضي على إمكانية بقاء نسخ أصلية للتو ا رة، هذا إن وجدت -
أصلاً بعد ما سبق من إثبات لضياعها بنص العهد القديم.
ا ربعاً: في عهد "بختنصر"، انعدمت التو ا رة عن صفحة العالم أ رساً، وكذا جميع كتب العهد
القديم التي كانت مصنفة قبل غزوه لأرض فلسطين مرّتين ) 519 ثم 594 ق.م(، وهذا الأمر مسلّم
به عند أهل الكتاب أيضاً، إذ لم يجدوا ملج أً من الإق ا رر بأن ما كتبه "عز ا ر" )أي بعد العودة من
بابل( شابهُ الخطأ والتغيير والعشوائية.
خامساً: بعد إعادة كتابة التو ا رة على يد "عز ا ر" وقع أن غ ا ز ملك من ملوك الفرنج "أورشليم"،
وأقدم أيضاً على حرق جميع نسخ العهد القديم التي حصلت له من أي مكان بعد ما قطّعها، وأمر
بمن يوجد عنده نسخة من هذه النسخ أو من يؤدي رسم الشريعة أن يُقتل، وتعدم تلك النسخة.
وللأسباب السابقة وغيرها لم يقبل الباحثون الرواية التي أوردها العهد القديم) 2 ( لقصة العثور
1 - . )439 511/ ( انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
2 . 20 ، ( انظر: الملوك الثاني، الإصحاحان: 22
011
على نسخة التو ا رة في بيت المقدس من قبل الكاهن "حلقيا") 1 ( في عهد الملك "يوشيا بن
آمون") 2 ( بعد قرون من ضياعها وفقدانها، إذ إن تواتر التو ا رة في اليهود منقطع قبل زمان يوشيا،
والنسخة التي وجدت في عهده لا اعتماد عليها ولا يثبت بها التواتر، ومع ذلك ما كانت معمولة إلا
إلى ثلاث عشرة سنة، وبعدها لم يعلم حالها، والظاهر أنه لما رجع الارتداد والكفر بين أولاد يوشيا
ا زلت قبل حادثة "بختنصر") 3 .)
" بل إنّ من المفكرين الغربيين من يخلص إلى القول بأنّ التو ا رة التي ظهرت في عصر الملك
"يوشيا" ما هي إلا تأليف لملحمة جديدة كمحاولة سياسية بطابع ديني، لأن "يوشيا" هذا كان على
ص ا رع مع فرعون مصر، وأ ا رد أن يعيد إنتاج سيناريو )قصة موسى البطولية(، الذي يخلّص
الاس ا رئيليين من قبضة وسطوة حكام مصر" ) 4 . )
" ومما يثير التساؤلات حول سند التو ا رة وتسلسلها الزمني، هو ما تطرحه التو ا رة ذاتها عند
عرضها للحوادث التاريخية؛ إذ لم تنسق التو ا رة هذه الأحداث بحسب أزمانها وأدوارها، وذلك كي
يلتبس الأمر على القارئ فيعجز عن تحديد تواريخ الأحداث وتتبع زمن كل منها، فخلطت بين
1 ( حلقيا: )الكاهن الأكبر(، حلقيا اسم عبري معناه: "الرب نصيبي"، وهو رئيس الكهنة في عهد الملك "يوشيا"، وهو
أبو "ألياقيم"، من "بني م ا رري" من "اللاويين"، وهو أبو النبي "ارميا" وفق سفر ارمياء، وأبو أحد الرسولين اللذين
أرسلهما "صدقيا" ملك يهوذا إلى "نبوخذ نصر"، يزعم الكتاب المقدّس أنه اتفق أن وجد حلقيا )سفر الشريعة( بينما
كان يحسب الفضة المدخلة )للهيكل(، وانه كان الكاهن الذي يقف بجانب "عز ا ر" عندما كان يق أ ر الشريعة لبني
092 091 ( بتصرف [ . - - / إس ا رئيل. ] قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
2 ( يوشيا ابن آمون: يوشيا اسم عبري بمعنى )الرب يشفي(، هو ملك "يهوذا" وخلفه، تبوأ الملك عندما بلغ 9
سنوات، وحكم 01 عاماً ) 413 461 ق.م(، حارب الأصنام وعبادة التماثيل في العام 19 من حكمه وفق العهد - –
القديم وق أ ر سفر العهد على شعبه وعاهدوه على التوبة، واحتفل بعيد الفصح، ثم مات على إثر جرح في معركة مع -
فرعون مصر "نخو" في مجدّو، ودفن في "أورشليم" وفق سفر الملوك الثاني. ] انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج
. ] )550/ بوست، ) 2
3 .) 234 (، أيضاً: اليهودية، د. شلبي، )ص 251 / ( انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
4 ، ( تاريخ الكتاب المقدّس، كارين أرمسترونج، ترجمة: د. محمد صفار، مكتبة الشروق الدولية/ القاهرة، ط 1
1601 ه/ 2313 م، )ص 22 ( بتصرف، انظر أيضاً: التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، فنكلشتاين وَ -
. ) سيلبرمان، )ص 063
010
أحداث فصلت بينها عدة قرون، والأرجح أن مدوني التو ا رة تعمّدوا ذلك لإرجاع تاريخهم إلى أزمان
قديمة لم يكن لهم أي صلة بها" ) 1 . )
ومسألة انقطاع سند التو ا رة هي محل اتفاق بين العديد من العلماء الغربيين اللاهوتيين وبين
علماء المسلمين، إذ يقول أشهر الناقدين اليهود للعهد القديم، الفيلسوف "باروخ سبينو ا ز") 2 (: "إن
المعرفة التاريخية للظروف الخاصة بكل أسفار الكتاب ل تتوفر لدينا في معظم الأحيان، والواقع
أننا نجهل الأشخاص الذين كتبوها، أو نشكّ فيهم، ومن ناحية أخرى، ل ندري في أية مناسبة
وفي أي زمان كتبت هذه الأسفار التي نجهل مؤلفيها الحقيقيين، ول نعلم في أيدي من وقعت،
وممن جاءت المخطوطات الأصلية التي وجد لها عدد من النسخ المتباينة ") 3 . )
ويخلص سبينو ا ز إلى أن: "موسى ليس هو مؤلف الأسفار الخمسة؛ بل إنّ مؤلفها
شخص آخر عاش بعده بزمن طويل، وأن موسى قد كتب سف ا رً مختلفاً عن هذه الأسفار") 4 . )
وهذا العالم الغربي الفرنسي مورس بوكاي) 5 ( يعترف ص ا رحة في القرن العشرين بأنّ التو ا رة لم
1 1190 م، )ص ، ( العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، العربي للإعلان والنشر والطباعة/ دمشق، ط 2
191 ( بتصرف. -
2 ( باروخ سبينو ا ز ) 2177 2102 م(: فيلسوف هولندي ولد في أمستردام لأبوين يهوديين، اكتسب في بدء حياته -
سمعة المفكر الحر، ولذلك طرد من المجتمع اليهودي في عام 1454 م، ثم عاش في عدة مدن في هولندا صانعًا
للعدسات، كان سبينو ا ز طوال حياته داعيًا للتحرر الديني والسياسي، وكان يعتز باستقلاله، ورفض عروضًا لمعاش
من الملك لويس ال ا ربع عشر ملك فرنسا، وأستاذية جامعية في ألمانيا، وبالرغم من أن سبينو ا ز وجد الاحت ا رم من
الجميع فإنه كان مثي اً ر للجدل؛ بسبب آ ا رئه الشاطحة في الدين والفلسفة والسياسة ] الموسوعة العربية العالمية،
2312 م بتصرف [ . - /36/ بتاريخ: 22
3 ، ( رسالة في اللاهوت والسياسة، باروخ سبينيو ا ز، ترجمة: د. حسن حنفي، الهيئة العامة للكتاب/القاهرة، ط 1
. ) 1192 م، )ص 255
4 . ) ( رسالة في اللاهوت والسياسة، سبينيو ا ز ، )ص 244
5( موريس بوكاي: طبيب فرنسي نشأ مسيحياً كاثوليكياً، وبعد د ا رسته للكتب المقدسة عند اليهود والمسلمين ومقارنة
قصة فرعون، أسلم، وألف كتاب: )التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم( الذي نشر عام 1194 م وتُرجم ل 19 لغة منها
العربية، أثارت آ ا رء وبحوث بوكاي المقارنة جدلا شديداً في وطنه وخارجه، ولكن قدر الاهتمام بها كان أكبر، وبقيت
د ا رساته شاهدة على روح البحث العلميّ النزيه والموضوعيّ في آن واحد، توفي في باريس عام 1119 م ] انظر:
موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: موريس_بوكاي www.wikipedia.org/wiki 2312 م [ . /34/ ، بتاريخ 20
011
تسلم من الخلط والهوى، فيقول: " لقد اختلط الوحي )أي في التو ا رة( بالكثير من الكتابات، ول
نعرف اليوم إل ما تركه لنا منه الذين عالجوا نصوصه، حسب هواهم ووفق الظروف التي وجدوا
فيها، والضرو ا رت التي واجهوها") 1 . )
لقد قام الباحث بنقل هذه الشهادة نصاً ممّا اختطّته يد عالم يهودي ناقد للتو ا رة؛ و يد كاتب
فرنسي معاصر؛ لترى الفارق الهائل والبون الشاسع بين توثيق قرآننا المحفوظ برعاية الرحمن،
وسنّتنا الشريفة المنقولة بأعظم طرق التمحيص والتثبّت التي عرفها التاريخ، وبين الطريق الغامض
الذي وصلتنا منه تو ا رة اليهود و)الكتاب المقدّس( عموماً، فلا سند متصل، ولا متن سليم، ولا رجال
معروفون، ولا رواة موثوقون، بل هي نص منقول من مجهول عن مثله إلى منتهاه، مع سيل من
العلل والشذوذ والتناقضات، فهذه فرصة للمقارنة وشكر الله على منته على أمتنا وم لّتنا.
وقد خلص علماء غربيون بل ويهود مع نهاية القرن الثامن عشر وفي القرن التاسع عشر إلى
أنه لم يكن لموسى أي يد على الاطلاق في كتابة أسفار التو ا رة) 2 . )
ولا يقف الطعن في نسبة العهد القديم إلى مؤلّفيه عند حدّ ما يعرف بأسفار موسى الخمسة، بل
يتعداه إلى بقية أسفار العهد القديم، فيقرر العلماء الغربيون بأنّ الكثير من الأسفار في العهد القديم
نُسبت إلى غير مؤلفيها الحقيقيين بفارق قرون من الزمان، فمثلاً: يرى بعضهم أن سفر "يوشع"
كتبه "ارمياء") 3 (، في حين أنّ بين يوشع وارمياء ثمانية قرون ونصف!!) 4 . )
1 ، ( التو ا رة والإنجيل والق آ رن والعلم، موريس بوكاي، ترجمة: الشيخ حسن خالد، المكتب الإسلامي/بيروت، ط 0
. ) 1611 ه/ 1113 م، )ص 03
2 .) ( انظر: التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، فنكلشتاين وَ سيلبرمان، )ص 04
3 585 ق.م(: ثاني الأنبياء الكبار عند اليهود، وكان من أسرة من الكهنة ناصبته - ( ارمياء = إرميا ) 121
العداء بسبب موقفه، بدأ في التنبؤ عام 429 ق.م أثناء ملك يوشيا، فأعلن أن القدس ستسقط في يد البابليين، وحذر
من الثورة ضدها، وقد اتهمه الكهنة بمحاولة الانضمام إلى العدو وسجنوه في قبو، وظل إلى أن سقطت القدس على
يد نبوختنصر، فرَّ العب ا رنيون إلى مصر واضطر إرميا إلى الف ا رر معهم، حيث استمر في التنبؤ هناك، وكانت آخر
123 ( بتصرف [ . - / نبوءاته أن اللعنة ستحل على يهود مصر لعبادتهم الأوثان ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4 . ) 121 (، أيضاً: اليهودية، د. شلبي، )ص 250 / ( انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 1
013
ويمكن القياس على هذا الاختلاف في الكثير من الأسفار التي اختُلف في نسبتها، وتباينت
الآ ا رء حول مؤلفيها) 1 . )
واذا ثبت بناء على ما سبق أن العهد القديم منقطع السند مجهول النسبة، مع ما خُلع عليه - -
من القداسة والتنزيه، فمن باب أولى أن صفة الانقطاع لصيقة ببقية مصادر الفكر اليهودي،
وخاصة ثانيها؛ وهو التلمود، الذي ما هو إلا نصوص تفسيرية لحاخامات خلطوا الشريعة بالهوى،
خاصة مع اتّسامه بالسرّية ومحاولات الاخفاء، ناهيك عن تعرّضه لكثير من التغيير والتطوير.
ثالث ا: اختلاف فرقهم عل أسفارهم:
ومن عجائب كتابهم )المقدّس( المنسوب زو ا رً إلى الله – ونبيه موسى - أنّ فرقهم
وطوائفهم مختلفة في صُلب أصول هذا الكتاب, بل إنهم على تباين في الاعت ا رف ببعض أنبيائهم.
واذا علمنا ابتداءً أنّ اليهود والنصارى يقدّسون العهد القديم، فإنّ الأصل أن يُجمع الطرفان
على القدسية الكاملة لهذا الكتاب، وأن يتفقا في صحة نسبته إلى الله أو إلى أنبياء بني إس ا رئيل،
وذلك أضعف الإيمان، إذ كيف يُختلف على كتاب يدّعي القوم قدسيته وهيمنته وربانيته.
" لكن في واقع الحال فإنّ الخلاف قائم بينهم، إذ إن أسفار العهد القديم غير متفق عليها بعد،
فبعض أحبار اليهود يضيفون أسفا ا رً لا يقبلها أحبار آخرون، واذا جئنا إلى النص ا رنية وجدنا أنّ
النسخة الكاثوليكية تزيد سبعة أسفار عن النسخة البروتستانتية" ) 2 . )
ومن أهم اختلافاتهم أنّ " السامريين لهم تو ا رة غير تلك التي بأيدي سائر اليهود، ويبطلون كل
نبوة كانت في بني إس ا رئيل بعد موسى و يوشع عليهما السلام" ) - 3 (، " وجمهورهم لا يؤمنون سوى
1 ( للاست ا زدة: ا رجع المصدرين السابقين.
(2 اليهودية، شلبي، )ص 203 ( بتصرف يسير. -
3 . )199 / ( الفصل، ابن حزم، ) 1
014
بأسفار موسى الخمسة، ولا يرون غيرها كتاباً مقدّساً، ويضيف بعض السامريين سفري "يوشع"
و"القضاة"، ويرون في هذه الأسفار السبعة كتابهم المقدّس" ) 1 ) .
" ذلك أنّ اليهود بعد أنّ عاد بعضهم من بابل، ظهر عداءٌ شديد بين العب ا رنيين )وهم غالبية
اليهود( وبين السامريين، وبسبب هذا العداء اختلفت التو ا رة السامرية عن التو ا رة العب ا رنية، فكل منهما
يدّعي امتلاك الحق ويتّهم الطرف الآخر بتزوير وتحريف كتاب الله " ( 2 . )
وفضلاً عن عدم اعت ا رف السامريين سوى بالأسفار الخمسة من العهد القديم، فإنهم لا يعترفون
بالتلمود ولا يتّبعون أحكامه ويعتقدون بانتسابهم إلى يوسف الصدّيق ، ويحجّون إلى جبل
"جرزيم" بنابلس خلافاً لسائر اليهود) 3 . )
" ويقول السامريون بأنّ التو ا رة التي بأيدي اليهود )أي العب ا رنيين( ليست التو ا رة التي أوردها
موسى ، ويقولون: تو ا رة موسى حُرّفت، وغُيّرت، وبُدّلت، أونّ التو ا رة هي ما بأيديهم دون
غيرهم") 4 . )
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عن اختلاف نسخ التو ا رة العب ا رنية والسامرية: " ولا - –
يمكن أحداً من أهل الكتاب أن يدعي أن كل نسخة في العالم بجميع الألسنة من الكتب متفقة على
لفظ واحد؛ فإن هذا مما لا يمكن أحداً من البشر أن يعرفه باختباره وامتحانه، وا نما يعلم مثل هذا
بالوحي، والّا فلا يمكن أحداً من البشر أن يقابل كل نسخة موجودة في العالم بكل نسخة من جميع
الألسنة بالكتب الأربعة والعشرين، وقد أ ريناها مختلفة في الألفاظ اختلافاً بيّنا، والتو ا رة هي أصح
الكتب وأشهرها عند اليهود والنصارى، ومع هذا فنسخة السامرة مخالفة لنسخة اليهود والنصارى،
1 . ) ( اليهودية، شلبي، )ص 201
2 ( التو ا رة السامرية، النص الكامل للتو ا رة السامرية باللغة العربية، ترجمة الكاهن السامري: أبو الحسن إسحاق
1019 ه/ 1199 م، )ص 4( بتصرف. - ، الصّوري، نشر وتقديم: د. أحمد جازي السقا، دار الأنصار/مصر، ط 1
3 .) ( انظر: المصدر السابق، )ص 19
4 - . ) 232 ( بتصرف، انظر أيضاً: تاريخ اليهود وآثارهم في مصر، المقريزي، )ص 124 / ( الفصل، ابن حزم، ) 1
015
حتى في نفس الكلمات العشر ذكر في نسخة السامرة منها من أمر استقبال الطور ما ليس في
نسخة اليهود والنصارى، وهذا مما يبين أن التبديل وقع في كثير من نسخ هذه الكتب" ) 1 . )
إذاً، فالتو ا رة السامرية تختلف في مواطن كثيرة عن التو ا رة العب ا رنية، حيث بلغت الاختلافات
مائة واثنين وثمانين ) 192 ( فرق اً) 2 (، ويمكن فهم هذه الاختلافات عند النظر في مواطنها، إذ يتضح
أنها تعكس حالة الخلاف والعداء الشديدين بين العب ا رنيين والسامريين، ولو لم نق أ ر التو ا رة السامرية
ما كنا لنعلم كثي ا رً مما كتبه اليهود بأيديهم لأغ ا رضهم الخاصة ) 3 .)
" وما يقال في المقارنة بين التو ا رة السامرية والتو ا رة العب ا رنية، يقال أيض اً بين التوا رة اليونانية
والسامرية، وبين العب ا رنية واليونانية" ) 4 . )
وما يُقال في التو ا رة من خلاف وهو الأهم يقال في التلمود أيضاً، فاليهود منقسمون منذ - –
القدم حول تعاليم التلمود، فالربانيون) 5 ( منهم يعملون بما في "المشنا"، ويعوّلون في أحكام الشريعة
على ما في التلمود، ويقدّمون أقوال الأحبار على النصوص الإلهية، وهم جمهور اليهود) 6 .)
1 ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن تيمية
- . )653 661/ 1611 ه/ 1111 م، ) 2 ، الح ا رني، تحقيق: علي سيد صبح المدني، دار العاصمة/الرياض، ط 2
2 ( انظر: الفروق بين التو ا رة السامرية والعب ا رنية في الألفاظ والمعاني، د. أحمد حجازي السقا، تقديم: أسعد سيد
- .)95 1019 ه/ 1199 م، )ص 11 ، احمد، دار الأنصار/ مصر، ط 1
3 . ) ( انظر: التو ا رة السامرية، د. أحمد حجازي السقا، )ص 10
4 . )640/ ( المصدر السابق، )ص 10 (، انظر أيضاً: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
5( الربانيون: جمع ربّان بمعنى الحبر، وهي الفرقة اليهودية التي تمثّل جمهور اليهود، وهم شيعة الحاخامات
الفقهاء، وهي فرقة بعيدة عن العمل بالنصوص الإلهية، ومتبعة لآ ا رء من تقدمها من الأحبار، وتعوّل على التلمود،
وهم أبعد طوائف اليهود عن أصول الديانة الموسوية، وأكثرها عداوة لغير اليهود من الأمم ] انظر: إفحام اليهود،
. ] ) السموأل، )ص 196 (، أيضاً: تاريخ اليهود وآثارهم في مصر، المقريزي، )ص 119
6 .) 199 (، أيضاً: تاريخ اليهود وآثارهم في مصر، المقريزي، )ص 119 / ( انظر: الفصل، ابن حزم، ) 1
016
" أما الق ا رؤون) 1 ( منهم، فلا يتعدّون ش ا رئع التو ا رة، ويبطلون أقوال الأحبار ويكذّبونهم" ) 2 . )
خلاصة الأمر: أنّ اليهود يختلفون ويتنازعون في أهم الأصول التي تقوم عليها ديانتهم،
فبعضهم يجعل التو ا رة هي أصل الديانة ويليها التلمود، وبعضهم يقدّمون التلمود على التو ا رة،
وبعضهم لا يعترفون بالتلمود ويقتصرون على التو ا رة، وهؤلاء أيضاً مختلفون، فمنهم من يقدّس
العهد القديم بكافة أسفاره، ومنهم من يقتصر على الأسفار الخمسة ) أو تو ا رة موسى(، وحتى هذه
الأسفار الخمسة اختلفوا فيها، فكلّ يدعي امتلاكه الأصل الذي لم يتطرق إليه التغيير والتبديل،
وصدق فيهم قول ربهم العليم الخبير: } بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلكَِ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا
يَعْقِلُونَ { )الحشر/ 16 (، وهذا كفيل بزعزعة كيان الديانة اليهودية وبيان بطلانها بالجملة.
رابع ا سخ:
ُ
: اختلاف الترجمات والن
" دونت جميع أسفار العهد القديم بلغة واحدة وهي اللغة العبرية؛ ولا يستثنى من ذلك إلا
بعض أج ا زء كتبت باللغة الآ ا رمية أول الأمر، وهي أج ا زء من سفري أستير و دانيال، وفقرة واحدة
من سفر ارمياء، وكلمتان من سفر التكوين" ) 3 . )
" ولغة السامريين غير لغة اليهود، ويزعم السامريون أنّ التو ا رة كانت بلسانهم وهي قريبة -
من العب ا رنية فنقلت إلى السريانية" ) - 4 . )
" لكن أقدم ترجمة للعهد القديم وفق المحققين هي الترجمة اليونانية، التي اشتُهرت - –
بالترجمة "السبعينية"، وهي التي تمت في سنتي 292 و 290 ق.م، على يد اثنين وسبعين حب ا رً
1 ( الق ا رؤون = العنانية: هم فرقة من اليهود أسسها "عنان بن داود" في الع ا رق في القرن الثامن الميلادي، وانتشرت
افكارها في كل أنحاء العالم، وظلّوا منذ ظهورهم حتى القرن التاسع يسمّون ب )العنانية( نسبة إلى مؤسسهم، وهم
أتباع اليهودية التو ا رتية مقابل اليهودية التلمودية، وهم يقفون مع النصوص دون تقليد للسلف، ولم ينتشر مذهبهم
،) بكثرة بين اليهود، ولهم عداء شديد مع الربانيين ] انظر: تاريخ اليهود وآثارهم في مصر، المقريزي، )ص 111
- . ] )003 029/ أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 . )199/ ( الفصل، ابن حزم، ) 1
3 ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 11 ( بتصرف . -
4 . )519/ ( الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
017
من أحبار يهود مصر، وتشتمل الترجمة السبعينية على أربعة عشر سف ا رً بخلاف الأسفار الموجودة
في الأصل العبري الذي وصل إلينا، فترجمت السبعينية )اليونانية( إلى اللاتينية" ) 1 . )
والقارئ لهذه الترجمة اليونانية )السبعينية( يجد تشابهاً بينها وبين التو ا رة العب ا رنية والسامرية،
لكنه ما يلبث أن يجد فروقاً كثيرة بين اليونانية والعب ا رنية، وبين اليونانية والسامرية، تضاهي الفروق
التي بين العب ا رنية والسامرية) 2 . )
ورغم أنّ اللاتينية تُرجمت عن اليونانية السبعينية إلا أنها لم تتطابق معها، بل حُذفت منها
أسفارٌ وأج ا زء، وأضيف إليها سفر "باروخ" وأج ا زء في سفر "أستير"، ولم يُعلم حتى الآن ما هي
أسباب هذه الزيادات والاختلافات بين الترجمات ... ومن الطبيعي أنّ العهد القديم قد تُرجم أيضاً
إلى لغات أخرى كثيرة غير اليونانية واللاتينية في فت ا رت وقرون متباعدة؛ فقد تُرجمت إلى الآ ا رمية
الحديثة، والسريانية، والآ ا رمية الفلسطينية، ثم إلى الإنجليزية والعربية ) 3 . )
" وعلى مدى القرون الطويلة التي كُتبت فيها أسفار العهد القديم )أكثر من عشرة قرون(، فإن
نصوصه نُسخت م ا ر ا رً، وأعيدت كتابتها باليد، وقد حدثت أخطاء في عمليات النسخ، وكان يحدث
أن بعض المواد التي كُتبت على هامش النص أضيفت إليه" ) 4 . )
" بل إنّ بعض النقاد من اليهود أو النصارى لم يترددوا في تغيير وتصحيح النص التو ا رتي
كلما لم يعجبهم هذا النص سواءً لاعتبا ا رت أدبية أو دينية" ) 5 . )
إذاً، يتضح وفق فهم الباحث أن الاختلافات الكبيرة التي ط أ رت على الترجمات، لم تكن - –
بسبب اختلاف اللغات وطبيعة الترجمة وصعوبة تطابق مفهوم الكلمات عند نقلها من لغة لأخرى؛
بل إنّ الاختلاف كان في أصل المتن، إذ زيدت أسفارٌ وحذفت أخرى، وأضيفت أج ا زء وألغيت
1 . ) ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 11
2 . ) ( انظر: التو ا رة السامرية، د. أحمد حجازي السقا، )ص 01
3 – .)22 ( انظر: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 23
4 .) ( اختلافات في ت ا رجم الكتاب المقدّس، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة/ القاهرة، ط)بدون(، )ص 23
5 ( المصدر السابق، )ص 21 ( بتصرف . -
018
أخرى، وهذا لا يتأتى إلا بقصد التغيير والتحريف، بدوافع دينية أو سياسية أو غير ذلك، وهذا كافٍ
في بيان مدى الإشكال الذي وقعت فيه الديانة اليهودية، وما ترتّب عليها من فكر يهودي عبر
العصور، وهو موضع طعن لا تخطئه عين، وجرح لا يندمل في أ رس هذه الديانة.
خامس ا: التوراة من منظور العلم:
إنّ الناظر إلى الد ا رسات النقدية الحديثة للتو ا رة والتي كانت محرمة على أهل الكتاب في –
القرون الماضية بفعل سطوة الأحبار والرهبان يجد أنها أصبحت تتجه إلى نقض وتفنيد قدسية -
وربانية التو ا رة والكتاب المقدّس عموماً، وبات مما يُجمع عليه المنصفون من الباحثين أن )الكتاب
المقدّس( لا حظ له من التقديس سوى اسمه، وهذا أثبته الباحث من خلال العناوين التي تطرق إليها
آنفاً، لكنه يستطرد قليلاً في هذا الجزء من المطلب في بيان مدى التصادم الكبير بين التو ا رة من
جهة، وبين العلوم الحديثة من جهة أخرى، خاصة تلك العلوم التي تختص بد ا رسة الماضي وأخبار
الأمم الغابرة، من خلال بقايا آثارهم، ومن خلال المقارنات وفك رموز الكتابات الموروثة وسبر
أغوار الزمن العتيق.
وفي هذا المضمار، وجد الباحثون المعاصرون وكثير منهم من غير المسلمين دلائل - –
قاطعة كثيرة بأنّ أسفار التو ا رة تتناقض بالضرورة مع العلوم التي توصل إليها البشر في العصر
الحديث وباتت من مسلمات العلم؛ مما أثار أسئلة كثيرة حول حظوظ البشر والهوى في وضع هذه
التو ا رة والتصرف في نصوصها) 1 ( ، وفي هذا الصدد وضع العالم الفرنسي موريس بوكاي كتاباً
هاماً سمّاه: )التو ا رة والانجيل والقرآن والعلم( بيّن فيه أوجه التناقض الصارخ بين الكتاب المقدس
وحقائق العلم المستقرّة والثابتة.
ومما ذكره بوكاي على سبيل المثال لا الحصر بأنّ سفر التكوين أول أسفار التو ا رة - - - –
فيه تناقضات صريحة مع العلم المعاصر في ثلاث نقاط أساسية، وهي: خلق العالم وم ا رحله،
وتاريخ خلق العالم وظهور الإنسان على الأرض، ورواية الطوفان, ووصف بوكاي سفر التكوين
1 – . )21 ( انظر: التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 23
019
بأنه صر ح من الأخطاء في نظر العلم) 1 (، ثم قام بالتفصيل والمناقشة والنقد في مواضع مخالفة
وتناقض هذه الروايات التي يقدّمها سفر التكوين مع آخر ما توصل إليه العلم) - - 2 .)
وفي قضية الطوفان مثلا فإنّ روايتين مختلفتين في التو ا رة تؤكدان أنّ طوفاناً عالمياً هدم - –
الحياة على وجه الأرض ك لّها باستثناء ركاب السفينة) 3 ( في القرن الحادي والعشرين قبل المسيح،
بينما تشير معطيات العلم بأنه وفي نفس هذا العصر كانت قد ازدهرت حضا ا رت ومدنيات في عدة
جهات من الأرض انتقلت آثارها إلى الأجيال التالية، وبعد مناقشة بوكاي لقصة الطوفان واسقاط
معلوماتها على العلوم الحديثة التي توصل إليها العلماء عن الماضي يستنتج أنه: " من وجهة
النظر التاريخية يمكننا أن نؤكد بأن رواية الطوفان كما تنقلها التو ا رة متناقضة تناقضاً صريحاً
مع المعارف الحديثة، ووجود روايتين للطوفان هو الدليل الواضح على تلاعب الناس بالكتابات
المقدسة " ) 4 . )
ويخلص الكاتب الفرنسي الذي أسلم أمام حقائق الق آ رن إلى أنّ في العهد القديم الكثير - –
من النصوص التي تحمل الاختلاف في الرواية الواحدة، والتضاد، والأخطاء التاريخية،
والمستحيلات، والتناقضات مع المعطيات العلمية قوية الثبوت) 5 ( مصرّحاً بأن: " العهد القديم يمثل
مجموعة من الأعمال الأدبية التي تمت خلال تسعة قرون تقريباً، إنه يشكل فسيفساء ل انسجام
فيها، تغيّرت عناصرها في مجرى القرون بأيدي الناس، قِطَع يؤتى بها وتضاف إلى الموجود،
وهكذا دواليك، حتى أصبح من العسير في أيامنا تحديد هوية المصادر" ) 6 . )
كما أن ميدان علم الآثار الحديث، قدّم لنا حقائق جديدة حول التو ا رة، منها حقائق هامة
مفادها أنّ الكثير مما ورد في التو ا رة من قصص وأساطير قد بني على أصول قديمة مماثلة
1 . ) ( انظر: التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 66
2 - . )59 ( انظر: المصدر السابق، )ص 65
3 . 9 ، ( انظر: سفر التكوين، الإصحاحان: 4
4 - . )254 ( التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 255
5 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 45
6 . ) ( التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 211
031
ومشابهة لتلك الأساطير التو ا رتية، إذ استقى مؤلفو التو ا رة الكثير من القصص من المدونات البابلية
والكنعانية والآشورية والمصرية وغيرها، وتوصل هؤلاء الخب ا رء إلى أنّ بعض الش ا رئع التي وردت في
التو ا رة هي ش ا رئع كان يمارسها الكنعانيون والبابليون من قبل، وأنّ اليهود قد اقتبسوها منهم
ومارسوها، ثم أضافوها في كتبهم المقدّسة ) 1 . )
وعلى سبيل المثال فإنّ " قصة أصل الوجود وبدء الخليقة قد حيّرت العلماء الأقدمين، إلا أنّ
علماء الآثار قد عثروا على نصوص كثيرة في الأدب الع ا رقي القديم، أكثرها يتفق مع المآثر
اليهودية في التو ا رة حول قصة بداية الخلق، مع فارق في الصياغة العقائدية، التوحيدية )عند
اليهود(، والشركية )عند حضا ا رت الع ا رق القديمة(، كما أنّ ذات القصة تتفق أيضاً مع أساطير
فرعونية قديمة عثر عليها علماء الآثار" ) 2 . )
بل إن مؤلفَي كتاب: )التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها(، وهما يهوديّان، يصرّحان بأنه:
" أصبح واضحاً بعد تطور علم الآثار أنّ العديد من أحداث التاريخ التو ا رتي لم تحدث ل في
المكان ول بالطريقة والأوصاف التي رُويت في الكتاب المقدّس العبري، بل إنّ بعض أشهر
الحوادث في الكتاب المقدّس لم تحدث مطلقاً أصلا " !! ) 3 .)
وما يقال في التو ا رة يقال في شأن التلمود كذلك، إذ تشير د ا رسات المدونات الآثارية إلى أنّ
معظم كتابات التلمود مستقاة من كتابات أخرى أقدم منها، فتجد التشابه الكبير بين التلمود البابلي
ومدونات البابليين، خاصة في ما يتعلق بالز ا رعة والريّ والح ا رثة و موسم الحصاد وما شابه ذلك،
وهناك دلائل لا تقبل الشك والجدل لدى هؤلاء الخب ا رء بأنّ معظم ما ورد في التلمود في شئون
الز ا رعة والريّ هو مأخوذ من كتابات بابلية سابقة لعهد التلمود بكثير) 4 . )
1 . ) ( انظر: العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 195
2 ( المصدر السابق، )ص 199 199 ( بتصرف. - -
3 . ) ( التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، فنكلشتاين وَ سيلبرمان، )ص 29
4 - . ) ( انظر: العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة ، )ص 216 210
030
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ كتاب اليهود المقدّس عندهم لا حظّ له من التقديس إلا في مخيلتهم، بناءً على - -
ما توارثوه من تزوير للدّ ين، إذ ثبت أنّ ديانتهم قد تشوّهت بالتحريف والتبديل، وهذا التشوّه انعكس
على مجمل تاريخهم، الذي يعتمدون في إثبات مجرياته على هذا المصدّر المزوّر.
ثانياً: إنّ بطلان التو ا رة الحالية ككتاب، ثابت بالنص القطعي المحكم في كتاب الله المحفوظ،
وثابت بمنطق الناس ومقارناتهم ود ا رساتهم النقدية، وثابتٌ بحقائق التاريخ والعلوم التي تواطأ عليها
البشر، وثابت بدلائل علوم الآثار الحديثة.
ثالثاً: يستحيل بعد كل ما ثبت أن تتم نسبة التو ا رة بما تحتويه من تناقضات ومخالفات - – –
لصحيح الدين وصريح العقل إلى نبي الله الكريم موسى - ، أو إلى أيّ من أنبياء بني إس ا رئيل
عليهم السلام فضلاً عن بطلان القطع بنسبة هذه التو ا رة بصورتها الحالية إلى وحي الله - - – – .
031
المبحث الثاني:
ّ
عقيدة اليهود في الأرض المقدسة والرد عليهم
ويتضمن خمسة مطالب:
المطلب الأول: القدسية والبركة في العقيدة اليهودية
المطلب الثاني: أنواع القدسية والبركة في التراث اليهودي
المطلب الثالث: جغرافيا الأرض المقدسة في التراث اليهودي
المطلب الرابع: اعتقاد اليهود بالحق الديني
والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم
المطلب الخامس: اضطراب واختلاف الطوائف اليهودية في
هذه العقيدة
033
المطلب الأول
القدسية والبركة في العقيدة اليهودية
ذكر الباحث في المبحث الأول من الفصل التمهيدي أنّ العهد القديم توسّع في ذكر القدسية
والقداسة والبركة بمختلف أنواعها وأشكالها وتج لّياتها، إذ ا زد عدد مواضع ذكرها عن ألف ومائة
موضع.
وربما أ ا رد مؤلفو العهد القديم وغيره من مصادر الفكر الديني لليهود أن يكون لهذه الهالة من
التقديس دورها في تحريك مشاعر وعواطف اليهود ورسم ملامح فكرهم واعتقادهم في الكثير من
القضايا الحساسة ذات الطابع السياسي والاجتماعي المصيري، كالاعتقاد بالأرض الموعودة
والشعب المختار وغيرها مما سيتناوله الباحث فيما سيأتي بإذن الله.
تسلسل القداسة والبركة:
ابتدأت قصة البركة والقدسية التي نزلت على )إس ا رئيل( منذ فجر التاريخ حسب زعم اليهود –
في تو ا رتهم إذ جاء في سياق ذكر قصة نوح - : » ف ل مَّا ا ست يق ظ نموحٌ ي م ن خَ ي ري ه ، ع ي ل ما ف ع ل ي ب ي ه اب م ن م ه
مل م عونٌ ك ن عا م ن ! ع ب د ال ع ي بي ي د ي م كو م ن خ وتي ي ه، وق ا ل « : الاَّ ي غ م ير، ف ق ا ل
ِ
لا : م مب ا ركٌ الرَّبُّ م له
ِ
ا سامٍ، ول ي م ك ن ك ن عا م ن ع ب دا ل هم م ،
ي ل ي فت ي ح م الل ي ل ياف ث ف ي س م ك ن يفِ م سا ي ك ي ن سامٍ، و ل ي م ك ن ك ن عا م ن ع ب دا ل م ه م « ( 1 . )
فتكون بذلك البركة ابتدأت مع سام الذي ينتسب اليهود إلى نسله ، ومن ثم تصل البركة - –
إلى إب ا رهيم فيقول الربّ في شأنه حسب التو ا رة : - – » وق ا ل الرَّبُّ لأَب را م : ا ذ ه ب ي م ن أَ ر ي ض ك و ي م ن
ع ي ش يري ت ك و ي م ن ب ي ي ت أَ ي بي ك لَ
ِ
ا الأَ ر ي ض الَّ يت أُ ي ري ك . ف أَ ج ع لِ أُمَّ ة ع ي ظيم ة وأُ بَ ي رك ك وأُ ع ي ظ م ا سْ ك، وت م كو ن ب رك ة .
وأُ بَ ي ر م ك م مب ا ي ر ي كي ك، و لا ي عن ك أَل عنم م ه . وت ت ب ا ر م ك ي في ك ي جَي م ع ق ب ائي ي ل الأَ ر ي ض « ( 2 . )
1 - 29 26 : ( تكوين 1
2 - . 0 1 : ( تكوين 12
034
هذا وقد أكّد ربنا في الق آ رن العظيم ب ا رءة إب ا رهيم من اليهودية والنص ا رنية وانتسابه
إلى التوحيد والإسلام الخالص، فقال : }مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً
. ) وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ { )آل عمران/ 49
ثم تخصصت البركة والقدسية مع إسحاق بن إب ا رهيم عليهما السلام إذ تزعم التو ا رة أنّ - –
الله اختصّ إسحاق بالعهد دون أخيه إسماعيل وق ا ل ب را ي ه م ي « ،
ِ
ا ي لله : ل ي ت سْا ي عي ل
ِ
ا ي ي عي م ش
أَ ما م ك !. ف ق ا ل م الل : ب ل سا رم ة ا م رأَتم ك ت ي م ل لِ اب ن ا وت د م عو ا سْ م ه سْا ق
ِ
ا . وأُ ي ق م ي عه ي دي م ع م ه عه دا أَب ي ديًَّ ي لن س ي ي لِ ي م ن
( » ب ع ي د ي ه 1 .)
ثم تعظم البركة الإلهية لإسحاق ، بعد موت إب ا رهيم ، فيصرّح له الربّ من جديد
بتعاظم البركة فيه وفي نسله من بعده، بل يعده ربّه أن تطال بركة نسله كلّ الأرض، فيقول له
الربّ: » ا س م ك ن يفِ الأَ ر ي ض الَّ يت أَقمو م ل لِ. ت غ رَّ ب يفِ ه ي ذ ي ه الأَ ر ي ض ف أَ م كو ن م ع ك وأُ بَ ي رك ك، لأَ ي ن لِ وي لن س ي لِ
ب را ي ه ي أَ ي بي ك.
ِ
أُ ع ي طي ي جَي ع ه ي ذ ي ه ال ي ب لا ي د، وأَ يفِ ي بَل ق س ي م ا يَّ لَّي أَ ق س م م ت لا وأُ ك ي م ثّ ن س لِ ك م ن م ج و ي م السَّ ما ي ء، وأُ ع ي طي ن س لِ
ي جَي ع ه ي ذ ي ه ال ي ب لا ي د، وت ت ب ا ر م ك يفِ ن س ي لِ ي جَي م ع أُ م ي م الأَ ر ي ض « ( 2 .)
ثم تصف التو ا رة انتقال البركة إلى فرع أكثر خصوصية من نسل إسحاق ، فقد أعطى
إسحاق البركة لابنه )يعقوب( دون ابنه )عيسو(، في عملية خداع حبكها يعقوب! بزعم –
التو ا رة ومن ثم فإنّ البركة انساحت في فرع يعقوب - ونسله، فيقول واضع سفر التكوين على
لسان إسحاق ليعقوب عليهما السلام: – » ف ل م ي ع ي ط ك م الل ي م ن ن دى السَّ ما ي ء و ي م ن د ي سْ الأَ ر ي ض ، و ك ثّ ة ي حن طةٍ
و خَرٍ. ي ليم س ت ع ب د لِ م ش م ع وبٌ ، وت س م ج د لِ ق ب ائي م ل ، خ وتي ك، ول ي س م ج د لِ ب نمو أُ ي م ك. ي ل ي م ك ن لا ي عنمو ك
ِ
م ك ن س ي دا لا
مل م عوي ن ين، و م مب ا ي ر م كو ك م مب ا ر ي ك ين « ( 3 .)
إنّ من العجيب أن يحكم الربّ الحكم العدل على نسلٍ كامل من البشر باللعنة والشقاء!،
وعلى نسلٍ آخر بكامله بالبركة والتقديس، مع اتفاق الآباء في الصلاح والدين، وحتى على افت ا رض
1 - . 11 19 : ( تكوين 19
2 - . 6 2 : ( تكوين 24
3 - . 21 29 : ( تكوين 29
035
كفر الآباء، فإنّ الله يقول: }مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ
أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً { )الإسراء/ 15 ( . فكيف يسوغ تفريق التو ا رة بين نسل النبي
إسماعيل والنبي إسحاق ومن تلاهما، والأعجب من ذلك أن تُسرق البركة ويترتب عليها
شقاء أمة لا حصر لها ومباركة أمةٍ أخرى، وسبب هذا الشقاء وتلك البركة سرقة أصل البركة
بالاحتيال!! فأين الخالق الحكيم العليم من كلّ هذا؟! .
ويستمر مسلسل التقديس والمباركة في نسل يعقوب، فها هو بحسب التو ا رة يجمع بنيه - –
الاثني عشر، ويباركهم، كلّ بحسب بركته، فتصير البركة في بني إس ا رئيل إلى الأبد!) 1 . )
وتتوالى البركات جيلاً بعد جيل، فها هو موسى يبارك الشعب من جديد: » و د خ ل م مو س
لَ خ ي م ي ة الا ج ي ت ماعي،
ِ
و ها م رو م ن ا م ثَُّ خ ر جا و بَ ر كَ الشَّ ع ب، ف تَا ءى م ج م د الرَّ ي ب ي ل م ي ك الشَّ ع ي ب « ( 2 . )
إذاً، فالقدسية والبركة في معتقد اليهود وفي كتابهم هي ابتداءً لكل بني إس ا رئيل، وتذكر التو ا رة
دعاء موسى ر به بمنح بني إس ا رئيل هذه القدسية، فاستجاب الربّ ، وتكررت عبارَتي » أ ن
الربُّ مق دسه مم « و »أ ن الربُّ مق دس م ك « سبع م ا رت في العهد القديم) 3 (، بل منح الربّ هذه القدسية
لبهائمهم أيض اً!، فيقول واضع العهد القديم: » وكَ م الربُّ م و س ق ا ئي لا: ق د س ل كَُّ ب كرٍ، كَُّ ف اتيح ر ي حمٍ
ِ
من بنِ ا سْائي ل ، ي م ن النَّا ي س وم ن البها ي ئ . ان م ه ل « ( 4 . )
ويؤكد الربّ على هذه القداسة ويستجيب لموسى قائلاً: ».. ت م كونمو ن ي ل خاصَّ ة ي م ن ب ي ين ي جَيعي
نَّ ي ل م كَُّ الأَ ر ي ض
ِ
الشُّ م عو ي ب. ف ا ، وأَن م تُ ت م كونمو ن ي ل م مل ك ة كه ن ةٍ وأُمَّ ة م مق دَّ س ة « ( 5 . )
ويستمر العهد القديم في ذكر آثار البركة الموهوبة لبني إس ا رئيل والمتوارثة من الأجداد للآباء
ثم للأبناء، فيتذكر سليمان هذه البركة ويجددها ويؤكدها بحسب التو ا رة ويقف أمام شعب - -
1 - . 00 1 : ( انظر: تكوين 61
2 . 20 : ( لاويين 1
3 . 12 : 02 ، حزقيال 23 ،14 ،1 :22 ،20 ،9 :21 ،9 : ( لاويين 23
4 . 2 : ( خروج 10
5 - . 4 5 : ( خروج 11
036
م مب ا ركٌ الرَّبُّ ا يَّ لَّي أَ ع طى « : بني إس ا رئيل )شعب الله بنص الت و ا رة( مباركاً إياهم )بصوت عالٍ( قائلاً
سْائيي ل ح س ب م ي كُ ما ت كََّ م ي ب ي ه، و
ِ
را ح ة ي ل ش ع ي ب ي ه ا ل م ت س م قط ي كَ مةٌ وا ي ح دةٌ ي م ن م ي كُ كَلي م ي ه الاَّا ي ل ي ح ا يَّ لَّي ت كََّ م ي ب ي ه ع ن ي ي د
(» م مو س ع ب ي د ي ه 1 . )
ارتباط البركة عندهم باللعنة للأمم:
كثي ا رً ما ترتبط بركة )شعب إس ا رئيل(، وقدسيته المزعومة في التو ا رة بمحق وسحق ولعنة - –
الأمم الأخرى! وكأن من لوازم البركة التس لّط والاستعلاء والاستعباد للشعوب المغايرة، أو التي لم
تصلها نفحات البركة )الإس ا رئيلية(!، ومن ذلك ما ورد في سفر التثنية خطاباً لشعب بني إس ا رئيل: »
يباركك الربُّ الهمك كما قال لِ. ف م ت قر م ض أُ مما كثيرة و أنت لا تقتَض، وتتسل طم على أ ممٍ كثيرةٍ و ه عليك لا
يتسل طو ن « ( 2 .)
ومن ذلك ما ورد في موضع ذمّ الربا ومحقه للبركة، فإنّ التو ا رة تحرّم الإق ا رض بالربا على
بني إس ا رئيل كونهم شعب مباركٌ لكنه مع الأجنبي جائز، لأنّ البركة فيه ممتنعة، ومن ذلك ما - –
ورد في سفر التثنية: » ل لأجن بي تمقر م ض بر بَ، ولكن لأخيك لا تقرض بربَ، ليباركك الرب الهك فِ كُ ما تمت د
اليه يدك فِ ا لأرض الَّت أنت داخلٌ اليَا لتمتلكها « ( 3 .)
ولخصوصية هذا الشعب)المقدّس( فإنّ الطعام الذي يصنع لبني إس ا رئيل كما يصفه الربّ –
بزعمهم في سفر الخروج، هو طعام مقدّس لشعب مقدّس فلا ينبغي أن يأكل منه أحدٌ من الأمم -
الأخرى، وما ا زد منه يحرق بالنار كي لا تصل قداسته إلى غير بني إس ا رئيل، فيقول كاتب العهد
القديم: » وأَمَّا كب م ش ال ي م ل ي ء ف ت أْ م خ م ذ م ه وت ط م ب م خ ل ح م م ه يفِ م كَنٍ م مق دَّسٍ . ف ي أْ م م كُ ها م رو م ن وب م نو م ه ل ح م ال كب ي ش وال م ذ بْ ا يَّ لَّي
يفِ السَّ يَّ لَ ي ع ن د بَ ي ب خ ي م ي ة الا ج ي ت ماع، ي أْ م م كَه ا ا يَّ لَّي ن م ك ي ف ر ي بِ ا ع نهم م ي ل ي م ل ي ء أَي ي د ي يه م ي لت ق ي دي ي سهي م. وأَمَّا الأَ جن يبيُّ ف لا ي أْ م م كُ لأَنََّّ ا
م مق دَّ سةٌ . لَ الاَّ باحي، م تَ ي ر م ق ال با ي قِ ي بَلنَّا ي ر. لا يم ؤ م كُ
ِ
ن ب ي ق ي شَءٌ ي م ن ل ح ي م ال ي م ل ي ء أَ و ي م ن ال م ذ ي بْ ا
ِ
وا لأَن مَّ ه م مق دَّسٌ « ( 4 .)
1 . 54 : ( الملوك الأول 9
2 . 4 : ( تثنية 15
3 . 23 : ( تثنية 20
4 - . 60 01 : ( خروج 21
037
قدسية خاصة )لشعب إسرائيل( :
الش ا رئع السماوية جاءت لتزكية النفس البشرية من الرذائل، لكن شريعة بني إس ا رئيل المحرّفة
بمنطوق ومفهوم العهد القديم تنص على تقديس القوم، بل وتعطيهم مسحة من الملك القدّوس –
بزعمهم فيؤكد سفر اللاويين في إطار سرد مطاعم ومشارب بني إس ا رئيل على ذلك فيما نصه : -
» لهم م ك ف ت ت ق دَّ م سو ن وت م كونمو ن ي ق ي دي ي س ين، لأَ ي ن أَ ن قمدُّوسٌ.
ِ
ي ن أَ ن الرَّبُّ ا
ِ
ا ولا تن جسوا أنفسك بدبيب يدب على
ا لأرض. ان أن الرب الَّي أصعدكم من أرض مصر ليكون لك اله ا. فتكونون قديسين لأن أ ن ق دوس « ( 1 . )
يقول د. عبد الوهاب المسيري: " ولعل النمط الكامن الأساسي و ا رء فكرة الشعب العضوي هو
النمط الذي ورد في أسفار موسى الخمسة، فالعب ا رنيون أمة أو قبيلة اختارها الإله وحلّ فيها أو سكن
في وسطها، وهو إله مقصور على أعضاء هذه القبيلة، ولذا كان ينتقل معهم في ترحالهم )أو كانوا
يحملونه معهم في سفينة العهد( وكان يساعدهم )وحدهم دون سواهم( ضد أعدائهم ويغار عليهم،
وكانوا لا يترددون في الضغط عليه كي يستجيب إلى طلباتهم" ) 2 . )
فليس غريباً بعد هذا التقديس )الرباني( حسب تو ا رة اليهود أن يعتقد اليهود فيما بعد بأ نهم - –
شعب لا كشعوب الأرض؛ بل شعب الربّ، وجماعة الرب، وشعب الله! حتى بعد أن مستهم نفحات
من عذاب الله في الدنيا كما يوردها سفر العدد، وهي تلك المصائب التي ح لّت بهم ج ا زء كفرهم - -
في صح ا رء سيناء بعد الخروج من مصر، إلا أنهم وبعد أن خسف الله ببعضهم، وأظهر لهم
آياته يعودون إلى موسى وهارون عليهما السلام متذمرين قائلين: - – » أَن م تما ق د ق ت ل م تما شع ب
الر ب «!! ( 3 .)
ف ا جت م م عوا ع لى م مو س و ها م رو ن وق الموا ل هم ما: ك فا م كُ نَّ م كَُّ ال ج ماع ي ة ي بأَ ي سْ ها م مق دَّ سةٌ « : وفي موضع آخر
ِ
! ا
( »؟ و يفِ و س ي طه ا الرَّبُّ. ف ما بَلم م كُ ا ت رت ي ف عا ي ن ع لى جَاع ي ة الرَّ ي ب 4 .)
1 - . 65 66 : ( لاويين 11
2 . )13/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 2
3 . 61 : ( عدد 14
4 . 0 : ( عدد 14
038
وامعاناً في التقديس الذي منحه الربّ لهذا الشعب بزعمهم يعطي الربّ بزعم كاتب - – –
سفر التثنية من جديد سيلاً من الإط ا رء والتمجيد والتقديس لهذا الشعب الخاص والمنتخب فيقول: -
له ي «
ِ
لأَن ك أَن ت ش عبٌ م مق دَّسٌ ي للرَّ ي ب ا لهم ك ي لت م كو ن م له ش ع با أَ خصَّ ي م ن ي جَيعي الشُّ م عو ي ب
ِ
يََّ ك ق ي د ا خت ا ر الرَّبُّ ا
ِ
ك. ا
(» ا يَّ لَّي ن ع لى و ج ي ه الأَ ر ي ض 1 )
لي س « : ويتابع الربّ مديحه مبيّناً سبب هذه المحبة وذاك الاختصاص القدسي الخالد قائلاً
لكونك أك ثّ من سائ ي ر الشعو ي ب التا الر ب ب ك واختاركم لأنك أق ل من سائ ي ر الشعو ي ب. بل من محبة الر ب ا يَكم
(» وحفظه القسم الَّي أ قسم لأ بَئك 2 . )
إنّ هذه النصوص وأشباهها الكثير في التو ا رة هي التي دعت اليهود إلى الادعّاء بسموّ
جنسهم وعلوّ منزلتهم، وأفضليتهم على الخلق، وهذا ما جاء القرآن بخبره وتفنيده والردّ عليه في قوله
: }وَقَالتَِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن
. ) يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يشََاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ {) المائدة/ 19
يقول ابن قيم الجوزية رحمه الله مبيناً حال اليهود في تقديسهم لجنسهم والحط من قدر - –
الأمم الأخرى: " والعجب أ نهم مع ذهاب دولتهم وتفرق شملهم وعلمهم بالغضب الممدود المستمر
عليهم ومسخ أسلافهم قردة لقتلهم الأنبياء وعدوانهم في السبت وخروجهم عن شريعة موسى -
والتو ا رة وتعطيلهم لأحكامها يقولون في كل يوم في صلاتهم: )أحبنا يا إلهنا، يا أبانا، أنت أبونا -
منقذنا( ويمثلون أنفسهم بعناقيد العنب وسائر الأمم بالشوك المحيط بالكرم لحفظه، وأنهم سيقيم الله
لهم نبيا من آل داود إذا حرّك شفتيه بالدعاء مات جميع الأمم، ولا يبقى على وجه الأرض إلا
اليهود! " ) 3 . )
وما ذكره ابن قيم له ما يدلّ عليه في تو ا رة اليهود، التي صرّحت باتخاذ الله )شعب إس ا رئيل(
كخاصة له من بين أمم الأرض، فيزيد سفر التثنية في خواتمه هذا الأمر وضوح اً زيادة على ما –
1 . 4 : ( تثنية 9
2 - . 9 9 : ( تثنية 9
3 . ) ( هداية الحيارى، ابن قيم الجوزية، )ص 190
039
وواعد ك الرَّبُّ اليو م أ ن تكو ن م له شعب ا خا ص ا كما قا ل لِ وتَفظ جَي ع وصايَه. وأَ ن - « : سبق إذ يقول كاتبه
يَ ع لِ م س ت ع ي ل يا ع لى ي جَيعي ال ق ب ائي ي ل الَّ يت ي عَل ه ا يفِ الثَّن ا ي ء والا ي سْ وال به ا ي ء، وأَ ن ت م كو ن ش لهي ك، كُ
ِ
ع با م مق دَّ سا ي للرَّ ي ب ا
( » ق ا ل 1 .)
وتنبهر ملكة سبأ) 2 ( كما في سفر الملوك الأول بملك سليمان - – ، فتعظ م الربّ وتباركه،
لكنها لا تنسى أن تربط هذه البركة بالشعب المقدّس أي )جماعة إس ا رئيل( وتؤكد على المفهوم - -
الذي تحاول التو ا رة ترسيخه؛ وهو الحبّ الأبدي السماوي لبني إس ا رئيل، فليس مُ لك سليمان إلاّ لأجل
لهم ك ا يَّ لَّي م سَّْ ي ب ك « : مكانة بني إس ا رئيل عند الله!! إذ جاء على لسان ملكة سبأ
ِ
ي ل ي م ك ن م مب ا ر كَ الرَّبُّ ا
سْائيي ل
ِ
و ج ع لِ ع لى م ك ر ي ي س ا لَ
ِ
سْائيي ل ا
ِ
(» . لأَنَّ الرَّبَّ أَ حبَّ ا الأَب ي د ج ع لِ م ي ل كَ، ي ل م ت ج ي ر ي م ح كُ ا وي برًّا 3 . )
أي شيءٍ أكثر من هذه النصوص الصريحة يمكن أن يدفع اليهود اليوم وفي كل زمان إلى
الاستعلاء على أمم الأرض، وبلوغهم مبلغاً عظيماً في استحقار واستصغار الشعوب واذلالها، لا
بسبب القوة العسكرية التي يمتلكونها فحسب، لكن أيضاً بسبب قوة النصوص المقدّسة لديهم - –
التي تدعوهم ص ا رحة إلى الاستعلاء على الخلائق وتسخيرها لخدمتهم!.
وتنص التو ا رة في بعض نصوص أسفارها على أبديّة التقديس )لشعب إس ا رئيل(، ومن أكثر
هذه النصوص وضوحاً ما ورد في سفر حزقيال من قطع الربّ عهداً مع شعبه أي شعب –
وأَق ط م ع م عهم م عه د سلامٍ، ف ي كو م ن م عهم عه دا م ؤب دا، وأُق ر م ه وأُك م ثّه و أجع م ل م ق ي دس - « : إس ا رئيل ونص العهد
فِ وس ي طهيم الَ الأَبد. ويكو م ن مسكنِ فوقهمم و أكو م ن لهم اله ا ويكونو ن ل شعب ا. فتعل ا لأ م مم أ ن أ ن الرَّبُّ م ق ي د م س
ذ يكو م ن م ق ي دس فِ و س ي طهم الَ الأَبد
ِ
( » اسْائيل، ا 4 .)
بل إنّ الحال يصل إلى نصّ التو ا رة على أنّ الربّ بذاته وقدسه ساكنٌ في جبل القدس! في
صهيون، بجوار شعبه المقدس وفي أرضه المقدسة! تعالى الله عما يقولون : اق أ ر في التو ا رة: - –
1 - . 11 19 : ( تثنية 24
2 ( ملكة سبأ: هي بلقيس، ذكر الله خبرها مع سليمان في القرآن في سورة النمل، وكانت من بيت مملكة،
. ] )665/ في أرض يقال لها مأرب قرب صنعاء باليمن ] تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 0
3 . 1 : ( الملوك الأول 13
4 - . 29 24 : ( حزقيال 09
041
والر ب من صهيون يزمج م ر ومن أورشلي يعطي صوت ه فتَتج م ف السما م ء وا لأر م ض. ولك ن الر ب ملجأ لشعبه وحانٌ «
لبنِ اسْائيل. فتعرفون أ ن أ ن الر ب الهك ساكن ا فِ صهيون جبل ق دس وتكو م ن أورشلي مق دس ة ولا يَتاز فيَا
(» ا لأعا م جم فيما بع م د 1 . )
سة والبركة التوراتية:
ّ
العلاقة بين الأرض المقد
تربط النصوص التو ا رتية بين البركة الأبدية والقدسية الخاصة الموهوبة لبني إس ا رئيل –
بزعمهم وبين الأرض المقدّسة المباركة التي وعد الربّ بتمليكهم إياها، والمتتبع لنصوص العهد -
القديم يجد جلياً الربط الواضح بين عظيم البركات التي أغدقها الربّ على )شعبه الخاص( وبين
الأرض التي باركها الربّ، وكأنّ واضع العهد القديم يحاول إيجاد ارتباط حتمي وتلازمي وحصري
بين هذا الشعب المبارك )في اصطلاح التو ا رة( وبين هذه الأرض المباركة.
وكثي ا رً ما ترددت عبا ا رت الربط بين مباركة الشعب ومباركة الأرض وامتلاكها، وذلك في
الأسفار الخمسة الأولى من العهد القديم، والمنسوبة إلى موسى ، وباقي الأسفار أيض اً.
ففي سفر التكوين ربط بين المباركة التي منحها الربّ لإب ا رهيم ونسله، وبين الأرض
الموروثة كنتيجة لهذه البركة، إذ يقول ملاك الربّ لإب ا رهيم أ بَرك ك مبارك ة ، وأُك ي ثّ نسلِ تكث يرا « :
(» كنجوم السَّماء وكَلرمل الََّّي على شاطئ البحر، وير م ث نسلِ بَب أ عدائه 2 . )
وفي نفس السفر مباركة جديدة لإسحاق مرتبطة بالأرض الموعودة، فيقول له الربّ
تغ رب يفِ هذه الأَرض فأ كو ن معك وأ بَرك ك ، - – « : بعدما ظهر له نحو ديار الفلسطينيين حسب التو ا رة
لأ ي ن لِ ولنسلِ أ عطي جَيع هذه البلاد، براهي أَبيك
ِ
(» وأَفِ بَلقسم الَّي أقسم م ت لا 3 ( . ومزيد تأكيد
لإسحاق و أك ثّ نس لِ كنجو ي م ال سما ي ء ، وأ عطي نس لِ « : بالبركة المتوارثة المتنقلة للإنسان والأرض
(» جَي ع هذه البلا ي د، وتتبار م ك فِ نس لِ جَي م ع أ ي مم ا لأر ي ض 4 . )
1 - . 19 14 : ( يوئيل 0
2 19 : ( تكوين 22
3 0 : ( تكوين 24
4 6 : ( تكوين 24
040
وحتى لا يُتوهم أن البركة المنسابة في نسل بني إس ا رئيل وأرضهم )الموعودة( ستطال كل أهل
هذه الأرض الجديدة، فإ نه لابد من إقصاء كل من له علاقة بالأرض من أصحابها الأصليين، أهل
فدعا اسْا م ق يعقو ب وبَرك م ه، و أوصا م ه وقا ل م له : لا تأ خ ذ زوج ة من بنا ي ت « : كنعان، وهنا إشارة أخرى
(» ك ن ع ا ن 1 .)
وحتى ترتبط النظرة للبركة بالأرض المقدّسة، فإنّ الربّ يبارك نبيه يعقوب في أرض
وقا ل ي عقو م ب ليو م س ف: م الل ال ق اد م ر ع لى ي كُ شَءٍ ظه ر لٍ يفِ لمو ز، فِ أَر ي ض ك نعا ن، « كنعان نفسها
(» و بَ رك ينِ 2 .)
وفي سياق الحديث عن الأرض الموعودة لبني إس ا رئيل، يسرد سفر التثنية وصايا الربّ
الحربية لبني إس ا رئيل على لسان موسى ، والتي يذكّرهم فيها بأ نهم شعبٌ مقدّ س وأ نه س يبيد
أعداءَ هم لأ نهم أحباب الله وشعبه المصطفى بحسب التو ا رة ، لتكون النتيجة بعد تنفيذهم - – –
و م ي يُبُّ ك ويم با ي ر م ك ك ويم ك ي م ثّ ك ، ويم با ي ر م ك - « ! وصايا الربّ البركة غير المحدودة والخلود في الأرض الموعودة
ن ث غ ن ي م ك
ِ
ث م ر ة ب ط ي ن ك وث م ر ة أَ ر ي ض ك: ق م ح ك و خَ ر ك و زي ت ك وي نت ا ج ب ق ي ر ك وا ، ع لى الأَ ر ي ض الَّ يت أَق س م لأ بَئي ك أَن مَّ ه
يََّ ها
ِ
(» يم ع ي طي ك ا 3 . )
فمتَّ أكَ ت وش ي بع ت « ، وبعد ذلك فبنو إس ا رئيل مأمورون بمباركة الربّ؛ لأ نه أعطاهم الأرض
(» تمبار م ك الربَّ اله ك لأَ ج ي ل الأَ ر ي ض الجي د ي ة ال يت أَع ط ا ك 4 . )
ويستمرّ سفر التثنية آخر الأسفار الخمسة في التأكيد على ال ربط بين بركة الأرض - –
ن ما يم با ي ر م ك ك يفِ الأَ ر ي ض الَّ يت يم ع ي طي ك ... « : وبركة الانسان )أي شعب إس ا رئيل(، فيقول كاتبه
ِ
لأَنَّ الرَّبَّ ا
لهم ك ن ي اي با ي لت مت ي ل كه ا
ِ
(» الرَّبُّ ا 5 . )
1 1 : ( تكوين 29
2 0 : ( تكوين 69
3 10: ( تثنية 9
4 13 : ( تثنية 9
5 . 6 : ( تثنية 15
041
ثم إشارة إلى التمايز مع الشعوب الجديدة، ولو بالغش والاحتيال، إذ إنّ البركة لبني إس ا رئيل
وأرضهم الجديدة قد تقتضي الإض ا رر بالشعوب الأخرى، ما دام الشعب المختار بعيداً عن هذا
الأذى، » ل لأجن بي تمقر م ض بر بَ ، ولكن لأخيك لا تقرض بربَ، ليباركك الر ب الهك فِ كُ ما تمت د اليه يدك فِ
ا لأرض الَّت أ نت داخلٌ اليَا لتمتلكها « ( 1 . )
ي اطَّ ي ل ع « ! وبعد ذلك يأتي الدعاء بالبركة للشعب والأرض معاً، والداعي والم ؤمّن هو الربّ نفسه
ي م ن م س ك ي ن قم د ي س ك، ي م ن السَّ ما ي ء، سْائيي ل والأَ ر ض الَّ يت أَ ع ط يت ن ا، كُ حل ف ت لأ بَئين ا،
ِ
و بَ ي ر ك ش ع ب ك ا أَ ر ضا ت ي في م ض
(» ل بن ا و ع س لا 2 . )
ومن ثم دعاءٌ استع ا رضي يظهر بركة الشعب وقدسيته مع ب ركة الأرض وقدسيتها، مع مهابةٍ
م مب ا ر كَ ت م كو م ن يفِ م د م خو ي لِ، و م مب ا ر كَ ت م كو م ن يفِ م خ م رو ي ج ك « : وقوة بأس أمام الأعداء . يَ ع م ل الرَّبُّ أَع دا ء ك ال ق ائي ي م ين
ع ل ي ك م نه ي زي م ين أَ ما م ك. يفِ ط ي ري وا ي ح دةٍ يَ م ر م جو ن ع ل ي ك، و يفِ س بع ي م ط م رق يه م ربمو ن أَ ما م ك . ي أْ م م ر لِ الرَّبُّ ي بَل بَ ك ي ة
ل ي ي ه ي م د ك،
ِ
يفِ خ زائيني ك و يفِ م ي كُ ما ت مت دُّ ا لهم ك
ِ
ويم با ي ر م ك ك يفِ الأَ ر ي ض ال يَّت يم ع ي طي ك الرَّبُّ ا . يم ي قيمم ك الرَّبُّ ي لن ف ي س ي ه ش ع با
م مق دَّ سا كُ حل ف لِ، لهي ك و سل ك ت يفِ م ط م ري ق ي ه
ِ
ذا ح ي ف ظ ت و صا يَ الرَّ ي ب ا
ِ
ا . ف يرى ي جَي م ع م ش م عو ي ب الأَ ر ي ض أَنَّ ا سْ الرَّ ي ب
( » ق د م ي سْ ي ع ل ي ك و يَافمو ن ي من ك 3 .)
ويختتم سفر التثنية بالتأكيد على هذا المعنى في الوصية الأخيرة والمباركة الخاتمة المزع ومة
لموسى (» وهذه ه البَكة الَّت بَرك بِا موس، رجل الل، بنِ اسْائيل قبل موته « : 4 ( والتي كان
لَ أَ ر ي ض ي حن طةٍ و خَرٍ، و سْا م ؤ م ه ت ق م ط م ر ن دى « : آخرها
ِ
سْائيي م ل أ ي من ا و ح د م ه. ت م كو م ن ع م ين ي ع م قو ب ا
ِ
ف ي س م ك ن ا . م طو بَ ك يَ
سْائيي م ل
ِ
ا ! م ن ي مث م لِ يَ ش ع با من م او را ي بَلرَّ ي ب؟ تم ر ي س ع وي ن ك و س ي ي ف ع ظ متي ك ف ي ت ذل مَّ ل لِ أَع دا م ؤ ك، وأَن ت ت طأُ
(» م رت ف عا ي ي تِ م 5 . )
1 . 23 : ( تثنية 20
2 . 15 : ( تثنية 24
3 - .13 4 : ( تثنية 29
4 . 1 : ( تثنية 00
5 - . 21 29 : ( تثنية 00
043
بل إنّ التو ا رة تصرّح ببركة خاصة لأولئك القوم من بني إس ا رئيل الذين يحظون بشرف
السكنى قرب )مسكن الربّ( في )أورشليم(، ففي سفر نحميا) 1 ، « :) و س ك ن م ر ؤ سا م ء الشَّ ع ي ب يفِ أُو م ر ش ي ل ي
وأَل ق ى سائي م ر الشَّ ع ي ب قم رع ا ي ل يأْتموا ي ب وا ي حدٍ ي م ن ع شَةٍ ي للسُّ ك نَ يفِ أُو م ر ش ي ل ي، م ي دين ي ة ال م ق د ي س، وال ي ت س ع ي ة الأَ ق سا ي م يفِ
ال م م م د ي ن ، ( » و بَ ر ك الشَّ ع م ب ي جَي ع ال ق و ي م ا يَّ لَّي ن ان ت دبموا ي للسَّ ك نَ يفِ أُو م ر ش ي ل ي 2 . )
(» مباركٌ الر ب م ن م ص ه م يو ن ال س ا ي ك م ن يفِ أور ش ي ل ي « : وفي سفر الم ا زمير يترنّم واضع العهد القديم 3 .)
إذاً، هي منظومة مقدّسة، فالربّ مقدّس، وشعبه أي شعب إس ا رئيل مقدّس، وأرضه - –
مقدّسة، والقدسية تحلّ على كل شيء، ما دام الشعب المختار طرفاً فيه.
خلاصة المطلب:
أولً: إن مفهوم التقديس والبركة في عقيدة اليهود المحرّفة يعود في معناه ومفهومه بحسب ما
تواتر في التو ا رة إلى ثلاثية متلازمة وهي: )الربّ، والشعب، والأرض(؛ ربّ قدوس مبارك يحب
شعبه أي شعب إس ا رئيل، وشعب مقدّس مباركٌ نال القدسية أباً عن جدّ وستبقى في نسله إلى –
الأبد!، وأرضٌ مباركةٌ مقدّسةٌ هي: أرض كنعان سابق اً، وأرض )إس ا رئيل( الموعودة إلى الأبد بزعم –
التو ا رة.
ثانياً: إنّ منحة التقديس والبركة في زعم اليهود مقصورة على فرع من شجرة التاريخ البشري،
وهو فرع بني إس ا رئيل، فلن يستطيع بشرٌ أن يمحو عن نفسه اللعنة والطرد والدونية، حتى لو كان
نبياً! إذ قصُرت به نبوته و لم تشفع له حين قصُر به نسبه أن يكون من بني إس ا رئيل!!، فهذا قدر
الله الحتمي على البشرية بزعم التو ا رة فإمّ ا أن تكون من أبناء الله وأحبائه اليهود أو تكون - - – –
من الخاسرين المطرودين المسلّط عليهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
1 ( نحميا : اسم عبري معناه )تحنّن يهوه(، وهو اسم ليهودي كان يعمل حاملاً للكؤوس في البلاط الملكي الفارسي،
عينه الفرس حاكماً على مقاطعة اليهود الفارسية ) 602 666 ق.م(، أعاد بناء )سور الهيكل( ثم عاد إلى فارس، -
. ] 231/ وسمي السفر السادس عشر في العهد القديم باسمه ]انظر: موسوعة اليهود، المسيري، 6
2 - . 2 1 : ( نحميا 11
3 . 21 : ( الم ا زمير 105
044
ثالثاً: إنّ التو ا رة ركّزت على قضية البركة والتقديس والقدسية في المواضع التي تتصل ببني
إس ا رئيل وأرضهم المزعومة، وربطت بين ملكية الأرض وقدسيتها، بمعنى أنّ الأرض لو لم تكن ملكاً
لبني إس ا رئيل لما كانت مقدّسة!.
ا ربعاً: أكّدت التو ا رة المزيّفة في جلّ مواضع ذكر التقديس والبركة على اختصاص بني
إس ا رئيل به دون سواهم من البشر والأمم، بل إنّ العهد القديم كثي ا رً ما يربط بين قدسية )جماعة
الربّ( أي بني إس ا رئيل وبين لعنة الأمم الأخرى وامتلاك رقابهم، وكأنّ واضع التو ا رة يقول - -
لليهود: إنّ عزّكم واستعلاءكم هو رديف لقهر وسحق ولعنة الأمم، ليس منكم فحسب بل لعنة
وخذلان من الربّ الذي منحكم رقابهم!.
خامساً: لا شك أن ما أصّل له واضعو التو ا رة المحرّفة في ظواهر كثير من نصوصها - –
من دلائل شرعية امتلاك بني إس ا رئيل واليهود لأرض فلسطين وجد صدى كبي ا رً في بقية مصادر
العقيدة اليهودية وتطبيقاتها فيما بعد، وأقصد هنا التلمود وفتاوى الحاخامات وبروتوكولات حكماء
صهيون، فضلاً عن الممارسة العملية على الأرض المستمدة من روح هذه النصوص المفرطة في
التمييز والعنصرية) 1 ( وقهر الأمم والشعوب غير اليهودية.
1 ( العُنْصُرية: الاعتقاد بأنّ أعضاء جنس أو سلالة أو مجموعة من السلالات أعلى أو أدْنى درجة من أعضاء
السّلالات الأخرى، ويسمى الناس الذين يعتقدون أو يمارسون ما يوحي بتفوق سلالة على أخرى عنصريين، فهم
يدَّعون أن أعضاء سلالتهم أعلى شأناً في النواحي العقْلية والأخلاقية أو الثقافية من أف ا رد السّلالات الأخرى، ولأن
العنصريين يفْترضون أنّهم أرفع مقامًا، لذلك فإنهم يعتقدون بأنهم يستحقّون حقوقاً وامتيا ا زت خاصة. ] الموسوعة
2312 م بتصرف [ . - /12/ العربية العالمية، بتاريخ 10
045
المطلب الثاني
أنواع القدسية والبركة في التراث اليهودي
إنّ الفاحص لنصوص العهد القديم يلحظ بوضوح اضط ا رب المفهوم التو ا رتي للتقديس والبركة
بشكل كبير، فقد خرجت البركة والقدسية عن كونهما صفتين من الطهر والعلو والنماء يضعهما الله
فيما يشاء ومن يشاء من خلقه وعباده، وأصبحت البركة مط ية لكل طالب، والقدسية أم ا رً لفظياً يحلّ
على البشر والحجر والشجر بمجرد لفظ )تقديسي( ينطق به نبيٌ أو حتى أيّ شخص عاديّ.
لذا فإنّ الباحث في هذا المطلب يستقصي مواضع ذكر البركة والقدسية في التو ا رة المحرّفة
الموجودة بين أيدينا، بما تحتويه من أسفار، ومن خلال هذا الاستق ا رء سيضع الباحث ما استنتجه
من أنواع القدسية والبركة بحسب ما ذكرها العهد القديم، كأهمّ مرجع للديانة اليهودية الحالية.
أولا : القدسية والبركة من حيث المعنى:
جاء في قاموس الكتاب المقدّس: " قدّس يقدّس تقديساً: جعله قدّيساً بتغيير القلب، وبالتقديس
تتطهر النفس من دنس الخطيئة ومن سلطتها، وتتزين بالنعم الروحية التي تعدّها للأف ا رح
السماوية") 1 . )
وقد يأتي التقديس بمعنى: " تكريس النفس أو الشيء للاستعمال المقدّس" ) 2 (، ومن ذلك
ق ا م ي ة ال م س ك ي ن، و م س ح م ه وق دَّ س م ه و ي جَي ع أَ م ي ت عتي ي ه، وال م ذب ح و ي جَي ع « : ما ورد في العهد القديم
ِ
وي و م ف ر غ م مو س ي م ن ا
( » أَ م ي ت عتي ي ه و م س حه ا وق دَّ سه ا 3 . )
وه ي ذ ي ه أَي ضا ق دَّ سه ا ال م ي م لِ دا م و م د ي للرَّ ي ب م ع « : ومن نماذج تكريس الأشياء للاستعمال المقدّس أيضاً
(» ال ي فضَّ ي ة والََّّ ه ي ب ا يَّ لَّي ق دَّ س م ه ي م ن ي جَيعي الشُّ م عو ي ب ا يَّ لَّي ن أَ خ ض عهم م 4 . )
1 . )236/ ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
2 . )236/ ( المصدر السابق، ) 2
3 . 1 : ( العدد 9
4 . 11 : ( صموئيل الثاني 9
046
يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م ق دَّ س ال م ي م لِ و سط الَِّا ي ر الَّ يت أَ ما م ب ي ي ت الرَّ ي ب، لأَن مَّ ه ق رَّ ب م ه ن ا ك « : ومن ذلك أيضاً
ال م م ح رق ا ي ت والتَّ ق ي د ما ي ت و شَ م ذ بَئي ي ح السَّ لا م ي ة، لأَنَّ م ذب ح النُّ حا ي س ا يَّ لَّي أَ ما م الرَّ ي ب كَ ن ص ي غ يرا ع ن أَ ن ي س ع
(» ال م م ح رق ا ي ت والتَّ ق ي د ما ي ت و شَ م ذ بَئي ي ح السَّ لا م ي ة 1 . )
ويأتي التقديس في العهد القديم بمعنى تقديس الربّ لشعبه أي بني إس ا رئيل لأنهم - –
أولده ولأنه يريد قداستهم) 2 (، بسبب بقائهم في صهيون واختيارهم ليكونوا في )أورشليم( وقد جاء
يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م ي م كو م ن غم ا م ن الرَّ ي ب بِ ا ء و م ج دا، وث م م ر الأَ ر ي ض ف خ را و ي زين ة ي لل نَّا ي ج ين ي م ن « : في هذا المعنى
سْائيي ل
ِ
ا . وي م كو م ن أَنَّ ا يَّ لَّي ي بق ى يفِ ي صه ي و ن وا يَّ لَّي يم تَ م ك يفِ أُو م ر ش ي ل ي، يم سمَّى قمدُّو سا. م كُُّ م ن م كتي ب ي ل ل ح يا ي ة ي فِ
( » أُو م ر ش ي ل ي 3 . )
معنى )القدس( وأنواعها في العهد القديم:
وردت لفظة " قدْس" في العهد القديم على أوجه كثيرة، واختلط معناها بين البشر وخالق
البشر سبحانه، ومخلوقات الربّ جل جلاله، وأماكن وأشياء وذوات، فمن أنواع القدْس وأصنافه:
.2 قُدْس: صفة من صفات الله تعالى) 4 (، وقد وردت في التو ا رة بهذا المعنى في مواضع كثيرة،
منفردة أو مضافاً إليها:
- (» ي ن ر م موا ي للرَّ ي ب ت ري نيم ة ج ي دي د ة، لأَن مَّ ه صن ع عَا ي ئ ب. خلَّ ا ت م ه ي ي مينم م ه و ي ذ را م ع قم د ي س ي ه « : أ فمنها: ذ ا رعُ قدْسه 5 .)
ج ر ت يفِ ال يا ي ب س ي ة نَّ را، لأَن مَّ ه ذ ك ر ي كَ م ة قم د ي س ي ه ب را ي ه ي ع ب ي د ي ه - ... « : ب ومنها: كلمة قدْسه
ِ
(» م ع ا 6 . )
ن سانٍ س ك را ن و ي مث ل ر م جل غ ل ب ت م ه ال خ م م ر، - ... « : ت ومنها: كلام قدْسه
ِ
ي صِ م ت كَ ي م ن أَ ج ي ل الرَّ ي ب و ي م ن أَ ج ي ل
(» كَل ي م قم د ي س ي ه 7 . )
1 . 46 : ( الملوك الأول 9
2 . )235/ ( انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
3 - . 0 2 : ( اشعياء 6
4 . )235/ ( انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
5 . 1 : ( الم ا زمير 19
6 - . 62 61 : ( الم ا زمير 135
7 . 1 : ( ارمياء 20
047
ن ر د د ت ع ي ن السَّب ي ت ي ر ج لِ، ع ن عَ ي ل - « :) ث ومنها: قول الربّ: يوم قدْسي )أي: يوم السبت
ِ
ا
(»... م سََّي ت ك ي و م قم د ي س 1 . )
ول ي كنَّهم م ت مرَّ م دوا وأَ ح ن زموا م رو ح قم د ي س ي ه، ف ت حوَّ ل ل هم م ع م دوًّا، و م ه و حا ر م بِ م - « : ج ومنها: روح قدْسه . م ثَُّ ذ ك ر الأَيََّ م
ال ق ي ديم ة، م مو س و ش ع ب م ه: أَي ن ا يَّ لَّي أَ ص ع د م ه ي م ن ال ب ح ي ر م ع را ي عي غ ن ي م ي ه؟ أَي ن ا يَّ لَّي ج ع ل يفِ و س ي طهي م م رو ح
(» قم د ي س ي ه 2 .)
ا يَّ لَّي ن ي تَ مَّ م مو ن تم را ب الأَ ر ي ض ع لى م ر م ؤو ي س ال م سا ي ك ي ين، وي م ادُّو ن - « : ح ومنها قول الربّ: اسم قدْسي
لَ ص ي بيَّةٍ وا ي ح دةٍ
ِ
(» س ي بي ل ال بائي ي س ين، وي ذ ه م ب ر م جلٌ وأَبمو م ه ا حتََّّ يم د ي ن م سوا ا سْ قم د ي س 3 . )
لا أَن م ق م ض عه ي دي، و لا أُغ ي م ير ما خ ر ج ي م ن ش ف ت، - « : خ وقوله: حلفت بقدْسي مرَّ ة حل ف م ت ي ب م ق د ي س، أَ ي ن لا
أَ ك ي ذ م ب ي لِا م و د : لَ الَِّ ه ي ر ي م كو م ن، و م ك ر ي س يُّ م ه كَلشَّ م ي س أَ ما ي مي
ِ
(» ن س م م لِ ا 4 . )
.2 قدْس: أي: " مسكن الله السماوي!") 5 (، وقد ورد لفظ القدْس بهذا المعنى في عدة مواضع
من التو ا رة، منها: رواية نظر الربّ من علو إلى صهيون نظرة الرحمة لشعبه في أرض )أورشليم(!:
لَ الأَ ر ي ض ن «
ِ
لأَن مَّ ه أَ شْ ف ي م ن عمل ي و قم د ي س ي ه. الرَّبُّ ي م ن السَّ ما ي ء ا ظ ر، ي لي س م ع أَ ي ن ين الأَ ي س ي ير، ي ل م ي ط ي ل ب ينِ ال م و ي ت،
(» ي ل كَ م يُدَّ ث يفِ ي صه ي و ن ي بَ ي سْ الرَّ ي ب، وي بت س ي بي ي ح ي ه يفِ أُو م ر ش ي ل ي 6 . )
تطل ع من ...« : ومنها: الدعاء الوارد في سفر اشعياء، مخاطباً الربّ في السماوات قائلا
(» ؟ السماوا ي ت وانظ ر م ن مسك ي ن ق دسك ومجدك. أين غيرتم ك وجبَوتمك 7 . )
1 . 10 : ( اشعياء 59
2 - . 11 13 : ( اشعياء 40
3 . 9 : ( عاموس 2
4 - . 04 06 : ( الم ا زمير 91
5 . )235/ ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
6 - . 21 11 : ( الم ا زمير 132
7 . 15 : ( اشعياء 40
048
.0 قدْس: بمعنى: " مسكن الله الأرضي، أو موضع ظهور مجده لشعبه" ) 1 (، إذ كانت خيمة
الاجتماع مثلا كما في التو ا رة هي موضع لقاء الله - - بشعبه أي )جماعة إس ا رئيل( على - –
الأرض، " وهي خيمة أو خباء كان يحملها بنو إس ا رئيل معهم في تجوالهم، وكانت تقام خارج
المضارب؛ ليسكن الإلهُ فيها بين شعبه )حسب التصور التو ا رتي(، وليكشف الإله فيها عن وجوده
وليبلّغ إ ا ردته، وليطلبه من يريده، وتسمى أيضاً ب )خيمة الشهادة( و )بيت الإله( " ) 2 . )
وقد ورد لفظ القدْس بهذا المعنى في التو ا رة في مواضع كثيرة منها:
أ ما يُذكر فيه لفظ )قدْس( مجرّداً كما في قول داود - ل ي ك أُب ي ك م ر. « :
ِ
لهييي أَن ت. ا
ِ
يَ ا م لله، ا
ل ي ك ج س ي دي يفِ أَ رضٍ ن ي ش فةٍ و يَ ي ب سةٍ ي ب لا ماءٍ،
ِ
ل ي ك ن ف ي س، ي ش ت ا م ق ا
ِ
ع ي ط ش ت ا ي ل كَ أُب ي صر قموَّت ك و م ج د ك ، كُ ق د
(» رأَي م ت ك يفِ قم د ي س ك 3 . )
ب وقد يرد اللفظ مضافاً إليه غيره، كمسكنِ القدْسِ : في مثل قول موسى - وبني إس ا رئيل
- - (» تمرش م د بر أفتك الشع ب الَّي فديت ه. تِديه بق وتك الَ مسك ي ن ق دسك « : للربّ حسب التو ا رة 4 . )
السَّا ي ك م ن يفِ السَّ ما وا ي ت ي ض ح م ك. الرَّبُّ ي س تَ ي ز م ئ ي ي بِ م ، - – « : ت أو: جبلُ القدْسِ: كقول الربّ بزعم التو ا رة
(» ي حين ي ئذٍ ي ت كََّ م م ع ل ي يَ م ي ب غ ض ي ب ي ه، وي ر م ج م فهم م ي بغ ي ي ظ ي ه : أَمَّا أَ ن ف ق د م س ح م ت م ي ل ي كَ ع لى ي صه ي و ن جب ي ل قم د ي س 5 .)
ث أو: هيكلُ القدْسِ : كقول داود - م تِ ي م لِ ال م مت ي كَ ي م ين - – « : منادياً ربّه بزعم التو ا رة قائلاً
ي بَل ك ي ذ ي ب. ر م ج م ل ا ي لِ ما ي ء وال ي غ ي ش ي ك ر م ه م ه الرَّبُّ . أَمَّا أَ ن ف ي ب ك ثّي ة ر حْ ي ت ك أَ د م خ م ل ب ي ت ك . أَ م سْ م د يفِ ه ي ي ك قم د ي س ك
(» ي بِ وي ف ك 6 . )
1 . )235/ ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
2 159 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
3 - . 2 1 : ( الم ا زمير 40
4 . 10 : ( الخروج 15
5 - . 4 6 : ( الم ا زمير 2
6 - . 9 4 : ( الم ا زمير 5
049
ج أو: موضعُ القدْسِ: كقول داود - لَ جب ي ل الرَّ ي ب؟ و م ن ي م قو م يفِ « : في الم ا زمير
ِ
م ن ي ا ع م د ا
(» ...؟ م و ي ضعي قم د ي س ي ه 1 . )
ح أو: مح ا ربُ القدْسِ: كقول داود - ذ « : في الم ا زمير أيضاً مخاطباً ربه
ِ
ا س ت ي م ع ص و ت ت ضُّي عي ا
أَ س ت ي غي م ث ي ب ك لَ ي م ح را ي ب
ِ
(» وأَ رف م ع ي ديَّ ا قم د ي س ك 2 . )
لأَنَّ الل م ي م لِ الأَ ر ي ض م ي كَ ه ا، ي ن ر م موا ق ي اي د ة ، م لِ م الل ع لى - « : خ أو: كرسيُّ القدْسِ : كما في الم ا زمير
(» الأُ م ي م ، م الل جل س ع لى م ك ر ي ي س قم د ي س ي ه 3 . )
د أو تخومُ القدْسِ: كما ورد في سَوق الربّ شعبَه كالقطيع إلى تخومِ قدسِ ه أي أرض - –
- « : الميعاد وهذه الأرض وتخومها نُسبتْ إلى قُدس الله أي مسكنه في الأرض و سا ق ي مث ل ال غ ي نَ
ش ع ب م ه، وق ا د م ه ي مث ل ق ي طيعٍ يفِ ال ي بَيَّ ي ة . و ه دا م ه أ ي م ي ن ين ف ل يَ ز م عوا. أَمَّا أَع دا م ؤ م ه ف غ م ر م م ه ال ب ح م ر ، وأَ د خ ل هم م يفِ م م تخو ي م قم د ي س ي ه،
(» ه ذا ال ج ب ي ل ا يَّ لَّي ا قت ن ت م ه ي ي مينم م ه 4 . )
ذ أو مُدنُ القدْسِ: إذ توصف المدن التي يسكنها بنو إس ا رئيل في التو ا رة بمدن قدْس الربّ، أي -
أن الله بزعمهم جعلها له مسكناً في الأرض وسط شعبه!، ومن ذلك ما عاتب به بنو إس ا رئيل - -
لا ت س خ ط م كَُّ السَّ خطي يَ ربُّ، و لا ت لَ الأَب ي د « : ر بهم بقولهم
ِ
ثُ ا
ِ
ذ م ك ي ر الا ، ها ان م ظ ر ، ش ع م ب ك م كَُّن ا، م م د م ن قم د ي س ك
(» صا ر ت ب ي ري ة. ي صه ي و م ن صا ر ت ب ي ري ة، وأُو م ر ش ي ل م ي م مو ح ش ة 5 . )
ب ي م ت قم د ي س ن ا و جَا ي لن ا ح ي م ث س بَّ ح ك أ بَ م ؤ ن، ق د صا ر - « : ر أو بيتُ القدْسِ: كقول بني إس ا رئيل لربّهم
ح ي ري نرٍ، و م كُُّ م ش تَ يا ي تن ا صا ر ت خ را بَ . (»؟ أَلأَ ج ي ل ه ي ذ ي ه ت ت ج مَّ ل يَ ربُّ؟ أَت س م ك م ت وتم ي ذلُّن ا م كَُّ ا ي لَّ ي ل 6 .)
1 - . 6 0 : ( الم ا زمير 26
2 . 2 : ( الم ا زمير 29
3 - . 9 9 : ( الم ا زمير 69
4 – . 56 52 : ( الم ا زمير 99
5 - . 13 1 : ( اشعياء 46
6 - . 12 11 : ( اشعياء 46
051
.4 قدس الأقداس:
" ويطلق على القسم الخارجي والداخلي من مسكن الربّ في الأرض") 1 (، "وهو حسب التصوّر
اليهودي أقدس الأماكن في هيكل القدس، وكان قدس الأقداس يضم )تابوت العهد(، وجاء في
الت ا رث اليهودي أنّ فلسطين توجد في مركز الدنيا، والقدس في وسط فلسطين، والهيكل في وسط
القدس، وقدس الأقداس في وسط الهيكل، أي أنّ قدس الأقداس يقع في وسط الدنيا تمام اً -
بزعمهم ويحرص اليهود اليوم على عدم الدوس على الأرض التي يعتقدون وجود قدس الأقداس -
قديماً تحتها" ) 2 . )
غير أن لفظة )قدس الأقداس(، وان كانت في الت ا رث اليهودي المضطرب بمعانيه ومعلوماته
تنطبق على ذلك الموضع المقدّس من مدينة القدس، إلا أنها أُطلقت في التو ا رة على غير ذلك
الموضع أيضاً، وا تّسع مفهومها أكثر بمنطوق التو ا رة، ومن ذلك ظهر مما استقصاه الباحث ما
يلي:
أ أُطلق )قدس الأقداس( على: )المح ا رب( الذي بناه سليمان - في بيت الربّ كما ورد في
وب نَ ي ع ي شَ لَ ال ي حي طا ي ن. وب نَ دا ي خ م لِ « : العهد القديم
ِ
ي ن ي ذ راع ا ي م ن م ؤخَّ ي ر ال بي ي ت ي بأَ ض لاعي أَ رزٍ ي م ن الأَ ر ي ض ا لأَ ج ي ل
( » ال ي م ح را ي ب، أَ ي قم د ي س الأَق دا ي س 3 . )
ب وأطلقت اللفظة كذلك على: )ما يجاور موضع العبادة(، كما في قول الربّ بزعم التو ا رة: - –
(» هذه س ن م ة البي ي ت: على رأ س الجب ي ل كُُّ م م تخ ي م ي ه حوالي ي ه قم د م س أ قداسٍ ، هذه ه م س ن م ة البي ي ت ...« 4 . )
ت وأطلق )قدس الأقداس( على: )أثاث الهيكل أو الخيمة وطعام الكهنة!(، إذ جاء في سفر -
1 235 ( بتصرف يسير . - / ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
2 . )145/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
3 . 14 : ( الملوك الأول 4
4 . 12 : ( حزقيال 60
050
حزقيال في وصف الهيكل في رؤيا حزقيال) 1 ا ي د م ع ال ي ش « :) وق ا ل ي ل: م ذ ما ي ل و م ذا ي د م ع ال ج م نو ي ب الَّ يت أَ ما م
ال م كَ ي ن ال م م ن ف ي ا ي ل لَ الرَّ ي ب قم د س الأَق دا ي س. م هن ا ك ي
ِ
ي ه م ذا ي د م ع م مق دَّ سةٌ، ح ي م ث ي أْ م م كُ ال كه ن م ة ا يَّ لَّي ن ي ت ق رَّبمو ن ا ض م عو ن
قم د س الأَق دا ي س والتَّ ق ي د م ة و ذ ي بي ح ة ال خ ي ثُ، لأَنَّ ال م كَ ن م مق دَّسٌ
ِ
(» ي طيَّ ي ة و ذ ي بي ح ة الا 2 . )
ث كما أطلقت التو ا رة )قدس الأقداس( على " كل ما يكرّس لله من شخص أو شيء" ) - 3 (، وقد
ويان م ع هارو م ن كف ار ة على قرو ي ن ي ه م ر ة فِ « : ورد بهذا المعنى الكثير من النصوص في العهد القديم، ومنها
ال س ن ي ة. من د ي م ذبيح ي ة الخط ية الت للكف ارة م رة فِ ال س نة يان م ع كف ار ة عليه فِ أ جيا ي ل م ك. قد م س أ قداسٍ هو
(» للر ي ب 4 .)
.5 مقدِ س:
وقد وردت في العهد القديم بهذه الصيغة بعدة معانٍ، ظهر فيها الاضط ا رب جليّا كغيرها من
ألفاظ التقديس.
أ فسمّيت )بلاد الميعاد( مقدِس اً) - 5 عن د « : (، ومن ذلك ما ورد في الم ا زمير بلفظ خروجي اسْائي ل من
ي م صر ، وبيت يعقوب من شعب أ عَم. كَ ن يه و ذ ا مق ي د م س م ه ، و اسْائي م ل مح ل م س لطا ي ن ي ه . البح م ر رأ م ه فه ر ب . ا لأرد م ن رج ع
(» ... الَ خلفٍ 6 . )
يَ اب ن أ د م، - « : ب كما سمي )ملجأ شعب الله( مقدِساً أيضاً، ومن ذلك ما جاء في نبوءة حزقيال
سْائيي ل ي بأَ جَ ي ع ي ه، م م ه ا يَّ لَّي ن ق ا ل ل م ه م م سكََّ م ن أُو م ر ش ي ل ي: ا ب
ِ
خ وتم ك ذ م وو ق راب ي ت ك، و م كُُّ ب ي ي ت ا
ِ
ا ت ي ع م دوا ع ي ن الرَّ ي ب. ل ن ا
1 593 ق.م( كلمة عبرية معناها "الإله يُقوّي"، وحزقيال نبي من أسرة صادوق الكهنوتية - ( حزقيال: )حوالي 510
ومن قبيلة إف ا ريم، وهو معاصر للنبي "ارمياء"، أطلق حزقيال نبوءاته في القدس، ثم في بابل حيث هُجّ ر مع اليهود،
واستمر في التنبؤ لسنوات طويلة، وتنبأ بدمار القدس والقى باللوم على اليهود الذين بقوا في المملكة الجنوبية
لاتباعه الشر، فسّر حزقيال حسب التو ا رة الشتات اليهودي بأنه غرض إلهي لنشر العدالة في العالم ] موسوعة - –
122 ( بتصرف [. - / اليهود، المسيري، ) 5
2 . 10 : ( حزقيال 62
3 . )235/ ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
4 . 13 : ( خروج 03
5 . )234/ ( انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست ، ) 2
6 - . 0 1 : ( الم ا زمير 116
051
أُ ع ي ط ي ت ه ي ذ ي ه الأَ ر م ض ي م يرا ث . ي لَّي لِ قم ل: ه ك ذا ق ا ل السَّ ي م د ال ر ن م ك ن م ت ق د أَب ع د م م تِ م ب ين الأُ م ي م،
ِ
بُّ: وا ن م ك ن م ت ق د
ِ
وا
ي ن أَ م كو م ن ل هم م م ق ي د سا ص ي غ يرا
ِ
ب دَّ د م م تِ م يفِ الأَ را ي ضِ، ف ا ل يَ ا
ِ
( » يفِ الأَ را ي ضِ الَّ يت ي أْتمو ن ا 1 . )
لاحظ هنا كيف يوظّف كاتب التو ا رة النصّ الديني )المقدّس( لترسيخ ملكية بني إس ا رئيل الأبدية
للأرض، وتبريره الشتات الكبير بأنه مرحلة طارئة بإ ا ردة الربّ على طريق العودة لتملّك الأرض إلى
الأبد، كل ذلك على شكل حوار مع سكان )أورشليم( لتكريس الفكرة الدينية أكثر فأكثر!
ت بل إنّ التو ا رة أوردت وصف موضعٍ لعبادةِ الأوثانِ في "بيت إيل" ) - 2 (، بأنه )مَقدِسٌ(، وفي
ذلك خروج عن معنى التنزيه المتضمن لهذه اللفظة اون لم يكن التقديس هنا من كلام الربّ ، - –
جاء ذلك في سفر "عاموس") 3 ( على لسان كاهن )مملكة إس ا رئيل( الشمالية التي عبدت الأوثان - -
ف ق ا ل أَ م ا يا ي ل عا م مو س: أَيُّه لَ أَ ر ي ض م يهو ذا و م كُ م هن ا ك م خ بْا و م هن ا ك « :" ويدعى "أمصيا
ِ
ا الرَّا ي ي،، ا ذ ه ي ب ا ه م ر ب ا
ت ن ب أْ . ي ل ف لا ت م ع د ت ت ن بَّأُ ي فيَ ا ب ع م د، لأَنََّّ ا م ق ي د م س ال م ي ي لِ وب ي م ت ال م م ي لِ
ِ
( » وأَمَّا ب ي م ت ا 4 . )
.1 القدّيسون:
ورد في العهد القديم لفظ "قدّيس" و"قديسين" في ثمانيةٍ وأربعين موضعاً، ويعرِّف قام وس الكتاب
المقدّس القديسين بأنهم: " أولئك الذين حصلوا على شيء من القداسة، ومنهم من قُدّسَ في
السّماء") 5 .)
1 . 14 : ( حزقيال 11
2 ( بيت ايل: تعبير عبري معناه بيت الربّ، وهي مدينة كنعانية قديمة، قدّسها الكنعانيون قديماً، ثم سكنها بنو
إس ا رئيل وأعطوها مكانة خاصة، ثم خفتت مكانتها بعد تشييد هيكل القدس، شيّد فيها يربعام ملك المملكة الشمالية
هيكلاً قومياً لمملكته لينافس هيكل القدس، وزود هيكله بعجول ذهبية وأصنام، ثم هاجمها يوشيا ملك المملكة
الجنوبية ودمر هيكلها وهدمها، ثم هدمها الآشوريون ومن بعدهم البابليون ثم الفرس، وأعيد بناؤها في العصر
119 ( بتصرف [ . - / الهيليني، ولكنها هُجرت مع الفتح الإسلامي. ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
3 ( عاموس: )حوالي 964 493 ق.م( اسم عبري معناه "المثقل بالأحمال"، وعاموس أول نبي لبني إس ا رئيل يسمى -
باسمه أحد الأسفار، أعلن رسالته عام 953 ق.م، ونشر رسالته في المملكة الشمالية في عهد يربعام الثاني، وكان
عهداً مليئاً بالفساد والترف، فهاجم عاموس هذا الفساد، ورفض العبادة القربانية وتقديم الأضاحي ووصفها بالسخرية،
وتنبأ بزوال المملكة الشمالية وتشريد بني إس ا رئيل، ويقال بأنه أُعدم على يد الكهنة اليهود. ] موسوعة اليهود،
123 ( بتصرف [. - - 111/ المسيري، ) 5
4 - . 10 12 : ( عاموس 9
5 234 ( بتصرف . - / ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
053
وورد في التو ا رة كلامٌ للربّ على لسان موسى وهارون عليهما السلام يأمر بني إس ا رئيل بأن - -
يكونوا قديسين، ليس لأنهم بشر كسائر البشر، بل لأن ربّهم قدوس، فلابد وأن ينالهم شيء من
ا ن أ ن الربُّ الهم م ك ف ت ت ق دَّ م سو ن وتكونون ق ي ديسين، لأَ ن أ ن « : قدسيته، وهذا ما ورد في سفر اللاويين
ق دوسٌ . و لا تمن ي جسوا أن ف س م ك بدبيبٍ ي دبُّ على الأَر ي ض. ا ن أن ال ر ب الَّي أصعد م كم من أر ي ض م صر ليكو ن ل م ك اله ا.
فتكونمو ن ي ق ي دي ي س ين لأ ن أ ن قمدُّوسٌ « ( 1 . )
وقد يظن الناظر للوهلة الأولى أنّ مفهوم التقديس أو جعل البشر )قديسين( بلفظ التو ا رة - -
هو مفهوم عام ي ا رد به تزكية النفس البشرية من الرذائل الأرضية، ولكن سرعان ما يجد الباحث
الربط التو ا رتي بين قدسية الإله )القدّوس( والقدسية التي اختارها لبني إس ا رئيل خاصة من بين الأمم،
وتكونو ن ل ق ي ديس ين لأ ن قم د وسٌ أَن الرَّ ب، وق د م يت م ك ي م ن « : ومن ذلك قول التو ا رة في ذات السفر
الشعو ي ب ي لتكو نموا ي ل «!! )2( .
ويصف سفر دانيال القديسين بأنهم )قديسو العليّ(، إذ جاء في رؤيا دانيال) 3 ( الأولى أنّ أربعة
حيوانات مفترسة تتصارع، فسّرها له الملاك بأ نها أربعة ممالك ستتصارع، وفي الختام تزول هذه
القوى العظمى، وتسود إلى الأبد مملكة )شعب قدّيسي العليّ( التي تملك كل ما تحت الأرض، في
والمملك م ة والسلطا م ن « : إشارة واضحة إلى اليهود!، حيث جاء في هذا السفر في خاتمة تفسير الرؤيا
وعظم م ة الم ملك ي ة تَ ت كُ ال س ما ي ء تمع ط ى ي ل ش ع ي ب ي ق دي ي س ال ع ي ل. م لكو تم م ه ملكوتٌ أبديٌ، وجَي م ع ال س لاط ي ين ا يَه
يعب م د و ن و يمطيعون، الَ م ه نا نَّاي م ة ا لأم ي ر « ( 4 . )
وهذا ما لم يحدث بطبيعة الحال، فلم يكن لليهود دولة بسطت ملكها على الأرض، ولن يكون.
1 - . 65 66 : ( اللاويين 11
2 . 24 : ( اللاويين 23
3 ( دانيال: )حوالي 509 435 ق.م( كلمة عبرية بمعنى: "الإله قضى"، ودانيال أحد الأنبياء الأربعة الكبار في -
بني إس ا رئيل، خرج وثلاثة رفاق له إلى بابل بأمر نبوخذ نصر، وعينهم نبوخذ نصر مد ا رء في مملكته، وكان دانيال
يفسّر الرؤى، ثم أصبح يرى هو الرؤى ويفسرها لهم ملاك بحسب التو ا رة وقد ثار جدل حول نسبة سفر دانيال، - –
وقسمه الباحثون إلى ج أ زين الأول من كتب الأنبياء والثاني من كتب الرؤى ] موسوعة اليهود، المسيري،
121/5 ( بتصرف [ . - (
4 - . 29 29 : ( دانيال 9
054
ثاني ا: أنواع القدسية والبركة من حيث المصدر:
إن كانت القدسية قد اختلفت معانيها في التو ا رة وتعددت أقسامها وأنواعها من حيث المعنى،
فإنّ ما يلفت النظر في تو ا رة اليهود الحالية أنّ مصادر القدسية والبركة فيها تتعدد أيضاً، فمع أنّ ما
يتقدّس أو يُبارك يصبح ذا مغزى كبير في مفهوم التو ا رة، فإنّ البركة والقدسية هذه ليست من عند
الله غالباً، وهذا ما سيستعرضه الباحث من خلال استق ا رء العهد القديم فيما يلي:
.2 بركة وقدسية مصدرها
ّ
الرب:
وهذه وردت في التو ا رة في مواضع عدّ ة، فالربّ سبحانه مصدرٌ أساس من مصادر - –
وضع القدسية والبركة في الأشخاص والأشياء والأماكن والأزمان، وقد تعددت المقدّسات التي
مصدرها الربّ بحسب التو ا رة وكان من أهمها: - –
أ الربّ يقدّس أزماناً: -
ومن ذلك ما ورد في العهد القديم من تقديس الله ومباركته لليوم السابع أي يوم –
وبَر ك م الل اليو م الساب ع وق د س م ه ، لأن ه فيه استَا ح من جَيعي عَ ي لِ ا ي لَّي عَل - « : السبت إذ يقول كاتب التو ا رة
(» م الل خا ي لق ا 1 .)
لأن فِ س ت ة أ يَمٍ صنع ال ربُّ السما ء وا لأر ض والبح ر وكَُّ ما فيَا، « : ونظيره ما جاء في سفر الخروج
(» واستَاح فِ اليو ي م السابعي. لَّلِ بَر ك الربُّ يو م السب ي ت وق دس م ه 2 .)
تعالى الله عمّا وصفوه من التعب والنصب، وقد ردّ الله على قول اليهود هذا في
كتابه العزيز في قوله سبحانه: }وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ {
)ق/ 09 ( . قال قتادة: " هذه الآية نزلت في يهود المدينة؛ زعموا أن الله خلق السموات والأرض
1 . 0 : ( تكوين 2
2 . 11 : ( خروج 23
055
في ستة أيام، أولها يوم الأحد وآخرها يوم الجمعة، واست ا رح يوم السبت؛ فجعلوه ا رحة، فأكذبهم الله
في ذلك" ) 1 . )
هذا ما قال ال ر ب: غ دا عطلٌَ، سب تٌ مقدَّسٌ للر ب . « : ومن ذلك أيضاً ما ورد في سفر الخروج
(» اخبْوا ما تخبْون واطبخوا ما تطبخون. و كُ ما ف ي ض ل ضعو م ه عند م كم ل م يحفظ الَ الغ ي د 2 . )
ب الربّ يقدّس ويبارك أشخاصاً: -
إذ ورد في كثير من النصوص في التو ا رة تقديس الربّ ومباركته لأشخاص، كالأنبياء مثلاً،
ومن ذلك قول الربّ سبحانه لإب ا رهيم - – أُبَر م ك ك مبارك ة، وأُ ك ي م ثّ نس لِ تكث يرا كنجو ي م السَّماء « :
(» وكَل رمل الَّي على شاطئ البح ي ر، وير م ث نس م لِ بَ ب أعدائي ي ه 3 . )
ثم يبارك الربّ إسحاق تغ رب فِ هذه ا لأرض، فأ كو ن مع ك « : من بعد إب ا رهيم قائلاً له
(» وأُبَرك ك ، لأ ن لِ ولنس لِ أُعطي جَيع هذه البلاد، و أفِ بَلقسم الََّّي أقسم م ت لابراه ي أبي ك 4 . )
وفي مفهوم التو ا رة قد ينتزع البشر البركة انت ا زعاً من الله!، فقد ورد ذلك في القصة العجيبة
التي حكت ص ا رع يعقوب مع الربّ تعالى الله عما يقولون والتي أصرّ فيها يعقوب على - –
عدم إطلاق الربّ إذ صرعه يعقوب سوى بمباركة الربّ إياه!، وقد كان) - – 5 . )
وقد يوقع الله البركة على أشخاص بسبب وجود شيءٍ مقدّس وسطهم بزعم التو ا رة - –
ومن ذلك ما ورد في سفر صموئيل الثاني من مباركة الله لأهل بيتٍ بسبب وجود "تابوت الربّ"
ق د بَ ر ك الرَّبُّ ب ي ت م عوي بي د أَ م دو م، « : و بَ ر ك الرَّبُّ م عوي بي د أَ م دو م و م كَُّ ب ي ي ت ي ه ، ف أُ خ ي بَ ال م ي م لِ دا م و م د وي قي ل م له « : وسطهم
و م كَُّ ما م له ي ب سب ي ب تَبمو ي ت ي الل ، ف ذ ه ب دا م و م د وأَ ص ع د تَبمو ت ي الل ي م ن ب ي ي ت م عوي ب لَ م ي دين ي ة دا م و د ي ب ف رح ِ
( » ي د أَ م دو م ا 6 . )
1 . )26/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 19
2 . 20 : ( خروج 14
3 . 19 : ( تكوين 22
4 . 0 : ( تكوين 24
5 - . 03 26 : ( انظر: تكوين 02
6 - . 12 11 : ( صموئيل الثاني 4
056
ت الربّ يقدس ويبارك أُمّةً بأكملها: -
القدسية الصادرة عن الربّ سبحانه في مفهوم التو ا رة قد تطال أمّة بأكملها، بغثّها - -
وسمينها، فهي أمّة طاهرة منزّهة مكرّمة من ربها، كيف لا وهي أُمّة الربّ أصلاً، بزعمهم!.
ومما ورد في تقديس الأمة )الإس ا رئيلية( بحسب التو ا رة ما ورد في سفر الخروج من أمر - -
الله لنبيه موسى (» وأ ن م تُ ت م ك و نمو ن ي ل م م ل ك ة ك ه ن ةٍ وأُ م ة م ق د س ة « : بأن يقول لبني إس ا رئيل 1 . )
ثم يقول له الربّ أيضاً أي لموسى – و أنت تمكَ م بنِ اسْائيل قائ لا: م س م بوتِ تَف م ظونَّا، لأن ه « :
(» علامةٌ بينِ وبين ك فِ أجيا ي لك، ل ت ع ل موا أ ن أ ن الر ب الَّي يق د م س م ك 2 . )
وقد أعطى الربّ لبني إس ا رئيل على لسان موسى بركة أبدية شاملة لهم ولبنيهم،
يُ فظم ... « : ولبهائمهم كذلك!، فقد جاء في سفر التثنية بعد سرد وصايا الربّ لشعب بني إس ا رئيل
ح سا ن ال لَّي ي ن أَ ق س م لأ بَئي ك،
ِ
لهم ك ال عه د والا
ِ
لِ الرَّبُّ ا و م ي يُبُّ ك ويم با ي ر م ك ك ويم ك ي م ثّ ك ويم با ي ر م ك ث م ر ة ب طني ك وث م ر ة أَ ر ي ض ك:
ن ث غ
ِ
ق م ح ك و خَ ر ك و زي ت ك وي نت ا ج ب ق ي ر ك وا يََّ ها
ِ
ن ي م ك، ع لى الأَ ر ي ض الَّ يت أَ ق س م لأ بَئي ك أَن مَّ ه يم ع ي طي ك ا . م مب ا ر كَ ت م كو م ن
(» ف و ق ي جَيعي الشُّ م عو ي ب. لا ي م كو م ن ع ي قيٌ و لا ع ا ي قرٌ ي في ك و لا يفِ بِ ائي ي م ك 3 . )
ث الربّ يقدّس ويبارك أماكن: -
وقد يقدّس الربّ أماكن مخصوصة، فقد ذكرت التو ا رة أنّ الربّ ت ا رءى لسليمان ، ليبلغه
بتقديس البيت الذي بناه للربّ، بل وسيبقى قلبُ الربّ فيه إلى الأبد!، إذ جاء في سفر الملوك
و كَ ن ل مَّا أَ كْ ل م سل ي ما م ن ي بن ا ء ب ي ي ت الرَّ ي ب ... وق ا ل م له الرَّبُّ: ق د ي سْ ع م ت ص لات ك وت ضُّع ك ا يَّ لَّي ت ضَّ ع ت « : الأول
ي ب ي ه أَ ما ي مي، لَ الأَب ي د، وت م كو م ن ع ين ا ي وق ل يبي م هن ا ك
ِ
ق دَّ س م ت ه ذا ال بي ت ا يَّ لَّي ب ن ي ت م ه لأَ ج ي ل و ضعي ا ي سْي ي في ي ه ا م كَُّ
(» الأَيََّ ي م 4 . )
1 . 4 : ( خروج 11
2 . 10 : ( خروج 01
3 - . 16 12 : ( تثنية 9
4 - . 0 1 : ( الملوك الأول 1
057
.2 بركة وقدسية مصدرها البشر:
يلاحظ الباحث من خلال تعريف قاموس الكتاب المقدّس للتقديس المذكور آنف اً أنّ في - -
أدبيات الكتاب المقدّس والتو ا رة جزؤه الأهم يُطلَق التقديس على تغيير القلب وتحويل الحال إلى - –
الطهر والنقاء، وهذا قد يكون مفهوماً إذا كان مصدره الربّ ، لكن؛ عندما يقوم بشرٌ مخلوق
بتقديس بشرٍ أو شيءٍ أو مكان فإنه الأمر يبدو غريباً وشاذاً، إذ تغيير القلب والحال هي من
اختصاص العليم الخبير سبحانه.
وعليه فإنّ مفهوم التو ا رة للتقديس ووضع البركة في الأشياء والأشخاص بحسب فهم –
الباحث وصل حدود قد ا رت البشر، فهم يقدّسون ويباركون، وبركتهم وتقديسهم ليست آنية يستفاد -
منها في الحال وقت حدوثها فحسب؛ بل قد تكون بركة متوارثة كتلك التي يضعها الله - - في
عباده وخلقه! ومن صور التقديس )بشرية المصدر( مما ورد في التو ا رة ما يلي:
أ. البشر يقدّسون ويباركون أزماناً:
ومن تقديس البشر للأزمان ما تحكيه التو ا رة عن أمر الربّ لموسى بتقديس بني إس ا رئيل
وتمق ي د م سو ن السَّ ن ة ال خ م ي س ين، وتمن ا م دو ن « : السّنة الخمسين من الدخول إلى الأرض المقدّسة في ما نصّه
ي بَل ي ع ت يَ يفِ الأَ ر ي ض ي ل ج ي ميعي م سكََّ ي نَّ ا، ت م كو م ن ل م ك يموي بي لا ) 1 » ... ) ( 2 . )
ب.البشر يقدّسون ويباركون أشخاصاً:
وقد تمتد القدسية والتبريك من البشر إلى أمثالهم، ومن ذلك مباركة أخوة زوجة إسحاق
وبَر م كوا ي رفق ة وقالوا لها: أ ن ي ت أُ ختمنا، ي ص ي يري أُلمو ف ي ربواتٍ، ولير ث نس م ي لِ بَ ب « : لها عند أخذها زوجةً له
(» م مبغ ي ضي ي ه 3 . )
1 ( اليوبيل: هي السنة التي تلي أسبوع الأسابيع في مفهوم التو ا رة، أي: سنة الخمسين، و في هذه السنة تُردّ جميع
الأشياء والأماكن والأشخاص إلى حالتها الأصلية قدر الإمكان، فيحرر العبيد )عب ا رنيو الأصل( وتردّ جميع الرهون
560 ( بتصرف [ . - / إلى أصحابها الأصليين ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
2 . 13 : ( لاويين 25
3 . 43 : ( تكوين 26
058
وهنا أيضاً توظيف من كاتب التو ا رة لهذا الحدث الغابر في الإيحاء بأفضلية نسل إسحاق
على غيره، وأنه لا بد وأن يرث أرض أعدائه!.
وقد يمتلك الإنسان بركةً خاصةَ يعطيها لمن يحبّ !، ومن ذلك: ما ورد في سفر التكوين من
قول إسحاق ا ئ ي ت ينِ ي ب ا يدٍ وا ص ن ع ي ل - - – « : لابنه )عيسو( وهو على ف ا رش الموت بزعم التو ا رة
(» أ ط ي ع م ة لأ كُ وأُبَرك ك أ ما م الر ي ب قب ل و ف ا ي تِ 1 (، ولكن يعقوب ابن اسحاق عليهما السلام يسارع - –
أَ ن ي عي م سو ي ب ك م ر ك ، « : ف ق ا ل ي ع م قو م ب لأَ ي بي ي ه « ! بإحضار الطعام بإيعازٍ من أمّه؛ كي يسرق بركة أخيه من أبيه
(» ق د ف عل م ت كُ كََّ مت ينِ ، قم ي م ا ج ي ل س و م كُ ي م ن ص ي ي دي ي ل كَ تم با ي رك ينِ ن ف م س ك 2 (. ويقع الأبُ في المصيدة ويباركُ
يعقوبَ لغرض يريده كاتب التو ا رة ثم يأتي )عيسو( بالصيد ليتحصّل على البركة، ولكن - –
ف ق ا ل ي عي م سو لأَ ي بي ي ه: أَ لِ ب رك ةٌ وا ي ح دةٌ ف ق ط يَ أَ ي ب ؟ بَ ي ر ك ينِ أَ ن « ،! هيهات!! قد فاته الخير هو ونسله إلى الأبد
(» أَي ضا يَ أَ ي ب ، و رف ع ي عي م سو ص وت م ه وب ك 3 « : (!!، فكانت النتيجة ف حق د ي عي م سو ع لى ي ع م قو ب ي م ن أَ ج ي ل ال بَك ي ة الَّ يت
(» بَ رك م ه ي بِ ا أَبمو م ه ، وق ا ل ي عي م سو يفِ ق ل ي ب ي ه: ق م رب ت أَيََّ م من ا ح ي ة أَ ي ب، ف أَ ق م ت م ل ي ع م قو ب أَ ي خ 4 .)
ومع أن الخدعة انكشفت وافتضحت أمام إسحاق إلاّ أنّه عاد من جديد و أكّد على
سْا م ق ي ع م قو ب و بَ رك م ه، وأَ و صا م ه وق ا ل م له: لا ت أْ م خ ذ ز و ج ة ي م ن « :! بركة يعقوب )المسروقة( دون أخيه
ِ
ف دع ا ا
(» ب ن ا ي ت ك ن عا ن 5 .)
وأمام هذه القصة التو ا رتية العجيبة في البركة المسروقة التي تمتد إلى الأبد، يتساءل المرء
أوّلَ ما يتساءلُ، أين الربّ – من كل ما جرى؟! أليس إسحاق - هو القائل في بداية الأمر:
واذا كان يعقوب ،!؟» و أبَرك ك أمام الر ب « قد ظفر بإسحاق خداعاً وتدليساً بزعمهم - –
فأين ربّهما الذي يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور؟!
1 . 9 : ( تكوين 29
2 . 11 : ( تكوين 29
3 . 09 : ( تكوين 29
4 . 61 : ( تكوين 29
5 . 1 : ( تكوين 29
059
إنّ هذه الرواية فيما يتضح للباحث من أهمّ الروايات التي تفنّد مفهوم البركة والتقديس - –
في العقيدة اليهودية، وقد بُنيت عقيدتهم في التقديس والأرض المقدسة خاصّة على أشباه - -
هذه النصوص.
وبما أنّ يعقوب قد امتلك البركة، فإ نه أصبح قاد ا رً على مباركة غيره، وممن باركهم
يعقوبُ ، فرعون مصر بزعم التو ا رة ، وذلك بعد عودته وبنيه إلى مصر في عهد ولده يوسف - -
(» م ثَُّ أَ د خ ل يمو م س م ف ي ع م قو ب أَ بَ م ه وأَ وق ف م ه أَ ما م ي ف ر ع و ن ، و بَ ر ك ي ع م قو م ب ي ف ر ع و ن « : ، إذ يقول كاتب التو ا رة 1 .)
ويحرص الكاتب على توريث البركة أ رساً من يعقوب إلى كل أسباط بني إس ا رئيل،
فيحكي مشهد الوداع ليعقوب ي جَي م ع ه م ؤ لا ي ء م ه أَ س با م ط « : على ف ا رش موته، إذ يبارك كل أسباطه
سْائيي ل الاث ن ا ع شَ
ِ
(» ا ، وه ذا ما كََّ مهم م ي ب ي ه أَبمو م ه و بَ ر كهم م ، م كُُّ وا ي حدٍ ي بِ س ي ب ب رك تي ي ه بَ ر كهم م 2 . )
ت. البشر يقدّسون ويباركون أمّة بأكملها:
فتقديس ومباركة الأمم بنظر التو ا رة ليس حك ا رً على الربّ – – – بل إنّ البشر في –
مقدورهم أن يضعوا البركة، ويقدّسوا أمة وشعباً.
فهذا موسى وكَم الربُّ « : يقدّس كلّ بني إس ا رئيل، بل وبهائمهم أيضاً، وبأمرٍ من الربّ
موس قائ لا: ق دس ل كَُّ ب كرٍ، كَُّ ف اتيح (» ر ي حمٍ من بنِ اسْائيل، من النَّاس ومن البهائ. ان م ه ل 3 .)
ف ق ا ل الرَّبُّ ي ل م مو س: ا ذ ه ب - « : ويخاطبه الربّ مجدداً بأن يقدّس كلّ الشعب أي بني إس ا رئيل
لَ الشَّ ع ي ب وق ي د سهم م م ال ي و م وغ دا
ِ
(» ا 4 . )
ويتكرر مشهد مباركة موسى وهارون عليهما السلام لشعب بني إس ا رئيل، ويحصل - -
م ثَُّ رف ع ها م رو م ن ي د م ه نَ و الشَّ ع ي ب و بَ ر كهم م، وا نَ د ر ي م ن « ! بمباركتهما أن )مجد الربّ( يت ا رءى لبني إس ا رئيل
1 . 9 : ( تكوين 69
2 . 29 : ( تكوين 61
3 . 2 : ( خروج 10
4 . 13 : ( خروج 11
061
عَ ي ل ذ ي بي ح ي ة ال خ ي طيَّ ي ة وال م م ح رق ي ة و ذ ي بي ح ي ة السَّ لا م ي ة ، لَ خ ي م ي ة الا ج ي ت ماعي،
ِ
و د خ ل م مو س و ها م رو م ن ا م ثَُّ خ ر جا و بَ ر كَ
(» الشَّ ع ب، ف تَا ءى م ج م د الرَّ ي ب ي ل م ي ك الشَّ ع ي ب 1 .)
ما هو مجد الربّ الذي يت ا رءى )لكل الشعب( بفضل مباركة النبيَّين )لكل الشعب(؟! لا أحد
يجد تفسي ا رً كيف كان يحدث هذا، وما دامت البركة تتوالى ويتقاطر مجد الربّ على بني إس ا رئيل،
فلماذا اتّفق أن حلّ غضب الربّ على بني إس ا رئيل بنص الق آ رن والتو ا رة والإنجيل؟، خاصة بمعاقبتهم بفترة التيه في صح ا رء سيناء، وهي الفترة التي أعقبت هذه البركات المتواترة المزعومة،
اولتي تسوقها التو ا رة!!
ومن قصص التو ا رة في مباركة بني إس ا رئيل، ما أورده كاتب سفر العدد من قصة نبي يدعى
" بلعام") 2 (، حين دخل بنو إس ا رئيل نهر الأردنّ إلى أريحا، طلب ملك موآب) 3 ( الذي يدعى -
"بالاق") 4 ( إلى بلعام أن يلعن بني إس ا رئيل كي لا يمكّنهم الله - من الأرض، مرسلا أي –
ف الأ ن ت عا ل وال ع ن ي ل ه ذا الشَّ ع ب، لأَن مَّ ه أَ ع ظ م م ي م ي نِ، ل ع مَّ لِ يم م ي كنمن ا أَ ن ن ك ي سَم ه ف أَ ط م ر د م ه - « : بالاق برسول له قائلاً
(» ي م ن الأَ ر ي ض، لأَ ي ن ع رف م ت أَنَّ ا يَّ لَّي تم با ي ر م ك م ه م مب ا ركٌ وا يَّ لَّي ت ل عنم م ه مل م عونٌ 5 .)
1 - . 20 22 : ( اللاويين 1
2 ( بَلعام: هو بحسب الكتاب المقدّس نبيٌ موحّدٌ عاش في قريةٍ في بلاد ما بين النهرين، أي في موطن إب ا رهيم - -
الخليل ، وكان مشهو ا رً في جيله، وكان الناس يقصدونه للتبرك، فعلا شأنه وذاع صيته، ويزعم كاتب التو ا رة أنّه
بارك )إس ا رئيل( ثلاث م ا رت بأمر الربّ، ورفض لعنها، كما تروي التو ا رة له معج ا زت وأحوال عجيبة، بينها كلام
.] )269/ حماره! ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 1
3( موآب: هو اسم بكر ابنة لوط من أبيها بزعم التو ا رة وموآب أبو الموآبيين، وكانت أرض موآب حسب التو ا رة - –
في البداية "للإيميين"، وكان يحدّها في الأصل "أرنون"، ثم امتدت إلى الشمال في أرض الأموريين، ويطلق الكتاب
المقدّس "عربات موآب" على ما كان في وادي الأردن قبالة أريحا ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست،
.] )095/2(
4 ( بالق: وتعني: نهّاب، ملك الموآبيين، كان بينه وبين بني إس ا رئيل عداوة وفق ما ورد في التو ا رة، وقد عاش في
زمن النبي "بَلعام"، وهو الذي طلب إليه أن يلعن بني إس ا رئيل أمام الملأ، فتزعم التو ا رة أنّه رفض، بل وباركهم، مما
.] )269، 239 / أثار غضب بالاق وقومه ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 1
5 . 4 : ( العدد 22
060
ف ق ا ل م الل ي ل بل عا م: لا ت ذ ه ب « : لكن بلعام طلب مهلةً لينتظر أمر الربّ، وكان جواب الربّ له
(» م عهم م و لا ت ل ع ي ن الشَّ ع ب، لأَن مَّ ه م مب ا ركٌ 1 (، وأرسل الملك يفاوض بلعام على اللعنة، مرسلاً له وفداً جديداً
وهدايا عظيمة! فخرج منطلقاً معهم على أتانه صوب الملك، فغضب الربّ خشية أن يبارك بلعام –
قوم موآب ويلعن بني إس ا رئيل!! و تحدّثَت الأتان مع بلعام في معجزة واضحة! وأمره الربّ بأن -
يبارك بني إس ا رئيل وأن لا يلعنهم، ففعل ذلك وباركهم على الملأ، وقال فيهم قولاً عظيماً لم يقله أحدٌ
ي م ن أَ را م أَ تَ ي ب بَ لا م ق م ي م لِ م موأ ب، ي م ن ي جب ا ي ل ال م ي شَ ي ق: ت عا ل ال ع ن يل « : في أمّة خلت، وكان ممّا قاله بلعام
سْائيي ل
ِ
ي ع م قو ب، و ه م لَّ ا ش ي تُ ا ، ك ي ف أَل ع م ن م ن ل م ي ل ع ن م ه م الل؟ وك ي ف أَ ش ي م تُ م ن ل م ي ش تي م م ه الرَّبُّ؟ ي ن ي م ن رأْ ي س
ِ
ا
(» الاُّ م خو ي ر أَ را م ه، و ي م ن الأ كَ ي م أُب ي م صرم ه. م ه و ذا ش عبٌ ي س م ك م ن و ح د م ه، وب ين الشُّ م عو ي ب لا م يُ س م ب 2 . )
إنّ ما يشير إليه هذا النص حسب فهم الباحث هو اعتقاد في غاية الغ ا ربة والاضط ا رب، - -
فالتو ا رة ترسّخ مجدداً مفهوم أنّ القدسية والبركة تُمنح من قبل نبي هذا إن صحّ أنه نبي ، ولو - –
شاء لفعل خلافها، أي اللعنة، واذا بارك النبي شعب بني إس ا رئيل أو لعنهم، فإنّ البركة أو اللعنة
ستحل عليهم وعلى أجيالهم! الأمر الذي استدعى أن ي رسل الله ملاكاً حسب سفر العدد - –
ليقاوم النبي كي لا يصل إلى بني إس ا رئيل ليلعنهم على خلاف إ ا ردة الربّ تعالى الله عما –
يقولون ، كما أنّ اللعنة أو البركة هي فعل مباشر من النبي أمام الشعب، وكأنه يرشّهم بخرطوم -
مياه فتصل البركة حيث وصلت المياه!.
كما أنّ النتيجة التي يصل إليها واضع التو ا رة من و ا رء سرد هذه القصة الطويلة) 3 ( يسطّره في
قوله: )هو ذا شعبٌ يسكن وحده، وبين الشعوب لا يُحسب( وهي إشارة بنظر الباحث في غاية - –
القوة والص ا رحة بأنّ مفهوم البركة التي حلّت على هذا الشعب مرتبطة بسكناه وحده من بين الأمم
في هذه الأرض وملكيته الأبدية لها، بذات الغطاء الديني التو ا رتي )المقدّس(.
بل إنّ منح البركة في مفهوم التو ا رة ليس مقصو ا رً على الأنبياء، فالربّ يأمر موسى أن
و كََّ م الرَّبُّ م مو س ق ائي لا : ي كَ م ها م رو ن و ب ي ني ي ه « : يعلّم بني هارون كيف يباركون بني إس ا رئيل، فيما نصّه
1 . 12 : ( العدد 22
2 - . 1 9 : ( العدد 20
3 . 26 ،20 ، ( القصة بكاملها يسردها سفر العدد في ثلاثة إصحاحات كاملة وهي: 22
061
ق ائي لا: سْائيي ل ق ائي ي ل ين ل هم م
ِ
هك ذا تم با ي ر م كو ن ب ينِ ا : يم با ي ر م ك ك الرَّبُّ و يُ م ر م سك، يم ي ضِم ء الرَّبُّ ي ب و ي جْ ي ه ع ل ي ك وي ر م حْ ك ، ي رف م ع
الرَّبُّ و جْ م ه ع ل ي ك وي من م ح ك س لا ما، سْ
ِ
(» ف ي ج علمو ن ا ي سْي ع لى ب ينِ ا ائيي ل، وأَ ن أُ بَ ي ر م كهم م 1 . )
ث. البشر يقدّسون ويباركون أماكن:
فقد يأمر الربّ البشر أن يقدّسوا أماكن بعينها، حسب التو ا رة، فمثلا ؛ الربّ أمر موسى
وشعبه أن يقدّسوا جبلاً في سيناء؛ لا أن يعتبروه مقدّساً، بل ليقوموا هم بتقديسه، فيما نصّه:
ف ق ا ل م و س ي للرَّ ي ب: لَ جب ي ل ي سين ا ء، لأَن ك أَن ت حذَّ رت ن ا ق ائي لا: «
ِ
لا ي ق ي د م ر الشَّ ع م ب أَ ن ي ا ع د ا أَ ي ق م م ح م دو دا ي لل ج ب ي ل
(» وق ي د س م ه 2 . )
وقد يبني النبيّ بناءً في مكان مخصص، ثم يقوم بتقديسه، فيصبح مقدّساً، ومن ذلك قول
و ي ق ا م ي ة ال م س ك ي ن، و م س ح م ه وق دَّ س م ه و ي جَي ع أَ م ي ت عتي ي ه، وال م ذب ح و ي جَي ع أَ م ي ت ع « : التو ا رة
ِ
و م ف ر غ م مو س ي م ن ا تي ي ه و م س حه ا
(» وق دَّ سه ا 3 . )
ج. البشر يقدّسون ويباركون أشياء:
ومما ورد في ذلك في التو ا رة أمرُ الربّ نبيّه موسى أن يصنع ثياب اً مقدّسة لهارون
(» وا صن ع ثي يا بَ م مق دَّ س ة ي له ا م رو ن أَ ي خي ك ي لل م ج ي د وال به ا ي ء « : كما في سفر الخروج 4 .)
وهذه الثياب التي يصنعها موسى ويضفي عليها قداسةً لا نعلم كُنهَها، يصبح لها شأن
عظيم!؛ إذ يرد ذكرها كثي ا رً في التو ا رة، بل إنّ بني هارون يتوارثونها جيلاً بعد جيل، ويرثون قداستها
والثي يا م ب « : أيضاً بأمر الربّ، ويلبسها الكُهّان، ويصنعون بها طقوساً محددة بدقة من الربّ أيضاً
ال م مق دَّ س م ة الَّ يت ي له ا م رو ن ت م كو م ن ي ل ب ي ني ي ه ب ع د م ه، ي ل م ي م س م حوا ي فيَ ا، وي ل م ت ملأَ ي فيَ ا أَي ي د ي يه م ، س ب ع ة أَيََّمٍ ي ل ب م سه ا ال كَ ي ه م ن ا يَّ لَّي م ه و
( » ي ع وضٌ ع ن م ه ي م ن ب ي ني ي ه، ا يَّ لَّي ي د م خ م ل خ ي م ة الا ج ي ت ماعي ي ل ي ذ ي د م يفِ ال م ق د ي س 5 .)
1 - . 29 22 : ( العدد 4
2 . 20 : ( خروج 11
3 . 1 : ( العدد 9
4 . 2 : ( خروج 29
5 - . 03 21 : ( خروج 21
063
ومما يتقدّس ويتبارك، الطعامُ ؛ فالطعام الذي يقدّم للربّ على المذبح مثلاً هو طعام مقدّس،
أينما صُنع وأياً من صنعه، إذا كان بالمقادير المأمور بها، فهو مقدّس، ليس ذلك فحسب، بل إنّ
وه ي ذ ي ه ي شْي ع م ة التَّ ق ي د م ي ة: يمق ي د م مه ا ب م نو ها م رو ن أَ ما م « : كلّ من يمسّه يصبح مقدّساً أيض اً!!، يقول سفر اللاويين
لَ قمدَّا ي م ال م ذب ي ح،
ِ
الرَّ ي ب ا وي أْ م خ م ذ ي م نه ا ي بق ب ض ي ت ي ه ب ع ض د ي قي يَ التَّ ق ي د م ي ة و زي ي تَ ا و م كَُّ اللُّ با ي ن ا يَّ لَّي ع لى التَّ ق ي د م ي ة، ويموي ق م د ع لى
ال م ذب ي ح را ي ئِ ة م سْورٍ ت ذ كَ ر ها ي للرَّ ي ب . وال با يقِ ي م نه ا ي أْ م م كَ م ه ها م رو م ن وب م نو م ه . ف ي ط يرا يم ؤ م كُ يفِ م كَنٍ م مق دَّسٍ. يفِ دا ي ر خ ي م ي ة
الا ج ي ت ماعي ي أْ م م كَون م ه . لا م يَ م بْ ي خَ يرا. ق د ج عل م ت م ه ن ي اي بهم م ي م ن وق ائي ي دي نََّّ ا قم د م س أَق داسٍ
ِ
. ا ي ثُ
ِ
ك ذ ي بي ح ي ة ال خ ي طيَّ ي ة و ذ ي بي ح ي ة الا .
(» م كُُّ ذ كرٍ ي م ن ب ينِ ها م رو ن ي أْ م م كُ ي م نه ا. ف ي ري ض ة د ه ي ريَّ ة يفِ أَ جي ا ي ل م ك ي م ن وق ائي ي د الرَّ ي ب. م كُُّ م ن مسَّه ا ي ت ق دَّ م س 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ القدسية والبركة واسعة الدلالة في منطوق ومفهوم العهد القديم، فالله يقدِّسُ
ويُقدّس، وكذا البشر يقدِّسون ويُبارِكون غيرهم من البشر، وهم يتقدّسون من البشر الآخرين،
والأماكن والأشياء يقع عليها التقديس ويستمر في الأجيال، بسبب صدور التقديس عن نبي أو
كاهن أو ع اّ رف، أو حتّى بسبب مسّ ما هو مقدّس أصلاً!.
ثانياً: تتضح جلياً المبالغة في وصف التقديس وما يقابله أي اللعن عندما يتعلق الأمر - -
بالأرض الموعودة لبني إس ا رئيل بزعم التو ا رة المحرفة إذ تلعن التو ا رة كل من يتج أ ر على مقاومة - –
وجود )شعب إس ا رئيل( في هذه الأرض، وترتبط قدسية الأرض والشعب بالملك الأبدي للأرض في
أية مناسبة تذكر فيها القدسية والبركة غالب اً.
ثالثاً: يظهر الاضط ا رب في مفهوم التقديس التو ا رتي من خلال اختلاف معنى التقديس
والبركة من موضع لموضع، ومن خلال تعدد مصادر التقديس ووهب البركة.
ا ربعاً: إنّ الكثير من المواضع التي ذُكرت فيها القدسية والبركة تتصادم مع العقل السليم
والدين القويم؛ كانت ا زع البركة والقدسية، وسرقتها، والتحايل على جلبها، والتفاوض حول إعطائها من
بشر لبشر، والمبالغة في وصف دقائق المقدّسات من أطعمة وأشربة وألبسة وأمتعة تتناقلها الأجيال
بقدسيتها.
1 - . 19 16 : ( اللاويين 4
064
المطلب الثالث
جغرافيا الأرض المقدسة في التراث اليهودي
بات واضحاً بعد د ا رسة النصوص التو ا رتية المتوفرة بين أيدينا أنّ التو ا رة المحرّفة التي يدين
بها اليهود اليوم تَعتبر الأرضَ والإنسانَ والشعبَ ثالوثاً مقدّساً في سابقة ربما في تاريخ الأمم
جميعاً.
واذا علمنا ذلك، فلا بد أن نعلم ما هي هذه الأرض المقدّسة الموعودة، المرتبطة حتمياً
بوجود أجيال اليهود بزعمهم إلى أبد الدهر؟ وما هي حدود هذه الأرض التي يؤمن ون بقدسيتها - –
وملكيتها؟ هذا ما يجيب عنه الت ا رث اليهودي التو ا رتي.
إذ ورد أول وعد إلهيّ لإب ا رهيم بحسب العهد القديم عندما أمره ربّه بالعبور إلى أرض - -
كنعان، أي: ما يسمى الآن بأرض فلسطين كما سبق ذكره، إذ جاء ذلك في عبا ا رت عدة وردت في
« : سفر التكوين، من مثل وق ا ل لَ الأَ ر ي ض
ِ
الرَّبُّ لأَب را م: ا ذ ه ب ي م ن أَ ر ي ض ك و ي م ن ع ي ش يري ت ك و ي م ن ب ي ي ت أَ ي بي ك ا
الَّ يت أُ ي ري ك . ف أَ ج ع لِ أُمَّ ة ع ي ظيم ة وأُ بَ ي ر ك ك وأُ ع ي ظ م ا سْ ك، وت م كو ن ب ر ك ة ... ف أَ خ ذ أَب را م سا را ي ا م رأَت م ه، ولمو طا اب ن
أَ ي خي ي ه، و م كَُّ م قت ن يا ي ي تِ ما الَّ يت ا قت ن يا والنُّ م فو س الَّ يت ا مت ل كَ يفِ حا را ن ، لَ
ِ
لَ أَ ر ي ض ك ن عا ن. ف أَت وا ا
ِ
و خ ر م جوا ي ل ي ذ ه م بوا ا
أَ ر ي ض ك ن عا ن . ( » .. و ظه ر الرَّبُّ لأَب را م وق ا ل: ي لن س ي لِ أُ ع ي طي ه ي ذ ي ه الأَ ر ض 1 . )
وبعد اعت ا زل لوطٍ عن إب ا رهيم كما تذكر التو ا رة فإنّ الربّ كرّر الوعد لإب ا رهيم - –
وق ا ل الرَّبُّ لأَب را م، ب ع د اع ي تِا ي ل لموطٍ ع ن م ه: ا رف ع ع ين ي ك وان م ظ ر ي م ن ال م و ي ضعي « : مع تأكيد أبديته لنسله قائلاً
ا يَّ لَّي أَن ت ي في ي ه ي شِا لا و جنمو بَ و شْق ا وغ ر بَ، لَ الأَب ي د
ِ
لأَنَّ ي جَي ع الأَ ر ي ض الَّ يت أَن ت ت رى لِ أُ ع ي طيَ ا وي لن س ي لِ ا ،
وأَ ج ع م ل ن س لِ ك م تَا ي ب الأَ ر ي ض، ذا ا س ت طا ع أَ حدٌ أَ ن ي م عدَّ تم را ب الأَ ر ي ض ف ن س م لِ أَي ضا
ِ
حتََّّ ا يم عدُّ . قم ي م ا م ي ش يفِ
الأَ ر ي ض م طول ه ا و ع ر ضه ا، لأَ ي ن لِ أُ ع ي طيَ ا « ( 2 . )
1 - . 9 1 : ( تكوين 12
2 - . 19 16 : ( تكوين 10
065
من العجيب في فهم الباحث أن يكون النص الموحى به بزعم المؤمنين بالتو ا رة - - –
الحالية متناقضاً مع المنطق البشري السليم والعلم البديهي، فأي نسل هذا الذي يفوق عدده عدد -
ت ا رب الأرض؟! إذ لو كان كل البشر منذ إب ا رهيم إلى يوم الدين هم نسله افت ا رض اً لما بلغوا - –
شيئاً أمام عدد ت ا رب الأرض، فكيف بالتو ا رة هنا في هذا النص العجيب تسوق وعداً إلهياً لم يتحقق
ولن يتحقق، فالواقع والعلم والشرع والعقل ك لّها كفيلة بردّ هذا النص والجزم بتحريفه وبشريته.
وتحرص التو ا رة على التذكير بوعد الربّ لإب ا رهيم بالملكية الأبدية لأرض كنعان بعد أن جاوز
وأُ ي ق م ي عه ي دي ب ي ينِ « : التسعين من عمره، إذ جاء الوعد مجدداً أكثر قوةً وص ا رحة، فيقول الربّ لإب ا رهيم
وب ي ن ك، وب ين ن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك يفِ أَ جي ا ي ل ي ه له ا لِ وي لن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك
ِ
م، عه دا أَب ي ديًَّ، لأَ م كو ن ا ، وأُ ع ي طي لِ وي لن س ي لِ
ي م ن ب ع ي د ك أَ ر ض غم رب تي ك، م كَُّ أَ ر ي ض ك ن عا ن م مل كَ أَب ي ديًَّ ، له هم م
ِ
(» وأَ م كو م ن ا 1 . )
ويلاحظ الباحث في هذا الوعد التأكيد على ملكية أرض كنعان كلّها، وعلى التأبيد أيضاً، كما
أنه يصرّح بتوريث العهد والوعد، وأنه لن يبقى وعداً خاصاً لإب ا رهيم بل إنّ الربّ سيقيمه مع
نسله في أجيالهم.
وان كان الوعد على عهد إب ا رهيم عاماً قد يستغرق كلّ نسله، فقد عمدت التو ا رة إلى
تخصيص هذا الوعد بأبناء يعقوب، ولمزيدٍ من الترسيخ لهذا المفهوم، فإن التو ا رة أكّدت على الوعد
ليعقوب بمجرد حادثة مصارعة الربّ بزعم التو ا رة المحرّفة والتي أشار الباحث إليها سابق اً، - –
وق ا ل م له «: إذ يحرص كاتب التو ا رة على تدعيم ارتباط أرض كنعان بإس ا رئيل ونسله، إذ يقول الكاتب
م الل: ا م سْ ك ي ع م قو م ب. لا يم د عى ا م سْ ك ي فيم ا ب ع م د ي ع م قو ب، سْائيي ل
ِ
سْائيي ل. ف دع ا ا سْ م ه ا
ِ
ب ل ي م كو م ن ا م سْ ك ا . وق ا ل م له م الل:
أَ ن م الل ال ق ي دي م ر. أَث ي م ر وا ك م ثّ. أُمَّةٌ و جَاع م ة أُ ممٍ ت م كو م ن ي من ك، و م ملموكٌ س ي خ م ر م جو ن ي م ن م صل ي ب ك . والأَ ر م ض الَّ يت أَ ع ط ي م ت
سْا ق، لِ أُ ع ي طيَ ا، وي لن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك أُ ع ي طي الأَ ر ض
ِ
ب را ي ه ي وا
ِ
(» ا 2 . )
وعندما يصل قطار التاريخ ببني إس ا رئيل إلى نبيهم موسى فإن الربّ يحرص في أول
لقاء بموسى بزعم التو ا رة على تأكيد الوعد لبني إس ا رئيل بالأرض المقدّسة )أرض - –
1 - . 9 9 : ( تكوين 19
2 - . 12 13 : ( تكوين 05
066
ي ن ق د رأَي م ت م ذ لَّ ش ع يبي ا يَّ لَّي يفِ ي م صر و ي سْ ع م ت م صِا خهم م ي م ن أَ ج ي ل « ،) الكنعانيين ومن معهم
ِ
ف ق ا ل الرَّبُّ: ا
ي ن ع ي ل م م ت أَ و جا عهم م،
ِ
م س ي خ ي ر ي يه م. ا ف نَل م ت لأُن ي ق ذ م ه ي م ن أَي ي دي ال ي م ي صري ي ين، لَ أَ رضٍ ج ي دةٍ
ِ
وأُ ص ي ع د م ه ي م ن تي لِ الأَ ر ي ض ا
لَ م كَ ي ن ال كن عا ي ن ي ين وال ي حثي ي ين والأَ م مو ي ر ي ين وا ل
ِ
لَ أَ رضٍ ت ي في م ض ل بن ا و ع س لا، ا
ِ
و وا ي س عةٍ، ا ي ف ي رزَّ ي ين وال ي ح ي وي ي ين
وال ي م بو ي س ي ين ) 1 » ) ( 2 . )
ولأن الناظر إلى هذا النص يجده لا يتضمن وعداً صريحاً لبني إس ا رئيل بالأرض؛ إذ إنه لا
يعدو كونه إنقاذ اً لهم من فرعون واجلاؤهم إلى الأرض المقدّسة مؤقتاً، لأجل هذا الغرض فإنّ كاتب
النصّ بفهم الباحث عمد إلى التذكير بأنّ عملية الانقاذ الربّاني لبني إس ا رئيل من فرعون مصر، - –
ما هي إلا ترجمة للوعد القديم لإب ا رهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام. –
وليس أدلّ على ذلك من نصّ التو ا رة الذي يحكي أنّ الربّ لم يُخرج القوم من بطش فرعون
م ثَُّ كََّ م م الل م مو س وق ا ل م له: أَ ن ال ربُّ « : إلاّ لأنه تذكّر وعده لآبائهم!! فيما نصّه . ب را ي ه ي
ِ
وأَ ن ظه ر م ت لا
م له ال ق ا ي د م ر ع لى م ي كُ شَءٍ. وأَمَّا ي بَ ي سْي يه و ه ف ل أُ ع ر ف ي ع ن د م ه
ِ
سْا ق وي ع م قو ب ي بأَ ي ن الا
ِ
وا . وأَي ضا أَق م م ت م عهم م عه ي دي: أَ ن
أُ ع ي ط يَم م أَ ر ض ك ن عا ن أَ ر ض غم رب ي ي تَ ي م الَّ يت ت غ رَّبموا ي فيَ ا . سْائيي ل ا يَّ لَّي ن ي س ت ع ي ب م د م م ه
ِ
وأَ ن أَي ضا ق د ي سْ ع م ت أَ ي ن ين ب ينِ ا
ال ي م ي صريُّو ن، وت ذكَّ ر م ت عه ي دي . سْائيي ل: أَ ن الرَّبُّ. وأَ ن أُ خ ي ر م ج م ك ي م ن تَ ي ت أَث ق ا ي ل ال ي م ي صر
ِ
ي لَّي لِ قم ل ي ل ب ينِ ا ي ين وأُن ي ق م ذ م كم ي م ن
م ع م بو ي ديَّ ي ي تَ م وأُ خ ي ل م ا م ك ي ب ي ذ راعٍ م م م دو دةٍ وي بأَ ح كَمٍ ع ي ظيم ةٍ، لهم م م ك
ِ
له ا. ف ت عل م مو ن أَ ي ن أَ ن الرَّبُّ ا
ِ
وأَ يَّ تخ م ذ م كم يل ش ع با، وأَ م كو م ن ل م ك ا
ا يَّ لَّي م يَ ي ر م ج م ك ي م ن تَ ي ت أَث ق ا ي ل ال ي م ي صري ي ين . سْا ق
ِ
ب را ي ه ي وا
ِ
لَ الأَ ر ي ض الَّ يت رف ع م ت ي ي دي أَ ن أُ ع ي ط يَ ا لا
ِ
وأُ د ي خلم م ك ا
يََّ ها ي م يرا ث. أَ ن الرَّبُّ
ِ
(» وي ع م قو ب. وأُ ع ي ط ي م ك ا 3 . )
1 ( في مفهوم التو ا رة، الحثّيون: هم أبناء )حثّ( ثاني أبناء كنعان ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست،
054/1 ( [، والأموريون: هم قبيلة من السوريين تسللت من أرض كنعان، ويطلق عليهم )الجبليّون( وهم (
164 ( [، و الفرزيين: / موصوفون بالشجاعة وطول القامة، وشدة العداء لبني إس ا رئيل ] انظر: المصدر السابق، ) 1
155 ( [، والحويين: هم قوم من سلالة كنعان كانوا / هم أهل القرى من الكنعانيين ] انظر: المصدر نفسه، ) 2
019 ( [، واليبوسيون: هم قبيلة / يستوطنون كنعان حين رجع يعقوب من أ ا رم النهرين ]انظر: المصدر نفسه، ) 1
من الكنعانيين أُمر )الاس ا رئيليون( بإهلاكهم، سكنوا الجبال ح ول )أورشليم( على عهد يشوع ]انظر: المصدر ذاته،
. ] )615/2(
2 - . 9 9 : ( خروج 0
3 - . 9 2 : ( خروج 4
067
يجد المتأمّل في النص السابق قلة أدبٍ مع الله !؛ على افت ا رض أنّ الله – هو -
الربّ الذي يتحدث عنه مؤلف هذا المقطع التو ا رتي! وتتجلى قلة الأدب مع الله في تصريح
النصّ بأنّ الله )تذكّر( وعده السابق، أي أ نه كان قد نسي ثم حصل له التذكّر! فأي ربّ ذاك الذي
يعتقد به كتبة التو ا رة؟ إذ ربنا ومعبودنا جلّ ثناؤه متنزّه فطرةً وعقلاً ونقلاً عن النسيان والغفلة، إذ - -
ينفي ذلك عن نفسه في قوله: } وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً { )مريم/ 46 ( . }وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ
. ) وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ { )هود 120
ويتكرر الوعد المقدّس بأرض كنعان في كل مناسبة لبني إس ا رئيل، فها هو الربّ يذكّرهم
لهم م م ك ا يَّ لَّي أَ خ ر ج م ك ي م ن « : بإعطائه الأرض إياهم وسط أحكام الشريعة في سفر اللاويين قائلاً
ِ
أَ ن الرَّبُّ ا
أَ ر ي ض ي م صر ي ل م ي ع ي ط ي م ك أَ ر ض ك ن عا ن، ف ي م كو ن له ا
ِ
(» ل م ك ا 1 . )
إذاً، فأرض كنعان هي مادة الوعد الإلهي المزعوم في التو ا رة، ولأهمية هذه الأرض في
التو ا رة فإن لفظة )كنعان( ومشتقاتها وردت في مختلف أسفار العهد القديم مائةً واثنتين وسبعين
192 ( مرّةً. (
حدود الأرض الموعودة في التوراة:
عندما يصرّح الحاخام الصهيوني زلمان ملميد) 2 ( قبل أعوام على الملأ قائلاً: " يجب إعداد
الشعب أي اليهودي للاحتلال الكبير، الذي يشمل شرقي الأردن، ويدق بوابتنا، ويجب - -
الستعداد لأفعال حازمة، بعد أن نخلّص الأرض برمتها ") 3 (، فإنّ هذا القول له ما يسنده في تو ا رة
1 . 09 : ( لاويين 25
2 ( زلمان ملميد باروخ: هو حاخام يهودي ولد في "تل أبيب" عام 1109 م، بدأ د ا رسة التو ا رة عام 1156 م على يد
الحاخام يهودا كوك تسفي، واستمر في د ا رستها عقداً من الزمن، وفي عام 1199 م أسس مدرسة دينية يهودية في
مستوطنة "بيت ايل" بالضفة الغربية، من أفكاره دعوة اليهود في العالم أجمع للقدوم إلى )فلسطين( وطرد العرب منها
كلّياً ] انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط www.wikipedia.org/wiki/Zalman_Baruch_Melamed ،
2312 م [ . /31/ بتاريخ: 14
3 ( انظر: موقع صحيفة العرب اليوم، قسم الندوات، ضمن د ا رسة: أرض إس ا رئيل الكاملة حسب التفسي ا رت
الصهيونية: ا ربط: www.alarabalyawm.net 2312 م . /31/ ، بتاريخ: 14
068
اليهود الحالية، التي رسمت خارطة الأرض الموعودة، وتوسعت في ذلك حتى شمل رسم الحدود
إصحاحاً كاملاً في سفر العدد، وهو الإصحاح ال ا ربع والثلاثين.
وهذا التصريح اليهودي لم يقتصر على رجال الدين ومتطرفي الحاخامات فحسب، بل إ نه
تعدّى إلى ألسنة الساسة، رغم الحرص الكبير الذي يبديه اليهود في تجميل صورتهم أمام العالم،
فهذا "بن جوريون" يقول عام 1161 م: " إننا لم نحقق بعد هدفنا وهو النصر النهائي، فنحن حتى
الآن لم نحرر من بلادنا سوى قسم واحد فقط، وسنجعل الحرب حرفةً يهودية حتى يتم تحرير
بلادنا كلّها، بلاد الآباء والأجداد، وسنحقق رؤيا أنبياء إس ا رئيل" ! ) 1 . )
ويزيد "مناحيم بيجن") 2 ( الأمر وضوحاً في خطاب له عام 1150 م إذ قال: " إنّ )إس ا رئيل(
بوضعها الحالي ل تمثل إل خُ مس ما يجب أن تكون عليه أرض الآباء، ومن ثم يجب العمل على
تحرير الأربعة أخماس الباقية"! ) 3 . )
الحدود الإجمالية:
وردت حدود الأرض الموعودة المقدّسة في التو ا رة مجملة ومفصّ لة؛ أما إجمالها: فقد جاء
في عدد من أسفار العهد القديم أنّ الأرض التي وهبها الله لبني إس ا رئيل هي تحديداً من نهر
النيل في مصر أو ما تسميه التو ا رة نهر مصر إلى نهر الف ا رت في الع ا رق، هذا ما قطعه الربّ - –
من عهدٍ مع إب ا رهيم فِ ذ لِ اليو ي م قط ع الربُّ مع - – « : بزعم التو ا رة إذ جاء في سفر التكوين
(» أبرام ميثاق ا قائ لا: لنس يلِ أُع ي طي هذه ا لأر ض، من نَّ ي ر م صر الَ ال نه ي ر الكب ي ير، نَّ ي ر ال م فرا ي ت 4 . )
1 . ) 1119 م، )ص 26 ، ( إس ا رئيل وعقيدة الأرض الموع ودة، أبكار السقاف، مكتبة مدبولي/القاهرة، ط 2
2 ( مناحيم بيجن ) 2442 2420 م(: رئيس الوز ا رء السادس في الكيان الصهيوني بين 1190 1199 م، سافر - -
إلى فلسطين عام 1162 م، وت أ رس منظمة الأرجون الإرهابية، قال عنه ابن جوريون: "إن بيجن من النمط الهتلري
فهو عنصري على استعداد لإبادة كل العرب " ، أشرف بنفسه على ارتكاب مذبحة دير ياسين عام 1169 م وامتدح
المجزرة قائلاً: "لولا دير ياسين لما قامت )إس ا رئيل("، وقّع اتفاقية السلام مع الرئيس المصري السادات عام 1191 م،
قامت حكومته بضرب المفاعل النووي الع ا رقي عام 1191 م، واجتياح لبنان عام 1192 م، مات مكتئباً معتزلاً في
- . ] ) شقته عام 1112 م ] انظر: زعماء صهيون، مجدي كامل، )ص 261 200
3 . ) ( إس ا رئيل وعقيدة الأرض الموعودة، أبكار السقاف، )ص 26
4 . 19 : ( تكوين 15
069
إذاً، " لا غ ا ربة عندما يعلن المفكر الأمريكي "مايكل كولينز بايبر") 1 ( في محاضرة له أنّ
خطة شنّ الحرب على الع ا رق تتصل بأرض )إس ا رئيل الكبرى(، ولا غ ا ربة في أن يهدي الرئيس
الأمريكي السابق جورج بوش الابن) 2 ( لرئيس وز ا رء الكيان الصهيوني السابق شارون) 3 ( خارطةً
قديمةً )للأ ا رضي المقدسة( تضمّ الع ا رق، حسب ما نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في
حينه") 4 .)
وفي إطار التحديد الإجمالي للأرض المقدّسة، ثنّى الربّ تحديدها لموسى في سفر
لهمن ا كََّ من ا يفِ م حو ي ري ب « : التثنية، فقال موسى لقومه
ِ
الرَّبُّ ا ) 5 ) ق ائي لا: ك فا م كم قم م عودٌ يفِ ه ذا ال ج ب ي ل، تَوَّلموا وا ر ي تَلموا
وا د م خلموا جب ل الأَ م مو ي ر ي ين و م كَُّ ما ي ي لي ي ه ي م ن ال ع رب ي ة وال ج ب ي ل والسَّه ي ل وال ج م نو ي ب و سا ي ح ي ل ال ب ح ي ر، أَ ر ض ال كن عا ي ي ن ولم بن ا ن
1 ( مايكل كولينز بايبر: مفكر وكاتب سياسي أمريكي، ولد عام 1143 م، له إسهامات فكرية في الصحافة الأمريكية
الحرة، كان معارضاً قوياً لسياسة )المحافظين الجدد( بقيادة بوش الابن سابقاً، يعرف بانتقاده لسياسة ما يعرف
ب)إس ا رئيل( واللوبي الصهيوني في أمريكا، اتّهم الولايات المتحدة و)إس ا رئيل( بالمؤامرة على العالم الإسلامي ] انظر:
ويكيبيديا، ا ربط: www.wikipedia.org/wiki/Michael_Collins_Piper 2312 م [ . /31/ ، بتا ريخ: 14
2 2331 م(، كان – ( جورج بوش البن: ولد عام 1164 م، رئيس الولايات المتحدة الثالث والأربعون، ) 2331
حاكم اً لولاية تكساس قبل توليه رئاسة الدولة، وقد انتخب رئيس اً بعد انتخابات فاز فيها على منافسه الديمق ا رطي آل
غور، وفي عام 2336 م أعيد انتخابه للمرة الثانية لمدة أربع سنوات بعد تغلبه على مرشح الحزب الديمق ا رطي جون
كيري ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: جورج_دبليو_بوش wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /34/ ، بتاريخ: 14
3 ( أرئيل شارون: زعيم صهيوني من الحرس الجديد من مواليد كفار ملال عام 1100 م، من يهود بولندا أصلا ،
وقد اشترك في الحرب الصهيونية ضد العرب عام 1169 م وأصيب فيها، يعد مسئولاً عن مجزرة قبية عام 1150 م،
و مذبحة صب ا ر وشاتيلا عام 1192 م، عُيِّن قائد لواء مدرع في العدوان الثلاثي، وكان قائد القوات التي عبرت في
حرب أكتوبر 1190 قناة السويس، وقد كان هو المحرك الرئيس و ا رء غزو لبنان عام 1192 م، في عام 2331 م
فاز بأغلبية ساحقة في الانتخابات العامة، وفي سنة 2336 م بادر بخطة فك الارتباط الأحادية عن قطاع غزة، وفي
يناير 2334 م غط في غيبوبة بعد جلطة دماغية، مات على إثرها بعد نحو ثمان سنين ] انظر: موسوعة اليهود،
251 253 (، أيضاً: موسوعة ويكيبيديا، ا ربط: أرئيل_شارون/ - / المسيري، ) 9 www.wikipedia.org/wiki ،
2310 م [ . /0/ بتاريخ: 5
4 2312 م بتصرف يسير. - /31/ ( موقع صحيفة العرب اليوم، قسم الندوات، بتاريخ: 14
5( حوريب: هي سيناء في مفهوم الكتاب المقدّس، وقد تختص أحياناً بأنها تستعمل للدلالة على ما يسميه العهد
القديم ب)جبل الله( في سيناء، وقد يقال بأن حوريب تذكر كمقاطعة جبلية أما سيناء فيذكر كقمة للجبل ] انظر:
.] )511/ قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
071
لَ النَّه ي ر ال ك ي ب ي ير، نَّ ي ر ال م ف را ي ت
ِ
ا . م ان م ظ ر. ق د ج عل م ت أَ ما م م م ك الأَ ر ض. ا د م خلموا وت ملَّ م كوا الأَ ر ض الَّ يت أَق س م الرَّبُّ لأ بَئي م ك
سْا ق وي ع م قو ب أَ ن يم ع ي ط يَ ا ل هم م وي لن س ي لهي م ي م ن ب ع ي د ي ه
ِ
ب را ي ه ي وا
ِ
(» ا 1 . )
ومن جديد يخاطب موسى ي ط م ر م د الرَّبُّ ي جَي ع ه م ؤ لا ي ء الشُّ م عو ي ب ي م ن أَ ما ي م م ك، ف ي تَثمو ن م ش م عو بَ « : قومه
أَ ك بَ وأَ ع ظ م ي من م ك . م كُُّ م كَنٍ ت م دو م س م ه بم م طو م ن أَق دا ي م م ك ي م كو م ن ل م ك. ي م ن ال ي بَي يَّ ة ) 2 ) لَ
ِ
ولم بن ا ن. ي م ن النَّه ي ر، نَّ ي ر ال م ف را ي ت، ا
ال ب ح ي ر ال غ ر ي ي ب ) 3 ) ي م كو م ن م تخ م م م ك . لا ن سانٌ يفِ و ي جْ م ك
ِ
(» ي ي ق م ف ا 4 . )
ويُلاحَظ هنا اختلافٌ في تحديد الأرض؛ إذ لم يذكر هذا النصّ نهر النيل أو نهر مصر، بل
اكتفى بذكر برّية سيناء والبحر المتوسط غرباً دون توضيح.
وقريبٌ من هذه الحدود للأرض الموعودة أوحى بها الربّ حسب التو ا رة ليوشع بن نون - –
بعد موت موسى و كَ ن ب ع د م و ي ت م مو س ع ب ي د الرَّ ي ب أَنَّ الرَّبَّ كََّ م « : إذ جاء في سفر يشوع
ي م شو ع ب ي ن نمونٍ خا ي د م م مو س ق ا ي ئ لا : لَ
ِ
م مو س ع ب ي دي ق د ما ت. ف الأ ن قم ي م اع م بَ ه ذا الأُ ر م دنَّ أَن ت و م كُُّ ه ذا الشَّ ع ي ب ا
الأَ ر ي ض الَّ يت أَ ن م ع ي طيَ ا ل هم م سْائيي ل
ِ
أَ ي ي ل ب ينِ ا . م كَُّ م و ي ضعٍ ت م دو م س م ه بم م طو م ن أَ ق دا ي م م ك ل م ك أَ ع ط ي م ت م ه، كُ كََّ م م ت م مو س ، ي م ن
لَ ال ب ح ي ر
ِ
لَ النَّه ي ر ال ك ي ب ي ير نَّ ي ر ال م ف را ي ت، ي جَيعي أَ ر ي ض ال ي ح ي ث ي ين، وا
ِ
ال ي بَي يَّ ة ولم بن ا ن ه ذا ا ال ك ي ب ي ير نَ و م غ ي ر ي ب الشَّ م ي س ي م كو م ن
( » م تخ م م م ك 5 . )
هذه النصوص التو ا رتية وجدت طريقها إلى الفكر اليهودي المعاصر جملةً وتفصيلاً،
ومصداق ذلك مثلاً ما أفتى به حاخام يهودي معاصر عندما سُئل عن حدود )أرض إس ا رئيل( وفيما
إذا كانت غزّة جزءً من )أرض إس ا رئيل( فأجاب: " الحكم الديني واضح، ومن المتفق عليه من
1 - . 9 4 : ( تثنية 1
2 ( البرّية: أي سيناء، ويطلق عليها العهد القديم أحياناً: برّية سين، أي مقدمة صح ا رء سيناء ] انظر: قاموس
.] )511/ الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
3 ( البحر الغربي: هو البحر الأبيض المتوسط، وقد سمّي في التو ا رة أيضاً بالبحر الكبير، وبحر فلسطين ] قاموس
.] )213/ الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 1
4 - . 25 20 : ( تثنية 11
5 - . 6 1 : ( يشوع 1
070
جميع رجال الفتوى أنّ قدسية )أرض إس ا رئيل( تشمل جميع مستعم ا رت جوش قطيف) 1 ( ... وهي
إرث لنا من آباء شعب )إس ا رئيل( الذين حصلوا على )أرض إس ا رئيل( من الربّ ... إن قدسية -
كل هذه الأرض بحدودها الواردة في التو ا رة وطهارتها وقدرها لدى الأموات والأحياء وكونها منحة
من الربّ ل ينتقص منها شيء ... أما حدودها: فتبدأ الحدود الجنوبية من أقصى الجنوب
الشرقي للبحر الميت وتمتد نحو الجنوب حتى نهر مصر ..." ) 2 . )
الحدود التفصيلية:
أما الحدود التفصيلية للأرض المقدّسة الموعودة، فقد وردت في سفر العدد كما أسلف
الباحث؛ إذ استطرد كاتب التو ا رة في تحديد الأرض وتقسيمها بين أسباط بني إس ا رئيل، فيبدأ
و كََّ م الرَّبُّ م مو س ق ائي لا « : الإصحاح برسم حدود الأرض وتخومها كالتالي : سْائيي ل وقم ل ل هم م:
ِ
أَ و ي ص ب ينِ ا
لَ أَ ر
ِ
نَّ م ك دا ي خلمو ن ا
ِ
ا ي ض ك ن عا ن. ه ي ذ ي ه ي ه الأَ ر م ض الَّ يت ت ق م ع ل م ك ن ي اي با. أَ ر م ض ك ن عا ن ي ب م ت م خو ي مه ا: ت م كو م ن ل م ك ن ي حي م ة
ال جنمو ي ب ي م ن ب ي ري يَّ ة ي ص ين ) 3 ) ع لى جا ي ن ي ب أَ م دو م ) 4 )، ي م كو م ن ل م ك م تخ م م ال ج م نو ي ب ي م ن ط ر ي ف بِ ي ر ال ي مل ي ح ) 5 ( لَ
ِ
ا ال شَ ي ق،
وي م دو م ر ل م ك م م التَّ خ م م ي م ن جنمو ي ب عق ب ي ة ع ق ي رب ي ) 6 ( ب ، ي ع م لَ ي ص ين، وت م كو م ن م خ
ِ
م ر ا ا ي ر م ج م ه ي م ن جنمو ي ب ق ا د ش
1( جوش قطيف: مجموعة مستوطنات يهودية كانت تجثم على أرض قطاع غزة جنوب غرب فلسطين، وتحررت
بفضل الله ، ثم بجهاد أبناء فلسطين والمقاومة الفلسطينية، إذ اندحر عنها اليهود في أواسط سبتمبر عام 2335 م
] الباحث [ .
2 ( فتوى للحاخام اليهودي "جداليا اكسلرود"، نشرها موقع www.inn.co.il 2335 م(، عنه: فتاوى /0/ ، بتاريخ: ) 9
. ) الحاخامات، منصور عبد الوهاب، )ص 243
3 ( برّية صين: برية عبرها بنو إس ا رئيل في طريقهم إلى كنعان، وكانت قادش ضمن حدود هذه البرية فكانت جزءًا
من برية فا ا رن أو كانت قادش حدًا بينهما ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، الموقع الرسمي لكنيسة الأنبا
تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية/ مصر، ا ربط: http://st-takla.org 2312 م[ . /31/ ، باب الصاد، بتاريخ 19
4( أدوم: الإقليم الذي كان يسكنه أبناء عيسو أو آدوم، وكان يطلق على هذا الإقليم اسم أرض سعير، وهو إقليم
جبلي وعر، ويمتد الإقليم مسافة مائة ميل بين البحر الميت وخليج العقبة ] انظر: المصدر السابق، باب الألف [.
5 ( بحر الملح: هو البحر الميت، ويسمى في التو ا رة أيضاً: بحر العربة، والبحر الشرقي، وعمق السّديْم، وبحر
سدوم ] انظر: المصدر السابق، باب الباء [ .
6 ( عقبة عقربيم: جرف من الجبل يفصل غور البحر الميت عن فلسطين الجنوبية، على الطرف الجنوبي من
البحر ] انظر: المصدر نفسه، باب العين [.
071
ب ي رني ع ) 1 ) لَ
ِ
، و يَ م ر م ج ا ح ي صر أَدَّا ر ) 2 ) لَ
ِ
، وي ع م م بَ ا ع ا م مو ن ) 3 ) م ثَُّ ي م دو م ر ا ل لَ وا ي دي ي م صر، وت م كو م ن
ِ
تَّ خ م م ي م ن ع ا م مو ن ا
م ذا ي ر م ج م ه ي ع ن د ال ب ح ي ر . وأَمَّا م تخ م م ال غ ر ي ب : ف ي م كو م ن ال ب ح م ر ال ك ي ب م ير ) 4 ( ي ب ل م ك م تخ ما. ه ذا ي م كو م ن ل م ك م تخ م م ال غ ر ، وه ذا ي م كو م ن
ل م ك م تخ م م ال ي ش ما ي ل : ي م ن ال ب ح ي ر لَ
ِ
ال ك ي ب ي ير ت ر م م سْو ن ل م ك ا جب ي ل م هو ر ) 5 ) . لَ
ِ
و ي م ن جب ي ل م هو ر ت ر م م سْو ن ا م د خ ي ل حْا ة ) 6 ،)
وت م كو م ن لَ
ِ
م ذا ي ر م ج التَّ خ ي م ا ص د د ) 7 (، لَ
ِ
م ثَُّ يَ م ر م ج التَّ خ م م ا ي زف م رو ن ) 8 )، وت م كو م ن م ذا ي ر م ج م ه ي ع ن د ح ي صر ي عين ا ن. ه ذا ي م كو م ن
ل م ك م تخ م م ال ي ش ما ي ل . وت ر م م سْو ن ل م ك تخ ما لَ
ِ
ا ال شَ ي ق : ي م ن ح ي صر ي عين ا ن ) 9 ( لَ
ِ
ا شف ا م ) 10 (، لَ
ِ
وي ن ح ي د م ر التَّ خ م م ي م ن ش فا م ا
1( قاديش برنيع: مكان مشهور في تاريخ بني إس ا رئيل التو ا رتي، ويقع عند طرف برية صين إلى الجهة الغربية من
وادي العربة، وهي على مسيرة 11 يومًا من )حوريب( أو )جبل سيناء( بسرعة سفر بني إس ا رئيل في تلك الأيام
]انظر: المصدر نفسه، باب القاف [.
2( حصر أدار: كلمة عبرية معناها "الرحب أو العظمة" وقد وردت كاسم مدينة على حدود )يهوذا الجنوبية( وفي
سفر يشوع سميت )حصد أدار( ] انظر: المصدر ذاته، باب الألف [.
3 ( عصمون: اسم عبري معناه "قوي" مكان باتجاه حدود سيناء غربي قاديش برنيع ] المصدر ذاته، باب العين [.
4 . ] )213/ ( البحر الكبير: هو البحر الأبيض المتوسط ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 1
5 ( جبل هور: جبل في أط ا رف فلسطين الشمالية، على الطريق بين البحر المتوسط ومدخل مملكة حماة حسب –
العهد القديم وهو إحدى قمم جبال لبنان ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت، باب -
2312 م [ . /31/ الهاء، بتاريخ 19
6 ( مدخل حماة: تعتبره التو ا رة الحد الشمالي ل)إس ا رئيل(، وربما كان لهذا التعبير عند أهل الجنوب معنى خاص
ويدل على وادي البقاع الطويل، بين سلسلتي جبال لبنان الغربية والشرقية ] انظر: المصدر السابق، باب الحاء [.
7 - - ( صدد: هو موقع وربما كان برجًا على الحدود الشمالية لكنعان، وظن أكثرهم إنها صدد الحالية التي تبعد 95
ميلًا إلى الجنوب الشرقي من حمص على طريق ربلة إلى تدمر] قاموس الكتاب المقدّس، م وقع كنيسة الأنبا
2312 م بتصرف [ . - /31/ تكلاهيمانوت، باب الهاء، بتاريخ 19
8( زفرون: ربما كان اسمًا أ ا رميًا معناه " ا رئحة"، وهو اسم مدينة واقعة على التخم الشمالي لأملاك بني إس ا رئيل-
بزعم التو ا رة ، و ربما تكون هي زعف ا رنة ال واقعة على طريق حمص وحماة، جنوبًا إلى الجنوب الشرقي من حماة ] -
انظر: المصدر السابق، باب ال ا زي [.
9( حصر عينان: اسم عبري معناه "قرية العيون، قرية الينابيع"، وهي قرية على حدود فلسطين الشمالية كانت
"القريتين" على الطريق من دمشق إلى تدمر ] انظر: المصدر نفسه، باب الحاء [.
10 ( شفام: هي بلدة في الشمال الش رقي من كنعان بجوار ربلة، ومنها زبدي الشَّفمي المشرف على خ ا زئن الخمر
التي كانت للملك داود، بحسب العهد القديم ] انظر: المصدر نفسه، باب الشين [.
073
رب لَ ) 1 ) شْيقَِّ ع ينٍ ) 2 ). م ثَُّ ي ن ح ي د م ر التَّ خ م م وي مسُّ جا ي ن ب بِ ي ر ي كنَّا ر ة ) 3 ) لَ ال شَ ي ق
ِ
ا . لَ الأُ ر م د ي ن،
ِ
م ثَُّ ي ن ح ي د م ر التَّ خ م م ا
( » وت م كو م ن م ذا ي ر م ج م ه ي ع ن د بِ ي ر ال ي مل ي ح. ه ي ذ ي ه ت م كو م ن ل م م ك الأَ ر م ض ي ب م ت م خو ي مه ا ح وال يَ ا 4 . )
يلاحظ الباحث في هذا النص التو ا رتي أن تحديد الحدود لم يرد بدقة، مع أ نه قد يبدو كذلك
باعتبار الاسهاب في ذكر المدن والقرى التي في تخوم الأرض؛ إلا أ نه ومع هذا الإسهاب فقد - -
تُرك المجال للتلاعب في هذه الحدود مع أ نها يفترض أن تكون حدوداً موحىً بها من الربّ! إذ - -
تخللتها ألفاظ فضفاضة وعامة تدَعُ المجال للتلاعب بالحدود وضمّ مناطق أخرى، وقد تجلّى ذلك
في ألفاظ عديدة مثل: ) يدور التخم، ترسمون لكم، تكون مخارجه عند..، وادي مصر(، ثم يختتم
النصّ بقوله: هذه تكون لكم الأرض )بتخومها حواليها( .
إنّ هذا التفصيل الو ا رد حول جغ ا رفيا الأرض المقدّسة في التو ا رة لم يقف عند هذا الحد، بل
ادّعى مؤلّف الت و ا رة على لسان موسى بأنه أي موسى قد حدد وقسّم الأرض الموعودة بين - –
أسباط بني إس ا رئيل!
سْائيي ل « : إذ جاء استكمالاً لوصف حدود الأرض
ِ
ف أَ م ر م مو س ب ينِ ا ق ائي لا: ه ي ذ ي ه ي ه الأَ ر م ض الَّ يت
ت قت ي س م مو نَّ ا ي بَل م ق رع ي ة، الَّ يت أَ م ر الرَّبُّ أَ ن تم ع طى ي لل ي ت س ع ي ة الأَ س با ي ط وي ن ا ي ف ال ي س بط ي . لأَن مَّ ه ق د أَ خ ذ ي س بطم ب ينِ رأُوب ين
ح س ب بم م يو ي ت أ بَ ي ي ئِ م، و ي س بطم ب ينِ جا د ح س ب بم م يو ي ت أ بَ ي ي ئِ م، وين ا م ف ي س بطي من سََّّ. ق د أَ خ م ذوا ن ي اي بهم م . ال ي س ب طا ي ن
(» وي ن ا م ف ال ي س بطي ق د أَ خ م ذوا ن ي اي بهم م يفِ ع ي بَ أُ ر م د ي ن أَ ي ر يُا شْق ا، نَ و ال مُّ شَو ي ق 5 .)
1( ربلة: اسم سامي ربما كان معناه "جمهور" أو "كثرة" وهي مدينة في أرض حماة، ولا يعرف على وجه التحقيق
إن كانت هي ذات "ربلة" التي يخرج منها نهر العاصي واسم البلد الحديث )هرمل( ] انظر: المصدر ذاته، باب
ال ا رء [ .
2 ( عين: نبع غربي ربلة، في البقاع، أحد مصادر نهر العاصي ] انظر: المصدر ذاته، باب العين [.
3 ( بحر كنارة: مجتمع الماء المجاور للمدينة المحصنة وللمنطقة المدعوتين كِنارة، وقد دعيت فيما بعد ببحيرة
جنيسارت، وببحر الجليل، أو طبريا ] انظر: المصدر ذاته، باب الكاف [.
4 - . 12 1 : ( العدد 06
5 - . 15 10 : ( العدد 06
074
من العجيب حقاً أن تكون وصية النبي الكليم موسى لقومه قسمة الأرض وتعليمات
وحشية للتعامل مع أهل الأرض الموعودة! فهذا مي ا رث موسى بنظر اليهود و بأقلام صانعي التو ا رة
المكذوبة على الله وعلى نبيه .
ولم يكتف موسى بالوصية التفصيلية والقسمة العامة للأسباط بل حدّد حسب التو ا رة - -
و كََّ م الرَّبُّ م مو س «: اسمي الرجلين اللذين أوكلت إليهما مهمة قسمة الأرض، إذ جاء في ذات السفر
ق ائي لا : ه ذا ي ن ا سْا الرَّ م جل ي ين ال لَّ ي ي ن ي ق ي س ما ي ن ل م م ك الأَ ر ض: أَ ي ل عا زا م ر ال كَ ي ه م ن وي م شو م ع ب م ن نمو ن . و رئيي سا وا ي ح دا ي م ن م ي كُ
(» ي س بطٍ ت أْ م خ م ذو ن ي ل ي ق س م ي ة الأَ ر ي ض 1 . )
الطموحات التوراتية المعاصرة:
بعد أن رسمت تو ا رة اليهود هذه الحدود التي صاغتها أقلام الطامحين من كتبة العهد القديم،
فليس غريباً أن يطمح المشروع الصهيوني المعاصر إلى ضمّ بلاد شرقي نهر الأردن التي تعرف
في الأدبيات اليهودية بأرض "جلعاد"، وتُستخدَم العبارة أي أرض جلعاد للإشارة إلى كل - –
المنطقة الواقعة شرقي نهر الأردن وجنوبي نهر اليرموك، وقد كتب " لورنس أوليفانت") 2 )
كتاباً بعنوان "أرض جلعاد" يحتوي على مشروع صهيوني استيطاني، وتركز الكتابات الصهيونية في
الوقت الحاضر على أهمية أرض جلعاد باعتبارها جزءاً من أرض )إس ا رئيل الكبرى() 3 . )
1 - . 19 14 : ( العدد 06
2 ( لو ا رنس أوليفانت ) 2888 2824 م(: صهيوني غير يهودي، دعا بريطانيا إلى تأييد مشروع توطين اليه ود لا -
في فلسطين وحسب وانما في الضفة الشرقية للأردن كذلك، وكانت تربط أوليفانت علاقة بعدد من الزعماء
الصهاينة من اليهود في شرق أوربا، وانتشرت آ ا رؤه بشأن توطين اليهود في فلسطين وسماه اليهود )المخلِّص
119 114 ( بتصرف [ . - - / الماشيَّح( أو )قورش الثاني( ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 119 ( بتصرف. - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
075
بل إنّ الزعيم العسكري اليهودي "موشى ديّان") 1 ( صرّح في نشوة الانتصار يوم احتلال القدس
في 4 يونيو عام 1149 م قائلاً: " لقد استولينا على )أورشليم(، ونحن في طريقنا إلى )يثرب(
و)بابل(! " ) 2 . )
وفي أغسطس من ذات العام قال ديّان: " إذا كنا نملك التو ا رة، واذا كنا نعتبر أنفسنا شعب
التو ا رة، فيجب أن تكون لنا أيضاً أرض التو ا رة " ) 3 . )
لاحظ كيف يتم توظيف التو ا رة في بعدها الديني المقدّس لدى اليهود بالبعد السياسي، لتتكامل
منظومة التقديس مستغلة العاطفة الدينية من جهة، والقوة العسكرية التي كان يتزعّمها موشى ديان
من جهة أخرى.
أمّا "إسحاق شامير") 4 (، فقد صرّح إثر الاجتياح الصهيوني للبنان عام 1192 م في مقابلة مع
التلفزيون الفرنسي في ردّ على اتّهام اليهود بضمّ دولة عربية قائلاً: " نحن لم نضم أ ا رضٍ عربية
1 ( موشى ديّان ) 2482 2425 م(: بدأ حياته عضواً في منظمة الهاغاناه اليهودية الإرهابية، شارك في عملية -
عسكرية سرية لليهود بقيادة فرنسية بريطانية داخل لبنان فقد فيها إحدى عينيه عام 1161 م، شارك في حرب
فلسطين عام 1169 م وكان خلالها قائداً للقوات التي احتلّت مدينة اللدّ، ثم أصبح رئيساً لأركان الجيش الصهيوني
بين 1150 م و 1159 م، ثم وزي ا رً للدفاع في حرب يونيو 1149 م، ثم وزي ا ر للخارجية عام 1199 م في عهد مناحيم
بيجن، وشارك في إنجاز اتفاقية كامب ديفيد للسلام مع مصر عام 1191 م، كان يؤمن بعدم قدسية الحدود وأنها
- ينبغي أن تتغير لصالح )إس ا رئيل( متى اقتضت الضرورة ذلك ] انظر: زعماء صهيون، مجدي كامل، )ص 019
. ] )021
2 1013 ه ، ( أهداف إس ا رئيل التوسعية في البلاد العربية، محمود شيت خطّاب، دار الاعتصام/القاهرة، ط 0
.) 1193 م، )ص 25 /
3 ( ملف إس ا رئيل د ا رسة للصهيونية السياسية، روجيه جارودي، ترجمة: مصطفى كامل فودة، دار الشروق/القاهرة، -
.) 1636 ه/ 1196 م، )ص 161 ، ط 2
4 ( إسحاق شامير: أحد عتاة زعماء الصهيونية، عُرف بزعيم عصابات الاج ا رم إبان الحرب العالمية الثانية، تولى
رئاسة منظمة شتيرن الإرهابية اليهودية، وهو الأخير في جيل الآباء المؤسسين للكيان الصهيوني، إذ تولى رئاسة
الوز ا رء حتى عام 1112 م، عُرف بلاءاته الثلاث: لا للقدس لا للدولة الفلسطينية لا لعودة اللاجئين الفلسطينيين، - -
عمل ضابطاً في المخاب ا رت لمدة عشر سنوات ) 1145 1155 (، أصبح عضواً في الكنيست عام 1190 م، أصبح -
رئيساً للوز ا رء ووزي ا رً للخارجية عام 1190 م، وتولّى قمع الانتفاضة الفلسطينية بشدة عام 1199 م، سقطت حكومته
بسحب الكنيست الثقة عنها عام 1113 م، انزوى شامير عن الأضواء في منتصف التسعينيات مستسلماً لأم ا رض
- الشيخوخة التي ا رفقته حتى موته مناه ا زً التسعين من العمر ] انظر: زعماء صهيون، مجدي كامل، )ص 261
. ] )254
076
محتلة، كيف نضمّ ما هو ثابت تاريخياً لنا ولأجدادنا؟ ول أرى داعٍ لتحديد )حدود إس ا رئيل(، إنّها
محددة في التو ا رة " ) 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ صانعي التو ا رة المح رفة أبدوا اهتماماً خاصاً بترسيخ فكرة امتلاك بني يعقوب ونسلهم إلى
الأبد لأرض كنعان، وتوسعوا في ذلك فشطحوا ووقعوا في تناقضات واضط ا ربات واضحة.
ثانياً: إنّ حدود أرض كنعان التي ذكرتها تو ا رة اليهود الحالية وأمرت بامتلاكها، هي ما يسميه كب ا رء
اليهود ب )أرض إس ا رئيل الكبرى( أو )الأرض الموعودة(، وهي من نهر النيل إلى نهر الف ا رت بنص
العهد القديم.
ثالثاً: لقد ركّز كتبة التو ا رة على تناقل المي ا رث بملكية الأرض المقدّسة؛ أرض فلسطين وتخومها،
وعداً إلهياً لا يتغير ولا يتبدل، من إب ا رهيم إلى إسحاق إلى يعقوب عليهم السلام ، ومنهم إلى نسل - –
يعقوب إلى الأبد، مع تحديد عام وتفصيلي لجغ ا رفيتها، وترك المجال للاجتهاد في تغيير الحدود
والتوسع.
ا ربعاً: تحرص التو ا رة على تعميم ملكية أرض كنعان بأكملها لبني إس ا رئيل، واقت ا رن ذلك بطرد
الشعوب الأصلية، مع أنّ التاريخ يقول بعكس ذلك، إذ لم يسبق أن امتلك بنو إس ا رئيل كامل أرض
كنعان، ولم يسبق أن أفرغوها من أهلها، بل تعرّضوا لمقاومة مستمرة من أهلها الأصليين من
الداخل، والغ ا زة الطامعين في الأرض من الخارج.
خامساً: لا ا زل اليهود المعاصرون يطمعون ويطمحون إلى رسم الخارطة التو ا رتية )لإس ا رئيل
الكبرى(، وتطفو نواياهم على ألسنتهم بسقطات حيناً وبتصريحات من حاخاماتهم وساستهم حيناً
آخر، ولكن الواقع المعاصر أيضاً لا يبشّرهم بخير، بل بسوءٍ وخذلان كبيرين.
سادساً: إنّ الحدود الجغ ا رفية لأرض )الميعاد( في مفهوم وت ا رث اليهود هي عقيدة دينية، وليست
واقعاً سياسياً فحسب، لذا فإنّ العربَ )أصحاب الأرض الأصلي ون بحكم التاريخ( والمسلمينَ )وارثوها
الشرعيون بحكم الإسلام( مطالبون حاض ا رً ومستقبلاً بفهم هذا والتعامل بحسبه.
1 . ) 1612 ه/ 1112 م، )ص 13 ، ( الحروب الصليبية هل انتهت؟، عبد الوهاب زيتون، دار المعرفة/دمشق، ط 1
077
المطلب الرابع
اعتقاد اليهود بالحق الديني والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم
أولا : اعتقاد اليهود بالحق الديني:
من الأهمية بمكان أن تتم د ا رسة الجانب الديني الذي يستند عليه اليهود في فكرهم تجاه
الأرض المقدسة؛ وذلك لأنّ الكيان اليهودي قديم اً وحديثاً هو كيان ديني بالأساس لا يستند إلى
عرق أو قومية ثابتة أو جنس معيّن، إذ كان حكّامُ هم كَ هنةً في أغلب فت ا رت تاريخهم) 1 . )
اوعتقاد اليهود بالحق الديني في الأرض المقدّسة مبني على منطق يقول: " إنّ شريعة الله
هي التي يجب أن تطبّق على شعب الله، وانّ شريعة الله تقول بمنح اليهود الأرض المقدّسة في
عهدٍ مقطوعٍ لإب ا رهيم ولذريته إلى قيام الساعة، وبالتالي فإ نه حيث تتعارض القوانين الإنسانية
الوضعية مع شريعة الله، فإنّ شريعة الله وحدها هي التي يجب أن تطبّق على اليهود في
فلسطين") 2 .)
ومما سبق من مطالب هذا الفصل يتضح أنّ اليهود اعتمدوا على نصوص التوا رة كأساس
عقائدي في إثبات أحقيتهم في أرض فلسطين المقدّسة وما حولها، وكتلخيص وتوضيح لما سبق
فإنّ أهم النصوص التي يرتكز عليها اليهود هي تلك التي تتضمن وعوداً مزعومة من الربّ لكلٍّ
من إب ا رهيم، ثم إسحاق بن إب ا رهيم، ثم يعقوب بن إسحاق، ثم موسى، ثم داود، ثم سليمان -
عليهم الصلاة والسلام أجمعين.
أولً: الوعد لإب ا رهيم ، ولنسله:
وأهم وأوضح النصوص التي ورد فيها هذا ال وعد هي:
1 - . )062 ( انظر: العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 061
2 1626 ه/ 2330 م، ، ( النبوءة والسياسة، جريس هالسل، ترجمة: محمد السماك، دار الشروق/ القاهرة، ط 2
. ) )ص 11
078
وق ا ل الرَّبُّ لأَب را م، ب ع د اع ي تِا ي ل لموطٍ ع ن م ه: ا رف ع ع ين ي ك وان م ظ ر ي م ن ال م و ي ضعي ا يَّ لَّي أَن ت ي في ي ه ي شِا لا و جنمو بَ - « أ
و شْق ا وغ ر بَ، لَ
ِ
( » لأَنَّ ي جَي ع الأَ ر ي ض الَّ يت أَن ت ت رى لِ أُ ع ي طيَ ا وي لن س ي لِ ا الأَب ي د 1 . )
فِ ذ لِ اليو ي م قط ع الربُّ مع أبرام ميثاق ا قائ لا: لنس يلِ أُع ي طي هذه ا لأر ض، من نَّ ي ر م صر الَ ال نه ي ر الكب ي ير، - « ب
( » نَّ ي ر ال م فرا ي ت 2 . )
وأُ ي ق م ي عه ي دي ب ي ينِ وب ي ن ك، وب ين ن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك يفِ أَ جي ا ي لهي م، عه دا أَ ب له ا لِ وي لن س ي لِ ي م ن - « ت
ِ
ي ديًَّ، لأَ م كو ن ا
ب ع ي د ك ، وأُ ع ي طي لِ وي لن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك أَ ر ض غم رب تي ك، م كَُّ أَ ر ي ض ك ن عا ن م مل كَ أَب ي ديًَّ ، له هم م
ِ
( » وأَ م كو م ن ا 3 . )
ثانياً: الوعد لإسحاق ، ولنسله:
وقد ورد في الوعد لإسحاق نصّان في سفر التكوين، هما:
ف ق ا ل م الل : ب ل سا رم ة ا م رأَتم ك ت ي م ل لِ اب ن ا وت د م عو ا سْ م ه سْا ق - « أ
ِ
ا . وأُ ي ق م ي عه ي دي م ع م ه عه دا أَب ي ديًَّ ي لن س ي ي لِ ي م ن
( » ب ع ي د ي ه 4 .)
و ظه ر م له الرَّبُّ )أي لإسحاق( لَ ي م صر. ا - « ب
ِ
وق ا ل: لا ت ي نَ ل ا س م ك ن يفِ الأَ ر ي ض الَّ يت أَقمو م ل لِ. ت غ رَّ ب يفِ
ه ي ذ ي ه الأَ ر ي ض ف أَ م كو ن م ع ك وأُ بَ ي رك ك، لأَ ي ن لِ وي لن س ي لِ أُ ع ي طي ي جَي ع ه ي ذ ي ه ال ي ب لا ي د، وأَ يفِ ي بَل ق س ي م ا يَّ لَّي أَق س م م ت
ب را ي ه ي أَ ي بي ك
ِ
لا . وأُ ك ي م ثّ ن س لِ كنم م جو ي م السَّ ما ي ء، وأُ ع ي طي ن س لِ ي جَي ع ه ي ذ ي ه ال ي ب لا ي د، وت ت ب ا ر م ك يفِ ن س ي لِ ي جَي م ع أُ م ي م
( » الأَ ر ي ض 5 .)
ثالثاً: الوعد ليعقوب ، ولنسله:
ويح رص كتبة التو ا رة المحرفة على الحفاظ على نسق الوعود وفق تسلسل عنصريّ واضح،
فينتقل الوعد والعهد إلى يعقوب مباشرة بعد إسحاق عليهما السلام ، مع أنّ إسحاق كان يميل - –
1 - . 15 16 : ( تكوين 10
2 . 19 : ( تكوين 15
3 - . 9 9 : ( تكوين 19
4 . 11 : ( تكوين 19
5 - . 6 2 : ( تكوين 24
079
بقلبه إلى ولده )عيسو( ويحبه ويفضله على يعقوب حسب زعم التو ا رة ذاتها، بل وحرصت التو ا رة –
على أن تحيك قصة حقد وعداوة بين الأخوين )عيسو ويعقوب( حتى تبرر إخ ا رج الأول من دائرة
البركة ومن ثمّ الوعد الأبدي المحت وم) 1 .)
و ظ ه ر م الل « : ويحسم الربّ الخلاف ويبثّ الوعد المقدّس ليعقوب كفاحاً! إذ تسطّر التو ا رة
ي ل يع م قو ب ... وق ا ل م له م الل: أَ ن م الل ال ق ي دي م ر. أَث ي م ر وا ك م ثّ. أُمَّةٌ و جَاع م ة أُ ممٍ ت م كو م ن ي من ك، و م ملموكٌ س ي خ م ر م جو ن ي م ن م صل ي ب ك ،
سْا ق، لِ أُ ع ي طيَ ا، وي لن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك أُ ع ي طي الأَ ر ض
ِ
ب را ي ه ي وا
ِ
(» والأَ ر م ض الَّ يت أَ ع ط ي م ت ا 2 . )
ا ربعاً: الوعد لموسى :
ويقطع الوعد قروناً من الزمان لا تأتي التو ا رة على ذكره، ثم تعود قصة الوعد من جديد، وهذه
المرة للنبي المنقذ لبني إس ا رئيل؛ موسى وق ا ل الرَّبُّ ي ل م مو س : ا ذ ه ي ب ا ص ع د ي م ن م هن ا أَن ت والشَّ ع م ب « :
ا يَّ لَّي أَ ص ع دت م ه ي م ن أَ ر ي ض ي م صر لَ
ِ
ا الأَ ر ي ض الَّ يت حل ف م ت ب را ي ه ي
ِ
لا سْا ق
ِ
( » وا وي ع م قو ب ق ائي لا : ي لن س ي لِ أُ ع ي طيَ ا 3 . )
خامساً: الوعد لداود وسليمان عليهما السلام:
وفي هذا الجانب تورد التو ا رة وصية داود وهو على ف ا رش الموت لابنه سليمان ،
وتذكيره إياه بالوعد لإس ا رئيل، وان لم يكن بص ا رحة الوعود السابقة للآباء.
ول مَّا ق م رب ت أَيََّ م وف ا ي ة دا م و د أَ و صَ م سل ي ما ن اب ن م ه ق ائي لا « : إذ جاء في سفر الملوك الأول : أَ ن ذا ي هبٌ يفِ
ط ي ري يَ الأَ ر ي ض م ي كَ ه ا، ف ت شدَّ د و م ك ن ر م ج لا . ذ ت ي س م ير يفِ م ط م ري ق ي ه، و تَ فظم ف رائي ض م ه، و صا يَ م ه
ِ
لهي ك، ا
ِ
ي ا ح فظ ش عائي ر الرَّ ي ب ا
وأَ ح كَ م م ه و شه ا دا ي ت ي ه، كُ م ه و م ك م توبٌ يفِ ي شْي ع ي ة م مو س، ي ل كَ تم ف ي ل ح يفِ م ي كُ ما ت ف ع م ل و ح يثم ما ت و جْ ت ي ل كَ يم ي ق ي الرَّبُّ
ذا ح ي فظ ب نمو ك ط ي ريق هم م و سل م كوا أَ ما ي مي ي بَلأَ مان ي ة ي م ن م ي كُ
ِ
كَل م م ه ا يَّ لَّي ت كََّ م ي ب ي ه ع ي نِ ق ائي لا: ا قملمو ي ي بِ م و م ي كُ أَن م ف ي سهي م، ق ا ل
سْائيي ل
ِ
( » لا يم ع د م لِ ر م جلٌ ع ن م ك ر ي ي س ا 4 .)
1 29 ، أيضاً: تكوين، الإصحاح 29 كاملاً. : ( انظر: تكوين 25
2 - . 12 1 : ( تكوين 05
3 . 1 : ( خروج 00
4 – . 6 1 : ( الملوك الأول 2
081
ثم يك رر الربّ الوعد لسليمان نفسه في السنة ال ا ربعة لملكه حسب التو ا رة إذ جاء في - –
ذلك قول الله لسليمان ن سل ك ت يفِ ف رائي ي ضِ « :
ِ
ه ذا ال بي م ت ا يَّ لَّي أَن ت بَ ي ني ي ه، ا و ي عَل ت أَ ح كَ ي مي
و ح ي ف ظ ت م كَُّ و صا يَ ي ي للسُّلمو ي ك ي بِ ا، لَ دا م و د أَ ي بي ك،
ِ
ي ن أُ ي ق م ي م ع ك كَلي مي ا يَّ لَّي ت كََّ م م ت ي ب ي ه ا
ِ
ف ا وأَ س م ك م ن يفِ و سطي ب ينِ
سْائيي ل
ِ
سْائيي ل، و لا أَت م ر م ك ش ع يبي ا
ِ
( » ا 1 . )
هذا مجملٌ موجزٌ للنصوص الدينية التي يدّعي اليهود أنّها السند في امتلاكهم أرض فلسطين
من الربّ، بانتسابهم إلى هؤلاء الآباء من الأنبياء الك ا رم.
صدى الوعد في العصر الحديث:
لم يقتصر الاعتقاد بالأرض المقدسة على كتب الأقدمين وما سطره كتبة التو ا رة فحسب، بل
ما فتئ قادة اليهود في العصر الحديث يكررون حكاية الوعد الديني وأرض الميعاد، ويح ثّون اليهود
في العالم على تطبيق أمر الربّ بالعودة إليها بزعمهم.
وفي هذا يقول زعيم الصهيونية الأول ثيودور هرتزل: " أنا أسعى لإرشاد اليهود إلى أرض
الميعاد" ) 2 . )
ويقول أيضاً: " إنّ أرض الميعاد هي حق اليهود الكامل، فهي التي ستجعل اليهود
يتناولون ما لذّ وطاب) 3 (، كما نعيش عيشة رغدة، ونعمل بحرية روحية ونموت في سلام على
ت ا رب الوطن القومي لكل اليهود" ) 4 . )
ويصف ديفيد بن جوريون دخوله لأرض فلسطين قائلاً: " إنّ أول ليلةٍ لي على أرض
الميعاد قد حفرت داخل قلبي، ونمت وأنا مطمئن؛ لأ نّها أول ليلة لي على أرض الميعاد، ولأنني
وضعت قدمي على أول الطريق الصحيح لتحقيق أحلامي وأحلام كل يهودي ... إنني الآن على
1 ( الملوك الأول 6 – . 10 12 :
2 .) ( يوميات هرتزل، )ص 99
3 .26 : ( يظهر أن هرتزل يشير إلى ما جاء في التو ا رة بأنّ أرض فلسطين تفيض لبناً وعسلاً ، انظر: لاويين 23
4 - . )110 ( يوميات هرتزل، )ص 112
080
أرض إس ا رئيل، إنني الآن أطأ بقدمي أرض الميعاد، إنني أتمنى أن أطأ ب أ رسي ول أطأ بقدمي
أرض الميعاد ... " ) 1 . )
هذان نموذجان فقط للكثير من أقوال وتصريحات اليهود قديماً وحديثاً حول أرض الميعاد
وحقّهم الديني في امتلاكها.
عل الحق الديني:
ّ
الرد
الردّ على هذا الوعد المزعوم ينعقد من وجوه كثيرة جداً، من أهمّها حسب ما اتضّح -
للباحث ما يلي: -
أولا : هذا الوعد باطل دينياً؛ باعتبار بطلان سنده الديني، إذ سبق وأن فصّل الباحث في
المبحث الأول في قطعية ثبوت تحريف التو ا رة وانقطاع سندها وتعارضها مع صحيح وصريح النقل
والعقل والعلم ، فانظره في موضعه) 2 .)
ثاني ا: هذا الوعد إن صحّ جدلا فهو صادر من الربّ - - لإب ا رهيم ونسله من بعده،
كما هو واضح في النصوص سابقة الذكر، ولم يكن قد أنجب بعدُ وقتَ إعطائه الوعد؛ وعليه
فلفظة )نسلك( الواردة في الوعد تشمل ولديه )إسماعيل واسحاق( عليهما السلام ؛ إذ وردت عامّ ة - –
ولم تقيّد، بل إنّ هناك من ذات التو ا رة ما يشير بوضوح إلى أنّ المقصود من هذا الوعد هو - -
إسماعيل إذ كان هو المولود لإب ا رهيم حين الوعد دون إسحاق ، فكيف حصرها كتبة
التو ا رة ومن بعدهم في إسحاق ونسله دون سواهم، والتو ا رة والواقع والتاريخ كلها تثبت عكس
ذلك؟!) 3 . )
فمما يوحي بأحقّية إسماعيل في هذا الوعد من النصوص التو ا رتية ما يلي:
1 2331 م، ، ( حياة بن جوريون السياسية، موريس إديلمان، ترجمة: علي رمضان فاضل، مكتبة النافذة/ مصر، ط 1
. ص 06
2 - .) 102 ( انظر: البحث الذي بين يديك، )ص 115
3 1619 ه/ 1119 م، ، ( انظر: فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، ط 1
.) )ص 00
081
الن ص على كثرة نسل إسماعيل - وق ا ل ل ه ا م لا م ك الرَّ ي ب ) أي: لهاجر أم « : وعظم شأنه
إسماعيل(: ت ك ي ث يرا أُ ك ي م ثّ ن س ي لِ ف لا يم عدُّ ي م ن ال ك ثّي ة وق ا ل ل ه ا م لا م ك الرَّ ي ب: ها أَن ي ت م ح ب لى، ف ت ي ي لي ن اب ن ا وت د ي ع ين ا سْ م ه
سْا ي عي ل، لأَنَّ الرَّبَّ ق د ي سْ
ِ
ا ع ي ل م ذلَّ ي ت ي ك . ن سا ن و ح ي ش يًّا، ي م د م ه ع لى م ي كُ وا ي حدٍ، وي م د م ي كُ وا ي حدٍ ع ل ي ي ه، وأَ ما م
ِ
ن مَّ ه ي م كو م ن ا
ِ
وا
خ وي ت ي ه ي س م ك م ن
ِ
(» ي جَيعي ا 1 . )
كَ ن أَب را م اب ن ي س تٍ وث ما ي ن ين س ن ة - « : وتقول التو ا رة
ِ
(» ل مَّا و لِ ت ها ج م ر ا سْا ي عي ل لأَب را م 2 . )
وتنص التو ا رة على أنّ إب ا رهيم - أ عطي الوعد بالأرض المقدّسة وقد بلغ من العمر تسعاً
ول مَّا كَ ن أَب را م اب ن ي ت سعٍ و ي ت س ي ع ين س ن ة ظه ر الرَّبُّ لأَب را م وق ا ل م له: أَ ن م الل ال ق ي دي م ر. ي سْ أ ما ي مي « : وتسعين سنةً
و م ك ن كَ ي م لا، ف أَ ج ع ل عه ي دي ب ي ينِ وب ي ن ك، وأُ ك ي ثّ ك ك ي ث يرا ي جدًّا ... وأُ ع ي طي لِ وي لن س ي لِ ي م ن ب ع ي د ك أَ ر ض غم رب تي ك، م كَُّ
أَ ر ي ض ك ن عا ن م مل كَ أَب ي ديًَّ. له هم م
ِ
(» وأَ م كو م ن ا 3 . )
وتنص التو ا رة على أنّ إسحاق قد ولد لإب ا رهيم عليهما السلام و عمر أبيه )إب ا رهيم( مائة - - –
سْا م ق اب نم م ه « : سنة
ِ
ب را ي ه م ي اب ن ي مئ ي ة س ن ةٍ ي ح ين م و ي لِ م له ا
ِ
(» و كَ ن ا 4 . )
مما سبق من نصوص يتضح أنّ إب ا رهيم قد أ عطي الوعد بزعم التو ا رة وعنده من الولد - –
إسماعيل دون إسحاق، إذ بلغ إسماعيل وقت الوعد ثلاثة عشر عامأ.
وفيه إشارة إلى أنّ الوعد لإسماعيل فقط؛ كونه هو الموجود، وجاءت لفظة "ولنسلك من بعدك"
واب م ن ال جا ي ري ي ة أَي ضا سأَ ج ع م م لِ أُمَّ ة لأَن مَّ ه « : موافقة تماماً مع ما جاء في سفر التكوين نفسه عن إسماعيل
(» ن س م لِ 5 ( ) 6 . )
1 – . 12 13 : ( تكوين 14
2 . 14 : ( تكوين 14
3 - . 9 1 : ( تكوين 19
4 . 5 : ( تكوين 21
5 . 10 : ( تكوين 21
6 . ) ( انظر: فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، )ص 00
083
ثالث ا: إنّ هذا الوعد الذي يتشبث به اليهود يردّ عليهم بنفسه!، فنصوصه تتضمن ما يثبت
انتفاء الوعد عن معظم بني إس ا رئيل واليهود عبر التاريخ، فضلاً عن قطعية انتفائه عن يهود اليوم؛
ذلك لأنّ الربّ الذي أعطاهم الوعد حسب معتقدهم قد شرط هذه الهبة بالت ا زم النسل أوامر الله - -
وا عَ ي ل الاَّا ي ل ح وال ح س ن يفِ ع ي ي نِ الرَّ ي ب، ي ل كَ ي م كو ن لِ خ يرٌ، وت د م خ ل وت مت ي لِ الأَ ر ض « : وف ا رئضه، قائلاً
(» ال ج ي د ة الَّ يت حل ف الرَّبُّ لأ بَئي ك 1 .)
فهل التزم اليهود عبر تاريخهم على فرض أنهم المقصودون بالوعد بف ا رئض الله - – وش ا رئعه
وأوامره؟! على العكس تماماً؛ فقد كفر اليهود وجحدوا نعمة الله ، وعبدوا غيره، واستحقوا عذابه،
وهذا الأمر مستفيض متواتر في التو ا رة والإنجيل، فضلاً عن الق آ رن العظيم.
بل إنّ التو ا رة تصرّح بأنّ الأرض المقدّسة ستلفظ بني إس ا رئيل إن هم تنكبوا الطريق وخالفوا
أوامر الله ، في نصٍّ بيّنٍ جاء فيه الخطاب من الربّ لموسى ف ت ح ف م ظو ن ي جَي ع « : وقومه قائلاً
ل يَ ا ي لت س م ك
ِ
( » ف رائي ي ضِ و ي جَي ع أَ ح كَ ي مي، وت ع ملمو نَّ ا ي ل كَ لا ت ق ي ذف م م ك الأَ ر م ض الَّ يت أَ ن أ تٍ ي ب م ك ا نموا ي فيَ ا 2 ) .
وتُصوّر التو ا رة تقلُّب بني إس ا رئيل في غضب الربّ؛ فقبل دخولهم الأرض المقدسة زمن موسى
سْائيي ل وأَ تَ ههم م يفِ ال ي بَي يَّ ة أَ رب ي ع ين س ن ة، « : تقول التو ا رة
ِ
ف ح ي م ي غ ض م ب الرَّ ي ب ع لى ا حتََّّ ف ي نِ م كُُّ ال ي جي ي ل
( » ا يَّ لَّي ف ع ل الشَََّّ يفِ ع ي ي نِ الرَّ ي ب 3 . )
وبعد دخولهم الأرض المقدّسة، يوصيهم نبيهم )يشوع( على ف ا رش الموت أن يعملوا صالحاً
له م ك لا ي م عو م د ي ط م ر م د أُول ي ئ ك الشُّ م عو ب ي م ن أَ ما ي م م ك، ف ي م كونموا ل م ك ف « : والاّ
ِ
ف اع ل م موا ي ي قين ا أَنَّ الرَّبَّ ا ذًّا و شْ كَ و س و طا
ع لى ج وا ي ن ي ب م ك، و ش و كَ يفِ أَ ع م ي ي ن م ك، لهم م ك
ِ
يََّ ها الرَّبُّ ا
ِ
(» حتََّّ ت ي بي م دوا ع ن تي لِ الأَ ر ي ض الاَّا ي ل ح ي ة الَّ يت أَ ع طا م كم ا 4 (، لكنهم
ف ع ي م ل « : لم يلتزموا بالوصية، وسرعان ما انقلبوا على أوامر ربهم وأنبيائهم، فاستحقوا غضب الربّ
1 . 19 : ( تثنية 4
2 . 22 : ( اللاويين 23
3 . 10 : ( العدد 02
4 . 10 : ( يشوع 20
084
له هم م و ع ب م دوا ال ب ع ي ل ي والسَّ وا ي ر ي
ِ
سْائيي ل الشَََّّ يفِ ع ي ي نِ الرَّ ي ب، ون م سوا الرَّبَّ ا
ِ
ب نمو ا . ف ح ي م ي غ ض م ب الرَّ ي ب ع لى
سْائيي ل
ِ
( » ا 1 . )
بل إ نه وحسب هذا الشرط التو ا رتي فإنّ سليمان لا يستحق هذا الوعد )بالنسبة لما اقترفه
و ي عَ ل م سل ي ما م ن الشَََّّ يفِ ع ي ي نِ الرَّ ي ب، ول م « : من آثام وخطايا خطيرة بزعم كتبة التو ا رة( إذ تصرّح التو ا رة
( » ي ت ب عي الرَّبَّ ت ما ما ك دا م و د أَ ي بي ي ه 2 . )
وما أكثر ما ذكرته التو ا رة من عمل بني إس ا رئيل للشر ونكوصهم عن طريق الله ، خاصة بعد دخولهم الأرض المقدّسة!، إذ نجد أنّ عبارة: " عَ ل ال شََّ يفِ ع ي نِ ال ر ي ب" تكررت في العهد القديم
واحداً وخمسين ) 15 ( مرّة) 3 (، كلّها في معرض وصف بني إس ا رئيل كجماعة أو كأف ا رد، بعد دخولهم
الأرض المقدّسة .
كما وردت عبارة: " ي حْ ي غ ض م ب ال ر ب" في العهد القديم ثلاثين ) 03 ( مرة) 4 (، في معرض بيان
شدة غضب الله على بني إس ا رئيل، حينما لم يعملوا بوصاياه وأحكامه وش ا رئعه .
وبناءً على ما سبق فإنّ هذا القدر من الغضب استحق به اليهود ما وصفهم الله سبحانه به في
القرآن العظيم في قوله: } غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ { )الفاتحة/ 9(، وبذلك انتفت بالكلية أحقيتهم في الأرض
الموعودة وفق تو ا رتهم ابتداءً، وهذا ما حكاه القرآن أيضاً محذ ا رً بني إس ا رئيل من التخلي عن طريق
1 – . 9 9 : ( قضاة 0
2 . 4 : ( الملوك الأ ول 11
3 ،1 : 11 ، صموئيل الثاني 22 : 1، صموئيل الأول 25 :20 ،4 :23 ،1 :1 ،1 :4 ،12 ،9 : ( قضاة 0
52 ، الملوك :22 ،25 ،23 :22 ،03 ،25 ،11 ،9 :21 ،06 ،24 :25 ،22 :24 ،4 : الملوك الأول 22
،14 ،4 ،2 :22 ،19 ،2 :27 ،29 ،26 ،19 ،1 :25 ،26 :24 ،11 ،2 :20 ،29 ،19 :8 ،2 : الثاني 0
،5 :01 ،22 ،4 ،2 :00 ،4 :24 ،6 :22 ،4 : 11 ، أخبار الأيام الثاني 22 ،1 :24 ،09 ،02 :20 ،23
. 2 :52 ،03 :02 ،03 : 12 ، إرمياء 7 ،1
4 : 10 ، تثنية 1 :02 ،0 :25 ،29 ،22 :22 ،1 :22 ،00 ،13 ،1 : 11 ، عدد 22 :02 ،16 : ( خروج 4
11 ، صموئيل الثاني :24 ،9 :23 ،9 :0 ،23 ،16 : 14 ، قضاة 2 :20 ،1 : 19 ، يشوع 7 :22 ،6 :7 ،15
13 ، أخبار الأيام الثاني : 24 ، أخبار الأيام الأول 20 :20 ،0 : 1، الملوك الثاني 20 :24 ،5 :22 ،9 :1
. 25 : 63 ، اشعياء 5 : 15 ، الم ا زمير 231 :25
085
الله، وذلك في قوله تعالى: }ياَ قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى
.) أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ {)المائدة/ 21
رابع ا: ومما يردّ به على هذا الوعد، أنه قد حدد الأرض التي سيعطيها الربّ لإب ا رهيم
ونسله من إسحاق ثم يعقوب وهكذا، بأنها ستكون من نهر مصر إلى نهر الف ا رت، ومعلوم أن هذا
الوعد المزعوم لم يتحقق لإب ا رهيم ولا لأحد من ك ا رم الأنبياء وهم القائمون بف ا رئض الربّ -
التي اشترطتها التو ا رة وعليه فإنّ العقل والمنطق يجزمان بأنّ هذا الوعد لن يتحقق في عصر لئام -
الناس وش ا ررهم الملعونين على لسان أنبياء الله ، في التو ا رة والإنجيل والق آ رن) 1 .)
كما أنّ اليهود إذا اعتمدوا على نصوص التو ا رة في إثبات أحقّيتهم بالأرض المقدّسة لأنها -
وعد الله لآبائهم بزعمهم لزم من ذلك أن ينسبوا إلى الربّ هبته إياهم العالم بأسره، ذلك أنّ الربّ - -
م تَّ - « : وفق تو ا رتهم قد وعدهم بطرد كلّ من تحت السماء من أمَ امهم!!، وهذا نصه من أسفارهم
أ ل يَ ا ي لت مت ي ل كه ا، و ط ر د م ش م عو بَ ك ي ث ير ة ي م ن أ
ِ
لَ الأَ ر ي ض الَّ يت أَن ت دا ي خلٌ ا
ِ
لهم ك ا
ِ
تَ ي ب ك الرَّبُّ ا ما ي م ك ... لأَن ك أَن ت ش عبٌ
لهي ك.
ِ
م مق دَّسٌ ي للرَّ ي ب ا لهم ك ي لت م كو ن م له ش ع با أَ خ
ِ
يََّ ك ق ي د ا خت ا ر الرَّبُّ ا
ِ
ا صَّ ي م ن ي جَيعي الشُّ م عو ي ب ا يَّ لَّي ن ع لى و ج ي ه
الأَ ر ي ض ... ن سانٌ يفِ و ي جْ ك حتََّّ تم ف
ِ
لَ ي ي د ك، ف ت م م حو ا سْهم م ي م ن تَ ي ت السَّ ما ي ء. لا ي ي ق م ف ا
ِ
(» وي دف م ع م ملمو كهم م ا ي ن يَم م 2 . )
فإذا كان الوعد لهم بمحو كل ما تحت السماء، مع التأكيد على اختصاصهم بالك ا رمة عند الله
دون كل من على وجه الأرض، فما وجه تخصيص أرض فلسطين بملكيتها وتوارثها من دون سائر
الأرض؟! وبذلك تسقط عقيدتهم في هذا الوعد المزعوم المشئوم.
خامس ا: مما يدحض زعم اليهود أحقيتهم الدينية في الأرض المقدّسة بفهم الباحث أنّ - –
مقتضى العدل والحكمة الإلهية وسنن الله المقروءة على صفحات خلقه منذ الأزل تحيل وتنكر
أن يهب الله أرضه المباركة المصطفاة إلى قوم ما، بحسب أع ا رقهم وأنسالهم وسلالاتهم، أياً
1 ( فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، )ص 06 ( بتصرف . -
2 – . 26 ،4 1 : ( تثنية 9
086
كانت وأياً كانوا، فقد قرر الله مي ا زنه في خلقه إذ قال :}إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ
اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{ ) الحجرات/ 10 (، وقال . ) : }فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ { )هود/ 61
فكيف يجوز لعاقل أن يؤمن بأحقية قوم لأرضٍ وهبت لهم زعم اً منذ آلاف السنين، بنقلٍ - -
غير موثوق قطع الله ، ) في محكم تنزيله ببطلانه }يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ{) المائدة/ 61
في حين يحكي الزمان عن أقوام تعاقبت على هذه الأرض وتداولوها وفق سنة التدافع }وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ
النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ { ) البقرة/ 251 ( ، وقد كان اليهود ممن
تدافع لنيل هذه الأرض، لكن سنة الله تحققت فيهم كغيرهم ممن حاد عن طريقه أياً كان
. ) نسبه وجنسه وعرقه :}فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا لَََمُوا إِنَّ فِي ذَلكَِ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{ )النمل/ 52
ويبين ربنا هذا التدافع والجدل البشري، ويظهر قانون اً من قوانين سير الحياة والتاريخ
والبشرية، يبطل كل دعوى باطلة بامتلاك الحق في أرض الله المقدّسة، إذ يتنزل قول الله العظيم
على لسان عبده النبي الكليم موسى :} قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن
يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ )الأعراف/ 129 ( . وكأن موسى يب أ ر بقوله هذا الذي أنزله الله -
في الق آ رن الخالد يب أ ر من أولئك المنتسبين إليه زو ا رً والمدّعين للوعد على لسانه، والله أعلم. -
سادس ا: إنّ الادّعاء بالحق الديني في أمرٍ ما لابد وأن يكون في فهم الباحث مرتك ا زً على - –
إرثٍ ديني مشهود له من خلق الله ، وخاصة الأنبياء منهم، فهل نجد في تاريخ اليهود ما يشهد
بهذا الإرث من الأفضلية الدينية المؤهِّلة لهم لينالوا شرف هبة الله لهم الأرض المقدّسة؟! .
يجيب على ذلك القرآن الكريم، كما تجيب عليه التو ا رة ذاتها:
أما القرآن الكريم:
فقد وصفهم الله بما لم يصف به أحداً من العالمين، قسوةً وكف ا رً وعناداً وانكا ا رً لنعمة الله
وفضله، ومن أفظع هذه الصور التي أبرزها الق آ رن، قلة أدبهم مع الله في ذاته وصفاته:
087
.) }وَقَالتَِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ{ )المائدة/ 46 (، }وَقَالتَِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ{ )التوبة/ 03
}لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ وَقَتْلَهُمُ الأَنبِيَاء بِغَيْرِ حَقٍّ وَنَقُولُ ذُوقُواْ عَذَابَ
.) الحَْرِيقِ {)آل عمران/ 191
بل يصفهم ربّ العزّة الأعلم بأنفسهم من أنفسهم بأنهم أشدّ الناس عداوة للمؤمنين:}لَتَجِدَنَّ - -
.) أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ { )المائدة/ 92
وأما في تو ا رتهم:
إضافة إلى ما سبق بيانه من عدم الت ا زمهم بشروط امتلاك الأرض المزعومة، فقد ورد وصف
بني إس ا رئيل بأشد أوصاف الكفر على ألسنة أنبيائهم، فهذا الربّ يت ا رءى لموسى محذ ا رً إياه
سْائيي ل و ي م ن س ي ئ ا ي ي تِ م « : من كثرة نجاسات وخطايا شعبه، آم ا رً إياه أن
ِ
يم ك ي ف م ر ع ي ن ال م ق د ي س ي م ن نَا سا ي ت ب ينِ ا
(» م ع م ي كُ خ طا يَ م ه. وه ك ذا ي ف ع م ل ي ل خ ي م ي ة الا ج ي ت ماعي ال ق ائي م ي ة ب ي نهم م يفِ و سطي نَا سا ي ي تِ م 1 .)
وتصف التو ا رة حال القوم في استه ا زئهم برسل الله وكلامه، وانتهاكهم كل المقدّسات، وهذا
نَّ ي جَي ع م ر ؤ سا ي ء ال كه ن ي ة « : ليس في عوامّهم فحسب، بل في رؤسائهم وكهنتهم، إذ تقول التو ا رة
ِ
حتََّّ ا
والشَّ ع ي ب أَ ك م ثّوا ال ي خ يان ة ح س ب م ي كُ ر جا سا ي ت الأُ م ي م، و نََّ م سوا ب ي ت ال ر ي ب ا يَّ لَّي ق دَّ س م ه يفِ أُو م ر ش ي ل ي . ف أَ ر س ل الرَّبُّ
ل ي يَ م ع ن ي ي د م ر م س ي ي لِ م مب ي ك را و م ر ي س لا لأَن مَّ ه ش ي ف ع لى ش ع ي ب ي ه وع لى م س ك ي ن ي ه،
ِ
م له أ بَ ي ي ئِ م ا
ِ
ا ف كَنموا يه زأُو ن ي ب م ر م س ي ل ي الل، و ر ذلموا
(» كَل م م ه و تِ ا ونموا ي بأَن ي بي ائي ي ه 2 . )
لَ الأَب ي د؟ ي ل ما ذا يم د ي خ م ن غ ض م ب ك ع لى غ ي نَ « : وفي الم ا زمير رثاء لحالهم مع الله
ِ
ي ل ما ذا رف ضت ن ا يَ ا م لله ا
(»؟ م رع ا ك 3 . )
1 . 14 : ( لاويين 14
2 - . 14 16 : ( أخبار الأيام الثاني 04
3 . 1 : ( الم ا زمير 96
088
ي جي لا زائيغ ا و ما ي ر دا، ي جي لا ل م يمث ي ب ت ق ل ب م ه ول م ت م ك ن م رو م ح م ه أَ ي م ين ة ي ي لِ « : وفيها ... ل م يُ ف م ظوا عه د ي الل، وأَب وا
السُّلمو ك يفِ ي شْي عتي ي ه ... يفِ ه ذا م ي كَ ي ه أَ خ طأُوا ب ع م د، ول م يم ؤ ي منموا ي ب ع جائي ي ب ي ه ... ف ذا د م عو م ه ي بأَف وا ي ههي م، وك ذبموا ع ل ي ي ه ي بأَل ي سن ي ي تَ م ،
أَمَّا قملمو م م بِ م ف ل تم ث بَّ ت م ع م ه، ول م ي م كونموا أُ من ا ء يفِ عه ي د ي ه ... ف جرَّبموا و ع ا وا الل ال ع ي لَّ، و شه ا دا ي ت ي ه ل م يُ ف م ظوا، ب ي ل ا رت دُّوا
وغ د م روا ي مث ل أ بَ ي ي ئِ م . ا نَ رفموا ك ق وسٍ م خ ي طئ ةٍ . أَغ ا م ظو م ه ي ب م م رت ف عا ي ي تِ م، وأَغ ا م رو م ه ي بت ما ي ثي ي ل ي ه م . ي سْ ع م الل ف غ ي ض ب، و ر ذ ل
سْائيي ل ي جدًّا
ِ
(» ا 1 .)
أَ خ طأْ ن « : وهذا دانيال نبي بني إس ا رئيل يصف في التو ا رة حال قومه وكفرهم مخاطباً ربّه قائلا
وأَ ي ث من ا و ي عَل ن ا الشَََّّ، وت مرَّ د ن و ي ح د ن ع ن و صا يَ ك و ع ن أَ ح كَ ي م ك . و ما ي سْ عن ا ي م ن ع ي بي ي د ك الأَن ي بي ا ي ء ا يَّ لَّي ن ي بَ ي سْ ك كََّ م موا
م ملمو كن ا و م ر ؤ سا ء ن وأ بَ ء ن و م كَُّ ش ع ي ب الأَ ر ي ض . لِ يَ س ي م د ال ي بَُّ، أَمَّا ل ن ا ف ي خ ز م ي ال م و م جو ي ه، كُ م ه و ال ي و م ي ل ي ر جا ي ل م يهو ذا
وي ل م سكََّ ي ن ل يَ ا،
ِ
سْائيي ل ال ق ي ري ي ب ين وال ب ي عي ي دي ن يفِ م ي كُ الأَ را ي ضِ الَّ يت ط ر د م تِ م ا
ِ
أُو م ر ش ي ل ي، وي ل م ي ك ا ي م ن أَ ج ي ل ي خي ان ي ي تَ ي م الَّ يت
يََّ ها
ِ
خانمو ك ا . يَ س ي م د، ل ن ا ي خ ز م ي ال م و م جو ي ه، ي ل م ملمو ي كن ا، ي ل م ر ؤ سائين ا ولأ بَئين ا ل ي ك
ِ
لأَننَّ ا أَ خ طأْ ن ا . ي لل ر لهين ا ال م را ي ح م م
ِ
ي ب ا
وال م غ ي ف رم ة، لأَننَّ ا ت مرَّ د ن ع ل ي ي ه . لهين ا ي لن س م لِ يفِ شْائي ي ع ي ه الَّ يت ج عل ه ا أَ ما من ا ع ن ي ي د ع ي بي ي د ي ه الأَن ي ب
ِ
و ما ي سْ عن ا ص و ت الرَّ ي ب ا ي ا ي ء
سْ
ِ
و م كُُّ ا ائيي ل ق د ت عدَّى ع لى ي شْي ع ي ت ك، و حا م دوا ي لئ لاَّ ي س م م عوا ص وت ك، ف س ك ب ت ع ل ين ا اللَّ عن ة وال حل ف ال م كتمو ب يفِ
ل ي ي ه
ِ
(» ي شْي ع ي ة م مو س ع ب ي د ي الل، لأَننَّ ا أَ خ طأْ ن ا 2 . )
إذا كان هذا هو مي ا رث اليهود من الكفر والعصيان والتمرد، فعلى أي أساس ينتسبون دينياً إلى
الأرض المقدّسة؟ واذا كان أنبياؤهم قد وصفوهم بأشد ألفاظ اللعن والطرد والسخط واليأس من حالهم
في زمانهم الأول، فكيف يحق للمتأخرين الأكثر كف ا رً والمنتسبين زو ا رً إلى الأوائل أن يطالبوا - -
بحق ديني لهم في هذه الأرض؟! .
ثاني ا: اعتقاد اليهود بالحق التاريخي:
والحقّ التاريخي الذي ي ا ره اليهود لأنفسهم في الأرض المقدّسة هو حقّ مرتبط بالحق الديني،
إذ إنّ من المقرر كما سلف أنّ تاريخ اليهود مستمدٌ من مصادرهم الدينية، وهناك ارتباط بين - –
دينهم وتاريخهم، وفي كلٍّ زيف.
1 - ،51 54 ،04،09 ،02 ،13 ،9 : ( الم ا زمير 99
2 - . 11 5 : ( دانيال 1
089
وحاصل اعتقاد اليهود بالحق التاريخي " دعواهم بأنّ لهم حقوقاً تاريخية في فلسطين؛ ذلك لأن
أجدادهم بزعمهم سكنوها فترة من الزمن، بدءاً بإب ا رهيم واسحاق ويعقوب، ومرو ا رً بموسى ويوشع - –
ابن نون، واقامة مملكتهم زمن داود وسليمان، عليهم السلام أجمعين، وانتهاءً بطرد آخر يهودي من
بيت المقدس عام 71 م، وبذلك يكن لهم الحق في استعادة أرض أجدادهم، وهذا هو المستند لهم في
إقامة دولتهم على أرض فلسطين" ) 1 . )
تقول الزعيمة اليهودية جولدا مائير) 2 (: " ل وطن لليهود سوى أرض صهيون، الأرض التي
نفي منها اليهود قبل ألفي عام" ) 3 . )
ويقول بنيامين نتنياهو) 4 ( مستنك ا رً قبول بعض اليهود بحلٍّ مع الفلسطينيين على أساس إقامة
دولة لهم على حدود عام 0967 م أو الانسحاب من الضفة الغربية قائلاً: " إن أهمية مناطق
الضفة الغربية تكمن في الحق التاريخي اليهودي في هذه البلاد ... فهل أصبح الطموح في
التخلص أو النفصال عن قلب )أ رض إس ا رئيل( مبدأً أيديولوجياً وأم ا رً إلهياً لدى قسم كبير من
الجمهور الإس ا رئيلي! " ) 5 . )
1 .) ( موجز تاريخ اليهود، د. محمود قدح، )ص 294
2 - ( جولدا مائير ) 2478 2848 م(: زعيمة حزب العمل الصهيوني، ورئيسة و ا رء الكيان الصهيوني من 1149
حتى 1196 م، من أكثر رموز الصهيونية تطرفاً وك ا رهية للعرب ومن أقوالها: كل صباح أتمنى لو أصحو ولا أجد
طفلاً فلسطينياً واحداً على قيد الحياة!، وقد وصفها ابن جوريون بأنها الرجل الوحيد في )الحكومة الإس ا رئيلية(!،
تعرضت لضغوط بعد حرب 1190 م مما أدى بها إلى الاستقالة من رئاسة الوز ا رء ] انظر: زعماء صهيون، مجدي
- .] ) كامل، )ص 031 219
3 . ) 1191 م، )ص 11 ، ( اعت ا رفات جولدا مائير، ترجمة: عزيز ع زمي، دار التعاون/مصر، ط 1
4( بنيامين نتنياهو: ولد عام 1161 م في فلسطين، أقام في أمريكا وتعلم فيها، وشارك في حرب أكتوبر عام
1190 م، تولى مناصب دبلوماسية عدة، وهو أول رئيس حكومة في الكيان الصهيوني في انتخابات مباشرة، وأول
رئيس حكومة يولد بعد إعلان قيام الكيان، شجب اتفاق أوسلو واعتبر القدس عاصمة أبدية لليهود، ويعتبر الضفة
الغربية جزء اً من )أرض إس ا رئيل( وليست محتلة، يعرف بالتعصب الشديد ضد العرب والمسلمين، ساهم في تشجيع
الحفريات تحت المسجد الأقصى دوماً، أشرف على الكثير من المجازر والاغتيالات والعدوان على الشعب
الفلسطيني، يتولى رئاسة حكومة العدو الصهيوني حالي اً ) 2310 م( ] انظر: زعماء صهيون، مجدي كامل، )ص
- . ] )095 091
5 .) 1114 م، )ص 15 ، ( مكان بين الأمم، بنيامين نتنياهو، ترجمة: محمد عودة الدويري، دار الجيل/ عمان، ط 2
091
الرد عل الحق التاريخي:
إنّ الرد على ادّعاء اليهود بالحق التاريخي في الأرض المقدّسة ينعقد من وجوه عديدة،
أهمها فيما يتضح للباحث ما يلي: -
أولا : ينبغي في فهم الباحث أن يتوقف الناقد لدعوى اليهود حقهم التاريخي في فلسطين - -
عند أصل هذه الدعوى، إذ يتضح أنّ اليهود ولا ريب يعبثون بالتاريخ أيما عبث! فعلى اعتبار أنّ
هذا الوعد على الحقيقة قد أعطي لإب ا رهيم ولنسله من بعده، فما علاقة اليهود قديماً وحديثاً
بإب ا رهيم ؟ وعلى أي أساس ينتسبون إليه؟! .
" من الواضح أنّ كتبة التو ا رة المحرّفة الذين شرعوا بتدوينها بعد عهد إب ا رهيم الخليل بأكثر -
من ألف وثلاثمائة عام، وبعد عهد موسى بأكثر من تسعمائة عام كانوا يهدفون إلى إرجاع -
بقايا الجماعة التي خرجت من مصر بقيادة نبي الله موسى إلى إب ا رهيم الخليل عليهما السلام - -
بغية إرجاع أصلها المجهول إلى أقدس الأجناس البشرية التي عرفها التاريخ، ثم تثبيت عقيدة
الأرض الموعودة الوهمية على لسان إب ا رهيم وموسى، وهما بريئان منها ..." ) 1 . )
وعليه فلا ينبغي التسليم أصلاً بأن ثبوت الوعد لإب ا رهيم رغم تهافته؛ يعني بأنّ هناك
شبهة حق تاريخي لليهود في أرض فلسطين.
" وخاصة لأن الوقائع التاريخية تؤكد أنه ليس لليهود )ساميين كانوا أوغير ساميين( أي حق
في فلسطين، كذلك تشير الحقائق إلى أن الصهيونيين الذين اغتصبوا فلسطين ليسوا ساميين أصلاً،
ولا توجد أية ا ربطة نَسَبية تربطهم بإس ا رئيل )يعقوب ( الذي يطلقون اسمه على دولتهم" ) 2 .)
" فضلاً عن أنّ اليهود ليسوا شعباً ينتمي إلى قومية واحدة، ولا هم من بلد واحد، ولا لهم لغة
واحدة، ولا ينتمون إلى حضارة واحدة، فهم مختلفون، قلوبهم شتى، من كل جنس ولون ولسان وبلد،
1 . ) ( العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 202
2 . ) ( تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 9
090
منهم الشرقي ومنهم الغربي، والأحمر والأبيض والأسود، دخلوا اليهودية الدين الذي يجمعهم في - –
أوقات مختلفة من الدهر، وهذا الدين هو ال ا ربطة الوحيدة بينهم" ) 1 . )
" وصفوة القول: إنّ عصر إب ا رهيم الخليل لم يكن له أي ارتباط بقوم موسى ، والذين
سمّتهم التو ا رة ببني إس ا رئيل، والذين ظهروا بعد الخليل بسبعمائة عام لا صلة لهم بإب ا رهيم - -
قطعاً، لا في الثقافة ولا في اللغة ولا في العرق، فدور إب ا رهيم مرتبطٌ بالجزيرة العربية وبيت -
الله العتيق فيها التي هو منها واليها، وهي وطن آبائه وأجداده الأصلي قبل هجرتهم إلى وادي -
ال ا رفدين، فدوره يرتبط بتاريخ العرب مباشرة، وهو العصر العربي القديم المعاصر للقبائل العربية
التي هو منها، والتي سميت فيما بعد بالعرب البائدة لانق ا رضها" ) 2 . )
ثاني ا: إنّ هناك حقيقة تاريخية كبيرة تسط رها التو ا رة ذاتها، فمع تك ا ررها لمسألة الوعد بفلسطين،
فإ نها تتناقض في إثبات هذا الوعد تناقضاً كبي ا رً، إذ تشير في كثير من المواضع إلى أن إب ا رهيم
كان في أرض غربةٍ في فلسطين، وأ نّه تن قل منها واليها، ولم يكتب له الاستق ا رر فيها دوماً،
كما أنه أُمر بترك أرضه وعشيرته في ح ا رن) - 3 ( بالع ا رق إلى الأرض )الموعودة() - 4 (، ثم جاء نص
الوعد محدداً جغ ا رفية الأرض متضمنة الف ا رت بأرض الع ا رق، فكيف يأمره بالخروج من الأرض
التي تقع ضمن الأرض الموهوبة؟! ) 5 . )
والنصوص التي تبين الغت ا رب كثيرة، ومنها على سبيل المثال:
1 . ) ( اليهود وأكاذيبهم، مارتن لوثر، )ص 11
2 ( العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 209 ( بتصرف يسير . -
3( ح اَّ رن: مدينة عظيمة مشهورة من جزيرة أقور، وهي قصبة ديار مضر، بينها وبين الرّها يوم وبين الرّقّة يومان،
وهي على طريق الموصل والشام والروم، وفتحت في أيام عمر بن الخطاب ، على يد عياض بن غنم نزل
204 ( بتصرف [ . - / عليها قبل الرّها ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
4 وق ا ل الرَّبُّ لأَ ب را م : ا ذ ه ب ي م ن أَ ر ي ض ك و ي م ن ع ي ش يرتي ك و ي م ن ب ي ي ت أَ ي بي ك لَ « : 1، ونصه : ( تكوين 12
ِ
. » ا الأَ ر ي ض الَّ يت أُ ي ري ك
5 ( انظر: العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 203 (، أيضاً: فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد
. ) اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، )ص 06
091
سْا م ق ي ع م قو ب و بَ ر ك م ه، وأَ و صا م ه وق ا ل م له: - « أ
ِ
ف دع ا ا لا ت أْ م خ ذ ز و ج ة ي م ن ب ن ا ي ت ك ن عا ن ... ب را ي ه ي
ِ
ويم ع ي طي ك ب ر ك ة ا
لِ وي لن س ي لِ م ع ك، ب را ي ه ي
ِ
(» ي ل ي تَ ث أَ ر ض غم رب تي ك الَّ يت أَ ع طا ها م الل لا 1 .)
لَ - « ب
ِ
و جا ء ي ع م قو م ب ا لَ م م را
ِ
سْا ق أَ ي بي ي ه ا
ِ
ا ... الَّ يت ي ه ح م بَو م ن،
ِ
ب را ي ه م ي وا
ِ
(» ح ي م ث ت غ رَّ ب ا سْا م ق 2 .)
- (» و س ك ن ي ع م قو م ب يفِ أَ ر ي ض غم رب ي ة أَ ي بي ي ه، يفِ أَ ر ي ض ك ن عا ن « ت 3 . )
ف ق ا ل ي ع م قو م ب ي ل ي ف ر ع و ن: أَيََّ م ي س ينِ غم رب يت ي مئ ةٌ وث لاثمو ن س ن ة. ق ي لي لَ و ر ي ديَّ ة كَن ت أَيََّ م ي س ينِ حي ا ي تِ، ول م - « ث
لَ
ِ
( » ت بلم غ ا أَيََّ ي م ي س ينِ حي ا ي ة أ بَ ي ي، يفِ أَيََّ ي م غم رب ي ي تَ م 4 .)
إنّ الحديث عن اغت ا رب إب ا رهيم في أرض كنعان، لا يلغي حقيقة أخرى، وهي كون
إب ا رهيم م ثَُّ « : من أصلٍ عربي؛ إذ تبين التو ا رة أنه ينتمي إلى القبائل الأ ا رمية، جاء في ذلك
تم ي صرم ح وت م قو م ل أَ ما م لهي ك: أَ را ي ميًّا تَ ي ئِ ا كَ ن أَ ي ب،
ِ
الرَّ ي ب ا لَ ي م صر وت غ رَّ ب م هن ا ك يفِ ن فرٍ ق ي ليل، ف اا ر م هن ا ك أُمَّ ة
ِ
ف ا نَ د ر ا
( » ك ي ب ير ة و ع ي ظيم ة و ك ي ث ير ة 5 .)
" ومعلوم أنّ القبائل الأ ا رمية هي قبائل عربية نزحت من موطنها الأصلي في جزيرة العرب،
واستقرت على ضفاف الف ا رت في شمال سورية، ثم نزل بعض أسرها إلى الع ا رق ومنهم أسرة الخليل
إب ا رهيم ، وعليه فيكون الخليل ع ا رقياً بالولادة، عربياً في قوم يّته أصلا " ) 6 . )
" ولما نادى إب ا رهيم بعقيدة التوحيد وناصبه الوثنيون من قومه العداء، سار إلى ح ا رن
بالع ا رق، ومنها إلى أرض كنعان )فلسطين(، و بعد موجة من الجفاف والقحط انحدر إلى مصر
وعاش فيها مدة من الزمن، ثم عاد منها إلى فلسطين، ومات في الخليل" ) 7 . )
1 - . 6 1 : ( تكوين 29
2 . 29 : ( تكوين 05
3 . 1 : ( تكوين 09
4 . 1 : ( تكوين 69
5 5 : ( تثنية 24
6 ( العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 252 ( بتصرف . -
7 ( المصدر السابق، )ص 250 ( بتصرف . -
093
ثالث ا: إنّ حقيقة اغت ا رب إب ا رهيم وبنيه عليهم السلام في أرض فلسطين، تقود إلى حقيقة - –
أخرى لا جدال فيها، وهي أنّ أرض فلسطين لم تكن خالية وقت قدوم إب ا رهيم إليها، وهذا أثبتته
التو ا رة ذاتها أيضاً، فهي تحكي أن مملكة للفلسطينيين كانت قائمة وتسمى )مملكة جَ اَ رر(، وكان
للفلسطينيين مَ لِك ويدعى )أبيمالك(، ومما جاء في وفود إب ا رهيم وبنيه على بلاده ومملكته:
- «
ِ
وق ا ل اب را ي ه م ي ع ن سا ر ة ا م رأَ ي ت ي ه: ي ه أُ خ يت. ف أَ ر س ل أَ ي بيم ا ي م لِ (» م ي م لِ ج را ر وأَ خ ذ سا ر ة 1 . )
لَ أَ ر ي ض ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين - «
ِ
م ثَُّ ق ا م أَ ي بيم ا ي م لِ وي في م كو م ل رئيي م س جي ي ش ي ه و ر ج عا ا ب را ي ه م ي أَث لا يفِ ي ب ي ئْ
ِ
. وغ ر س ا س بعٍ،
ي له ال سَ م ي د ي ي.
ِ
و دع ا م هن ا ك ي بَ ي سْ الرَّ ي ب الا ب را ي ه م ي يفِ أَ ر ي ض ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين أَيََّ ما ك ي ث ير ة
ِ
( » وت غ رَّ ب ا 2 . )
ب را ي ه ي، - «
ِ
و كَ ن يفِ الأَ ر ي ض م جوعٌ غ م ير ال م جوعي الأَوَّ ي ل ا يَّ لَّي كَ ن يفِ أَيََّ ي م ا ف ذ ه ب لَ أَ ي بيم ا ي لِ م ي ي لِ
ِ
سْا م ق ا
ِ
ا
لَ ج را ر
ِ
( » ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين، ا 3 . )
وتروي التو ا رة أنّ هذا الملك قد استقبل إب ا رهيم واسحاق عليهما السلام وأكرمهما بالهدايا - –
ف أَ خ ذ « : والعبيد والمواشي الكثيرة، إذ جاء في التو ا رة أَ ي بيم ا ي م لِ غ ن ما وب ق را و ب را ي ه ي،
ِ
ما ء وأَ ع طا ها لا
ِ
ع ي بي دا وا
ل ي ي ه سا ر ة ا م رأَت م ه
ِ
و ردَّ ا وق ا ل أَ ي بيم ا يلِ : م ه و ذا أَ ر ي ضِ قمدَّا م ك. ا س م ك ن يفِ ما ح م س ن يفِ ع ين ي ك « ( 4 . )
رابع ا: إن الفت ا رت التاريخية التي حكم فيها أنبياء وملوك بني إس ا رئيل الذين ينتسب إليهم –
يهود اليوم هي فت ا رت محدودة جداً بالنسبة لحكم أهلها الأصليين الذين يعدّ وجودهم على هذه -
الأرض أسبق بقرون من دخول اليهود أو بني إس ا رئيل، فيما عرف ب )الغزو الإس ا رئيلي(، وقد كانت
ممالكهم صغيرة ولم يستولوا على كامل أرض فلسطين كما سلف وقد قاومهم دوماً أهل الأرض - –
الأصليين مقاومة عنيدة حتى في زمن مملكة داود وابنه سليمان عليهما السلام) - 5 . )
(1 . 2 : تكوين 23
(2 - . 06 02 : تكوين 21
(3 . 1 : تكوين 24
(4 - . 15 16 : تكوين 23
5 . ) ( انظر: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 21
094
يقول المؤرخ جوستاف لوبون) 1 (: " كان بنو إس ا رئيل أقلّ من أمّة، حتى زمن شاول، كانوا
أخلاطاً من عصابات جامحة، كانوا مجموعة غير منسجمة من عصابات ساميّة صغيرة أفّاقة
بدوية، تقوم حياتها على الغزو والفتح والجدب وانتهاب القرى الصغيرة ... فالعبريون قضوا زمناً
طويلا ليكون لهم سلطان ضئيل في فلسطين، ل أن يكونوا سادتها ... وفتح فلسطين في عهد
شاول كان بعيداً عن التمام ... وكان السلطان في فلسطين للفلسطينيين" ) 2 . )
" وعليه فوجود هذه الممالك )الإس ا رئيلية( الصغيرة في الحجم والمساحة والقليلة في عدد
السكان، والتي دامت فترة زمنية صغيرة، لا يصلح الاستدلال بها على أحقية بني إس ا رئيل وحدهم
في ملكية أرض فلسطين ك لّها، فالعقل والمنطق يحكمان بأن أصحاب الممالك التي عمّرت طويلاً
وكانت أسبق في الوجود من تلك الممالك الصغيرة والمصاحبة لها والتالية بعدها هم أحق الناس
بملكية هذه الأرض، خاصة وأن التاريخ يحدّث عن حضارة عظيمة قامت للفلسطينيين على هذه
الأرض قبل أن يحصل اليهود على وعدهم المزعوم بآلاف السنين" ) 3 . )
خامس ا: إنّ أولى الأمم والشعوب تاريخياً بأرض فلسطين هم العرب والمسلمون، وذلك لسببين
أساسين في فهم الباحث وهما: - -
الأول: لأنّ العرب أول من سكن أرض فلسطين واستوطنها، ومكثوا فيها آلاف السنين،
بإجماع المؤرخين المنصفين عرباً وعجماً، مسلمين وغير مسلمين.
الثاني: لأنّ المسلمين فتحوا أرض فلسطين، وحكموها في ظل الإسلام وحافظوا عليها لأكثر
من ثلاثة عشر قرناً من الزمان.
1 ( جوستاف لوبون ) 2402 2842 م(: مؤرخ فرنسي، عني بالحضا ا رت الشرقية، ومن آثاره "حضارة العرب"، -
"الحضارة المصرية"، "حضارة العرب في الأندلس"، وله كتاب الحضا ا رت الكبرى، ولوبون من أشهر فلاسفة الغرب
الذين أنصفوا الأمة العربية والحضارة الإسلامية، انظر: ترجمة محقق الكتاب محمود النجيري لجوستاف في مقدمته،
- . ) )ص 11 0
2 50 ( بتصرف . - ،52 ، ( اليهود في تاريخ الحضا ا رت الأولى، لوبون، )ص 61
3 1192 م، )ص 131 ( بتصرف، - ، ( وثيقة الصهيونية في العهد القديم، جورجي كنعان، دار النهار/بيروت، ط 2
. ) أيضاً: فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، )ص 91
095
" هذا هو الحقّ التاريخي الأقرب للمنطق والواقع، إذ إننا لو سلمنا جدلاً بالحق التاريخي
المزعوم لليهود في فلسطين فهذا معناه إعادة تقسيم العالم المعاصر بناءً على التاريخ القديم
للشعوب والأمم، ووقتها من حق المسلمين التاريخي أن يعودوا إلى إسبانيا؛ لأنهم أقاموا في الماضي
دولة الأندلس) 1 ( التي استمرت قرون اً عدة، ومن حق الإسبان أن يعودوا إلى المكسيك وأمريكا
الجنوبية، ومن حق البريطانيين أن يعودوا إلى حكم أج ا زء كبيرة من الولايات المتحدة، ومن حق
الهولنديين أن يعودوا إلى حكم إندونيسيا التي ملك وها قديماً عدة قرون" ) 2 . )
خلاصة المطلب:
أولً: لا يثبت لليهود حق ديني في فلسطين، إذ إنّ مصادر الديانات كلّها تثبت عدم أهلية اليهود
عبر التاريخ لامتلاك الأرض المقدّسة، إذ لم يلتزموا أوامر الله وحاربوه وأشركوا معه غيره،
وفسدت عقيدتهم، وساءت أخلاقهم، فاستحقوا غضب الله ومقته.
ثانياً: أثبت العلم والتاريخ والدين أن لا صلة تربط اليهود بمن يسمّونهم الآباء، كإب ا رهيم واسحاق
ويعقوب عليهم السلام لا من جهة الدين ولا من جهة النسل والعرق، وعليه فكل وعد مزعوم - –
لنسل هؤلاء الآباء يسقط عن اليهود في هذا العصر، ولا وجه لاستدلالهم بما ورد في تو ا رتهم حول
هذا الوعد ولوازمه وتبعاته.
ثالث اً: كيف يكون حقٌ لليهود تاريخياً في فلسطين بحجة امتلاك آبائهم لها وهؤلاء أصلاً ليسوا - -
بآبائهم من حيث فارق الزمان وانقطاع الأنساب، ثم إنهم أي الآباء المزعومون من أصل عربي - –
عريق موغل في قلب الجزيرة العربية، ناهيك عن أ نهم لم يمتلكوا يوماً أرض كنعان أصلاً، ولم تكن
لهم سوى دار غربة وممر لا دار امتلاك ومستقر، وأنّ هذه الأرض كانت عامرة بسكانها، وكل ذلك
بنص تو ا رتهم، فضلاً عن حقائق التاريخ وآيات الكتاب العزيز.
1 ( الأندلس: اسم عربي أطلقه المسلمون على منطقة جنوب إسبانيا بعد ما فتحها القائد طارق بن زياد سنة 911 م
وقد أصبحت الأندلس جزءا من الدولة الإسلامية، ويعتبر عبد الرحمن الداخل المؤسس للدولة الأندلسية سنة 953 م،
وفي العصر الحاضر لا ت ا زل منطقة جنوب إسبانيا تعرف باسم الأندلس وتعتبر إحدى المقاطعات التي تشكل
إسبانيا الحديثة وتحتفظ بالعديد من المباني التي يعود تاريخها إلى عهد الدولة الإسلامية في الأندلس, وتحمل اللغة
15 ( بتصرف[. - / الإسبانية كثي ا ر من الكلمات التي يعود أصلها إلى اللغة العربية ] مجلة البحوث الإسلامية، ) 91
2 ( فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، )ص 90 ( بتصرف يسير . -
096
المطلب الخامس
اضطراب واختلاف الطوائف اليهودية في هذه العقيدة
بعد أن عرض الباحث عقيدة اليهود في الأرض المقدسة، وأوجه استدلالهم على صحة هذه
العقيدة من مصادرهم الدينية، وادّعائهم بالحق الديني والتاريخي في أرض فلسطين، وقام بالردّ على
ادّعاءاتهم، لابد من التساؤل: هل أجمع اليهود على هذه العقيدة قديماً وحديثاً؟ وهل اتفقت طوائفهم
على القول بعقيدة الأرض الموعودة؟ وما مدى إجماع اليهود على هذه العقيدة وما ترتب عليها؟ هذا
ما سيتناول الباحث طرفاً منه في هذا المطلب بإذن الله.
قال الله في شأن اليهود: } تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى ذَلكَِ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ {
)الحشر/ 16 (، قال الطبري: " عداوة بعض هؤلاء الكفار من اليهود بعضًا شديدة ... تظنّهم مؤتلفين
مجتمعة كلمتهم... وقلوبهم مختلفة لمعاداة بعضهم بعضًا... من أجل أنهم قوم لا يعقلون ما فيه
الحظّ لهم مما فيه عليهم البخس والنقص" ) 1 . )
وقد تحدث الباحث عند مناقشة مصادر العقيدة اليهودية عن اختلاف الطوائف في إيمانها
بالتو ا رة، واختلاف التو ا رة السامرية عن العب ا رنية، واختلاف الطوائف اليهودية حول العهد القديم،
ف ينظر ذلك في موضعه) 2 .)
وقد اختلف اليهود في نظرتهم إلى الأرض المقدّسة، رغم أهمية هذه العقيدة و خطورة ما
ترتب عليها من ممارسات ووقائع على هذه الأرض، وقد تجلّت معالم هذا الختلاف بين الطوائف
اليهودية فيما يلي:
أولا : السامريون لا يعترفون بالقدس:
حكى ذلك ابن حزم رحمه الله في الفصل، فقال: " فأما اليهود فإنهم قد افترقوا على خمس - –
فرق ... )أوّلها( السامريّة، وهم يقولون: إنّ مدينة القدس هي نابلس وهي من بيت المقدس -
1 212 ( بتصرف . - / ( جامع البيان في تأويل الق آ رن، الطبري، ) 20
2 - . )121 ( انظر: البحث الذي بين يديك، )ص 126
097
على ثمانية عشر ميلا ولا يعرفون حرمة لبيت المقدس، ولا يعظمونه، ولهم تو ا رة غير التو ا رة التي -
بأيدي سائر اليهود، ويبطلون كل نبوّة كانت في بني إس ا رئيل بعد موسى وبعد يوشع ...
ولا يقرّون بالبعث البتة، وهم بالشام لا يستحلون الخروج عنها " ) 1 . )
وهذا الافت ا رق في طوائف اليهود يهدم أساس إيمانهم بعقيدة الوعد بفلسطين في فهم -
الباحث ، إذ إنّ دعوى اليهود بالوعد بفلسطين مبنية أساساً على مدينة القدس التي هي موطن -
الهيكل المزعوم، وهذه الطائفة الهامّ ة من اليهود لا تعرف قدسية للقدس ولا تعترف بمكانتها، فإذا
علمت كما سلف أنّ هذه الطائفة تمتلك تو ا رةً خاصة، أدركت مدى التناقض والتلاعب بهذه - –
العقيدة في تو ا رة اليهود المحرّفة.
ومن أوجه التناقض البيّن في عقيدة طوائف اليهود في الأرض المقدّسة، اختلافهم في المكان
الذي أُمر بنو إس ا رئيل ببناء بيت الربّ فيه!
ي ح ين ت ع م م بَو ن الأُ ر م دنَّ، تم ي قيممو ن ه ي ذ ي ه ال ي ح جا ر ة الَّ يت أَ ن أُو ي صي م ك ي بِ ا ال ي و م يفِ جب ي ل « : ففي التو ا رة العب ا رنية
ي عي با ل ) 2 (، وتم ي كَ م سه ا ي بَل ي كَ ي س ، وت ب لهي ك، م ذ بِا ي م ن ي ح جا رةٍ لا ت رف ع ع ل يَ ا ح ي دي دا
ِ
(» ينِ م هن ا ك م ذ بِا ي للرَّ ي ب ا 3 .)
تم ي قيممو ن ال ي ح جا ر ة ه ي ذ ي ه الَّ يت أَ ن مو ي صي م ك ال ي و م يفِ جب ي ل ي ج ر ي ز ي ، و ت م ش د ه ا « : أمّ ا التو ا رة السامرية فتقول
(» ي ب ي ش يد 4 . )
فيفهم من النسخة العب ا رنية أنّ موسى أمر ببناء الهيكل أو بيت عبادة الله - على -
جبل عيبال، ومن النسخة السامرية أ نه أمر ببنائه على جبل جِرْزيم، وبين اليهود والسامريين سلف اً
1 199 ( بتصرف. - – 199/ ( الفصل، ابن حزم، ) 1
2( جبل عيبال: أحد الجبلين اللذين يحدّان نابلس، والآخر جبل "جرزيم"، و قمة عيبال هي الأعلى في جبال
نابلس، إذ ترتفع عن سطح البحر 163 مت ا رً، سماه الكنعانيون بهذا الاسم ومعناه الصخور أو الحجارة، وأخذ اليهود
تسميته عن الكنعانيين، ويسمى أيضاً "الجبل الشمالي" أو جبل "ست سُليميّة" ] بلادنا فلسطين، مصطفى الدباغ،
22 ( بتصرف [. - - / دار الهدى/ كفر قرع فلسطين المحتلة، ط)بدون(، 1111 م، ) 2
3 – . 5 6 : ( تثنية 29
4 . ) 6، التو ا رة السامرية، د. أحمد حجازي السقا، )ص 012 : ( تثنية 29
098
وخلفاً ن ا زع مشهور، إذ تدّ عي كلّ فرقة منهما أنّ الفرقة الأخرى حرّفت التو ا رة في هذا المقام) 1 . )
ذا « : لكنّ العجيب أنّ التو ا رة )العب ا رنية والسامرية على حد سواء( تلعن جبل عيبال أصلاً
ِ
وا
ل يَ ا ي ل ي كَ ت مت ي ل كه ا،
ِ
لَ الأَ ر ي ض الَّ يت أَن ت دا ي خلٌ ا
ِ
لهم ك ا
ِ
جا ء ي ب ك الرَّبُّ ا ف ا ج ع ي ل ال بَك ة ع لى جب ي ل ي ج ي ر ي ز ي، واللَّ عن ة ع لى
( » جب ي ل ي عي با ل 2 . )
فكيف يلعن الربّ الجبل أي جبل عيبال ثم يأمر ببناء بيت الربّ عليه؟! )في التو ا رة - –
العب ا رنية(، فهل يجوز أن يأمر الربّ ببناء بيته في بقعة ملعونة سلفاً ومأمورٌ بلعنها؟! .
ثاني ا: حركة التنوير والاندماج اليهودي:
وتسمى هذه الحركة بالعب رية )الهسكلاه() 3 (، وهي حركة ظهرت بين يهود أوروبا في منتصف
القرن الثامن عشر الميلادي، وبدأت في ألمانيا، وتتناقض مبادئ هذه الحركة مع عقيدة الوعد
بفلسطين من عدة وجوه، وهي) 4 :)
.2 أنها تعتبر فكرة العودة إلى الأرض المقدّسة خ ا رفة وأسطورة، واعتبروا أنّ فكرة جبل صهيون
هي مفهوم روحي على غ ا رر المدينة الفاضلة التي لا وجود لها.
.2 أنها تدعو إلى الاندماج في المجتمعات الغربية، وتعلم اللغات الوطنية، واعتبار اللغة
العبرية من الت ا رث.
.0 أنها تدعو للفصل بين الدين اليهودي وما يسمى بالقومية اليهودية.
.4 أنها هاجمت الت ا رث الديني اليهودي، واعتب رته مغرقاً في الغيبية والتخلف واللا تاريخية.
.5 أنّها اعتب رت بأنّ الخلاص هو انتشار العقل والعدالة بين الشعوب، وليس الخلاص مرهوناً
بالعودة إلى أرض الميعاد.
1 . )601/ ( انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
2 . 21 : ( تثنية 11
3 ( الهسكلاه: كلمة عبرية تعني "التنوير" وهي مشتقة من الجذر العبري "سيخيل" الذي يعني "عقل" أو "ذكاء"، ثم
. ] 95/ استخدمت الكلمة بمعنى "استنارة" ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري 0
4 1625 ه/ ، ( انظر: الفرق والمذاهب اليهودية منذ البدايات، عبد المجيد همو، دار الأوائل للنشر/دمشق، ط 2
- . )93 95/ 2336 م، )ص 111 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 0
099
.1 أنّها هاجمت الت ا رث اليهودي الشفوي مثل التلمود، كما هاجمت فكرة الشعب المقدّس.
وهذه كما يتضح حالة من الخلاف والارتباك داخل اليهودية، بدأت منذ قرون عدّة، في - –
دلالة جديدة على مدى اضط ا رب العقيدة اليهودية في الأرض المقدّسة.
ثالث ا: تناقض الصهيونية ) 1 ( ح
ّ
مع عقيدة الماخي ) 2 :)
" إنّ الاعتقاد بمجيء المسيح وبعث اليهود هو أحد الأركان الأساسية في الديانة اليهودية،
ويعتمد فيه اليهود على تفسير ر ؤى كلٍ من دانيال و حزقيال، اولتي وردت في العهد القديم") 3 .)
والماشيّح اليهودي )المزعوم( هو ملك من نسل داود ، سيأتي ليعدل مسار التاريخ
اليهودي، بل البشري، فينهي عذاب اليهود ويأتيهم بالخلاص ويجمع شتات المنفيين ويعود بهم إلى
صهيون، ويحطم أعداء جماعة )إس ا رئيل(، ويتخذ أورشليم )القدس( عاصمة له، ويعيد بناء الهيكل،
ويحكم بالشريعتين المكتوبة والشفوية ويعيد كل مؤسسات اليهود القديمة، مثل السنهدرين) 4 (، ثم يبدأ
الفردوس الأرضي الذي سيدوم ألف عام) 5 .)
وعلى اعتبار أنّ المسيح المخ لّص هذا سيقيم دولة اليهود وسيعود بهم إلى أرض صهيون،
فقد ظل اليهود يعارضون قيام دولة يهودية قبل مجيء المسيح، وذلك حتى بدايات الحركة
الصهيونية مع نهاية القرن التاسع عشر) 6 . )
1 ( سيتم التعريف بالصهيونية في المبحث الثالث من هذا الفصل، وانما المقصود هنا توضيح قضية التناقض.
2 ( الماشيّح: كلمة عبرية تعني "المسيح المخلّص" ومنها "مشيحيوت" أي "المشيحيانية" وهي الاعتقاد بمجيء
الماشيح، وهو شخص مرسل من الإله يتمتع بقداسة خاصة، وهو إنسان سماوي وكائن معجز خلقه الإله قبل
216 ( بتصرف [. - / الدهور يبقى في السماء حتى تحين ساعة إرساله ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3 .) 1621 ه/ 2333 م، )ص 56 ، ( المسيح اليهودي ونهاية العالم، رضا هلال، مكتبة الشروق/ القاهرة، ط 1
4 وقد كان هذا الاسم يُطلق على الهيئة القضائية العليا المختصة بالنظر في ،» مجلس « ( السنهدرين: وتعني
القضايا السياسية والجنائية والدينية المهمة في المناطق التي كان يعيش فيها اليهود في فلسطين، )قبل الميلاد
بقرون(، وكان السنهدرين بمنزلة المحكمة، وهي محكمة تمارس تطبيق العدالة واصدار الأحكام طبقاً للشريعة
46 ( بتصرف [ . - - 40/ اليهودية في ذلك الوقت ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
5 . )216/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
6 .) ( انظر: المسيح اليهودي ونهاية العالم، رضا هلال، )ص 40
111
يقول د. المسيري حول عقيدة الماشيّح اليهودية: " نجد أنّ العصر الذهبي )أو العصر
المشيحاني( يشمل التاريخ والطبيعة معاً، فعلى مستوى التاريخ، نجد أنّ السلام حسب إحدى -
الروايات سيعمّ العالم، وأنّ الفقر سيزول، وستُحول الشعوب أدوات خ ا ربها إلى أدوات بناء، ويصبح -
الناس ك لّهم أح باء متمسكين بالفضيلة، ولكن صهيون ستكون بطبيعة الحال مركز هذه العدالة
الشاملة، كما ستقوم كل الأمم على خدمة الماشيَّح، وفي رواية أخرى؛ ستسود صهيون الجميع
وستحطم أعداءها، أمّ ا على مستوى الطبيعة، فإننا نجد أنّ الأرض ستُخصب وتطرح فطي ا رً،
وملابس من الصوف، وقمحاً حجم الحبة منه كحجم الثور الكبير!، ويصير الخمر موفو ا رً ") 1 . )
وقد ضربت هذه العقيدة جذو ا رً ا رسخة في الوجدان اليهودي، حتى أنه حينما اعتلى
الحشمونيون )المكابيون( العرش، كان ذلك مشروطاً بتعهدهم بالتنازل عنه فور وصول
الماشيَّح) 2 . )
ما سبق هو مختصر عقيدة الماشيح أو المسيح المخلّص عند اليهود، ويتضح أنّ هذه العقيدة
تتناقض مع فكرة الصهيونية في فهم الباحث من حيث إنّ الصهيونية لم تنتظر هذا المسيح - –
المخلّص ليجمع شعبه المقدّس في أرضه المقدسة.
فالصهيونيون حوّلوا هذا المعتقد الديني إلى برنامج سياسي، كما حوّلوا الشعا ا رت والرموز
الدينية إلى شعا ا رت ورموز دنيوية سياسية، وهم يرون أنّ جذور حركتهم تعود إلى الدين اليهودي
ذاته، فهم شعب مختار منفي مرتبط بأرضه ينتظر الخلاص) 3 . )
لكن هذه الدعوى من الصهيونيين باتفاق حركتهم مع الدين اليهودي مردودة؛ إذ إن الدارسين
للدين اليهودي يعلمون أن ارتباط اليهود بالعودة إلى الأرض المقدسة هو ارتباط تو ا رتي مشهور،
والدين اليهودي يحرّم العودة إلى أرض الميعاد، ويعدّ أنّ مثل هذه المحاولة هي من قبيل التحريف
والهرطقة، لأنّ عودة اليهود حسب المعتقد الديني لا يمكن أن تتم إلا على يد مبعوث من لدن
1 . )216/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 . )215/ ( المصدر السابق، ) 5
3 - . )110 ( انظر: الفرق والمذاهب اليهودية منذ البدايات، عبد المجيد همو، )ص 112
110
الخالق هو المسيح المخ لّص، وليس على يد حركة سياسية مثل المنظمة الصهيونية العالمية، ولهذا
حين ظهرت الحركة الصهيونية عارضتها المنظمات اليهودية في العالم) 1 .)
وهذا تناقض معتبر حسب ما يتضح للباحث ويجب الوقوف عنده، إذ هو تناقض في - –
أصل كبير ومبدأ هام في عقيدة اليهود المتعلقة بالأرض المقدسة الموعودة المزعومة، فكيف يمكن
فهم دعوى اليهود بحقّهم في الأرض، في حين أنّ عودتهم إليها بالشكل الحاصل في هذا الزمن هي
عودة محرّمة محظورة حسب دينهم؟! .
رابع ا: التناقض بين اليهودية والصهيونية:
بالرغم من الإثبات لأساس العقيدة اليهودية في الأرض المقدّسة، فإنّ هذه العقيدة بقيت محلاً
للتناقضات حتى عندما تعلّق الأمر بتطبيق الوعد المزعوم عن طريق الصهيونية كما سيأتي.
فقد أ رى الكثير من اليهود أنّ مشروع هرتزل السياسي الذي أسس لما سمي بالصهيونية -
السياسية، وأدّ ى إلى قيام دول لليهود في فلسطين هو خيانة للإيمان النبوي اليهودي، فبالت ا زمن –
مع مؤتمر بال عام 1919 م الذي عُقد بدفع من هرتزل كان هناك مؤتمر في مونتريالل) - - 2 ( لأبرز
الشخصيات اليهودية في أمريكا جاء في بيانه: " إننا نستنكر كلّيةً أية محاولة تهدف إلى إنشاء
دولة يهودية، وان محاولت من هذا القبيل لتكشف عن مفهوم ضال لرسالة )إس ا رئيل( التي
امتدت من مجال سياسي وقومي ضيق إلى التوجه بالدين إلى الإنسانية بأكملها ... ونحن نؤكد أنّ
هدف اليهودية ليس سياسياً ول قومي اً، ولكنه هدف روحي...") 3 .)
1 . ) ( الفرق والمذاهب اليهودية منذ البدايات، عبد المجيد همو، )ص 110
2 ( مونتريالل: مدينة كندية، وهي أكبر مدن مقاطعة كيبك وأكبر مدينة كندية حتى سنوات 1193 م، وهي كبرى
مُدن العالم المتحدثة بالفرنسية بعد باريس، حوالي ثلثا السكان فيها من ذوي الأصول الفرنسية، تعتبر واحدة من أكبر
موانئ العالم البحرية الداخلية، والمركز الرئيسي للنقل في كندا، وهي مركز رئيس للأعمال الصناعية والثقافة والتعليم
الكندي ] انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: مونتريالل_ www.wikipedia.org/wiki ]2310/32/ ، بتاريخ 20
3 ، ( فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، ترجمة: عبد الصبور شاهين، دار نهضة مصر/القاهرة، ط 0
. ) 2313 م، )ص 200
111
وفي تصريحٍ واضح يبيّن هذا التناقض، قال أحد الربّانيين اليهود ويدعى "هرش" في حدة
وغضب لصحيفة "واشنطن بوست" في الثالث من أكتوبر عام 1199 م: " إنّ الصهيونية تتعارض
تعارضاً كاملاً مع اليهودية، فالصهيونية تريد أن تعرّف الشعب اليهودي على أنه وحدة قومية،
وتلك هرطقة، فقد تلقى اليهود الرسالة من الربّ لا لكي يفرضوا عودتهم إلى الأرض المقدّسة ضد
إ ا ردة من يسكنونها، فإن فعلوا ذلك فإنهم يتحملون نتائجه ... إنّ المذبحة الكبرى نتيجة من نتائج
الصهيونية") 1 . )
" ومن المعروف أنّ الحركة الصهيونية لاقت مقاومة شديدة عند ظهورها من أغلبية أعضاء
الجماعات اليهودية في العالم، ولجأت إلى أنواع من العنف لقهرها والسيطرة عليها" ) 2 . )
ومن الطوائف اليهودية التي تتناقض مع الصهيونية بوضوح هي اليهودية الأرثوذكسية) 3 ،)
" اولتي كان يرى زعيمها )سمسون هيرش() 4 ( بأنّ اليهود شعبٌ، لكن قوميته مختلفة عن القوميات
الأخرى، فقوميتهم دينية، وعليهم انتظار الماشيّح، وعليهم إقامة كل الشعائر الدينية المنصوص
عليها في التو ا رة وذلك حتى يعجلوا بخلاص أنفسهم وخلاص العالم وتَوحُّد الذات الإلهية، حسب ما
1 ( فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، )ص 206 ( بتصرف يسير . -
2 014 ( بتصرف يسير . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3( اليهودية الأرثوذكسية: فرقة دينية يهودية حديثة ظهرت في أوائل القرن التاسع عشر، وجاءت كرد فعل للتيا ا رت
التنويرية والإصلاحية بين اليهود، وتُعتبر الأرثوذكسية الامتداد الحديث لليهودية الحاخامية التلمودية، ومصطلح
وقد استُخدم لأول مرة في إحدى المجلات الألمانية عام ،» الاعتقاد الصحيح « مصطلح مسيحي يعني » أرثوذكس «
.] )096/ 1915 ، للإشارة إلى اليهود المتمسكين بالشريعة ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4 ( سمسون هيرش ) 2888 2838 م(: حاخام ألماني، وقائد الحركة اليهودية الأرثوذكسية، تَلقَّى تعليماً دينياً -
كاملاً ودرس التلمود مع والده، وكان من أوائل الثائرين ضد اليهودية الإصلاحية، أصبح عام 1951 م حاخام
الجماعة الأرثوذكسية في ف ا رنكفورت التي عزلت نفسها عن الجماعة الإصلاحية لأنه كان يرى أنها ستؤدي إلى
موسوعة [ » التو ا رة والمعرفة العلمانية « انحلال اليهودية، والى إف ا رغها من محتواها، وطرح بدلاً من ذلك شعار
.] )094/ اليهود، المسيري، ) 5
113
جاء في كتب القبَّالاه) 1 (، وقد طالب هيرش اليهود الأرثوذكس بأن ينظموا أنفسهم في جماعة مستقلة
ومنفصلة، وأن يرفضوا التحالف مع الجماعات اليهودية الأخرى، أو الاختلاط بها، إذا هي رفضت
مُثلهم وعقائدهم" ) 2 . )
وعلى النقيض من اليهودية الأرثوذكسية تقف اليهودية الإصلاحية) 3 (، ورغم ذلك فإنها أي –
الإصلاحية تقف ضد الصهيونية بش ا رسة، لأنّ الصهيونية تصرّ على أن القدسية حلّت على -
الشعب والأرض، أما الإصلاحيون فيرون أنّ الإله حلّ لا في الأمة اليهودية ولا في الأرض
اليهودية ولا حتى في التاريخ اليهودي؛ وا نما في روح التقدم والعصر، ولذا فإنهم يرون أنّ اليهود
ليسوا شعباً وانما أق لّيات دينية، وأنّ الماشيّح ليس شخصاً وا نما عصر مشيحاني تتحقق فيه كل قيم
التقدم والعدالة ) 4 . )
خامس ا: جماعة "ناطوري كارتا":
"ناطوري كارتا" هي عبارة آ ا رمية معناها: )نواطير المدينة( أو )حُ اَّ رس المدينة(، وهي جماعة
دينية يهودية أرثوذكسية من أكثر الجماعات عداءً للدولة الصهيونية، إذ يعتبرون أ نها لا تمثل
استم ا ر ا رً للت ا رث الديني اليهودي أو تنفيذاً للتعاليم اليهودية، وا نما رفضاً لها وانسلاخاً عن الت ا رث
1( القبّاله: هي مجموعة التفسي ا رت والتأويلات الباطنية والصوفية عند اليهود، والاسم مُشتَّق من كلمة عبرية تفيد
وكان ،» التقليد المتوارث « أو » التقاليد والت ا رث « معنى التواتر أو القبول أو التقبل أو ما تلقاه المرء عن السلف، أي
ثم أصبحت الكلمة تعني ،» الشريعة الشفوية « يُقصَد بالكلمة أصلاً ت ا رث اليهودية الشفوي المتناقل فيما يعرف باسم
.] )146/ موسوعة اليهود، المسيري، ) 5 [ » أشكال التصوف والعلم الحاخامي المتطورة «
2 094 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3( اليهودية الإصلاحية: فرقة دينية يهودية حديثة، ظهرت في منتصف القرن التاسع عشر في ألمانيا، وانتشرت
اليهودية « و » اليهودية الليب ا رلية « منها إلى بقية أنحاء العالم، وخصوصاً الولايات المتحدة، وهي تُسمَّى أيضاً
وظهور الحركات الإصلاحية في اليهودية يعود إلى أزمة اليهودية الحاخامية أو التلمودية التي ارتبطت ،» التقدمية
.] )093/ بوضع اليهود في أوربا قبل الثورة الصناعية ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
4 . )639/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
114
الديني، بل إنّ الصهيونية من منظور )ناطوري كارتا( هي أخطر المؤام ا رت الشيطانية الموجّهة
ضد اليهودية! ) 1 . )
فالشعب اليهودي بالنسبة لهذه الجماعة ليس شعباً بالمعنى المُتعارَف عليه، وا نما هو - -
أساساً جماعة دينية ظهرت إلى الوجود منذ 0333 عام، ويستمد هذا الشعب وجوده من ميثاقه مع
الخالق، وهو ميثاق دائم لا يمكن فهمه ) 2 .)
وفيما يخص علاقة اليهودي بأرض الميعاد، يؤكد نواطير المدينة أنّ " اليهودي المتدين يتجه
بعواطفه وقلبه لهذه الأرض وخصوصاً مدينة القدس، فهم يذكرونها في صلواتهم عدة م ا رت كل يوم،
ولكن هذه الصلوات لا علاقة لها بالصهيونية أو بفكرة العودة الصهيونية، فنفي اليهودي من أرض
الميعاد هو من الأوامر الربانية التي ل يمكن مخالفتها أو التمرد عليها، ولذا لا يملك اليهودي
المتدين إلا أن يستمر في صلواته إلى أن يستجيب الإله لدعائه ويأمر بعودة اليهود" ) 3 . )
" ويقولون بأنّ الماشيَّح المُنتظَر هو وحده القادر على إقامة الدولة، وحين يعود سيؤسس
مملكة الكهنة والقديسين، أما الصهاينة فهم يحاولون التعجيل بالنهاية، ويدعون إلى العودة بقوة
السلاح دون انتظار مشيئة الإله، ولذا، فدولة )إس ا رئيل( في نظر نواطير المدينة ثمرة الغطرسة
الآثمة؛ لأ نها قامت على يد نفر من الكافرين الذين تمردوا على مشيئة الإله، وهي خيانة للشعب
اليهودي الذي تأسَّس كجماعة دينية في سيناء لا في أرض الميعاد" ) 4 . )
وهذا اتّجاه فيما اتّضح للباحث ينسجم مع حركات الاندماج داخل اليهودية، وهو ينقض - –
الاعتقاد اليهودي في أرض فلسطين، فهو اعتقاد خاضع للاجتهاد بل التناحر والتكفير المتبادل - -
داخل البيت اليهودي.
1 . )615/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 . )615 / ( انظر: المصدر السابق، ) 4
3 614 ( بتصرف يسير . - / ( المصدر نفسه، ) 4
4 . )614 / ( المصدر ذاته، ) 4
115
سادس ا: التناقض بين الصهيونية والصهيونيين:
تحدث الباحث في السطور الفائتة عن تناقض الصهيونية مع أصل العقيدة اليهودية، لاو بد
أن يتطرق الباحث سريع اً إلى التناقض في بُنية الفكرة الصهيونية نفسها.
فالصهيونية تدّعي أ نها تطبيقٌ للعقيدة اليهودية، في حين أنك تجد إحصاءات الحكومة
الصهيونية تقول بأن 15 % فقط من الصهاينة المحتلين لفلسطين هم من المتدينين )أي المؤمنين
بالدين(، أونّ 13 % منهم يرون أنّ هذه الأرض قد أعطاهم إياها الربّ )الذي لا يؤمنون به(!، كما
أنّ غالبيتهم لا يشتركون في الشعائر ولا في الإيمان الديني، ناهيك عن أن ما يسمى بالأح ا زب
الدينية المختلفة التي تلعب دو ا رً حاسماً في دولتهم لا تضمّ سوى أقلّية ضئيلة من الجمهور
الصهيوني) 1 . )
وهذا التناقض جعل قادة الكيان الصهيوني يعملون على تقوية سلطة الكهنوت، ويلجئون إلى
جعل د ا رسة الدين إجبارية في مناهج المدارس منذ عهد ابن جوريون، وقوة هذا التناقض هي التي
تجعل الأح ا زب السياسية غير الدينية ترجع إلى الكتاب المقدّس، لتدعيم سياسة ترى أنّ فلسطين
تخصّ الصهيونيين بموجب منحة ممهورة بتوقيع الله ) 2 . )
يفهم الباحث من هذا التناقض سيطرة النخبة المتمثلة في كبار رجال السياسة والدين على
مفاتيح الدعوة إلى الصهيونية والعقيدة اليهودية العنصرية القائمة على الاستيلاء على الأرض وطرد
الإنسان، وهي في سبيل ذلك تمارس أكبر خداع تاريخي و تعمل على فرض الأساطير الدينية.
ومن مظاهر التناقض بين الصهيونية والصهيونيين كذلك ظاهرة )الهجرة المعاكسة(، حيث
إنّ كثي ا رً من الصهاينة يغادرون فلسطين إلى مواطنهم الأصلية في أمريكا وأوروبا وغيرها.
1 . ) ( انظر: فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، )ص 194
2 ( المصدر السابق، )ص 199 194 ( بتصرف . - -
116
فمثلاً، في يونيو عام 1119 م غادر الكيان الصهيوني 63 ألف مهاجر يهودي من أصل
روسي في إطار الهجرة المعاكسة ) 1 .)
وبشهادات م ا ركز الإحصاء الصهيونية نفسها فإنّ الهجرة العكسية من )الكيان الصهيوني(
إلى الخارج قد ارتفعت بنسبة خمسة أضعاف في العام 2334 م، وارتفعت هذه النسبة لتصير
9933 فرد هاجروا في العام 2331 م، ما يعني أنّ عدد السكان اليهود في )الكيان الصهيوني( في
تناقص ملحوظ .. من 4.9 ملايين إلى 5.9 ملايين، ما بات يثير قلق الصهاينة، كياناً وشعباً
ومشروعاً، والى درجة بات يتوقّع فيها بعض صهاينة الخارج والداخل بأنّ ما يسمى ب )إس ا رئيل( مع
حلول العام 2369 م )وهو العام الافت ا رضي لاحتفالها بالذكرى المئوية لتأسيسها( س وف تكون دولة
بغلبة غير يهودية، هذا إذا لم تترجم نب وءة الباحث والإعلامي اليهودي الأميركي "بنجامين
شينارتس") 2 ( القائلة بأن )إس ا رئيل( إلى تفكك وتحلّل مؤكّ دَ ين في غضون عقود قريبة، وبنجامين هذا
كان قد كتب مقالة مطوّلة في هذا الخصوص، في مجلةٍ أميركية، حملت عنواناً شديد الدلالة
والإثارة وهو: "هل ستبقى )إس ا رئيل( قائمة في الذكرى المئوية لتأسيسها؟ " ) 3 . )
وتفيد معلومات م ا ركز الإحصاء ذاتها بأنّ العام 2336 م كان عام بداية قويّة للهجرة
المعاكسة فلقد غادر فلسطين المحتلة في العام المذكور ما يزيد على 14.533 صهيوني، أغلبهم
من العلماء والأطباء والمهندسين وذوي الاختصاصات العالية على اختلافها، إلى أوروبا وأمريكا) 4 .)
ومما يزيد هذا الأمر وضوحاً هو نشر صحيفة "هآرتس" الصهيونية استطلاعاً لل أ ري في
2312 م، تحت عنوان "لا يوجد وطن بديل"، تبين من نتائجه أنّ 63 في /12/ ملحقها يوم 16
المائة من الصهاينة على استعداد للهجرة من فلسطين إلى الخارج) 5 . )
1 . ) 132/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
2 ( لم يعثر الباحث على ترجمة له .
3 ( انظر: أفق، نشرة إلكترونية تصدر عن مؤسسة الفكر العربي للبحوث والد ا رسات، العدد 53 ، صدر بتاريخ
2311/4/10 م، تحت ا ربط: www.arabthought.org 2310 م. /32/ ، بتاريخ: 12
4 ( انظر: المصدر السابق.
5 ( أمجاد العرب، صحيفة إلكترونية يومية، عن مقال ل د. فوزي الأسمر، ا ربط: www.amgadalarab.com
2310 م . /31/ بتاريخ 14
117
خلاصة المطلب:
أولً: اختلف اليهود قديماً وحديثاً حول عقيدة الأرض الموعودة، إمّ ا من حيث أصلها الديني،
أو من حيث تفسير الوعد الإلهي بالأرض المقدّسة، وهذا الاختلاف في الأصل العقدي هو فرع عن
الاختلاف في أصل المصادر الدينية اليهودية كما بين الباحث في المبحث الأول.
ثانياً: هذا الخلاف اليهودي يقتضي هدم عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين، فإذا كانت
الطوائف الدينية مختلفة، والمذاهب السياسية مفترقة في أصل امتلاك الأرض المقدسة، أصبح
الادّعاء بالحق الديني والتاريخي جزءاً من التزوير والادّعاء الذي لا سند له في الواقع، ناهيك عن
بطلانه دينياً وتاريخياً، كما بات واضح اً.
ثالثاً: ظهرت في اليهودية أصوات تعترف بأنّ قصة الوعد هي خ ا رفة وأسطورة، بل كفر
وهرطقة، وهذه الأصوات غالباً ذات صبغة دينية، مما يضيف عاملاً كبي ا رً من عوامل التناقض في
اليهودية حول فكرة الأرض الموعودة.
ا ربعاً: جوهر الخلاف اليهودي اليهودي حول عقيدة الأرض الموعودة نابع من الاختلاف -
في كون اليهودية دينٌ أم قومية، وكذا الاختلاف في عقيدة الماشيّح؛ هل سيدخل هذا المنتظر
باليهود إلى الأرض المقدسة، أم أن اليهود سينتظرونه فيها.
118
المبحث الثالث:
الصهيونية وعلاقتها بعقيدة اليهود في الأرض المقدسة
ويتضمن مطلبين:
المطلب الأول: تعريف عام بالصهيونية وأساسها الديني
والفكري
المطلب الثاني: علاقة الفكر الصهيوني بعقيدة اليهود في
الأرض المقدسة
119
المطلب الأول
تعريف عام بالصهيونية وأساسها الديني والفكري
أشار الدكتور عبد الوهاب المسيري في موسوعته إلى خمسة أسباب مباشرة تجعل من
الصعب والمشكل تعريف كلمة )الصهيونية( ) 1 (، وأهم هذه الأسباب:
اختلاط التعريفات الشائعة في المعاجم الغربية بين تعريف الصهيونية كأمل أو كظاهرة. -
اختلاف تعريفاتها باختلاف المنظور الذي تعرّف على أساسه الصهيونية. -
إشارة المصطلح إلى نزعات وحركات ومنظمات غير متجانسة بل متناقضة أحياناً. -
اتّساع الحقل الدلالي للمصطلح، فالصهيونية أنواع وأقسام واختصاصات متنوعة ومتناقضة. -
هذه الإشكاليات كما يلاحظ الباحث لا تكاد تفارق أي مجال تدرس فيه اليهودية واليهود،
فقضيتهم مشكلة، كما مرّ سابقاً من خلال مناقشة مصادرهم الدينية والفكرية وعقيدتهم في الأرض
المقدسة وغيرها.
إلا في القرن التاسع عشر، ولكنه مع هذا يُستخدَم » الصهيونية « " ولم يظهر مصطلح
للإشارة إلى بعض النزعات في التاريخ الغربي، بل داخل النسق الديني اليهودي قبل هذا التاريخ") 2 .)
أساس فكرة الصهيونية:
إنّ الصفة الغالبة التي حاولت الصهيونية أن تضفيها على نفسها هي تعريف نفسها بأنها
قومية مستقلة، وأ ا ردت أن تضفي على نفسها صفة القداسة من خلال ربط هذه القومية بالدين
اليهودي، فالصهيونية ترفض من الناحية المنهجية فكرة أنّ اليهودية دين فقط، بل ترى أنّ اليهودية
هي أمّة قومية، وقد أشار إلى ذلك زعيم الصهيونية تيودور هرتزل عندما قال في كتابه )الدولة
1 10 ( بتصرف يسير . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 . )10/ ( المصدر السابق، ) 4
101
اليهودية( بص ا رحة: " ليست المسألة اليهودية في أ ريي مسألة اجتماعية، ول مسألة دينية، على
الرغم من أنها تأخذ أحياناً هذه الأشكال وغيرها، إنها مسألة قومية " ) 1 . )
ويقول أول رئيس للاتحاد الصهيوني الأمريكي ج.ه. جوتهل) 2 (: " إننا نؤمن بأن اليهود
أكبر من أن يكونوا مجرد مجتمع ديني محض، وهم ليسوا جنساً فحسب، ولكنهم قومية " ) 3 . )
" إذ اً فالم ا ردف لكلمة الصهيونية من الناحية الاصطلاحية هي "القومية اليهودية"، وهي
تفترض أنّ اليهود يشكّلون جماعة قومية أو شعباً يهودياً، فالنسق الديني اليهودي يحوي داخله تيا ا رً
قومياً قوياً جداً، إذ يرى اليهود أنفسهم كياناً دينياً متماسكاً يسمى )بنو إس ا رئيل( ") 4 . )
ظلت فكرة الوطن القومي أو الدولة اليهودية كالسحاب الذي يتشكّل حسب أوهام الناظرين
إليه، حتى أوشك القرن التاسع عشر أن ينتهي دون أن تستقر على وضع محدود، ثم تبلورت على
شكل ثابت في مؤتمر بال بسويس ا ر عام 1919 م، وتم تشكيلها على الوضع الأخير بوعد بلفور بعد
عشرين سنة) 5 . )
هذا هو الأساس الفكري للصهيونية، فاليهودية من هذا المنظور )أي القومي( هي دين قومي
عرقي أو قومية دينية مقدّسة تمزج الوجود التاريخي والتصور الديني، وبناءً عليه فقد عرّفت الشريعة
اليهودية اليهودي بأ نّه من ولد لأم يهودية أو من تهوّد، وقد اعتمدت بذلك تعريفاً قومياً دينياً
للهوية) 6 . )
ولكن هل تصمد هذه الفكرة )أي فكرة القومية اليهودية المزعومة( أمام الحقيقة التاريخية وأمام
الواقع؟ يستطيع الباحث أن يجيب على ذلك من خلال نقاط هامة:
1 ( فلسطين أرض الرسالات السماوية، رجاء جارودي، )ص 201 ( بتصرف. -
2 ( لم يعثر الباحث على ترجمة له .
3 . ) ( فلسطين أرض الرسالات السما وية، رجاء جارودي، )ص 202
4 21 ( بتصرف . / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
5 - .) ( الصهيونية العالمية، عباس العقاد، )ص 26 20
6 .)22 / ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
100
- " إذا كان يهود اليوم يدّعون لأنفسهم اليهودية من جهة والقومية من جهة وينتسبون إلى
التو ا رة، فهذا أعجب العجب؛ إذ أثبت علم الأجناس أنه ل توجد اختلافات بين السلالت البشرية
أكثر مما نجده بين الجماعات اليهودية في مختلف القا ا رت، وأن اليهود ينتمون إلى عدد كبير من
السلالات وهم يشبهون الجماعات التي يعيشون في وسطها" ) 1 . )
- " إنّ الجماعات اليهودية لم تكن قط تشكل كتلة بشرية متماسكة تتبع مرك ا زً ثقافي اً أو ديني اً
واحد اً يحدد معايير مثالية أو واقعية يصوغ أعضاء هذه الجماعات رؤيتهم لأنفسهم وأسلوب حياتهم
تبع اً لها، بل لم يكن لديهم مي ا رث ثقافي أو ديني واحد؛ فالجماعات اليهودية كانت منتشرة في
كثير من بقاع الأرض داخل معظم التشكيلات الحضارية المعروفة وداخل البنَى التاريخية
والقومية المختلفة، تتفاعل معها وتساهم فيها وترقى برقيها وتتخلف بتخلفها. فاليهودي في الأندلس
كان عربياً، واليهودي في روسيا كان روسياً، وفي اليمن كان يمنياً، وهو أمريكي في الولايات
المتحدة") 2 .)
- " كان معظم الجماعات اليهودية يشكل جماعات وظيفية، وهي جماعات تحافظ على
عزلتها وانفصالها، ويساعدها المجتمع على ذلك حتى يتيسر لها أن تلعب دورها الوظيفي، فهي،
إذ اً، ذات سمات إثنية خاصة تميِّز كل واحدة منها عن أعضاء الأغلبية في المجتمعات التي يعيش
اليهود بين ظه ا رنيها، ولكن هذه السمات الإثنية لم تكن قط سمات قومية عامة تسم كل اليهود أينما
كانوا، فرغم أن كل جماعة يهودية كانت منفصلة عن محيطها، فإنها كانت تحدِّد هويتها من
خلاله، كما أن انفصالها عن محيطها لا يعني بالضرورة اتصالها بأعضاء الجماعات اليهودية
الأخرى") 3 .)
- " لو درسنا القومية اليهودية أو الصهيونية، وحاولنا تطبيق المقاييس القومية الحديثة
على تاريخ اليهود قديمه وحديثه لما وجدنا فعلاً نظرية قومية واحدة يصلح أن تنطبق - -
1 ، ( الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني المعاصر، د. محمود دياب، مطبوعات الشعب/ مصر، ط 1
1194 م، )ص 10 ( بتصرف. -
2 . )22 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 . )22 / ( المصدر السابق، ) 4
101
الصهيونية عليها، إذ تبدو شاذة عن كافة النماذج المتعارف عليها للهوية القومية، فبين جميع
الحركات القومية في القرنين التاسع عشر والعشرين بقيت الصهيونية الأكثر إثارة للجدل" ) 1 . )
ما سبق يعتبر في فهم الباحث رداً كافياً ومعتب ا رً على أساس فكرة الصهيونية القائمة - -
على القومية الموحّدة ليهود العالم، إذ كيف يمكن أن تُقبل هذه الفكرة نظرياً في حين أنها ليس لها
رصيد عملي أو واقعي تاريخياً في أية حقبة من حقب التاريخ؟! .
الجذر التاريخي لفكرة الصهيونية:
" يروج الصهاينة أنّ الحركة الصهيونية بدأت مع التاريخ اليهودي نفسه، وأنها لازمت اليهود
عَبْر تاريخهم بعد تحطيم الهيكل، وذلك لسببين: واحد سلبي والآخر إيجابي؛ أما السلبي، فهو
ظاهرة العداء لليهود والمذابح والاضطهاد اللذين تعرَّض لهما اليهود في كل مكان وكل زمان، وهي
ظاهرة حتمية أزلية من المنظور الصهيوني، أما السبب الإيجابي، فهو الرغبة العارمة لدى اليهودي
في العودة إلى فلسطين )أرض الوطن، أرض الأجداد والأسلاف، الوطن القومي، أرض الميعاد(
حيث إنه يشعر بالاغت ا رب العميق في أرض المنفى )الأمر الذي أدَّ ى إلى إفساد الشخصية
اليهودية( " ) 2 . )
ويضيف الصهاينة إلى ترويجهم أيضاً أنّ " المسألة اليهودية بدأت يوم أن ترك اليهود وطنهم
قس ا رً، والصهيونية هي التي ستضع نهاية لهذا الوضع، وهي ستفعل ذلك عن طريقة آلية جديدة،
فهي ترفض سلبية اليهودية الحاخامية وخنوع الشخصية اليهودية، وبالتالي سوف تحرِّض اليهود
على العودة بأنفسهم إلى فلسطين ليحققوا تطلُّعهم القومي وستقوم بتنظيمهم لتحقيق هذا الهدف،
ولكل هذا، تنظر الصهيونية إلى نفسها باعتبارها التعبير الحقيقي والوحيد عن مسار التاريخ
اليهودي") 3 . )
1 1111 م، ، ( فلسطين .. القضية الشعب الحضارة، بيان نويهض الحوت، دار الاستقلال/ بيروت، ط 1
)ص 224 ( بتصرف. -
2 . )91/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 . )91 / ( المصدر السابق، ) 4
103
" لكن؛ هذه الرؤية الصهيونية لتاريخ الصهيونية ليست ذات مقدرة تفسيرية عالية، إذ أنها
تفشل في أن تفسر سبب ظهور الصهيونية بين اليهود في أوربا في أواخر القرن التاسع عشر
ولم تظهر قبل ذلك التاريخ في مكان آخر، ولو كان سبب ظهور الصهيونية هو عداء الأغيار
لليهود ورغبتهم العارمة في العودة، لكان الأولى أن تظهر الصهيونية إبان حروب الفرنجة على
سبيل المثال، وكيف نفسر ظهور الفكر الصهيوني في الأوساط الاستعمارية الغربية وهم لا يدينون
باليهودية ولا يوجد عندهم أي تطلُّع للعودة ولم يتعرضوا لاضطهاد الأغيار؟" ) 1 . )
وفي فهم الباحث، فإنّ هذا الادّعاء الصهيوني بالانتماء إلى التاريخ اليهودي هو نتاج طبيعي
لحدث تاريخي مفصلي وهو تحريف التو ا رة والتلاعب بها وبالتالي إيجاد صيغة دينية قادرة على
الانسجام مع الفكرة المستقبلية التي بلورتها الصهيونية، كما أنها استم ا رر لمحاولات الخلط بين الدين
والتاريخ والقومية اليهودية.
"وبغض النظر عن هذه الدعاوى الصهيونية في نسبة جذور الصهيونية إلى التاريخ اليهودي،
فإن المؤرخين للصهيونية التي انطلقت أواخر القرن التاسع عشر يعيدون جذورها إلى - -
نداءات صدرت قبل ذلك في منتصف القرن نفسه على ألسنة بعض من رجال الدين اليهود
ومفكريهم، وكان هدفها الرئيس اللحاق بركب عصر الاستعمار والقوميات، فقد أعيد تقسيم خريطة
أوروبا استناداً إلى المبدأ القومي، وهي الخريطة التي لم تعرف سابقاً سوى المبدأ الديني أساساً
للحكم") 2 . )
" والحقيقة التاريخية التي لا جدال فيها تقول بأنّ الصهيونية نشأت في أوروبا وليس في
فلسطين، فتسعون في المائة ) 13 %( من اليهود في مطلع القرن التاسع عشر كانوا يسكنون
أوروبا") 3 . )
1 . )91 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 225 ( بتصرف يسير. -
3 .) ( المصدر السابق، )ص 229
104
لكن مقدمات الصهيونية ربما تكون أقدم من هذا التاريخ، إذ إن اليهود في القرون الوسطى قد
عانوا اضطهاداً دينياً متواصلاً بسبب اتّهام المسيحيين لهم بصلب السيد المسيح ، وكانت
محاكم التفتيش) 1 ( في إسبانيا الحدث الأبرز في تاريخ الضطهاد الديني وطرد اليهود، ومن هنا
عدّها بعض المؤرخين للصهيونية بداية المرحلة الأولى من المسألة اليهودية، التي تعتبر مقدمة
للصهيونية السياسية فيما بعد) 2 .)
"وبعد مرحلة الاضطهاد جاءت مرحلة الانفتاح اليهودي على أ وروبا، وخاصة في القرن
الثامن عشر، ففي أعقاب الثورة الفرنسية مُنح اليهود حقوقاً متساوية كمواطنين، وبدأت تتحطم
جد ا رن الغيتو) 3 ( وبدأ كثير من اليهود يندمجون في المجتمعات الغربية، لكن هذا الاندماج تمت
مواجهته من قبل فريق من الأوروبيين وانتشرت موجات مما يسمى )معاداة السامية( الأمر الذي
أسهم بمرور الزمن في إيجاد الصهيونية السياسية، بينما اعتقد فريق آخر من المسيحيين الأوروبيين
أن من واجبه مساعدة اليهود في العودة إلى أرض الميعاد انتظا ا رً لقدوم المسيح" ) 4 . )
ثم توالت الظروف السياسية والدعايات الدينية المسيحية واليهودية، بعد منتصف القرن التاسع
عشر، وبلغت أوجها بعد المذابح القيصرية في روسيا ضد اليهود، الأمر الذي أدى إلى أول هجرة
جماعية يهودية إلى فلسطين، وهي الهجرة التي كانت الشعا ا رت الدينية عنواناً لها، والفقر
1 ( محاكم التفتيش: )في إسبانيا( أسسها البابا في أواخر القرن الخامس عشر الميلادي )عام 1691 م( بناء على
طلب الملك فرديناند والملكة إي ا زبيلا، وللتأكد من إيمان م واطني إسبانيا من المسلمين واليهود الذين اعتنقوا عقيدة
الدولة، أي المسيحية الكاثوليكية، ولتَعقُّب السحرة، وقد ارتكبت محاكم التفتيش كثي ا رً من الفظائع، وقد أُلغيت هذه
المحاكم في القرن الثامن عشر الميلادي في البرتغال وفي التاسع عشر الميلادي في إسبانيا ] موسوعة اليهود،
034 ( بتصرف [. - / المسي ري، ) 6
2 - . )221 ( انظر: فلسطين، بيان الحوت، )ص 229
3 هو الحي المقصور على إحدى الأقليات الدينية أو القومية، ولكن التسمية أصبحت » الجيتو « : ( الغيتو = الجيتو
مرتبطة أساس اً بأحياء اليهود في أوربا، وللكلمة معنيان: عام وخاص، أما العامّ : أي مكان يعيش فيه فق ا رء اليهود
دون قسر من جانب الدولة، أو حي اليهود بشكل عام، ويعود تاريخ هذه الجيتوات إلى الإمب ا رطورية اليونانية
والرومانية، أما الجيتو بالمعنى الخاص الذي أصبح شائعاً، فيعني المكان الذي يُفرَض على اليهود أن يعيشوا فيه،
.] )299/ وأصل الكلمة غير معر وف على وجه الدقة ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
4 ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 221 ( بتصرف . -
105
والاضطهاد من مبر ا رتها، أما الصهيونية السياسية فهي التي جاءت بعد هذا كلّه تقدّم مشروعها
على أكتاف البسطاء والفق ا رء والمتدينين من اليهود) 1 . )
الصهيونية والاستعمار:
لا شك أن الأساس الديني لفكرة الصهيونية والذي سيتعرض الباحث له أكثر في المطلب –
الثاني من هذا المبحث لا يمكن أن يُغفلَ عن الهدف الاستعماري لهذا المشروع، الأمر الذي يعدّ -
مسلّماً به لدى كثير ممن نظ ر في أمر الصهيونية وتاريخها وأهدافها.
" فالستيطان جوهر الصهيونية، والستعمار الصهيوني هو استعمار استيطاني إحلالي لا
يأخذ شكل جيش يقهر أمة ويحتل أرضها ليستغل إمكاناتها الاقتصادية والبشرية لصالح البلد الغازي
وحسب؛ وانما يأخذ شكل انتقال الفائض البشري اليهودي من أوطان مختلفة إلى فلسطين للاستيلاء
عليها وطرد سكانها الأصليين والحلول محلهم" ) 2 .)
" في عهد ضعف الدولة العثمانية جذبت فلسطين أنظار الدول الكبرى، إذ هي أرض الديانة
المسيحية، وقد سارعت كل الدول الأوروبية والولايات المتحدة إلى إنشاء قنصليات لها في القدس ما
بين عامي 1901 و 1956 م، وكان الموضوع الرئيسي المتداول في هذه القنصليات، مصير الإرث
العثماني، وبرز في هذه المرحلة موضوع دولة يهودية في فلسطين على شكل مقترحات أو مشاريع
من قبل جماعات أو مفكرين مسيحيين ويهود، ومما لا شك فيه أن ضعف الدولة العثمانية قد فتح
الباب واسعاً أمام العنصريين من المستشرقين والرحلات والبعثات الاستكشافية، كي يساهموا في
ترسيخ ادّعاءاتهم بشأن فلسطين، فصوروها بلداً مهملاً تسكنه أقلّيات متأخرة، وقد لحق
الصهاينة بهؤلء العنصريين من الباب نفسه") 3 . )
1 ( انظر: فلسطين، بيان الحوت، )ص 203 (، أيضاً: د ا رسات في الصهيونية وجذورها، سيد فرج ا رشد، دار المريخ/
. ) 1612 ه/ 1112 م، )ص 49 ، الرياض، ط 1
2 .)239/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 . ) ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 291
106
"وعلى هذا الأساس، لم يكن صعباً على الصهيونية في أجواء دولية تحكمها شريعة
الاستعمار، وأجواء عثمانية تسيطر عوامل الضعف والتفكك عليها أن تخطط كقوة استعمارية
جديدة، وأن تحلم بوضع يدها على فلسطين") 1 .)
فمنذ عهد دعاة الصهيونية القدماء، كان يتم طرح الصهيونية كمشروع استعماري، فمثلاً
تجد في أواخر القرن التاسع عشر الكاتب والداعية الصهيوني "بيرتس سمولنسكين") 2 ( يصيغ م ا زيا
للأرض الموعودة مثل أن الأرض ليست بعيدة عن مساكن اليهود، وأنّ رمالها ذات نوعية عالية
الأمر الذي يساعد على ازدهار الاستيطان اليهودي، أون التجارة والز ا رعة والصناعة ستزدهر فيها،
كما أن موقع الأرض سيجعلها تتحول إلى مركز تجاري يربط أوربا بآسيا وأفريقيا كما كانت منذ
زمن بعيد، وهذه تعدّ من بدايات عرض الدولة اليهودية كدولة وظيفية تقام للدفاع عن مصالح
الاستعمار الغربي) 3 . )
كما أنّ المؤسس الأول للصهيونية هرتزل كانت تسيطر عليه فكرة "شركات الامتياز") 4 ( وكان
يذكّر في كتابه "الدولة اليهودية" بهدفه المتمثل في إنشاء شركة يهودية ممتازة على غ ا رر شركات
الأ ا رضي الكبرى، أي أن يحوّل الأسطورة العظيمة إلى واقع من خلال شركة امتياز، وكان مثله
1 . ) ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 291
2 ( بيرتس سمولنسكين ) 2885 2842 م(: كاتب روسي وداعية صهيوني، وُلد في روسيا وتعلَّم في المدرسة -
التلمودية، أصدر مجلة هاشاحار )الفجر( عام 1949 م، وهي أهم مجلة تصدُر باللغة العبرية عبَّرت عن أفكار
حركة التنوير التي كان سمولنسكين من دعاتها في مستهل حياته الفكرية، وقد انتقد في مقالاته الشخصية اليهودية
المتخلفة الخاضعة للتقاليد، وقد طرح في مقالاته تصوُّره للقومية اليهودية الروحية التي لا ترتبط بالأرض وانما ترتبط
.] )220/ بالتو ا رة ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 . )226/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
4 ( شركة المتياز = شركة ذات ب ا رءة: خطاب أو ترخيص ينص على حقوق معينة تمنحها حكومة أو حكام
لشخص أو شركة، وهي إحدى الوسائل التي ابتدعها الاستعمار الغربي، فقد كانت هذه الشركات تقوم بتجنيد
الفائض البشري في أوربا وتؤمِّن لهم سفرهم أو تمنحهم بعض الم ا زيا في البلدان المُكتشَفة حديث اً مقابل أن يخدموا
الشركة وينفذوا سياستها ويوسعوا نفوذها، وكانت الدول مانحة الب ا رءة، تقوم بحماية الشركة من المنافسات الدولية
وهي إحدى أدوات ،» شبه دولة « وتنظم العلاقة بين المستوطنين والسكان المحليين، و تُمنح الشركة حق تكوين
- .] )96 90/ الاستعمار في م ا رحله التمهيدية ] انظر: موسوعة المسيري، ) 4
107
الأعلى في ذلك )الشركة البريطانية الممتازة لجنوب أفريقيا( التي كان يت أ رسها سيسل روديس) 1 ( الذي
طلب هرتزل مشورته ودعمه، وكان مشروع روديس يقوم على توظيف ثروته الهائلة لإنشاء شركة
تمد نفوذ الإمب ا رطورية البريطانية إلى العالم كله) 2 . )
" لذا كان لهرتزل دور مهم في تطوير الخطاب الصهيوني الم ا روغ الذي جعل بالإمكان
صياغة العقد الصامت بين الحضارة الغربية والحركة الصهيونية بشأن يهود العالم، وأصبحت كل
الأط ا رف جاهزة للتوقيع، ولكن الاستعمار الغربي لا يتعامل مع أف ا رد، وانما مع مؤسسات تمثل
المادة البشرية المُستهدَفة، أي يجب أن يكون هناك هيكل تنظيمي يمكن توقيع العقد معه، وقد اقترح
هرتزل في دولة اليهود إنشاء مؤسستين: الأولى )جمعية اليهود( وهي القوة الخالقة للدولة في نَظَر
القانون الدولي، اولثانية )الشركة اليهودية(، وتقوم بتصفية الأعمال التجارية لليهود المغادرين والعمل
على تنظيم التجارة والأعمال المتعلقة بها في البلد الجديد" ) 3 .)
" إن استق ا رء الواقع يستبعد فكرة القومية كأساس وحيد تنطلق منه الصهيونية نحو فلسطين،
ويؤيد ذلك ارتباط الصهيونية أكثر ما يكون بظاهرة الستعمار التي كانت سائدة في النصف
الثاني من القرن التاسع عشر في عالم الغرب ال أ رسمالي، وكان يهود الغرب في هذه الفترة قد
استطاعوا أن يسطوا على عالم المال، فارتبطت مصالحهم الاقتصادية بحركة الاستعمار الغربي
الناشئة حينذاك؛ ومن ثم كان التحالف بين الحركة الصهيونية وبين قادة الدول الغربية منذ ظهور
تلك الحركة، بل إن هذا التحالف هو الذي هيأ ثم عمل على تنفيذ هدف الصهيونية في فلسطين) 4 .)
1 ( سيسل روديس، جون ) 2432 2850 م(: رئيس وز ا رء مستعمرة الكاب عام 1913 م، شهد عصره توسع اً -
ضخم اً في الإمب ا رطورية البريطانية، عُرف باسم ملك الألماس، حيث أنشأ شركة دي بيرز، أضخم شركة ألماس في
العالم، أ رى رودس أنه يمكن توسيع مناطق نفوذ الإنجليز في جنوب إفريقيا على حساب الهولنديين الذين حكموا
المنطقة منذ مئات السنين ]انظر: موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: سيسل_رودس/ ar.wikipedia.org/wiki ، بتاريخ
2310/30/11 م [ .
2 . ) ( انظر: فلسطين أرض الرسالات، رجاء جارودي، )ص 261
3 263 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
4 . ) ( د ا رسات في الصهيونية وجذورها، سيد فرج ا رشد، )ص 11
108
إذ اً، "فالستعمار والستيطان هما أحد ركائز جذور الفكرة الصهيونية، والنزعة الاستعمارية
مرتكزة إلى الاستعمار الأوروبي، فك ا رً ومنهجاً وممارسة، فلا صهيونية من دون استعمار أوروبي،
ولا نجاح للاستعمار الصهيوني إن لم يكن استعما ا رً استيطانياً، ومن هنا لم يكن التوجه الاستعماري
في انطلاقة الصهيونية مجرد حلف مرحلي، وانما كان حلفاً است ا رتيجياً من ثوابت الصهيونية") 1 .)
ومن مشاهد الصلة الوثيقة بين الصهيونية والاستعمار قيام هرتزل زعيم الصهيونية بالتقرب
من الإمب ا رطور الألماني زمن السلطان عبد الحميد الثاني، ومطالبته إياه بالتدخل لدى السلطان
ليمنحه جزءاً من أرض فلسطين، وكذا اتجاه زعماء الصهيونية نحو بريطانيا العظمى أثناء الحرب
العالمية الأولى، وتمكّنها من استصدار وعد بلفور، وحين غربت شمس بريطانيا توجهت الصهيونية
إلى أمريكا، في مشهد يوضح احتضان قوى الاستعمار للصهيونية) 2 .)
لذا أقامت الصهيونية ما يسمى بدولة )إس ا رئيل( على يد الاستعمار، وتحولت من ملجأ لليهود
المضطهدين إلى وطن قومي لليهود الآمنين، ثم باتت تعلن عن نواياها كإمب ا رطورية تسعى للتوسع
وضم مناطق كبيرة) 3 . )
إنّ الصبغة الاستعمارية للصهيونية في فهم الباحث تنسجم إلى حد كبير مع الأساس - -
الفكري الديني الذي تنطلق منه الفكرة الصهيونية، وانّ الحديث عن علمنة اليهودية من خلال
الصهيونية لا يعدو كونه جزءاً من الخطاب الم ا روغ الذي يمارسه الصهاينة قديماً وحديثاً من أجل
تقاسم وتكامل الأدوار وصولاً إلى الأهداف الموضوعة.
الصهيونية واللاسامية:
يعدّ الكثير من الباحثين ما يسمى بمعاداة الساميّة عاملاً من عوامل نشوء الصهيونية
وتشكّلها، وربما ذريعة استغلّها زعماء اليهود والصهيونية لتنفيذ مخططاتهم في إطلاق فكرتهم، إذ
تشير كتابات هرتزل إلى أ نه استخدم قوتين محركتين لتحقيق مشروعه، أولهما: الأطماع المتنافسة
1 - . ) ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 292 291
2 .) ( انظر: الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني المعاصر، د. محمود دياب، )ص 11
3 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 21
109
للقوى الاستعمارية المشحوذة بتوقع انهيار الإمب ا رطورية العثمانية، وثانيهما: نزعة معاداة السامية
الموجهة لليهود المضطهدين) 1 .)
" وفي تاريخ الحركة الصهيونية نالت معاداة السامية الجانب الأوفر من هذا التاريخ؛ فهي
أولاً سبب رئيسي لولادة هذه الحركة، وهي ثانياً سبب رئيسي لاستم ا ررها") 2 . )
واللاسامية هي مفهوم متعدد الجوانب أهمها) 3 :)
أ( اللاسامية الدينية: وهي تعود إلى معاداة المسيحين لليهود باعتبارهم قتلة المسيح
بزعم النصارى ويقع استغلال هذه الظاهرة الدينية من قبل الطبقات الحاكمة في أوروبا وقتما - –
اقتضت الحاجة.
ب( اللاسامية القتصادية: تعود أصلها لسيطرة اليهود على القطاع التجاري في أوروبا لنحو
عشرة قرون، واشتهارهم بالربا والسيطرة على المال وسحق الطبقات الفقيرة، مما أدى لنزعة عداء
ضدهم، ثم ظهرت طبقة مسيحية من التجار في أوروبا في القرن الثاني عشر أخذت ت ا زحم اليهود
ووصلت إلى حد معاداتهم والدعوة إلى طردهم الأمر الذي تحقق في عدد من بلاد أوروبا.
ت( اللاسامية السياسية: وهي تعود إلى بروز شخصيات يهودية في الحركات الاشت ا ركية
والشيوعية الأوروبية الثورية، ونضالهم ضمن تيا ا رت سياسية رغم كونهم أقليات، ولضرب هذه
الحركات الثورية عمدت جلّ الحكومات الأوربية إلى تأليب ال أ ري العام ضدها واب ا رز دور اليهود
فيها، مما خلق شعو ا رً سياسياً معادياً لليهود.
ولأجل استغلال هذه الظاهرة في أوروبا عمد هرتزل إلى التأكيد على منطق اللاساميين القائل
بأن يهود أوروبا هم عنصر أجنبي غير قابل للاندماج، فهم يكونون إذن شعباً وأمّة، والحل الوحيد
1 . ) ( انظر: فلسطين أرض الرسالات، رجاء جارودي، )ص 265
2 . ) ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 251
3 1113 م، ، ( انظر: جذور الاستعمار الصهيوني بفلسطين، علي المحجوبي، دار س ا رس للنشر/تونس، ط 1
.) )ص 20
111
للاسامية يتمثل في مغادرتهم أوروبا وبالتالي تأسيس دولة يهودية لهم) 1 . )
ومما يدلل على أن ما يعرف بمعاداة السامية ليست إلاّ حجّة اتّخذتها الصهيونية لتحقيق
أهدافها وتركيز جهودها هو " أنّ هذه الظاهرة ت ا رجعت وخصوصاً في أوروبا الغربية في مطلع - –
القرن العشرين، وان ظهرت نزعات معاداة الغير فقد كانت موجّهة ضد اليهود وغيرهم، وبالتالي فإن
معاداة السامية لم يكن كما تصوره الدعايات الصهيونية داءً عضالاً لا يمكن الشفاء منه بغير - -
اقتلاع اليهود من البلاد الأوروبية وبغير تعويضهم بإعطائهم فلسطين، بل على العكس من ذلك
فإن معاداة السامية منذ 1919 م حتى 1119 م كانت في أضعف حلقاتها") 2 . )
خلاصة المطلب:
أولً: اختلفت تعريفات الصهيونية كثي ا رً، نظ ا رً لاتساع دلالات المصطلح، والمنظور الذي
تعّرف على أساسه، واختلاف وجهات نظر الدارسين للصهيونية، واختلاف بل وتناقض اتجاهات
وأقسام الصهيونية ذاتها.
ثانياً: أساس فكرة الصهيونية هو اعتبار اليهودية ليست ديناً فحسب، بل قومية كغيرها من
القوميات، مع إعطائها صبغة خاصة يتعذر قياسها بأية نماذج بشرية أخرى، كيف لا وهي تخلع
على نفسها صفة القداسة والاختيار الإلهيّ!.
ثالثاً: يدّعي الصهاينة أنّ نشأتهم ضاربة في جذور التاريخ اليهودي، و يرى المؤرخون أنّ
جذورها الأساسية )كفكرة تدّعي القومية( بدأت في القرن التاسع عشر في صيغتها السياسية، وان
كان لها أصول فكرية أسبق.
1 ( انظر: جذور الاستعمار الصهيوني، علي المحجوبي، )ص 25 (، أيضاً: فلسطين أرض الرسالات، رجاء
. ) جارودي، )ص 210
2 254 ( بتصرف . - - ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 255
110
ا ربعاً: شكّل اليهود عامل قلق واضط ا رب للمجتمعات الأوروبية الشرقية والغربية، وترددّ اليهود
بين الانع ا زل والاندماج، وتورطوا في استعداء شعوب أوروبا مما أسهم في نبذهم وصولاً إلى القبول
بالفكرة الصهيونية للخلاص من شرّهم.
خامساً: لازمت الصبغة الاستعمارية الصهيونية منذ نشأتها، وحاولت القوى الكبرى استغلال
الصهيونية كأداة وظيفية، وقبلت الصهيونية بذلك انسجاماً مع دور اليهود كمرتزقة عبر تاريخهم، و
باتت دولة اليهود حديثاً وك ا رً استعمارياً في قلب الأمة الإسلامية.
سادساً: اعتمدت الصهيونية في خطابها منذ انطلاقها على الترويج لفكرة اللاسامية،
وتضخيم حجم معاناة اليهود من ج ا رء هذه الظاهرة، في محاولة إضافية لتبرير السطو على أرض
فلسطين كرديف للحجة الدينية والتاريخية وغيرها، وقد ثبت تاريخياً بالفعل أنّ اليهود تعرضوا للنبذ
والطرد والك ا رهية من كافة الشعوب بما كسبت أيديهم، لكن هذا السبب لم يكن مبر ا رً عاجلاً أو
ضغطاً هائلاً دفع اليهود للف ا رر بأرواحهم إلى أرض فلسطين كما تحاول الصهيونية أن تروّج للعالم.
111
المطلب الثاني
علاقة الفكر الصهيوني بعقيدة اليهود في الأرض المقدسة
إنّ العقيدة اليهودية في الأرض المقدّسة، والتي أطنب الباحث في ذكرها في المبحث السابق
هي الأساس والجذر الديني والأهم في الفكرة الصهيونية.
وكان واضحاً كم هي التناقضات الكبرى في د ا رسة اليهودية والصهيونية، خاصةً ذلك
الانفصام بين الإطار العلماني الذي تتبناه الصهيونية، وبين الجذور الدينية والأدوات الدينية التي
لولاها لما قامت الصهيونية ) 1 .)
يقول د. رجاء جارودي) 2 (: "إننا قد نسيء فهم سياسة )إس ا رئيل( في فلسطين إذا لم نضع
نصب أعيننا الوضع الروحي للصهيونية الذي تستند إليه") 3 . )
جذور الصهيونية في عقيدة اليهود:
في الت ا رث الديني اليهودي إلى جبل صهيون والقدس، بل إلى » صهيون « " تشير كلمة
كما تُستخدَم الكلمة ،» بنت صهيون « الأرض المقدَّسة ككل، ويُشير اليهود إلى أنفسهم باعتبارهم
للإشارة إلى اليهود كجماعة دينية، والواقع أنّ العودة إلى صهيون فكرة محورية في الدين اليهودي،
إذ إنّ أتباع هذه العقيدة يؤمنون بأنّ الماش يح المخلِّص سيأتي في آخر الأيام ليقود شعبه إلى
1 . ) ( انظر: فلسطين، بيان الحوت، )ص 251
2 ( رجاء جارودي ) 2312 1110 م(: فيلسوف وكاتب فرنسي، ولد في فرنسا لأم كاثوليكية وأب ملحد، اعتنق -
الب روتستانتية في ال ا ربع عشرة من عمره، وانضم إلى الحزب الشيوعي الفرنسي، أخذ أسي ا رً لفرنسا في الج ا زئر في
الحرب العالمية الثانية، وفي عام 1165 انتخب نائبا في البرلمان، وصدر أول مؤلفاته عام 1164 ، طرد من
الحزب الشيوعي الفرنسي سنة 1193 م وذلك لانتقاداته المستمرة للاتحاد السوفياتي، وفي نفس السنة أسس مركز،
في 2 يوليو 1192 أشهر جارودي إسلامه، في المركز الإسلامي في جنيف، وكتب بالمناسبة كتابيه "وعود
الإسلام" و"الإسلام يسكن مستقبلنا" نال جائزة الملك فيصل العالمية سنة 1195 عن خدمة الإسلام ] انظر:
موسوعة ويكيبيديا الحرة، شبكة الإنترنت، بعنوان روجيه غارودي، تحت ا ربط: ar.wikipedia.org/wiki ، سحب
2310 م [ . /0/ بتاريخ 0
3 .) ( فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، )ص 210
113
إيحاءات شعرية دينية في الوجدان » صهيون « صهيون، ويحكم العالم فيسود العدل والرخاء، ولكلمة
ع لى « : الديني اليهودي، فقد جاء في الم ا زمير على لسان)جماعة يس ا رئيل( بعد تهجيرهم إلى بابل
(» أَ نَّ ا ي ر بَ ي ب ل م هن ا ك جل س ن ا، ب ك ين ا أَي ضا ي ع ن د ما ت ذكَّ ر ن ي صه ي و ن 1 ( " ) 2 .)
وقد ارتبط اسم كل من النبيين ارمياء وحزقيال في العهد القديم المقدّس عند اليهود بالدعوة
للعودة إلى صهيون، فقد امتلأ سِفر ارمياء مثلاً بالدعوة إلى العودة لصهيون، والبكاء والرثاء من
أجل هذا الهدف:
- ي ا رف م عوا الرَّاي ة نَ و « ي صه ي و ن . ي ا حت م موا. لا ت ي ق م فوا. لأَ ي ن أ ي تِ ي ب شَ ي م ن ال ي ش ما ي ل، و ك سٍَ ع ي ظيٍ . (» 3 . )
- لأَنَّ ص و ت ي ر ثي ةٍ م ي سْ ع ي م ن « ي صه ي و ن :ك ي ف أُ ه ي ل كن ا؟ خ ي زين ا ي جدًّا لأَننَّ ا ت ر كن ا الأَ ر ض، لأَ مَّ نَّ م ه د م موا
(» م سا ي كن ن ا 4 . )
" وقام النبي حزقيال، وهو أحد أنبياء اليهود الكبار بدور كبير في بعث الحنين الدائم في - -
نفوس اليهود إلى العودة إلى صهيون، فقد ظهر حزقيال في آخر عهد ملوك يهودا، وكان من جملة
السبي إلى بابل، واشتهر بأحاديثه الحماسية للعودة، إلى حدّ أنه دعي )بنبي السبي(، كما دعي
النبي ارمياء المعاصر له بالنبي البكّاء من كثرة انتحابه على صهيون وأورشليم" ) 5 . )
ولأنّ الصهيونية قائمة على إحلال شعب مكان آخر واستئصال أهل البلاد المقدّسة من
أرضهم، فلا غ ا ربة في أن نجد الأصل الذي تستند إليه الصهيونية في تو ا رة اليهود المقدّسة عندهم،
ومن ذلك مشهد أخذ داود و ذ ه ب دا م و م د و م كُُّ « : الأرض من أهلها اليبوسيين، إذ جاء في ذلك
1 . 1 : ( الم ا زمير 109
2 .)16 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 . 4 : ( ارمياء 6
4 . 11 : ( ارمياء 1
5 ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 290 ( بتصرف يسير. -
114
لَ أُو م ر ش ي ل ي، أَ ي ي م بو س.
ِ
سْائيي ل ا
ِ
ا و م هن ا ك ال ي م بو ي س يُّو ن م سكََّ م ن الأَ ر ي ض وق ا ل م سكََّ م ن ي م بو س ي لِا م و د: لَ م هن ا
ِ
لا ت د م خ ل ا
(» ف أَ خ ذ دا م و م د ي ح ا ن ي صه ي و ن، ي ه م ي دين م ة دا م و د 1 .)
لاحظ كيف تعترف التو ا رة بأصالة اليبوسيين في القدس وفلسطين، وكيف تصوّر مشهد
دخول داود إليها، الأمر الذي يجعل من ادّعاء الصهيونية بحقّ امتلاكها أم ا رً مسنوداً بكلام
مقدّس في نظرهم، مما يمهد لشرعنة طرد أهل القدس العرب والمسلمين أخلاف اليبوسيين منها.
وتشير التو ا رة في معرض رثاء صهيون إلى فكرة تخليص الربّ لها، وكأنها ملك أبدي لليهود،
(» لأَنَّ الل م يَ ي ل م ص ي صه ي و ن وي ب ينِ م م د ن م يهو ذا، ف ي س م كنمو ن م هن ا ك وي ي رثمو نَّ ا « 2 . )
ق د ق رَّب م ت ي ب ي ري، لا ي ب م ع م د. و خ لا ي ص لا ي ت أَخَّ م ر. و أَ ج ع م ل يفِ ي صه ي و ن خ لا صا، « : وفي موضع آخر
سْائيي ل ج لا ي ل
ِ
(» لا 3 . )
وليس بعيداً عن الخلاص، تبشّر التو ا رة شعب الربّ )شعب إس ا رئيل( بفداء الربّ لهم وعودتهم
و م ف ي ديُّو الرَّ ي ب لَ ي صه ي و ن ي بَل تَ يُّ نّ « : الكريمة إلى صهيون فاتحين مترنّمين
ِ
ي ر ي ج م عو ن وي أْتمو ن ا ، وع لى م ر م ؤو ي سهي م
(» ف رحٌ أَب ي ديٌّ. اب ي تَ اجٌ وف رحٌ يم د ي ر كَ ي ي نَّ م. يه م ر م ب ال م ح ز م ن والتَّ نهُّ م د 4 . )
ليس هذا فحسب، بل إنّ صهيون هي الأرض المطمئنة والخيمة الشامخة والبلد الذي لا تقلع
م ان م ظ ر ي صه ي و ن م ي دين ة أَ ع يا ي د ن . ع ين ا ك ت ر يَ ي ن أُو م ر ش ي ل ي م س ي كن ا م ط مئينًّا، خ ي م ة لا ت ن ت ي ق م ل، لا تم قل م ع أَ و تَ م د ها « ، أوتادها
لَ الأَب ي د، و شَءٌ ي م ن أَ طن ا ي بِ ا لا ي نق ي ط م ع
ِ
(» ا 5 . )
ما يلاحظه الباحث هنا: ارتباط لفظة صهيون وأرض صهيون بفكرة الخلاص والعودة إلى
الأرض المقدّسة، وتمجيد صهيون والوعد بفتحها وعودة أمجادها المزعومة للشعب المفكك
1 – . 5 6 : ( أخبار الأيام الأول 11
2 . 05 : ( الم ا زمير 41
3 . 10 : ( اشعياء 64
4 . 11 : ( اشعياء 51
5 . 23 : ( اشعياء 00
115
والمشتت، وذلك حسب ما كتبه واضعو التو ا رة، وهذه النصوص وغيرها الكثير في التو ا رة هي
المستند للصهيونية في ترويج نفسها دينياً أمام اليهود الذين يقدّسون التو ا رة، والباحث ل يحاول
إثبات عودة الصهيونية كحركة وفكرة سياسية إلى جذور قديمة في التاريخ بقدر ما يحاول تسليط
الضوء على اعتمادها على جذور دينية مطعون فيها، من خلال ق ا رءة فاحصة لنصوص التو ا رة.
إذاً، فمن أهم المعاني للصهيونية هو المعنى الديني، وقد ورودت لفظة "صهيون" في العهد
– - القديم طبعة دار الكتاب المقدّس في الشرق الأوسط مائة وأربعاً وخمسين ) 254 ( مرّة) 1 (، لكن
من الملاحظ أنها لم ترد في ما يسمى بأسفار موسى أو الأسفار الخمسة!.
ص بين الديانة اليهودية والصهيونية:
ّ
المسيح المصل
" الذين يبحثون عن صلة تربط الصهيونية بالت ا رث اليهودي يرون في الحركة رم ا زً لمفهوم
"نهاية الأيام"، ويرون فيها أيضاً تحقيقاً للتحرر من حياة المنفى، ونهاية لحياة التجوال، وبداية
للاستق ا رر، وهذا ك لّه يعني أنّ فكرة الصهيونية في أ ريهم امتداد للفكر الخلاصي في اليهودية ... هذا
يعني أنّ زعماء الصهيونية استغلوا فكرة دينية لها مكانتها في الديانة اليهودية، وهي فكرة
1 ،5 : 01 ، أخبار الأيام الأول 22 ،21 : 1، الملوك الثاني 24 : 9، الملوك الأول 8 : ( صموئيل الثاني 5
:52 ،2 :53 ،12 ،11 ،2 :48 ،2 :23 ،9 :24 ،16 ،11: 4 ،4 : 2، الم ا زمير 2 : أخبار الأيام الثاني 5
:232 ،2 :44 ،9 :47 ،5 ،2 :87 ،9 :84 ،49 :78 ،2 :71 ،2 :74 ،05 :14 ،1 :15 ،4 :50 ،19
،0 :204 ،0 :200 ،10 :202 ،5 :224 ،5 :228 ،1 :221 ،1 :225 ،2 :223 ،21 ،14 ،10
:2 ،29 ،9 : 11 ، اشعياء 2 : 2، نشيد الإنشاد 0 :244 ،12 :247 ،13 :241 ،0 ،1 :207 ،21 :205
:24 ،9 :28 ،1 :21 ،02 :24 ،4 :22 ،02 ،26 ،12 :23 ،19 :8 ،5 ،6 ،0 :4 ،19 ،14 :0 ،0
:43 ،02 ،22 :07 ،13 :05 ،9 :04 ،23 ،16 ،5 :00 ،1 ،6 :02 ،11 :03 ،9 :24 ،14 :28 ،20
،0 :12 ،16 :13 ،23 :54 ،9 ،9 ،2 ،1 :52 ،14 ،11 ،0 :52 ،16 :44 ،10 :41 ،29 :42 ،1
:21 ،11 :24 ،11 :4 ،19 :8 ،20 ،2 :1 ،01 ،4 :4 ،16 : 9، ارمياء 0 :11 ،13 :14 ،11 ،1 :12
،4 ،6 ،1 :2 ،19 ،4 ،6 : 05 ، م ا رثي ارمياء 2 ،26 ،13 :52 ،29 ،5 :53 ،12 ،4 :02 ،19 :03 ،19
21 ، عاموس: ،19 ،14 :0 ،02 ،20 ،15 ،1 : 19 ، يوئيل: 2 ،11 :5 ،22 ،11 ،2 :4 ،19 ،10 ،13 ،9
: 10 ، صفنيا 0 ،11 ،13 ،9 ،9 ،2 :4 ،12 ،13 :0 ،10 : 21 ، ميخا 2 ،19 : 1، عوبديا: 2 :1 ،2 :2
. 10 ،1 :4 ،0 ،2 :8 ،13 ،9 :2 ،19 ،16 : 14 ، زكريا 2 ،16
116
الخلاص والمسيح المخلّص، وحاولوا تنفيذ هذه الفكرة بوسائل علمانية عن طريق استغلال
الظروف السياسية وتطبيق سياسة الستيطان" ) 1 . )
" ويتساءل الباحث في الصهيونية: كيف تستطيع حركة استعمارية تقوم على الرجعية
والإرهاب أن تستقطب أنصا ا رً من اليهود وربما من غيرهم أيضاً في أواخر القرن العشرين حيث
تشكو معظم الحضا ا رت الت ا رثية من قلة الأنصار والمقتنعين، ولمعرفة ذلك ينبغي أن نأخذ فكرة عن
كتب اليهودية القديمة؛ لأ نها المادة التي تستعمل منذ أجيال وأجيال في خداع البسطاء") 2 .)
حاولت الصهيونية أن تطوّع هذا المعنى الديني لفكرتها، فلجأت إلى تفسير الخلاص على يد
المسيح المخلّص تفسي ا رً خاصاً، فاضطرت أن تعلن أنّ هذا المسيح ليس إنساناً أو شخصاً من
نسل داود له قوى خارقة للعادة، ولكنه فكرة أو رمز إلى حرية الإنسان اليهودي الفردية) 3 . )
" بل وجَّه الصهاينة سهام نقدهم لعقيدة الماشيَّح والعودة، فوصفها هرتزل بأنها رؤية متخلفة،
ووسمها بن جوريون بالسلبية، وطرح بدل من ذلك فكرة العودة بقوة السلاح وبمساعدة القوى
العظمى لتأسيس دولة يهودية") 4 .)
وترتب على هذا التغيير الجذري الذي أحدثته الصهيونية في فكرة المسيح المخلّص خطورة
أعمق من مجرد إبدال المفهوم الديني بمفهوم علماني، بل أدت إلى إرباك وتناقض كبير في الديانة
اليهودية، وبات السؤال: ما مصير الديانة اليهودية بعد الصهيونية؟ وهل تحقيق الصهيونية
للخلاص يعني نهاية اليهودية؟ وهل تصلح الصهيونية لتكون دين اً) 5 . )
إنّ التناقض الذي أوصلت إليه الصهيونية الديانة اليهودية فيما يتضح للباحث هو تناقض - –
كبير، وجرح غائر، وهو يطرح أسئلة لا نهاية لها؛ عن جدوى الدين اليهودي بعد الصهيونية التي
1 ، ( الحركة الصهيونية طبيعتها وعلاقتها بالت ا رث الديني اليهودي، د. محمد خليفة حسن، دار المعارف/القاهرة، ط 1
1191 م، )ص 15 ( بتصرف يسير. -
2 ( د ا رسات في الصهيونية وجذورها، سيد فرج ا رشد، )ص 15 ( بتصرف يسير.. -
3 – .)23 ( انظر: الحركة الصهيونية، محمد خليفة حسن، )ص 11
4 - . )46 40/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
5 . ) ( انظر: الحركة الصهيونية، محمد خليفة حسن، )ص 21
117
ادّعت لنفسها صفة المخلّص، لكنّ كل هذا لا ينفي حقيقة استغلال وترويض الصهيونية للعقائد
والأفكار الدينية المسطّرة في المصادر اليهودية وخاصة التو ا رة.
الشعب المصتار بين الديانة اليهودية والصهيونية:
لا شك في أنّ فكرة كون اليهود شعباً مختا ا رً، وأنهم شعب الربّ، والشعب المقدّس، هي فكرة
ا رسخة في العقيدة اليهودية كما أسلف الباحث.
"لكنّ الصهاينة في البداية أخذوا موقف اً مغاي ا رً تماماً، فنزعوا القداسة عن هذا الشعب
ووجهوا سهام نقدهم إليه والى الشخصية اليهودية )الدينية( مستخدمين في نقدهم هذا مقولات
تحليلية ونقدية وأعاد الصهاينة تعريف اليهود على أساس عرْقي أو إثني )مادي( ومن ثم، أصبح
اليهود بالنسبة لهم شعب اً مثل كل الشعوب، فهم مادة بشرية نافعة يمكن نقلها وتوظيفها لصالح من
يدفع الثمن") 1 .)
لكن الصهيونية لم تستطع الاستم ا رر في هذا النهج العلماني الذي لا يعرف قداسة لشيء،
فسرعان ما عادت الصهيونية لتلبس ثوب الدين من جديد وتسعى لتفسير وتبرير العقائد
اليهودية) 2 (، والتي من أهمّها عقيدة الشعب المختار، لكنها أي الصهيونية تقع أيضاً في إشكال - –
جديد حول هذه القضية من عدة أوجه:
الأول: إذا كان اليهود شعب الله المختار كما أشارت مصادرهم الدينية، والتي وصفتهم
بأوصاف فوق البشر، فكيف بالصهيونية تدعو إلى مساواة اليهود بغيرهم من الأمم، ومنحهم
الحقوق المتساوية، وا ا زلة التوتر بين الإنسان اليهودي والعالم الذي يعيش فيه، فهذه الأفكار
تتعارض مع فكرة الاختيار، فما قيمة الاختيار الذي تعجّ به مصادر الديانة اليهودية بعدما نقضته
الصهيونية؟) 3 . )
1 40 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 - . )45 46/ ( انظر: المصدر السابق، ) 4
3 .) ( انظر: الحركة الصهيونية، محمد خليفة حسن، )ص 22
118
الثاني: إذا كانت الصهيونية لها تفسيرها الخاص لفكرة الاختيار يقوم على اعتبار أن –
اليهود مفضّل ون على الأمم برعايتهم للمدنية والحضارة! فكيف تنسجم دعوات الصهيونية المعلنة -
للإنسانية والتقدم والحضارة والمثل العليا واعتبار أنها حركة انبعاث وتوحيد لليهود، كيف ينسجم
كل هذا مع كونها كما الواقع حركة عدوان على شعب فلسطين وطرده من أرضه ومحاولة - –
إفنائه؟ فما من حركة استعمارية وصلت مع الشعوب المستعمرة إلى ما وصلت إليه الصهيونية في
فلسفتها وقوانينها ثم في تعاملها مع الشعب الفلسطيني صاحب الأرض والسيادة) 1 . )
الثالث: وقع الصهاينة في إشكالات حديثة، بعد كل محاولات التوفيق بين موضوع اختيار
اليهود وتفضيل جنسهم، وبين الصهيونية الداعية للمساواة، وهذا الإشكال يتمثل في أن اليهود
اضطروا لأن يدخلوا في حوا ا رت مع الأديان الأخرى وخاصة المسيحية والإسلام، وباتوا يسعون
للحصول على تعايش سلمي مع أمم أخرى، فكيف يستقيم هذا مع مفهوم التفضيل والاختيار؟ إذ
بات التمسك بهذه العقيدة محل حرج كبير لليهود والصهاينة، وأظهر عجزهم في التعاطي مع العالم
بهذه المفاهيم) 2 .)
صهاينة يستندون في صهيونيتهم إلى الدين:
تطرق الباحث فيما مضى إلى خطاب هرتزل الم ا روغ، الذي كان يسعى لتوظيف الدين
اليهودي تارة والتنكّر له تارة أخرى في سبيل دعم فكرته الأسطورية في إعادة اليهود إلى الأرض
الموعودة المزعومة.
كما أنّ مجمل الخطاب الصهيوني منذ انطلاقه كان ذا نزعة دينية واضحة لا يمكن - -
إغفالها عند د ا رسة الفكر الصهيوني، بغض النظر عن التفسي ا رت الأخرى والظروف الموضوعية
الداعمة لنشوء الصهيونية، ومن نماذج هذا الخطاب الصهيوني من مواقف وكلام المنظّرين
للصهيونية وروادها الأوائل وزعمائها ما يلي:
1 . ) ( انظر: فلسطين، بيان الحوت، )ص 259
2 .) ( انظر: الحركة الصهيونية، محمد خليفة حسن، )ص 26
119
.2 موسى هس) 1 :)
" يعدّ هس من أهمّ المنظّرين للحركة الصهيونية، والذين نقلوها من عالم النظريات إلى الواقع
الحركي، وتمتلئ كتاباته بالدعوة إلى الصهيونية في أبشع صورة لها مرتبطة بالدين اليهودي، إذ
يقول في كتابه )روما والقدس(: " .. التفكير في قوميتي التي ترتبط برباط ل نفصم ع ا ره بت ا رث
أسلافي وبالأرض المقدّسة وبالمدينة الخالدة " ") 2 . )
ومن نداءاته لليهود داعياً إياهم لأرض الأجداد المزعومة: " تقدموا إلى الأمام أيها اليهود من
كل الدول، إن أرض أجدادكم تناديكم، كم سيرتجف الشرق لدى قدومكم ... أنتم كتبتم كتاب الكتب
)التو ا رة( ... أنتم قوس النصر للحقبة التاريخية المقبلة الذي سوف يكتب تحته عهد الإنسانية
العظيم ... نحن شعب الله في الأرض سخر لنا الحيوان الإنساني؛ وهو كل الأمم والأجناس
سخرهم لنا ... " ) 3 . )
هذا ليس إلا نموذجاً بسيطاً من أقوال وخطابات هذا المفكر الصهيوني الذي تروّج الصهيونية
لآ ا رئه وتعتبره من السابقين الملهمين، فلا غ ا ربة بعد ذلك في فهم الباحث أن تتبنى الصهيونية - –
ذلك الخطاب الإقصائي والمتبجح ضد العرب والمسلمين، وضد شعب فلسطين خاصة .
1 ( موسى هس ) 2875 2822 م(: منظّر الصهيونية، خاصة ما عرف بالصهيونية العمّالية، وكان له اتصال -
بالأوساط والمجالات الاشت ا ركية، كما كان صديق اً لكارل ماركس وفردريك إنجلز، ولكنه اختلف معهما بعد فترة
قصيرة، كما كان عضو اً في أحد المحافل الماسونية، نشر عام 1942 م كتابه "روما والقدس" الذي أرسى دعائم
القومية اليهودية على أسس دينية، يرى هس أنه لا يوجد شعب غير اليهود له دين يربط العناصر القومية والعالمية
والتاريخية معاً، فاليهود إذن هم وحدهم "شعب الإله". ولقد أصبح تاريخ الإنسانية بنظره مقدَّس اً من خلال اليهودية،
- )249/ تُوفي هس عام 1995 ، ونُقلت رفاته إلى فلسطين المحتلة فيما بعد ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
بتصرف [ .
2 .) 292 (، انظر أيضاً: زعماء صهيون، مجدي كامل، )ص 141 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 - .) ( زعماء صهيون، مجدي كامل، ) ص 191 193
131
.2 يهودا الكلعي) 1 :)
" يذهب الكلعي وهو من رواد الصهيونية إلى أنّ اليهود يجب أن يتدخلوا بأنفسهم في - –
مسار الأحداث بدلا من انتظار عودة الماشيَّح، ويقوموا بتحديد الطريقة المناسبة للعودة وزمانها،
ويقول القلعي إنه كخطوة أولى "يجب أن نعمل على إعادة اثنين وعشرين ألف اً إلى الأرض - -
المقدَّسة، فهذه تهيئة ضرورية لحلول دلالات أخرى"، فالخلاص لا يمكن أن يتم فجأة، والأرض
يجب أن تُبنَى وتُعَدُّ وتُجَهَّز بالتدريج") 2 .)
" وحتى يضفي شرعية على رؤيته الجديدة، فإنه يشير إلى عقيدة الماشيَّح الأول )المسيح
ابن يوسف( الذي سيشترك في حرب يأجوج ومأجوج وسيحاول تحرير )أرض يس ا رئيل( من الكفرة
ولكنه سيَسقُط في المعركة، وبعد هذا سيأتي الماشيَّح الثاني والنهائي )المسيح بن داود(، وهو يفسر
وجود الماشيَّح الأول بأنه يعني ضرورة أن يسبق العصر المشيحاني النهائي إعداد دنيوي إنساني،
ثم يضيف أنه يجب النظر لرؤية الماشيَّح بن داود على أنها مجاز، فهي عملية ستأخذ في الأزمنة
الحديثة شكل قيادة سياسية، ولذا سيبدأ الخلاص باليهود أنفسهم، هؤلاء الذين يجب أن يملكوا زمام
أمورهم بأنفسهم ويُعجِّلوا بالنهاية " ) 3 . )
1 ( يهودا الكلعي ) 2878 2748 م(: حاخام و ا رئد من رواد الفكر الصهيوني، وُلد في س ا رييفو )في البوسنة -
والهرسك( والتي كانت جزء اً من الدولة العثمانية آنذاك، وبعد إد ا رك ضرورة الحصول على التأييد المالي والسياسي
1952 م(، ووجَّه النداءات إلى كبار المموِّلين اليهود، ونشر في - لمشروعه، سافر إلى العواصم الأوربية ) 1951
لندن كتيب اً يحمل أفكاره وأسس فيها أيض اً جمعية استيطانية لم تُعمَّر طويلا ، والتحق بجمعية استيطان فلسطين التي
أسَّسها لورج في ألمانيا وقام بنشاط بارز في صفوفها، وفي عام 1991 م ا زر فلسطين وأسَّس هناك جمعية استيطانية
ما لبثت أن توقفت، ثم استقر نهائي اً في فلسطين عام 1996 م، وقد قام بعض أتباعه بعد وفاته مباشرة بش ا رء أرض
- 291/ "بتاح تكفا" حيث أُقيمت أول مستعمرة يهودية ز ا رعية في فلسطين ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
. ] )213
2 291 ( بتصرف يسير. - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 – - .) 291 ( بتصرف، انظر أيضاً: زعماء صهيون، مجدي كامل، )ص 116 111 / ( المصدر السابق، ) 4
130
.0 صمويل موهيليفر) 1 : )
عَدّ موهيلفر وهومن رواد الصهيونية أموال الصدقة التي تُعطَى لفق ا رء اليهود والقدس - –
جزءًا من التقوى الدينية، كما كان يرى أن العودة إلى أرض فلسطين والإقامة فيها وتعميرها إحدى
الوصايا الأساسية في التو ا رة، وأن الحكماء اعتبروا هذه العودة بمنزلة الناموس الإلهي، وقد وجد
موهيليفر سند اً لرؤيته هذه في التلمود الذي جاء فيه أن الإله يفضل أن يعيش أبناؤه في أرضهم،
حتى ولو لم يُنفِّذوا تعاليم التو ا رة، على أن يعيشوا في المنفى ويُنفِّذوا تعاليمها) 2 . )
.4 أب ا رهام كوك) 3 :)
"يرى كوك أن المنفى حالة غير طبيعية، على عكس الرؤية التقليدية التي ترى المنفى جزء اً
لا يتج أ ز من التجربة الدينية عند اليهود، فهي حسب كوك أمر الإله والعقاب الذي حاق باليهود - –
نتيجة الذنوب التي اقترفوها، وحسب تصوُّره، ل يستطيع اليهودي أن يكون مخلص اً وصادق اً في
أفكاره وعواطفه وخيالاته في أرض الشتات، فاليهودية في أرض الشتات ليس لها وجود حقيقي") 4 .)
" ويعدّ كوك فصل القومية عن الدين تزييف اً لكليهما، فبزعمه أن هناك مادة إلهية تسري في
)جماعة يس ا رئيل( تجعل روحها ملتصقة بروح الإله، بل إن روح )يس ا رئيل( وروح الإله شيء
واحد، وهذا الإله الذي يكمن داخل الشعب هو مصدر روحهم القومية؛ ولذا، يجب على أعضاء
1 ( صمويل موهيليفر) 2848 2824 م(: حاخام روسي، وأحد مؤسسي حركة أحباء صهيون، تلقَّى ثقافة دينية، -
وتعمَّق في د ا رسة القبَّالاه والحسيدية وتواريخ الجماعات اليهودية، ذاع صيته كعالم تلمودي، وقد ساهم في تنظيم
الهجرة إلى فلسطين، وأقنع كلا من هيرش وروتشيلد بأن يساهما في تمويل ومساعدة الاستيطان اليهودي لفلسطين،
استمر موهيليفر نشيط اً في حركة أحباء صهيون، وحينما نشب الخلاف بين العلمانيين من أحباء صهيون
213 ( بتصرف [ . - / ومناوئيهم، عُهد إليه بأن يعمل في أوساط المتدينين ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 . )213/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 ( إب ا رهام كوك ) 2424 2815 م(: أهم مفكري الصهيونية الإثنية الدينية، وأول حاخام أكبر لليهود الإشكناز في -
فلسطين، وُلد في شمال روسيا، وتلقى تعليمه الديني في إحدى المدارس التلمودية العليا، ثم هاجر إلى فلسطين عام
1136 م واستقر فيها، وقد تَعرَّف كوك إلى تقاليد القبَّالاه وسعى و ا رء تجارب الإش ا رق الداخلية، و كتاباته كلها مفعمة
بروح قبَّالية وايمان بالحلول الرباني في الشعب اليهودي، وتتلخص سيرة حياته ونشاطاته القومية الدينية في محاولة
.] )211 / تقريب الصهيونية إلى المتدينين وتقريب المتدينين من الصهيونية ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
4 211 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
131
هذا الشعب أن يدركوا حقيقة الإله الموجود داخلهم، ويدركوا من ثم حقيقة قوميتهم، فروح الإله تسري
في الأرض سريانها في الشعب، وكل ممتلكات اليهود القومية من أرض ولغة وتقاليد وتاريخ هي
عروق تجري فيها روح الإله؛ ولذا فإن )أرض إس ا رئيل( ليست شيئ اً منفصلا عن روح الشعب
اليهودي، إنها جزء من جوهر الوجود اليهودي القومي ومرتبطة بحياة الوجود وبكيانه الداخلي") 1 .)
فيما يتضح للباحث فإن هذا نموذج متكرر يكرس حقيقة التكوين الديني المتطرف لفكرة
الصهيونية من ألسنة روادها الأمر الذي يؤكد طبيعة الص ا رع مع الصهيونية في أجلى صورها.
.5 صموئيل لنداو) 2 :)
ينطلق الزعيم الصهيوني لانداو من رؤية دينية للصهيونية بشكل واضح وصريح، " ولذا فإنه
يشدِّد في كتاباته على أهمية الاستيطان في الأرض، فالإقامة في الأرض المقدَّسة في نظره - –
هي إحدى الأوامر والنواهي من الربّ؛ لأنّ القبس الإلهي ل يؤثر في الشعب اليهودي إل وهو
في أرضه، أي أنه أي لانداو يدور في إطار الثالوث المقدّس )الإله الأرض الشعب(، وهو - - - –
يُطعِّم هذه الفكرة بفكرة العمل وز ا رعة الأرض وبالديباجات الصهيونية الأخرى، ولكنه يبيِّن أنها قيَم
مرتبطة في نهاية الأمر بالتو ا رة والوجود اليهودي المنفصل" ) 3 . )
.1 حاييم واي زمان) 4 :)
1 212 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 ( صموئيل لنداو ) 2428 2842 م(: حاخام بولندي الأصل، وزعيم صهيوني ديني، ومؤسِّس جماعة عمال -
مز ا رحي، نشأ في بيئة حسيدية في بولندا حيث تلقَّى تعليم اً ديني اً تقليدي اً في المدرسة التلمودية، وأصبح حاخام اً في
سن الثامنة عشرة، ثم ق أ ر بنفسه الكتب غير الدينية وانخرط في سلك حركة مز ا رحي في بولندا بعد انتهاء الحرب
العالمية الأولى، وكتب لانداو عدة مقالات هاجم فيها موقف اليهود الأرثوذكس السلبي من الصهيونية، وفي عام
- .] )216 210/ 1124 ، هاجر إلى فلسطين حيث تابع نشاطه الصهيوني ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 216 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
4 ( حاييم وايزمن) 2452 2814 م(: زعيم صهيوني، عالم كيميائي، وأول رئيس للكيان الصهيوني، وُلد في -
روسيا، تلقَّى تعليم اً ديني اً تقليدي اً، ساهم في تأسيس الجامعة العبرية، كان من أوائل المفكرين والزعماء الصهاينة
. ] )250/ الذين عملوا على وضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
133
يقول وايزمان أول رئيس للكيان الصهيوني في فلسطين : "إن أساس وجودنا كله هو حقنا - –
في إقامة وطن قومي فوق أرض )إس ا رئيل( وهو حق نملكه منذ آلاف السنين، ومصدره وعد الربّ
لإب ا رهيم، وقد حملناه معنا في أنحاء العالم كله طوال حياة حافلة بالتقلبات") 1 . )
ويقول أيضاً في تعقيبه على مقترح تقسيم فلسطين: " إنّي أعلم أن الله وعد بني إس ا رئيل
بفلسطين، لكنني ل أعلم الحدود التي يشملها الوعد، وأعتقد أنها كانت أوسع من الحدود
المقترحة الآن .. وربما اشتملت أيضاً على شرق الأردن، لقد تركنا الضفة الشرقية للأردن ويطلب
إلينا الآن أن نتنازل عن قسم من الضفة الغربية، واذا كان الله يريد تحقيق وعده لشعبه في الوقت
الذي يريده فإن واجبنا كبني آدم ضعفاء يعيشون في ظرف صعب أن ننقذ ما يمكننا إنقاذه من
بقايا )إس ا رئيل( " ) 2 .)
وعندما عُرض على اليهود مشروع التوطين في أوغندا بدلاً من فلسطين أجاب وايزمن في
معرض شرحه لما سمّاه هو )الفكرة الصهيونية( قائلاً: "إنّ الأمر الوحيد الذي يجمع عليه اليهود
كأساس للحركة الصهيونية هو فلسطين وفلسطين وحدها ... حتى لو أن موسى نفسه جاء يدعو
لغيرها لما تبعه أحد، وان أي ابتعاد عن فلسطين يشكل نوعاً من الكفر" وأضاف مستنك ا رً: " نسوا
مبدأ الحركة الصهيونية المشتق من التو ا رة؟! " ) 3 . )
خلاصة المطلب:
أولً: اهتمّت تو ا رة اليهود المدوّنة بعد طردهم من الأرض المقدّسة بالإشارة إلى فكرة - -
العودة والحنين إلى صهيون، وان كانت إشا ا رتها في غالبها وردت في ت ا رنيم شعرية في الم ا زمير
ورؤى لأنبياء وما شابه، مما يجعل للفكر الصهيوني إشا ا رت يستند عليها في كتابهم المقدّس.
1 . )99/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 .) 2331 م، )ص 213 ، ( مذك ا رت وايزمان، ترجمة: هشام خضر، مكتبة النافذة/مصر، ط 1
3 – . )43 ( مذك ا رت وايزمان، )ص 51
134
ثانياً: ارتبطت فكرة الصهيونية بعقيدة عودة المسيح المنتظر المخلّص عند اليهود ارتباطاً
تأويلياً، وحاولت الصهيونية تطويع هذا المفهوم الديني للواقع السياسي الذي تمخضت عنه
الصهيونية، إذ اعتبرت نفسها المخلّص والمسيح المنتظر، وأدى هذا التأويل إلى تناقضات
وتساؤلات كبيرة حول مرتكز أساسي في عقيدة اليهود، وكان مدخلاً للطعن في اليهودية ذاتها فضلاً
عن الصهيونية.
ثالثاً: حاولت الصهيونية أن تنسجم مع مفهوم "شعب الله المختار" أو تتجاوزه، لكنها فشلت
في ذلك، ووضعت أيضاً علامات استفهام حول عقيدة أساسية لدى اليهود وفكرة ا رسخة في تو ا رتهم،
وبات التناقض جليّاً بين صهيونية تزعم أنها وريثة حضارة وتقدم وديمق ا رطية، وبين ديانة يهودية
مليئة بفكرة الاختيار والتفضيل لجنس اليهود على سائر الأجناس والأمم.
ا ربعاً: امتلأت خطابات وشعا ا رت وأفكار رواد الصهيونية ومفكريها وزعمائها بالربط الواضح
والصريح للصهيونية بأسس دينية مستمدة من التو ا رة وغيرها من مصادر الدين اليهودي، وهذا
يعطي صورة واضحة عن طبيعة الخطاب الديني الصهيوني الذي يربط الفكرة الصهيونية بالدين
اليهودي وما يحتويه من وعد مزعوم، الأمر الذي يجعل من الأساس الديني منطلقاً هو الأهم في
الفكر الصهيوني، بالرغم مما يحتويه هذا الفكر من تناقض فاحش وتصارع في الرؤى وتفسي ا رت
متشعبة ومنطلقات كثيرة.
خامساً: لا مجال مع د ا رسة أصول الحركة الصهيونية أن يتم تجاوز الأساس الديني والعقائدي
في مشروعها بالرغم من جذوره الأخرى كالوظيفة الاستعمارية والظروف الموضوعية والتاريخية،
والتآمر ونبذ اليهود وغيرها من عوامل.
سادساً: إن الصهيونية بكل تعقيداتها وما ا رفق أفكارها ونشأتها وتكوينها وصولاً إلى تحقيق -
مشروعها بإقامة الكيان الصهيوني الجاثم على الأرض المقدّسة تنطوي على تناقضات عجيبة لا -
تخطؤها نظرة عابرة أو ق ا رءة مجملة في تاريخها وشخوصها وأفكارها وأقسامها، وهي في ذلك تنسجم
مع طبيعة ما تنطوي عليه اليهودية واليهود ذاتهم من إشكاليات في تناول قضيتهم ود ا رستها وما
تحتويه من تناقضات كبيرة لا تكاد تنتهي.
135
المبحث الرابع:
رثار العقيدة اليهودية في الأرض المقدسة
ويتضمن خمسة مطالب:
المطلب الأول: راهر الصهاينة في فلسطين وعلاقتها
بعقيدة اليهود
المطلب الثاني: التوسع الاستيطاني وجدار
الفصل وعلاقتهما بعقيدة اليهود
المطلب الثالث: تهويد القدس وعلاقته بعقيدة
اليهود
المطلب الرابع: هيكل سليمان في العقيدة
اليهودية
المطلب الخامس: فكرة المسيح عند اليهود
وعلاقتها بالأرض المقدسة
136
المطلب الأول
راهر الصهاينة في فلسطين وعلاقتها بعقيدة اليهود
ارتكب اليهود من المجازر في فلسطين في العهد الحديث ما لا يغفله إنسان، وسفكوا الدماء
وأزهقوا الأرواح بلا حياء أو تردّ د.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " لقد حوَّلت الصهيونية العهد القديم إلى فلكلور للشعب
اليهودي، وهو كتاب تفيض صفحاته بوصف حروب كثيرة خاضتها )جماعة يس ا رئيل( أو العب ا رنيون
مع الكنعانيين وغيرهم من الشعوب، فقاموا بطرد بعضهم وابادة البعض الآخر، و)جماعة يس ا رئيل(
يحل فيها الإله الذي يوحي لها بما تريد أن تفعل، ويبارك يدها التي تقوم بالقتل والنهب، فكل أفعال
الشعب مباركة مقدَّسة لأن الإله يحل فيه") 1 .)
وهذا الكمّ الكبير من النصوص الداعية بوضوح أو ضمناً إلى العنف والقتل والتدمير على
أساس ديني يجعل من الدين اليهودي المحرّف المرجع الأساس للصهيونية في شرعنتها للعنف - -
وارتكاب المجازر ضد الآخرين، وضد شعب فلسطين خاصة.
العنف في العهد القديم:
إنّ الدعوة إلى العنف، والحث على ارتكاب الفظائع في الحروب، والتحريض على سفك
الدماء وازهاق الأرواح، ك لّها سماتٌ مستفيضةٌ في تو ا رة اليهود المحرّفة.
فتجد أنّ تو ا رة اليهود تسطّر وصية من الربّ لموسى ف ا ن ملاكي يسير « : جاء فيها
أمامك و يَيء ب ك الَ ا لأموريين والحثيين والفرزيين والكنعانيين والحويين واليبوس يين ف أُبي م د ه ... ولا تعمل
كعمالهم بل تبي م د ه و تك سَ أ ناا بِ م ... أرس م ل هيبت أمامك و أز م ع جَيع الشعوب الَّي ن تأ تِ عليَم و أعطي ك جَي ع
(» أ عدا ئي ك مدبري ن 2 .)
1 . )129/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
2 – . 29 20 : ( خروج 20
137
وتطبيقاً لهذه الوصيّة وأشباهها، تجد أنّ نبي الله موسى بزعم التو ا رة المحرّفة - -
يرتكب مجزرة دموية مروعة في منطقة "مديان") 1 ( ، في مشهد ينأى عن فعله أنبياء الله
وكَ م الر ب موس قائ لا: انتق م نقم ة لبنِ اسْائي ل من « : المرسلين رحمة لأقوامهم، حيث تروي التو ا رة
المديَنيين، ثُ تض م الَ قومك، فكَ م مو س الشع ب قائ لا: ج ردوا من ك رجا لا للجن ي د فيكونوا على مديَ ن ، ليجع لموا
نقم ة الر ب على مديَن، ألف ا واحد ا م ن كُ س بطٍ من جَيع ي أس با ي ط اسْائي ل ترس لمون للحر ي ب ، فاختير من ألو ي ف
اسْائي ل ألفٌ من كُ س بط، اثنا عشَ ألف ا مج ردون للحرب، فأ رس ل هم موس ألف ا من كُ س بطٍ الَ الحرب ...
فتجن دوا على مديَن كما أمر الر ب و قتلوا كُ ذكرٍ ، وملو م ك مديَن قتلوه فوق قتلاه ... وس ب بنو اسْائي ل
نسا ء مديَن، و أ طفاله م، و نَّبوا جَي ع بِائ يهم و جَي ع مواش يَم و كُ أ ملا ي ك هم، وأ حرقوا جَي ع م دنَّم بمساك ي نه م وجَي ع
حاو ي نَّ م بَلنار، وأ خذوا كُ الغنيمة و كُ النهب من الناس و البهائ، و أتوا الَ موس و العازار الكَهن و الَ
(» جماعة بنِ اسْائيل بَل س بي و ال نه ب و الغنيمة الَ امحل لَ الَ عربَت موأ ب الت على أرد ن أريُا 2 . )
ولم يكتف موسى بهذا بزعم كاتب التو ا رة ، بل سخط على رؤساء الجند بسبب - -
فسخط موس على وكَلء الجيش رؤساء ا لألوف و رؤساء المئات « !! إحجامهم عن قتل النساء والأطفال
القادمين من جند الحرب، وقال لهم موس: هل أ بقيتُ كُ أُنثى حي ة؟! ... فالأ ن م اقتلوا كُ ذكرٍ من ا لأطفا ي ل و كُ
(» امرأ ةٍ عرف ت ر م ج لا بمضاجع ي ة ذكرٍ ا ق م تلوها 3 . )
كما تضع التو ا رة قانون الحرب على المدن المحاصرة، ويتسم هذا القانون الإلهي بزعم -
ي ح ين ت ق م ر م ب ي م ن م ي دين ةٍ ي ل كَ م تَا ي ر بِ ا ا س ت د ي عه ا لَ - « : التو ا رة بكل معاني القسوة والدموية والإج ا رم إذ نصّه
ِ
ا
الاُّل ي ح ن
ِ
، ف ا أَ جاب ت ك لَ
ِ
ا الاُّل ي ح وف ت ح ت لِ، ف م ك الشَّ ع ي ب ال م و م جو ي د ي فيَ ا ي م كو م ن لِ ي للتَّ س ي ذ ي ير ويم س ت ع ب م د لِ. ن
ِ
وا
ل م تم سا ي ل م ك، ب ل ي عَل ت م ع ك ح ر بَ، ف حا ي صِ ها. ذا
ِ
وا دف عه ا الرَّبُّ لهم ك
ِ
ا لَ
ِ
ا ي ي د ك ف ا ي ض ب ي جَي ع م ذ م كو ي ر ها ي بِ ي د
السَّ ي ي ف . وأَمَّا ال ي ن سا م ء والأَ طف ا م ل وال به ا ي م ئ و م كُُّ ما يفِ ال م ي دين ي ة ، م كُُّ غ ي نيم ي تَ ا، ف ت غت ني م مه ا ي لن ف ي س ك، وت أْ م م كُ غ ي نيم ة أَع دائي ك
الَّ يت أَ ع طا ك الرَّبُّ لهم ك
ِ
ا . ه ك ذا ت ف ع م ل ي بِ ي ميع ي ال م م م د ي ن ال ب ي عي د ي ة ي من ك ي جدًّا الَّ يت ل ي س ت ي م ن م م د ي ن ه م ؤ لا ي ء الأُ م ي م م هن ا. وأَمَّا
1 2 وقيل إن أرض مديان كانت تمتد من خليج - – : ( مديان: أحد أولاد إب ا رهيم من "قطورة" حسب سفر التكوين 25
العقبة إلى موآب وطور سيناء، وقال آخرون: إنها كانت تمتد من شبه جزيرة سيناء إلى الف ا رت، وكان شعبها يتاجر
مع فلسطين ولبنان ومصر، وسكن موسى مدة في مديان، والمديانيون نسل مديان القاطنون في أرض مديان] انظر:
.] )026/ قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
2 – . 12 1 : ( عدد 01
3 – . 19 16 : ( عدد 01
138
م م د م ن ه م ؤ لا ي ء الشُّ م عو ي ب ا لَّ يت يم ع ي طي ك الرَّبُّ لهم ك
ِ
ا ن ي اي با ف لا ت ست ب ي ي م نه ا ن س م ة مَّا، ب ل م تَ ي رم مه ا تَ ي ريم ا: ال ي حثي ي ين
والأَ م مو ي ر ي ين وال كن عا ي ن ي ين وال ي ف ي ر ي ز ي ين وال ي ح ي وي ي ين وال ي م بو ي س ي ين، كُ أَ م ر ك الرَّبُّ لهم ك
ِ
(» ا 1 . )
إنّ مثل هذه النصوص التوا رتية في فهم الباحث تكفي كدليل على الدموية التي يتشرّبها - –
اليهود من منبع عقيدتهم، ويسندون بحسبها أفعالهم المشينة إلى أوامر عليا من الربّ لشعبه
المختار، ويبنون عليها قوانينهم وعقيدتهم الحربية في تعاملهم مع خصومهم وأعدائهم.
ومن بعد موسى يستلم ال ا رية النبي يشوع، فيقدم على ارتكاب مذبحة تتغنى بها تو ا رة
اليهود كواحدة من المعارك البطولية التاريخية، ألا وهي معركة فتح أريحا المزعومة، إذ جاء في
و كَ ن ي ح ين ي سْ ع الشَّ ع م ب ص و ت ال م بو ي ق أَنَّ الشَّ ع ب هت ف م هت اف ا ع ي ظيم ا، ف سق ط السُّو م ر يفِ م كَي ن ي ه، و ص ي ع د « : وصفها
الشَّ ع م ب لَ
ِ
ا ال م ي دين ي ة م كُُّ ر م جل م ع و ي جْ ي ه، وأَ خ م ذوا ال م ي دين ة ، و حرَّم موا م كَُّ ما يفِ ال م ي دين ي ة ي م ن ر م جل وا م رأَةٍ، ي م ن ي ط فل
و ش يخٍ، حتََّّ ال بق ر وال غ نَ وال ح ي م ير ي بِ ي د السَّ ي ي ف ... وأَ ح رقموا ال م ي دين ة ي بَلنَّا ي ر م ع م ي كُ ما ي بِ ا، ن ما
ِ
ا ال ي فضَّ م ة والََّّ ه م ب وأ ي ن ي م ة
(» النُّ حا ي س وال ح ي دي ي د ج علمو ها يفِ ي خ زان ي ة ب ي ي ت الرَّ ي ب 2 . )
(» و كَ ن الرَّبُّ م ع ي م شو ع، و كَ ن خ م بَم ه يفِ ي جَيعي الأَ ر ي ض « : وتأتي مباركة الربّ لهذا العمل في الختام 3 .)
وفي زمن النبي صموئيل، تحكي لنا التو ا رة قصة قتل واستئصال العماليق) 4 ( في فلسطين،
وبأمر الربّ كذلك، وهي محاكاة وتجديد لنهج موسى ويوشع ومن بعدهما بزعم التو ا رة فتروي في - –
« : ذلك
ِ
وق ا ل م صَوئيي م ل ي ل شا م و ل: ا سْائيي ل.
ِ
يََّ ي أَ ر س ل الرَّبُّ ي ل م س ي ح ك م ي ل كَ ع لى ش ع ي ب ي ه ا والأ ن ف ا سْ ع ص و ت كَل ي م
الرَّ ب ، ه ك ذا ي م قو م ل ربُّ ال م جنمو ي د: سْائيي ل ي ح ين وق ف م له يفِ الطَّ ي ري يَ ي ع ن د م ص م عو ي د
ِ
ي ن ق ي د اف ت ق د م ت ما ي عَ ل عَا ي لي م ي بَ
ِ
ا ي ه
1 – . 19 13 : ( تثنية 23
2 – . 26 23 : ( يشوع 4
3 . 29 : ( يشوع 4
4 ( العماليق: شعب سامي قديم وجد في النقب، وكان يتجول بين جنوب كنعان ووسطها واستقر في الجنوب، أتى
ذكره في التو ا رة بوصفه شعباً معادياً للقبائل العب ا رنية، ولم يعرف أصل هذا الشعب، واعتبرهم العب ا رنيون عدواً أزلياً
،)112/ لهم، وعدّهم "بلعام" وفق التو ا رة بأنهم أول الشعوب ] انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 2
. ] )139/ أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
139
ي م ن ي م صر ، ف الأ ن ا ذ ه ب وا ي ض ب عَا ي لي ، و ح ي رم موا م كَُّ ما م له و لا ت ع م ف ع نهم م ب ي ل اق م ت ل ر م ج لا وا م رأَ ة، ي ط ف لا و ر ي ضي عا،
( » ب ق را وغ ن ما، جَ لا و ي حْا را 1 .)
وهنا للمرء أن يتساءل، ما دام الربّ قد فتح على القوم البلاد وأخضع لهم العباد، فما الحاجة
للانتقام من قوم قاتلوهم في بداية حروبهم؟! والحشد لسحقهم بهذه الطريقة التي لا تعرف الرحمة
بطفل ولا ام أ رة ولا بهيمة؟!
وفي زمن نبي الله داود ، يقرر داود بزعم التو ا رة إبادة مدن بني عمون) - - 2 )
ف ج م ع دا م و م د م كَُّ الشَّ ع ي ب و ذ ه ب « : بطريقة مبتكرة من القتل والحرق والتدمير، وقد ذكرتها التو ا رة تفصيلاً
لَ
ِ
ا ي ربَّ ة و حا ر بِ ا وأَ خ ذ ها ... وأَ خ ر ج الشَّ ع ب ا يَّ لَّي ي فيَ ا و و ض عهم م تَ ت من ا ي ش ير ون وا ي رج ي ح ي ديدٍ وفم م ؤو ي س ح ي ديدٍ وأَ مرَّ م ه
يفِ أَتمو ي ن الأ م ج ي ر، وه ك ذا صن ع ي بِ ي ميع ي م م د ي ن ب ينِ عَُّو ن . م ثَُّ ر ج ع دا م و م د و ي جَي م ع الشَّ ع ي ب لَ
ِ
(» ا أُو م ر ش ي ل ي 3 . )
يَ ي بن ت بَ ي ب ل « ! وفي الم ا زمير ت ا رنيم تدعو إلى قتل الأطفال بلا رحمة وتهشيمهم بالحجارة
(»! ال م م خ رب ة، م طو ب ي ل م ن م يَا ي زي ي ك ج زا ء ي ك ا يَّ لَّي جا زي ي تن ا! م طو ب ي ل م ن يم م ي س م ك أَ طف ا ي لِ وي ي ض م ب ي ي بِ م م الاَّ خ ر ة 4 . )
وي م كونمو ن ك ظ بيٍ ط ي ريدٍ، و كغ نٍَ ي ب لا م ن يَ م م عه ا. ي ل ت ي ف م تو ن م كُُّ وا ي حدٍ لَ « : وفي رؤيا النبي اشعياء كذلك
ِ
ا
ش ع ي ب ي ه، و يه م ربمو ن م كُُّ وا ي حدٍ لَ
ِ
ا أَ ر ي ض ي ه . م كُُّ م ن م و ي ج د يم ط ع م ن، و م كُُّ م ي ن ا نَا ش ي س م قط م ي بَلسَّ ي ي ف . و م تَطَّ م م أَ ط فالمهم م أَ ما م
( » م ع م يو ي ي نَّ م، وتم نه م ب بم م يو م م تِ م وتم ف ض م ح ي ن سا م ؤ م ه 5 . )
أما النبي ارمياء، فيأمره الربّ بزعم التو ا رة أن يحثّ الجنود على الذبح والشرب من الدماء - –
ف ه ذا ال ي و م ي للسَّ ي ي د ر ي ب ال م جنمو ي د ي و م ن ق مةٍ « ! والقتل بلا هوادة! كل ذلك لأن اليوم هو يوم الربّ للانتقام
1 – . 0 1 : ( صموئيل الأول 15
2 ( بنو عمون: هم في مفهوم التو ا رة أنسال ابن عمّي بن لوط، الذي ولد في مجاورة صوغر وامتدت ذريته إلى
الشمال، وسكنوا في جبال جلعاد، وقد طردهم الأموريون تحت قيادة ملكهم "سيحون" من أخصب أملاكهم، وقد دارت
– .] )119 114/ بينهم وبين الإس ا رئيليين معارك كر وفر كثيرة ] انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 2
3 - . 01 21 : ( صموئيل الثاني 12
4 – . 1 9 : ( الم ا زمير 109
5 – . 14 16 : ( اشعياء 10
141
ي للان ي تق ا ي م ي م ن م ب ي غ ي ضي ي ه، ف ي أْ م م كُ السَّ ي م ف وي ش ب م ع وي رت ي وي ي م ن د ي مهي م . لأَنَّ ي للسَّ ي ي د ر ي ب ال م جنمو ي د ذ ي بي ح ة يفِ أَ ر ي ض ال ي ش ما ي ل
(» ي ع ن د نَّ ي ر ال م ف را ي ت 1 . )
أما الفلسطينيون فيقول فيهم الربّ لارمياء قولاً عجيباً بزعم التو ا رة فمصيرهم الانق ا رض - –
ي ب سب ي ب ال ي و ي م الأ ي تِ ي له لا ي ك م ي كُ ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين ، ي ل ي نق ي ر ض ي م ن م صو ر و ص ي م دو ن م كُُّ ب ي قيَّةٍ تم ي ع م ين، لأَنَّ « ! والهلاك المحتّمّ
الرَّبَّ م يه ي م لِ ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين، ب ي قيَّ ة ج ي زي ري ة ك ف م تو ر . أَ تَ الاُّل م ع ع لى غ زَّ ة . أُ ه ي ل ك ت أَ شق لمو م ن م ع ب ي قيَّ ي ة و طا ي ي ئِ م . حتََّّ م تَّ
تخ ي م ي ش ين ن ف س ي ك . أ ي ه، يَ س ي ف الرَّ ي ب، حتََّّ م تَّ لا ت س ي تَ م يح؟ ان ضمَّ لَ
ِ
ا ي غِ ي د ك ! ا ه د أ وا س م ك ن . ك ي ف ي س ي تَ م يح والرَّبُّ
(» ق د أَ و صا م ه ع لى أَ شق لمو ن، وع لى سا ي ح ي ل ال ب ح ي ر م هن ا ك واع د م ه 2 . )
مل م عونٌ م ن ي ع م م ل عَ ل الرَّ ي ب ي ب ي ر خاءٍ، و مل م عونٌ م ن ي من م ع « ، واللعنة لمن يغمد سيفه ويمنعه عن الدم
( !» س يف م ه ع ي ن الَِّ ي م 3 . )
العنف اليهودي المعاصر:
وجدت هذه النصوص العنيفة صداها عند يهود اليوم، وهذا الجانب من الفكر الصهيوني
يتضح بجلاء؛ " فمثلا ، في كتاب الثورة الذي أ لّفه مناحيم بيجن، والذي يقلب فيه العبارة المعروفة
"أنا أفكر، إذن أنا موجود" لتصبح: "أنا أحارب، إذن أنا موجود"، ثم يضيف: "من الدم والنار
والدموع والرماد سيخرج نموذج جديد من الرجال، نموذج غير معروف البتة للعالم في الألف
وثماني السنين الماضية: اليهودي المحارب" ") 4 .)
ويقول أيض اً: "إنّ قوة التقدم في تاريخ العالم ليست السلام بل السيف") 5 .)
" والعنف عند ابن جوريون يقوم بالوظيفة نفسها في إعادة صياغة الشخصية اليهودية، إذ
يصف الرواد الصهاينة بأ نهم لم يكن لهم حديث إلا الأسلحة: "وعندما جاءتنا الأسلحة لم تسعنا
1 . 13 : ( ارمياء 64
2 – . 9 6 : ( ارمياء 69
3 . 13 : ( ارمياء 69
4 121 ( بتصرف. - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
5 . )129/ ( المصدر السابق، ) 9
140
الدنيا لفرط ف رحتنا، ك نّا نلعب بالأسلحة كالأطفال، ولم نعد نتركها أبد اً، كنا نق أ ر ونتكلم والبنادق في
أيدينا أو على أكتافنا ... إنّ موسى أعظم أنبيائنا هو أول قائد عسكري في تاريخ أمتنا... خير - -
مفسر للتو ا رة هو الجيش، فهو الذي يساعد الشعب على الستيطان على ضفاف نهر الأردن،
فيفسر بذلك كلمات أنبياء العهد ويحققها ") 1 . )
لقد استقر البناء التنظيمي للإرهاب الصهيوني منذ مطلع عشرينيات القرن العشرين حين
تأسَّست "الهاجاناه") 2 ( ممثلة الذ ا رع العسكري والباطش للوكالة اليهودية عام 1123 م، وفي السنة
التالية لاندلاع الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1104 م انشق عن الهاجاناه تنظيم اتخذ لنفسه مظه ا رً
أشد تطرف اً ودموية هو عصابة الأرجون تسفاي ليومي )الإتسل() 3 (، وفيما بعد انشق عن "إتسل"
جماعة أب ا رهام شتيرن وكوَّنت عام 1163 م جماعة ليحي) 4 (، وتُعَد هذه المنظمات الثلاث )الهاجاناه
إتسل ليحي( العمود الفقري للإرهاب الصهيوني حتى عام 1169 م) - - 5 .)
1 .)121/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
2( الهاجاناة: منظمة عسكرية صهيونية استيطانية، أُسست في القدس عام 1123 م، وتعني في العبرية "الدفاع"،
أسهمت في بناء الكيان الصهيوني وتأسيسه، وانضمّ اليها فور تأسيسها عدد كبير من أف ا رد الفيلق اليهودي الذي
قاتل إلى جانب الانجليز في الحربين العالميتين، انبثقت عنها منظمة الأرجون ] الموسوعة الفلسطينية الميسرة، هيئة
، جائزة سليمان ع ا رر للفكر والثقافة، رئيس التحرير: ناصر الدين الأسد، أروقة للد ا رسات والنشر/ الأردن، ط 1
1600 ه/ 2312 م، )ص 962 ( بتصرف [. -
3 ( اتسل: منظمة سرية صهيونية، أُسست عام 1101 م، ويعني اسمها: "المنظمة العسكرية القومية في أرض
إس ا رئيل"، ويعد فلاديمير جابوتنسكي الأب الروحي لها، وشعارها يد تمسك بندقية مكتوب تحتها عبارة "هكذا فقط"،
وهي تدّعي بأن أرض إس ا رئيل التاريخية تشمل فلسطين والأردن، وقد تولى مناحيم بيجن قيادتها عام 1160 م، ]
الموسوعة الفلسطينية الميسرة، )ص 09 ( بتصرف [ . -
4( ليحي: منظمة عسكرية صهيونية تعني: "المحاربون من أجل حرية إس ا رئيل"، تشكلت بعد الانشقاق عن منظمة
الأرغون )اتسل( في يونيو عام 1163 م، وكان انشقاقها بسبب معارضتها سياسة مهادنة سلطات الانتداب
البريطاني، واشتهرت ليحي باسم "شتيرن" نسبة إلى مؤسسها أب ا رهام شتيرن، ودعت المنظمة إلى إنشاء جيش يهودي
مستقل واعلان هدف الصهيونية وهو إقامة دولة يهودية على ضفتي نهر الأردن ] الموسوعة الفلسطينية الميسرة،
)ص 419 ( بتصرف [ . -
5 . )101/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
141
" وهذه المرحلة من الإرهاب الصهيوني على أرض فلسطين هي المرحلة التي سبقت تأسيس
الكيان الصهيوني، وقد مارست هذه التنظيمات الصهيونية مذابح في القرى والمدن الفلسطينية جنباً
إلى جنب مع اتباع نهج التطهير العرقي والتهجير القسري " ) 1 . )
وكانت فترة 1169 م 1169 م فترة الذروة في ارتكاب هذه المجازر، وهي الفترة التي تعرف -
عند أهل فلسطين والعرب بالنكبة، وتعرف عند الصهاينة بحرب الاستقلال، وقد أظهرت الم ا رجعات
التاريخية لما جرى خلال هاتين السنتين الداميتين أنما جرى كان أشبه بإبادة جماعية، فقد وُثّق
تدمير 502 قرية فلسطينية وطرد سكانها، و 233 جريمة حرب، و 04 مجزرة ) 2 .)
والفترة التالية لتأسيس الكيان الصهيوني )أي الفترة بين 1161 و 1149 م( شهدت مجازر لا
تقل همجية عن سابقاتها، وقدّرت ب 11 مجزرة في الضفة الغربية وقطاع غزة، ا رح ضحيتها نحو
1533 فلسطيني) 3 . )
وقد استمرّ العنف والإرهاب الصهيوني ضد أهل فلسطين وما حولها بعد عام 1169 م
و 1149 م وحتى يومنا هذا، واتّخذ هذا العنف والذبح شكل ما يعرف ب "إرهاب الدولة"، بدءاً
بالغا ا رت على القرى الحدودية العربية خلال فترة الخمسينات والستينات، أو مهاجمة متكررة لمواقع
- مدنية في مصر والأردن وسوريا وتونس والع ا رق، أو في محاولة قمع انتفاضة الحجارة ) 1199
1110 م(، وانتفاضة الأقصى ) 2335 2333 م(، والعدوان على قطاع غزة ) 2331 2339 م(، - -
)وكذلك حرب الأيام الثمانية على غزة في نوفمبر عام 2312 م) 4 ((، إضافة إلى الاغتيالات والقتل
المتعمد لقيادات فلسطينية داخل فلسطين وخارجها) 5 . )
1 . ) ( الموسوعة الفلسطينية الميس رة، )ص 09
2 ، ( انظر: المجازر الإس ا رئيلية بحق الشعب الفلسطيني، ياسر علي، مركز الزيتونة للد ا رسات/ بيروت، ط 1
.) 1603 ه/ 2331 م، )ص 25
3 .) ( انظر: المصدر السابق، )ص 21
4 ( الباحث.
5 ( الموسوعة الفلسطينية الميسرة، )ص 09 ( بتصرف . -
143
اوجمالاً يمكن أن تُص نف الأعمال الإرهابية الصهيونية بثلاث م ا رحل زمنية، اتسمت كل منها
بأهدافها و بأساليبها وبالأدوات المستعملة فيها، وهذه الم ا رحل هي على التوالي) 1 :)
1169 م. /11/ المرحلة الأولى: بدأت في 14 نيسان 1104 م، وانتهت بق ا رر التقسيم في 21
المرحلة الثانية: بدأت من ق ا رر التقسيم، وانتهت بانتهاء المعارك بين الكيان الصهيوني
والدول العربية وتوقيع الهدنة بينهم، والتي كانت في نهاية عام 1161 م.
المرحلة الثالثة: بدأت منذ بداية عام 1161 ولم تنته فصولها حتى الآن، وهذه المرحلة
يمكن تقسيمها حسب جغ ا رفية المكان إلى ثلاثة فصول؛ الفصل الأول كانت ساحته الأ ا رضي
المحتلة عام 1169 م، والفصل الثاني نفذ في الأ ا رضي المحتلة عام 1149 م، والثالث اتسعت
مساحته لتشمل الدول العربية والمخيمات الفلسطينية الموجودة فيها.
ولأنّ الصهاينة قد اعتمدوا أسلوب القتل والعنف والإج ا رم سبيلاً حصرياً لتنفيذ مخططاتهم
والوصول إلى وعدهم المزعوم في فلسطين، فليس غريباً أن تجد أنّ "مناحيم بيجن" وُضع ضمن
قائمة سلطات النتداب البريطاني في فلسطين للمطلوب القبض عليهم بمكافأة كبيرة؛ بسبب
ج ا رئمهم الدموية حتى ضد الإنجليز، لكن الغريب أن يُمنح بيجن نفسه جائزة نوبل للسلام) 2 ( عام
1199 م! ) 3 . )
1 ( المجزرة الصهيونية عقيدة وممارسة، د ا رسة، أحمد الباش، تجمع العودة الفلسطيني )واجب(، تحت ا ربط:
www.wajeb.org ، سحب بتاريخ 2312 30 26 م بتصرف . - - -
2 ( جائزة نوبل للسلام: هي إحدى جوائز نوبل الخمسة التي أوصى بها ألفرد نوبل، لا يعرف إلى يومنا هذا
أسباب اختياره للسلام كأحد مواضيع جوائزه، فمثلا يمكن تفسير جائزة نوبل في الكيمياء أو الفيزياء لكونه مهندس اً
كيميائياً، يرى البعض بأن نوبل أ ا رد أن يعوض تنامي القوة المدمرة، إذ هو مخترع الديناميت، ولكن الديناميت لم
يستعمل قبل وفاته، تمنح جائزة نوبل سنو يا في العاصمة النرويجية أوسلو في العاشر من ديسمبر من قبل معهد
نوبل النرويجي، مُ نحت لأول مرة سنة 1131 م، ويتم اختيار المترشحين للجائزة من قبل هيئة يعينها البرلمان
النرويجي وذلك حسب وصية نوبل ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: جائزة_نوبل_للسلام wikipedia.org/wiki/ ،
2310 م بتصرف يسير [. - /39/ بتاريخ: 19
3 ( المجازر الإس ا رئيلية بحق الشعب الفلسطيني، ياسر علي، )ص 19 ( بتصرف . -
144
وللتأكيد على البعد العقائدي في القتل والدمار الصهيوني، فقد عدّ بعض الباحثين القرى
التي دمّرها الصهاينة في قضاء القدس وحدها بنحو أربعين ) 43 ( قرية وخربة) 1 (، إذ إنّ من
المعلوم أن القدس هي بؤرة الص ا رع الأهمّ، ومركز الاهتمام اليهودي الصهيوني.
إذاً، يرتبط عنف اليهود الماضي بالحاضر، لتظل صورتهم واحدة مهما حاولوا تجميلها، فهي
ثابتةٌ في تو ا رتهم المحرّفة، وممتدة عبر الزمن إلى وقتنا الحاضر، ولم يتغير سوى أساليب تجميلها.
إنّ الله وصف اليهود بأشد وأبلغ وصف في عقليتهم العدوانية فقال : } وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً
مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَاراً لِّلْحَرْبِ
. ) أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً وَاللّهُ لاَ يحُِبُّ الْمُفْسِدِينَ{ )المائدة/ 46
ثم أجمل الق آ رن وحسم أمرهم في قوله بعد الآية السابقة بآيات:}لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ
. ) آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ { )المائدة/ 92
وقد اعترف الكثير من الغربيين الذين عايشوا اليهود ودرسوا أحوالهم بهذه العقلية - -
العدوانية المتأصلة في سلوك ونفوس اليهود، فهذا مارتن لوثر يصفهم بقوله: " أعتقد وشاهدي -
العهد القديم ول حاجة إلى شواهد أخرى اعتقاداً مكيناً ل يزحزحني عنه مخلوق على وجه -
الأرض أن اليهود كما ن ا رهم اليوم هم حقاً خليط من مختلف الأوغاد وسفلة اللئام، ل نظير لهم
في العالم كلّه، فقد تشتتوا وتفرقوا إلى كل الأوطان ... ليكونوا بين تلك الأمم العلَق الممتص
للدماء... وعلى الإيجاز فاليهود هم المفسدون في الأرض، وان إيذاء الناس من طبائعهم
المركوزة فيهم") 2 .)
1 ( انظر: القرى المدمّرة في قضاء القدس، د ا رسة، أحمد الباش، تجمع العودة الفلسطيني )واجب(، قسم الأبحاث
والد ا رسات، تحت ا ربط: www.wajeb.org ، سحب بتاريخ 2312 30 24 م . - -
2 – . )156 ( اليهود وأكاذيبهم، مارتن لوثر، )ص 150
145
ويصف المؤرخ الفرنسي جوستاف لوبون اليهود محاولاً ربط تاريخهم بحاضرهم بقوله: - -
"والذي كان بنو إس ا رئيل يفضّلونه بعد الذبح والتقتيل هو السكون تحت شجر العنب والتين") - – 1 .)
ويؤكد لوبون على صلة وحشية اليهود بتو ا رتهم فيقول: "ويعرف جميع ق اّ رء التو ا رة وحشية
اليهود التي ل أثر للرحمة فيها، وما على القارئ ليقنع بذلك إل أن يتصفح نصوص سفر - -
الملوك، التي تدلنا على أن داود كان يأمر بحرق جميع المغلوبين وسلخ جلودهم ووشرهم
بالمنشار، وكان الذبح المنظم بالجملة يعقب كل فتح مهما قلّ، وكان الأهالي الأصليون يوقَفون،
فيحكم عليهم بالقتل دفعة واحدة، فيُبادون باسم يهوه، من غير نظر إلى الجنس ولا إلى السنّ، وكان
التحريق والسلب يلازمان سفك الدماء") 2 . )
بل إن "فرويد") 3 ( وهو يهودي الأصل، يقول في كتابه )موسى والتوحيد(: " إنّ يهوه )إله
اليهود المتصوّر( عني ف ... وقد وعد العبريين بأرضٍ تفيض باللبن والعسل دون مب رر ... كما
وعدهم بإبادة سكانها الأصليين بحدّ السيف ") 4 .)
فليس صعباً بعد كل هذه الشهادات ضد اليهودية أن نكتشف أنّ الأصول الدينية لليهود
ترتبط ارتباطاً مباش ا رً بسلوكهم العنيف والإج ا رمي في فلسطين المحتلة.
وليس غريباً أن ينبري حاخامات اليهود ليجددوا في كل مناسبة فتاويهم بالقتل واستباحة دماء
الغير، ويدوّن أحدهم وهو الحاخام جينسبرج) – 5 ( كتاباً يمجّد فيه المجرم الصهيوني باروخ -
1 . ) ( اليهود في تاريخ الحضا ا رت الأولى، لوبون، )ص 65
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 93
3 ( سيجموند فرويد ) 2404 2851 م(: مفكر من أعضاء الجماعة اليهودية في النمسا، ومؤسس مدرسة التحليل -
النفسي، ويُعَدُّ من أهم المفكرين الغربيين، إن لم يكن أهمهم طُ ا رً، وقد سُمِّي فرويد باسمين: اسم بولندي،
أي سليمان، وله آ ا رء عجيبة في علم النفس، ويعد على أساسها رغم شهرته ،» شلومو « ، واسم عبري ،» سيجموند «
609 ( بتصرف [ . - / غير سوي نفسياً، احتفى الغرب واليهود بآ ا رئه كثي ا رً .. ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 0
4 - ) 2311 م، )ص 63 ، ( التلمود شريعة بني إس ا رئيل حقائق ووقائع، محمد صبري، مكتبة مدبولي/ القاهرة، ط 1
بتصرف .
5 ( لم يعثر الباحث على ترجمة له .
146
جولديشتاين) 1 (؛ مرتكب مذبحة الحرم الإب ا رهيمي) 2 ( إذ يقول في كتابه: "إن قتل اليهود لغير اليهود
ل يعتبر جريمة تبعاً للديانة اليهودية، وانّ قتل العرب الأبرياء بغرض النتقام يعتبر فضيلةً
يهودية") 3 .)
ولم يقم أي حاخام يهودي صهيوني مؤثر بالاعت ا رض على تصريحات جينسبرج علناً، والتزم
معظم الساسة الصهاينة الصمت، بل قام بعضهم بتأييده علن اً!!) 4 . )
خلاصة المطلب:
أولً: لا تجد كتاب اً يمتلئ بالدعوة للعنف والقتل وسفك الدماء أو حكاية ذلك بقدر ما تجده - –
في تو ا رة اليهود المحرّفة، إذ حوت العش ا رت من النصوص الداعية لزهق الأرواح، والمحرّضة على
القتل المباشر.
ثانياً: إنّ نصوص العهد القديم وجدَ ت آذاناً صاغية وأيدٍ من فّذة من اليهود المعاصرين، وربط
الباحثون والمؤرخون بين عقيدتهم وعنفهم، ولم ينكر حاخاماتهم وبعض ساستهم هذه ال ا ربطة بين
الدين والممارسات العنيفة الحديثة.
1 2444 م(: وُلد في نيويورك لعائلة يهودية أرثوذكسية متشددة، كان متعاطفا مع - ( باروخ جولدشتاين ) 2451
التيار المتشدد للصهيونية الدينية، وكان عضواً في جماعة محسوبة على اليمين المتطرف والتي أسسها مائير
كاهانا وأصبح واحدا من قادتها، هاجر إلى فلسطين المحتلة وعمل في جيش الاحتلال كطبيب ومن ثم كاحتياطي،
عرف عنه رفضه لمداواة غير اليهود وحتى لو كانوا يخدمون في الجيش، بعد خروجه من الجيش استقر في
مستوطنة "كريات أربع" بالخليل، ارتكب عام 1116 م مذبحة الحرم الإب ا رهيمي الشهيرة، وكانت نهايته على يد
المصلّين بعد نفاد ذخيرته ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: باروخ_جولدشتاين wikipedia.org/wiki/ ، بتاريخ:
2310/39/19 م بتصرف يسير [. -
2 1116 م، إذ قام /32/ ( مذبحة الحرم الإب ا رهيمي: وقعت في الركعة الأولى من صلاة الفجر يوم الجمعة 25
ضابط )طبيب( برتبة نقيب في الجيش الصهيوني يدعى باروخ جولدشتاين بفتح النار على المصلين في المسجد
الإب ا رهيمي في الخليل، أثناء سج ود المصلين، فقتل 03 مسلماً فلسطينياً وجرح نحو 033 آخرين، واستمر المجرم
في إطلاق النار حتى أحاط به المصلون وقتلوه بمطافئ الحريق الموجودة في المسجد ] انظر: المجازر الإس ا رئيلية
.] ) بحق الشعب الفلسطيني، ياسر علي، )ص 41
3 113 ( بتصرف. / ( الأصولية اليهودية، شاحاك وَ ميزفينسكي، ) 1
4 . ) ( المصدر السابق، )ص 113
147
ثالث اً: إنّ هناك ولا ريب ارتباطاً مباش ا رً بين الممارسات اليهودية الصهيونية العنيفة في
فلسطين وبلاد المسلمين وبين العقيدة اليهودية المبيحة لهذا العنف والداعية إليه، والمرخّصة
باستباحة دماء الخصوم من غير اليهود.
ا ربع اً: امتلأ تاريخ اليهود قديماً وحديثاً بالعنف والقتل وارتكاب المجازر، وقد اتّضحت صورة
هذه المجازر وازدادت قبل وأثناء وبعد احتلال اليهود لفلسطين عام 1169 م، وارتكب الصهاينة من
ج ا رئم القتل ما لا ينكره عاقل، وباتت ج ا رئم القتل الصهيونية علامة مميزة لأفعالهم المشينة ضد
العرب والمسلمين وضد أهل فلسطين خاصة.
خامساً: إنّ مفاصل الفكر الصهيوني والعقيدة اليهودية على حد سواء تقوم على استباحة
الخصوم أرضاً وعرضاً ودماً، على اعتبار أنّ الشعب المختار؛ شعب الإله يهوه، هو المخوّل
بعمارة الأرض، وما دونه هم درجة متدنية من البشر؛ وعليه فلا غضاضة في سحق مخالفيهم بلا
رحمة، ولا مانع من حرق بلادهم وسرقة أموالهم وسفك دمائهم، فهذا محض أمر إلهي ورخصة
دينية بيّنة.
سادساً: إنّ كلّ محاولات اليهود إخفاء صورتهم البشعة في سفك الدماء واستباحة البلاد
والعباد باءت بالفشل، فلا هم قادرون على إلغاء كتابهم المقدّس، ولا بإمكانهم شطب تاريخهم
الأسود، والأهم أ نهم لا يمكن أن يخفوا وجههم المعاصر المتمرس في إسقاط النصوص الدينية
والطبيعة التاريخية على الواقع الحاضر؛ قتلا وتدمي ا رً، وانكا ا رً للغير، وعلواً في الأرض.
148
المطلب الثاني
التوسع الاستيطاني وجدار الفصل وعلاقتهما بعقيدة اليهود
أولا : الاستيطان اليهودي
تطرق الباحث إلى مسألة الاستيطان عند الحديث عن الاستعمار والاستيطان كأساس من
أسس الصهيونية) 1 (، ويفصّل في هذا المطلب هذا الجانب أي الاستيطان والجدار كتطبيق من - –
تطبيقات العقيدة اليهودية في الأرض المقدّسة.
فبنظرة مبدئية إلى ما سبق من أصول الفكر اليهودي وعقيدة اليهود في الأرض المقدّسة، وما
ظهر تاريخياً من نتائج تلك العقيدة أعني الصهيونية فإن ما نسمع عنه كل يوم من مشاريع – –
استيطانية وقضم متواصل من قبل اليهود لما تبقى من أرض فلسطين، كل ذلك يبدو طبيعياً في
سياق العقيدة اليهودية في الأرض المقدّسة.
إذ يتضح للباحث أن من لوازم دعوى اليهود بحقهم الديني والتاريخي في فلسطين، ومن
مقتضيات زعمهم بتمليك الربّ إياهم الأرض الموعودة من نهر مصر إلى نهر الف ا رت، أن يكون
من حقّهم بل من واجبهم بزعمهم أن يستوطنوا كلّ شبر يقدرون عليه من الأرض الموعودة، هذا - -
فضلاً عن كونهم شعب الله المختار بزعمهم الأمر الذي يؤهّلهم لسكنى أي أرض تحت سماء - -
الربّ، فكيف إذا كانت هذه الأرض هي الأرض المقدّسة المكتوبة تمليكاً على التأبيد للشعب
المقدّس؟!
يقول بنيامين نتنياهو بوضوح: " إذا لم يكن هناك حق لليهود في الستيطان في الخليل وفي
بيت إيل، فليس لهم الحقّ في البقاء أيضاً في حيفا ويافا " ) 2 . )
بل يربط نتنياهو بين هذا التمسك بالاستيطان وبين الدين اليهودي، فيستشهد بنص تو ا رتي ثم
يقول مستنك ا رً دعوات وقف الاستيطان في الضفة الغربية: "هذه الأرض التي تخرج مع كل ضربة
1 - . )223 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 219
2 . ) ( مكان بين الأمم، نتنياهو، )ص 19
149
فأس في أرضها بقايا الماضي اليهودي، والتي لا ا زل الاسم العبري القديم يلمس في أسماء ق ا رها،
هذه الأرض التي أصبح فيها أبناء إس ا رئيل شعباً، والتي من أجلها ذرفوا بح ا رً من الدموع عبر
التاريخ ... هذه الأرض هي الأرض الأجنبية التي يريد زعماء العالم اليوم إغلاقها في وجه
الستيطان اليهودي؟!") 1 . )
ويؤكّد نتنياهو بحماسة في معرض دعوته اليهود إلى استيطان أرض فلسطين والهجرة إليها
قائلاً: " إنّ تاريخ الصهيونية هو تاريخ هجرة اليهود إلى أرض إس ا رئيل، وهذا هو العنصر الذي
سيحسم مستقبل الدولة السكاني، لذا فإنّ المفتاح لمستقبل الدولة والحلّ لكافة مشاكلها السكانية
يكمنان في استم ا رر هجرة اليهود إلى إس ا رئيل حتى تصبح مأوى للجماهير اليهودية التي شاهدها
مؤسسو الحركة الصهيونية في أحلامهم، لذا فإن النضال من أجل الهجرة اليهودية هو نضال من
أجل بقاء إس ا رئيل") 2 . )
ويختم نتنياهو بطرح الفكر الصهيوني الواضح الذي لا لبس فيه في مسألة استيطان اليهود
أرض فلسطين، فهو يعتبر أن أرض )إس ا رئيل( أكبر بكثير من الحالية، وفيها متسع لمن يسميهم
بعرب فلسطين، فيقول: " إنّ المطالبة بقيام دولة فلسطينية في الضفة الغربية تتجاهل حقيقة وجود
دولة فلسطينية قائمة حالياً، فأرض )إس ا رئيل النتدابية( كبيرة لدرجة تجعلها قادرة على استيعاب
دولة يهودية صغيرة، إس ا رئيل، ودولة أكبر لعرب فلسطين، تلك التي تدعى الأردن") 3 . )
وينهي نتنياهو كتابه بعبا ا رت دينية يهودية عنصرية يستخرجها من أقوال شاذة في التاريخ
مثل: "إنّ وجود اليهود هو الدليل على وجود الله") 4 ( ويتبعها بمقولة للنبي عاموس وردت في العهد
(» يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م أُ ي ق م ي ي م ظ لَ دا م و د السَّا ي ق ط ة، وأُ ح ي ا م ن م ش م قوق ه ا، وأُ ي ق م ي ر د م ه ا، وأَب ي نيَ ا كَيََّ ي م الَِّ ه ي ر « : القديم 5 . )
1 .) ( مكان بين الأمم، نتنياهو، )ص 112
2 .) ( المصدر السابق، )ص 021
3 . ) ( المصدر نفسه، )ص 042
4 . ) ( المصدر ذاته، )ص 623
5 . 11 : ( عاموس 1
151
أ ا رد الباحث أن يقدّم لهذا المطلب بهذه الأقوال لزعيم الصهاينة اليوم على قاعدة "من فمك
أدينك"، فقد كتب نتنياهو كتابه هذا منذ نحو عشرين سنة، وهو فيما اتضح للباحث من ق ا رءته –
للكتاب يدلل على حقيقة أنّ نهاية الفكر اليهودي الصهيوني تعود إلى مبتداه، وأنّ هذا هو الفكر -
التو ا رتي لزعماء الصهاينة الذين يخادعون العالم بعبا ا رت السلام خاصة في ظل رواج الحديث عن –
الاستيطان في هذه الأيام ، وهو أبلغ من كل تبرير أو ليٍّ لخطابات ومواقف الصهيونية اليوم على -
أ نها خطابات سياسية مرجعها المصالح البحتة، ولا أثر للدين والفكر الصهيوني فيها إلا قليلا !.
لقد بدأ الاستيطان اليهودي في أرض فلسطين انطلاقاً من الصياغة الصهيونية الأولى
المأخوذة من الوعد الكتابي "من النيل إلى الف ا رت"، وهو ما يعني أنّ هدف الاستيطان اليهودي ليس
فلسطين بأكملها فحسب ، بل الأردن وجنوب لبنان وجزءً من سوريا والع ا رق والسعودية!؛ لذلك ليس
غريباً أن يتنصل الصهاينة من أي ق ا رر أو اتفاقية دولية تلزمهم بوقف الاستيطان والتوسع في أرض
فلسطين، بل كانوا دوماً يبنون سياساتهم نحو التوسع والتمدد ) 1 . )
أصل الاستيطان في التوراة:
لعلّ النصوص التي دلّت أو استدلّ بها اليهود على أحقيتهم الدينية والتاريخية في فلسطين
هي ذات النصوص الداعية إلى استيطان الأرض وطرد أهلها.
لكن التو ا رة المحرّفة كذلك حفلت بالنصوص الداعية إلى طرد سكان البلاد واستيطانها بشكل
مباشر وبأمر إلهي أو نبوي.
فهذا الأمر بالطرد والاستيطان واضح أيما وضوح في خطاب الربّ المزعوم لموسى عند
أُ ر ي س م ل ه يب يت أَ ما م ك، وأُ ز ي م ع ي جَي ع الشُّ م عو ي ب ا يَّ لَّي ن ت أْ ي تِ ع ل ي يَ م، وأُ ع ي طي ك ي جَي ع « : خروجه من مصر، قائلاً له
أَع دائي ك م د ي ب ي ري ن، وأُ ر ي س م ل أَ ما م ك الزَّ ن ي ب ير، ف ت ط م ر م د ال ي ح ي وي ي ين وال كن عا ي ن ي ين وال ي ح ي ث ي ين ي م ن أَ ما ي م ك ، لا أَ ط م ر م د م ه ي م ن أَ ما ي م ك
يفِ س ن ةٍ وا ي ح دةٍ، ي لئ لاَّ ت ي ا ير الأَ ر م ض خ ي رب ة، ف ت ك م ثّ ع ل ي ك م و م حو م ش ال ي بَيَّ ي ة، ق ي لي لا ق ي لي لا أَ ط م ر م د م ه ي م ن أَ ما ي م ك لَ
ِ
ا أَ ن
1 - . )605 ( انظر: فلسطين أرض الرسالات السماوية، رجاء جارودي، )ص 600
150
تمث ي م ر وت م ي لِ الأَ ر ض، وأَ ج ع م ل م م تخو م ك ي م ن بِ ي ر م سوفٍ لَ
ِ
ا بِ ي ر ي ف ي ل س ي ط ين، و ي م ن ال ي بَيَّ ي ة لَ
ِ
ا النَّه ي ر، ي ن
ِ
ف ا أَ دف م ع لَ
ِ
ا أَي ي دي م ك
(» م سكََّ ن الأَ ر ي ض، ف ت ط م ر م د م ه ي م ن أَ ما ي م ك 1 . )
لاحظ كيف ترتسم سياسة الإبادة والاستيطان في هذا النص التو ا رتي، فالربّ سيبيد السكان
الأصليين، والإبادة تدريجية، ومن ثم الطرد التدريجي، وكأنّ هذا النص يرسم سياسة اليهود اليوم
في الاستيطان وقرض الأرض وتهجير سكّ انها.
وق ا ل « : ونصٌ آخر في ذات السفر التو ا رتي، لكنّ الربّ هذه المرة لن يرسل ال زنابير، بل ملاكاً
الرَّبُّ ي ل م مو س : ا ذ ه ي ب ا ص ع د ي م ن م هن ا أَن ت والشَّ ع م ب ا يَّ لَّي أَ ص ع دت م ه ي م ن أَ ر ي ض ي م صر لَ
ِ
ا الأَ ر ي ض الَّ يت حل ف م ت ب را ي ه ي
ِ
لا
سْا ق
ِ
وا وي ع م قو ب ق ائي لا : ي لن س ي لِ أُ ع ي طيَ ا. وأَ ن أُ ر ي س م ل أَ م ا م ك م لا كَ، وأَ ط م ر م د ال كن عا ي ن ي ين والأَ م مو ي ر ي ين وال ي حثي ي ين
(» وال ي ف ي ر ي ز ي ين وال ي ح ي وي ي ين وال ي م بو ي س ي ين 2 . )
ي ن « : وفي التو ا رة إشارة إلى التوسّع فضلاً عن الاستيطان والطرد، ونصّه
ِ
ف ا أَ ط م ر م د الأُ م م ي م ن
قمدَّا ي م ك وأُ و ي س م ع م م تخو م ك ، و لا ي ش ي تَيي أَ حدٌ أَ ر ض ك ي ح ين ت ا ع م د ي لت ظه ر أَ ما م الرَّ ي ب لهي ك
ِ
(» ا ث لا ث مرَّاتٍ يفِ السَّ ن ي ة 3 .)
(» وت ط م ر م دو ن أَع دا ء م كم ف ي س م ق م طو ن أَ ما م م ك ي بَلسَّ ي ي ف « : ومن جديد يرتبط الطّرد بالقتل والدماء 4 .)
بل إنّ التو ا رة تحذّر من الاستيطان من دون طرد السكّان الأصليين، فهذه وصفة للفشل، إذ
لا بد من طردهم جميعاً، هذه تعليمات الربّ لموسى ف ت ط م ر م دو ن م كَُّ م سكََّ ي ن - – « بزعم التو ا رة
الأَ ر ي ض ي م ن أَ ما ي م م ك، وت م م حو ن ي جَي ع ت اا ي وي ي ر ي ه، وتم ي بي م دو ن م كَُّ أَ ص ن ا ي مهي ي م ال م س م بو ك ي ة و م تخ ي ربمو ن ي جَي ع م رت ف عا ي ي تِ م، ت م ي ل م كو ن
الأَ ر ض وت س م كنمو ن ي فيَ ا لأَ ي ن ق د أَ ع ط ي م ت م م ك الأَ ر ض ي ل كَ ت م ي ل م كو ها ... ن
ِ
وا ل م ت ط م ر م دوا م سكََّ ن الأَ ر ي ض ي م ن أَ ما ي م م ك ي م كو م ن
ا يَّ لَّي ن ت ست ب م قو ن ي م نهم م أَ ش وا كَ يفِ أَ ع م يني م ك، و من ا ي خ س يفِ ج واني ي ب م ك، ويم ضا ي م قون م ك ع لى الأَ ر ي ض الَّ ي ت أَن م تُ سا ي كنمو ن
(»... ي فيَ ا 5 . )
1 – . 01 29 : ( خروج 20
2 - . 2 1 : ( خروج 00
3 . 26 : ( خروج 06
4 . 9 : ( لاويين 24
5 – . 55 52 : ( عدد 00
151
إنّ هذا النص من العهد القديم فيما يتضح للباحث هو مستند واضح لممارسات - -
الصهيونية اليوم، في تناغم وانسجام واضح بين النص الديني والممارسة الواقعية، وربما هذا النص
يفسر كما غيره التعنت الصهيوني في موضوع الاستيطان في فلسطين ورفض التنازل عنه، – –
بل ولا حتى تجميده لفترة محدودة، إذ توصّف التو ا رة ذلك على أنه خطر داهم وشوكة في العين
وطعنة في الخاصرة يوشك أن تقضي على الحلم التو ا رتي بالأرض الموعودة المزعومة.
وتذكير من الربّ لشعبه وتأكيد على الحق في الأرض واستيطانها بزعم كاتب التو ا رة : - –
ي ل كَ ي ط م ر د ي م ن أَ ما ي م ك م ش م عو بَ أَ ك بَ وأَ ع ظ م ي من ك، وي أْ ي تِ ي ب ك ويم ع ي ط ي ك أَ ر ضهم م ن ي اي با كُ يفِ ه ذا « : يقول الربّ
(» ال ي و ي م 1 . )
فبالرغم من أنّ هذه الشعوب هي أكبر وأعظم منك، إلاّ أن الحكمة الإلهية تقتضي أن
تطردهم عن بكرة أبيهم وأن تأخذ أرضهم، نصيباً مفروضاً!! .
ن - – « : وكيف السبيل إلى طردهم وهذا حالهم كثرةً وعظمة ؟ تُجيب التو ا رة
ِ
ا قمل ت يفِ ق ل ي ب ك :
ه م ؤ لا ي ء الشُّ م عو م ب أَ ك م ثّ ي م ي نِ . ك ي ف أَق ي د م ر أَ ن أَ ط م ر د م ه؟ ف لا تخ ف ي م نهم م م، ا ذ م ك ر ما ف ع م لِ الرَّبُّ لهم ك
ِ
ا ي ب ي ف ر ع و ن و ي بِ ي ميع ي
ال ي م ي صري ي ين ... ول ي كنَّ الرَّبَّ له ك
ِ
ا ي ط م ر م د ه م ؤ لا ي ء الشُّ م عو ب ي م ن أَ ما ي م ك ... وي د ف م ع م ملمو كهم م لَ
ِ
ا ي ي د ك، ف ت م م حو ا سْهم م ي م ن
تَ ي ت السَّ ما ي ء، لا ي ي ق م ف ن سانٌ
ِ
( » ا يفِ و ي جْ ك حتََّّ تم ف ي ن يَم م 2 . )
ولكن التو ا رة أيضاً تشير إلى إمكانية بقاء بعض الأعداء في وسط )إس ا رئيل( لاستعصائهم
وأَمَّا ال ي م بو ي س يُّو ن السَّا ي ك م نو ن ي فِ « : على الاستئصال، وهنا يظهر التناقض جلياً؛ إذ جاء في سفر يشوع
أُو م ر ش ي ل ي ف ل ي ق ي د ر ب نمو يهمو ذا ع لى ط ر ي د ي ه، ف س ك ن ال ي م بو ي س يُّو ن م ع ب ينِ يهمو ذا يفِ أُو م ر ش ي ل ي لَ
ِ
(» ا ه ذا ال ي و ي م 3 . )
ر م جلٌ وا ي حدٌ ي من م ك ي ط م ر م د أَل فا، لأَنَّ الرَّبَّ له م ك « : في حين أنّ السفر ذاته يقول
ِ
ا م ه و ال م م حا ي ر م ب ع ن م ك كُ
(» كََّ م م ك 4 ) .
1 . 09 : ( تثنية 6
2 – . 26 19 : ( تثنية 9
3 40 : ( يشوع 15
4 . 13 : ( يشوع 20
153
فكيف تكون معيّة الربّ معهم، فيجعل واحدهم يغلب ألفاً، ثم يستعصي عليهم اليبوسيون؟!
ولك أن تقارن حسب فهم الباحث بين هذا النص المتطرّف غير الواقعي وبين قول الله - – :}َيا
أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفاً مِّنَ
الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ * الآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ
- .)44 صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُمْ أَلفٌْ يَغْلِبُواْ أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ { )الأنفال/ 45
إذاً، وبناءً على هذا التأصيل التو ا رتي لسياسة الاستيطان والإحلال، فلنقف أمام واقع اليهود
اليوم في مسألة الاستيطان وسرقة ما تبقى من الأرض من أهلها الشرعيين.
الاستيطان اليهودي المعاصر:
يقول الدكتور المسيري: " إن أسطورة الاستيطان الصهيونية تنظر للوجود الفلسطيني في
فلسطين باعتبا ره أم ا رً عرضي اً هامشياً، والاعتذاريات الصهيونية مليئة بالحديث عن فلسطين
باعتبارها أرض اً مهجورة مهملة، وكثي ا رً ما يتحدث الصهاينة عن الفلسطينيين كما لو كانوا جزء اً
من الطبيعة بلا تاريخ، وكل هذا ينتهي بطبيعة الحال بتأكيد حق اليهود المطلق في فلسطين
وينكرون هذا الحق على الفلسطينيين، وتحاول الحركة الصهيونية وضع حل نهائي للمشكلة
الديموغ ا رفية فقامت أحيان اً بالإبادة، ولكن الطرد كان الشكل الأساسي، وبعد اتفاقيات أوسلو أخذ
الحل النهائي شكل عزل السكان الأصليين داخل مجموعة من القرى والمدن ومحاصرتهم بالقوات
العسكرية الإس ا رئيلية والطرق الالتفافية ") 1 .)
و حديث اً، أشار التقرير الاست ا رتيجي الفلسطيني لعام 2311 م إلى أنّ تعداد المستوطنين
اليهود في الضفة الغربية والقدس ما بين نهاية عام 2311 م وبداية عام 2312 م بلغ نحو 562
ألف مستوطن، كما سارعت حكومة نتنياهو إلى إق ا رر تسهيلات في سعر الأ ا رضي المخصّ صة
1 43 ( بتصرف يسير . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
154
للبناء في المستوطنات بنسبة فاقت ال 53 %؛ تشجيعاً للمستوطنين على النتقال للسكن في
الضفة الغربية) 1 .)
كما أنّ منظمات يهودية مثل )حركة السلام الآن() 2 ( كشفت عن حقائق صادمة في سعي
اليهود الحثيث لتوسيع الاستيطان على حساب طرد الفلسطينيين من أ ا رضيهم وخنقهم، إذ أشارت
2311 م إلى أن وتيرة البناء الاستيطاني في الضفة الغربية /1/ الحركة في تقرير لها صدر في 9
تصل إلى نحو ضعفي وتيرة البناء في فلسطين المحتلة عام 1169 م! مبيّنة أن أغلب من
يتصدّرون للاستيطان في الضفة هم من المتدينين اليهود، ورصد تقرير آخر للحركة أن معدّل
2311 م في مستوطنات الضفة فقط عدا القدس بلغ أكثر - - – البناء في السنة الواحدة بين 2331
من 1433 وحدة سكنية في العام) 3 . )
كما رصدت و ا زرة الدولة لشئون الجدار والاستيطان الفلسطينية في تقريرها السنوي 696
موقعاً استيطانياً في الضفة الغربية حتى نهاية عام 2311 م، منها 196 مستعمرة، و 191 بؤرة
استيطانية، و 24 موقعاً استيطانياً آخر) 4 . )
وفي سياق التدليل على الهدف الديني الاستيطاني، يلفت الباحث إلى أنّ الجهاز المركزي
للإحصاء الفلسطيني قد أشار في تقريره الإحصائي السنوي إلى أنّ هناك 00 "مستوطنة دينية" في
1 ، ( التقرير الاست ا رتيجي الفلسطيني لعام 2311 م، تحرير: د. محسن صالح، مركز الزيتونة للد ا رسات/بيروت، ط 1
213 ( بتصرف . - – 1600 ه/ 2312 م، )ص 291
2 ( حركة السلام الآن: بالعبرية "شالوم أخشاف"، أسست عام 1199 م عقب زيارة الرئيس المصري السابق أنور
السادات إلى القدس المحتلة، تكونت الحركة من مجموعة من طلاب وضباط وأعضاء كنيست وفئات أخرى في
الكيان الصهيوني، تسعى الحركة من خلال النشاطات الاحتجاجية والمظاه ا رت إلى إثارة أ ري عام ضد بعض
ممارسات الاحتلال من استيطان وغزو وقمع، وتدعو لإيجاد حل سلمي مع الفلسطينيين، غير أن الحركة ليس لها
.] ) تنظيم واضح وليس لها وزن شعبي يذكر ] انظر: الموسوعة الفلسطينية الميسرة، )ص 066
3 . ) ( انظر: التقرير الاست ا رتيجي الفلسطيني لعام 2311 م، )ص 211
4 .) ( المصدر السابق، )ص 212
155
الضفة الغربية والقدس حتى نهاية عام 2311 م، يسكنها نحو 02 ألف مستوطن يهودي) 1 . )
إنّ هذه المعطيات حول الاستيطان اليهودي ومحاولات التوسع حتى في ظل ت ا رجع المشروع
الصهيوني إلى حدٍ كبير، لهي شاهد في تقدير الباحث على طبيعة الأطماع الصهيونية وأفقها - –
الذي لاي ا زل يتسع رغم محاصرته بالوعي الإسلامي، وهذا الأمر يؤكّ د أهمية العامل الديني الذي
يحرّك هذا الأفق الصهيوني ويجعله جزءًا من عقيدة اليهود ووجدانهم.
ثاني ا: جدار الفصل اليهودي
جدار الفصل العنصري، جدار الضمّ والتوسع، الجدار العازل، الجدار الفاصل، السياج
الأمني، ك لّها مسميات لمسمى واحد، وهو جدار إسمنتي رمادي اللون يجثم معظمه على أرض
الضفة الغربية، أنشئ لعزل الضفة عن الكيان الصهيوني الجاثم على بقية أرض فلسطين) 2 .)
يبلغ طول الجدار نحو 773 كم، حيث تم بناء ما يقارب 431 كم منه أي 52.9 % من
المسار الكامل للجدار، في حين هناك 022 كم مخطط لبنائها، وجاري العمل على بناء 42 كم،
ويعزل الجدار ما مساحته 700 كم 2 من الأ ا رضي، ويقدر طول الجدار الشرقي الذي يمتد من
الشمال نحو الجنوب بحوالي 233 كم) 3 . )
وأفاد المسح الذي أج ا ره الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني بأنّ مساحة الأ ا رضي
المصادرة لأغ ا رض إقامة الجدار قد بلغت 44.242 دونماً منذ بداية إنشائه وحتى نهاية يونيو من
1 ( انظر: تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، المستعم ا رت الإس ا رئيلية في الأ ا رضي الفلسطينية، التقرير
الإحصائي السنوي، إعداد: محمد المصري، مطبوعات الجهاز المركزي للإحصاء/ ا رم الله، 1600 ه/ 2311 م،
. ) )ص 02
2 ( انظر: الجدار العازل في الضفة الغربية، إعداد: حسن ابحيص وَ خالد عايد، تحرير: د. محسن صالح، مركز
.)11 ، 1601 ه/ 2313 م، )ص 9 ، الزيتونة للد ا رسات/ بيروت، ط 1
3 ( جدار الفصل العنصري: حقائق وأرقام، د. صقر الجبالي، مركز المعلومات الوطني الفلسطيني/ تقارير
ود ا رسات، ا ربط: http://www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4981 2310 م. /30/ بتاريخ 29
156
عام 2339 م، أما مساحات الأ ا رضي التي تم عزلها داخل الجدار وبات من الصعب الوصول إليها
قد بلغت 296.439 دونماً وفق التقرير ذاته) 1 . )
وفي هذا الصدد يربط الدكتور المسيري بين نظرية الاستيطان الصهيوني وبناء الأسوار
فيقول: " يرتبط الاستيطان الصهيوني في الأذهان بالمدفع الرشاش والنابالم) 2 ( والقنابل، ولكن هناك
رمو ا زً أخرى أصبحت ذات أهمية خاصة، فمع بدايات الاستيطان كان هناك أسلوب السور والبرج
في اغتصاب الأرض وطرد سكانها، حيث كان يُحضر مئات من المستوطنين الصهاينة أب ا رج
م ا رقبة والأكواخ الجاهزة في ظلام الليل، ثم يحيطون قطعة أرض بالأسلاك الشائكة يقيمون فيها
أب ا رج الح ا رسة بحيث يستيقظ أصحاب الأرض في الصباح فيجابهون أم ا رً واقع اً مسلح اً لا يملكون
إلا الخضوع له أو الحرب ضده" ) 3 .)
الجدار في عقيدة اليهود:
بالرغم من أن الواقع الذي يقول إن التفكير في بناء الجدار الفاصل هو أمر حديث فرضته
الظروف الواقعية وخاصة الأمنية، إلا أنك تجد أساساً لفكرة الجدر والأسوار في تو ا رة اليهود.
ويتضح للباحث أنّ مسألة إنكار البعد العقائدي للجدار غير واقعية وتتعارض مع طبيعة
اليهود التي ق ررها الإسلام، إذ أكّد القرآن على هذه الطبيعة اليهودية بوضوح واحكام، وذلك في قوله
: }لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ
. ) شَتَّى ذَلكَِ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَعْقِلُونَ { ) الحشر/ 16
1 . ) ( التقرير الاست ا رتيجي الفلسطيني لعام 2311 م، )ص 219
2 ( نابالم: هو سائل قابل للاشتعال يستخدم في الحروب، تم تطويره من خلال مجموعة كيميائيين أمريكيين
من جامعة "هارفارد" أثناء الحرب العالمية الثانية، بقيادة العالم "لويس فيزر" ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط:
نابالم wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /39/ ، بتاريخ: 21
3 . )96/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
157
" اولجدر والأسوار والأب ا رج جذورها متأصلة في تاريخ اليهود، وفي عمق النفسية الصهيونية،
فاليهودي منذ القدم مغرم بتشييد الجد ا رن والأسوار، والعهد القديم مليء بالحديث عن بناء الأسوار
والأب ا رج العالية، ومنها أسوار أورشليم وأريحا " ) 1 . )
وبحسب فهم الباحث فإن إثبات ارتباط الجدار بالعقيدة الدينية والفكر اليهودي لا يتناقض مع
ما ذُ كر آنفاً من سعي اليهود للاستيطان والتوسع، وذلك من وجوه:
الأول: أنّ اليهود يسعون للتوسع بأشكال مختلفة وفي كافة المجالات، ومنها التوسع على
الأرض؛ لكنّ سعيهم قد يخيب وقد يصلوا إلى حالة من الت ا رجع والانكماش إلى الداخل واحاطة
أنفسهم بالأسوار والجدر.
الثاني: لا شك في أنّ إقامة الجدر هو مقدّ مة لفشل المشروع الصهيوني، لكن إثبات ارتكاز
الصهاينة على دينهم وكتابهم المقدّس في إقامة الجدار شيءٌ آخر.
الثالث: إنّ إقامة الجدار في ممارسة الصهاينة الجدد هو أصلاً نوع من التوسع، بل والتهام
الأرض في الضفة الغربية، ومحاولة لتهجير الفلسطينيين من ق ا رهم والتنغيص عليهم، و حتى بعض
مؤسسات ومنظمات يهودية ممن ي ا رقب انتهاكات الحكومات الصهيونية ، تؤكد أن " 95 % من - -
مسار الجدار الفاصل يمرّ في أ ا رضي الضفة الغربية وليس على طول ما يعرف ب )الخط
الأخضر(، وفي المناطق التي انتهت فيها إقامة الجدار تتجلى واضحة الإساءة الواسعة لحقوق
الإنسان للفلسطينيين الساكنين بمحاذاته" ) 2 . )
ويعرض الباحث فيما يلي جزء اً من النصوص الواردة في العهد القديم والتي تتحدث عن
إقامة الجدُر والأسوار، لتبيان المسألة:
1 ( جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس الدوافع والآثار السياسية، د ا رسة، د. صالح الرقب، مقدم ل: مركز
. ) القدس للبحوث والد ا رسات/ غزة، 1601 ه/ 2313 م، ) ص 0
2 ( خلفية عن الجدار الفاصل، بتسيلم م ركز المعلومات )الإس ا رئيلي( لحقوق الإنسان في الأ ا رضي المحتلة، تحت -
ا ربط: http://www.btselem.org/arabic/separation_barrier 2310 م . /30/ ، بتاريخ: 21
158
تشير التو ا رة مثلاً إلى بناء سليمان و صا ه ر م سل ي ما م ن ي ف ر ع و ن م ي لِ « :" سو ا رً حول "أورشليم
ي م صر، وأَ خ ذ ي بن ت ي ف ر ع و ن وأَ تَ ي بِ ا لَ
ِ
ا م ي دين ي ة دا م و د لَ
ِ
(» ا أَ ن أَ كْ ل ي بن ا ء ب ي ي ت ي ه وب ي ي ت الرَّ ي ب و م سو ي ر أُو م ر ش ي ل ي ح وال يَ ا 1 ) .
وترسخ التو ا رة مفهوم الحماية بالأسوار في خطاب آسا) 2 ق ا ل « : ( للشعب عندما بدأ ملكه و
( »... ي ل يَمو ذا: ي لن ي بْ ه ي ذ ي ه ال م م م د ن و م نَ ي و طه ا ي بأَ س وارٍ وأَب راجٍ وأَب وابٍ و ع وا ي ر ض ما دا م ي ت الأَ ر م ض أَ م ا من ا 3 . )
ومن بعده بفت ا رت طويلة استنفر "حَزَقِ يا") 4 ( الشعب من جديد لبناء الأسوار والجد ا رن
ف ت جمَّ ع ش عبٌ كثييرٌ و طمُّوا ي جَي ع ال ين ا ي بيع ي والنَّه ر ال جا ي ر ي يفِ و سطي الأَ ر ي ض، ق ائي ي ل ين : ي ل ما ذا ي أْ ي تِ م ملمو م ك « ، والمتاريس
أَشُّ و ر و ي يَ م دو ن ي مي ا ها غ ي زي ر ة، وت شدَّ د وب نَ م كَُّ السُّو ي ر ال م م نه ي د ي م وأَع لا م ه لَ
ِ
ا الأَب راجي، و م سو را أ خ ر خا ي ر جا، و حاَّ ن
(» ال ق ل ع ة، م ي دين ة دا م و د، و ي عَ ل ي س لا حا ي ب ي ك ثّةٍ وأَت را سا 5 . )
ومن بعد حزقيا يأتي ابنه منَسّى) 6 ( فينتهج بأمر الربّ سياسة إحاطة المدن بالأسوار - -
و صلَّى ل ي ي ه « ، والجد ا رن العالية
ِ
ا ف ا س ت جا ب م له و ي سْ ع ت ضُّع م ه، و ردَّ م ه لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي لَ
ِ
ا م مل ك ي ت ي ه . ف ع ي ل من سََّّ أَنَّ الرَّبَّ
1 . 1 : ( الملوك الأول 0
2 717 ق.م(: أحد ملوك المملكة الجنوبية، تحالف مع بن هدد ملك آ ا رم دمشق، لكي يوقف الغزو - ( آسا ) 438
الذي قامت به المملكة الشمالية، وقد عُرفت العبادات الوثنية في عهده، قام بإصلاح ديني يهدف إلى تحطيم
. ] )196 / التماثيل، ومع هذا لم يسايره الشعب في جميع إصلاحاته ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
3 . 9 : ( أخبار الأيام الثاني 16
4 وحزقيا هو ابن "آحاز" ملك - ،» الرب قوة « أو » الرب قد قوى « 148 ق.م(: اسم عبري معناه ( حَزَقِ يا ) 727
المملكة الجنوبية، كان تابع اً لآشور ولكنه حاول أن يستقل عنها، فقام بإصلاح ديني وتحالف مع مصر، ولكن
"إرميا" حذره من مغبَّة ذلك، وقد حاصر "سناخريب" )ملك آشور( القدس في عهده وأخضعه واضطره إلى دفع
194 ( بتصرف يسير [ . - / الجزية ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
5 - . 5 6 : ( أخبار الأيام الثاني 02
6 أحد ملوك المملكة - ،» منشَّى « ويُنطَق أيض اً » من ينسى « ( منسّى ) 142 148 ق.م(: اسم عبري معناه
الجنوبية، تبوَّأ العرش بعد حزقيا وحكم يهودا مدة أطول من أي ملك آخر، ويعتبره كاتب سفر الملوك أسوأ الملوك
ط ا رً، ولكن سفر الأخبار الثاني يقدم صورة أكثر تعاطف اً معه، وقد عاشت المملكة الجنوبية في عصره في سلام إذ
أنه دفع الجزية لآشور، وهو ما كان يعني أن الآلهة الأجنبية مثل بعل وآشور كانت تُعبَد في الهيكل ] موسوعة
194 ( بتصرف [. - / اليهود، المسيري، ) 6
159
م ه و م الل، وب ع د ذ ي لِ ب نَ م سو را خا ي ر ج م ي دين ي ة دا م و د غ ر بَ لَ
ِ
ا ي جي م حو ن يفِ ال وا ي دي، لَ
ِ
وا م د خ ي ل بَ ي ب السَّ م ي ك،
(» و حوَّ ط الأَ كْ ة ي ب م سورٍ وع لاَّ م ه ي جدًّا، و و ض ع م ر ؤ سا ء م ج م يوشٍ يفِ ي جَيع ي ال م م م د ي ن ال ح ي اين ي ة يفِ يهمو ذا 1 . )
و ي ع ن د « : وفي سفر نحميا حكاية لقصة بناء "سور أورشليم" بالفرح والحمد والغناء، جاء فيها
ت د ي ش ي ين م سو ي ر أُو م ر ش ي ل ي طل م بوا اللاَّ ي وي ي ين ي م ن ي جَيع ي أَ ما ي ك ي ي نه م ي ل يأْتموا ي ي بِ م لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي، ي ل كَ يم د ي ش م نوا ي ب ف رح و ي بِ مدٍ و ي غن اءٍ
(» ي بَلاُّ م نوج ي والرَّ بَ ي ب وال ي عي دا ي ن 2 . )
أَ ح ي س ن ي ب ي ر ضا ك لَ « .. " وفي الم ا زمير ت ا رنيم وابتهالات للربّ من أجل بناء "أسوار أورشليم
ِ
ا
(» ي صه ي و ن . اب ي ن أَ س وا ر أُو م ر ش ي ل ي 3 ) .
وتشير التو ا رة إلى اهتمام الشعب ببناء الأسوار وتحصين المدن أكثر من اهتمامه بأي شيء
آخر، ويقف فيهم نبيّهم واعظاً ناصحاً باكياً، مستنك ا رً عليهم الالتفات إلى الأسوار و ترك تعاليم
و رأَي م تُ م ش م قو ق م ي دين ي ة دا م و د أَنََّّ ا صا ر ت ك ي ث ير ة، و جَ ع م تُ « : الربّ، بلا فائدة، ورد هذا في سفر اشعياء، ومنه
ي مي ا ه ال ي بَك ي ة السُّ ف لى ، وع د د م ت بم م ي و ت أُو م ر ش ي ل ي و ه د م م م تُ ال م ب م يو ت ي لت ح ي ا ي ين السُّو ي ر ، و صن ع م تُ خن دق ا ب ين السُّو ري ي ن ي ل ي م يا ي ه
( » ال ي بَك ي ة ال عتييق ي ة 4 )
.
ويفتخر كاتب السفر أي سفر اشعياء بمدينة الله )أورشليم( ذات الأسوار الحصينة؛ أسوار - –
يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م يمغ نََّ ي بِ ي ذ ي ه الأُ غ ي نيَّ ي ة يفِ أَ ر ي ض م يهو ذا: ل ن ا م ي دين ةٌ ق ي ويةٌَّ ، يَ ع م ل ال ذ لا ص « .. ومتاريس الخلاص
( » أَ س وا را و م تَ س ة 5 . )
وفي رؤيا النبي حزقيال، يجعل الأسوار والأب ا رج والجيوش هي آية )بيت إس ا رئيل(، إذ جاء
وأَن ت يَ اب ن أ د م، ف م ذ ذ ي لن ف ي س ك ي ل بن ة و ض عه ا أَ ما م ك، وا ر م سْ ع ل يَ ا م ي دين ة أُو م ر ش ي ل ي، وا ج ع ل « : في سفر حزقيال
ع ل يَ ا ي ح اا را، واب ي ن ع ل يَ ا بم ر جا، وأَ ي ق م ع ل يَ ا ي م تَ س ة، وا ج ع ل ع ل يَ ا م ج م يو شا، وأَ ي ق م ع ل يَ ا م جا ي ن ح ول ه ا، و م خ ذ أَن ت
1 - . 16 10 : ( أخبار الأيام الثاني 00
2 . 29 : ( نحميا 12
3 . 19 : ( الم ا زمير 51
4 - . 11 1 : ( اشعياء 22
5 . 1 : ( اشعياء 24
161
ي لن ف ي س ك صا جا ي م ن ح ي ديدٍ وان ي ا ب م ه م سو را ي م ن ح ي ديدٍ ب ي ن ك وب ين ال م ي دين ي ة، وث ي ب ت و جْ ك ع ل يَ ا، ف ت م كو ن يفِ ي ح اارٍ
و م تَا ي صِ ها، ي ت لِ أ ي ةٌ ي ل بي ي ت سْائيي ل
ِ
(» ا 1 ) .
ربما يتضح من خلال المقارنة بين معطيات الواقع وأبجديات التو ا رة اليهودية جانباً أساسياً
من الفكر الصهيوني القديم الحديث في انتهاج الاستيطان والجد ا رن والتهام الأرض كسبيل لا رجعة
عنه، " إذ يهدف المخطَّط الصهيوني شأنه شأن أي مشروع استيطاني إحلالي إلى طَرْد السكان
الأصليين الذين يشغلون الأرض التي سيُقام فيها التجمُّع الصهيوني وترحيلهم، وهذا أمر حتمي
حتى يتسنى إقامة دولة يهودية خالصة لا تشوبها أية شوائب عرْقية أو حضارية أخرى، ولذا طُرح
شعار )أرض بلا شعب(، وهو ما يجعل طرد الفلسطينيين أم ا رً حتمياً نابعاً من منطلق الصهيونية
الداخلي ... فلا يوجد مكان لكلا الشعبين )العربي واليهودي( في هذا البلد، وأن تحقيق الأهداف
الصهيونية يتطلب تفريغ فلسطين، أو جزء منها، من سكانها" ) 2 .)
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ ابتلاع الأرض والتوسع فيها هي سياسة يهودية صهيونية، قديمة حديثة، مستندة إلى
روح تو ا رة اليهود المحرّفة، ولها سندٌ واضحٌ في نصوصها.
ثانياً: إنّ من مقتضيات الاستيطان وسرقة الأرض طرد أهلها الأصليين، أو إبادتهم، وهذا
الأمر مسطور كمستند قانوني في الدستور الأساسي لليهود )أي تو ا رتهم المزيّفة(، وبناءً على ذلك
فإنّ سياسات الاستيطان اليهودية المعاصرة تبدو في سياق طبيعي منسجم مع ما تدعو إليه تو ا رتهم
المحرّفة.
1 - . 0 1 : ( حزقيال 6
2 ( اللاجئون الفلسطينيون بين الت ا رنسفير ويهودية الدولة، د ا رسة، إب ا رهيم العلي، تجمع العودة الفلسطيني )واجب(،
قسم الأبحاث والد ا رسات، تحت ا ربط: www.wajeb.org ، سحب بتاريخ 2312 30 21 م بتصرف . - - –
160
ثالثاً: إنّ تخلي اليهود عن فكرة الاستيطان هو أمر غير وارد، خاصة في الضفة الغربية
لنهر الأردن ومدينة القدس المحتلة، وهذا ما تؤكده الأرقام والإحصاءات الحديثة التي تشير إلى
تصاعد الاستيطان ونموه واتّساع رقعته، وما تؤكده كذلك المواقف السياسية المتصلّبة والعلنية لليهود
في الكيان الصهيوني.
ا ربعاً: إنّ إقامة الجدر ترتبط بالاستيطان وسرقة الأرض من جهة، وترتبط بروح التو ا رة
اليهودية المحرّفة من جهة أخرى، وعليه فإنّ إقامة اليهود لجدار الفصل في الضفة هو من
التطبيقات والآثار الجل ية لعقيدة اليهود في الأرض المقدّسة، ولها ما يبررها ويدعمها في مصادر
الفكر الديني اليهودي.
خامساً: إنّ الذي يشاهد ويسمع ويتابع المواقف السياسية لليهود اليوم في شأن الاستيطان
واقامة الجد ا رن لابد أن يعي الخلفية العقائدية لهذه المواقف؛ كي لا يضيع العمر والجهد في تفسير
الم ا روغة الصهيونية، فاليهود يسرقون الوقت من أجل سرقة الأرض.
161
المطلب الثالث
تهويد القدس وعلاقته بعقيدة اليهود
لا شك في أنّ القدس هي مركز الص ا رع على الأرض المقدّسة، ومن هنا كان لها الدور
الأبرز في هذا الص ا رع عبر التاريخ كما مرّ في استع ا رض تاريخ الملل في الأرض المقدّسة؛ لذا
كان من أهم الآثار المترتبة على عقيدة اليهود في الأرض، هو هجمتهم الشرسة على مدينة القدس،
والسعي الحثيث للاستيلاء عليها وطرد غير اليهود منها.
القدس في العهد القديم:
وقد وردت الكلمة بهذه الصيغة في العهد ،» يروشالايم « " القدس تقابلها في العبرية كلمة
القديم أكثر من ستمائة وثمانين ) 493 ( مرة، وهي كلمة مشتقة )منذ القرن التاسع عشر قبل
الميلاد( ") 1 . )
وان كان بعض الباحثين يرون أنّ لفظة "أورشليم" ليست عبرية أصيلة، فقد حملت هذا الاسم
قبل دخول العبريين إليها) 2 . )
ويكرر كتبة العهد القديم باستفاضة فكرةَ الربّ الذي اختار "أورشليم" خاصة له من الأرض،
(» لأَ ج ي ل دا م و د ع ب ي دي، ولأَ ج ي ل أُو م ر ش ي ل ي الَّ يت ا خ تَم تِ ا ... « 3 وي م كو م ن م له ي س بطٌ وا ي حدٌ ي م ن أَ ج ي ل ع ب ي دي دا م و د « ... )
و ي م ن أَ ج ي ل أُو م ر ش ي ل ي ال م ي دين ي ة الَّ يت ا خ تَم تِ ا ي م ن م ي كُ أَ س با ي ط سْائيي ل
ِ
(» ا 4 .)
والربّ يؤكّد لداود بحسب التو ا رة مسألة اختيار الربّ للشعب ولأورشليم ولداود جميعاً: - -
م من م ذ ي و م أَ خ ر ج م ت ش ع يبي ي م ن أَ ر ي ض ي م صر ل م أَ خ تَ م ي دين ة ي م ن ي جَيع ي أَ س با ي ط سْائيي ل «
ِ
ا ي ل ي بن ا ي ء ب ي تٍ ي ل ي م كو ن ا ي سْي
1 . )120/ ( موسوعة المسيري، ) 6
2 1193 م، )ص ، ( انظر: القدس مدينة الله أم مدينة داود، د. حسن ظاظا، مطبعة جامعة الإسكندرية/مصر، ط 1
.)1
3 . 10 : ( الملوك الأول 11
4 . 02 : ( الملوك الأول 11
163
م هن ا ك، و لا ا خ تَ م ت ر م ج لا ي م كو م ن رئيي سا ي ل ش ع يبي سْائيي ل
ِ
ا . ب ي ل ا خ تَ م ت أُو م ر ش ي ل ي ي ل ي م كو ن ا ي سْي ي فيَ ا، وا خ تَ م ت دا م و د
ي ل ي م كو ن ع لى ش ع يبي سْائيي ل
ِ
(» ا 1 .)
واذا كان الربّ المتصوَّر عند كتبة التو ا رة قد اختار أورشليم وفضّلها على كل بقاع الأرض،
فقد اختارها أيضاً مسكناً له إلى الأبد!
لأَنَّ دا م و د ق ا ل : ق د أَ را ح الرَّبُّ م له «
ِ
ا سْائيي ل
ِ
ا ش ع ب م ه ف سك ن يفِ أُو م ر ش ي ل ي لَ
ِ
(» ا الأَب ي د 2 . )
م ن ي من م ك ي م ن م ي كُ ش ع ي ب ي ه، ي ل ي م ك ن لهم م ه «
ِ
ا م ع م ه، وي ا ع د لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي الَّ يت يفِ م يهو ذا ف ي ب ي نِ ب ي ت الرَّ ي ب ي له
ِ
ا
سْائيي ل
ِ
ا ، م ه و م له
ِ
( » الا ا يَّ لَّي يفِ أُو م ر ش ي ل ي 3 .)
ت ن رَّ ي مي واف ر ي حَ يَ ي بن ت ي صه ي و ن، لأَ ي ن هأَن ذا أ ي تِ وأَ س م ك م ن يفِ و س ي ط ي ك، ي م قو م ل الرَّ ب ، « ف ي تَّ ي ا م ل أُ ممٌ ك ي ث يرةٌ
ي بَلرَّ ي ب يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م، وي م كونمو ن ي ل ش ع با، ف أَ س م ك م ن يفِ و س ي ط ي ك، ف ت عل ي م ين أَنَّ ربَّ ال م ج م نو ي د ق د أَ ر سل ينِ ل يك
ِ
ا والرَّبُّ
ي ي ر م ث يهمو ذا ن ي اي ب م ه يفِ الأَ ر ي ض ال م مق دَّ س ي ة و يَت ا م ر أُ و م ر ش ي ل ي ب ع م د . م ا س م كتموا يَ م كَُّ ال ب ي شَ قمدَّا م الرَّ ي ب، لأَن مَّ ه ق ي د ا ست يق ظ ي م ن
(» م س ك ي ن قم د ي س ي ه 4 .)
ه م لَّ ن ا ع د لَ « .. ومن أورشليم تكون كلمة الربّ
ِ
ا جب ي ل الرَّ ي ب، لَ
ِ
ا ب ي ي ت ي له
ِ
ا ي ع م قو ب، ف م ي ع ي ل من ا ي م ن
م ط م ري ق ي ه ون س م لِ يفِ م س م ب ي ي لِ لأَن مَّ ه ي م ن ي صه ي و ن تخ م ر م ج ال يَّ شَي ع م ة، و ي م ن أُو م ر ش ي ل ي ي كَ م م ة الرَّ ي ب ) 5 . )
فق ا ل ي ل ال م لا م ك ا يَّ لَّي - - « .. ولك ا رمتها عند الربّ أي أورشليم فإنه يغار عليها غيرة عظيمة
( » كََّ م ينِ : ن ي د ق ائي لا : ه ك ذا ق ا ل ربُّ ا ل م ج م نو ي د : ي غ ر م ت ع لى أُو م ر ش ي ل ي وع لى ي صه ي و ن غ ير ة ع ي ظيم ة 6 . )
وتذكر التو ا رة أنّ داود قد بنى مذبحاً للربّ فداءً لأورشليم ولشعبها، بعد أن أوشك الربّ
أن يبطش بأورشليم، لكنه أي الربّ المزعوم ندم في اللحظات الأخيرة!! وطلب من نبيه داود - –
1 - . 4 5 : ( أخبار الأيام الثاني 4
2 . 25 : ( أخبار الأيام الأول 20
3 . 0 : ( عز ا ر 1
4 - . 10 13 : ( زكريا 2
5 . 0 : ( اشعياء 2
6 . 16 : ( زكريا 1
164
لَ « : أن يفدي أورشليم وشعبها ففعل؛ إذ جاء في ذلك
ِ
سْائيي ل ي م ن الاَّ باحي ا
ِ
ف ج ع ل الرَّبُّ وب أ يفِ ا
لَ ي ب ي ئْ س بعٍ س ب م عو ن أَل ف ر م جل
ِ
ال ي مي عا ي د، ف ما ت ي م ن الشَّ ع ي ب ي م ن دانٍ ا ، وب سط ال م لا م ك ي د م ه ع لى أُو م ر ش ي ل ي ي ل م يَ ي ل ك ه ا،
ف ن ي د م الرَّبُّ ع ي ن ال ي شَ، وق ا ل ي لل م لا ي ك ال م مه ي ي لِ الشَّ ع ب: ك ف ى! الأ ن م ردَّ ي د ك ... وب نَ دا م و م د م هن ا ك م ذ بِا ي للرَّ ي ب
وأَ ص ع د م ح رق اتٍ و ذ بَئي ح س لا مةٍ، وا س ت جا ب الرَّبُّ ي م ن أَ ج ي ل الأَ ر ي ض، ف كفَّ ي ت سْائيي ل
ِ
(» ال ضب م ة ع ن ا 1 . )
و رف ع دا م و م د ع ين ي ي ه ف رأَى م لا ك الرَّ ي ب وا ي ق فا ب ين الأَ ر ي ض والسَّ ما ي ء، و س ي م ف م ه م سلمولٌ ي ب ي ي د ي ه و م م م دودٌ ع لى «
(» أُو م ر ش ي ل ي . ف سق ط دا م و م د والشُّ م يو م خ ع لى م و م جو ي ههي م م كت ي س ين ي بَ ل م م م سوح ي 2 .)
وتركّز التو ا رة بكثرة في سياق احتفائها بأورشليم على المُدد والفت ا رت التي حكم فيها ملوك بني
و كَ ن الزَّ ما م ن ا يَّ لَّي م لِ ي في ي ه دا م و م د ع لى سْائيي ل « : إس ا رئيل في أورشليم خاصةً، ومن ذلك
ِ
ا أَ رب ي ع ين س ن ة . يفِ
(» ح م بَو ن م لِ س ب ع ي س ي نينٍ، و يفِ أُو م ر ش ي ل ي م لِ ث لا ث وث لاثي ين س ن ة 3 .)
ويسعى كتبة العهد القديم إلى جعل )أورشليم( الرمز الأعظم الذي ينبغي أن يجمع شتات بني
إس ا رئيل ويجلبهم من منفاهم، إذ هي نقطة التجمع، كيف لا وهي مسكن الربّ ومهوى أفئدة شعبه
ن ... « : المتشرّد! ومما جاء في التو ا رة في هذا المعنى
ِ
ا أَ ر ج ع ينِ الرَّبُّ لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي ي ن
ِ
(» ف ا أَ ع م ب م د الرَّبَّ 4 ، )
ن «
ِ
وا ر ج ع م تُ لَّ
ِ
ا و ح ي ف ظ م تُ و صا يَ ي و ي عَل م ت م مو ها، ن
ِ
ا كَ ن ال م ن ي فيُّو ن ي من م ك يفِ أَ ق اا ي ء السَّ ما وا ي ت، ف ي م ن م ه ن ا ك أَ جَ م عهم م
وأ ي تِ ي ي بِ م لَ
ِ
ا ال م كَ ي ن ا يَّ لَّي ا خ تَ م ت س كَ ي ن
ِ
(» لا ا ي سْي ي في ي ه 5 وي م كو م ن يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م أَن مَّ ه يم ض م ب ي ب م بوق ع ي ظيٍ، ف ي أْ ي تِ « ،)
(» التَّا ي م ئِو ن يفِ أَ ر ي ض أَشُّو ر، وال م ن ي فيُّو ن يفِ أَ ر ي ض ي م صر ، وي س م ج م دو ن ليلرَّ ي ب يفِ ال ج ب ي ل ال م مق دَّ ي س يفِ أُو م ر ش ي ل ي 6 .)
وفي م ا زمير التو ا رة ت ا رنيم كثيرة في تمجيد أورشليم وتقديسها تارة، ورثائها وتذكّر أيامها وندب
ي ل كَ م يُدَّ ث يفِ ي صه ي و ن ي بَ ي سْ الرَّ ي ب، وي بت س ي بي ي ح ي ه يفِ « : حالها بعد النفي تارة أخرى، ومن هذه الت ا رنيم
1 - . 25 15 : ( صموئيل الثاني 26
2 . 14 : ( أخبار الأيام الأول 21
3 . 11 : ( الملوك الأول 2
4 . 9 : ( صموئيل الثاني 15
5 . 1 : ( نحميا 1
6 . 10 : ( اشعياء 29
165
(» أُو م ر ش ي ل ي 1 (» يفِ ي د يَ ي ر ب ي ي ت الرَّ ي ب، يفِ و س ي ط ي ك يَ أُو م ر ش ي ل م ي . ه ي ل لمو يَ « ، ) 2 ن « ، )
ِ
ا ن ي سيتم ي ك يَ أُو م ر ش ي ل م ي، ت ن سَّ
ي ي مي ينِ ! ي ل يل ت ي ا ي ل سا ي ن ي بِن ي كَ ن
ِ
ا ل م أَ ذ م ك ر ي ك، ن
ِ
(» ! ا ل م أُف ي ض ل أُو م ر ش ي ل ي ع لى أَ ع ظ ي م ف ر ي حَ 3 الرَّبُّ ي ب ي نِ « ، )
أُو م ر ش ي ل ي . يَ م م ع من ي ف ي ي سْائيي ل
ِ
(» ا 4 . )
والربّ يعزّي أورشليم، ويجعلها نقية من الذنوب، ويزيد فيها الأجر ضعفين، هكذا تقول
عزُّوا، عزُّوا ش ع يبي، ي م قو م ل لهم م ك « : التو ا رة
ِ
ا . ط ي م بوا ق ل ب أُو م ر ش ي ل ي و ن م دو ها ي بأَنَّ ي جْا د ها ق د كْم ل ، أَنَّ ث مه ا
ِ
ا ق د م ع ي ف ي
(» ع ن م ه، أَنََّّ ا ق د ق ي بل ت ي م ن ي ي د الرَّ ي ب ي ض ع ف ي ين ع ن م ي كُ خ طا يَ ها 5 . )
لكنك لا تعجز أن تجد من بين نصوص التو ا رة ما يثبت أنّ لأورشليم هذه سكّان أصليون
أوصحاب أرض سابقون، يبوسيون، اتّفق أن سكنوا أرضاً وُهبت من الربّ لاحقاً لقوم آخرين حلّوا
وب م نو - – «: عليها غ ا زة بالسيف والدم بزعم التو ا رة ومن هذه النصوص التي تصرّح بالسكان الأصليين
ب ن ي ا ي م ين ل م ي ط م ر م دوا ال ي م بو ي س ي ين م سكََّ ن أُو م ر ش ي ل ي، ف س ك ن ال ي م بو ي س يُّو ن م ع ب ينِ ب ن ي ا ي م ين يفِ أُو م ر ش ي ل ي لَ
ِ
( » ا ه ذا ال ي و ي م 6 ،)
وي فيم ا م ه ي ع ن د ي م بو س ... ق ا ل ال م غ لا م ي ل س ي ي د ي ه : ت عا ل ن ي مي م ل لَ «
ِ
(» ا م ي دين ي ة ال ي م بو ي س ي ين ه ي ذ ي ه ون ي بي م ت ي فيَ ا 7 و ذ ه ب « ،)
ال م ي م لِ و ي ر جا م م له لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي، لَ
ِ
(» ا ال ي م بو ي س ي ين م سكََّ ي ن الأَ ر ي ض 8 و ذ ه ب دا م و م د و م كُُّ سْائيي ل « ، )
ِ
ا لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي، أَ ي
(» ي م بو س . و م هن ا ك ال ي م بو ي س يُّو ن م سكََّ م ن الأَ ر ي ض 9 .)
وبعد استع ا رض نصوص التو ا رة التي جاءت على ذكر "أورشليم"، فللباحث أن يتساءل: ما
دامت أورشليم على هذا القدر من القداسة بالنسبة لشعب الله المختار )المزعوم(، بل بالنسبة للربّ
ذاته، لماذا لم يأتِ موسى على ذكرها في الأسفار الخمسة المنسوبة إليه؟ ولماذا لم يعد بها
الربّ شعبه سابقاً على لسان إب ا رهيم واسحاق ويعقوب عليهم السلام ؟ أليسوا أكرم على الله - –
1 . 21 : ( الم ا زمير 132
2 . 11 : ( الم ا زمير 114
3 - . 4 5 : ( الم ا زمير 109
4 . 2 : ( الم ا زمير 169
5 - . 2 1 : ( اشعياء 63
6 . 21 : ( قضاة 1
7 . 11 : ( قضاة 11
8 . 4 : ( صموئيل الثاني 5
9 . 6 : ( أخبار الأيام الأول 11
166
من اللاحقين؟ ولمَ لم يذكر موسى نبي الله من قبل أنّ مسكن الربّ سيكون في أورشليم؟ أم أنّ
الربّ قرر أن يكون مسكنه هناك بعد موسى بزمن طويل؟ وهل يخفى على موسى أن
يذكر للشعب شيئاً عن هذه البقعة التي ستح ول مجرى تاريخ وحياة بني إس ا رئيل لاحقاً بزعم –
التو ا رة ؟! كلّ هذه التساؤلات وغيرها تضع هذه النصوص ومضمونها على المقصلة .. -
تهويد القدس حديث ا:
انطلقت أصابع الصهيونية حديثاً تعبث في مدينة القدس المباركة، وتحاول بكل ما أوتيت من
جهد ومال ومكر أن تسقط النصوص الدينية المقدّسة عند اليهود على أرض الواقع، في استم ا رر
واضح لمسلسل تزوير التاريخ، والسطو بالقوة على حضارة أصحاب البلاد الأصليين.
يقول ابن جوريون: " كان اليهود في أعيادهم يبتهلون إلى الله أن تكون صلواتهم في
السنوات المقبلة في أورشليم") 1 . )
وفي حرب فلسطين عام 1169 م كان ل)بن جوريون( سياسة خاصة فيما يتعلق بمدينة القدس
فكان يقول: " يجب أن يدافع اليهود عما يسيطرون عليه، وأن يعملوا جاهدين على زيادة الرقعة
التي يسيطرون عليها قدر المستطاع، وكانت الحماسة الدينية هي التي تحرك اليهود للسيطرة
على مدينة أورشليم، وكانوا دائماً يرددون ت ا رنيم دينية " ) 2 . )
ولم يختلف الأمر بعد موت ابن جوريون بعقود، فها هو بنيامين نتنياهو يصرّح في
2312/39/29 م خلال زيارة له لمستوطنةٍ يهودية جنوب بيت لحم، بأنّ هذه المستوطنة إضافة إلى
مجمع )غوش عتصيون() 3 ( سيبقيان جزءاً من )إس ا رئيل(، وأنهما البوابة الجنوبية ل )القدس
1 . ) ( حياة بن جوريون السياسية، موريس إديلمان، )ص 60
2 ( المصدر السابق، )ص 111 ( بتصرف يسير . –
3( غوش عتصيون: تجمع استيطاني يهودي كبير، وهو واحد من أكبر أربعة تجمعات استيطانية في الضفة
الغربية، يقع جنوب القدس، بين مدن بيت لحم والخليل وجن وب الضفة، فهو يفصل بيت لحم عن الخليل، ويؤدي في
. ] )49/ النهاية إلى إنشاء القدس الكبرى، أو ما يسمى )المتروبوليتان( ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
167
الكبرى(، وأعلن نتنياهو في الزيارة ذاتها بدء مرحلة جديدة من البناء الستيطاني لتحقيق هذا
الغرض) 1 . )
ابتدأ اليهود منذ الاحتلال حرباً شعواء على المدينة المقدّسة، وخاصة المسجد الأقصى
المبارك، " إذ توجد داخل الأرض المغتصبة نحو 123 جماعة يصنفها الصهاينة أنفسهم بأ نّها
جماعات دينية متطرفة، ومن هذه الجماعات ما ل يقل عن خمس وعشرين جماعة وتنظيماً
يعدّون السعي لهدم المسجد الأقصى كهدف أساسي، وقد قامت تلك الجماعات منذ عام 1149 م
وحتى عام 2333 م بما لا يقل عن 123 عملاً عدائياً مباش ا رً ضد المسجد الأقصى" ) 2 . )
وكان اليهود يسلكون مسلكاً م ا روغاً قبل عام 1149 م فيما يتعلق بالقدس، فكانوا داخلياً
يحشدون كل اليهود نحو القدس كعاصمة أبدية لهم، ويترنمون بالنصوص الدينية الداعية إلى
امتلاك القدس، أما خارجياً أمام العالم فكانوا يحاولون التظاهر باللين والتسامح تجاه الأديان الأخرى
وتخاطب العالم بالكلام المعسول عن "المدينة المتحف" و"المدينة المقدّسة" لكل الأديان والملل!) 3 .)
لكنّ الصهيونية خطت خطوتها الجريئة في حرب عام 1149 م، فاحتلّت القدس التاريخية
وأعلنت توحيدها الجزء الشرقي )الذي أعطي للعرب قبل ذلك( مع الجزء الغربي، منتجةً " أورشليم
الجديدة "، ضمن مخطط تهويدي معلوم مرسوم، وأعلن زعماؤها أنّ تقسيم القدس هو وصمة عار
في جبين اليهود، وأ نها باتت يهوديةً مائة بالمائة، كما كانت في ماضيها، و أنها ستظل كذلك في
مستقبلها ) 4 .)
ولأجل هذا الهدف؛ عمدت الحكومات الصهيونية المتعاقبة منذ ذلك التا ريخ إلى اتخاذ
مجموعة من الق ا ر ا رت، ووضع سلسلة من المخططات، لضمان السيطرة على القدس، عسكرياً
1 ( انظر: تقرير حال القدس" 0"، خلال الفترة من يوليو حتى سبتمبر 2312 م، ب ا رءة درزي، د ا رسة، مؤسسة القدس
.) 2312 م، )ص 10 ، الدولية/لبنان، ط 1
2 ، ( قبل الكارثة .. نذير ونفير، عبد العزيز بن مصطفى كامل، مركز البيان للبحوث والد ا رسات/ الرياض، ط 1
1621 ه/ 2333 م، )ص 251 ( بتصرف . -
3 .) ( انظر: القدس مدينة الله أم مدينة داود، حسن ظاظا، )ص 6
4 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 5
168
وجغ ا رفي اً، وسكّ انياً، ولتحقيق هذه السيطرة الشاملة، لجأ الصهاينة إلى تنفيذ مشاريع ومخططات
هامة وخطيرة، وهي ) 1 : )
-2 السيطرة الجغ ا رفية على أكبر قدر ممكن من الأ ا رضي المحيطة بمدينة القدس المحتلة، عن
طريق المصادرة، والاستيطان، واقامة شبكات الطرق.
-2 عزل التجمع السكاني العربي في القدس عن التجمعات السكانية العربية في الضفة.
-0 تطويق القدس بأحزمة استيطانية قوية، على شكل تجمعات سكانية، تشكّ ل عازلا سكاني اً
يهودي اً بين القدس وخارجها.
-4 تصميم الضواحي الاستيطانية بأساليب خاصة، تخدم حالتي الحرب والسلم.
"وهذه المخططات أخذت طريقها الفوري إلى التطبيق، فقد عمد الكيان الصهيوني إلى اتخاذ
إج ا رءات وق ا ر ا رت تهويدية عدوانية خلال الشهر الأول من إكمال احتلال القدس عام 1149 م، إذ
اتخذت الحكومة الصهيونية في أول جلسة لها بعد الحرب ق ا ر ا رً ب )بدء استيطان القدس(، وتمثلت
الإج ا رءات الفورية في هدم "حي باب المغاربة" واجلاء سكانه، واجلاء قسم كبير من سكان )حي
الشرف(، وعزل أحياء عربية كاملة عن مدينة القدس، ومصادرة نحو 23 % من مساحة )البلدة
القديمة(، وطرد أكثر من 4333 من سكان القدس الفلسطينيين خارج الأسوار، ومصادرة نحو 463
عقا ا رً، وهدم نحو 105 عقا ا رً، وابعاد وترحيل أعداد كبيرة من سكان القدس") 2 .)
ولتشريع عملية التهويد الكبرى هذه، لجأت سلطات الاحتلال إلى "مصادرة الأ ا رضي بموجب
)قانون أملاك الغائبين( لسنة 1153 م، واستخدمته بصورة حثيثة لتهويد المدينة، حيث ينصّ على
1 ( القدس بين مخططات التهويد الصهيونية ومسيرة النضال والتصدي الفلسطينية، نواف الزرو، دار الخواجا/
01 ( بتصرف . - - 1111 م، )ص 03 ، الأردن، ط 1
2 ( المصدر السابق، )ص 02 ( بتصرف. -
169
أنّ كل شخص كان خارج دولة الكيان الصهيوني أثناء عملية الإحصاء التي أجرتها عام
2417 م تنقل أملاكه إلى القيّم على أملاك الغائبين، ويحق له البيع و التأجير"!! ) 1 . )
كل ذلك في تقدير الباحث كان من أساليب الحسم المبكر لقضية القدس بعد هزيمة - –
العرب عام 1149 م، الأمر الذي ا زد وضع القدس تعقيداً وخطورة بعد ذلك، فقد استفاد اليهود من
حالة الهوان العربي والإسلامي وحاولوا في سباق مع الزمن فرض الأمر الواقع في هذه المدينة - -
المقدّسة.
" وقد بلغت عدد المستوطنات الصهيونية في القدس وحدها 21 مستوطنة حتى نهاية عام
2334 م، وقد بلغ عدد المستوطنين في هذه المستوطنات أكثر من ربع مليون نسمة، وفي عام
2313 م وحده قام الصهاينة بمصادرة نحو 713 دونماً في القدس واق ا رر بناء 23.333 وحدة
استيطانية " ) 2 .)
ومن أساليب الصهاينة في تهويد القدس هدم منازل أهلها الأصليين، ومصادرة أ ا رضيهم
والتضييق عليهم في كافة مناحي حياتهم.
" فمنذ عام 2417 م وحتى عام 2323 م أقدم الصهاينة على هدم نحو 2532 منزلاً
للفلسطينيين المقدسيين، بحجة البناء )غير القانوني(، وهذا الرقم لا يشمل تلك البيوت التي يهدمها
أصحابها بأيديهم مكرهين، تجنباً لدفع تكاليف الهدم التي يجبر المقدسيون على دفعها عنوةً! ومن
جانب آخر فإنّ اليهود يجبرون المقدسيين على دفع غ ا رمات باهظة بدعوى البناء بدون ترخيص، إذ
بلغ مثلا مجموع الغ ا رمات التي جمعتها بلدية القدس الصهيونية من المقدسيين بين عامي - –
1 ، ( السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس، عدنان أبو عامر، مركز البيان للبحوث والد ا رسات/ الرياض، ط 1
. ) 1603 ه/ 2331 م، )ص 69
2 ( الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2311 م ، كتاب القدس الإحصائي السنوي "رقم 10 "، ا رم الله/فلسطين،
)ص 069 ( بتصرف. -
171
2334 م و 2338 م نحو 53 مليون دولر أمريكي، وتقدر الأمم المتحدة بأن أكثر من 13 ألف
فلسطيني يعيشون حالياً في القدس في مبانٍ مهددة بالهدم") 1 . )
كما يلجأ الصهاينة إلى الإفقار المتعمد لأهالي القدس الأصليين الفلسطينيين، فقد أشارت
د ا رسات إلى " ت ا زيد نسبة الفقر لدى المقدسيين، من 13 % من الأسر تحت خط الفقر عام 2339 م
إلى 14 % عام 2331 م، وصولا إلى 77 % عام 2313 م، فيما 84 % من أطفال القدس هم أبناء
أسر تعيش تحت خط الفقر، و تخبر الأرقام التي كُشف عنها خلال 2312 م بأن 75 % من أرباب
الأسر المقدسية مدينون لبلدية الاحتلال، التي فعّلت على مدى السنوات الماضية ملاحقتها
للمقدسيين لتسديد الغ ا رمات والض ا رئب، وباتت تستنزفهم بتقسيطها بفوائد عالية" ) 2 .)
ومن مظاهر التهويد أيضاً ارتكاب اليهود للعنف والمذابح ضد أهل القدس، وخاصة عمّ ار
المسجد الأقصى المبارك؛ لترويعهم واجبارهم على ترك المدينة واخلاء الساحة لليهود المحتلين،
ومن أهم هذه الممارسات والج ا رئم العدوانية الدموية على سبيل التمثيل ما يلي: - –
1141 م، قام الصهاينة بإح ا رق المسجد الأقصى " وحاولت سلطات /39/ في 21
الاحتلال منع المقدسيين من إطفاء الحريق، وقطعت المياه عن منطقة الحرم فور اندلاع الحريق،
فأتت الني ا رن على منبر صلاح الدين في المسجد، وسقف ثلاثة أروقة، وقسم من السطح
الجنوبي") 3 . )
1192 م، " أقدم جندي صهيوني على اقتحام مسجد قبة الصخرة المشرفة، /36/ في 11
وبادر بإطلاق النار العشوائي، فأدى ذلك إلى استشهاد فلسطينيين اثنين، واصابة أكثر من 43
آخرين" ) 4 . )
1 ( كتاب القدس الإحصائي السنوي "رقم 10 "، )ص 066 ( بتصرف. -
2 ( مؤسسة القدس الدولية، القدس 2312 م.. ق ا رءة في مسا ا رت الأحداث والمآلات، د ا رسة، زياد الحسن، 2310 م،
عن موقع المؤسسة الإلكتروني، تحت ا ربط: www.alquds-online.org 2310 م. /6/ ، بتاريخ: 5
3 . ) ( الموسوعة الفلسطينية الميسرة، )ص 443
4 ( القدس بين مخططات التهويد ومسيرة النضال، نواف الزرو، )ص 41 ( بتصرف يسير. -
170
1113 م، اقتحمت قوات من الشرطة الصهيونية وما يسمى ب)حرس /13/ في 39
الحدود( والمخاب ا رت الصهيونية والمستوطنين باحة المسجد الأقصى من أبوابه المختلفة، وفاجأت
المصلين الفلسطينيين بالأسلحة الرشاشة من كل الاتجاهات، وارتكب الصهاينة في ذلك الصباح
مذبحة رهيبة في الحرم المقدّس ا رح ضحيتها 20 شهيداً وأكثر من 853 جريحاً، فيما عرف ب
)مذبحة الإ ثنين الأسود( ) 1 .)
2333 م، " اقتحم رئيس الوز ا رء الصهيوني أرئيل شارون باحة المسجد /31/ في 29
الأقصى برفقة ستة برلمانيين وبحشد عسكري وشرطي بلغ نحو 033 عنص ا رً في صورة استف ا ززية،
مما أثار مشاعر وغضب المصلّين الذين تصدوا لهذا الاستف ا زز فأصيب منهم 12 مصلياً بهروات
الشرطة، وفي اليوم التالي )يوم الجمعة( ارتكبت قوات الاحتلال مجزرة بحق المصلين في المسجد،
حيث أطلقت عليهم النار قبيل انتهاء الصلاة، مما أدى إلى استشهاد 20 وجرح 475 من
المصلين، وقد كانت هذه المجزرة هي الشعلة التي أطلقت انتفاضة الأقصى الثانية") 2 . )
وقد بلغت الهجمة التهويدية الصهيونية ضد القدس والأقصى المبارك حداً غير مسبوق في
العامين الأخيرين، وظهر إلى العلن ما كان اليهود يحاولون إخفاءه منذ زمن بعيد، خاصة مع -
2312 م - /9/ وصول أشد اليهود تطرفاً وعنصرية إلى سدة الحكم في الكيان الصهيوني ففي 1
طُرح للنقاش في "الكنيست" الصهيوني مشروع قانون لتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود،
ويقضي هذا المشروع بتخصيص 1 ساعات يوميًا للمسلمين دون وجود يهود في المسجد، تقابلها 1
لليهود يخرج خلالها المسلمون من المسجد، مع عيد أسبوعي للمسلمين هو الجمعة، يقابله عيد
لليهود وحدهم هو السبت!) 3 .)
ولم يعد الصهاينة يخفون نياتهم في تهويد القدس وضمّ ها واف ا رغها من أهلها، ويعتبرون ذلك
من بديهيات الدّ ين والسياسة اليهودية على السواء، اولتي يجب على العالم أن يسلّم بها، وليس أدل
على ذلك حديثاً من تصريح نقلته وكالة رويترز عن "يجال بالمور" المتحدث باسم و ا زرة الخارجية -
1 . ) ( انظر: القدس بين مخططات التهويد ومسيرة النضال، نواف الزرو، )ص 115
2 ( المجازر الإس ا رئيلية بحق الشعب الفلسطيني، ياسر علي، )ص 91 ( بتصرف. -
3( انظر: مؤسسة القدس الدولية، القدس 2312 م .. ق ا رءة في مسا ا رت الأحداث والمآلات، زياد الحسن.
171
الصهيونية يوم الثلاثاء الموافق 2312 30 24 م، قال فيه بالمور ما نصّه: " إنّ العت ا رض - - -
على تهويد القدس هكذا يقولون عبث ويعادل العت ا رض على الطبيعة الكاثوليكية للفاتيكان أو - -
إسلامية مكّ ة .. من الطبيعي أن الأمر ل يتص ور") 1 . )
ولم يقتصر الأمر على الإج ا رءات الحكومية الرسمية الصهيونية تجاه القدس، بل برزت على
أرض فلسطين المحتلة جماعات منظّمة تسعى إلى الوصول للهدف المشترك، وهو سرقة ما تبقى
من القدس وجعلها مدينة يهودية خالصة.
ومن الجماعات اليهودية المنظّمة التي عملت وتعمل على تهويد القدس وطرد سكانها
وهدم المسجد الأقصى:
)2 جماعة )جوش إيمونيم(:
" تعني هذه العبارة بالعبرية "كتلة المؤمنين"، وهي حركة صهيونية استيطانية دينية قومية،
تطالب بصهيونية الحدّ الأقصى، والحركة ليست حزب اً، وانما حركة شعبية غير ملتزمة إلا بالحفاظ
على )أرض إس ا رئيل(، وقد تأسست الحركة رسمي اً عام 1169 م، ولكن تأسيس الحركة الفعلي كان
بعد يونيو عام 1149 م، ومن وجهة نظر جوش إيمونيم، يُعَدُّ الحتفاظ بالأ ا رضي المحتلة بعد عام
2417 م أم ا رً رباني اً ل يمكن للاعتبا ا رت الإنسانية أو العملية أن تجُبّه، فركزت الحركة جلّ
نشاطها على عملية الاستيطان وتصعيده، بغرض الوصول إلى وضع لا يمكن معه عودة الضفة
الغربية للعرب، أي أنها تحاول أن تترجم سياسة الوضع القائم الصهيونية إلى وجود مادي صلب،
من خلال إقامة المستوطنات") 2 .)
1 ( موقع وكالة رويترز للأنباء الإلكتروني، تحت ا ربط: http://ara.reuters.com/article/topNews ، بتاريخ:
2310/0/24 م.
2 159 ( بتصرف. - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
173
)2 منظمة )بيشيفات أتريت كوهانيم(:
وتعني العبارة: "التاج الكهنوتي"، تأسست هذه الحركة عام 1199 م، يقوم أتباعها بش ا رء
منازل في القدس للاستيطان اليهودي فيها بشكل منتظم، ولها مكتب دائم في نيويورك لجمع
التبرعات وعقد الندوات) 1 .)
)0 حركة الستيلاء على الأقصى:
وأعضاء هذه الحركة يدعون علناً إلى هدم المسجد الأقصى وطرد جميع السكان المسلمين
من )أرض إس ا رئيل( كما يسمونها، وقد بدأ ظهور هذه الحركة عام 1149 م، وكانت نواة لحركة
جوش أمونيم، ومن أهداف هذه الحركة أيضاً تهويد الخليل واعادة المسجد الإب ا رهيمي لليهود) 2 .)
)4 حركة)كاخ(:
وهو اسم جماعة صهيونية سياسية إرهابية صاغت ،» هكذا « " )كاخ( كلمة عبرية تعني
العبرية، » كاخ « شعارها على النحو التالي: يد تمسك بالتو ا رة وأخرى بالسيف وكتب تحتها كلمة
بمعنى أن السبيل الوحيد لتحقيق الآمال الصهيونية هي التو ا رة والسيف، ترى )كاخ( أنّ الشعب
اليهودي هو شعب مختار فريد ومتميِّز، بل شعب مقدَّس، حقوقه مقدَّسة، ومن ثم فليس بإمكان
الشعب اليهودي المقدَّس أن يُفرط في حقوقه المقدَّسة في الأرض المقدَّسة ويتنازل عن أج ا زء منها
للشعوب الأخرى )غير المقدَّسة ( ، والتوجُّه السياسي لجماعة كاخ هو ضمّ المناطق المحتلة وا ا زلة
كل عبادة غريبة من جبل الهيكل )المسجد الأقصى( واجلاء جميع أعداء اليهود من أرض
فلسطين " ) 3 .)
1 .) ( انظر: قبل الكارثة نذير نفير، عبد العزيز كامل، )ص 254
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 259
3 143 ( بتصرف . - - 151/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 9
174
)5 حركة )إعادة التاج لما كان عليه(:
" يتزعمها رجل يدعى )يس ا رئيل فويختونفر( الذي يحرّك مجموعة عنيفة من الشباب
المتعصبين الذين يعملون على الستيلاء على بيوت ومبان في القدس بدعوى أنها كانت ذات
يوم لليهود، وبعد أن يستولوا عليها يقومون بطرد سكانها العرب، ثم يعمل )فويختونفر( على
ترتيب الجانب القانوني لملكية تلك البيوت، والهدف الكبير لهذه الحركة هو الاستيلاء على أ ا رضي
الحي الإسلامي من القدس لمحاصرة أرض المسجد " ) 1 . )
ومن مظاهر تهويد القدس تغيير الصهاينة للأسماء العربية في القدس، واستبدالها بأسماء
عبرية يهودية من أجل سرقة الت ا رث وتزوير التاريخ وطمس المعالم العربية والإسلامية للقدس.
ومن أمثلة ذلك، استبدالهم تسمية "حي المشارف" ب "موشي حاييم شابير"، وباب الخليل ب
"عودة صهيون"، وباب المغاربة ب "رحوب بيت محسي"، وطريق سليمان ب "شارع المظليين"، وحي
الشيخ ج ا رح ب "حي أشكول"، وطريق الب ا رق ب "يهودا هاليفي"، وتل الشرفة ب "جبعات همفتار"،
وطريق الواد ب "رحوب هجاي"، وعقبة غنيم ب "شوفيه هالكوت"، وطريق المجاهدين ب "ديرخ شاعر
هيروت"، وعقبة درويش ب "حبر حاييم"، ومطار القدس ب "مطار عطاروت"، إضافة إلى عش ا رت
الأسماء العربية الأخرى) 2 . )
خلاصة المطلب:
أولً: زخر العهد القديم بذكر )أو رشليم( تقديساً واحتفاءً وتكريماً فيما عدا ما يعرف بأسفار -
موسى الخمسة وهي في تو ا رة اليهود المحرفة أي أورشليم مسكن الربّ، ومأوى أفئدة شعب الله - - –
المزعوم، ومحل القداسة الذي لا تدانيه بقعة في الكون، وأقحم كتبة التو ا رة أورشليمهم هذه في مئات
المواضع من أسفار العهد القديم، وجعلوا لها مكانة خاصة عند ربّهم، وعند اليهود.
1 . ) ( قبل الكارثة نذير نفير، عبد العزيز كامل، )ص 243
2 .) ( انظر: القدس بين مخططات التهويد ومسيرة النضال، نواف الزرو، )ص 51
175
ثانياً: لعب زعماء اليهود والصهيونية قديماً وحديثاً على وتر "مدينة الله"، و"مدينة داود" كي
يرسخ وا زو ا رً أح قّية اليهود في القدس كاملة غير منقوصة، وحاولوا أن يعززوا هذه الدعوى كحقيقة
بديهية لا جدال فيها، من خلال تزوير التاريخ، ومحاولات شطب حضارة الشعب الأصلي.
ثالثاً: ركّز اليهود منذ احتلالهم أرض فلسطين خاصة بعد عام 1149 م على التهام - –
القدس وتهويدها وطمس معالمها العربية والإسلامية، وسرقة أرضها وت ا رثها، وطرد سكانها أو
تنغيص حياتهم، واستخدموا في سبيل ذلك كل الوسائل؛ ابتداءً بالقوة العسكرية، وفرض اليهود
أنفسهم على المدينة، مرو ا رً بسن القوانين واصدار الم ا رسيم وتشريع التهويد، وصولاً إلى الضغط بكل
الوسائل لتهجير المقدسيين ومصادرة حقوقهم وأملاكهم.
ا ربعاً: يسابق اليهود الصهاينة الزمن في محاولة تغيير معالم المدينة المقدّسة، وخنقها
بالمستوطنات اليهودية، وعزلها عن امتدادها العربي الفلسطيني المسلم، والتحكم في اقتصادها،
وتغيير تركيبتها السكانية، وتغيير أسماء شوارعها ومعالمها، لكي يفرضوا أم ا رً واقعاً على العالم،
بحيث يصعب بعد ذلك تغييره أو تعديله، أو ربما حتى الحديث عنه.
خامساً: تعدّ القدس ثابتاً من ثوابت اليهود والصهيونية، وبات الحديث عن وحدانيتها اليهودية
الأبدية هو البضاعة ال ا رئجة التي يقف ساسة اليهود قاطبة على ترويجها، وعليه والحال هذه - -
فمن المستحيل أن يتخ لّى صهاينة اليوم طواعية عن القدس، ما لم يرغموا على ذلك إرغام اً.
سادساً: تتعرض القدس يوماً بعد يوم إلى هجمة تهويدية تصاعدية متسارعة، وكأنّ الصهاينة
اليوم على أعتاب مرحلة قريبة ينوون فيها المساس بالقوة بالمسجد الأقصى المبارك، واقتلاعه،
واكمال السيطرة على القدس.
176
المطلب الرابع:
هيكل سليمان في العقيدة اليهودية
"الهيكل كلمة يقابلها في العبرية )بيت همقداش(، أي: بيت المقدس، أو )هيخال(، وهي كلمة
تعني )البيت الكبير( في كثير من اللغات السامية، والبيت الكبير أو العظيم هو الطريقة التي كان
يُشار بها إلى مسكن الإله بحسب عقيدة اليهود ، ومن أهم أسماء الهيكل )بيت يهوه(، لأنه أساس اً - -
مسكن للإله وليس مكان اً للعبادة، على عكس الكعبة مثلا ") 1 . )
لأنه يُطهِّر » لبنان « " ويشغل الهيكل مكانة خاصة في الوجدان اليهودي، فهو يُسمَّى
)يس ا رئيل( من خطاياها ويجعلها بيضاء كاللبن، وكان التصور اليهودي أنه يقع في مركز العالم
فقد بُنيَ في وسط القدس التي تقع في وسط الدنيا، )فقدس الأقداس الذي يقع في وسط الهيكل
هو بمنزلة سُرَّة العالم، ويُوجَد أمامه حجر الأساس: النقطة التي عندها خلق الإله العالم(، والهيكل
كنز الإله مثل )جماعة يس ا رئيل(، وهو عنده أثمن من السماوات، بل من الأرض، التي خلقها بيد
واحدة، بينما خلق الهيكل بيديه كلتيهما، بل إنّ الإله قرَّر بناء الهيكل قبل خلق الكون نفسه"!) 2 . )
الهيكل في العهد القديم:
الذي خطط لبناء الهيكل )أو بيت الربّ( بحسب الاعتقاد اليهودي هو داود ، فقد منع
سكان القدس اليبوسيون داود - - من امتلاكها ابتداءً، فاضطرّ للاكتفاء بأخذ حصن صهيون،
لَ م هن ا « : كما نصّت التو ا رة على ذلك
ِ
وق ا ل م سكََّ م ن ي م بو س ي لِا م و د: لا ت د م خ ل ا ، ف أَ خ ذ دا م و م د ي ح ا ن ي صه ي و ن ، ي ه
(» م ي دين م ة دا م و د 3 . )
ثم حاول داود في بداية ملكه نقل )تابوت العهد( إلى مدينة داود التي اتّخذها له مرك ا زً،
فأبى الربّ ذلك، فاحتفظ داود به في بيت رجل يدعى "عوبيد أدوم" لمدة ثلاثة أشهر) 4 . )
1 151 ( بتصرف. – / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2 151 ( بتصرف يسير. – / ( المصدر السابق، ) 6
3 . 5 : ( أخبار الأيام الأول 11
4 . ( انظر: سفر أخبار الأيام الأول، الإصحاح 10
177
لكنّ داود أعدّ العدة لنقل التابوت إلى "أورشليم"، وعيّن من ينقله من بيت "عوبيد أدوم"،
و ي عَ ل دا م و م د ي لن ف ي س ي ه بم م يو تَ يفِ م ي دين ي ة دا م و د، وأَع دَّ م كَ ن ي لت ابمو ي ت ي الل « : وكان له ذلك وفق ما جاء في التو ا رة
ون ا ب م له خ ي م ة ، ي حين ي ئذٍ ق ا ل دا م و م د : ل ي س لأَ حدٍ أَ ن يُ ي م ل تَبمو ت ي الل لا ِ
ا ي للاَّ ي وي ي ين، لأَ نَّ الرَّبَّ ن ما
ِ
ا ا خت ا ر م ه ي ل ح م ي ل
تَبمو ي ت ي الل وي ل ي ذ د م ي ت ي ه لَ
ِ
ا الأَب ي د ، و جَ ع دا م و م د م كَُّ سْائيي ل
ِ
ا لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي لأَ ج ي ل ص عا ي د
ِ
ا تَبمو ي ت الرَّ ي ب لَ
ِ
ا م كَي ن ي ه ا يَّ لَّي
( » أَع دَّ م ه م له 1 .)
ثم يوحي الربّ إلى داود أنّ ولداً من نسله سيبني بيتاً للربّ ليسكن في وسط شعبه،
نصّت التو ا رة على ذلك: لَ ن ث ن ق ائي لا «
ِ
و يفِ ي ت لِ اللَّ ي ي لَ كَ ن كَل م ي الل ا : ا ذ ه ب وقم ل ي لِا م و د ع ب ي دي: ه ك ذا ق ا ل
الرَّبُّ: أَن ت لا ت ب ينِ ي ل ب ي ت ا ي للسُّ ك نَ، لأَ ي ن ل لَ ه ذا ال ي و ي م،
ِ
سْائيي ل ا
ِ
م أَ س م ك ن يفِ ب ي تٍ م من م ذ ي و ي م أَ ص ع د م ت ا ب ل ي سْ م ت
لَ م س كنٍ
ِ
لَ خ ي مةٍ، و ي م ن م س كنٍ ا
ِ
ي م ن خ ي مةٍ ا . .. و م ك ن م ت م ع ك ح يثم ما ت و جْ ت، وق ر ض م ت ي جَي ع أَع دائي ك ي م ن
أَ ما ي م ك، و ي عَل م ت لِ ا سْا كَ ي سْ ال م ع ظ ما ي ء ا يَّ لَّي ن يفِ الأَ ر ي ض ، سْائيي ل وغ ر س م ت م ه ف س ك ن ي فِ
ِ
و عيَّن م ت م كَ ن ي ل ش ع يبي ا
م كَي ن ي ه، و لا ي ض ط ي ر م ب ب ع م د ، ي ثُ
ِ
و لا ي م عو م د ب م نو الا ي بلمون م ه كُ يفِ الأَوَّل ... وي م كو م ن م تَّ كْ ل ت أَيََّ م ك ي لت ذ ه ب م ع أ بَئي ك،
أَ ي ن أُ ي ق م ي ب ع د ك ن س لِ ا يَّ لَّي ي م كو م ن ي م ن ب ي ني ك وأُث ي ب م ت م مل كت م ه ، لَ الأَب ي د
ِ
( » م ه و ي ب ينِ ي ل ب ي ت ا وأَ ن أُث ي ب م ت م ك ر ي س يَّ م ه ا 2 .)
ولك أن تتصور هذا الإله الذي تصوّره التو ا رة هنا؛ إذ هو إله مختصّ لشعب )إس ا رئيل(،
يتنقل معهم في حلّهم وترحالهم، من خيمة إلى خيمة، ومن مسكن إلى مسكن، ثم ينوي ويقرر بناء
بيتٍ للاستق ا رر، كمسكن أبديّ مرتبط بأبدية امتلاك شعبه للأرض التي جلبهم إليها، وعداً وميثاقاً
أبدياً!! لذلك ليس غريباً في تقدير الباحث أن يروي كاتب سفر أخبار الأيام الأول بعد هذا - - –
الخطاب الحماسي من الربّ لشعبه قصص التنكيل المنسوبة إلى داود - فيما يلي هذا النص
من إصحاحات، فالأرض الآن هي مسكن الربّ، فوجب إبادة أعداء شعب الربّ، وتخليص الأرض
منهم!! .
1 - . 0 1 : ( أخبار الأيام الأول 15
2 - . 12 0 : ( أخبار الأيام الأول 19
178
ثم تحكي التو ا رة أن داود أقام مذبحاً للربّ في جبعون) 1 ( بعد أن اشترى أرضاً من رجل
يدعى: "أُرْنَانَ الْيَبُوسِيِّ "، ودفع داود لأ رنان هذا عوض اً عن المكان ذهبًا وزنه ستُّ مائة شاقل) - - 2 .)
وتقول التو ا رة بعد ذلك إنّ داود هيّأ مواد البناء لولده سليمان قبل موته، وأمره ببناء
وق ا ل د ا م و م د : نَّ « ، بيت الربّ بأمر الربّ
ِ
ا م سل ي ما ن اب ينِ ص ي غيرٌ وغ ضٌّ، وال بي م ت ا يَّ لَّي يمب نَ ليلرَّ ي ب ي م كو م ن ع ي ظيم ا
ي جدًّا يفِ الا ي سْ وال م ج ي د يفِ ي جَيع ي الأَ را ي ضِ، ف أَ ن أُ ه ي م ي م له ف ه يَّ أَ دا م و م د ك ي ث يرا ق ب ل وف اتي ي ه . و دع ا م سل ي ما ن اب ن م ه وأَ و صا م ه أَ ن
ي ب ي نِ ب ي ت ا ي للرَّ ي ب ي له
ِ
ا سْائيي ل
ِ
ا . وق ا ل دا م و م د ي ل م سل ي ما ن : يَ اب ينِ، ق د كَ ن يفِ ق ل يبي أَ ن أَب ي نِ ب ي ت ا لا ي سْ الرَّ ي ب لهييي
ِ
ا . ف كَ ن لَّ
ِ
ا
كَل م الرَّ ي ب ق ائي لا : ق د س ف ك ت د ما ك ي ث يرا و ي عَل ت م ح م رو بَ ع ي ظيم ة، ف لا ت ب ينِ ب ي ت ا لا ي سْي لأَن ك س ف ك ت ي د ما ء ك ي ث ير ة ع لى
الأَ ر ي ض أَ ما ي مي. م ه و ذا يمو م لِ لِ اب نٌ ي م كو م ن صا ي ح ب را حةٍ، وأُ ي ر م يُ م ه ي م ن ي جَيع ي أَع دائي ي ه ح وال ي ي ه، لأَنَّ ا سْ م ه ي م كو م ن م سل ي ما ن .
ف أَ ج ع م ل س لا ما و س ي كين ة يفِ سْائيي ل
ِ
ا يفِ أَيََّ ي م ي ه . م ه و ي ب ينِ ب ي ت ا لا ي سْي، و م ه و ي م كو م ن ي ل اب ن ا، وأَ ن م له أَ بَ وأُث ي ب م ت م ك ر ي سَّ
م مل ي ك ي ه ع لى سْائيي ل
ِ
ا لَ
ِ
ا الأَب ي د . الأ ن يَ اب ينِ، ي ل ي م ك ي ن الرَّبُّ م ع ك ف م ت ف ي ل ح وت ب ي نِ ب ي ت الرَّ ي ب لهي ك
ِ
(» ا كُ ت كََّ م ع ن ك 3 . )
وهنا قمّ ة التناقض التو ا رتي؛ فكاتبها يطعن في هذا النص في داود ويصفه بسفّاك
الدماء، وأنّه غير مؤهّل ليكون باني بيت الربّ!، ويوصي ولده سليمان بالبناء، لكنّ العجيب –
كما سيأتي بأنّ التو ا رة نفسها تصف سليمان - بالشرك وعبادة الأوثان فيما بعد!! فهل خفي عن
الربّ المزعوم تلك العاقبة التي سيؤول إليها سليمان ، إنّه الخلط التو ا رتي المعهود، والتخبط
المتواتر في مقام الربوبية والألوهية.
ليس هذا فحسب، بل إنّ داود بزعم التو ا رة قام بتقسيم أعمال الهيكل )بيت الربّ( - -
قبل موته، وخصّ بذلك اللاويين، وبلغ عدد خدمة الهيكل وقتذاك ثمانية وثلاثين ) 09 ( ألف اً !!،
و جَ ع م كَُّ م ر ؤ سا ي ء سْائيي ل « : فتقول التو ا رة
ِ
ا وال كه ن ي ة واللاَّ ي وي ي ين، ف م عدَّ اللاَّ ي ويوُّ ن ي م ي ن اب ي ن ث لاثي ين س ن ة ف ما ف و م ق،
1 ( جبعون: وفق التو ا رة هي مدينة عظيمة كانت لبني بنيامين، أعطيت لسبط هارون، وسكانها هم الحوّيون الذين
عقدوا بدهائهم صلحاً مع يشوع، وفيها ضرب داود الفلسطينيين، وهي في العصر الحديث قرية "جَبع" الفلسطينية
الصغيرة التي تقع على بعد ستة أميال في الشمال الشرقي من مدينة القدس، بالقرب من قرية مخماس، وكلمة "جبع"
012 (، أيضاً: موسوعة بلادنا / هي كلمة كنعانية بمعنى: تل ] انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
.] )41/ فلسطين، مصطفى الدباغ، ) 9
2 ( انظر: أخبار الأيام الأول، الإصحاح 21 ، والشاقل: هو أصل الوزن الشرعي المضبوط عند العب ا رنيين، ويعادل
. ] )695/ الشاقل في أو ا زن اليوم نحو 15 غ ا رماً. ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
3 – . 11 5 : ( أخبار الأيام الأول 22
179
ف كَ ن ع د م د م ه ح س ب م ر م ؤو ي سهي م ي م ن ال ي ر جا ي ل ث ما ي ن ي ة وث لاثي ين أَل فا، ي م ن ه م ؤ لا ي ء ي لل م من ا ظ ري ة ع لى عَ ي ل ب ي ي ت الرَّ ي ب أَ رب عةٌ
و ي ع م شَو ن أَل فا. و ي س تَّ م ة أ لافٍ م ع رف ا م ء وقم ضاةٌ . وأَ رب ع م ة أ لافٍ ب وَّابمو ن، وأَ رب ع م ة أ لافٍ م س ي ب م حو ن ي للرَّ ي ب ي بَلأ لا ي ت الَّ يت م ي عَل ت
(» ي للتَّ س ي بي ي ح 1 . )
وعهد داود لابنه قبل موته بمثالٍ لبيت الربّ )ربما ما يشبه الرسم أو المخطط( بشكله
وبنائه وأروقته، وآنيته وكهنته وخدمه، مبيناً أنّ ذلك موحىً به من الربّ، إذ هو مسكن الربّ
الأبديّ ) 2 . )
وكان آخر دعاء داود يَ - - « : قبل موته بزعم التو ا رة أن يوفق الربّ ولده لبناء الهيكل
لَ الأَب ي د يفِ ت اوُّ ي ر أَف كَ ي ر قملمو ي ب ش
ِ
سْائيي ل أ بَئين ا، ا ح فظ ه ي ذ ي ه ا
ِ
سْا ق وا
ِ
ب را ي ه ي وا
ِ
له ا
ِ
ربُّ ا ع ي ب ك، وأَ ي عدَّ قملمو م بِ م نَ و ك ،
وأَمَّا م سل ي ما م ن اب ينِ ف أَ ع ي ط ي ه ق ل با كَ ي م لا ي ل ي ح فظ و صا يَ ك، شه ا داتي ك وف رائي ض ك، وي ل ي ع م ل ال ج ي مي ع، وي ل يب ي نِ ال ه ي ك ا يَّ لَّي
(» هيَّأْ م ت م له 3 . )
وبعدما تولى سليمان الملك خلفاً لأبيه بأربع سنوات شرع حسب التو ا رة في - - - –
و شْ ع م سل ي ما م ن يفِ ي بن ا ي ء ب ي ي ت الرَّ ي ب يفِ أُو م ر ش ي ل ي، يفِ جب ي ل ال م م ي ريََّ ح ي م ث ت را ءى ي لِا م و د أَ ي بي ي ه، ح ي م ث « : بناء الهيكل
(» هيَّ أَ دا م و م د م كَ ن يفِ ب ي د ي ر أُ ر ن ن ال ي م بو ي ي س . و شْ ع يفِ ال ي بن ا ي ء يفِ ث ي ن الشَّه ي ر الثَّا ي ن يفِ السَّ ن ي ة الرَّا ي ب ع ي ة ي ل م مل ي ك ي ه 4 . )
ولا يجد الباحث في تو ا رة اليهود سبباً في تأخّر سليمان لأربعة أعوام حتى شرع في بناء
الهيكل المذكور، إذ كان داود قد جهّز كل ما يلزم، بل وهمّ بالبدء في بنائه.
ويستطرد كاتب سفر أخبار الأيام الثاني في ذكر تفاصيل بناء الهيكل وحيطانه وأعمدته
وأخشابه ومساميره، بأو ا زن وأطوال وأثمان دقيقة ومحدّدة في أدّق تفاصيلها) 5 . )
وعلى الرغم من ضخامة حجم الأموال والمواد العينية التي رُصدت لبناء الهيكل، فإن حجمه
« : كما ذكرت التو ا رة كان صغي ا رً، إذ جاء في وصفه وه ي ذ ي ه أَسَّ سه ا م سل ي ما م ن ي ل ي بن ا ي ء ب ي ي ت ي الل:
1 – . 5 2 : ( أخبار الأيام الأول 20
2 . ( انظر: أخبار الأيام الأول، الإصحاح 29
3 – . 11 19 : ( أخبار الأيام الأول 21
4 – . 2 1 : ( أخبار الأيام الثاني 2
5 . 6 ، ( انظر: أخبار الأيام الثاني، الإصحاحان 0
181
الطُّو م ل ي بَ ي لَّ راع ي ع لى ال ي قي ا ي س الأَوَّ ي ل ي س تُّو ن ي ذ راع ا، وال ع ر م ض ي ع م شَون ي ذ راع ا، وال ي روا م ق ا يَّ لَّي قمدَّا م الطُّو ي ل ح س ب
ع ر ي ض ال بي ي ت ي ع م شَو ن (» ي ذ راع ا 1 .)
وقد شكك عدد من العلماء والباحثين غير المسلمين في صدق روايات العهد القديم التي - -
وصفت بناء هيكل سليمان والأموال والذهب والفضة التي وضعت فيه، ومن هؤلاء وول ديو ا رنت) 2 )
الذي علّق على وصف الهيكل بالقول : " ولم يكن هذا الهيكل كنيسة بالمعنى الصحيح، بل كان
سياج اً مربع اً يضم عدة أجنحة، ولم يكن بناؤه الرئيسي كبير الحجم ... هذا إذا جاز لنا أن نصدق
المصدر الوحيد الذي نعتمد عليه في هذا الوصف)أي العهد القديم(") 3 . )
كما يعلّق مؤرخون آخرون على " وصف العهد القديم الهيكل بأنه كان مغشًى من الداخل
بالذهب، بأنّ هذا الأمر غير ممكن تاريخياً، وهو محل تساؤل من وجهة النظر النقدية، مما يرجح
استبعاد صحته بالنسبة لمعظم أنحاء الهيكل" ) 4 . )
وتذكر التو ا رة أنّ الربّ قد اختار الهيكل مكاناً مقدّساً له على الأرض مخاطباً سليمان
الأ ن ع ين ا ي ت م كو ن ي ن م ف م تو حت ي ين، وأُ م ذ ن ي لَ ص لا ي ة ه ذا ال م كَ ي ن «: بعدما أتمّ بناء الهيكل قائلاً
ِ
م ا ي غ يت ي ين ا ،
لَ الأَب ي د، وت م كو م ن ع ين ا ي وق ل يبي م هن ا ك
ِ
(» والأ ن ق ي د ا خ تَ م ت وق دَّ س م ت ه ذا ال بي ت ي ل ي م كو ن ا ي سْي ي في ي ه ا م كَُّ الأَيََّ ي م 5 ) .
هذه قصة ما يسمى بهيكل سليمان في تو ا رة اليهود، وقد احتفى به كتبة التو ا رة احتفاءً عظيماً
وبالغوا في وصفه وتقديسه.
1 – . 6 0 : ( أخبار الأيام الثاني 0
2 ( وول ديو ا رنت: مؤلف أم ريكي معاصر، يعد كتابه )قصة الحضارة( ذو الثلاثين مجلد اً واحدا من أشهر الكتب
التي ت ؤرخ للحضارة البشرية عبر مسا ا رتها، عكف على تأليفه السنين الطوال، وأصدر ج أ زه الأول عام 1105 م، ثم
تلته بقية الأج ا زء، وكان من المؤرخين الذين أنصفوا الإسلام إلى حد ما، وأشادوا بنبي الرحمة وبالقرآن الكريم،
. ] )161/49 ،292/ وبالحضارة الإسلامية ] مجلة البحوث الإسلامية، ) 59
3 004 ( بتصرف يسير . - - 005 / ( قصة الحضارة، ديو ا رنت، ) 2
4 ، ( داود وسليمان في العهد القديم والقرآن، د. أحمد عيسى الأحمد، مطبعة حكومة الكويت/ الكويت، ط 1
1613 ه/ 1113 م، )ص 110 ( بتصرف . –
5 – . 14 15 : ( أخبار الأيام الثاني 9
180
" لكن الهيكل لم يكن بالفخامة التي حاول كتبة التو ا رة أن يصوروه بها، كما أنّ بناءه وما
أدخل عليه من زخارف ف نية يبين أنّ بني إس ا رئيل لم يكن لديهم باع في هذا المجال، حيث إنّ الذي
قام بذلك العمل هم المهندسون والفنيون الفينيقيون الذين بنوه على غ ا رر ما كان لديهم وما أخذوه
عن المصريين وبلاد ما و ا رء النهرين، كما أنّ الهيكل لم تكن له تلك الأهمية التي أصبحت له فيما
بعد ") 1 . )
وقد تطرق الباحث في الفصل التمهيدي إلى تدمير الهيكل على يد "بختنصر" البابلي، فيما
عرف بالتدمير الأول، ثم إعادة بنائه بمساعدة الفرس، ثم تدميره مرة ثانية على يد "تيتوس"
الروماني، فيُنظر في موضعه) 2 .)
التناقض في بنية عقيدة الهيكل:
يظهر التناقض جليّاً في تقديس اليهود لما يسمى بهيكل سليمان، وبين عقيدتهم في سليمان
ذاته، فالأصل في فهم الباحث أنّ قدسيّة المكان والبناء بحسب عظمة الباني ومكانته عند - –
الله وعند عباده؛ لكنّ تو ا رة اليهود نالت من نبي الله سليمان واتّهمته بعظائم الأمور التي لا
تغتفر عند الله، فكيف يستقيم هذا مع تباكي يهود اليوم على مجد سليمان ، وأطلال هيكله
وبيته الذي بناه للربّ؟!
فقد اتّهمت تو ا رة اليهود سليمان بالشرك والميل عن عبادة الله إلى عبادة الأوثان، في
آخر حياته! أي أ نّه خُتم له بالشرك، وذلك بعدما أمالت نساؤه قلبه عن الله إلى آلهة أقوام
آخرين، إذ ابتُلي سليمان بزعم التو ا رة بمحبّة نساء كثي ا رت، تزوّج منهن ألفاً !! - –
جاءت حكاية تلك الخاتمة المروّعة لسليمان وأَ حبَّ ال م ي م لِ « : في سفر الملوك الأول
م سل ي ما م ن ي ن سا ء غ ي ري ب ة ك ي ث ير ة م ع ي بن ي ت ي ف ر ع و ن: موأ ي بيَّاتٍ و عَُّوي نيَّاتٍ وأَ م دو ي ميَّاتٍ و ي صي م دوي نيَّاتٍ و ي ح ي ث يَّاتٍ ، ي م ن الأُ م ي م ا يَّ لَّي ن
ق ا ل ع نهم م م ال سْائيي ل
ِ
رَّبُّ ي ل ب ينِ ا : ل ي م ك، لأَ مَّ نَّ م يم ي ميلمو ن قملموب م ك و را ء أ ي له ي ي تَ م. ف ال ت ا
ِ
ل ي يَ م و م ه لا ي د م خلمو ن ا
ِ
لا ت د م خلمو ن ا م سل ي ما م ن ي بِ م ؤ لا ي ء ي بَل م حبَّ ي ة. و كَن ت م له س ب م ع ي مئ ةٍ ي م ن ال ي ن سا ي ء السَّ ي دا ي ت، وث لا م ث ي مئ ةٍ ي م ن ال سَا ي ر ي ي، ف أَ مال ت ي ن سا م ؤ م ه ق ل ب م ه.
1 ( داود وسليمان في العهد القديم والقرآن، أحمد عيسى الأحمد، )ص 115 ( بتصرف يسير . -
2 . )62 ، ( انظر: هذا البحث الذي بين يديه، )ص 09
181
و كَ ن يفِ ز ما ي ن ش ي م خو خ ي ة م سل ي ما ن أَنَّ ي ن سا ء م ه أَ مل ن ق ل ب م ه و را ء أ ي له ةٍ أُ خ رى، لهي ي ه ك ق ل ي ب
ِ
ول م ي م ك ن ق ل م ب م ه كَ ي م لا م ع الرَّ ي ب ا
دا م و د أَ ي بي ي ه. ف ذ ه ب م سل ي ما م ن و را ء ع ش م تو ر ث له ي ة ال ي اي م دوي ن ي ين
ِ
ا ، و مل م كو م ي ر ج ي س ال عمُّوي ن ي ين . و ي عَ ل م سل ي ما م ن الشَََّّ يفِ
ع ي ي نِ الرَّ ي ب، ول م ي ت ب عي الرَّبَّ ت ما ما ك دا م و د أَ ي بي ي ه. ي حين ي ئذٍ ب نَ م سل ي ما م ن م رت ف ع ة ي ل كُ مو ش ي ر ج ي س ال م موأ ي ب ي ين ع لى ال ج ب ي ل ا يَّ لَّي
م تجا ه أُو م ر ش ي ل ي، وي ل م مو لِ ي ر ج ي س ب ينِ عَُّو ن. وه ك ذا ف ع ل ي ل ج ي ميعي ي ن سائي ي ه ال غ ي ري با ي ت اللَّ وا ي تِ م كنَّ يموي ق د ن وي ذ بِ ن لأ ي له ي ي تَنَّ.
ف غ ي ض ب الرَّبُّ ع لى م سل ي ما ن لأَنَّ سْائيي ل
ِ
ي له ا
ِ
ق ل ب م ه ما ل ع ي ن الرَّ ي ب ا ا يَّ لَّي ت را ءى م له مرَّت ي ين، وأَ و صا م ه يفِ ه ذا الأَ م ي ر أَ ن
لا ي تَّب ع أ ي له ة أُ خ رى، ف ل يُ فظ ما أَ و صَ ي ب ي ه الرَّبُّ « ( 1 . )
" فصدر عن سليمان عليه السلام خمس خطيئات) 2 :)
الأولى: وهي أعظمها؛ أ نه ارتد في آخر عمره، الذي هو حين التوجه إلى اللّه ، وج ا زء
المرتد في الشريعة الموسوية الرجم ولو كان نبياً ذا معج ا زت ولا يعلم من موضع من مواضع - -
التو ا رة، أ نه يقبل توبة المرتد.
الثانية: أ نه بنى المعابد العالية للأصنام في الجبل قدام "أورشليم".
الثالثة: أنه تزوج نساء غريبات من شعوب كان اللّه منع الالتصاق بهم.
ال ا ربعة: أنّه تزوج ألف ام أ رة، وقد كانت كثرة الأزواج محرمة على من يكون سلطان بني
إس ا رئيل.
الخامسة: أنّ نساءه كن يبخّ رن ويذبحن للأوثان فكان قتلهن واجباً، وأيض اً أنهنّ أغوين قلبه،
فكان رجمهن اوجب اً، وذلك بحكم التو ا رة نفسها، ولم يُقم سليمان عليهنّ الحدّ " .
كما أنّ من أهم ما يرد على فهم الباحث من إشكال في قصة الهيكل هو عدم إنجاز الربّ
لوعده وعهده الذي أقسم به على نفسه حين قدّس الهيكل وجعله بيتاً ومسكناً له )إلى الأبد(، إذ
سرعان ما دخل على الهيكل الشرك ثم الهدم والإجلاء والاندحار، ولم يعد له من أثر!!
وكما اعتنت التو ا رة بالهيكل فقد اعتنى به التلمود وأفرطَ في ذلك وأغربَ، وتج أّ ر على الله –
وبالغ في وصف الكارثة الكونية التي حلّت بعد هدم الهيكل. -
1 – . 13 1 : ( الملوك الأول 11
2 1253 ( بتصرف. - – 1261/ ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي ) 6
183
ومما جاء في التلمود: " ولم يلعب الله مع الحوت بعد هدم الهيكل! ... وقد اعترف الله
بخطئه في هدم الهيكل، فصار يبكي ويُمضي ثلاثة أرباع الليل ي أ زر كالأسد قائلاً: تباً لي لأني
أمرت بخ ا رب بيتي واح ا رق الهيكل ونهب أولادي! " ) 1 ( تعالى الله عما يقولون علواً كبي ا رً. -
انظر إلى فساد عقول وقلوب هذا الصنف من البشر، إذ تعدّ وا حتى على مقام الربوبية
والألوهية، وسبّوا الله بأقذع الألفاظ، ثمّ يدّعون أنّهم شعبه المختار!
أحلام الهيكل عند اليهود المعاصرين:
" يشكّل هدم الهيكل صورة أساسية في الوجدان الديني اليهودي، فهو يُذكَر عند الميلاد
والموت، وعند الزواج يُحطَّم أمام العروسين كوب فارغ لتذكيرهم بهدم الهيكل )وقد يُنثَر بعض الرماد
على جبهة العريس(، وفي الماضي، حينما كان اليهودي يطلي منزله، كان الحاخامات يوصونه بأن
يترك مربع اً صغي ا رً دون طلاء حتى يتذكر واقعة هدم الهيكل، وفي كل عام، يُحتفَل بذكرى هدم
الهيكل بالصيام في التاسع من آب، وعند كل وجبة، ومع كل صلاة في الصباح، يتذكر اليهود
)الأتقياء( الهيكلَ ، ويص لّون من أجل أن تتاح لهم فرصة العودة إلى الأرض المقدَّسة والاشت ا رك في
بناء الهيكل " ) 2 .)
"كما تُتلَى صلاة خاصة في منتصف الليل حتى يُعجِّل الإله بإعادة بناء الهيكل، ويذهب
الشرع اليهودي إلى أنّ اليهودي يتعيَّن عليه أن يمزِّق ثيابه حينما يرى الهيكل لأول مرة وبعد مرور
ثلاثين يوم اً من آخر مرة آ ره فيها! ... ويرى الصهاينة أنّ ظهور الصهيونية يعود إلى اللحظة
نفسها التي هدم فيها تيتوس الهيكل وفرض على اليهود الشتات، ويقوم الصهاينة بالتأريخ لوقائع
الهيكل « تاريخ العب ا رنيين، وتواريخ أعضاء الجماعات اليهودية في فلسطين، بمصطلحات مثل
ويشير ابن جوريون وكثير من العلماء الصهاينة إلى الكيان الصهيوني ،» الهيكل الثاني « و » الأول
( " » الهيكل الثالث « باعتباره 3 . )
1 .) ( الكنز المرصود في فضائح التلمود، د. الشرقاوي، )ص 194
2 . )143/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
3 143 ( بتصرف . - / ( المصدر السابق، ) 6
184
زعمت التو ا رة كما مرّ بأن سليمان - – قام ببناء الهيكل ف وق جبل "موريا"، ) وهو جبل
بيت المقدس أو هضبة الحرم التي يُوجَد فوقها المسجد الأقصى وقبة الصخرة(، ويُشار إلى هذا
الجبل في الكتابات الإنجليزية باسم )جبل الهيكل() 1 . )
لذلك؛ ليس غريباً في تقدير الباحث أن تجد اليهود يركّزون في عمليات التهويد - -
والاستهداف على محيط المسجد الأقصى المبارك، إذ يعتقدون بأن الهيكل يقع تحته أو في
محيطه.
"فمنذ احتلال كامل القدس عام 1149 م، سرّع الحتلال الصهيوني بكل ما أوتي من قوة
من وتيرة حفرياته تحت المسجد الأقصى وحوله في سبيل تحقيق حلمه ببناء )أورشليم
المقدّسة(، وفي وسطها )الهيكل الثالث المزعوم( المقرر إقامته مكان المسجد الأقصى؛ لكن
الاحتلال لم يعثر على أي أثر يدلّ على وجود يهودي في محيط المسجد الأقصى في رحلة البحث
عن الس ا رب، فسعى إلى خلق هذه الآثار من خلال تشويه الآثار الموجودة في المكان لإعطائها
طابعاً يهودياً غريباً عن وجه مدينة القدس" ) 2 . )
يقول د. رجاء جارودي: "ولدينا مثال على الخداع التاريخي الذي يؤدي إلى المخاطرة بروائع
الفن العالمي وبالعناصر البالغة القيمة في الت ا رث الثقافي الفلسطيني )المسجد الأقصى وقبة
الصخرة(، هذا المثال هو أعمال الحفر والتنقيب تحت هذا الأثر العظيم، متذرّعين بالبحث عن
بقايا )معبد سليمان(، وهي ذريعة تقوم على أكذوبتين: الأولى: أن حائط الب ا رق )يسمونه المبكى(
الذي يجاور الأقصى ليس بقية من معبد سليمان مطلقاً كما يقرر الأثريّون، والثانية: أنّ معبد
سليمان يعرف جميع المؤرخين والأثريين من ماضي موقعه أنه لا يمكن أن يكون قد بقي منه أي
أثر") 3 . )
1 . )143/ ( انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2 ( البحث عن الس ا رب.. الحفريات تحت المسجد الأقصى ومحيطه، إعداد: عبد الله ابحيص، ترجمة: مريم عيتاني،
م ؤسسة القدس الدولية/ بيروت، أغسطس 2312 م، )ص 6( بتصرف يسير. -
3 ( فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، )ص 112 ( بتصرف . –
185
وقد حاصر اليهود المسجد الأقصى بالأنفاق والحفريات لتحقيق هذا الهدف البعيد، ففي
الجهة الجنوبية للمسجد يعمل الصهاينة على إنشاء )مدينة داود(، ويوجد في هذه الجهة 27 موقعاً
للحفريات، منها 22 موقعاً نشطاً، وأخطر هذه الحفريات هو ما يعرف ب)الطريق الهيرودياني( الذي
يبلغ طوله 133 متر، ويربط ساحة الب ا رق بالمدخل الجنوبي ل )مدينة داود( ) 1 . )
"أما الجهة الغربية للمسجد فهي العصب الرئيس للمدينة التي يبنيها اليهود تحت الأقصى،
فهي تحتوي على 24 موقعاً للحفريات، منها 23 مواقع نشطة، وأكبر حفريات الجهة الغربية هي
شبكة أنفاق الحائط الغربي، وهي تعدّ أكثر الحفريات نشاطاً وعمقاً" ) 2 . )
فيما تتركز الحفريات الشمالية في ال ا زوية الشمالية الغربية للمسجد الأقصى، وتحديداً في
منطقة المدرسة العمرية وفيها موقعان نشطان للحفريات) 3 . )
وبالرغم من استم ا رر هذه الحفريات وتصاعدها إل أنّ بعض علماء الآثار وحتى -
الصهاينة منهم ل يخفون حقيقة أنّهم أخفقوا في إثبات أي دليل على وجود الهيكل المزعوم. -
فنجد أن "مائير بن دوف" وهو رئيس بعثة الجامعة العبرية المكلفة منذ عام 1149 م –
بالبحث عن آثار الهيكل في منطقة المسجد الأقصى ومحيطه اعترف بعد طول بحث وعناء -
قائلاً: " خلال مسيرة الحفريات والد ا رسة التي أجريناها خلال الخمسة وعشرين عاماً الماضية
استنتجنا أنه ل يوجد هيكل هناك؛ أي ل توجد بقايا من ذلك المعبد، واذا قمت بالحفر فإنك لن
تستطيع إطلاقاً إيجاد أية بقايا للهيكل تدل على فترة حكم سليمان") 4 . )
1 ( البحث عن الس ا رب، مؤسسة القدس الدولية، )ص 4( بتصرف . –
2 ( المصدر السابق، )ص 4( بتصرف . –
3 . ) ( انظر: المصدر نفسه )ص 4
4 ( المصدر ذاته، )ص 99 ( بتصرف . –
186
ويسعى اليهود اليوم لفرض واقع جديد في الأقصى انسجاماً مع عقيدتهم في الهيكل، ففي
نهاية عام 2311 م " دعا حاخام صفد) 1 (، ويدعى )شموئيل الياهو( وهو أحد الحاخامين –
الأساسيين في الحاخامية الرسمية إلى تقديم قربان الفصح في )جبل المعبد(، وأفتى بأنّ اليهود -
الذين يتجنبون أداء هذه الشعيرة يخاطرون باستن ا زل العقوبة الإلهيّة المدمّرة ") 2 . )
" وقد مثّل تحقيق الوجود اليهودي في المسجد )كحق دائم( هدفاً دائماً للتحركات
الصهيونية على مستوى الجمعيات اليهودية المتطرفة، وعلى المستوى الرسمي في الوقت ذاته،
وباتت تلك الجمعيات تدعو إلى )الصعود إلى جبل المعبد( في كل المناسبات، وأخذت تضغط في
هذا الاتجاه، حتى توصلت إلى تسوية مع الشرطة الصهيونية برعاية رئيس الكنيست في أغسطس
2311 م، حيث تبعها مباشرة أكبر اقتحام جماعي مسجّل في تاريخ المسجد، إذ اقتحمه أكثر من
2311 م، والذي /39/ 533 مستوطن يهودي، بحماية مشددة من شرطة الاحتلال، وذلك بتاريخ 31
وافق شهر رمضان المبارك" ) 3 . )
"إن الهيكل بلغ عند اليهود المعاصرين منزلة جعلتهم يتخذون منه رم ا زً منقوشاً على الع لَم
الصهيوني، إ نه نجمة داود السداسية، وذات النجمة نجدها مطبوعة على هام الجند اليهود في
الخوذات والكابات، ويحملونها على أكتافهم، وتتصدر دباباتهم، وتطير مع طائ ا رتهم، وتنطلق مع
صواريخهم، لم يخجل اليهود من اتّخاذ هذا الرمز الديني شعا ا رً لدولتهم " ) 4 . )
"وقد كُشف النقاب مؤخ ا رً عن أنّ " الجماعات اليهودية المتطرّفة التي تسعى لبناء الهيكل
مكان المسجد الأقصى أكملت إعداد فانوس من الذهب شبيه بالذي استُخدم في عهد الهيكل الثاني،
1 ( صفد: حاضرة الجليل، واحدى المدن المهمّة في شمال فلسطين، تقع على عدّة تلال، مرتفعةً عن سطح البحر
963 م، ولها موقع است ا رتيجي كان له الأثر في تعرضها لأحداث حربية كثيرة عبر التاريخ، وكان لها - بنحو 913
حضور هام في حروب الصليبيين وغيرها، احت لّها اليهود في 11 مايو 1169 م، وشرّدوا سكانها العرب ] الموسوعة
الفلسطينية الميسرة، )ص 099 ( بتصرف [ . -
2 ( التقرير الاست ا رتيجي الفلسطيني لعام 2311 م، )ص 259 ( بتصرف يسير. -
3 ( المصدر السابق، )ص 246 ( بتصرف يسير. -
4 . ) ( قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز كامل، )ص 160
187
إذ جرى استخدام 42 كلغ من الذهب الخالص في صنعه، وبلغت تكلفته أكثر من مليون دولار
تبرع بها رجل الأعمال اليهودي الأوك ا رني فاديم ربينوفيتش" ) 1 . )
ومن الجماعات اليهودية التي تعمل على التعجيل ببناء الهيكل:
)2 منظمة "سيودس شيسون" :
وهي منظمة يهودية تقول عن نفسها بأنها جمعية خيرية، وتتلقى دعماً من و ا زرة المعارف
الصهيونية، والجيش الصهيوني، وبلدية القدس، وتتطلع هذه المنظمة إلى تعميق الوعي إ ا زء
الهيكل والقدس التو ا رتية لدى اليهود، وتسعى للاستيلاء على منطقة المسجد الأقصى وساحاته) 2 .)
)2 حركة "أمناء جبل الهيكل":
"وتأسست في الثمانينيات من القرن العشرين، ومركزها القدس، ولها جمعية تابعة لها هي:
جمعية جبل البيت، ومؤسس هذه الحركة هو يهودي متطرف يدعَى )جرشون سلمون(، وتقوم هذه
الحركة بإقامة الصلوات اليهودية في الساحة المحيطة بحائط الب ا رق، بجوار المسجد الأقصى، قرب
باب المغاربة" ) 3 . )
" وقد حاولت جماعة أمناء جبل الهيكل وضع حجر الأساس للهيكل الثالث في احتفال
تحت إش ا رف رئيس الجماعة جرى في منتصف شهر أكتوبر عام 2484 م، وقد حضر الاحتفال
كاهن يرتدي ملابس كهنوتية خاصة ... ويساند أمناء جبل الهيكل بعض أعضاء المؤسسة الدينية
في الكيان الصهيوني") 4 . )
1 .) ( السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس، عدنان أبو عامر ، )ص 91
2 .) ( انظر: قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز كامل، )ص 259
3 ( قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز كامل، )ص 251 ( بتصرف . -
4 . )149/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
188
2331 م، وهو /9/ "كما سُمح لهذه الجماعة بوضع حجر الأساس للهيكل المزعوم بتاريخ 21
يوافق يوم التاسع من آب وفق التقويم العبري، وهو اليوم الذي يعتقد اليهود أنه تاريخ هدم الهيكل
الثاني عام 93 م" ) 1 . )
)0 جمعية صندوق جبل الهيكل:
" وهي جمعية صهيونية يهودية مسيحية تسعى علانية لتهويد منطقة المسجد الأقصى،
وكان الإعلان عن وجودها عام 1190 م، لها فروع في فلسطين المحتلة وفي الولايات المتحدة،
ومركزها القدس، وتضع نصب أعينها هدفاً أساسياً هو إعادة بناء الهيكل الثالث على جبل
البيت") 2 . )
)4 جمعية الحركة التحضيرية للهيكل:
" أسسها يهودي يدعى "دافيد يوسف ليمونيم"، وموقعها في القدس، وتُصدر هذه الجمعية
مجلة شهرية عنوانها )إلى الهيكل(، وقد أقامت معرضاً خاصاً بالهيكل والتعريف به عام
1119 م") 3 . )
بنى الهيكل؟
ُ
متى ي
لا تخلو عقيدة اليهود في الهيكل المزعوم من تناقض أيضاً، فمع اجتماعهم على قدسية
الهيكل ووجوب بنائه، إلا أنهم اختلفوا في موعد هذا البناء ومن يقوم به.
يقول الدكتور عبد الوهاب المسيري: " يذهب الفقه اليهودي إلى أنّ الهيكل لابد أن يُعاد
بناؤه وتُقام شعائر العبادة القربانية مرة أخرى، ولهذا، فقد تم تدوين هذه الشعائر في التلمود مع
1 . ) ( السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس، عدنان أبو عامر، )ص 91
2 ( قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز كامل، )ص 240 ( بتصرف . -
3 .) ( المصدر السابق، )ص 246
189
وصف دقيق للهيكل، ويتلو اليهود في صلواتهم أدعية من أجل إعادة بناء الهيكل، ولكن الآ ا رء
تتضارب، مع هذا، حول مسألة موعد وكيفية بناء الهيكل في المستقبل") 1 . )
" فال أ ري الأول: هو أنّ اليهود يتعيَّن عليهم أن ينتظروا إلى أن يحلّ )العصر المشيحاني(
بمشيئة الإله، وحينئذ يمكنهم أن يشرعوا في بنائه، ومن ثم يجب ألا يتعجل اليهود الأمور ويقوموا
بإعادة بنائه، فمثل هذا الفعل من قبيل الهرطقة، والتعجيل بالنهاية، ويذهب موشيه بن ميمون إلى
أن الهيكل لن يُبنَى بأيد بشرية، كما يذهب ا رشي) 2 ( إلى أن الهيكل الثالث سينزل كاملا من السماء.
وال أ ري الثاني: يذهب إلى النقيض من ذلك، حيث يرى أن اليهود يتعيَّن عليهم إقامة بناء مؤقّت
قبل العصر المشيحاني، وأنه يحلّ لليهود دخول منطقة جبل موريا" ) 3 .)
ولكن، يتضح للباحث بأنّ هذا الخلاف الفقهي اليهودي لا يقلل من حجم الخطر الذي تمثله
هذه العقيدة والتي ينبني عليها معظم أج ا زء عقيدتهم في الأرض المقدّسة، وتشكّ ل خط ا رً داهماً
ودائماً على المقدّسات والأرض في فلسطين، كما أنّ هذا الخلاف مبني على ا تّفاق على الأصل
الثابت، وهو وجوب إقامة الهيكل، عاجلاً أم آجلاً.
خلاصة المطلب:
أول: إنّ من أهم عقائد اليهود في الأرض المقدّسة، هدم المسجد الأقصى وبناء )الهيكل
الثالث( المزعوم على أنقاضه.
1 . )149/ ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
2 وهو من أشهر المعلقين - ،» ا ربي شلومو بن يتسحاق « ( ا رشي ) 2235 2343 م(: اختصار لاسم الحاخام
والمفسرين الإشكناز للتلمود، وكان رئيس إحدى المدارس التلمودية، وقد وُلد ا رشي في فرنسا حيث اشتغل بتجارة
الخمور، وكان ملم اً بالمصادر الدينية اليهودية السابقة عليه وان كان لا يشير إليها، وقد كتب تفسي ا رً لمعظم كتب
العهد القديم، كما كتب تفسي ا رً للتلمود، وحقق نصه، وعرَّف مصطلحاته، وشرح مفرداته الصعبة، ويُعَدُّ هذا من أهم
159 ( بتصرف [ . - / أعماله. ] موسوعة المسيري، ) 5
3 149 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
191
ثانياً: اعتنى العهد القديم بالهيكل عناية كبيرة، وحشد كتبة التو ا رة من دلائل قدسيته، آويات
مجده، ما يحمل اليهود على أن تهوي أفئدتهم نحو هذا الهيكل الوهمي، الذي لا وجود له إلا في
فت ا رت تاريخية محدودة، ولا سند له أصلاً سوى تو ا رة اليهود المحرّفة.
ثالثاً: تناقضت مصادر اليهود في عقيدة الهيكل، كغيره من المعتقدات اليهودية، وتطاولت
على الله ، ووصفته بما لا يليق بإله عظيم، كما حطّت من قدر نبي الله سليمان ، واتّهمته
بخاتمة الشرك، وظهر التناقض كذلك في وصف الهيكل، وفي عدم بقائه كما تعهّد الربّ، وفي
الاختلاف في موعد إعادة بنائه من جديد.
ا ربعاً: اشتدّت الهجمة اليهودية على المسجد الأقصى في العصر الحديث، وهي في تصاعد
مطّرد، وبات حاخامات اليهود يعلنون ص ا رحة وبغطاء رسمي وبقوانين واضحة أنّهم يسعون إلى
السيطرة على الحرم القدسي الشريف، وأنّهم بصدد الشروع في إقامة الهيكل الثالث.
خامساً: حشد اليهود المعاصرون من خلال دولتهم ومن خلال جمعياتهم وأح ا زبهم الدينية - -
كل الإمكانات من أجل تحقيق الحلم الصهيوني في إقامة الهيكل المزعوم، وأنفقوا في سبيل ذلك
الملايين، وشقوا الأنفاق، وصاغوا كل مؤامرة وصل إليها العقل اليهودي، من أجل الإجهاز على
أقصى المسلمين وقدسهم، وهم يعتقدون بأ نهم في الم ا رحل النهائية قبل إقامة هيكلهم.
190
المطلب الخامس:
فكرة المسيح عند اليهود وعلاقتها بالأرض المقدسة
يستعرض الباحث في هذا المطلب جزءاً من عقيدة اليهود في آخر الزمان، وهو ما يسمونه
المسيح المخلّص أو )الماشيّح( ومدى علاقة هذه العقيدة بأرض فلسطين المباركة.
" إنّ اليهود وجدوا أنفسهم لا خيرة البشر كما زعموا، ولا صفوة الخلق كما أمّلوا، بل لم يجدوا
أنفسهم في نفس المكانة التي ينعم بها الآخرون؛ وا نما كانوا هدفاً للبلاء والنكبات، ومن هنا اتّجه
مفكروهم في عصورهم المتأخرة )أي بعد السبي البابلي( إلى مخ ل صٍ ومنقذٍ ينتشلهم من هذه
الوهدة، ويضعهم في المكانة التي أ ا ردوها، وأطلقوا على هذا المخلّص المسيح المنتظر") 1 . )
"وهذا الإنسان في معتقد اليهود هو إنسان سماوي وكائن معجز خلقه الله قبل الدهور، - –
وهو موجود في السماء إلى أن يحين موعد نزوله، ويمنحه الله قوّته عند نزوله، وسيظهر في
صورة الإنسان، وان كانت طبيعته تجمع بين الله والإنسان " !! ) 2 . )
ص في العهد القديم:
ّ
فكرة المصل
من خلال استق ا رء الباحث لورود لفظة المخلّص ومشتقاتها في العهد القديم، فإنّ هذه اللفظة
لها مدلولها واستخداماتها في الت ا رث الفكري الديني اليهودي، المتمثل في تو ا رتهم أساس اً، وهذه الفكرة
تكررت بلفظها أكثر من مائتي ) 233 ( مرّة في مواضع كثيرة من أسفار العهد القديم، على اختلاف
مدلولات لفظتها ومصدرها.
فقد سمّت التو ا رة مثلا القضا ةَ مخلّصين، أرسلهم الربّ ل)شعب إس ا رئيل( بعد أن كان قد - -
سْائيي ل، ...« : غضب عليهم وسلّط عليهم قوماً آخرين، ومما جاء في ذلك
ِ
ف ح ي م ي غ ض م ب الرَّ ي ب ع لى ا
ف دف عهم م ي بأَي ي دي ن ي ه ي ب ين نَّ م بو م ه، و بَ ع م ه م ي ب ي ي د أَع دا ي ي ئِ م ح ول هم م، ول م ي ق ي د م روا ب ع م د ع لى ال م وقمو ي ف أَ ما م أَع دا ي ي ئِ م . ح يثم ما
1 .) ( اليهودية، د. شلبي، )ص 213
2 ( المصدر السابق، )ص 213 ( بتصرف. -
191
خ ر م جوا كَن ت ي م د الرَّ ي ب ع ل ي يَ م ي لل ي شَ، كُ ت كََّ م الرَّبُّ و كُ أَ ق س م الرَّبُّ ل هم م. ف ضا ق ي ي بِ م م الأَ م م ر ي جدًّا. وأَق ا م الرَّبُّ قم ضا ة
( » ف ذلَّ م او م ه ي م ن ي ي د ن ي ه ي ب ي يَ م 1 . )
وفي مواضع أخرى مخلّصون جدد، لذات السبب:
و صِ خ ب م نو سْائيي ل ...«
ِ
ا لَ
ِ
ا الرَّ ي ب، ف أَق ا م الرَّبُّ م ذ ي ل اا ي ل ب ينِ سْائيي ل
ِ
ا ف ذلَّ اهم م، م ع ث ي ني ي ئي ل ب ن ق ن ا ز أَ خا
( » كَ ي ل ب الأَ صغ ر 2 . )
و صِ خ ب م نو سْائيي ل ...«
ِ
ا لَ
ِ
ا الرَّ ي ب، ف أَق ا م ل هم م م الرَّبُّ م ذ ي ل اا م هو د
ِ
ا ب ن ي ج يرا ال بن ي ا ي مي ينَِّ، ر م ج لا أَ ع سَ. ف أَ ر س ل
ب م نو سْائيي ل
ِ
ا ي ب ي ي د ي ه ه ي ديَّ ة ي ل ي ع ج لمو ن م ي ي لِ م موأ ب ) 3 . )
و كَ ن ب ع د م ه شِ ج م ر ب م ن عن ا ة، ف ض ب ي م ن ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين ي ستَّ ي مئ ي ة ر م جل ي ب ي من سا ي س ال بق ي ر . و م ه و أَي ضا خلَّ ص ...«
سْائيي ل
ِ
ا ) 4 . )
ف ال ت ف ت ل ي ي ه ...«
ِ
ا ذ ه ب ي ب م قوَّي ت ك ه ي ذ ي ه و خ ي ل ص سْائيي ل « : ا الرَّبُّ وق ا ل
ِ
(»؟ ا ي م ن ك ي ف ي م د يَ ن . أَ ما أَ ر سل م ت ك 5 . )
وعندما يكف ر بنو إس ا رئيل ويتنكرون لأوامر الربّ يهددهم بعدم الخلاص، جاء ذلك في ذات
ف ق ا ل الرَّبُّ ي ل ب ينِ سْائيي ل « : سفر القضاة
ِ
ا : أَل ي س ي م ن ال ي م ي صري ي ين والأَ م مو ي ر ي ين وب ينِ عَُّو ن وال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين خلَّ ا م ت م ك؟
وال ي اي م دوي نيُّو ن وال ع ما ي لق م ة وال م م عوي نيُّو ن ق د ضاي م قوم كم ف صر خ م تُ لَّ
ِ
ا ف ذلَّ ا م ت م ك ي م ن أَي ي د ي يه م؟ وأَن م تُ ق د ت ر ك م ت م مو ي ن و ع ب د م ت أ ي له ة
أُ خ رى. ي لَّ ي لِ لا أَ م عو م د أُ خ ي ل م ا م ك . ي ا م م ضوا وا م صِ م خوا لَ
ِ
( » ا الأ ي له ي ة الَّ يت ا خ تَتم م مو ها، ي ل م ت ذ ي ل ا م ك ي ه يفِ ز ما ي ن ي ضي ي ق م ك 6 . )
وقد استعمل كتبة التو ا رة )تابوت عهد الربّ( كرمز مخلّصٍ لبني إس ا رئيل من أعدائهم،
وحكت التو ا رة أنّ معركة وقعت بين الفلسطينيين وبني إس ا رئيل زمن نبيّهم صموئيل، هُزم فيها بنو
...« ، إس ا رئيل فعمدوا إلى جلب تابوت العهد إلى أرض المعركة من أجل تخليصهم من عدوّهم ف جا ء
سْائيي ل: ي ل ما ذا ك سَ ن ال ي و م الرَّبُّ أَ ما م ال ي ف ي ل س ي ط
ِ
لَ ال م ح يَّ لَ. وق ا ل م ش م يو م خ ا
ِ
الشَّ ع م ب ا ي ي ن ي ين؟ ي لن أْ م خ ذ لأَن م ف ي س ن ا ي م ن ي ش يلمو ه
1 – . 14 16 : ( قضاة 2
2 . 1 : ( قضاة 0
3 . 15 : ( قضاة 0
4 . 01 : ( قضاة 0
5 . 16 : ( قضاة 4
6 – . 16 11 : ( قضاة 13
193
تَبمو ت عه ي د الرَّ ي ب ف ي د م خ ل يفِ و س ي طن ا و م يَ ي ل ان ا ي م ن ي ي د أَع دائين ا لَ ي ش يلمو ه و حْلموا ي م ن م هن ا ك تَبمو ت
ِ
ف أَ ر س ل الشَّ ع م ب ا
( » ... عه ي د ر ي ب ال م ج م نو ي د 1 . )
والعجيب أن التابوت لم يخلًصهم في هذه المعركة، بل إنهم هتفوا أخي ا رً: " ا زل المجد من
إس ا رئيل"، إذ سرق الفلسطينيون التابوت المقدّس!) 2 . )
وأخي ا رً، أرسل الربّ بحسب التو ا رة الملك "شاوُل" مخلّصاً لبني إس ا رئيل من أيدي - –
والرَّبُّ ك ش ف أُ م ذ ن م صَوئيي ل ق ب ل م ي جي ي ء شا م و ل ي ب ي ومٍ ق ائي لا : « ، الفلسطينيين ل ي ك ر م ج لا
ِ
غ دا يفِ ي مث ي ل الأ ن أُ ر ي س م ل ا
سْائيي ل،
ِ
ي م ن أَ ر ي ض ب ن ي ا ي م ين، ف ا م س ح م ه رئيي سا ي ل ش ع يبي ا ف م ي ذ ي ل ص ش ع يبي ي م ن ي ي د ال ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين لَ ش ع يبي
ِ
، لأَ ي ن ن ظ ر م ت ا
لأَنَّ م صِا خهم لَّ
ِ
( » م ق د جا ء ا 3 . )
كما سمّت التو ا رة داود أيضاً مخلّصاً لبني إس ا رئيل، جاء ذلك صريحاً في سفر
ف الأ ن اف علموا، لأَنَّ الرَّبَّ كََّ م دا م و د ق ائي لا : ي ن « : صموئيل الثاني
ِ
ا ي ب ي ي د دا م و د ع ب ي دي أُ خ ي ل م ص ش ع يبي سْائيي ل
ِ
ا ي م ن ي ي د
(» ا ل ي ف ي ل س ي طي ي ن ي ين و ي م ن أَي ي دي ي جَيع ي أَع دا ي ي ئِ م 4 . )
وفي التو ا رة غير ما تقدّم إشا ا رت إلى أن الخلاص هو للشعب المختار، )شعب إس ا رئيل(، - –
ومن ذلك دعاء داود (» و م تخ ي ل م ص الشَّ ع ب ال بائي س ، و ع ين ا ك ع لى ال م م تَي ف ي ع ين ف ت ض م عهم م « : 5 . )
(» لأَنَّ الل م يَ ي ل م ص ي صه ي و ن وي ب ينِ م م د ن يهمو ذا، ف ي س م كنمو ن م هن ا ك وي ي رثمو نَّ ا « : ومنها 6 . )
ه ك ذا ق ا ل ربُّ ال م ج م نو ي د : هأَن ذا أُ خ ي ل م ص ش ع يبي ي م ن أَ ر ي ض ال م ي شَ ي ق و ي م ن أَ ر ي ض م غ ي ر ي ب « : وفي سفر زكريا
الشَّ م ي س . وأ ي تِ ي ي بِ م ف ي س م كنمو ن يفِ و سطي أُو م ر ش ي ل ي، وي م كونمو ن ي ل ش ع با، وأَ ن أَ م كو م ن ل هم م له ا
ِ
(» ا ي بَل ح ي وال ي ي بَ 7 . )
1 – . 6 0 : ( صموئيل الأول 6
2 . 5 ، ( انظر: القصة في سفر صموئيل الأول، الإصحاحان 6
3 – . 14 15 : ( صموئيل الأول 1
4 . 19 : ( صموئيل الثاني 0
5 . 29 : ( صموئيل الثاني 22
6 . 05 : ( الم ا زمير 41
7 – . 9 9 : ( زكريا 9
194
يلاحظ الباحث في هذا النص وأشباهه أنّ التو ا رة تحاول ربط الخلاص بأورشليم، في إيحاء
واضح بأنّ خلاص القوم لا يكون إلا بالسيطرة على هذه المدينة.
وبعد عهد داود وسليمان وأَ ع طى « : ، يبعث الربّ بمخلّصين للشعب أيضاً، بنص التو ا رة
الرَّبُّ سْائيي ل
ِ
ا م ذ ي ل اا، ف خ ر م جوا ي م ن تَ ي ت ي ي د الأَ را ي م ي ين . وأَق ا م ب م نو سْائيي ل
ِ
(» ا يفِ ي خي ا ي مهي م كَ م ي س و ما ق ب م لِ 1 . )
ف دف ع تَم م ي ل ي ي د « : وفي بعض أدعية التو ا رة، تجد مفهوم المخلّصين لبني إس ا رئيل، ومن ذلك
م ضا ي ي ق ي يَ م ف ضاي م قو م ه . و يفِ و ق ي ت ي ضي ي قهي م صِ م خوا ل ي ك،
ِ
ا وأَن ت ي م ن السَّ ما ي ء ي سْ ع ت، و ح س ب م را ي ي حْ ك ال ك ي ث يري ة أَ ع ط ي تَم م
(» م ذ ي ل ي ا ين خ لَّ م او م ه ي م ن ي ي د م ضا ي ي ق ي يَ م 2 . )
الأ ن ع رف م ت أَنَّ الرَّبَّ م ذ ي ل م ص م ي س ي ي ح ي ه ، « : ويرد ذكر لفظ المخلّص المسيح في الم ا زمير، ونصّه
(» ي س ت ي جي م ب م ه ي م ن سْا ي ء قم د ي س ي ه، ي بِ م بَو ي ت خ لا ي ص ي ي مي ي ن ي ه 3 . )
خ ي ل ص ش ع ب ك ، و بَ ي ر ك ي م يراث ك، وا ر ع م هم وا ي حْل م هم لَ « : وفيها أيضاً مناجاة للربّ
ِ
(» ا الأَب ي د 4 . )
و تشير ت ا رنيم التو ا رة إلى أن الخلاص يكون بجمع الشعب من بين الأمم، إذ جاء فيها:
خ ي ل ان ا أَيُّه ا الرَّبُّ لهمن ا، «
ِ
( » ا وا جَ عن ا ي م ن ب ي ين الأُ م ي م، ي لن ح م د ا سْ قم د ي س ك، و ن ت فا خ ر ي بت س ي بي ي ح ك 5 أ ي ه يَ ربُّ « ، )
( » ! خ ي ل ص ! أ ي ه يَ ربُّ أَن ي ق ذ 6 . )
ومن الإشا ا رت الأكثر وضوحاً إلى المخلّص في آخر الزمان ما جاء في رؤيا النبي اشعياء
حسب التو ا رة، وجاء فيها ذكر لمشهد يبدو في آخر الزمان، فيه مشاهد لدمار الأرض، وتشققها
وتبعثرها، وانسحاقها، ثم يتبعها ذكر الخلاص لشعب الربّ على يد )الإله المخلّص(.
1 . 5 : ( الملوك الثاني 10
2 . 29 : ( نحميا 1
3 . 4 : ( الم ا زمير 23
4 . 1 : ( الم ا زمير 29
5 . 69 : ( الم ا زمير 134
6 . 25 : ( الم ا زمير 119
195
( » م ه و ذا الرَّبُّ م يَ ي ل الأَ ر ض ويم ف ي رغمه ا وي ق ي ل م ب و جْه ا ويم ب ي د م د م سكََّ نَّ ا « : يبدأ المشهد بقوله 1 . )
« : ثمّ والأَ ر م ض ت دن س ت تَ ت م سكََّ ي نَّ ا لأَ مَّ نَّ م ت عدَّ وا ال شَا ي ئ ع، غ مَّ يروا ال ف ي ري ض ة، ن كثموا ال عه د الأَب ي ديَّ ، ي لَّي لِ ل عن ةٌ
( » أَ كَ ي ت الأَ ر ض و م عوي ق ب السَّا ي ك م نو ن ي فيَ ا، ي لَّ ي لِ ا ح تَ ق م سكََّ م ن الأَ ر ي ض وب ي ق ي أُ نسٌ ق لائي م ل 2 . )
ي ان س حق ي ت الأَ ر م ض ان ي س حاق ا، ت شقَّق ي ت الأَ ر م ض ت شقُّق ا، ت ز ع ز ع ي ت الأَ ر م ض ت ز ع م زع ا ... « : ثمّ وي م كو م ن يفِ ذ ي لِ
ال ي و ي م أَنَّ الرَّبَّ يم طا ي ل م ب م جن د ال ع لا ي ء يفِ ال ع لا ي ء، و م ملمو ك الأَ ر ي ض ع لى الأَ ر ي ض . و م يَ م م عو ن جَ عا كَ سا رى يفِ ي سْنٍ،
ويم غل م ع ل ي يَ م يفِ حب سٍ، م ثَُّ ب ع د أَيََّمٍ ك ي ث يرةٍ ي ت عهَّ م دو ن . و يَ ج م ل ال ق م م ر و م تخ زى الشَّ م م س، لأَنَّ ربَّ ال م ج م نو ي د ق د م لِ يفِ
( » جب ي ل ي صه ي و ن و يفِ أُو م ر ش ي ل ي، وقمدَّا م م ش م يو ي خ ي ه م جدٌ 3 . )
و يم ف ينِ يفِ ه ذا ال ج ب ي ل و ج ه ال ي ن ق ا ي ب ، ال ي ن ق ا ي ب ا يَّ لَّي ع لى م ي كُ « : ثم يجيء الخلاص لشعب الربّ
الشُّ م عو ي ب، وال ي غ طا ء ال م مغ طَّى ي ب ي ه ع لى م ي كُ الأُ م ي م . لَ الأَب ي د، وي م س م ح السَّ ي م د الرَّبُّ الُِّ م مو ع ع ن م ي كُ ال م و م جو ي ه،
ِ
ي بل م ع ال م و ت ا
وي ي نَ م ع ع ا ر ش ع ي ب ي ه ع ن م ي كُ الأَ ر ي ض، لأَنَّ الرَّبَّ ق د ت كََّ م . ويمق ا م ل يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م: لهمن ا. ان ت ظ ر ن م ه
ِ
م ه و ذا ه ذا ا ف ذلَّ ان ا . ه ذا
( » م ه و الرَّبُّ ان ت ظ ر ن م ه. ن ب ي تَ م ج ون ف ر م ح ي بِ لا ي صه 4 . )
لأَن مَّ ه يمو م لِ ل ن ا و لٌِ ونم ع طى اب ن ا، وت م كو م ن ال ي ر يَ س م ة ع لى « : والمسيح المنتظر عجيب كما يصفه اشعياء
ك ي ت ي ف ي ه، ويم د عى ا م سْ م ه ي عَي با، م ي ش يرا، له ا
ِ
ا ق ي دي را، أَ بَ أَب ي ديًَّ، رئيي س السَّ لا ي م . ي ل م ن م م ي و ي ر يَ س ي ت ي ه، وي للسَّ لا ي م لا ي نَّ اي ة ع لى
م ك ر ي ي س دا م و د وع لى م مل ك ي ت ي ه، ي ل م يث ي ب تَ ا وي ع م ض د ها ي بَل ح يَ وال ي ي بَ، ي م ن الأ ن لَ
ِ
( » ا الأَب ي د . غ يرم ة ر ي ب ال م ج م نو ي د ت ان م ع ه ذا 5 . )
م ه و ذا الرَّبُّ ق د أَ خ بَ لَ « : وفي سفر اشعياء يتكرر ربط البشرى بالخلاص بمدينة أورشليم
ِ
ا أَ ق ص
الأَ ر ي ض، قمولموا لاب ن ي ة ي صه ي و ن )أي أورشليم(: م ه و ذا م ذ ي ل م ا ي ك أ ت، ها أُ ج رتم م ه م ع م ه و ي ج زا م ؤ م ه أَ ما م م ه ويم سمُّو م نَّ م : " ش ع با
( » " م مق دَّ سا"، " م ف ي د ي ي الرَّ ي ب " وأَن ي ت تم سمَّ ين : "ال م طلموب ة "، "ال م ي دين ة غ ير ال مه م جو ر ي ة 6 . )
1 . 1 : ( اشعياء 26
2 - . 4 5 : ( اشعياء 26
3 - . 20 11 : ( اشعياء 26
4 - . 1 9 : ( اشعياء 25
5 - . 9 4 : ( اشعياء 1
6 - . 12 11 : ( اشعياء 42
196
وارتبطت فكرة الخلاص أيضاً في العهد القديم بحادث السبي الكبير، فيجد الباحث أنّ النبي
ارمياء مثلاً يكثر من التذكير بالعودة، وينقل باسم الربّ وعوداً بالخلاص الأبدي لشعبه المنفي،
أَمَّا أَن ت يَ ع ب ي دي ي ع م قو ب ف لا تخ ف، ي م قو م ل الرَّبُّ، و لا ت رت ي ع ب يَ « : تصريحاً وتلميحاً، ومما جاء في ذلك
سْائيي م ل،
ِ
ا لأَ ي ن هأَن ذا أُ خ ي ل م ا ك ي م ن ب ي عيدٍ ، ون س لِ ي م ن أَ ر ي ض سب ي ي ه، ف يرج م ع ي ع م قو م ب وي ط م ي ئُّ وي س ي تَ م يح و لا م ز ي ع . لأَ ي ن
أَ ن م ع ك، ي م قو م ل الرَّبُّ ، لأُ خ ي ل ا ك . ن
ِ
وا أَف ن ي م ت ي جَي ع الأُ م ي م ا يَّ لَّي ن ب دَّ دتم ك ل ي يَ م
ِ
ا ، ف أَن ت لا أُف ي ني ك، ب ل أُ ؤ ي دبم ك ي بَل ح يَ ،
( » و لا أُب ي رئم ك ت ي بَئ ة 1 . )
وللتدليل على مدى ارتباط هذه الفكرة بالسبي، تجد أن اشعياء قد اطلق اسم "مسيح الربّ"
على ملك الفرس "قورش" الذي سمح بعودة اليهود إلى فلسطين، إذ جاء في سفر اشعياء ما
ه ك ذا ي م قو م ل الرَّبُّ ي ل م ي س ي ي ح ي ه، ي ل م كو ر ش ا يَّ لَّي أَ م س ك م ت ي ب ي ي ميني ي ه لأَ م دو س أَ ما م م ه أُ م ما، وأَ حق ا ء م ملموكٍ أَ م حلُّ، « : نصّه
( »َ لأَف ت ح أَ ما م م ه ال ي م صراع ي ين، والأَ ب وا م ب لا تم غل م 2 . )
م ك ن م ت أَ رى يفِ م ر ؤى اللَّ ي ي ل ذا « :" أما دانيال فقد أ رى في منامه المسيح " ابن إنسان
ِ
وا م ع م م سْ ي ب
السَّ ما ي ء ي مث م ل اب ي ن ن سانٍ
ِ
ا أَ تَ و جا ء لَ
ِ
( » ا ال ق ي د ي ي الأَيََّ ي م، ف ق رَّبمو م ه قمدَّا م م ه 3 . )
أما عن نهاية الزمان، فإنّ المسيح المنتظر المخلّص هذا، سيحكم العالم من أورشليم،
وي م كو م ن «: وفق ما يُفهم ص ا رحة من نصّ العهد القديم في رؤيا اشعياء التي جاء فيها أيضاً
يفِ أ ي خ ي ر الأَيََّ ي م أَنَّ جب ل ب ي ي ت الرَّ ي ب ي م كو م ن ث ي بت ا يفِ رأْ ي س ال ي ج با ي ل، وي رت ي ف م ع ف و ل ي ي ه م كُُّ الأُ م ي م
ِ
ق ال ي ت لا ي ل، و تج ي ري ا . وت ي س م ير
ي له ي ع م قو ب، ف م ي ع ي ل من ا ي م ن م ط
ِ
لَ ب ي ي ت ا
ِ
لَ جب ي ل الرَّ ي ب، ا
ِ
م ش م عوبٌ ك ي ث يرةٌ، وي م قولمو ن: ه م لَّ ن ا ع د ا م ري ق ي ه ون س م لِ يفِ م س م ب ي ي لِ ؛
(» لأَن مَّ ه ي م ن ي صه ي و ن تخ م ر م ج ال ي شَي ع م ة، و ي م ن أُو م ر ش ي ل ي ي كَ م م ة الرَّ ي ب 4 ) .
1 - . 11 13 : ( ارمياء 03
2 . 1 : ( اشعياء 65
3 . 10 : ( دانيال 9
4 - 0 2 : ( اشعياء 2
197
ص:
ّ
ح المصل
ّ
مناقشة فكرة الماخي
بعد استع ا رض جانب من فكرة المخلّص في تو ا رة اليهود، اتّضح بالفعل أ نها ظهرت متأخرة
في الفكر اليهودي، أي بعد السبي البابلي والخضوع للفرس، الأمر الذي حدا ببعض الباحثين إلى
القول بأنّ فكرة المنقذ المخلّص استعارها اليهود من الفرس) 1 .)
يقول الدكتور المسيري: " وأصل عقيدة الماشيَّح المخل ص فارسية بابلية، فالديانة الفارسية
ديانة حلولية ثنوية تدور حول ص ا رع الخير والشر )إله النور واله الظلام( ص ا رع اً طويلا ينتهي
بانتصار الخير والنور، وقد بدأت هذه العقيدة تظهر أثناء التهجير البابلي، ولكنها تدعّ مت حينما
رفض الفرس إعادة الأسرة الحاكمة اليهودية إلى يهودا" ) 2 .)
"ويكاد المعلّقون على تلك النصوص التو ا رتية يتفقون على أن مبعثها إنما كان تعصّباً قومياً
ضيق الأفق، شديد الحقد، وتعلقاً بفكرة الحق الإلهي في السلطة )الثيوق ا رطية( شديدة الغيرة،
وتعطّشاً لمغانم مادية ضخمة، كل ذلك ينبثق من حضيض الخوف والدمار ليخلق صورة ساحرة
تداعب عواطف هؤلاء الموتورين") 3 . )
ويرى كثير من اليهود أن النبي "إيليا") 4 (، سيأتي آخر الزمان مبش ا رً بقدوم المسيح، إذ بقي
هذا النبي من الأركان الغيبية في الفكر اليهودي، وكثر الحديث عنه في التلمود والمد ا رش وفي
كتب التصوف اليهودي، واعتبر في نظر كثير من اليهود مساوياً لموسى ، و سيأتي في آخر
1 . ) ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 211
2 . )215 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3 ( الفكر الديني الإس ا رئيلي، حسن ظاظا، )ص 110 ( بتصرف يسير. -
4 ( ايليا: وتعني: "إلهي يهوه" وهو بحسب التو ا رة رجل من مستوطني جلعاد يدعى "التّشبي" نسبة إلى قريته، وهو
من أعظم الأنبياء، أرسل إلى آخاب ملك إس ا رئيل لينذره وبني إس ا رئيل، فعاداه الملك، مكث خمس عشرة سنة نبياً،
وله أحوال وك ا رمات عجيبة، ورفع إلى السماء بطريقة عجيبة ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست،
- . ] )194 195/1(
198
الزمان ليطمئن على أحوال اليهود وأنهم ما ا زلوا على الأرض يقيمون الطقوس والشعائر والأعياد
حسب ما تقرر عليهم منذ القدم) 1 . )
وسبب اعتقاد اليهود في هذا النبي هو أحواله ومعج ا زته العجيبة التي انتهت بقصة رفعه إلى
السماء الواردة في سفر الملوك الأول والثاني) 2 ا « : (، والتي كان آخرها وي فيم م هُا ي ي س يرا ي ن وي ت كََّ ما ي ن ذا
ِ
ا
م ر ك بةٌ ي م ن نرٍ و خ يلٌ ي م ن ن رٍ ف ال ت ب ي نهم ما، ف ا ي ع د ي ي ليَّا
ِ
ا يفِ ال عا ي صف ي ة لَ
ِ
(» ا السَّ ما ي ء 3 . )
هأَن ذا « : ويعتمد مفسرو اليهود عند الحديث عن قدوم النبي ايليا على ما ورد في سفر ملاخي
أُ ر ي س م ل م لايكي ف م يَ ي م ي الطَّ ي ري أَ ما ي مي. وي أْ ي تِ ب غت ة لَ
ِ
ا ه ي ي كَ ي ه السَّ ي م د ا يَّ لَّي ت طلم م بون م ه، و م لا م ك ال عه ي د ا يَّ لَّي تم سَُّو ن ي ب ي ه .
(» م ه و ذا ي أْ ي تِ، ق ا ل ربُّ ال م ج م نو ي د 4 ( ، فيقولون بأن )ملاك العهد( المذكور هو النبي ايليا) 5 . )
"وقد ساد اعتقاد لدى غالبية اليهود بأنّ قيام ما يسمى بدولة )إس ا رئيل( للمرة الثانية على
أرض فلسطين هو من أجل خروج المسيح المنتظر الذي تنتظره اليهود، وهو الملك اليهودي
المنتظر") 6 . )
"ذلك الملك اليهودي المخلّص ستكون مهمّته العالمية هي فداء )شعب إس ا رئيل(، وانقاذه من
حياة المنفى، واعادته إلى أورشليم، ليفرض منها الحكم على كل أمم الأرض بشريعة صهيون") 7 . )
"ومرّت فترة طويلة دون أن يجيء المسيح الذي ينتظره اليهود، وانتهز بعض اليهود هذه
الفرصة، فادّعى كل منهم أنه المسيح، و يسجّل التاريخ أخبا ا رً لمسيح كاذب بين حين وآخر" ) 8 .)
1 . )124 ، ( انظر: الفكر الديني الإس ا رئيلي، حسن ظاظا )ص 120
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 122
3 . 11 : ( الملوك الثاني 2
4 . 1 : ( ملاخي 0
5 . )129 ، ( انظر: الفكر الديني الإس ا رئيلي، حسن ظاظا )ص 124
6 ( هرمجدون ونهاية أمريكا واس ا رئيل .. ق ا رءة في نبوءات الكتب المقدّسة، منصور عبد الحكيم وَ الحسيني الحسيني
2339 م، )ص 10 ( بتصرف . - ، معدي، دار الكتاب العربي/دمشق، ط 1
7 ( المسيح اليهودي ونهاية العالم، رضا هلال، )ص 219 ( بتصرف. -
8 . ) ( اليهودية، د. شلبي، )ص 216
199
ومن أشهر هؤلء الذين ادّعوا )الماشيحانية( في تاريخ اليهود:
)2 ثيوداس) 1 :)
" ظهر سنة 66 م، فاتّبعه جمهور كبير من اليهود، وأ ا رد أن يستغلّهم لصالحه سياسياً،
فاجتمع بهم على نهر الأردن، وادّعى أنه سيفلق ماء النهر كموسى ، ليعبر هو والشعب معه،
فعلم بأمره الحاكم العسكري الروماني للمنطقة، فأرسل كتيبة من الفرسان فقتلت من هؤلاء اليهود
عدداً كبي ا رً، وقطعت أ رس هذا المسيح وحملته معها إلى قائدها") 2 . )
)2 بركوخبا:
تزعم التمرد اليهودي الثاني ضد الرومان، وأعلن الجهاد المقدّس ضدهم نحو عام 103 م، و
قد ادّعى لنفسه أو ادّعى له أتباعه بأنه المسيح المخلّص المنتظر، ولكن بعد فشل ثورته - –
وتسببها في سحق اليه ود وطردهم من فلسطين تبين لليهود أنه كذّاب، فاستبدلوا اسمه ب "بركوزيبا"،
أي: ابن المخادع أو الكذاب) 3 . )
)0 أبو عيسى الأصفهاني) 4 :)
ادّعى أنه الماشيّح المنتظر، زمن الدولة العباسية، وقال بأنّ العودة إلى فلسطين لن تتم إلا
على أسنّة الرماح، وعليه فقد أعدّ جيشاً قوامه عشرة آلاف جندي يهودي، وأعلن أنه الذي سيحرِّر
اليهود من الأغيار، وأن هناك خمسة أنبياء سبقوا ظهور الماشيَّح، وأنّه هو خاتم المرسلين، وقام
بتمرد ضد الدولة العباسية، سرعان ما تم إخماده، وتم ضرب جيشه بقوة، وقد قتل أبو عيسى أو
1 04 ( باسم "ثوداس"، و يشير : ( ثيوداس: يشير إليه الكتاب المقدس في موضع واحد في سفر أعمال الرسل ) 5
الكتاب المقدّس إلا أنه كذّاب، وقد انقاد إليه أربعمائة رجل من العصاة، فهلكوا عن آخرهم، ويذكر أن رجلاً آخر
بنفس الاسم أيضاً ظهر بعد عشر سنين من هذا في نهاية عصر الملك هيرودوس ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس،
. ] )035/ جورج بوست، ) 1
2 . ) ( الفكر الديني الإس ا رئيلي، حسن ظاظا )ص 101
3 – . )203 / 106 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 6 ( انظر: المصدر السابق، )ص 100
4 ( أبو عيسى الأصفهاني: عاش في القرن الثامن الميلادي، اسمه الحقيقي إسحق بن يعقوب، وهو من مواليد
أصفهان، ويُعتبَر مؤسس فرقة يهودية في فارس، وهي أولى الفرق بعد هدم الهيكل الثاني، عاش على ما يبدو في
- . ] )219 219 / زمن الخليفة العباسي المنصور ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
311
فرّ، ولكنّ اليهود ادّعوا أنه لم يقتل وانما دخل كهف اً واختفى، كما تداولوا بعض القصص عن
المعج ا زت التي أتى بها) 1 .)
)4 داود ال ا رئي) 2 :)
ظهر إبّان الحروب الصليبية، التي رسمت في مخيلة بعض اليهود إمكانية العودة لاحتلال
القدس وفلسطين، وحاول داود ال ا رئي تجميع اليهود من أجل غزو فلسطين، واستجاب له عدد كبير،
مستندين إلى دعواه بالماشيحانية، وشكّل جيشاً من المتطوعين اليهود مبشّ ا رً لهم بأنّ ساعة
الخلاص قد حانت، ووعدهم بأنه سينقلهم إلى القدس ليلاً على أجنحة الملائكة، و حاول أن يقوم
بهجوم ضد المسلمين في بلدة آمد) 3 (، لكن قوات المسلمين فتكت به وبجيشه، وفي نهاية الأمر قتله
والد زوجته بعد أن تقاضى مكافأة من حاكم المدينة، وبعد مقتله تحوَّل إلى أسطورة حافلة بالخوارق
والمعج ا زت الخ ا رفية) 4 .)
)5 شبتاي تسفي) 5 :)
ظهر في القرن السابع عشر، في ظل معاناة اليهود في أوروبا، وساورته نفسه أن يعلن أنه
المسيح المنتظر، فطاف في البلاد عابداً متنسكاً مروجاً لقرب ظهور المسيح تمهيداً لنفسه - –
1 . )219 / ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 215 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 ( داود ال ا رئي: عاش في القرن الثاني عشر الميلادي، هو داود بن سليمان، ويُدعى أيض اً داود ال ا رئي )أو
وهو أحد الألقاب التي كانت تُطلَق على الماشيَّح، وهو من مواليد ،» المواسِّي « الروحي(، سمَّى هو نفسه مناحِّم، أي
مدينة آمد في إقليم كردستان سنه 1105 م، درس التو ا رة والمد ا رش والمشناه، كما أتقن علوم العرب التي كانت
مزدهرة آنذاك وتعلَّم فنون السحر والتصوف اليهودية. وفي شمال شرق القوقاز، بدأت دعوته المشيحانية بين يهود
219 ( بتصرف يسير [. - / الجبال ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
3 ( آمد: مدينة من كور الجزيرة من أعمال الموصل والجزيرة ما بين دجلة والموصل، وآمد بمقربة من ميافارقين
فتحها عياض بن غنم بعد قتال على مثل صلح الرها ] الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد الحِميري،
. ] ) )ص 0
4 – .)211/ ( انظر: الفكر الديني الإس ا رئيلي، حسن ظاظا، )ص 101 109 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
5 2171 م(: ماشيَّح دجال، وُلد في أزمير لأب يشتغل بالتجارة، درس التو ا رة والتلمود، – ( شبتاي زيفي) 2121
اوستغرق في د ا رسة القبَّالاه، كانت حياته النفسية غير سوية، وقام إشكنازي تسفي بخرق الشريعة عامد اً عام
1469 م، فأعلن أنه الماشيَّح، ونطق باسم يهوه )الأمر الذي تحرمه الشريعة اليهودية(، وأعلن بطلان سائر النواميس
031 ( بتصرف [ . - - 033/ والشريعة المكتوبة والشفوية لتأكيد مشيحانيته ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
310
وبالفعل، فقد دخل شبتاي القدس في مايو عام 1445 م، وأعلن أنه المتصرف الوحيد في مصير
العالم كله، وركب فرس اً )كما هو متوقع من الماشيَّح( وطاف مدينة القدس سبع م ا رت هو وأتباعه،
أوعلن عام 1444 م أنه سيذهب إلى تركيا ويخلع السلطان) 1 . )
وكانت نهاية شبتاي أن ألقى الخليفة العثماني القبض عليه وألقاه في السجن، ثم حكم عليه
بالإعدام وتحداه إن كان هو المسيح المنتظر كما يدّعي أن يوقف الرصاص من أن ينطلق إليه، - –
والا فليعلن على الملأ أنّه كاذب مقابل نجاته من الإعدام، فاختار السلامة واعترف بكذبه) 2 . )
خلاصة المطلب:
أولً: نزع اليهود إلى فكرة المسيح المنتظر بعدما حلّ بهم التشتت والتشرذم، وحاول زعماؤهم
الدينيون قديماً وحديثاً أن يربطوهم بالأرض المقدّسة من خلال فكرة المسيح المخلّص لشعب الربّ.
ثانياً: أصّلت تو ا رة اليهود لقضية المسيح المخلّص المنتظر من خلال طرح فكرة المخلّص
بإسهاب في نصوص العهد القديم، سواءً كان هذا المخلّص نبياً أو ملكاً أنقذ بني إس ا رئيل من
أزماتهم ومصائبهم التي حلّت عليهم زمن سيطرتهم على الأرض المقدّسة في الماضي، أو كان هذا
المخلّص كائناً غيبياً منتظ ا رً في المستقبل ليجمع أشتات اليهود في صهيون.
ثالثاً: لم تزل فكرة المسيح ت ا رود اليهود جيلاً بعد جيل، وظهر فيهم الكثير من )المسحاء(
الدجّالين، ووجدوا لهم من الأتباع الكثيرين.
ا ربعاً: ارتبطت النزعة الماشيحانية بالأوضاع السياسية التي عاشها اليهود في العالم عبر
القرون، وهذا يضيف مظه ا رً جديداً من مظاهر الخلط الكبير والاضط ا رب والتناقض غير المحدود
الذي انتاب الديانة اليهودية عبر العصور.
1 .)031/ ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 215 (، أيضاً: موسوعة اليهود، المسيري، ) 5
2 . ) ( انظر: اليهودية، د. شلبي، )ص 219
311
الفصل الثاني
عقيدة سة
ّ
النصارى في الأرض المقد
وفيه ثلاثة مباحث:
المبحث الأول: العوامل المؤثرة عل العقيدة
النصرانية
المبحث الثاني: عقيدة النصارى في الأرض المقدسة
عليهم
ّ
والرد
المبحث الثالث: رثار العقيدة النصرانية في الأرض
المقدسة
313
المبحث الأول:
العوامل المؤثرة عل العقيدة النصرانية
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مصادر الفكر النصراني
المطلب الثاني: المؤثرات والظروف الموضوعية
المطلب الثالث: مناقشة مصادر العقيدة النصرانية
314
المطلب الأول:
مصادر الفكر النصراني
يعتمد النصارى في عقيدتهم على مصادر مختلفة، تشكل أساساً للفكر الديني لديهم، وهي –
بنظر الباحث تعجّ كمصادر اليهود بالتناقضات والاختلاف والتعارض، كما سنرى في هذا - - -
المبحث.
وتتمثل مصادر الفكر النص ا رني في عدة أمور، وهي:
أولا : العهد القديم:
إذ إنّ النصارى يؤمنون بالعهد القديم، ويعتبرونه مقدّساً، وقد وقعوا بسبب ذلك في إشكال، إذ
هو أي العهد القديم كتاب أعدائهم اليهود، لكنهم اضطروا للأخذ به، وحاولوا أن يجدوا فيه دليلاً - –
على ألوهية المسيح، وعمدوا إلى التغيير والتبديل فيه بما يتناسب مع عقيدتهم) 1 . )
والنصارى هم الذين أطلقوا اسم "العهد القديم" على التو ا رة بأسفارها التسعة وثلاثين، للتفرقة
بينها وبين "العهد الجديد"، وقد اعتنى النصارى بالعهد القديم فترجموه إلى الكثير من اللغات) 2 . )
وفي إيمانهم بالعهد القديم تفصيل، " فالنصارى الكاثوليك الروم، والأرثوذكس، يؤمنون بما
جاء في الترجمتين اللاتينية القديمة واليونانية، مع اختلاف طفيف بينهم في عدد الأسفار التي لا
يقدّسها الأرثوذكس ويشكّون فيها، ويسلّم بها الروم الكاثوليك، وهي أسفار: ) باروخ، والمكابيين
الأول، والثاني(، وبهذا يسلّم الكاثوليك بستة وأربعين ) 41 ( سف ا رً من العهد القديم، أما البروتستانت
فإنّهم لا يسلّمون سبعة أسفار من بين أسفار العهد القديم الذي يؤمن به الكاثوليك، وهي: )طوبيا،
ويهوديت، والحكمة، وباروخ، والمكابيين الأول والثاني، وكهنوت عيسى بن سي ا رخ(") 3 . )
1 - .) 1119 م، )ص 236 ، ( انظر: مقارنة الأديان " 2" المسيحية، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة/القاهرة، ط 13
2 .)22 ، ( انظر: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 10
3 ( في مقارنة الأديان.. بحوث ود ا رسات، د. محمد الشرقاوي، )ص 26 ( بتصرف يسير. -
315
ثاني ا: العهد الجديد:
ويطلق العهد الجديد على الإنجيل، أو مجموعة الأناجيل، وهو كتاب النصارى المباشر، وهو
يفسر ويوجّه ما في التو ا رة ليوافق اعتقاد النصارى، وكلمة "إنجيل" كلمة يونانية بمعنى )حلوان(،
وهو ما تعطيه لمن أتاك ببشرى، ثم ما لبثت أن أطلقت على الكتاب الذي يحتوي البشرى، أي
العهد الجديد) 1 . )
"ويقدّس النصارى جميعاً إلى جانب أسفار العهد القديم أسفار العهد الجديد، ويتكون العهد - -
الجديد من سبعة وعشرين ) 27 ( سف ا رً أقرّها علماء النصارى، من بين عش ا رت الكتب الأخرى
المماثلة لها، وذلك في القرن الخامس الميلادي") 2 . )
مجموعة « : "وترجع أسفار العهد الجديد إلى ثلاث مجموعاتٍ وسِ ف رين، فالمجموعات هي
مجموعة رسائل بولس) « وعددها أربعة، و ؛» الأناجيل 3 مجموعة « وعددها أربع عشرة رسالة، و ؛»)
ل )لوقا() » أعمال الرسل « وعددها سبع رسائل، وأما السف ا رن، فهما: سفر ؛» الرسائل الكاثوليكية 4 ،)
1 .) ( انظر: المسيحية، د. شلبي، )ص 236
2 ( مقارنة الأديان، د. محمد الشرقاوي، )ص 25 ( بتصرف يسير. -
3 ( بولس: ولد في طرطوس من أعمال المملكة الرومانية، وكان يهودياً من الفريسيين على الأرجح، واسمه العب ا رني
شاول، تعلم اليهودية منذ صغره، وكان من ألدّ أعداء المسيحية من اليهود، وشارك في اضطهادهم، ويزعم الكتاب
المقدّس أن يسوع )المسيح( ظهر له في عمود من نور فآمن به بولس وأصبح من مبشري المسيحية، وأطلق عليه
لقب: "حواري المسيح إلى الأمم الكافرة"، وأوجس الحواريون منه خيفة حين زعم لقاء يسوع، ولكن برنابا )أحد
التلاميذ( شهد له وأصبح رفيقاً له في نشر المسيحية، وينسب لبولس 16 سف ا رً من العهد الجديد ] انظر: قاموس
251 (، أيضاً: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي - 259/ الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
- . ] )92 وافي، )ص 91
4 ( لوقا: لم يتفق الباحثون على مكان ميلاده ولا مهنته، فقيل ولد بأنطاكية وقيل بل هو روماني ولد بإيطاليا، ذكر
الكتاب المقدس أنه كان طبيباً، وقيل بل كان مصوّ ا رً، ا رفق بولس في بعض أسفاره للتبشير بالمسيحية فكان رفيقاً له
أو تلميذا، ووقع بينهما اختلاف، ثم أُسر لوقا وأُخذ إلى رومية، وانتهى ذكره بعد ذلك، والمتفق عليه أنه ليس من
تلاميذ المسيح ولا من تلاميذ حوارييه، يُنسب إلى لوقا إنجيل من الأناجيل الأربعة هو إنجيل لوقا، وسفر أعمال
251 (، أيضاً: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد - 259/ الرسل ]انظر: قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
. ] ) 1091 ه/ 1141 م، )ص 61 ، أبو زهرة، دار الفكر العربي/ القاهرة، ط 0
316
ليوحنا) » رؤيا يوحنا « وسفر 1 ( " ) 2 .)
قال الشيخ محمد أبو زهرة) 3 ( رحمه الله : "ومكان الأناجيل في النص ا رنية مكان القطب - –
والعماد، واذا كانت شخصية المسيح وما حاطوها به من أفكار هي شعار المسيحية، فإن هذه
الأناجيل هي المشتملة على أخبار تلك الشخصية، من وقت الحمل إلى وقت صلبه في اعتقادهم،
وقيامته من قبره بعد ثلاث ليال، ثم رفعه أربعين ليلة، وهي بهذا تشتمل على عقيدة ألوهية المسيح
في زعمهم، والصلب والفداء، أي أ نها تشتمل على لبّ المسيحية في نظرهم بعد المسيح ومعناها") 4 )
"وتمثل الأناجيل الأربعة المعتمدة أهم مجموعات العهد الجديد، وتستأثر وحدها في هذا العهد
حي ا زً كبي ا رً يقرب من نصفه") 5 . )
أما الأناجيل الأربعة التي يتضمنها العهد الجديد، فسيتطرق لها الباحث بشيء من البيان
الموجز، وهي على النحو التالي:
1 ( يوحنا: من كبار حواريي المسيح الاثني عشر، وكان أبوه "زبدى" من السابقين الأولين إلى المسيحية ومن كبار
دعاتها، وكانت أمّه "سالومي" قديسة كبيرة ورد ذكرها في الأناجيل، وقيل أن يوحنا كان أحب الحواريين إلى المسيح
وأقربهم إلى قلبه، وكانت مهنته صيد الأسماك، ووقف جهوده بعد اعتناق المسيحية على نشرها، توفي بين عامي
19 و 133 م، وينسب إليه إنجيل من الأناجيل الأربعة وهو آخرها تأليفاً، وأربعة أسفار أخرى من العهد الجديد،
ويذكر بعض محققي النصارى بأنّ نسبة هذا الإنجيل ليوحنا الحواري هي نسبة باطلة ] الأسفار المقدسة في الأديان
91 ( بتصرف، انظر أيضاً: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو - - السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 99
. ] ) زهرة، )ص 51
2 .) ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 94
3 ( محمد أبو زهرة ) 2044 2021 ه(: هو الإمام محمد بن أحمد بن مصطفى بن أحمد بن عبد الله، ولد في -
المحلة الكبرى في مصر، بدأ حياته التعليمية في الكتّاب، أزهري، حافظ للقرآن، عمل في القضاء الشرعي، وتدرج
في م ا رتب التدريس، واختير عضواً في مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر عام 1142 م، ترك ثروة كبيرة من العلوم
الش رعية والمؤلفات في مختلف مناحي الشريعة ] انظر: ترجمة الناشر)محمد محمود الخضري( للشيخ أبو زهرة، في
مقدمة كتاب د ا رسات في الأديان الذي يجمع ما كتبه الشيخ في الأديان، دار الكتاب العربي/القاهرة، ط)بدون(،
- .] )6 )ص 0
4 . ) ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 61
5 .) ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 94
317
)2 إنجيل متّى) 1 :)
كاتبه هو "متّى" أحد تلاميذ المسيح وي فيم ا « : ، الذي اختاره المسيح تلميذاً كما نصّ الإنجيل
ن سا ن جا ي ل سا ي ع ن د م كَ ي ن
ِ
ي م سو م ع م جت ازٌ ي م ن م هن ا ك، رأَى ا ال ي ج باي ي ة، ا م سْ م ه متََّّ . ف ق ا ل م له: ات ب ع ينِ ، ف ق ا م وت ي ب عه ... ف ل مَّا
ن ظ ر ال ف ي ري ي س يُّو ن ق الموا ي لت لا ي مي ي ذ ي ه: ي ل ما ذا ي أْ م م كُ م ع ي ل م م م ك م ع ال عشَّا ي ري ن وال م خ طا ي ة؟ ف ل مَّا ي سْ ع ي م سو م ع ق ا ل ل هم م: لا يُت ا م ج
لَ ط ي بيبٍ ب ي ل ال م ر ض
ِ
الأَ ي صَِّا م ء ا . ي ن أُ ي ري م د ر حْ ة لا ذ ي بي ح ة، لأَ ي ن ل م أ ي ت لأَ
ِ
ف ا ذ ه م بوا وت علَّ م موا ما م ه و: ا د م ع و أَب را را ب ل
لَ التَّ وب ي ة
ِ
م خ طا ة ا « ( 2 .)
وكتب متّى إنجيله بالعب ا رنية، أو السريانية، أو الآ ا رمية الفلسطينية، على خلاف كبير في
ذلك، ولكن أقدم نسخة عُرفت كانت باليونانية، واختُلف في تاريخ تدوينه اختلافاً كبي ا رً، كما اختُلف
فيمن قام بترجمته إلى اليونانية) 3 . )
"وتوحي محتويات إنجيل متّى بأنه امتداد للعهد القديم بشكل ما، فقد كُتب ليُثبت بأن المسيح
جاء مكمّلاً لتاريخ بني إس ا رئيل، وكثي ا رً ما يستشهد كاتب السفر بفق ا رت من العهد القديم
وبنبوءاته، ويشير إلى أنّ المسيح يتصرف كالمسيح الذي ينتظره اليهود") 4 . )
)2 إنجيل مرقص) 5 :)
1 ( متّى: أي: عطية الله، أحد الحواريين الاثني عشر، كان اسمه قبل الرسولية "لاوي" وكان قبل اتّصاله بالمسيح
من جباة الض ا رئب للرومان في الجليل بفلسطين، وكان اليهود يحتقرون مهنة جمع الض ا رئب، وينسب إليه إنجيل
– .] )031 039/ متّى، وقيل بأنه قتل في أثيوبيا عام 93 م ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
2 – . 10 1 : ( متّى 1
3 64 (، أيضاً: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة - ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 65
- .)99 للإسلام، د. علي وافي، )ص 94
4 ( التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 93 ( بتصرف. -
5 ( مرقص: اسمه يوحنا، وهو بحسب الكتاب المقدس يهودي يرجح أنه ولد في )أورشليم(، ويرجح أن مرقص من
تلاميذ بطرس، ويُظن أن مرقص هو الشاب الذي تبع المسيح ليلة تسليمه، ا رفق مرقص بولس وبرنابا )خاله( في
رحلتهم التبشيرية الأولى، ينسب له تأسيس )الك ا رزة المرقصية( في الإسكندرية بمصر، يُنسب له انجيل مرقص
المعتمد ضمن الأناجيل الأربعة، قتل على الأرجح عام 49 م في مصر ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج
– .] )029 024/ بوست، ) 2
318
مؤلفه القدّيس "مرقص"، أحد التلاميذ السبعين الذين اختارهم المسيح حسب الكتاب -
المقدّس لنشر دعوته إلى جانب الحواريين، واختُلف في نسبته الكاملة لمرقص، فقيل بأنه قد -
كتبه تحت إش ا رف بطرس) 1 ( رئيس الحواريين، وقد نسبه بعض مؤرخي النص ا رنية إلى بطرس ذاته،
وهذا اختلاف في شخص محرر هذا الإنجيل، ولا مرجّح لهذا الخلاف) 2 . )
وقد اختُلف أيضاً في زمن كتابته، بين عام 54 م و 45 م، وقد رجّح بعضهم أن تأليفه كان
عام 43 أو 40 م، وكان تأليفه باللغة اليونانية با تّفاق) 3 . )
"وقد بقي إنجيل مرقص مكتوباً بالطريقة اليدوية لعدة قرون، ومن بين مئات المخطوطات
التي عُملت باليد لإنجيل مرقص لا نجد أي نسختين تتفقان تماماً، كما أن خاتمته غير متفق
عليها") 4 . )
)0 إنجيل لوقا:
ذ كَ ن ك ي ث م يرو ن ق د أَ خ م ذوا « : مؤلفه القدّيس "لوقا"، وهو أحد التابعين، وقد جاء في مطلع إنجيله
ِ
ا
ي بت أْ ي لي ي ف ي قاَّ ةٍ يفِ الأُ م مو ي ر ال م مت يقَّن ي ة ي ع ن د ن، ل ين ا ا يَّ لَّي ن كَنموا م من م ذ ال ب د ي ء م عا ي ي ن ين و م خدَّا ما ي لل ي كَ م ي ة،
ِ
كُ سلَّ مه ا ا رأَي م ت أَ ن أَي ضا
1( بطرس: وتعني: الصخرة أو الحجر، وهو كبير حواريي المسيح، وكان يدعى قبلها "سمعان"، سماه المسيح
"صفا" أي صخرة بالسريانية وبطرس باللاتينية، كانت مهنته صيد الأسماك، كان بحسب الكتاب المقدس أشد
الحواريين ملازمة للمسيح وكرّس حياته لنشر دعوته، قُبض عليه وصُلب في رومية زمن نيرون إمب ا رطور الد ولة
الرومانية، ويرجع إليه أكبر فضل في نشر المسيحية في الدولة الرومانية، وهو الذي أنشأ كنيسة روما التي يتولى
رياستها بابوات الكنيسة الكاثوليكية، وتنسب إليه رسالتان من الرسائل الكاثوليكية السبع ] انظر: قاموس الكتاب
203 (، أيضاً: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، - 229 / المقدس، جورج بوست، ) 1
. ] ) )ص 99
2 ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 69 (، أيضاً: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة
.) للإسلام، د. علي وافي، )ص 99
3 . ) ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 69
4 ( النص ا رنية تاريخاً وعقيد ةً وكتب اً ومذاهب، د. مصطفى شاهين، دار الاعتصام/القاهرة، ط)بدون(، 1111 م، )ص
190 ( بتصرف . -
319
ذ ق د ت ت بَّ ع م ت م كَُّ شَءٍ ي م ن الأَوَّ ي ل ي بت د ي قيَ
ِ
ا ، أَ ن أَ ك م ت ب ع لى ال تَّ ل ي ك أَيُّه ا ال ع ي زي م ز ث م وي فيلم م س،
ِ
وا ي ل ا ي لت ع ي ر ف ي صَِّ ة ال كَل ي م
(» ا يَّ لَّي عم ي ل م ت ي ب ي ه 1 (، وهذا يشير إلى أنه كتبه إلى رجل عظيم يدعى "ثاوفيلس) 2 (") 3 . )
وقد اختُلف في شأن هذا الإنجيل في أمور عدّة: في مولد وصنعة كاتبه، وفي الجهة التي
كتب إليها إنجيله؛ هل كتبه إلى عظيم الروم أم المصريين، وفي زمن تدوينه؛ فقد قيل سنة 50 م،
وقيل 59 م، وقيل 43 م، وقيل 40 م، وقيل 46 م، غير أن ما اتّفق عليه المؤرّخون هو أن هذا
الإنجيل كُتب باللغة اليونانية، وأنّ كاتبه ليس من تلاميذ المسيح ولا من تلاميذ تلاميذه) 4 . )
)4 إنجيل يوحنا:
" يُنسب هذا الإنجيل إلى "يوحنا بن زبدى" أحد الحواريين الإثني عشر، وهو أحدث الأناجيل
الأربعة تأليفاً، وأُلّف باللغة اليونانية ") 5 . )
غير أنّ في نسبته إلى يوحنا الحواري خلاف اً ون ا زع اً بين النصارى؛ فهناك من ينفي ويرفض
نسبته إليه، ومنهم علماء النصارى في القرن الثاني الميلادي الذين اعتبره بعضهم كتاباً مزوّ ا رً، كما
أن هناك خلافاً في زمن تدوينه؛ فمنهم من قال بأنه دوّن سنة 15 م أو سنة 19 م أو سنة 14 م،
وقال بعضهم: بل سنة 49 م أو 41 م، أو 93 م، وقيل : سنة 91 م ) 6 . )
1 - . 6 1 : ( لوقا 1
2 ( ثاوفيلُس: اسمٌ يعني في اليونانية "محب الله"، وهو رجل شهير عزيز من بلاد اليونان، أو من رومية، كان
صديقاً مخلصاً ل )لوقا(، لذلك صدّر لوقا إنجيله باسمه، وكذا كُتبت له أعمال الرسل ] قاموس الكتاب المقدّس،
031 ( بتصرف[ . - /2 ،033/ جورج بوست، ) 1
3 ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 99 ( بتصرف. -
4 . ) ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 53
5 ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 99 ( بتصرف. -
6 - . )56 ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 50
301
"ويعدّ هذا الإنجيل من أخطر الأناجيل؛ إذ تضمن تقرير ألوهية المسيح بوضوح، بل إنّ
كتّاب النصارى يجمعون أو يكادون على أنّ هذا الإنجيل كُتب لإثبات ألوهية المسيح التي اختلفوا
في شأنها، لعدم وجود نص يثبتها في الأناجيل الثلاثة") 1 . )
والى جانب هذه الأناجيل المعتمدة، فإنّ هناك عدد اً من الأناجيل غير المعتمدة عند
النصارى، والتي استبعدوها لمخالفتها عقائدهم، أهمها إنجيل آخر لمتّى، وانجيل الأبيونيين) 2 ،)
وانجيل برنابا) 3 () 4 . )
أما بقية أسفار العهد الجديد، فهي ثلاثة وعشرون سف ا رً، يوجزها الباحث فيما يلي:
.2 سفر "أعمال الرسل": ينسب للقديس لوقا صاحب الإنجيل الثالث، وقد كتبه باليونانية،
عام 40 م على خلاف، وموضوعه: تاريخ حياة الحواريين، وبولس، وطائفة من التلاميذ والتابعين؛
كمرقص وبرنابا، وفي ثنايا الحديث عنهم يتطرق إلى بعض العقائد والش ا رئع) 5 .)
.2 رسائل "بولس": "وعددها أربع عشرة ) 24 ( رسالة، كتبها ك لّها في الأصل باليونانية، في
أوقات مختلفة، تبدأ من سنة 65 م وتنتهي نحو عام 45 م، منها عشر رسائل إلى بعض الشعوب
والبلاد، وأربع رسائل إلى بعض تلاميذه، وتعرض هذه الرسائل في صورة مفصلة لكثير من العقائد
1 56 ( بتصرف . - ، ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 53
2 ( الأبيونيين: فرقة مسيحية تنتسب إلى زعيمها "أبيون"، ظل لها أشياع حتى أواخر القرن ال ا ربع الميلادي، ثم
انقرضت بعد ذلك، ولها إنجيل يسمى إنجيل الأبيونيين، مدون باللغة الآ ا رمية، ويقر هذا الانجيل جميع ش ا رئع
موسى، ويعتبر عيسى المسيح المنتظر وينكر ألوهيته، وهو فيما يتعلق بشخصية المسيح يتفق مع العقائد الإسلامية
] الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 139 ( بتصرف يسير [. -
3 ( برنابا: ومعنى اسمه )ابن الوعظ(، واسمه في الأصل يوسف، وهو بحسب الكتاب المقدّس لاويّ قبرصي الجنس
اعتنق الديانة المسيحية في زمن الرسل أي الحواريين، وكرس لها حياته، وينسب له إنجيل برنابا وسفر "أعمال
ال رسل"، ولا تعترف الكنائس الحاضرة بهذا الإنجيل ولا هذا السفر ] انظر: موسوعة الكتاب المقدّس، جورج بوست،
– . ] )226 220 /1(
4 - . )111 ( انظر: الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 139
5 - . )116 ( انظر: المصدر السابق، )ص 110
300
والش ا رئع والعبادات والأخلاق، وتوجّ ه قسماً كبي ا رً إلى توضيح العقيدة، وتقرير ألوهية المسيح وبن وته،
ومبدأ التثليث ") 1 . )
.0 الرسائل "الكاثوليكية": "وهي سبع رسائل، كتبت كلها في الأصل باللغة اليونانية، وكتبت
في عهود مختلفة من عام 53 م وحتى 13 م، ولا تستأثر هذه الرسائل في العهد الجديد سوى بحيز
يسير، وتعنى هذه الرسائل بشكل خاص في الرد على البدع المستحدثة إلى جانب تناولها العقائد
والش ا رئع والعبادات والأخلاق، من أجل ذلك يطلق على رسائل بولس والرسائل الكاثوليكية اسم:
)الأسفار التعليمية( للعهد الجديد") 2 . )
.4 رؤيا "يوحنا": وتسمى أيضاً: السفر النبوي، وكاتبها هو يوحنا صاحب الإنجيل ال ا ربع،
كتبها باللغة اليونانية، في أ واخر القرن الأول، وهي رؤيا منامية أوحي فيها إلى يوحنا بكثير من
حقائق الديانة وأحداث المستقبل، ومن أهم ما تشتمل عليه: تقرير ألوهية المسيح، تقرير سلطان
المسيح في السماء، وتقرير القيامة والبعث، ورموز مبهمة حول أحداث مستقبلية) 3 . )
ثالث ا: أفكار و إلهامات "بولس":
تطرق الباحث إلى بولس والأسفار المنسوبة إليه في السطور الفائتة، ولكن الباحث يفرد هذا
الجزء للتعريف بإيجاز شديد بأهمية دور بولس في صياغة الديانة النص ا رنية وعقائدها، اولتي لا
ت ا زل باقية حتى يومنا هذا.
إذ كان لبولس هذا شأن كبير في النص ا رنية فيما بعد، فهي تنسب إليه أكثر مما تنسب لأحد
سواه، واعتنى به النصارى جداً، و اتفق له من الصفات والأهلية في النشاط والذكاء والتأثير في
الجماهير ما جعله محور الدعاة للمسيحية، والذي يفرض ما ي ا ره على المسيحيين، ويحملهم على
1 ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 114 ( بتصرف يسير. -
2 119 ( بتصرف يسير . - - ( المصدر السابق، )ص 119
3 - . )111 ( انظر: المصدر نفسه، )ص 119
301
نسيان ماضيه؛ كيهودي من ألدّ أعداء المسيحية، فبات بحقّ المؤسس الحقيقي للنص ا رنية
الحاضرة) 1 .)
ووجه الخطورة هو دعوى بولس بأ نه ملهم بوحي من المسيح ، وأنّ الدّين الذي جاء به
ليس نقلاً عن الحواريين، وأنه لم يستمد إنجيله و"بشا ا رته" من تعاليم التلاميذ؛ بل استمده من
إلهاماته، فبعد إلهامه الأول الذي لا شاهد عليه سوى دعواه وشهادة برنابا له بالصدق أصبح - –
كلامه أساساً للدين النص ا رني إلى يومنا هذا) 2 . )
ي نَي ل ا يَّ لَّي ب شَ م ت ي ب ي ه، « : صرح بولس بهذا الإلهام نصاً
ِ
خ و م ة الا
ِ
وأُ ع ي رفم م ك أَيُّه ا الا أَن مَّ ه ل ي س ي بِ س ي ب
ِ
ن سانٍ. لأَ ي ن ل م أَ قب م لِ ي م ن ي ع ن ي د ا
ِ
ا ع لا ي ن ي م سو ع ال م ي س ي ي ح
ِ
(» ن سانٍ و لا عم ي ل م م ت م ه. ب ل ي بَ 3 . )
وتحت غطاء هذا الإلهام، قلب بولس المسيحية أ رساً على عقب، وتنكر لديانة المسيح
، التي هي التوحيد، وأحدثَ ألوهية المسيح، والقول بالصلب والفداء، وغيّر عقيدة اليوم الآخر،
وألغى أهمية العمل بالشريعة؛ إنما أمر بالاقتصار على العقائد التي سطّرها هو نفسه، وهكذا أسس
بولس ديناً جديداً لا علاقة له بعيسى ( 4 . )
"وفي هذا السياق لابد من الإشارة إلى مسألة تاريخية هامة، وهي أن رسائل بولس هي
الأساس والنصوص الأولى للعهد الجديد، ما دام أنها كتبت بين سنتي 53 و 13 للميلاد، بينما
لم تكتب أناجيل العهد الجديد إل بعد عام 73 م، أي أنّ مؤلفي هذه الأناجيل تأثروا برسائل بولس
التي دوّنت قبلهم، وتشربوا بأفكاره وتأويلاته لأعمال عيسى ؛ وعليه فبولس حاضر ناظر في
العهد الجديد منذ كلمته الأولى، على الرغم من أنّ هذه الأناجيل تتحدث عن أمور سبقت تأثير
1 . )94 ، ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 92
2 1620 ه/ 2332 م، )ص ، ( انظر: المسيحية )النص ا رنية( د ا رسة وتحليل، ساجد مير، دار السلام/الرياض، ط 1
.)60
3 – . 12 11 : ( رسالة بولس الرسول إلى أهل أغلاطية 1
4 . )59 ،69 ، ( انظر: المسيحية د ا رسة وتحليل، ساجد مير، )ص 64
303
بولس، وحضور أفكار ونظرة بولس في مجموع العهد الجديد تدل على سطوة فكرته على الحياة
النص ا رنية فيما بعد") 1 . )
رابع ا: المجامع النصرانية:
يعرّف النصارى المجامع بأ نّها: "هيئات شورية في الكنيسة المسيحية رسم الرسل نظامها في
52 م، للنظر في مسألة الختان عند – حياتهم، حيث عقد وا المجمع الأول في )أورشليم( سنة 51
الأمم، ومن ثم نسجت الكنيسة على منوالهم بعد ذلك ") 2 . )
والمجامع النص ا رنية نوعان) 3 :)
الأول: مجامع مسكونية أو عالمية: وقد عقدت م ا رت معدودة في القرون الأولى، وشهدها
ممثلو الكنائس من جميع الأقطار، وكان سبب عقدها ظهور مذاهب دينية غريبة أ ا رد المجتمعون
فحصها.
والثاني: مجامع مكانية أو إقليمية: وهي تلك التي تعقدها الكنائس في حيّزها، لإق ا رر عقائد
معينة، أو رفضها، أو النظر في شئون محلية خاصة.
ويلاحظ أنّ لهذه المجامع في فهم الباحث أثر كبير وأهمية في صياغة الديانة النص ا رنية - –
وتحول مسا ا رتها، فهي تناقش أمو ا رً تعدّ من شئون العقيدة الجوهرية غالباً، لذلك كانت هذه المجامع
نقاط تحول في التاريخ النص ا رني، ومصدر لا يستهان به من مصادر الديانة.
وسيوجز الباحث في السطور التالية أهم هذه المجامع )المسكونية( وق ا ر ا رتها بنظرة مجملة
دون الخوض في دقائق وتفاصيل مداولتها:
1 ( بولس وتحريف المسيحية، هيم ماكبي، ترجمة: سميرة عزمي الزين، منشو ا رت المعهد الدولي للد ا رسات الإنسانية،
1111 م، )ص 15 ( بتصرف . - ، ط 2
2 1613 ه/ 1191 م، )ص ، ( يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار ثابت/القاهرة، ط 1
110 ( بتصرف يسير. -
3 ( المصدر السابق، )ص 116 ( بتصرف. -
304
.2 مجمع نيقية) 1 ( سنة 025 م:
وعقد هذا المجمع في مدينة نيقية، بأمر من الإمب ا رطور قسطنطين، لما عزم الدخول في
النص ا رنية، وكان سبب عقده العام؛ هو اختلاف النصارى في شخص المسيح ومكانته من
الربّ )الآب(، وتناقضهم في ذلك، كما أن لعقده سبب اً خاص اً؛ تمثل في ظهور ما يسمونه "بدعة
آريوس) 2 ("، وكانت هذه البدعة هي دعوته للتوحيد ورفضه ألوهية المسيح ومحاربته لكنيسة
الإسكندرية) 3 ( فيما تبثه بين المسيحيين!) 4 .)
وانحاز قسطنطين في هذا المجمع إلى أ ري بولس، بعدما شهد اختلافاً عظيماً بين أساقفة
المجمع، الذين بلغوا نحو ألفين وثمانمائة وأربعين ) 2963 ( أسقفاً، ثم انحاز قسطنطين بثلاثمائة
وثمانية عشر ) 019 ( أسقفاً ممن يرون أ ريه في تأليه المسيح ، وقرر المجمع ألوهية المسيح
بأقليته التي انحاز لها الإمب ا رطور، وبات للمجمع سلطة كهنوتية على الناس تلقي عليهم أوامر
الدين، فقرر أن مصدر الدين أصبح ليس الكتب أ رساً بل أفواه العلماء ورجال الكهنوت، بل أمر
المجمع بحرق كل الكتب التي تخالف ما انتهى إليه!) 5 . )
1( نيقية: مدينة من أعمال إسطنبول على البر الشرقي وهي المدينة التي اجتمع بها آباء الملة المسيحية وكانوا
وفيها عقد أول المجامع لهذه الملة، وفي الطريق من هذه المدينة إلى بلاد الروم الشمالية قبر أبي محمد البطال
000 ( بتصرف [ . - / على أ رس تل عال في حدّ تخوم البلاد ] معجم البلدان/ الحموي، ) 5
2 ( آريوس ) 001 251 م(: قسّيس في كنيسة الإسكندرية، وكان داعياً قوي التأثير واضح الحجة جريئاً في -
المجاهرة ب أ ريه، وقد أخذ على نفسه في أوائل القرن ال ا ربع الميلادي مقاومة كنيسة الإسكندرية فيما كانت تذهب إليه
من القول بألوهية المسيح وبنوته للآب، فقام يقرر أن المسيح ليس إلهاً ولا ابناً لله إنما هو بشر مخلوق، ويسمى
131 (، أيضاً: / أتباعه بالآريوسيين، ما لبث مذهبه أن انقرض بسبب طرده وتكفيره ] انظر: الفصل، ابن حزم، ) 1
الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 126 ( بتصرف [ . -
3( الإسكندرية: مدينة كبيرة شمال مصر على ساحل البحر الأبيض، وكانت تسمّى الإسكندرية العظمى، تميي ا زً لها
عن ثلاثة عشر إسكندرية أخرى يقال أنّ الإسكندر المقدوني بناها، ومع هذا فقد اختُلف فيمن بناها على أقوال كثيرة
- . ] )196 192/ ] انظر: معجم البلدان، الحموي، ) 1
4 - . )124 ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 125
5 - . )101 ،121 ( انظر: المصدر السابق، )ص 129
305
.2 المجمع القسطنطيني الأول سنة 082 م:
"وقد عقد هذا المجمع في القسطنطينية) 1 (، يتقدمهم بطريرك الإسكندرية ونحو مائة وخمسين
153 ( أسقفاً، ويبدو أن العدد لم يكن ممثلاً لكل الكنائس، فسبب ذلك جدلاً في كونه مجمعاً عاماً، (
وكان سبب عقده ظهور شبهة توحيد جديدة على يد رجل يدعى "مقدونيوس) 2 ("، ولتقرير ماهية
الروح القدس أهو إله أم مخلوق، وانتهى أمر المجمع إلى ألوهية الروح القدس والى لعن وطرد
مقدونيوس وأشياعه، وبهذا المجمع يكون قد تقرر التثليث في النص ا رنية، وتمّت أقانيمه") 3 . )
.0 مجمع أفسس) 4 ( الأول سنة 402 م:
وقد اجتمع في هذا المجمع نحو مائتي ) 233 ( أسقفٍ، للنظر في أمر أحدثه نسطور) 5 (، وهو
أن هناك أقنوماً وطبيعة، فأقنوم الألوهية من الآب، وطبيعة الإنسان المولود من مريم، وخلص
المجمع إلى تقرير الألوهية المطلقة للمسيح، فمريم العذ ا رء والدة الإله والمسيح إله حق وانسان
معروف بطبيعتين متوحد في الأقنوم، وبالطبع تقرر في المجمع أيضاً لعن نسطور وطرده) 6 . )
1 ( القسطنطينية = إسطنبول حالي اً: تعد المدينة الكبيرة الوحيدة الواقعة في قارتين هما آسيا وأوروبا، وتقع عند
الطرف الجنوبي من خليج البوسفور، وهو مضيق في الشمال الغربي من تركيا، وكانت منذ أمد طويل واحدة من
أهم مدن العالم، فقد كانت القسطنطينية عاصمة الإمب ا رطورية الرومانية، ثم البيزنطية بعد ذلك، ثم أصبحت
إسطنبول عاصمة الدولة العثمانية بين 959 ه 1061 ه، وعرفت إبان هذه الفترة باسم الآستانة ] ملحق مجلة -
. ] )94/ البحوث الإسلامية، التعريف بالأمكنة ) 91
2 ( مقدونيوس: كان بطريركاً في القسطنطينية أيام قسطنطين )ابن باني القسطنطينية(، وكان من أتباع فكرة
أريوس، وكان من قوله التوحيد المجرد وأن عيسى عبد مخلوق إنسان نبي كسائر الأنبياء، وأنه روح الله وكلمته، وأن
113 ( بتصرف يسير [. - / الروح والكلمة مخلوقتان ] الفصل، ابن حزم، ) 1
3 - . )109 ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 104
4 ( أفسس: مدينة في آسيا الوسطى، قرب مصب نهر كايستر على بعد نحو 03 ميلاً جنوب أزمير، ا زرها بولس
بحسب الكتاب المقدس نحو عام 56 م، وفيها دعا اليهود إلى النص ا رنية فآمن كثير منهم، وادّعى حلول روح القدس
123 111 ( بتصرف [. - - / عليهم ] موسوعة الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
5 ( نسطور = نسطوريوس: بطريرك القسطنطينية، كان حكيماً، ظهر في زمان الخليفة المأمون، وتصرّف في
الأناجيل بحكم أ ريه، وقال إن الله تعالى واحد بأقانيم ثلاثة، واتّحدت الكلمة بجسد عيسى عليه السلام لا امت ا زجاً - -
/ ولا ظهو ا رً، وانما إش ا رقاً كإش ا رق الشمس، وتنتسب إليه النسطورية من النصارى ] الملل والنحل، الشهرستاني، ) 1
504 ( بتصرف [ . - - 505
6 - . )163 ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 101
306
.4 مجمع أفسس الثاني سنة 444 م:
عقد هذا المجمع بأمر من الإمب ا رطور "ثودوسيوس") 1 (، وأصدر ق ا ر ا رً بلعنة كل من يقول
بوجود طبيعتين للمسيح، بعد أن ظهرت بدعة تقول بأن المسيح له طبيعة واحدة إلهية ، وأطلقت - -
كنيسة روما )الكاثوليكية( على هذا المجمع "مجمع اللصوص" وأبت أن توافق على ق ا ر ا رته) 2 . )
.5 مجمع خلقيدونية) 3 ( سنة 452 م:
وقد أيّد هذ المجمع ق ا رر مجمع أفسس الأول ورفض ق ا رر مجمع أفسس الثاني، وحضره
أساقفة روما وبطريرك الإسكندرية وأساقفته، وحصل فيه خلاف كبير وجدل أوشك على القتتال،
واتّخذ المجتمعون ق ا ر ا رً يقول بالطبيعتين والمشيئتين للمسيح ، وقد رفض بطريرك الإسكندرية
هذا الق ا رر فنفاه الإمب ا رطور بعيداً عن مصر) 4 . )
" وقد كان ق ا رر مجمع خلقيدونية هو السبب في انفصال الكنيسة المصرية عن الكنيسة
الغربية نهائي اً، إلى يومنا الحاضر، وسمي أتباع مذهب الكنيسة المصرية القائلين بأن للمسيح
طبيعة واحدة باليعقوبيين) 5 ( " ) 6 .)
هذه خلاصة أهمّ المجامع النص ا رنية المسكونية قاطبة، فلم يتفق النصارى بعد هذه
المجامع على مجمع بأنه عام أو مسكوني، كما أنّ هذه المجامع التي فصّل فيها الباحث، هي
1 ( لم يعثر الباحث على ترجمة له .
2 . )132/ ( انظر: قصة الحضارة، ديو ا رنت، ) 12
3 ( خلقيدونية: إحدى مدن آسيا الصغرى القديمة بنيت نحو عام ) 495 ق. م( على ساحل بثنية تجاه الموضع
الذي بنيت فيه بعدئذ مدينة القسطنطينية، ويبدو أنها تخربت في القرن الثاني قبل الميلاد فانتقل سكانها إلى مدينة
نيقوميدية، ويقال أن موضعها الآن قرية صغيرة باسم " قاضى قوة " ] موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية
الأرثوذكسية/ مصر، ا ربط: http://st-takla.org 2310 م بتصرف يسير [ . - /36/ ، بتاريخ 29
4 . ) ( انظر: المسيحية، د. شلبي، )ص 111
5 ( اليعقوبيين = اليعقوبية = اليعاقبة: نسبة إلى رجل يدعى يعقوب )الب ا ردعى(، وهم يقولون بالأقانيم الثلاثة، غير
أنهم يزعمون أن الكلمة انقلبت لحماً ودماً، فصار الإله هو المسيح، وهو الظاهر بجسده، بل هو هو ] الملل
561 ( بتصرف يسير [. - / والنحل، الشهرستاني، ) 1
6 165 ( بتصرف. - - ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 166
307
أهمّ المجامع من حيث تقرير العقيدة النص ا رنية كما تبيّن) 1 . )
وقد توالت بعد ذلك مجامع كثيرة لم تكن على قدر أهمية هذه السابقة، وهي إجمالً: مجمع
القسطنطينية الثاني سنة 550 م، ومجمع القسطنطينية الثالث سنة 493 م، ومجمع روما سنة
941 م، ومجمع القسطنطينية سنة 991 م )وهذان المجمعان الأخي ا رن كانا سبباً في انفصال الكنيسة
إلى شرقية يونانية وغربية لاتينية المجمعين() 2 . )
أما المجامع الباقية فهي تصنّف جميعها كمجامع غير مسكونية إل في نظر الكنيسة
الغربية، وهي إجمالً: مجمع روما التاسع سنة 1120 م، والعاشر سنة 1101 م، والحادي عشر
سنة 1191 م، والثاني عشر سنة 1215 م، وتوالت المجامع بعدها وصولاً إلى المجمع التاسع عشر
الذي دام من عام 1562 م وحتى 1546 م وخصص للرد على البروتستانتية، آخر هذه المجامع
المجمع العشرين في روما سنة 1941 م الذي قرروا فيه عصمة البابا ) 3 . )
خلاصة المطلب:
أولً: يعدّ العهد القديم الأساس الأول لمصادر النص ا رنية عقيدةً وفك ا رً، وهو القسم الأكبر
حجماً في كتابهم المقدّس، على خلاف في تفاصيل اعتماد أو استبعاد بعض الأسفار منه.
ثانياً: يحتلّ العهد الجديد المكانة الأهمّ في مصادر العقيدة النص ا رنية، وتتصدر الأناجيل
الأربعة هذا العهد، إذ يعدّها النصارى أساساً لدينهم.
1 . ) ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 164
2 - . )233 ( انظر: المسيحية، د. شلبي، )ص 111
3 - . )152 ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 151
308
ثالثاً: اختلف المؤرخون للنص ا رنية اختلافاً عظيماً وواسع اً في مصادر الأناجيل وأسفار العهد
الجديد، وتنوع الخلاف بين نسبة هذه الأسفار وزمن كتابتها، كما دار الجدل حول شخصيات هامة
في التاريخ النص ا رني؛ مما أثار شكوكاً حول هذه الأسفار ومدى مصداقيتها.
ا ربعاً: كان لبولس الأثر الأهمّ في تاريخ ودين النصارى بعد عيسى ، إذ تنسب إليه
النص ا رنية حتى يومنا الحاضر، وقد أدخل فيها عناصر جديدة، وقلبها أ رساً على عقب، وحوّلها من
ديانة توحيد خالصة إلى القول بألوهية المسيح ، وابتدع فيها أيما ابتداع، وثارت حوله الشكوك،
وبات موضعاً للبحث في شخصه ودوره وتاريخه.
خامساً: شكّلت المجامع النص ا رنية انعطافات حادة وخطيرة في الديانة النص ا رنية، وخاصة
المجامع العامة الأربعة الأولى في نيقية والقسطنطينية وأفسس وخليقدونية، إذ انبرت هذه المجامع
بزعامة كبار بطاركة وأساقفة الكنيسة النص ا رنية إلى الدفاع عن عقيدة التثليث وألوهية المسيح - -
والروح القدس، ووقفت سداً منيعاً في وجه أية شبهة توحيد آريوسية أو مقدونيوسية أو نحو ذلك،
وعمدت إلى طرد ولعن كلّ قائل بخلاف أ ريها.
سادساً: أدّت المجامع النص ا رنية إلى تفتيت الكنيسة والديانة النص ا رنية، وفتحت المجال
لإق ا رر طبيعة المسيح غير البشرية، والخوض في الذات الإلهية، مما مزّق الكنيسة إلى شرقية
وغربية، ومصرية ويونانية ولاتينية، وكان الق ا رر الفصل دائماً لصاحب السلطة والقوة السياسية في
الدولة أو الكنيسة، اولذي يفرض ال أ ري على النص ا رنية ولو بالقوة أو التحايل والاصطفاف الداخلي.
309
المطلب الثاني:
المؤثرات والظروف الموضوعية
لقد كان للعديد من الأحداث التاريخية والأزمات والظروف التي مرّ بها النصارى عبر
تاريخهم أثرٌ واضح في تحديد ملامح فكرهم وديانتهم، وط أ رت عوامل متعددة على الديانة النص ا رنية
غيّرت من مسارها، وجعلت منها ديانة مختلفة تماماَ عن تلك التي بعث الله بها عيسى .
ومن أهم هذه العوامل والظروف والمؤث ا رت الموضوعية في تقدير الباحث ما يلي: - -
أولا : ضياع الإنجيل الأصلي:
تطرق الباحث في المطلب الأول إلى الإنجيل )أو الأناجيل( كمصدر أساسي من مصادر
العقيدة النص ا رنية، لكن هذا لا يعني أنّ شيئاً من هذه الأناجيل تم ثّل الإنجيل الحقّ الضائع.
ومصدرنا الأساس في معرفة وجود الإنجيل الحقّ هو القرآن العظيم، الذي ذكر الإنجيل في
اثني عشر ) 12 ( موضع اً من كتاب الله ( 1 . )
قال : }نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ { )آل عمران/ 0(، و بيّن
أنه علّم عيسى التو ا رة والإنجيل، فقال : }وَيُعَلِّمُهُ الكِْتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {)آل
عمران/ 69 (، وأنه جاء مصدقاً للتو ا رة، باعثاً للهدى والن ور، }وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً
) لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ{ )المائدة/ 64
والنصارى أنفسهم وان كانوا يؤمنون بقدسية الأناجيل التي بين أيدينا اليوم إلا إنّهم لا - -
ينسبونها إلى عيسى ، ولا يقولون إنها نزلت عليه، بل هي منسوبة لبعض تلاميذه) 2 . )
1 ، 113 ، الأع ا رف/ 159 ، التوبة/ 111 ، الفتح/ 21 ،49 ،44 ،69 ، 45 ، المائدة/ 64 ،69 ، ( آل عم ا رن/ 0
. الحديد/ 29
2 .) ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 55
311
لكن النصارى يبررون الاستدلال على أصول عقائدهم بأناجيل ورسائل العهد الجديد مع –
كون عيسى لا علاقة له بها بأنّ القديسين الذين جاءوا بها قد تلقّوها وحي اً) - 1 . )
يقول ابن حزم رحمه الله : "إنّ أتباع المسيح بشّروا بإنجيل أتاهم به المسيح - - ، وهو
ليس عندهم الآن، وانما عندهم أناجيل أربعة متغايرة، من تأليف أربعة رجال معروفين، ليس منها
إنجيلٌ أُلّف إلا بعد رفع المسيح بأعوام كثيرة ودهر طويل، فصحّ أنّ ذلك الإنجيل الذي أخبر
المسيح بأنه أتاهم به، وأمرهم بالدعاء إليه، قد ذهب عنهم، لأنهم ل يعرفون له أصلا ") 2 . )
فما حدث يقيناً إذاً، هو أنّ " إنجيل عيسى ضاع وحُرّف، فلم يكن للمسيحية عماد
يحميها من أعدائها من الداخل والخارج، فخرّت مسيحية عيسى وقامت على أنقاضها مسيحية
بولس") 3 . )
ثاني ا: تعدد الأسفار واختلافها:
وهذا الأمر في فهم الباحث هو إحدى نتائج ضياع الإنجيل الأصلي الحقّ )إنجيل - –
عيسى (، إذ غاب الإنجيل الموحى به أو غُيّب، فسادت الفوضى، وأصبح هذا التعدد هو سبب
أساس من أسباب الشقاق، ومن أهم العوامل التي أثّرت في النص ا رنية على مرّ العصور اللاحقة.
يقول القاضي عبد الجبار) 4 ( رحمه الله حكايةً لحال النصارى في كتابة الأناجيل: "وقالوا - –
إنما التو ا رة موالد الأنبياء وتواريخ أعمارهم، فنبني الإنجيل على ذلك، ويذكر كلّ واحد منا ما حفظه
1 .) ( انظر: المسيحية، د. شلبي، )ص 229
2 101 ( بتصرف يسير . - / ( الفصل، ابن حزم، ) 2
3 ( مقارنة الأديان، د ا رسة في عقائد ومصادر الأديان السماوية والأديان الوضعية، د. طارق خليل السعدي، دار
1625 ه/ 2335 م، )ص 101 ( بتصرف يسير. - ، العلوم العربية/بيروت، ط 1
4 ( القاضي عبد الجبار: عبد الجبار بن أحمد بن عبد الجبار الهمذاني الأسد أبادي، أبو الحسين: )ت: 615 ه/
1325 م( قاض، أصولي، كان شيخ المعتزلة في عصره، وهم يلقبونه قاضي القضاة، ولا يطلقون هذا اللقب على
غيره، ولي القضاء بالريّ ، ومات فيها، له تصانيف كثيرة، منها: تنزيه الق آ رن عن المطاعن، والأمالي، والمجموع في
المحيط بالتكليف، وشرح الأصول الخمسة، والمغني في أبواب التوحيد والعدل، وتثبيت دلائل النبوة، ومتشابه القرآن،
296 ( بتصرف يسير [ . - - 290/ وغيرها .. ] الأعلام، الزركلي، ) 0
310
من ألفاظ الإنجيل، ومما تحدثّ به النصارى عن المسيح؛ فكتب قوم إنجيلا ، ثم أتى من بعدِ هم قومٌ
وكتبوا إنجيلا ، وكتبوا عدة أناجيل، وسقط عنهم الكثير مما في الأصل، وكان فيهم الواحد بعد
الواحد ممن يعرف أمو ا رً كثيرة في الإنجيل الصحيح فأمسكوا عنها لتتم رئاستهم... وهم يزعمون
أنها كانت ثمانين إنجيلاً، فلم تزل تقل وتُختصر حتى بقي منها أربعة أناجيل لأربعة نفر") 1 . )
وعليه فقد " كان لدى النصارى )أو المسيحيين( في القرنين الأول والثاني الميلاديين أناجيل
كثيرة غير الأناجيل الأربعة، وكان لكلّ فرقة من فرقهم إنجيلها أو أناجيلها الخاصة، التي تعتمد
عليها وتغفل ما عداها من الأناجيل، أو تحكم بزيفها وبطلانها" ) 2 . )
ويذكر رحمة الله الهندي أنّ قدماء النصارى كانوا يؤمنون بثمانية وثلاثين ) 08 ( سف ا رً هي
القسم الأول من العهد القديم، وتنتهي بسفر ملاخي، وبقي الشكّ قائماً عندهم حول تسعة أسفارٍ
من العهد القديم وسبعةٍ من العهد الجديد، ولما انعقد مجلسٌ لعلماء النصارى عام 025 م )يبدو
أنه مجمع نيقية( حكم هؤلاء بعد المشاورة والتحقيق في هذه الكتب أنّ كتاب "يهوديت" واجب
التسليم، وأبقوا سائر الكتب المختلفة مشكوكة كما كانت) 3 . )
ثم انعقد مجلس آخر عام 046 م، و ا زدوا على حكمهم سبعة كتب أخرى وجعلوها واجبة
التسليم، وهي: كتاب أستير، ورسالة يعقوب، والرسالة الثانية لبطرس، والرسالة الثانية والثالثة
ليوحنا، ورسالة يهودا، ورسالة بولس إلى العب ا رنيين، وبقي كتاب "مشاهدات يوحنا" في هذين
المجلسين خارج اً مشكوك اً كما كان، ثم انعقد بعد ذلك مجلس آخر في سنة 019 م، فاعتمد
مجموعة جديدة من الكتب المختلف عليها، وهي: كتاب وزدم، وكتاب طوبيا، وكتاب باروخ،
وكتاب ايكليزيا ستيكس، وكتابا المكابيين، وكتاب مشاهدات يوحنا) 4 .)
1 150 ( بتصرف - / 1094 ه/ 1144 م، ) 1 ، ( تثبيت دلائل النبوة، القاضي عبد الجبار، دار المصطفى/القاهرة، ط 1
يسير.
2 .) ( الأسفار المقدسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي وافي، )ص 134
3 . )135 / ( انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 1
4 . )139 / ( انظر: المصدر السابق، ) 1
311
" وبعد انعقاد هذه المجالس صارت هذه الكتب المشكوكة مسلّمة بين جمهور المسيحيين،
وبقيت هكذا إلى مدة ألفٍ ومائتي عام، إلى أن ظهرت فرقة البروتستنت، فردّ وا حكم هؤلاء
الأسلاف في باب: كتاب باروخ، وكتاب طوبيا، وكتاب يهوديت، وكتاب وزدم، وكتاب ايكليزيا
ستيكس، وكتابي المكابيين، وقالوا: إنّ هذه الكتب واجبة الردّ وغير مس لَّمة، وردّ وا حكمهم في بعض
أبواب كتاب أستير وس لّموا في البعض") 1 . )
يلاحظ الباحث أنّ هذا التعدد في الأسفار والاختلاف حولها منذ القرن ال ا ربع الميلادي وصولاً
إلى منتصف القرن السادس عشر يؤشر إلى مدى ضياع مصادر النص ا رنية والختلاف حولها من
طوائفهم وفرقهم، فكيف يسوغ أن توصف بعد ذلك بالقدسية والن ا زهة، إذ لم يكن كثير منها أي –
الأسفار حتى موضع اتفاق على وجودها. -
ثالث ا: الاضطهادات:
أ. الضطهاد المبكر:
حيث ابتدأ الاضطهاد مبك ا رً للدين الحقّ الذي جاء به المسيح ، وقد جاء في الق آ رن
تكذيب قومه له، وكفرهم بما جاء به، قال الله : }وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ
،) أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ { )البقرة/ 99
وقال : }فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُْفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا
. ) مُسْلِمُونَ {)آل عمران/ 52
وقد ذكرت الأناجيل بشكل صريح المؤام ا رت والاضطهاد لعيسى من قبل اليهود خاصة،
لَ دا ي ر ر ئي « : ومما جاء في ذلك
ِ
ي حين ي ئذٍ ا جت م ع م ر ؤ سا م ء ال كه ن ي ة وال كت ب م ة و م ش م يو م خ الشَّ عب ا ي ي س ال كه ن ي ة ا يَّ لَّي يم د عى
(» ق ي اف ا، وت شا و م روا ي ل كَ يم م ي س م كوا ي م سو ع ي ب م كرٍ وي ق م تلمو م ه. ول ي كنَّهم م ق الموا: ل ي س يفِ ال ي عي ي د ي لئ لاَّ ي م كو ن شغ بٌ يفِ الشَّ ع ي ب 2 .)
1 139 ( بتصرف يسير. - / ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 1
2 – . 5 0 : ( متّى 24
313
إذ يشير هذا النص، وغيره في الأناجيل الكثير، إلى أنّ ق ا رر اغتيال المسيح كان قد
اتّخذ بالفعل من رؤساء الكهنة اليهود.
وأما من ملك زمانه "هيرود"، فقد كان ق ا رر الاغتيال للمسيح حاض ا رً أيضاً، وقد ذكرت
يفِ ذ ي لِ ال ي و ي م ت ق دَّ م ب ع م ض ال ف ي ري ي س ي ين ق ائي ي ل ين م له: ا خ م ر ج وا ذ ه ب ي م ن ههمن ا، لأَنَّ ي ه م يرو م د س يم ي ري م د « : الأناجيل ذلك
(» أَ ن ي قتم لِ 1 .)
ب. الضطهادات اللاحقة:
كان المسيح بحسب الأناجيل قد أخبر تلاميذه بما سيكون بعده من اضطهادات - -
ي حين ئيذٍ ... « : ومصائب، ومقتلةٍ تصيبهم بسبب اتّباعه، موصياً إياهم بالثبات، وكان من قوله لهم
يم س ي ل م مون م ك لَ
ِ
(» ا ي ض ي وي ق م تلمون م ك، وت م كونمو ن م بغ ي ض ين ي م ن ي جَيع ي الأُ م ي م لأَ ج ي ل ا ي سْي 2 . )
استمرت الاضطهادات عقب رفع المسيح مباشرة، مستهدفة رسله وحوارييه وأتباعه،
وتحدثت الأناجيل وأسفار العهد الجديد عن جانب من هذه الاضطهادات من قتل وحبس وملاحقة،
و يفِ لَ أُ نسٍ ي م ن ال ك ي ني س ي ة، «
ِ
ذ ي لِ ال و ق ي ت مدَّ ي ه م يرو م د م س ال م ي م لِ ي دي ي ه ي ليم ي س ي ا ف ق ت ل ي ع م قو ب أَ خا يمو حنَّا ي بَلسَّ ي ي ف ) 3 .)
ذ رأَى أَنَّ ذ ي لِ يم ر ي ضِ ال يَمو د، ع ا د ف ق ب ض ع لى بم ط م ر س أَي ضا. و كَن ت أَيََّ م ال ف ي ط
ِ
وا ي ير. ول مَّا أَ م سك م ه و ض ع م ه يفِ ال ي س ج ي ن ،
لَ
ِ
لَ أَ رب ع ي ة أَ راب ع ي م ن ال ع س ك ي ر ي ل ي ح م ر م سو م ه، ن ي و يَ أَ ن يمق ي د م م ه ب ع د ال ي ف ا ي ح ا
ِ
يََّ م ه ا
ِ
م س ي ل ما ا الشَّ ع ي ب. ف كَ ن بم ط م ر م س م ح م رو سا
يفِ ال ي س ج ي ن، وأَمَّا ال ك ي ني س م ة ف كَ لَ ي الل ي م ن أَ ج ي ي لِ
ِ
(» ن ت ت ي ا م ير ي م نه ا ص لاةٌ ي بل جا جةٍ ا 4 . )
وكان ممن قُتل من رسل المسيح وحوارييه: )متّى( الذي قُتل بأمر من ملك الحبشة) 5 ،)
و)مرقص( الذي قُتل في مصر على يد الوثنيين بعد التنكيل به، و)لوقا( الذي قيل أنه قُتل في
1 . 01 : ( لوقا 10
2 . 1 : ( متّى 26
3 ( كان قتل يعقوب هذا عام 66 م، فكان بذلك أول من استشهد من الرسل ] يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء،
.] ) د. رؤوف شلبي، )ص 139
4 - . 5 1 : ( أعمال الرسل 12
5( الحبشة: اسم للأمة أطلق على أرضهم، وتسمى حديث اً دولتهم "أثيوبيا"، وأرض الحبشة: هضبة مرتفعة غرب
اليمن بينهما البحر، وعاصمتها اليوم "أديس أبابا"، ولهم صلات قديمة مع العرب، ولملكهم موقف يذكر ويشكر مع
. ] )161/ المسلمين الأوائل الذين هاجروا إليه ] ملحق مجلة البحوث الإسلامية، التعريف بالأمكنة ) 91
314
مدينة بات ا رس) 1 (، و)يعقوب الصغير() 2 ( الذي أُلقي من علٍ في القدس ورُجم حتى الموت، و)بطرس(
الذي صُلب في روما منكَّساً بناءً على طلبه؛ ليخالف بذلك طريقة صلب )يسوع( على حد زعم –
النصارى وكان صلبه بأمر من الإمب ا رطور نيرون) - 3 (، و )بولس( الذي قُتل كذلك في عهد نيرون
في روما، و)يهوذا الرسول() 4 ( الذي قُتل في بلاد الفرس، و)متياس الرسول() 5 ( الذي رجمه اليهود
حتى الموت في القدس، و)فيلُبس الرسول() 6 ( الذي عذبه الوثنيون عذاباً أليماً وصلبوه منكّساً،
و)سِمعان الرسول() 7 ( الذي تآمر عليه كهنة اليهود ونشروه بالمنشار من وسطه، و)أندَ ا روُس
1 ( بات ا رس: مدينة يونانية قديمة، تقع في غرب البلاد، وهي عاصمة مقاطعة غرب اليونان الإدارية حديث اً، وأيض اً
مركز مقاطعة "أخايا" التي هي إحدى المقاطعات الثلاث المشكلة لمنطقة غرب اليونان ] موسوعة ويكيبيديا الحرة،
ا ربط: بات ا رس/ wikipedia.org/wiki 2310 م بتصرف [ . - /35/ ، بتاريخ: 36
2 ( يعقوب الصغير: ابن حلفي ومريم، هو حسب الكتاب المقدس رسول من الرسل الاثني عشر الذين اختارهم
المسيح، وقال البعض بأنه كان أخاً ل "يسوع"، وقد بشر في القسم الجنوبي الغربي من فلسطين، ثم بشّر في مصر
519 ( بتصرف [ . - / ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
3 - ( نيرون: هو لقب ل "لوسيوس" ويعني "القوي الشجاع"، ونيرون هو خامس أباطرة الإمب ا رطور الرومانية، ) 56
49 م(، تولى العرش صغي ا رً خلفاً ل " كلوديوس"، وأد ا رت حاشيته الدولة، ونعمت الإمب ا رطورية في عهده بالرخاء
النسبي، وكان نيرون يزدري جميع أنواع العبادات والديانات، غارقاً في الشهوات والملذات، قتل أمّه التي أنجبته وهو
في الثانية والعشرين من عمره، ووصل به الأمر إلى أن ألّه نفسه، وصار يُعبد ويسجد له، وفي عهده حدث حريق
روما الهائل، ولفق أمر تدبيره للمسيحيين وسامهم سوء العذاب، وارتكب فظاعات كبيرة ضد أكابر روما بدعوى
التآمر عليه، وما لبث أن انقلب عليه هؤلاء، وحقد عليه الشعب بسبب ج ا رئمه الفظيعة، فهرب هائماً على وجهه،
- .] )162 125 / وقتل نفسه بخنجر منتح ا رً عام 49 م ] انظر: قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 13
4 ( يهوذا الرسول: ويسمى كذلك "لباوس"، ولقبه "تداوس"، ويعتقد بأنه كان أخاً ليعقوب بن حلفي أو يعقوب آخر،
وتنسب إحدى رسائل العهد الجديد له، ويسمي نفسه فيها عبد يسوع المسيح وأخا يعقوب، وفي رسالته تشابه واضح
506 ( بتصرف [. - - 500/ مع رسالة بطرس الثانية ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
5 ( متياس: وتعني: "عطية يهوه"، وهو تلميذ للمسيح لازمه منذ بداية رسالته إلى صعوده، قُرع بينه وبين يهوذا
الإسخريوطي، لا يُعلم شيء حتمي عن حياته ورسالته بعد المسيح ] انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست،
.] )011/2(
6 ( فيلُبس: وتعني: "محب الخيل"، وهو الرسول الخامس من رسل المسيح الاثني عشر، ولد في بيت صيدا، دعاه
المسيح ليتبعه، ولم تذكره الأناجيل إلا قليلاً، ويقال بأنه خرج داعياً إلى بلاد فريجية )في آسيا الصغرى(، ومات في
111 ( بتصرف [. - / هيليوبوليس ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
7 ( سِمعان: وتعني: مستمع، وهو أحد الرسل الاثني عشر الذين اختارهم المسيح، ويعرف بسمعان القانوي أو
.] )593/ سمعان الغيور، نسبة إلى الطائفة المعروفة بالغيورين ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 1
315
الرسول() 1 ( الذي خرج ليبشّر بعد صعود المسيح - في بلاد فارس واليونان وغيرهما، ثم -
قبض عليه والي بات ا رس اليوناني وأوسعه ضرب اً، وطاف به عرياناً، وعلّقه لمدة يومين حتى مات،
و)توما الرسول() 2 ( الذي قتله عبدة الأوثان في الهند طعناً بالح ا رب) 3 . )
إذاً، كان هذا الاضطهاد وعمليات القتل والإعدام والملاحقة في تقدير الباحث قد طالت - –
حواريي المسيح بعد رفعه بسنوات قليلة؛ وهم الرسل والأصحاب الأقربون، الذين من المفترض
والبديهي أنهم الموكلون بحمل رسالته وهي صافية أصيلة، فهذا الأمر يكفي تفسي ا رً للخلط
والضط ا رب الذي أصاب الإنجيل، و اذا أضيف إلى هذه الضطهادات العوامل الأخرى فهذا ول شك
سيؤثر بشكل مباشر في مصادر النص ا رنية، التي نُسبت بعد ذلك لهؤلاء، خاصة وأن هذا
الاضطهاد قد بلغ حداً صار معه الأتباع مطاردين من بلاد إلى أخرى ومستهدفين في كل مكان.
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل استمر الاضطهاد لخلفاء الرسل على يد الدولة
الرومانية، وامتدّت الضطهادات لأتباع الدين الجديد طوال القرون الثلاثة الأولى، وقد نالت
فلسطين الحظّ الأوفر من هذه الضطهادات؛ إذ كانت فيها النص ا رنية بين عدوّين لدودين هما
الرومان واليهود، وكانت جهود هذين الطرفين كفيلة بمحو أثر النص ا رنية في فلسطين) 4 . )
1 ( أندَ ا روُس: وتعني: ذو المروءة، وهو أحد رسل المسيح الاثني عشر، وهو ابن يونا، وأخو بطرس الرسول، من
بيت صيدا في الجليل، وكان من تلاميذ ي وحنا المعمدان، ثم من أتباع المسيح حتى رفعه، ورد شيء من أخباره من
أناجيل متى ومرقص ويوحنا، بشّر بدعوته في بلاد اليونان وآسيا الصغرى ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست،
153/1 ( بتصرف [. - (
2 ( توما: وتعني: التوأم، وهو أحد الرسل الاثني عشر للمسيح، ويقال أنه تردد في الإيمان )بقيامة المسيح
المخلّص( وأنه كان بطيء الإيمان بحسب الكتاب المقدس ، قصد ج ا زئر الهند الشرقية مبشّ ا رً، وفيها استشهد، - –
وينتسب إليه بعض مسيحيي الشرق اليوم ويعرفون بمسيحيي القديس توما ] قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست،
215/1 ( بتصرف [. - (
3 - . )131 ( انظر: يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، )ص 139
4 - . )116 ( انظر: المصدر السابق، )ص 110
316
يقول رحمة الله الهندي: " واعتذر بعض القسيسين في محفل المناظرة التي كانت بيني
وبينهم، فقال: إنّ سبب فِقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة
وثلاث عشرة سنة " ) 1 . )
رابع ا: التأثر بالعقائد الأخرى:
تأثرت النص ا رنية فيما اتضح للباحث بأفكار وعقائد سابقة لوجودها، أو أفكار كانت - –
وليدة حالة الاضطهاد والفوضى الدينية التي أعقبت رفع المسيح كما مرّ أعلاه، وكان من
أبرز الأفكار التي تأثرت بها النص ا رنية منذ البدايات وكانت سبباً في انح ا رفها المبكر، ما يلي:
.2 فكرة "المجيء الثاني" للمسيح:
"إذ اعتقد )المسيحيون( الأوائل ومنهم تلاميذ المسيح – أنّ نهاية العالم وشيكة -
الحدوث، وأنّ كثيرين من الذين عاشوا في القرن الأول الميلادي وعاصروا المسيح ، سوف
يشهدون تلك النهاية المفزعة، والتي يعقبها عودة المسيح إلى الأرض") 2 . )
ن سا ي ن يفِ م ج ي د ي ه « : وقد أشار الإنجيل إلى هذه الفكرة في غير موضع، ومنها
ِ
و م تَّ جا ء اب م ن الا
و ي جَي م ع ال م لائيك ي ة ال ي ق ي دي ي س ين م ع م ه، ف ي حين ئيذٍ يَ ي ل م س ع لى م ك ر ي ي س م ج ي د ي ه. و يَت ي م م ع أَ ما م م ه ي جَي م ع الشُّ م عو ي ب، ف م ي م ي م ي ب ع ضهم م ي م ن
ب عضٍ كُ يم م ي م ي الرَّا ي عي ال ي خ را ف ي م ن ال ي ج دا ي ء، ف م ي ي ق م ي ال ي خ را ف ع ن ي ي مي ي ن ي ه وال ي ج دا ء ع ي ن ال ي سا ي ر . م ثَُّ ي م قو م ل ال م ي م لِ ي ل يَّ لَّي ن ع ن
( » ي ي مي ي ن ي ه: ت عال وا يَ م مب ا ر يكي أَ ي ب ، ي رثموا ال مل م كو ت ال م م عدَّ ل م ك م من م ذ ت أْ ي سي ي س ال عال ي م 3 . )
إذاً، فالتصور في ذاك الوقت الذي كُتبت فيه الأناجيل الأولى كان يقوم على أساس أن
)يسوع( جاء ليعلن عن " قرب حلول مملكة الله، وأنه جاء ينصح الناس بالخير حتى يجدوا سبيلا 1 . )111/ ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 1
2 1639 ه/ 1199 م، )ص ، ( المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة/القاهرة، ط 2
22 ( بتصرف يسير . -
3 – . 06 01 : ( متّى 25
317
إلى هذه المملكة ويحصلوا لأنفسهم فيها على مكان، ودعا الناس إلى أن يترقبوا النقلاب العظيم
الذي سوف يطهّر العالم من الظلم والشر") 1 . )
والأمر المهم والخطير هو أنّ " مؤلفات )عصر الرسل والحواريين( التي كُتب أغلبها تحت
تأثير هذا العتقاد، لم يقصد مؤلفوها أن تكون مرجعاً دائماً للكنيسة تبقى عبر العصور اللاحقة،
لقد كتبت هذه المؤلفات تباعاً لتوافق احتياجات الجيل، الذي توقّع أن يعيش نهاية التاريخ،
وبداية افتتاح ملكوت الله") 2 . )
وما دامت هذه الفكرة كانت أساس عمل أتباع المسيح ؛ فإنها كانت في فهم الباحث - –
أساساً قوياً للتأثير على كافة معتقدات النص ا رنية وكُتبها المقدّسة التي كُتبت في تلك الأثناء وما
تلاها من عقود.
.2 العقائد الوثنية:
يكاد المنصفون من المؤرخين المسلمين وغير المسلمين يُجمعون فيما اتضح للباحث - –
على كون الديانة النص ا رنية قد تأثرت بشدّة بالديانات والعقائد الوثنية القديمة، وأخذت نسخة مطابقة
أو مشابهة للكثير من الأفكار والمعتقدات والخ ا رفات الوثنية القديمة.
يصف شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله حال تحوّل النص ا رنية إلى وثنية مطوّرة عن وثنية - -
المشركين فيقول: " ... كان يأتي البترك العظيم منهم إلى كنيسة مبنية لصنم من الأصنام يعبده
المشركون، فيحتال حتى يجعلهم يعبدون مكان الصنم مخلوق اً أعظم منه، كملك من الملائكة أو نبي
من الأنبياء، كما كان بالإسكندرية للمشركين كنيسة فيها صنم اسمه )ميكائيل( فجعلها النصارى
كنيسة باسم )ميكائيل الملك(، وصاروا يعبدون الملك بعد أن كانوا يعبدون الصنم ويذبحون له،
وهذا نقل لهم من الشرك بمخلوق إلى الشرك بمخلوق أعلى منه، أولئك كانوا يبنون الهياكل
ويجعلون فيها الأصنام بأسماء الكواكب") 3 . )
1 1193 م، )ص 01 ( بتصرف. - ، ( المسيحية ال ا ربعة، د. رؤوف شلبي، مكتبة الأزهر/ القاهرة، ط 1
2 ( المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، )ص 22 ( بتصرف. -
3 092 ( بتصرف يسير. - / ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 6
318
ويزيد شيخ الإسلام الأمر وضوحاً فيقول: " النصارى ركّبوا دِين اً من دينين: من دين الأنبياء
الموحدين ودين المشركين، فصار في دينهم قسط مما جاءت به الأنبياء، وقسط مما ابتدعوه من
دين المشركين في أقوالهم وأفعالهم، كما أحدثوا ألفاظ الأقانيم، وهي ألفاظ لا توجد في كلام
الأنبياء، وكما أحدثوا الأصنام المرقومة بدل الأصنام المجسدة، والصلاة إلى الشمس والقمر
والكواكب، بدل الصلاة لها، والصيام في وقت الربيع، ليجمعوا بين الدين الشرعي والأمر الطبيعي
وغير ذلك") 1 .)
ويقول القاضي عبد الجبار واصفاً حال انتكاس النص ا رنية تدريجياً إلى دين آخر مختلف
تماماً عن ذلك الدين الذي جاء به المسيح : " واعلم أن دين المسيح وديانات الرسل عليهم
السلام لم تتغير ولم تتبدل جملة واحدة ولكن شيئا بعد شيء، وفي كل عصر وفي كل حين حتى
تكامل تغيرها، وما ا زل أهل الحق فيها يقلّون وأهل الباطل يكثرون، حتى غلبوا ومات بهم
الحق") 2 .)
وفي القرن العشرين، جمع الباحث محمد التنّير) 3 ( توافقات عجيبة وغزيرة بين الديانة
النص ا رنية والديانات الوثنية القديمة، تصل إلى حدّ التطابق في كثير من النص وص والخ ا رفات، إذ
اغترفت النص ا رنية من الديانات الوثنية بشكل كبير، وتجلّى هذا الأمر في عقائد النص ا رنية التي
جاءت متوافقة بشكل عجيب مع الديانات الوثنية القديمة الهندية والمصرية وغيرهما، وخاصة
عقيدة التثليث، والصلب والفداء) 4 .)
1 . )20 / ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 5
2 .)152/ ( تثبيت دلائل النبوة، القاضي عبد الجبار، ) 1
3( محمد التنّير: محمد طاهر بن عبد الوهاب بن سليم التنير، )ت: 1052 ه/ 1100 م( باحث من أهل بيروت،
تعلم بها في الجامعة الأميركية، وأصدر جريدة )المصور( وأقام في قرية عين عنوب، وفرّ في خلال الحرب العالمية
الأولى عن طريق حو ا رن فلحق بالجيش العربي، ثم رحل إلى مصر، وعاد إلى سورية، فتوفي في دمر )من ضواحي
دمشق( ودفن بها، له كتب، منها: العقائد الوثنية في الديانة النص ا رنية، وعلم الفلك )شارك أباه في تأليفه(، وغيرها..
- . ] )196 190 / ] الأعلام، الزركلي، ) 4
4 ( ليس المقصود هنا سرد هذه التشابهات والتطابقات، للاست ا زدة ا رجع: العقائد الوثنية في الديانة النص ا رنية، محمد
1639 ه/ 1199 م. ، بن طاهر التنير البيروتي، تحقيق: د. محمد الشرقاوي، دار الصحوة/ القاهرة، ط 1
319
وكان من أهم أسباب دخول الوثنية إلى النص ا رنية أن بولس أصرّ على الذهاب للتبشير
في بلاد الوثنية على خلاف وصية المسيح ، وكان أن دخل أقوام من الوثنيين في المسيحية،
فما لبثت أن تسرّبت إليها عقائد وثنية، سواءً من البلاد الرومانية أو اليونانية أو الشرقية) 1 . )
يقول وول ديو ا رنت: " نش أَت المسيحية من الإيحاء الغامض العجيب الخاص بحلول
الملكوت، واستمدت دوافعها من شخصية المسيح نفسه وتخيلاته، كما استمدت قوتها من عقيدة
البعث والحساب، والوعد بحياة الخلود، واتخذت صورة العقائد الثابتة في لهوت بولس، ثم نمت
باستيعابها العقائد والطقوس الوثنية؛ وأصبحت كنيسة ظافرة منتصرة، بعد أن ورثت ما امتازت به
روما من أنماط وعبقرية منظّمة") 2 . )
وبعد أن أشار ديو ا رنت إلى )استيعاب( المسيحية للعقائد الوثنية، عاد ليؤكد بأن الأمر بلغ
حد )تبني( هذه العقائد إذ يقول: " إنّ المسيحية لم تقضِ على الوثنية، بل تبنّتها، ذلك أن العقل
اليوناني المحتضر عاد إلى الحياة في صورة جديدة في لهوت الكنيسة وطقوسها، وأصبحت
اللغة اليونانية التي ظلت قرون اً عدة صاحبة السلطان على السياسة أداة الآداب، والطقوس
المسيحية، وانتقلت الطقوس اليونانية الخفية إلى طقوس القداس الخفية الرهيبة، وساعدت عدة
مظاهر أخرى من الثقافة اليونانية على إحداث هذه النتيجة المتناقضة الأط ا رف") 3 . )
" لقد تمكن الباحثون في تاريخ المسيحية من معرفة حقائق هامة، تمثلت خصوصاً في رصد
التحوّل الذي عرفته ديانة المسيح ، والذي كان نكسةً خطيرة لرسالته، وهي لا ت ا زل في مهدها،
إذ جُعل وثناً يُعبد، بعد أن جاء هو نفسه لتحطيم الوثنية والأوثان، ولا شك أن هذا التحول
الديني شكّل أخطر نكسة دينية عرفها التاريخ؛ إذ انبثقت من ديانة توحيدية صرفة عبادة وثنية
1 2334 م، ، ( انظر: تأثّر المسيحية بالأديان الوضعية، د. أحمد علي عجيبة، دار الآفاق العربية/القاهرة، ط 1
.) )ص 009
2 .)262/ ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 11
3 .)295/ ( المصدر السابق، ) 11
331
بفعل أفكار بولس، الذي هبط برسالة عيسى إلى مستوى العقائد الإغريقية الرومانية
السائدة في عصره " ) 1 . )
وحاصل الأمر أن المعتقدات الوثنية كانت من أهم العوامل التي أثّرت في الديانة النص ا رنية
منذ عصرها المبكر، وكان من زعماء من تولى كبر هذه الخطيئة بولس، الذي تُنسب إليه معظم
انح ا رفات الديانة والكنيسة.
.0 الخت ا رق اليهودي:
اتّضح للباحث أنّ النص ا رنية تأثرت باليهودية منذ نشأتها، فبعد رفع المسيح تغلغلت
اليهودية بما ورثته من أسقام دهورها في المسيحية الحديثة، فأجهزت عليها مبك ا رً، وصاغت - -
مستقبلها ببصمات يهودية.
يقول ابن تيمية رحمه الله حكاية لحال النصارى في أخذهم عن اليهود: "ووضعوا لهم من - –
القوانين والناموس ما لم يوجد في كتب الأنبياء ولا تدل عليه ... وغ يروا كثي ا رً مما شرعه الأنبياء،
فما عند النصارى من القوانين والنواميس التي هي ش ا رئع دينهم وبعضه عن الحواريين، وكثير منه
من ابتداع أكابرهم مع مخالفته لشرع الأنبياء، فدينهم من جنس دين اليهود ") 2 .)
والتفسير الواقعي لهذا التغلغل هو: " كون اليهود على المستويين الجغ ا رفي والنفسي أول
أتباع الإيمان الجديد، لذا كان طبيعياً أل تكون اليهودية قد تخلّت بدون قتال عما كان يمكن من
بين مبادئها أن يكون قابلاً للتوفيق مع العقيدة المسيحية ") 3 . )
وبما أن اتّجاهاً قوياً في القرن الأول الميلادي كان يرى بأن الإنجيل لم يُلغ الناموس )أي
شريعة موسى (، فكان هذا التجاه يقضي بأن يجعل المسيحية مجرد "بدعة دينية يهودية"،
1 ، ( تاريخ وعقائد الكتاب المقدّس بين إشكالية التقنين والتقديس، د. يوسف الكلّام، دار صفحات/ دمشق، ط 1
290 ( بتصرف يسير. - - 2331 م، )ص 292
2 . )060/ ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 1
3 - ) ( الهرطقة في المسيحية، ج. ويتلر، ترجمة: جمال سالم، دار التنوير/بيروت، ط)بدون(، 2339 م، )ص 69
بتصرف يسير .
330
ومن هنا نشأ ما عُرف عند مفكري النص ا رنية والمؤرخين ب "اليهو مسيحية"، والتي كان اليهودي -
"فيلون") 1 ( من عمدائها، وذلك أنّ تأمّلات فيلون الفلسفية تركت تأثيرها في الفكر المسيحي، إذ
أخضع العهد القديم إلى التفسير الرمزي الذي يجعل "الله" خارج أي تحديد دقيق، وبالتالي أدخل
مفردات العقيدة في قضايا فلسفية مائعة غير مفهومة، الأمر الذي أثار إعجاب وتقدير آباء الكنيسة
الأوائل و تماشى مع هرطقاتهم الدينية، لذا استخدموا فيما بعد رموزه المبتكرة ) 2 . )
هذا، وقد كان لليهود مصلحة وأولوية في نظرهم في هدم المسيحية، ومناصبتها العداء، - -
واخت ا رقها منذ بداياتها، وذلك أنّ اليهود زعموا " أنّ لهم منزلة دينية لا يساميهم فيها أحد، واتّخذوا
من هذا ما يمكن أن يسمّى أرستق ا رطية) 3 ( دينية! ... فلمّا جاء عيسى ، وسوّى بين بني البشر
في دعايته، أنكروا عليه ذلك وناصبوه العداء") 4 . )
وكان لبولس اليهودي الأصل دورٌ هام في اخت ا رق اليهود للمسيحية، إذ ورد في العهد - -
أَيُّه ا ال ي ر جا م ل خ و م ة، « : الجديد على لسانه قوله
ِ
(» الا أَ ن ف ي ري ي سٌّ اب م ن ف ي ري ي س ، ع لى ر جا ي ء ي قي ا م ي ة الأَ م وا ي ت أَ ن أُ حا كم م 5 .)
نَّ م ك « : وقوله
ِ
ف ا ي سْ ع م تُ ي ب ي س ير ي تِ ق ب لا يفِ ا ي لِ يَن ي ة ال يَمو ي ديَّ ي ة، أَ ي ن م ك ن م ت أَ ض طهي م د ك ي ني س ة ي الل ف راطٍ
ِ
ي بَ وأُت ي ل م فه ا، و م ك ن م ت أَت ق دَّ م
يفِ ا ي لِ يَن ي ة ال يَمو ي ديَّ ي ة ع لى ك ي ث ي يري ن ي م ن أَت را ي ب يفِ ي جن ي س، ذ
ِ
(» ا م ك ن م ت أَ وف ر غ ير ة يفِ ت ق ي لي دا ي ت أ بَ ي ي، 6 .)
1( فيلون: فيلسوف يهودي من الإسكندرية، هاجر أبوه إلى فلسطين من مصر ضمن الألوف الأخرى من اليهود
التي هاجرت، وكان أبوه من أعضاء النخبة اليهودية في فلسطين، تلقى فيلون تعليماً هيلينياً كاملاً، وأهم مصادر
فكر فيلون الفلسفة الأفلاطونية، كما أنه تأثر بأرسطو والفيثاغورثيين الجدد والكلبيين والرواقيين، وقد حاول أن يمزج
045/ بين روح الفلسفة اليونانية )خصوص اً فلسفة أفلاطون( وعقائد الدين اليهودي ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 0
044 ( بتصرف [ . - -
2 - .)52 ( انظر: الهرطقة في المسيحية، ج. ويتلر، )ص 51
3( الأَرُسْتُقْ اَ رطِيَّةُ : تشير كلمة أرستق ا رطية تاريخيًا إلى شكل من الحكم يسيطر عليه عدد قليل من المواطنين - –
الأثرياء وذوي المكانة الاجتماعية البارزة ] الموسوعة العربية العالمية، www.mawsoah.net ، باب الألف،
2310 م [ . /35/ بتاريخ: 11
4 ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 20 ( بتصرف يسير . -
5 . 4 : ( أعمال الرسل 20
6 - . 16 10 : ( رسالة بولس إلى أهل أغلاطية 1
331
وأَمَّا شا م و م ل ف كَ ن ي س م طو ع لى ال ك ي ني س ي ة ، و م ه و ي د م خ م ل ال م ب م يو ت و م يَرُّ « : ويحدّث لوقا عن بولس قائلاً
ي ر جا لا وي ن سا ء ويم س ي ل م مهم م لَ
ِ
(» ا ال ي س ج ي ن 1 ا « : (. وفي موضع آخر أَمَّ شا م و م ل ف كَ ن ل م ي ز ل ي ن م ف م ث تِ دُّ دا وق ت لا ع لى
ت لا ي مي ي ذ الرَّ ي ب ، ف ت ق دَّ م لَ
ِ
ا رئيي ي س ال كه ن ي ة ، و طل ب ي من م ه ر سائي ل لَ
ِ
ا ي د م ش ، لَ
ِ
ا ال ج م اع ا ي ت، حتََّّ ذا
ِ
ا و ج د أُ ن سا ي م ن
الطَّ ي ري يَ ، ي ر جا لا أَ و ي ن سا ء، ي م سوقمهم م م موث ي ق ين لَ
ِ
(» ا أُو م ر ش ي ل ي 2 .)
فكيف تحوّل هذا العدو اللدود للمسيح وتلاميذه ورسالته، إلى ا رئد ومؤسس وحامل للواء
هذا الدين، حتى صار يُنسب إليه من دون المسيح؟!
ومن ملامح يهودية بولس أنه كان في خطابه يسعى لاستيعاب اليهود رغم عدائهم للمسيحية،
ذ م ك ن م ت م حرًّا ي م ن ال ج ي ميعي، ا س ت ع ب د م ت ن ف ي س ي لل ج ي ميعي لأَ رب ح الأَ ك ي ثّي ن، « : وكان من قوله
ِ
ي ن ا
ِ
ف ا ف ي صر م ت ي لل يَمو ي د
ك يَمو ي د ي لأَ رب ح ال يَمو د . وي ل يَّ لَّي ن تَ ت النَّا م مو ي س كَ ي ن تَ ت النَّا م مو ي س لأَ رب ح ا يَّ لَّي ن تَ ت النَّا م مو ي س، وي ل يَّ لَّي ن ي ب لا ن م موسٍ
(» كَ ي ن ي ب لا ن م موسٍ 3 .)
"إذ أدخل بولس في المسيحية الجديدة بعض تعاليم اليهود؛ ليجذب إليه العامة من اليهود،
كما أدخل إليها فلسفات وأفكار أخرى ليجذب إليه الرومان وغيرهم") 4 . )
ومن أهم أوجه مسئولية بولس عن اخت ا رق المسيحية، هو إسهامه مع اليهود في ضياع
الإنجيل، إذ إنّ " المتأمّل في تاريخ الديانة النص ا رنية يجد أنّ الذين بدأوا التحريف في هذه
الديانة إنما هم بعض اليهود )ومنهم بولس( أي أنّهم ساهموا في ضياع الإنجيل بوضع البديل
الذي يحلّ محلّه، وهذه ربما تكون خطّة اليهود الخبيثة في ضياع الإنجيل؛ ذلك أنّهم وجدوا أن
طريق الاضطهاد مع هؤلاء قد لا يجدي وحده، لذلك عمل بعضهم على أن يتظاهر بالدخول في
1 . 0 : ( أعمال الرسل 9
2 - . 2 1 : ( أعمال الرسل 1
3 – . 21 11 : ( رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 1
4 ( المسيحية، د. شلبي، )ص 114 ( بتصرف . -
333
الديانة ليعبث بها من الداخل، ويعمل على إنشاء إنجيل جديد بعقائد جديدة، يستغني به النصارى
عن الإنجيل الصحيح، وهذا ما حدث" ) 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: عصفت الظروف والمؤث ا رت الخارجية بالنص ا رنية منذ نشأتها، خاصة بعد رفع المسيح
، وكانت النتيجة أن وُجد دينٌ جديد لا علاقة له بدين عيسى البتّة.
ثانياً: كان ضياع الإنجيل الأصلي الذي جاء به عيسى من أهم العوامل التي انحرفت
بسببها النص ا رنية منذ البداية، ولم يعد لذلك الإنجيل وجود منذ عهود النصارى المبكّرة.
ثالثاً: تعددت أسفار النصارى وأناجيلهم، وكان لكل إنجيل أنصاره وأعداؤه، وباتت أناجيل
كثيرة في موضع النقاش والأخذ والردّ، ومما أضفى اضط ا رباً كبي ا رً على الديانة، ودخلت النص ا رنية
في حالة من التيه والضياع والضلال.
ا ربعاً: كان للاضطهادات التي تعرّضت لها النص ا رنية منذ مهدها الأثر الكبير في ضياع
النبع الأصيل لديانة عيسى التوحيدية، وقد أخذت الاضطهادات طابعاً مزدوج اً، بين فكّي
اليهود والرومان، وكان لكلّ أهدافه ودوافعه، وقد شكّلت هذه الاضطهادات بيئة خصبة لتحريف
الإنجيل والتغيير الجذري في العقيدة النص ا رنية.
خامساً: كانت الأسباب السابقة؛ من ضياع الإنجيل الأول، وتعدد الأناجيل التالية،
والاضطهادات، مقدّمة لدخول العقائد الدخيلة على أصل الديانة النص ا رنية، فأُدخلت فيها عقيدة
المجيء الثاني للمسيح، والعقائد الوثنية، والأفكار اليهودية، ونُسب إلى بولس إعادة تشكيل
النص ا رنية، من خلال إدخال كل العوامل التي قلبتها أ رساً على عقب.
1 130 ( بتصرف يسير. - - ( تأثّر المسيحية بالأديان الوضعية، أحمد عجيبة، )ص 132
334
المطلب الثالث:
مناقشة مصادر العقيدة النصرانية
إنّ مصادر العقيدة النص ا رنية في تقدير الباحث تحمل عوامل نقضها في بنيتها - –
الأساسية، ففيها من النواقض ما يغني عن كثير من التفصيل، فإذا كانت الظروف التي نشأت فيها
هذه العقيدة مما ذُكر في المطلبين السابقين قد خلّفت عقيدة مبتدَ عة من صنع البشر وخ ا رفات
التاريخ، فهي في غنّى عن الغ وص في تفاصيلها وجزئياتها.
لكن ومع هذا، فسيطرق الباحث باب مناقشة مصادر العقيدة النص ا رنية بإيجاز، في نقاط
اتّضحت أهميتها للباحث.
وبما أنّ النصارى يؤمنون بالعهد القديم ويعتبرونه مقدّساً، فيُرجع إلى مناقشة مصادر العقيدة
اليهودية في المطلب الثالث من الفصل الأول، فجلّ ما قيل هناك يمكن أن يُضمّ مع ما سيأتي في
السطور التالية، كمناقشة وردّ على مصادر النصارى.
أما مصادر العقيدة النص ا رنية الأخرى )وعلى وجه الخصوص العهد الجديد(، فبالإضافة إلى
ما عرّج عليه الباحث في ثنايا المطلبين السابقين، فسيوجز المناقشة هنا مستعيناً بالله في - -
نقاط ثلاث:
أولا : ثبوت وقوع التحريف:
لقد أشار القرآن العظيم إلى تحريف النصارى لكتبهم، وقد توسّع علماء الإسلام في
استخلاص ثبوت التحريف، سواءً من صريح كلام الله في القرآن، أو من ثنايا الكتاب المقدّس
عند أهل الكتاب، وكذا من أقوال علماء النصارى، ومن أبحاث علماء المسلمين قديماً وحديثاً.
335
قال مخاطباً أهل الكتاب: }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ
{ ) آل عمران/ 91 (، قال الطبري رحمه الله : " يعني بذلك جل ثناؤه: يا أهل التو ا رة والإنجيل لم - –
تلبسون، يقول: لم تخلطون الحق بالباطل") 1 .)
قال ابن حزم رحمه الله : " وما ندري كيف يستحلّ مسلمٌ إنكار تحريف التو ا رة والإنجيل - -
وهو يسمع كلام الله }مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً
سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلكَِ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ
كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يعُْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ {)الفتح/ 21 (، وليس
شيء من هذا فيما بأيدي اليهود والنصارى مما يدّ عون أنه التو ا رة والإنجيل فلا بد لهؤلاء - -
الجه ال من تصديق ر بهم جل وعز أن اليهود والنصارى بدّ لوا التو ا رة والإنجيل، وألا يرجعوا إلى
الحمق ويكذبوا ربهم جل وعز ويصدقوا اليهود والنصارى فيلحقوا بهم") 2 . )
وقال ابن تيمية رحمه الله : "... بخلاف التو ا رة والإنجيل فإن من ألفاظها ما بدّ ل معانيه - –
وأحكامَ ه اليهودُ والنصارى أو مجموعُ هما تبديلا ظاه ا رً مشهو ا رً في عامّ تهم... وكما بدّ لت النصارى
كثي ا رً مما في التو ا رة والنبوات من الأخبار ومن الش ا رئع التي لم يغ يرها المسيح، فإنّ ما نسخه الله
على لسان المسيحِ من التو ا رة يجب ا تّباع المسيح فيه") 3 .)
يقول رحمة الله الهندي رحمه الله : والتحريف قسمان: لفظي ومعنوي، ولا ن ا زع بيننا وبين - –
المسيحيين في القسم الثاني؛ لأنهم يس لّمون ك لّهم صدوره عن اليهود في العهد العتيق في تفسير
الآيات، التي هي إشارة في زعمهم إلى المسيح، وفي تفسير الأحكام التي هي أبد ية عند اليهود ...
بقي القسم الأول، وقد أنكره علماء البروتستانت في الظاهر إنكا ا رً بليغ اً لتغليط جه ال المسلمين
1 . )530/ ( جامع البيان في تأويل الق آ رن، الطبري، ) 4
2 .)019 / ( الفصل، ابن حزم، ) 1
3 . )19/ ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 0
336
وأوردوا أد لّة مموّهة مز ورة في رسائلهم، ليوقعوا الناظرين في الشكّ ... وأقول: إنّ التحريف اللفظي
بجميع أقسامه، أعني: بتبديل الألفاظ وزيادتها ونقصانها، ثابتٌ في الكتب المذكورة") 1 . )
" والمتّهَمون بتحريف الإنجيل فيما هو ثابت تاريخياً ومتحتّم عقلاً ومنطق اً ، ثلاث فئات، - –
هم: ال نسّاخ، وبعض رجال الدّين، وأعداء الديانة من اليهود والوثنيين وغيرهم") 2 .)
أما أهم أسباب وقوع التحريف في الإنجيل، فهي) 3 :)
أ. أنّ الله لم يتكفّل بحفظه كما تكفّل سبحانه بحفظ القرآن الكريم.
ب. ما مرّ به النصارى )المسيحيون( من اضطهادات في تاريخهم.
ت. إضافات بولس وتحريفاته الكبيرة في العقائد والش ا رئع المسيحية.
ويقرر "وول ديو ا رنت" حقيقة وقوع التحريف المقصود في الأناجيل فيقول: " وترجع أقدم النسخ
التي لدينا من الأناجيل الأربعة إلى القرن الثالث، أما النسخ الأصلية فيبدو أنها كتبت بين عامي
123 م، ثم تعرضت بعد كتابتها على مدى قرنين من الزمان لأخطاء في النقل، ولعلها ،43
تعرضت أيض اً لتحريف مقصود ي ا رد به التوفيق بينها وبين الطائفة التي ينتمي إليها الناسخ أو
أغ ا رضها، والكتّاب الذين عاشوا قبل نهاية القرن الأول الميلادي لا ينقلون قط شيئ اً عن العهد
الجديد، بل كان ما ينقلونه مأخوذ اً من العهد القديم ") 4 . )
ويصنّف رحمة الله الهندي التحريف إلى ثلاثة أصناف: تحريف بالتبديل، وتحريف بالزيادة
وتحريف بالنقصان، ويسوق نحو مائة شاهد على التحريف من ثنايا )الكتاب المقدّس( ) 5 . )
1 629 ( بتصرف يسير. - / ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
2 . )9/ 1624 ه/ 2335 م، ) 1 ، ( دلائل تحريف الكتاب المقدّس، د. شريف سالم، الناشر )بدون(، ط 1
3 ، ( انظر: التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة، د. سارة العبّادي، دار طيبة الخض ا رء/مكة المكرمة، ط 1
.)94 ،91 ، 1626 ه/ 2330 م، )ص 49
4 .)239/ ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 11
5 - .)561 621 / ( ا رجع: إظهار الحق، ) 2
337
والتحريف ظاهر في سطور الأناجيل، حتى بعد أن وقع فيها ما وقع من التغيير والتبديل،
وبعد أن أصبحت كما تقرر شيئاً آخر مختلفاً تماماً عن إنجيل عيسى - – ، و فيما يلي طر ف
من أهمّ نماذج هذه التحريفات، في تقدير الباحث:
2. تحريف ألقاب المسيح : ومنها ما ورد من تحريفات بالزيادة بين إنجيلَي مرقص
ومتّى) 1 (، وهذه التحريفات هي من أهمّ وأخطر ما يرد في الأناجيل في نظر الباحث وذلك لأنها - –
تدل على ما و ا رءها من عقائد ي ا رد إقحامها في الديانة، وهي جليّة لكل مبصر، فمثلاً تجد في
(» لأَنَّ م ن ي ان م ع م ي شيئ ة ي الل م ه و أَ ي خ وأُ خ يت وأُ ي مي « : إنجيل مرقص على لسان المسيح 2 ( ، وأما في متّى:
(» لأَ نَّ م ن ي ان م ع م ي شيئ ة أَ ي ب ا يَّ لَّي يفِ السَّ ما وا ي ت م ه و أَ ي خ وأُ خ يت وأُ ي مي « 3 .)
ف ق ا ل ل هم م : وأَن م تُ، م ن ت م قولمو ن ي ن « : وفي موضع آخر، تجد في مرقص
ِ
ا أَ ن؟ ف أَ جا ب بم ط م ر م س وق ا ل م له :
( »! أَن ت ال م ي س ي م ح 4 وق ا ل : أَن ت م ه و ال م ي س ي م ح اب م ن ي الل « : ( أما في متّى »! ال ح ي ( 5 .)
ومن ذلك في غير الأناجيل الأربعة، ما ورد من تحريف بالزيادة في سفر أعمال الرسل
ف ق ا ل ي فيلمبُّ م س : ن « : ونصّه
ِ
ا م ك ن ت تم ؤ ي م م ن ي م ن م ي كُ ق ل ي ب ك م يَو م ز ، ف أَ جا ب وق ا ل : أَ ن أُو ي م م ن أَنَّ ي م سو ع ال م ي س ي ح م ه و اب م ن
(» ي الل 6 (، قال رحمة الله الهندي: "وهذه الآية إلحاقية، ألحقها أحدٌ من أهل التثليث؛ لأجل هذه
الجملة: آمنت بأن عيسى هو ابن اللّه ") 7 . )
2. تحريف كتبة الأناجيل لألفاظ وأحداث من العهد القديم؛ لتتناسب مع ما يدونوه في
أناجيلهم، ومن ذلك: ما نسبه كاتب إنجيل متّى للنبي ارمياء في سياق ذكر حادثة القبض على -
المسيح ي حين ي ئذٍ ت ما ي قي ل ري مي ا - « : وتسليمه إذ قال
ِ
ي بَ النَّ ي ي بي ال ق ائي ي ل : وأَ خ م ذوا الثَّ لاي ث ين ي م ن ال ي فضَّ ي ة، ث م ن
1 - . )19 ( انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، )ص 15
2 . 05 : ( مرقص 0
3 . 53 : ( متّى 12
4 . 21 : ( مرقص 9
5 . 14 : ( متّى 14
6 . 09 : ( أعمال الرسل 9
7 .)535/ ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
338
ال م مث مَّ ي ن ا يَّ لَّي ث مَّنمو م ه ي م ن ب نِ سْا
ِ
( » ا ئيي ل، وأَ ع ط و ها ع ن ح ق ي ل ال فذَّا ي ر ي ي، كُ أَ م ر ي ن الرَّبُّ 1 (، إذ لم يرد في العهد
القديم هذا القول على لسان النبي ارمياء، بل لا يوجد هذا القول في جميع كتب العهد القديم) 2 . )
0. تحريف ألفاظ معّيّنة لتقرير عقيدة التثليث: ومن ذلك ما علّق عليه رحمة الله الهندي
نَّ « : مما جاء في "رسالة يوحنا الأولى" والذي نصّه
ِ
ف ا ا يَّ لَّي ن ي شه م دو ن يفِ السَّ ما ي ء م ه ث لاث ةٌ : الأ م ب، وال ي كَ م م ة،
والرُّو م ح ال م ق م د م س . وه م ؤ لا ي ء الثَّ لاث م ة م ه وا ي حدٌ . وا يَّ لَّي ن ي شه م دو ن يفِ الأَ ر ي ض م ه ث لاث ةٌ : الرُّو م ح، وال ما م ء، والَِّ م . والثَّ لاث م ة م ه
(» يفِ ال وا ي ح ي د 3 (، فقال: " ففي هاتين الآيتين كان أصل العبارة على ما زعم محققوهم هذا القدر: )لأن
الشهود الذين يشهدون ثلاثة، وهم: الروح، والماء، والدم، وهؤلاء الثلاثة تتحد في واحد(، ف ا زد معتقدو
التثليث هذه العبارة: )في السماء ثلاثة، وهم: الأب، والكلمة، والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة واحد،
والشهود الذين يشهدون في الأرض( فيما بين أصل العبارة، وهي ملحقة يقين اً " ) 4 . )
هذا غيض من فيض، وطرف يسير من قائمة طويلة من التحريفات، التي ليس هذا البحث
موضعاً لتفصيلها، فتُ ا رجع في مصادرها التي أشار إليها الباحث آنفاً.
ثاني ا: بطلان النسبة وانقطاع السند:
" لا بدّ للعقائد لكي تكون صحيحة أن تؤخذ من كتاب سماوي نُقل إلينا عن طريق التواتر، أو
توفر فيه شرط اتّصال السند، وان لم يتوفر هذان الشرطان، فإن ذلك الكتاب لا يستحق
التقديس") 5 .)
و قد سبق أن أشار الباحث عند الحديث عن الأناجيل بأنها ليست منسوبة إلى عيسى ،
ولا هو يعلم بها أصلاً، و أنّه قد ضاع الإنجيل الأصلي بلا خلاف.
1 – . 13 1 : ( متّى 29
2 .)610/ ( انظر: إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
3 – . 9 9 : ( رسالة يوحنا الأولى 5
4 .)619/ ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
5 . ) ( التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة، د. سارة العبّادي، )ص 56
339
إذاً، فما هو سند هذه الأناجيل؟ وما مدى صحة نسبتها إلى الوحي والإلهام؟ وما علاقتها
بزعيم الديانة ونبيها، المسيح ؟ بقيت هذه الأسئلة ماثلة تشكك باستم ا رر في أصول الديانة
النص ا رنية، وقد تتبع الباحثون قديماً وحديثاً منابع الديانة النص ا رنية فما وجدوا لها سنداً يعتدّ به
كأصل لديانة وعقيدة، واليك طرفاً موج ا زً من مناقشات العلماء والباحثين لقضية سند الأناجيل.
قال ابن تيمية رحمه الله : "... بخلاف أهل الكتاب فإنه لو عدمت نسخ الكتب لم يكن - –
عندهم به نقل متواتر بألفاظها إذ ل يحفظها إن حفظها إل قليل ل يوثق بحفظهم؛ فلهذا - -
كان أهل الكتاب بعد انقطاع النب وة عنهم يقع فيهم من تبديل الكتب، إما تبديل بعض أحكامها
ومعانيها، واما تبديل بعض ألفاظها ما لم يقوموا بتقويمه، ولهذا لا يوجد فيهم الإسناد الذي
للمسلمين، ولا لهم كلام في نقلة العلم وتعديلهم وجرحهم ومعرفة أحوال نقلة العلم ما للمسلمين") 1 . )
أما عن الإنجيل، فيقرر شيخ الإسلام ما اتفق عليه المؤرّخون من النصارى وغيرهم عن
نسبته إلى أشخاص، فيقول: " وأما الإنجيل الذي بأيديهم فهم معترفون بأنه لم يكتبه المسيح
ولا أملاه على من كتبه وانما أملوه بعد رفع المسيح، متى ويوحنا، وكانا قد صحبا المسيح، ولم
يحفظه خلق كثير يبلغون عدد التواتر، ومرقس ولوقا، وهما لم يريا المسيح ، وقد ذكر هؤلاء
أنهم ذكروا بعض ما قاله المسيح وبعض أخباره، وأنهم لم يستوعبوا ذكر أقواله وأفعاله، ونقل اثنين
وثلاثة وأربعة يجوز عليه الغلط؛ ل سيما وقد غلطوا في المسيح نفسه حتى اشتبه عليهم
بالمصلوب") 2 . )
ومع الاتفاق بأن الأناجيل لا صلة بينها وبين المسيح البتة، فإنها مع ذلك محل شكّ في
نسبتها إلى أصحابها المشهورين، " فنتائج البحث والد ا رسة، واستدعاء الشواهد الداخلية والخارجية
ل تشجّع على العتقاد بأنّ أولئك الرجال الذين نجد أسماءهم على أغلفة الأناجيل هم الذين
ألّفوها فعلا " ) 3 . )
1 . )24/ ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 0
2 . )019/ ( المصدر السابق، ) 2
3 .) 1195 م، )ص 16 ، ( حول موثوقية الأناجيل، محمد السعدي، جمعية الدعوة الإسلامية/ ط ا ربلس الغرب، ط 1
341
ويظهر للباحث أنّ السبب الرئيس في التشكيك في نسبة الأناجيل إلى أصحابها، أنّ هناك
ابتداءً فجوة بين زمن كتابة الأناجيل، وزمن ظهورها.
يقول في ذلك موريس بوكاي: "إنّ الأناجيل التي أصبحت فيما بعد رسمية أي قانونية - –
عرفت في وقت متأخر جداً رغم أنّ تحريرها قد أنجز في مطلع القرن الثاني ... ومن الصعب
بصورة شبه دائمة تقرير ما إذا كانت الإفادات مبنية على نصوص مكتوبة كان الكتّاب يشاهدونها،
أو إنهم اكتفوا بأن يسترجعوا من الذاكرة بقايا من الرواية الشفوية " ) 1 . )
ويشكّك بوكاي في صحة وصف أصحاب الأناجيل بالرسل أو صحابة المسيح ، فيقول
عن متّى: " ما هي شخصية متّى؟ ولنقل جملة واحدة: إنه لم يعد مقبولً الآن بأن يقال أنه أحد
أصحاب عيسى (" 2 .)
وعن إنجيل مرقص يقول: " إ نه أقصر الأناجيل وأقدمها، لكنّه ليس كتاب رسول، وكل ما
فيه أنه كتاب محرر من تلميذ رسول ... وهو كاتبٌ غير ماهر، إ نه أسخف الإنجيليين ط ا ر") 3 . )
أما عن إنجيل يوحنا فيقول: " من هو الكاتب؟ إنه سؤال موضع جدال؛ إذ الآ ا رء تختلف
كثي ا رً في هذا الموضوع ... إنّ الملاحظات الفريدة المعطاة من أكبر الكتّاب المسيحيين في مسألة
كاتب الإنجيل ال ا ربع تؤكّد كلّها غموض الأمر حول هويّته") 4 ( ) 5 . )
واذا درس الباحث أناجيل العهد الجديد )وهي الجزء الأهم بالنسبة للنص ا رنية(، فإنه يخلص
إلى اضط ا رب وحيرة في نسبة هذه الأناجيل تفصيلاً إلى أصحابها.
1 ( التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 95 ( بتصرف يسير. -
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 91
3 95 ( بتصرف. - - ( المصدر نفسه، )ص 96
4 ( المصدر ذاته، )ص 13 ( بتصرف. -
5 ( أما لوقا، فلا خلاف أنّه ليس من تلاميذ المسيح ولا حوارييه، كما نقل الباحث ذلك عند ترجمته في المطلب
.) الأول من هذا المبحث )ص 039
340
فإذا طالعت إنجيل متّى، فإنك لا تجد ما يشير إلى أنّ متّى الحواريّ هو مؤلفه، فالكاتب
يتحدث بصيغة الغائب لا بصيغة المتكلّم، واذا علمنا أنّ متّى قد كتب إنجيله بالعب ا رنية على –
خلاف وقد عُلم قطعاً بأنّ الأصل العبري مفقود، وما بين أيدينا هو ترجمة له، فهذا يعني أنّ -
القطع بنسبة الإنجيل الحالي إلى متّى ممتنع، بناءً على امتناع القطع بصواب ترجمته) 1 .)
أما إنجيل مرقص، فقد نقل الشيخ محمد أبو زهرة عن بعض مؤرخي النصارى قولهم بأنّ
بطرس هو الذي كتب الإنجيل المعروف بإنجيل مرقص ونسبه إليه، مع أنّ مرقص هو رئيس
الحواريين، والثاني من تلاميذه، ثم عقّب الشيخ على ذلك بقوله : "والحقّ أن ذلك الاختلاف وان
كان زمنياً في ظاهره، فهو في معناه ولبّه اختلاف في شخص المحرّر لهذا الإنجيل ... فمن
الكاتب إذن؟ ") 2 . )
وحول إنجيل لوقا، فعلاوة على الخلاف الذي دار حول شخصية مؤلفه، وصنعته، والقوم
الذين كتبه لهم، فإن كاتب الموسوعة البريطانية) 3 ( يشكك في نسبة إنجيل لوقا إليه، ويستدلّ على
ذلك بأن لوقا من تلاميذ بولس، ولكنك ل تجد لأفكار بولس أث ا رً في إنجيل لوقا، وتنتهي الموسوعة
إلى القول: "باختصار، إنّ مؤلف هذا الإنجيل يظلّ مجهول ") 4 . )
أما إنجيل يوحنا، ففي نسبته إلى يوحنّا الحواري ن ا زع بين النصارى أنفسهم، فمن محققي
النصارى من أنكر نسبته إلى الحواري، وقالوا بل كتبه يوحنا آخر ل يمت للأول بصلة، مع أنّ
هذا الإنجيل يتميز عن كل الأناجيل بأنه يستحدث القول بألوهية المسيح ، ويتضمن عبا ا رت
التثليث التي لم ترد في غيره من الأناجيل، كما أنّ أسلوب كتابة الإنجيل تضفي شكوكاً إضافية
1 . ) ( انظر: حول موثوقية الأناجيل، محمد السعدي، )ص 15
2 ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 69 ( بتصرف يسير. -
3 ( الموسوعة البريطانية: أو ال"بريتانيكا" هي موسوعة عامة باللغة الإنجليزية تصدرها شركة الموسوعة البريطانية
المحدودة الخاصة، المقالات في الموسوعة تستهدف الق ا رء المتعلمين والمثقفين ويكتبها 133 موظف بدوام كامل،
وأكثر من 6633 مساهم مختص، وتعد من أشهر وأدق الموسوعات وأشدها سعة واطلاع اً ] موسوعة ويكيبيديا
الحرة، ا ربط: الموسوعة_البريطانية wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /35/ ، بتاريخ: 23
4 156 ( بتصرف. - / ( حول موثوقية الأناجيل، محمد السعدي، )ص 11 (، نقلاً عن: الموسوعة البريطانية، ) 2
341
حول نسبته لكاتبه، إذ يتحدث فيه بصفة الغائب وليس الشاهد للأحداث، ويختمه بما يؤكد أنّه لم
يشاهد ولم يسمع ما كتبه من أحداث بل ينسبها تارة لغائب وتارة لجمع وتارة لمفرد متكلم) 1 .)
وانقطاع السند ل يتوقف عند الأناجيل الأربعة، بل يتعداها إلى الكتب الأخرى للنص ا رنية،
"فمجمع نيقية عام 025 م مثلاً لم يعترف بالكثير من هذه الكتب، إذ لم يعترف المجمع ب )رسالة
بولس إلى العب ا رنيين، ورسالة بطرس الثانية، ورسالتي يوحنا الثانية والثالثة، ورسالة يعقوب، ورسالة
يهوذا، ورؤيا يوحنا(، ولم يُحكم بصحة هذه الكتب إلا عام 046 م، ولم تكن قبل هذا التاريخ
مختصة بالتقديس، فبين آخر كتبهم تدويناً في زعمهم وبين معرفته والعت ا رف به أكثر من - -
خمس وعشرين سنة ومائتين ) 253 سنة( لا ا روي يرويها" ! ) 2 . )
إنّ هذا الاضط ا رب في النسبة، والانقطاع في السند بين الأناجيل وكتبتها، هو في فهم -
الباحث أمر في غاية العجب، فكيف يسوغ أن ينتسب النصارى إلى عقيدة عُلم يقيناً أنّ مصدرها -
بشري، ثم اختُلف في البشر الذين وضعوها، وحامت حولهم الشكوك، وتضاربت فيهم الأقوال؟!،
وهذا كفيل وحده بإبطال دين النصارى بالجملة، ولا يجد المرء أبلغ لوصف هذه الحال من قول
الحقّ }قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ
. ) وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ{) المائدة/ 49
ثالث ا: تناقضات الأناجيل:
استطرد العلماء في سرد تناقضات الإنجيل فيما ظهر للباحث كما يتحير الباحث - –
العادي ويُشدَه مما يق أ ر من تناقضات الأناجيل، إذ فيها ما لا يخطر على بال أن تكون في كتاب
يُزعم أنّه مقدّس، أو أنه يؤول إلى الوحي بطريقٍ ما، كما يزعم مقدِّسوه.
1 51 (، أيضاً: حول موثوقية الأناجيل، محمد – ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 53
- . )23 السعدي، )ص 11
2 12 ( بتصرف. - – ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 11
343
أسهب الإمام ابن حزم رحمه الله في ذكر تناقضات الإنجيل، وأفرد له مساحة كبيرة في - –
كتابه الفِصل، ابتدأها بقوله : " أما الإنجيل وكتب النصارى، فنحن إن شاء الله - موردون -
من الكذب المنصوص في أناجيلهم، ومن التناقض الذي فيها أم ا رً ل يشكّ كل من رآه في أنهم ل
عقول لهم، وأنّهم مخذولون جملةً ") 1 . )
ثم ساق رحمه الله الكثير من التناقضات في الأناجيل وتصدّى لتفنيدها بالتفصيل، وردّ - –
على النصارى ردوداً كثيرة استغرقت غالبية الجزء الثاني من كتاب الفِصل.
وقد صنّف الأديب أحمد الشِّدياق) 2 ( في القرن التاسع عشر كتاباً قيّماً في تناقضات الإنجيل،
سمّاه: مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل، قال في صدره: " فإنّي لمّا أ ريت مناقضات كتاب
الأناجيل الأربعة كثيرة لا يمكن حصرها، ولا يتأتّى ل ا زبرٍ زبرَها، عمدتُ إلى أحدها وهو الإنجيل -
المنسوب إلى متّى فعارضته بغيره من باقي الأناجيل الثلاثة، معارضةً تؤتُّ الخصم أتّاً، وتَبلته -
بلتاً ") 3 . )
ولا تخفى على أحد أهمية السفر العظيم للشيخ رحمة الله الهندي، المعروف بكتاب "إظهار
الحق"، والذي فصّل فيه القول في تحريف العهدين القديم والجديد واختلافاتهما وتناقضاتهما.
أما العالم الفرنسي موريس بوكاي فيطرق ذات الباب، ويتناول تناقضات بل وتضادّ - -
روايات الأناجيل ويقول مستهجن اً قبل إي ا رده نماذج منها: " وغالباً ما تكون دهشة المسيحيين - –
1 . )10/ ( الفصل، ابن حزم، ) 2
2 2887 م(: أحمد فارس بن يوسف بن منصور الشدياق: عالم باللغة والأدب، ولد في - ( أحمد الشّدياق ) 2834
قرية عشقوت )بلبنان( وأبواه مسيحيان مارونيان سمياه فارسا، ورحل إلى مصر فتلقى الأدب عن علمائها، ورحل
إلى مالطة فأدار فيها أعمال المطبعة الأمريكانية، وتنقل في أوربا، ثم سافر إلى تونس فاعتنق فيها الدين الإسلامي
وتسمى )أحمد فارس( فدعي إلى الآستانة فأقام بضع سنوات، ثم أصدر بها جريدة )الجوائب( سنة 1299 ه فعاشت
. ] )110/ 20 سنة، وتوفي بالآستانة، ونقل جثمانه إلى لبنان. ] الأعلام، الزركلي، ) 1
3 ( مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل، أحمد فارس الشدياق، تحقيق: محمد أحمد عمايرة، دار وائل/عمّان،
2330 م، )ص 16 (، والزَبر بالشيء: القذف به، يؤتّ: يكبت بالحجة، ويبلَته: يقطعه ] نفس المصدر ونفس ، ط 1
الصفحة [ .
344
من هذه التضادّات عندما يعثرون عليها بين الأناجيل، لأنه قد تكرّر على مسامعهم التأكيد - -
القوي بأنّ كتّابها كانوا شهود عيان لها ") 1 . )
وهذا وول ديو ا رنت يؤكّد قطعية وقوع التناقضات في الأناجيل، فيقول: " وملاك القول أنّ ثمّ ة
تناقضاً كثي ا رً بين بعض الأناجيل والبعض الآخر، وأن فيها نقطاً تاريخية مشكوكاً في صحتها،
وكثي ا رً من القصص الباعثة على الريبة والشبيهة بما يروى عن آلهة الوثنيين، وكثي ا رً من الحوادث
التي يبدو أنها وضعت عن قصد لإثبات وقوع النبوءات الواردة في العهد القديم، وفق ا رت كثيرة ربما
كان المقصود منها تقدير أساس تاريخي لعقيدة متأخرة من عقائد الكنيسة أو طقس من طقوسها") 2 .)
ويمكن إيجاز أهمّ البنود أو الأصول التي تؤول إليها تناقضات الأناجيل فيما اتّضح -
للباحث في عدة نقاط، فيما يلي: -
أ تناقض الأناجيل مع العهد القديم )التو ا رة(: وهو تناقض بيّن، وفي هذا التناقض ما فيه -
من نقض أصول العقيدة النص ا رنية، إذ إنّ النصارى يعتقدون بالعهد القديم ككتاب مقدّس، ويكملونه
بالعهد الجديد، ويستدلون بنصوص نبوءات العهد القديم لإثبات معتقداتهم في المسيح
ونهايته) 3 .)
وكمثال على هذا التناقض بين العهدين، خاصة في استجلاب شاهدٍ على نهاية المسيح
ي ل كَ ي ي تَُّ ما ي قي ل ش ع يا ء « : من نبوءات العهد القديم، ما جاء في إنجيل متّى
ِ
ي بَ النَّ ي ي بي ال ق ائي ي ل : م ه و ذا ف ت ا ي ا يَّ لَّي
ا خ تَتم م ه، ح ي بي يبي ا يَّ لَّي م سَّْ ت ي ب ي ه ن ف ي س . أَ ض م ع م رو ي حَ ع ل ي ي ه ف م ي ذ ي م بَ الأُ م م ي بَل ح ي .َ لا م يَا ي م ص و لا ي ي اي م ح، و لا ي س م م ع أَ حدٌ
يفِ الشَّ وا ي رع ي ص وت م ه . ق ا ب ة م ر م ضو ض ة لا ي ق ي ا م ف، وف ي تي لَ م د ي خن ة لا يم ط ي ف م ئ، حتََّّ م يَ ي ر ج ال ح لَ
ِ
ا النُّ صري ة . وع لى ا ي سْ ي ه
(» ي م كو م ن ر جا م ء الأُ م ي م 4 .)
م ه و ذا ع ب ي دي ا يَّ لَّي أَ ع م ض م د م ه، م خت ا ي ري ا يَّ لَّي م سَّْ ت ي ب ي ه « : وبالعودة إلى سفر اشعياء، نجد فيه نصاً
ن ف ي س . و ض ع م ت م رو ي حَ ع ل ي ي ه ف م ي خ ي ر م ج ال ح ي للأُ م ي م . لا ي ي اي م ح و لا ي رف م ع و لا يم س ي م م ع يفِ الشَّا ي ر ي ع ص وت م ه . ق ا ب ة م ر م ضو ض ة لا
1 . ) ( التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 121
2 . )213 / ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 11
3 - - .)63 25 (، أيضاً: حول موثوقية الأناجيل، محمد السعدي، )ص 09 21/ ( انظر: الفصل، ابن حزم ) 2
4 – . 21 19 : ( م تّى 12
345
ي ق ي ا م ف، وف ي تي لَ خا ي م د ة لا يم ط ي ف م ئ . لَ
ِ
ا الأَ ما ي ن م يَ ي ر م ج ال ح .َ لا ي ي كُّ و لا ي ن ك ي م سَ حتََّّ ي ض ع ال ح يفِ الأَ ر ي ض، وت ن ت ي ظ م ر
(» ال ج زائي م ر ي شْي عت م ه 1 . )
فحذف كاتب إنجيل متّى عبارة " لا ي ي كُّ و لا ي ن ك ي م سَ " حتى ينسجم النصّ مع نهاية المسيح
على الصليب بزعمه!) - 2 .)
ب تناقض واختلاف الأناجيل فيما بينها: وهذه من أخطر المشاكل التي وقع فيها كتّاب -
الأناجيل، فهي تختلف فيما بينها اختلافاً كبي ا رً، سواءً داخل الإنجيل الواحد، أو في التناقضات
والختلافات بين الأناجيل المختلفة ) 3 . )
ومن نماذج التناقض في الإنجيل الواحد، ما جاء في إنجيل لوقا على لسان المسيح :
ف ال ت ف ت وان تَ ر م هُا وق ا ل: ل س م ت ما ت عل ما ي ن ي م ن أَ ي ي م روحٍ أَن م ت ما، « ن سا ي ن ل م ي أْ ي ت ي ل م يَ ي لِ أَن م ف
ِ
لأَنَّ اب ن الا س النَّا ي س، ب ل
ي ل م ي ذ ي ل ص ، لَ ق ري ةٍ أُ خ رى
ِ
(» ف م ض وا ا 4 ي جئ م ت - – « : (، لكنّه ما يلبث أن يقول أي المسيح في ذات الإنجيل
لأُل ي ق ي ن را ع لى الأَ ر ي ض، ف ما ذا أُ ي ري م د ل ي و ا ض ط ر م ت ؟... أَت م ظنُّو ن أَ ي ن ي جئ م ت لأُ ع ي ط ي س لا ما ع لى الأَ ر ي ض؟ كَلَّ، أَقمو م ل
( » ل م ك : ب ي ل ان ي ق سا ما 5 . )
فتارة جاء برسالة سلام وخلاص، وتارة جاء ليلقي حرباً وانقساماً على الأرض، والفاصل بين
القولين أسطر معدودة في الإنجيل!
ومثل هذه التناقضات في الإنجيل الواحد مشهورة في العهد الجديد فيما لاحظ الباحث - -
يستطيع القارئ العادي أن يلمسها، وأن يضع تساؤلات حول الكثير من الاختلافات والتناقضات،
ناهيك عن أضعاف ذلك فيما لو اس تُعرضت الأناجيل جنباً إلى جنب، وفيما ذكره الباحث مثال
يسير، التباين فيه بيّن، وهو يدل بلا شك على ما و ا رءه من تناقضات عميقة.
1 – . 6 1 : ( اشعياء 62
2 63 ( بتصرف. - - ( حول موثوقية الأناجيل، محمد السعدي، )ص 01
3 61 (، أيضاً: المسيح في مصادر العقائد - ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 61
- . )43 المسيحية، أحمد عبد الوهاب، )ص 55
4 – . 54 55 : ( لوقا 1
5 - . 51 61 : ( ل وقا 12
346
ت التناقض في قضايا جوه رية: مثل التناقض في قضية نَسب المسيح - بين إنجيل
لوقا) 1 ( وبين إنجيل متّى) 2 (، فضلاً عن تناقضهما مع نسب أجداده المذكور في العهد القديم) 3 (، وكذا
التناقض البيّن في قضية القبض على المسيح وحبسه، ثم محاكمته وصلبه بزعمهم ثم - –
قيامته، والتناقض في موضع دعوة المسيح ، هل هو في ولاية اليهودية كما في إنجيل يوحنا) 4 )
أم في أرض الجليل كما في بقية الأناجيل) 5 (، وأهم هذه التناقضات على الإطلاق في فهم -
الباحث هو التناقض في عقيدة ألوهية المسيح؛ إذ وردت في إنجيل يوحنا دون الأناجيل الثلاثة -
الأخرى )قبل تدوين يوحنا على الأقل( ) 6 . )
يقول أحمد الشِّدياق:" وكثي ا رً ما تجد أحد كتبة الأناجيل يذكر مثلا عقيدة دينية، أو أم ا رً - -
مهمّاً، أو حكماً إلهياً عن عيسى ، ولا يذكره غيره، أو أنّه يذكر حديثاً ثم ينتقل إلى غيره من
دون علاقة، ثم ترى تتمة ذلك الحديث قد أوردها غيره من دون إي ا رد أوّله، فمثل هذا الخلل
والتشويش لا يمكن أن يصدر عن وحي الله، ولو أن أحد مؤلفي عصرنا ارتكب مثل ذلك لما عذره
عليه من الناس عاذر") 7 . )
ث التناقض مع التاريخ: وهو ما يشكل دليلاً إضافياً على تناقض واضط ا رب كتب -
النصارى، إذ ما يرد فيها من أحداث جسام، وعظائم، ومشاهد، كان من المفترض أن لا تغيب عن
شهود ذلك الزمان، خاصّ تهم وعوامّهم؛ في حين أنّ هذه الأحداث المذكورة في الأناجيل لم يدوّنها
أي مؤرّخ سوى كتبة الأناجيل، ومن أهمّ هذه الأحداث العجيبة: الزل ا زل الرهيب، وتبعثر القبور عند
صلب المسيح وقيامته بزعمهم ) - – 8 ( ونصّ هذا الحدث الرهيب المخيف جاء في إنجيل متّى كما
1 – . 09 20 : ( انظر: لوقا: 0
2 - .14 1 : ( انظر: متى 1
3 – . 26 1 : ( انظر: أخبار الأيام الأول 0
4 . 22 : ( انظر: يوحنا 0
5 . 24 : 16 ، أيضاً: لوقا 1 : 1 ، أيضاً: مرقص 1 : ( انظر: متّى 11
6 22 (، أيض اً: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، - ( انظر: مماحكات التأويل، أحمد الشدياق، )ص 23
- - . )93 91 (، أيضاً: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، )ص 93 )ص 94
7 ( مماحكات التأويل، أحمد الشدياق، )ص 19 ( بتصرف يسير. -
8 . ) ( انظر: محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 13
347
ف صر خ ي م سو م ع أَي ضا ي ب ا وتٍ ع ي ظيٍ، وأَ س ل الرُّو ح ، لَ « : يلي
ِ
لَ اث ن ي ين، ي م ن ف و م ق ا
ِ
ذا ي ح جا م ب ال ه ي ي ك ق ي د ان ش ا
ِ
وا
أَ س ف م ل. والأَ ر م ض ت زل زل ت، والاُّ م خو م ر ت شقَّق ت، وال م ق م بو م ر ت فتَّ ح ت، وق ا م ك ي ثيرٌ ي م ن أَ ج سا ي د ال ي ق ي دي ي س ين الرَّا ي ق ي دي ن ،
و خ ر م جوا ي م ن ال م ق م بو ي ر ب ع د ي قي ا م ي ت ي ه، و د خلموا ال م ي دين ة ال م مق دَّ س ة، و ظه م روا ي ل ك ي ث ي يري ن ، وأَمَّا ق ا ي ئ م د ال ي مئ ي ة وا يَّ لَّي ن م ع م ه يُ م ر م سو ن
(»! ي م سو ع ف ل مَّ ا رأَ وا الزَّل ز لَّ و ما كَ ن، خافموا ي جدًّا وق الموا: حقًّا كَ ن ه ذا اب ن ي الل 1 . )
وهذه الزلزلة العظيمة تكررت في اليوم التالي لصلب المسيح، بزعم كاتب الإنجيل ذاته، إذ
وب ع د السَّب ي ت، ي ع ن د ف ج ي ر أَوَّ ي ل الأُ س م بوعي، جا ء ت م ر م ي ال م ج د ي ليَّ م ة و م ر م ي الأُ خ رى ي لت ن م ظ را ال ق بَ ، « : يقول
ذا
ِ
وا زل ز لٌَّ ع ي ظيم ةٌ ح دث ت ، لأَنَّ م لا ك الرَّ ي ب ن ز ل ي م ن السَّ ما ي ء و جا ء و د ح ر ج ال ح ج ر ع ي ن ال با ي ب، و جل س ع ل ي ي ه ، و كَ ن
من ظ م رم ه كَل بَ ي ق، وي ل با م س م ه أَب ي ض كَلثَّل ي ج ، ف ي م ن خ وي ف ي ه ا رت ع د ال م حرَّا م س و صا م روا كَ م واتٍ ، ف أَ جا ب ال م لا م ك وق ا ل ي لل م رأَت ي ين :
ي ن أَع م ل أَنَّ م كُ ا ت طلم با ي ن ي م سو ع ال م المو ب
ِ
لا تخاف ا أَن م ت ما، ف ا ، ل ي س م ه و ههمن ا، لأَن مَّ ه ق ا م كُ ق ا ل! هلممَّا ان م ظ را ال م و ي ض ع ا يَّ لَّي
كَ ن الرَّبُّ م ض ط ي ج عا ي في ي ه ، ن مَّ ه ق د ق ا م ي م ن الأَ م وا ي ت
ِ
وا ذ ه با ي سْي عا قمو لا ي لت لا ي مي ي ذ ي ه: ا ، لَ ال ج ي لي ي ل
ِ
ها م ه و ي س ي ب م ق م ك ا ، م هن ا ك
(» ت ر ون م ه 2 . )
ليس هذا فحسب، بل إنّ نهاية العالم بحسب الأناجيل كان موعدها القرن الأول من - -
الميلاد، فقد دعا المسيح تلاميذه الاثني عشر، كما في إنجيل متّى، وأوصاهم بتبليغ رسالته،
... « : ثم قال لهم
ِ
سْائيي ل حتََّّ ي أْ ي تِ اب م ن الا
ِ
ي ن ال ح أَقمو م ل ل م ك: لا تم ي كُ لمو ن م م د ن ا
ِ
(» ف ا ن سا ي ن 3 ( ، أي أنّ عودته
الثانية إلى الأرض ستحدث قبل أن يُكمل تلاميذه التبشير في )مدن إس ا رئيل( ) 4 . )
إنّ هذه النصوص وأشباهها من أساطير الكتاب المقدّس، هي بفهم الباحث مما سقط فيه - –
مؤلفو هذه الكتب بقدر الله ؛ ليكون شاهداً للتاريخ وللأمم التالية على زيف وبطلان ما خطّت
أيدي هؤلاء المحرّفين.
ومن التناقض التاريخي أيضاً، ما نسبه كاتب إنجيل متّى ليسوع )المسيح(، في آخر فقرة من
ف ا ذ ه م بوا وت ل ي م م ذوا ي جَي ع الأُ م ي م و ي عَ م دو م ه ي بَ ي سْ الأ ب والاب ي ن والرُّوحي ال م ق م د ي س « : إنجيله، عندما قال . وع ي ل م مو م ه أَ ن
1 - . 56 53 : ( متّى 29
2 - . 9 1 : ( متّى 29
3 . 20 : ( متّى 13
4 . ) ( انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، )ص 132
348
لَ
ِ
(» يُ ف م ظوا ي جَي ع ما أَ و ص ي م ت م ك ي ب ي ه. و ها أَ ن م ع م ك م كَُّ الأَيََّ ي م ا ان ي ق ضا ي ء الَِّ ه ي ر 1 ( ، والإشكال التاريخي الذي يرد
على هذا النص هو أنّ صيغة التثليث الواردة في النصّ لم تكن معروفة ولم يكن لها نفوذ في
العصر الذي كُتب فيه ذلك الإنجيل) 2 . )
ويمو ي ش يَّا و لِ ي م كن يا خ وت م ه « : ومن التناقض التاريخي أيضاً ما ورد في إنجيل متّى
ِ
وا ي ع ن د س ي بي
(» بَ ي ب ل 3 (. ووجه التناقض هنا أورده رحمة الله الهندي إذ يقول: "يظهر منها أن يكُ نيا) 4 ( واخوته أبناء
صُلبية ليوشيا، وأن يكُ نيا كانت له إخوة، وأن ولادتهم في زمان الجلاء إلى بابل، وهذه الثلاثة كلها
ليست بصحيحة؛ )أما الأول(: فلأن يكنيا ابن يهوياقيم) 5 ( بن يوشيا فهو ابن الابن، لا الابن، )وأما
الثاني(: فلأنه ما كان له إخوة، نعم كان لأبيه يهوياقيم ثلاثة إخوة، )وأما الثالث(: فلأن يكُ نيا في
زمان الجلاء إلى بابل كان ابن ثماني عشرة سنة، لا أنه ولد في زمان الجلاء إلى بابل") 6 . )
ج التناقض في نُسخ وت ا رجم العهد الجديد: وهذا مقررٌ لدى علماء المسيحية، القدامى -
والمحدثين، وهم يعترفون بأنّ أكثر من أساء إلى الأناجيل والعهد الجديد عموم اً هم النسّاخ، - -
الذين كانت أكبر خطاياهم ما فعلته أيديهم من تحريف وتبديل؛ الأمر الذي أدّى إلى تناقض
1 – . 23 11 : ( متّى 29
2 ( انظر: المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، )ص 41 (، نقلاً عن عالم التاريخ الكنسي
الألماني د. أدولف هرنك .
3 . 11 : ( متّى 1
4 ( يَكُنيا: وتعني: "يهوه ثبّت"، ويدعى أيضاً "يهوياكين"، وهو ابن "يهوياقيم" وخليفته سنة 519 ق.م، وكان عمره
19 سنة عندما تبوأ سدة الحكم، ولم يملك إلا 0 أشهر و 13 أيام، ثم غ ا ز نبوخذ نصر المدينة وأخذه إلى بابل مع
- )563/ عائلته ورؤساء الشعب، وبقي 09 سنة أسي ا رً في بابل ] قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 2
بتصرف [.
5( يهوياقيم: وتعني: "يهوه نصب"، وهو بكر يوشيا وأخو يهوآحاز الذي خلفه في الملك، وكان اسمه الياقيم، فغيره
فرعون نخو عندما نصبه ملكاً، أحرق درج النبي ارمياء، وأساء معاملته لأنه ندّد به لظلمه وطمعه ورفاهيته] قاموس
563 ( بتصرف يسير [. - - 501/ الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 2
6 .)563 / ( إظهار الحق، رحمة الله الهندي، ) 2
349
النسخ ول ريب، إذ كثُر النسّاخ وكثرت النسخ، فوقع الاضط ا رب والتناقض بينها، وت ا ركمت الأخطاء
جيلاً بعد جيل حتى وصلت إلينا نسخة مثقلة بالأخطاء والتناقضات والتبديل) 1 . )
وقد تضمّنت الختلافات في الترجمات تناقضات في قضايا عقائدية رئيسة لدى النصارى،
مثل قضية التثليث، وطبيعة المسيح ، ووالدة المسيح ، وطبيعة دعوته، وكذا فيما يتعلق
بالحساب والعذاب واليوم الآخر، وغيرها من العقائد الأساسية) 2 . )
ويسوق الباحث في ختام هذا المطلب شيئاً من كلام الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله - -
عندما فصّل شروط الكتاب الديني ومواصفاته حتى يكون حجّة، إذ قال: "وألّ يكون ذلك الكتاب
متناقضاً مضطرباً يهدم بعضه بعضاً، فلا تتعارض تعليماته، ول تتناقض أخباره، بل يكون كلّ
جزء منه متمماً للآخر ومكمّلاً له؛ لأن ما يكون عن الله ل يختلف ول يفترق، ول يتناقض، بل
إنّ العقلاء في أقوالهم وفي كُتبهم يتحرّون ألّ يتناقض قولهم ول يختلف تفكيرهم") 3 . )
غ
خلاصة المطلب:
أول : يجمع علماء التاريخ والأديان القدامى والمعاصرون من النصارى والمسلمين وغيرهم - -
على أنّ الأناجيل الموجودة بين أيدينا اليوم لا هي من كلام الله الموحى به، ولا هي من كلام
عيسى ، بل هي من كتابة أشخاص لا اتّفاق ولا تواطؤ على أسمائهم ولا أنسابهم ولا عدالتهم
ولا معاصرتهم للمسيح ، وحاصل هذا أنّ الأناجيل مقطوعة لا سند لها البتّة.
ثانياً: تنقض أسفار العهدين القديم والجديد بعضها، وكذا الأناجيل، وذلك مع ثبوت تحريفها
بلا منازع، وتناقضها بلا أدنى شك، وقد رصد الباحثون والعلماء نماذج لا حصر لها من تناقضات
وتحريفات الأناجيل وكتب العهدين، مما لا يدع مجالاً للشك بأنّها لا تستقيم كمرجع لعقيدة وشريعة
ومنهاج، بل هي من صنع بشر لا صلة لهم بوحي من سبيل.
1 – . )25 ( انظر: اختلافات في ت ا رجم الكتاب المقدّس، أحمد عبد الوهاب، )ص 26
2 .)55 ،50 ،61 ،62 ، ( انظر: المصدر السابق، )ص 01
3 . ) ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 91
351
المبحث الثاني
عليهم
ّ
سة والرد
ّ
عقيدة النصارى في الأرض المقد
ويتضمن أربعة مطالب:
المطلب الأول: القدسية والبركة في العقيدة النصرانية
المطلب الثاني: أنواع القدسية والبركة في التراث النصراني
المطلب الثالث: اعتقاد النصارى بالحق الديني والتاريخي في
الأرض المقدسة ومناقشتهم
المطلب الرابع: اضطراب وتباين الطوائف النصرانية في هذه
العقيدة
350
المطلب الأول:
القدسية والبركة في العقيدة النصرانية
لا شك أنّ للنص ا رنية مقدّسات يستقرؤها من يمعن النظر في الكتاب المقدّس، وخاصة في
الأناجيل المعتمدة لدى النصارى، وكذا في سائر كتبهم.
واذا عُلم كما مرّ أنّ النصارى يؤمنون بالعهدين القديم والجديد كليهما، فإن ذلك يُلزم - –
النصارى بما حواه العهد القديم من حديث حول التقديس والبركة، فيما استعرضه الباحث في الفصل
الأول من هذا البحث.
والعجيب أنّ تو ا رة اليهود التي يؤمن بها النصارى ويقدّسونها تتحدث عن تفضيل اليهود - –
على من سواهم من العالمين, وتقدّس اليهود عرقاً وشعباً وتاريخاً، وهذا ما يتناقض مع موقف
النصارى من اليهود عبر التاريخ.
وفي هذا المطلب يستعرض الباحث شيئاً مما ورد في مصادر النص ا رنية من معاني القداسة،
ومما رسمته أيدي كتبة الإنجيل من هالات التقديس والتنزيه، مصنفاً إياها في عناوين محددة،
بحسب ما اتضح للباحث بعد د ا رسة نصوص الأناجيل:
أولا : تقديس المسيح:
رفعت الأناجيل المسيح إلى مكانة سامية، وجعلته أكثر الكائنات قدسية في الكون، بل
جعلت له الأمر كلّه مع الله أو من دونه.
فقد ذكرت الأناجيل خطاب الله المزعوم الذي جاء من السماء معلناً أن يسوع هو ولده –
ذا السَّ ما وا م ت ق ي د - « : تعالى الله عما يقولون ، إذ جاء فيها
ِ
ف ل مَّا ا عت م د ي م سو م ع ص ي ع د ي لل و ق ي ت ي م ن ال ما ي ء، وا
ان فت ح ت م له، ف رأَى م رو ح ي الل ن ي ز لا ي مث ل حْا مةٍ وأ ي ت يا ع ل ي ي ه، و ص وتٌ ي م ن السَّ ما وا ي ت ق ائي لا: ه ذا م ه و اب نِ ال ح ي بي م ب ا يَّ لَّي
(» ي ب ي ه م ي سْ ر م ت 1 . )
1 – . 22 : 11 ، لوقا 0 : 19 ، انظر أيض اً: مرقص 1 14 : ( متّى 0
351
ولا يخفى ما في هذا النداء السماوي من تثبيت لقدسية منزّلة من الله ، إذ أي ك ا رمة وبركة
وقداسة تفوق إرسال الربّ أحد أبنائه بزعمهم إلى الأرض ليكلّم الناس؟! . - -
وما دامت هذه هي مكانة يسوع لدى كتبة الإنجيل فلا ضير أن تذكر الأناجيل أنّ النبيّ
الذي تسمّيه الأناجيل "يوحنا المعمدان") 1 ( يصرّح بأنه لا يرقى لش ا رك نعل المسيح ، على الرغم
و كَ ن ي ك ي ر م ز ق ائي لا: ي أْ ي تِ ب ع ي دي م ن م ه و أَ ق وى ي م ي نِ، « ، مما تذكره الأناجيل من مكانة مرموقة ليوحنا هذا
(» ا يَّ لَّي ل س م ت أَ ه لا أَ ن أَ نَ ي نِ وأَ م حلَّ م س م يو ر ي ح ذائي ي ه . أَ ن عََّ دتم م ك ي بَل ما ي ء، وأَمَّا م ه و ف س م ي ع ي م م د م كم ي بَلرُّوحي ال م ق م د ي س 2 .)
وقد حاول كتبة الأناجيل فيما اتّضح للباحث أن يركّ بوا بدقة الحوا ا رت التي جرت - – –
بزعمهم بين اليهود وبين المسيح - ، لتقرير عقائد هؤلاء الكتبة ومن و ا رءهم، في المسيح
وقداسته الأزلية والأبدية، ومن هذه الحوا ا رت التي بيّن فيها )يسوع ابن الربّ!( لليهود أنّ الله
أَ جاب م ه ال يَمو م د ق ائي ي ل ين: ل س ن ا ن ر م م جَ ك لأَ ج ي ل عَل ح سنٍ، ب ل لأَ ج ي ل تج ي ديفٍ، ن ك وأَن ت « : قدّسه وأرسله للعالم
ِ
ف ا
له ا
ِ
ن سانٌ تج ع م ل ن ف س ك ا
ِ
ا ، نَّ م ك أ ي له ةٌ؟
ِ
أَ جا م بِ م ي م سو م ع: ل ي س م ك م تو بَ يفِ ن م مو ي س م ك: أَ ن قمل م ت ا ن ق ا ل أ ي له ةٌ لأُولئي ك ا يَّ لَّ
ِ
ا ي ن
ل ي يَ م ي كَ م م ة ي الل، و لا يم م ي ك م ن أَ ن يم نق ض ال م ك م تو م ب،
ِ
صا ر ت ا ن ك
ِ
لَ ال عال ي م، أَت م قولمو ن م له: ا
ِ
ف ا يَّ لَّي ق دَّ س م ه الأ م ب وأَ ر س م لِ ا
ي ن اب م ن ي الل؟
ِ
(» م تج ي د م ف، لأَ ي ن قمل م ت: ا 3 . )
إذن لاشك أنّ هذه القداسة التي خلعها النصارى على بشر )وهو عيسى عبد الله
ورسوله(، ستشكّل أساساً من أساسات هذه الديانة، لذا سيتناول الباحث بشيء من التفصيل جزئيات
هذه القداسة التي خلعتها مصادر النصارى على المسيح .
فمما أضفته الأناجيل من صفات قداسة وعلوّ للمسيح ما يلي:
1 ( يوحنا المعمدان: هو يحيى بن زكريا الذي ورد ذكره في الق آ رن الكريم، ويسميه إنجيل النصارى بيوحنا
المعمدان، لأنّه كان يعمّد الناس في الماء للتوبة من الخطايا حسب معتقدات أهل هذه الديانة، وهو نبي عاصر
المسيح وكان من أقربائه، و قد كان له شأن كبير في الدعوة في الشام وفلسطين، وقد حبسه اليهود، ثم قام
ملكهم هيرودس بقتله، وقدّم أ رسه على طبق من ذهب لام أ رة بغي طلبته ] انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، )ص
.] )565/ 666 (، أيضاً: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
2 . 9 : ( مرقص 1
3 – . 04 00 : ( يوحنا 13
353
أ( عِ لمه كلّ شيء:
ذ رأَ وا الأ يَ ي ت الَّ يت صن ع. ل ي كنَّ ي م سو ع ل م ي أْت ي م نهم م ع لى ... « : إذ جاء في إنجيل يوحنّا
ِ
أ م ن ك ي ث م يرو ن ي بَ ي سْ ي ه، ا
ن ف ي س ي ه، لأَن مَّ ه كَ ن ي ع ي ر م ف ال ج ي مي ع. ن سا ي ن، لأَ نَّ
ِ
ولأَن مَّ ه ل م ي م ك ن م حت ا جا أَ ن ي شه د أَ حدٌ ع ي ن الا ن سا ي ن
ِ
(» م ه ع ي ل ما كَ ن يفِ الا 1 .)
ب( مغفرته للخطايا:
أكّد سبحانه في قرآننا العظيم اختصاصه المطلق بمغفرة الخطايا، فقال : }وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ
إِلاَّ اللّهُ{ )آل عمران/ 105 (، لكنّ مؤلفي الإنجيل نسبوا مغفرة الذنوب المطلقة ليسوع ، فجاء على لسان
المسيح ن سا ي ن م سل طا ن ع لى الأَ ر ي ض ... « :
ِ
(» ول ي ك ن ي ل كَ ت عل م موا أَنَّ لاب ي ن الا أَ ن ي غ ي ف ر ال خ طا يَ 2 .)
ويعطي المسيح بزعم الإنجيل ام أ رةً يوماً مغفرةً من الخطايا فيستنكر الناس الأمر، - –
م ثَُّ ق ا ل ل ه ا: م غ م فو رةٌ ي لِ خ طا يَ ي ك ، ف اب ت د أ ال م متَّ ي كئمو ن م ع م ه ي م قولمو ن يفِ أَن م ف ي سهي م : « : لكنه يؤكّد على هذه الخاصية
م ن ه ذا ا يَّ لَّي ي غ ي ف م ر خ طا يَ أَي ضا؟، فق ا ل ي لل م رأَ ي ة : يم انم ي ك
ِ
(» ا ق د خلَّ ا ي ك، ي ا ذ ه يبي ي ب س لامٍ 3 .)
ت( ربوبيته :
فقد وصفت الأناجيل يسوع بالربوبية، وتعدّت في ذلك على مقام الربّ العظيم ، القائل في
. ) كتابه الخاتم: }قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ{)الأنعام/ 146
وقد شطح كاتب الإنجيل إلى نسبة القول بربوبية المسيح إلى نبي من أنبياء الله وهو
داود م ثَُّ أَ جا ب ي م سو م ع وق ا ل و م ه و يم ع ي م ل يفِ ال ه ي ي ك: نَّ « : ، إذ جاء في إنجيل مرقص
ِ
ك ي ف ي م قو م ل ال كت ب م ة ا
ال م ي س ي ح اب م ن دا م و د؟ لأَنَّ دا م و د ن ف س م ه ق ا ل ي بَلرُّوحي ال م ق م د ي س: ق ا ل الرَّبُّ ي ل ر ي ب: ا ج ي ل س ع ن ي ي مي ينِ، حتََّّ أَ ض ع أَع دا ء ك
(»؟ م و ي ط ئ ا ي لق د م ي ك. ف دا م و م د ن ف م س م ه ي د م عو م ه ربًَّ. ف ي م ن أَي ن م ه و اب نم م ه 4 . )
1 - . 25 20 : ( يوحنا 2
2 . 26 : 13 ، لوقا 5 : 4 ، انظر أيضاً: مرقص 2 : ( متّى 1
3 – . 53 69 : ( لوقا 9
4 – . 09 05 : ( مرقص 12
354
وفي سائر كتب النصارى سوى الأناجيل الأربعة حدّث ولا حرج عن وصف المسيح - -
ر م جل ي ين ق د ب ذ لا ن ف س ي يَ ما لأَ ج ي ل ... « :" بالربوبية، وقد جاء غالب وصف يسوع بقولهم "ربنا يسوع المسيح
(» ا ي سْ ري ب ن ا ي م سو ع ال م ي س ي ي ح 1 .)
ث( يسوع كائن سماوي:
لأجل إثبات هذه الفكرة عمد كتبة الأناجيل إلى ترتيب زفاف سماوي لمولد المسيح ،
و ظه ر ب غت ة م ع ال م لا ي ك م جَهمورٌ ي م ن ال م ج ن ي د السَّ ما ي و ي ي ... « : فذكر كاتب إنجيل لوقا في سياق قصة مولده
(» م س ي ب ي ح ين الل وق ا ي ئ ي ل ين: ال م ج م د ي لله يفِ الأَع ا ي ل، وع لى الأَ ر ي ض السَّ لا م م، و ي بَلنَّا ي س ال م سََّم ة 2 . )
و توالت دلائل كون المسيح كائناً سماوياً مقدّساً في مفهوم الأناجيل، فزعم كاتب إنجيل يوحنا
أن المسيح أَ جا ب ي م سو م ع .. ن م ك ن م ت قمل م ت ل م م ك الأَ ر ي ضيَّا ي ت ول س م تُ ... « : وصف نفسه بالسماوي، فقال
ِ
. ا
ن قمل م ت ل م م ك السَّ ما ي ويََّ ي ت؟
ِ
تم ؤ ي منمو ن، ف ك ي ف تم ؤ ي منمو ن ا لاَّ ا يَّ لَّي ن ز ل ي م ن السَّ ما ي ء، اب م ن
ِ
لَ السَّ ما ي ء ا
ِ
ول ي س أَ حدٌ ص ي ع د ا
ن سا
ِ
( » الا ي ن ا يَّ لَّي م ه و يفِ السَّ ما ي ء 3 . )
وفي موضع آخر يصرّح المسيح لليهود بشكل أكثر وضوحاً بأنّه منزل من السماء!
( » ف ق ا ل ل هم م: أَن م تُ ي م ن أَ سف م ل، أَمَّا أَ ن ف ي م ن ف و م ق. أَن م تُ ي م ن ه ذا ال عال ي م، أَمَّا أَ ن ف ل س م ت ي م ن ه ذا ال عال ي م ... « : فيقول 4 .)
ويضع كاتب هذا الإنجيل وهو الأخطر من بين الأناجيل كما تقدّم على لسان المسيح - –
ف ق ا ل ل هم م ي م سو م ع: ... لأَنَّ م خ بْ ي الل م ه و النَّا ي ز م ل ي م ن السَّ ما ي ء « !" قوله بأنه "خبز الحياة النازل من السماء
(» ال وا ي ه م ب حي ا ة ي لل عال ي م ، ق الموا م له: يَ س ي م د، أَ ع ي طن ا يفِ م ي كُ ي حينٍ ه ذا ال م ذ بْ ف ق ا ل ل هم م ي م سو م ع: أَ ن م ه و م خ م بْ ال ح يا ي ة 5 .)
وبما أنّ يسوع كائن سماوي؛ فوجوده ليس مرتبطاً بالأسباب الأرضية، لذا فهو موجود حتى
قبل إب ا رهيم أَبموم كم ب را ي ه م ي - - « : !، إذ يقول يسوع بزعم كاتب الإنجيل
ِ
ا تِ لَّ ل ي بأَ ن ي رى ي و ي مي ف رأَى
1 – . 24 15 : ( أعمال الرسل 12
2 – . 16 10 : ( لوقا 2
3 – . 10 13 : ( ي وحنا 0
4 – . 10 13 : ( يوحنا 0
5 – . 05 02 : ( يوحنا 4
355
وف ي ر ح ، ف ق ا ل م له ال يَمو م د : ل ي س لِ خَ م سو ن س ن ة ب ع م د، أَف رأَي ت ب را ي ه ي؟
ِ
ا ، ق ا ل ل هم م ي م سو م ع : ال ح ال ح أَقمو م ل ل م ك : ق ب ل
أَ ن ي م كو ن ب را ي ه م ي
ِ
(» ا أَ ن كَئينٌ 1 .)
ج( يسوع مخلّص البشرية:
واذا كان هذا حال المسيح في مصادر النصارى حال حياته، فهل انتهت قصّته
بالصلب المزعوم؟ كلا، بل إنّ دمه إنّما سُفك لفداء العالم، فهو دمٌ مقدّس ذو شأن عظيم بزعم –
الإنجيل وقد أهريق لفداء البشرية جمعاء! -
أخبرت الأناجيل بفك رة المخلص للبشرية، وكانت حاضرة مع سرد قصة ولادة المسيح ،
ف ق ا ل ل هم م م ال م لا م ك: لا تخافموا! ف ه ا أَ ن أُب ي م شَم كم ي ب ف رحٍ ع ي ظيٍ ي م كو م ن ي ل ج ي ميعي الشَّ ع ي ب: أَن مَّ ه م و ي لِ ل م م ك ال ي و م ي فِ « : إذ جاء فيها
(» م ي دين ي ة دا م و د م ذ ي ل صٌ م ه و ال م ي س ي م ح الرَّبُّ 2 . )
ل ي ي ه، « !) ولأجل ذلك فقد وصفه يوحنا المعمدان بأنه )حَمَلُ الله
ِ
و يفِ ال غ ي د ن ظ ر يمو حنَّا ي م سو ع م ق ي ب لا ا
(» ف ق ا ل: م ه و ذا حْ م ل ي الل ا يَّ لَّي ي رف م ع خ ي طيَّ ة ال عال ي م 3 . )
أما فكرة الدم المقدّس الذي سُفك لفداء البشرية ومغفرة الخطايا فقد جاءت بوضوح في
وأَ خ ذ )أي يسوع( ال كَْ س و ش ك ر وأَ ع طا م ه ق ائي لا: ا شْبموا ي م نه ا م كَُّ م ك، لأَنَّ ه ذا م ه و د ي مي ا يَّ لَّي ي لل عه ي د « : الإنجيل
(» ال ج ي دي ي د ا يَّ لَّي يم سف م ك ي م ن أَ ج ي ل كثي ي يري ن ي ل م غ ي ف ري ة ال خ طا يَ 4 .)
وقد أكّد الإنجيل بأنّ السبيل الوحيد للخلاص هو الإيمان بالمخلّص المسيح الذي هو )ابن
لأَن مَّ ه ه ك ذا أَ حبَّ م الل ال عال م حتََّّ ب ذ ل اب ن م ه ال و ي حي د، ي ل كَ لا « ! الله( الذي بذله من أجل هذه الغاية السامية
يه ي لِ م كُُّ م ن يم ؤ ي م م ن ي ب ي ه ، ب ل ت م كو م ن م له ال ح يا م ة الأَب ي ديَّ م ة . لأَن مَّ ه ل م يم ر ي س ي ل م الل اب ن م ه لَ
ِ
ا ال عال ي م ي ل ي ي دي ن ال عال م، ب ل ي ل ي ذلم ص ي ب ي ه
(» ال عال م م 5 .)
1 – . 59 54 : ( يوحنا 9
2 . 11 : ( لوقا 2
3 . 21 : ( يوحنا 1
4 – – . 26 20 : 29 ، انظر أيضاً: مرقص 16 29 : ( متّى 24
5 - . 19 14 : ( يوحنا 0
356
ويلجأ مؤلف إنجيل يوحنا إلى تفسير عجيب لتخليص يسوع للبشرية، فيقرر على لسان -
المسيح بأن لحمه مأكل ودمه مشرب على الحقيقة! وأكلُ جسدِ ه وشربُ دمِ ه إنما هو الحياة -
ن سا ي ن وت شَبموا د م م ه، « ! الأبدية
ِ
ن ل م ت أْ م م كَوا ج س د اب ي ن الا
ِ
ف ق ا ل ل هم م ي م سو م ع: ال ح ال ح أَقمو م ل ل م ك: ا ف ل ي س ل م ك حي اةٌ
ي في م ك. م ن ي أْ م م كُ ج س ي دي وي شَ م ب د ي مي ف م لِ حي اةٌ أَب ي ديةٌَّ، وأَ ن أُ ي قيمم م ه يفِ ال ي و ي م الأَ ي خ ي ير، لأَنَّ ج س ي دي مأْ كٌُ ح ،َ و د ي مي
م شَبٌ ح ،َ م ن ي أْ م كُ ج س ي دي وي شَ ب د ي مي ي ث بم ت يفَِّ وأَ ن ي في ي ه . كُ أَ ر سل ينِ الأ م ب ال حيُّ، وأَ ن حٌَّ ي بَلأ ي ب ، ف م ن
(» ي أْ م كَ ينِ ف هم و يُ يا ي ب. ه ذا م ه و ال م ذ م بْ ا يَّ لَّي ن ز ل ي م ن السَّ ما ي ء 1 .)
وفيما اتّضح للباحث، إن كان لمفسري الأناجيل تأويل لهذا النصّ وأشباهه، فما لا خلاف
عليه لدى من يق أ ر النص أنه يتحدث عن فكرة خلاص البشرية على يد المسيح المخلّص. - -
ح( ألوهية المسيح:
وهذه العقيدة الخطيرة لم ترد ص ا رحة في الأناجيل الأربعة إلّا في إنجيل يوحنا، الذي يجد
الدارس لنصوصه عياناً إدخال مفاهيم ألوهية المسيح ومساواته بالخالق، الأمر الذي جاء
القرآن مستنك ا رً له لخطورته، وحاكماً بكفر قائليه، وذلك في قوله : }لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَآلُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ
. ) المَْسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ{ )المائدة/ 19
وقد أورد كاتب هذا الإنجيل على لسان المسيح ت ع ي رفمون ينِ وت ع ي رفمو ن « :) قوله بأنّه )من الله
ي م ن أَي ن أَ ن، و ي م ن ن ف ي س ل م أ ي ت، ب ي ل ا يَّ لَّي أَ ر سل ينِ م ه و ح ،َ ا يَّ لَّي أَن م تُ ل س م تُ ت ع ي رفمون م ه. أَ ن أَ ع ي رفم م ه لأَ ي ن ي من م ه ، و م ه و
(» أَ ر سل ينِ 2 . )
ا يَّ لَّي - – ...« :! والأخطر من ذلك تصريح يسوع لليهود بزعم الإنجيل بأنه هو والله شيءٌ واحد
يََّ ها م ه و أَ ع ظ م م ي م ن ال م ي ك، و لا ي ق
ِ
(» أَ ع طا ي ن ا ي د م ر أَ حدٌ أَ ن يَ ط ف ي م ن ي ي د أَ ي ب. أَ ن والأ م ب وا ي حدٌ 3 .)
ويفصح كاتب الإنجيل عن عقيدته بوضوح إذ يفسّر ما معنى )ألوهية المسيح( التي كررها
في إنجيله، موضحاً أن "يسوع في الآب والآب في يسوع"، وأن "الآب حلّ في يسوع"، وهذا التفسير
1 - . 59 50 : ( يوحنا 4
2 – . 21 29 : ( يوحنا 9
3 – . 03 21 : ( يوحنا 13
357
ا يَّ لَّي رأ ي ن ف ق د رأَى الأ ب ، ف ك ي ف ت م قو م ل أَن ت : أَ ي ر ن الأ ب؟ ...« : يضعه من جديد على لسان يسوع ونصّه
أَل س ت تم ؤ ي م م ن أَ ي ن أَ ن يفِ الأ ي ب والأ ب يفَِّ ؟ ال كَل م ا يَّ لَّي أُ ي كَ م م م ك ي ب ي ه ل س م ت أَت كََّ م م ي ب ي ه ي م ن ن ف ي س، ل ي كنَّ الأ ب ال حالَّ ي فِ
(» م ه و ي ع م م ل الأَ عَا ل . ص ي دقمو ي ن أَ ي ن يفِ الأ ي ب والأ ب يفَِّ 1 .)
خ( المسيح قدّوس:
وصَف كتبة الإنجيل المسيح بالقدّوس، وهو الوصف الذي اختصّ به ذو الجلال
وكان من أسمائه الحسنى التي سطّرها كتابه العزيز }يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ
. ) الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ { )الجمعة/ 1
ومن المواضع التي جاء فيه وصف المسيح بالقدّوس في الأناجيل، ما جاء في إنجيل
(»! أ ي ه ! ما ل ن ا و لِ يَ ي م سو م ع النَّا ي ي صِيُّ؟ أَت ي ت ي ل م تَ ي ل كن ا! أَ ن أَ ع ي رفم ك من أَن ت : قمدُّو م س ي الل « : مرقص 2 .)
– « : وكان الربّ قد سماه "قدوس اً" عندما بشّر أمّه بحمله بزعم الإنجيل ف ق ال ت م ر م ي ي لل م لا ي ك :
ك ي ف ي م كو م ن ه ذا وأَ ن ل س م ت أَ ع ي ر م ف ر م ج لا؟ ف أَ جا ب ال م لا م ك وق ا ل ل ها: الرُّو م ح ال م ق م د م س ي يُلُّ ع ل ي ي ك، وقموَّ م ة ال ع ي ي ل
(» تم ظ ي ل م ي لِ، ف ي لَّي لِ أَي ضا ال م قدُّو م س ال م ولمو م د ي من ي ك يم د عى اب ن ي الل 3 .)
وما يؤكّد بفهم الباحث أنّ لفظة "القدّوس" التي أطلقها الإنجيل على المسيح - – لها
دلالة قدسية خاصة، هو ورود ذات اللفظة في حق الله في دعاء يسوع لر به ا رفعاً عينيه إلى
(» أَيُّه ا الأ م ب ال م قدُّو م س ، ا ح ف ظهم م يفِ ا ي سْ ك ا يَّ لَّي ن أَ ع ط يت ينِ، ي ل ي م كونموا وا ي ح دا كُ نَ م ن ... « : السماء قائلاً 4 .)
بل ورد في بعض رسائل الكتاب المقدّس ما يصف الله وحده بالقدوس دون سواه!، كما جاء
م ن لا يَافم ك يَ ربُّ ويم م ي ج م د ا سْ ك ؟ لأَن ك و ح د ك قمدُّوسٌ ، لأَنَّ ي جَي ع الأُ م ي م « : في سفر يوحنا اللاهوتي
(» س يأْتمو ن وي س م ج م دو ن أَ ما م ك، لأَنَّ أَ ح كَ م ك ق د أُ ظهي ر ت 5 .)
1 – . 11 1 : ( يوحنا 16
2 . 26 : ( مرقص 1
3 - . 05 06 : ( لوقا 1
4 . 11 : ( يوحنا 19
5 . 6 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 15
358
ثاني ا: تقديس تلاميذ المسيح:
سطّر كتبة الأناجيل ما يثبت قدسية خاصة، ومكانة تحيطها هالة من التعظيم والتبجيل
لتلاميذ المسيح ، أو حوارييه، وهذا مبرر في فهم الباحث، إذ حرص هؤلاء الكتبة على أن
يضعوا هذه القداسة في أولئك الذين نُسب إليهم دين النصارى فيما بعد، فمعلوم أنّ هذا الدين كما –
تقرر سابق اً ليس للمسيح - فيه نصيب، وعليه فلابد أن ينال أتباع المسيح حملة هذا الدين
المحرّف قد ا رً من )السلطان( الذي يؤهلهم لتمرير الديانة التي زعموا نقلها عن المسيح - - .
ومما أضفته الأناجيل من صفات قداسة وعلوّ لتلاميذ المسيح ما يلي:
أ التلاميذ حلّت فيهم روح الله: -
زعم كاتب إنجيل متّى أنّ المسيح ها أَ ن « : أوصى تلاميذه وحوارييه بالوصية التالية
أُ ر ي سلم م ك كغ نٍَ يفِ و سطي ي ذئ ابٍ، ف م كونموا م ح كُ ا ء كَل حيَّا ي ت وبم س طا ء كَل ح ما ي م. ول ي ك ي ن ا ح ذ م روا ي م ن النَّا ي س، لأَ مَّ نَّ م
لَ م جا ي ل س، و يفِ م جا ي م ي عهي م يَ ي م ل
ِ
سيم س ي ل م مون م ك ا ون م ك. وتم ساقمو ن أَ ما م م و لاةٍ و م ملموكٍ ي م ن أَ ج ي ل شه ا د ة ل هم م وي للأُ م ي م. ف م تَّ
أَ سل م موم كم ف لا تِت مُّوا ك ي ف أَ و ي ب ما ت ت كََّ م مو ن، لأَنَّ م ك تم ع ط و ن يفِ تي لِ السَّاع ي ة ما ت ت كََّ م م و ن ي ب ي ه، لأَ ن ل س م تُ أ ن م م تُ ال م مت ي كَ ي م ين
ب ل م رو م ح أَ ي بي م م ك ا يَّ لَّي ي ت كََّ م م ي في م ك ... « ( 1 . )
في فهم الباحث فإن في هذا النصّ أم ا رً خطي ا رً، ففيه يكمن تبرير صريح لتضييع الشريعة
والتلاعب بالدين؛ ذلك أن يسوع المزعوم يوصي تلاميذه المزعومين بأن لا يهتموا ولا يأبهوا - - - -
بما سيقولون عند هجوم الولاة والحكام الظلمة عليهم ومحاربتهم إياهم في دينهم، فمن يتكلم ساعتها
على ألسنتهم هو الله ، فكاتب هذا النص أ ا رد أن يعطي قدسية مطلقة لما سيقوله هؤلاء التلاميذ
أو الأتباع فيما بعد من جهة، ويتيح التلاعب بأصول الديانة التي جاء بها المسيح من جهة
أخرى، وهذا ما حدث بالفعل، والله أعلم.
1 – . 23 14 : ( متّى 13
359
ب التلاميذ أُعطوا السلطان العظيم: -
وقد أعطى المسيح بزعم كاتب إنجيل لوقا تلاميذه سلطاناً عظيماً، لا يضاهيه - -
سلطان، وكُتبت أسماؤهم في السماوات العلى، وهذا ليس للمقربين الإثني عشر فحسب، بل للتلاميذ
السبعين.
ف ر ج ع السَّ ب م عو ن ي ب ف رحٍ ق ا ي ئ ي ل ين: يَ ربُّ، حتََّّ الشَّ يا ي ط م ين تخ ض م ع ل ن ا ي بَ ي سْ ك! « : جاء في ذلك نص صريح
ف ق ا ل ل هم م: رأَي م ت الشَّ ي طا ن سا ي ق طا ي مث ل ال بَ ي ق ي م ن السَّ ما ي ء. ها أَ ن أُ ع ي طي م ك م سل طا ن ي لت م دو م سوا ال ح يَّا ي ت وال عق ا ي ر ب و م كَُّ
قموَّ ي ة ال ع م د ي و، و لا ي م ضُّم كم شَءٌ. ول ي ك ن لا ت ف ر م حوا ي بِ ذا: أَنَّ الأَ ر وا ح تخ ض م ع ل م ك، ب ي ل اف ر م حوا ي بَل ح ي ر ي ي أَنَّ أَ سْا ء م كم م ك ي تب ت يفِ
(» السَّ ما وا ي ت 1 .)
بل لقد أعطاهم المسيح ما اختصّه الله به، فهم بهذا السلطان يشفون كل داء وكل
م ثَُّ دع ا ت لا ي مي ذ م ه الاث نِ ع شَ وأَ ع طا م ه م سل طا ن ع لى - – « ضعف، وكل روح نجسة بزعم الإنجيل المحرّف
(» أَ ر واح ي نَ سةٍ حتََّّ م يَ ي ر م جو ها، وي ش م فوا م كَُّ م رضٍ و م كَُّ م ض عفٍ 2 .)
ولكن! سرعان ما يقع كاتب الإنجيل في تناقض كما هو حال الأناجيل إذ وقع أصحاب - –
السلطان التلاميذ في مأزق، فلم يستطيعوا جميعاً أن يشفوا مريضاً، فاستدعوا المسيح - - ،
وسألوه، فشفى المريض من فوره) 3 (، وعندما سألوا المسيح عن سبب عدم قدرتهم قال لهم:
يم ا ي ن م ك. ف «
ِ
ي ل ع د ي م ا يم انٌ ي مث م ل حبَّ ي ة خ ر دل ل م كن م تُ ت م قولمو ن ي له ذا ال ج ب ي ل: ان ت ي ق ل
ِ
ال ح أَقمو م ل ل م ك: ل و كَ ن ل م ك ا لَ
ِ
ي م ن م هن ا ا
(» م هن ا ك ف ي نت ي ق م ل 4 . )
وهذا من جملة عجائب الكتاب المقدّس، إذ كيف يعطيهم سلطاناً على إخ ا رج الشياطين
وشفاء كل داء ومعافاة كل بلاء، وليس في قلوبهم حبة خردل من إيمان؟! ..
1 – . 23 19 : ( لوقا 13
2 . 1 : 9، لوقا 1 : 1 ، انظر أيضاً: مرقص 4 : ( متّى 13
3 – . 11 16 : ( انظر: متّى 19
4 . 23 : ( متّى 19
361
ومن أعظم ما أعطاه المسيح لتلاميذه فيما زعم إنجيل متّى ما أعطاه لبطرس - –
الحواري، إذ سلّمه مفاتيح ملكوت السماوات والأرض! ليقرر ما يكون في السماوات والأرض! فيما
ف أ جا ب ي م سو م ع وق ا ل نَّ ل ح ما و د ما ل م يم ع ي ل ن لِ، ل ي كنَّ أَ ي ب ا يَّ لَّي يفِ « : ورد نصاً
ِ
م له: م طو ب لِ يَ ي سْ عا م ن ب ن يمو ن، ا
السَّ ما وا ي ت. وأَ ن أَقمو م ل لِ أَي ضا: أَن ت بم ط م ر م س، وع لى ه ي ذ ي ه الاَّ خ ري ة أَب نِ ك ي ني س يت، وأَب وا م ب ال ج ي ح ي ي ل ن ت ق وى ع ل يَ ا.
وأُ ع ي طي ك م فا ي تي ح مل م كو ي ت السَّ ما وا ي ت، ف م كُّ ما ت ري ب م ط م ه ع لى الأَ ر ي ض ي م كو م ن م ربمو طا يفِ السَّ ما وا ي ت. و م كُُّ ما م تَ مُّ لِ ع لى
(» الأَ ر ي ض ي م كو م ن م حلمو لا يفِ السَّ ما وا ي ت 1 .)
وهذا الشطط الذي وقع فيه كاتب هذا الإنجيل في فهم الباحث يتنافى مع الفطرة - –
المستقيمة والعقل السليم والواقع المنظور، إذ لم يثبت حتى في الأناجيل ذاتها أن بطرس - –
استخدم هذا السلطان، فضلاً عن أن بش ا رً لا يمكن أن يصدّق أنّ إنساناً ضعيفاً يقرر في شأن
السماوات والأرض، هذا وقد عُلم أنّ صاحب الملكوت هذا قد أُعدم فيما بعد مصلوباً منكّساً في
روما، بأمر من الإمب ا رطور نيرون، فأين سلطانه العظيم!.
وينتفي هذا العجب إذا علمت أنّ ذات الإنجيل وفي ذات الإصحاح في تناقض عجيب - –
يصف بطرس بالشيطان، والمعثرة، وغير المخ لِص، ويعمل من أجل الناس!!، كلّ هذا على لسان
المسيح « : نفسه الذي أعطاه الملكوت بأمر الربّ، إذ جاء بعد حكاية الملكوت بكلمات يسيرة
ي م ن ذ ي لِ ال و ق ي ت اب ت د أ ي م سو م ع يم ظهي م ر ي لت لا ي مي ي ذ ي ه أَن مَّ ه ي ن ب ي غي أَ ن ي ذ ه ب لَ
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي وي ت أَلَّ م ك ي ث يرا ي م ن الشُّ م يوخ ي و م ر ؤ سا ي ء
ال كه ن ي ة وا ل كت ب ي ة، ويم قت ل، و يفِ ال ي و ي م الثَّا ي ل ي ث ي م قو م . ف أَ خ ذ م ه بم ط م ر م س ل ي ي ه
ِ
ا واب ت د أ ي ن ي تَ م رم ه ق ائي لا : حا شا ك يَ ربُّ ! لا ي م كو م ن
(» لِ ه ذا! ف ال ت ف ت وق ا ل ي ل م ب ط م ر س : ا ذ ه ب ع ي نِ يَ ش ي طا م ن ! أَن ت م ع ثّةٌ ي ل، لأَن ك لا تِ تُُّ ي ب ما ي لله ل ي ك ن ي ب ما ي للنَّا ي س 2 .)
ت منزلة التلاميذ فوق النبيين: -
إذ ورد في الإنجيل أن المسيح م طو ب ي لل م ع م يو ي ن الَّ يت ت ن م ظ م ر ما ت ن م ظ م رون م ه ! لأَ ي ن « : قال لتلاميذه
أَقمو م ل ل م ك : نَّ
ِ
ا أَن ي بي ا ء ك ي ث ي يري ن و م ملمو كَ أَ را م د وا أَ ن ي ن م ظ م روا ما أَن م تُ ت ن م ظ م رو ن ول م ي ن م ظ م روا، وأَ ن ي س م م عوا ما أَن م تُ ت س م م عو ن ول م
(» ي س م م عوا 3 .)
1 – . 11 19 : ( متّى 14
2 - . 00 : 20 ، انظر أيضاً: مرقص 9 21 : ( متّى 14
3 – . 19 : 26 ، انظر أيضاً: متّى 10 20 : ( لوقا 13
360
وهذا ليس غريباً إذا علمت أنّ هؤلاء التلاميذ ليسوا من العالم أصلاً كما يسوع وهذا ما - -
أَ ن ق د أَ ع ط ي م تَم م كَل م ك، وال عال م م أَب غ ضهم م لأَ مَّ نَّ م ل ي م سوا ي م ن - – « قاله يسوع نفسه بزعم كاتب إنجيل يوحنا
ال عال ي م، كُ أَ ي ن أَ ن ل س م ت ي م ن ال عال ي م، ل س م ت أَ سأَ م ل أَ ن ت أْ م خ ذ م ه ي م ن ال عال ي م ب ل أَ ن تَ ف ظهم م ي م ن ال ي ي شَي ي ر. ل ي م سوا ي م ن ال عا ل ي م
كُ أَ ي ن أَ ن ل س م ت ي م ن ال عال ي م . ق ي د سهم م يفِ ح ي ق ك. كَلم م ك م ه و ح ،َ لَ ال عال ي م،
ِ
لَ ال عال ي م أَ ر سل م تَم م أَ ن ا
ِ
كُ أَ ر سل ت ينِ ا
( » ولأَ ج ي لهي م أُق ي د م س أَ ن ذا ي تِ، ي ل ي م كونموا م ه أَي ضا م مق دَّ ي س ين يفِ ال ح يَ 1 .)
ثالث ا: تقديس الناموس:
وردت كلمة "ناموس" ومشتقاتها في الأناجيل الأربعة، في ستة وثلاثين) 04 ( موضع اً) 2 (، وهو
ما يعني أنّ الأناجيل والعهد الجديد عموماً قد اعتنى بأمر الناموس عناية كبيرة. - -
و"الناموس" في مفهوم الإنجيل هو شريعة موسى ، بما تتضمنه من ناموس أدبي
وطقسي وسياسي، أما الأدبي فهو متمثلٌ في الوصايا العشر التي أعطاه الله لموسى في
الألواح، وأما الناموس الطقسي، فهو متمثل في الشعائر الدينية ودستور العبادة بما فيها من صلاة
وصيام وذبائح وتطهير وخلافه، وأما الناموس السياسي فهو مبني على الأدبي، وهو يشير إلى
علاقة الربّ بالشعب والأرض) 3 . )
ومما يشير إلى قداسة الناموس عند كتبة الأناجيل، وبالتالي عند النصارى المؤمنين بها،
ما يلي:
2( تأكيد المسيح لا ت م ظنُّوا « : أنّه جاء مكمّلاً للناموس، وليس ناقضاً له؛ إذ قال لقومه
أَ ي ن ي جئ م ت لأَن م ق ض النَّا م مو س أَ ي و الأَن ي بي ا ء . ما ي جئ م ت لأَن م ق ض ب ل لأُ ي كْ ل . ي ن
ِ
ف ا ال ح أَقمو م ل ل م ك : لَ
ِ
ا أَ ن ت م زو ل السَّ ما م ء
(» والأَ ر م ض لا ي م زو م ل ح رفٌ وا ي حدٌ أَ و نم ق طةٌ وا ي ح دةٌ ي م ن النَّا م مو ي س حتََّّ ي م كو ن ال م كُّ 4 . )
1 – . 11 16 : ( يوحنا 19
2 ،01 ،29 ،26 ،20 : 20 ، لوقا 2 :20 ،63 ،04 ،05 : 22 ،10 : 22 ، 12 : 7 ،19 ،19 : ( متّى 5
،19 : 66 ، يوحنا 2 :24 ،19 ،14 :21 ،0 :24 ،52 ،64 ،65 :22 ،24 ،25 :23 ،03 :7 ،19 :5
. 9 :24 ،01 :28 ،25 :25 ،06 :22 ،06 :23 ،19 ،5 :8 ،51 ،61 ،20 ،11 :7 ،65
3 - . )606 600 / ( انظر: قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
4 – . 19 19 : ( متّى 5
361
2( إق ا رر المسيح بحسب إنجيل لوقا مخاطباً اليهود، بأنّ زوال السماء والأرض أهون - –
ول ي كنَّ ز وا ل السَّ ما ي ء والأَ ر ي ض أَي م سَ ي م ن أَ ن ت س م قط نم ق طةٌ وا ي ح دةٌ ي م ن « ! من ضياع نقطة واحدة من الناموس
(» النَّا م مو ي س 1 . )
0( استشهاد المسيح بعد قيامته المزعومة أمام تلاميذه بما ورد في الناموس عن قيامته
ه ذا م ه و ال كَل م ا يَّ لَّي كََّ م م ت م ك ي ب ي ه وأَ ن ب ع م د م ع م ك: أَن مَّ ه لا بمدَّ أَ ن ي ي تَُّ ي جَي م ع ما م ه و م كتموبٌ ع ي نِ « : هذه، قائلاً لهم
يفِ ن م مو ي س (» م مو س والأَن ي بي ا ي ء وال م زا ي م ي ير ، ي حين ئيذٍ ف ت ح ي ذ ه نهم م ي ل ي فه م موا ال م ك م ت ب 2 . )
4( كثرة استدلل الأناجيل بما ورد في الناموس من أحكام أو تنبؤات، سواءً في المناظ ا رت
المنسوبة للمسيح مع اليهود، أو في أقوال المسيح ، أو في النصوص المرسلة، وذلك مثل:
ل ي ك ن ي ل كَ ت ي تُ ال ي كَ م م ة ال م ك م توب م ة يفِ ن م مو ي سهي م : مَّ نَّ م - «
ِ
(» ا أَب غ م ضو ي ن ي ب لا سب بٍ 3 . )
- (»َ وأَي ضا يفِ ن م مو ي س م ك م كتموبٌ أَنَّ شه ا د ة ر م جل ي ين ح « 4 . )
- (»؟ و م مو س يفِ النَّا م مو ي س أَ و صا ن أَنَّ ي مث ل ه ي ذ ي ه تم ر ج م م . ف ما ذا ت م قو م ل أَن ت « 5 . )
- (»؟ يَ م ع ي م ل، أَي مَّ ة و ي صيَّةٍ ي ه ال م ع ظ مى يفِ النَّا م مو ي س « 6 . )
كُ م ه و م كتموبٌ يفِ ن م مو ي س الرَّ ي ب : أَنَّ م كَُّ ذ كرٍ ف ا ي ت ح ر ي حمٍ يم د عى قمدُّو سا ي للرَّ ي ب . وي ل كَ يمق ي د م موا ذ ي بي ح ة كُ ي قي ل - «
(» يفِ ن م مو ي س الرَّ ي ب : ز و ج ي مامٍ أَ و ف ر خ حْامٍ 7 . )
1 . 19 : ( لوقا 14
2 . 66 : ( لوقا 26
3 . 25 : ( يوحنا 15
4 . 19 : ( يوحنا 9
5 . 5 : ( يوحنا 9
6 . 04 : ( متّى 22
7 - . 26 20 : ( لوقا 2
363
رابع ا: تقديس الكنيسة:
قال صاحب قاموس الكتاب المقدّس: " معنى الكلمة اليونانية المترجمة بكنيسة : المحفل،
فإذا أريد به المحفل المدني تُرجمت محفلاً، أو المحفل الديني تُرجمت كنيسةً، وتطلق الكنيسة على
عدة معان منها: الدلالة على )جماعة المؤمنين( عموماً، وهي الكنيسة العمومية، ومنها: الدلالة
على جماعة من المسيحيين في مدينة بعينها، ككنيسة )أورشليم(، ومنها: البناء المختص بالعبادة
المسيحية، وقد استعمل بولس لفظ الكنيسة بمعنى جسد المسيح") 1 . )
هذا ولم يرد لفظ "كنيسة" في الأناجيل الأربعة سوى في موضعين من إنجيل متّى وهما:
2 قول المسيح - المزعوم لكبير تلاميذه "بطرس"، في حادثة إعطائه ملكوت السماوات
وأَ ن أَقمو م ل لِ أَي ضا: أَن ت بم ط م ر م س، وع لى ه ي ذ ي ه الاَّ خ ري ة أَب نِ « :) والأرض )آنفة الذكر ك ي ني س يت، وأَب وا م ب ال ج ي ح ي ي
ل ن ت ق وى ع ل يَ ا (» 2 . )
2 التوضيح المنسوب للمسيح - في شأن دور الكنيسة في علاقات الناس، ونصّ هذا
ن « : القول
ِ
وا أَ خ ط أَ ل ي ك
ِ
ا أَ م خو ك ف ا ذ ه ب وع ا ي ت ب م ه ب ي ن ك وب ي ن م ه و ح د م كُ . ن
ِ
ا ي سْ ع ي من ك ف ق د ري بِ ت أَ خا ك . ن
ِ
وا ل م
ي س م ع، ف م ذ ذ م ع ك أَي ضا وا ي ح دا أَ ي و اث ن ي ين، ي ل كَ ت م قو م م كُُّ ي كَ مةٍ ع لى ف ي م شا ي ه دي ي ن أَ و ث لاث ةٍ . ن
ِ
وا ل م ي س م ع ي م نهم م ف م ق ل
ي لل ك ي ني س ي ة . ن
ِ
وا ل م ي س م ع ي م ن ال ك ي ني س ي ة ف ل ي م ك ن ي ع ن د ك كَل وث ي ي نِ وال عشَّا ي ر . ال ح أَقمو م ل ل م ك : م كُُّ ما ت ي رب م طون م ه ع لى الأَ ر ي ض
(» ي م كو م ن م ربمو طا يفِ السَّ ما ي ء، و م كُُّ ما م تَلُّون م ه ع لى الأَ ر ي ض ي م كو م ن م حلمو لا يفِ السَّ ما ي ء 3 . )
وفي هذا النص الأخير في فهم الباحث ما يبين خطورة شأن الكنيسة وأهميته في نظر - –
كاتب إنجيل متّى، ذلك أ نّه جعل القول الفصل لها في المنازعات، ومن لم يعترف بحكمها كان
وثنياً، وأنّ قولها هو المعتمد في السماوات والأرض!.
1 249 ( بتصرف يسير . - - 249 / ( قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، ) 2
2 . 19 : ( متّى 14
3 - . 19 15 : ( متّى 19
364
وقد أسهبت بقية أسفار العهد الجديد في ذكر الكنيسة، وخاصة في سفر أعمال الرسل و
ي ا ح ي تَم زوا ي ا ذا لأَن م ف ي س م ك وي ل ج ي ميعي « : رسائل بولس، وكان من وصايا بولس في رحلاته )التبشيرية( قوله
الرَّ ي عيَّ ي ة الَّ يت أَق ا م م م ك الرُّو م ح ال م ق م د م س ي فيَ ا أَ سا ي قف ة، ي ل تَ ع وا ك ي ني س ة ي الل الَّ يت اق ت ن ا ها ي ب د ي م ي ه (» 1 . )
لأجل هذه المكانة كان النصارى يقدّسون رؤساء الكنائس بألقابهم المختلفة، ويعتقدون أن
الله قد وضع في أيديهم ما لم يضعه في أيدي أحد، ولذلك فكل ما يفعلونه في الأرض يفعله الله
في السماء، فإذا أذنب العباد فهم الذين يقبلون التوبات، ويعفون عن السيئات، وبأيديهم صلاح
الأحياء والأموات، ومنحت المجامع الدينية )البابا( سلطات دينية ترفعه إلى مرتبة غف ا رن الذنوب،
فقد قرر مجمع روما المنعقد سنة 941 م بأن المسيحيين في كل أنحاء العالم يجب أن يخضعوا
لرئيس كنيسة روما، ومجمع روما المنعقد سنة 1215 م قرر أن الكنيسة البابوية تملك حق الغف ا رن
وتمنحه لمن تشاء، ومجمع روما المنعقد سنة 1941 م قرر أن البابا معصوم) 2 . )
"وقد باشر رجال الدين في الكنيسة هذه السلطة وتوسّعوا فيها، فأخذوا يبيعون صكوك
الغف ا رن، ويصدرون ق ا ر ا رت الحرمان، حتى لو تعلقت بالملوك والعظماء، وشاع بين النصارى أنّ
الله يغفر لمن يرضى عنه آباء الكنيسة، فانتشرت صكوك الغف ا رن وذاعت، ومارستها كل الكنائس
التي كانت تخضع للكنيسة البابوية، فكان المذنب يدفع قد ا رً من المال في مقابل الحصول على
صكّ مكتوب فيه: ربنا يسوع المسيح يرحمك يا )يكتب اسم الذي سيغفر له( ... ") 3 . )
ومن المظاهر الأساسية والبليغة الأثر في النص ا رنية في تقدير الباحث فيما يتعلق بمكانة - –
الكنائس وقدسيتها، هو فصلها في شأن أخطر القضايا في الديانة النص ا رنية، كألوهية المسيح،
وطبيعته، والتثليث، والأقانيم، وغيرها من القضايا العقائدية التي بتّت فيها مجامع النصارى كما تم
عرضه في المبحث الأول.
1 . 29 : ( أعمال الرسل 23
2 ، ( انظر: بين الإسلام والمسيحية، أبي عبيدة الخزرجي، تحقيق: د. محمد شامة، مكتبة وهبة/ القاهرة، ط 2
. ) 1015 ه/ 1195 م، )ص 99 (، أيضاً: المسيحية، د. شلبي، )ص 233
3 ( المصدر السابق، من تعليقات د. محمد شامة على الكتاب، )ص 99 ( بتصرف يسير. -
365
"وقد انساب سلطان كنيسة روما إلى كافة الكنائس الأخرى، ليس فقط في الاجتهاد والتشريع
وتفسير الكتاب المقدّس وغيرها مما احتفظت به كنيسة روما لنفسها، بل في وجوب طاعة
المسيحيين للأساقفة والآباء الروحانيين دون تفكير، كما يطيعون الله، وكما أطاع عيسى أباه -
على حد قولهم ، ومن العجيب أن المسيحين جعلوا عيسى إلهاً، ثم جعلوا الأساقفة في مقام -
عيسى، أي أحلّوهم أيضاً محلّ الآلهة، فمقام الآلهة عندهم سهل الوصول") 1 . )
خامس ا: تقديس الصليب:
اعتنى النصارى بالصليب عناية كبيرة في كتبهم وممارساتهم، وقد أصبح هذا الصليب شعا ا رً
لهم، متّكئين في ذلك على أعظم فرية تاريخية ودينية، نقضها الق آ رن العظيم، وبيّن تهافتها وكذبها
في قوله : }وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَْسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ
اخْتَلَفُواْ فِيهِ لفَِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً * بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً {
- . )159 )النساء/ 159
وقد ورد ذكر الصليب في الأناجيل الأربعة في سبعة عشر) 19 ( موضع اً) 2 (، كما ورد في
رسائل بولس أيضاً في أحد عشر ) 11 ( موضع اً) 3 . )
وجعل كتبة العهد الجديد للصليب مكانة وقدسية خاصة فيما يتضح من العبا ا رت التي ذكرت
الصليب في كتبهم.
1 . ) ( المسيحية، د. شلبي، )ص 232
2 : 02 ، لوقا 4 ،03 ،21 :25 ،21 :23 ،06 : 62 ، مرقص 8 ،63 ،02 :27 ،26 :21 ،09 : ( متّى 23
. 01 ،25 ،11 ،19 : 24 ، يوحنا 24 :20 ،29 :24 ،20
3 16 ، رسالة ،12 :1 ،11 : 19 ، رسالة بولس إلى أهل أغلاطية 5 ،19 : ( رسالة بولس إلى أهل كورنثوس 2
: 19 ، رسالة بولس إلى أهل كولوسي 2 :0 ،9 : 14 ، رسالة بولس إلى أهل فيلبي 2 : بولس إلى أهل أفسس 2
. 2 : 16 ، رسالة بولس إلى العب ا رنيين 22 :2 ،23
366
وكان من كلام يسوع المسيح (» و م ن لا ي أْ م خ م ذ ص ي لي ب م ه وي ت ب م عنِ ف لا ي س ت ي حقُّ ينِ « : بزعمهم 1 . )
ي حين ي ئذٍ ق ا ل ي م سو م ع ي لت لا ي مي ي ذ ي ه : ن « : وفي موضع آخر
ِ
ا أَ را د أَ حدٌ أَ ن ي أْ ي تِ و را ي ي، ف ل م ي ن ي ك ر ن ف س م ه و يُ ي م ل ص ي لي ب م ه
(» وي ت ب ع ينِ 2 . )
ويأتي رجلٌ إلى المسيح يم ع ي و م ز ك شَءٌ وا ي حدٌ : « : طالباً الحياة الأبدية، فتكون وصيته له
(» ي ا ذ ه ب ي ب ع م كَُّ ما لِ وأَ عطي ال م فق را ء ، ف ي م كو ن لِ ك نٌَ يفِ السَّ ما ي ء، وت عا ل ات ب ع ينِ حا ي م لا الاَّ ي لي ب 3 .)
فما سرّ هذا الصليب الذي يسبب الحياة الأبدية، ويكون رم ا زً لاتّباع المسيح والنجاة
والسعادة؟! بل إنّ من لا يحمل الصليب فليس أهلاً لأن يكون تلميذاً للمسيح و م ن لا يُ ي م م ل « ،
(» ص ي لي ب م ه وي أْ ي تِ و را ي ي، ف لا ي ق ي د م ر أَ ن ي م كو ن ي ل ي تل ي مي ذا 4 .)
"إذاً، فتقديس الصليب سبَق صلبَ المسيح الذي يزعمونه ، ومعنى حملُ الصليب - -
عندهم هو الستهانة بالحياة والستعداد للموت في أبشع صورة؛ أي صلباً على خشبة، كما يُفعل
بالمجرمين والآثمين") 5 . !)
" وحمل الصليب كما يقول كتّاب النصارى هو إشعار بإنكار النفس، واقتفاء أثر المسيح - -
في هذا الإنكار، والسير و ا رء مخلّصهم، وفاديهم ") 6 . )
لأَنَّ ال م ي س ي ح ل م يم ر ي سل ينِ « : والصليب في مفهوم بولس هو )قوّة الله(، فت ا ره يقول في رسائله
لأُ ي عَ د ب ل لأُب ي شَ، لا ي ي بِ كُ ي ة كَلمٍ ي لئ لاَّ ي ت عطَّ ل ص ي لي م ب ال م ي س ي ي ح . نَّ
ِ
ف ا ي كَ م ة الاَّ ي لي ي ب ي ع ن د ال ه ا ي ل ي ك ين جْا لٌَّ، وأَمَّا ي ع ن د ن
(» نَ م ن ال م م ذلَّ ي ا ين ف هيي ي قموَّ م ة ي الل 7 .)
1 . 09 : ( متّى 13
2 . 20 : 06 ، لوقا 1 : 26 ، انظر أيضاً: مرقص 9 : ( متّى 14
3 . 21 : ( مرقص 13
4 . 29 : ( لوقا 16
5 ( المسيحية، د. شلبي، )ص 196 ( بتصرف يسير. -
6 ( محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 110 ( بتصرف يسير. -
7 . 19 ،19 : ( رسالة بولس إلى أهل كورنثوس 1
367
وأَمَّا ي م ن ي جْ يت، ف حا شا ي ل « : ويستحدث بولس في رسائله مفهوماً جديداً وعجيباً للصليب فيقول
أَ ن أَف ت ي خ ر لا ِ
(» ا ي ب ا ي لي ي ب ري ب ن ا ي م سو ع ال م ي س ي ي ح، ا يَّ لَّي ي ب ي ه ق د م ص ي ل ب ال عال م م ي ل وأَ ن ي لل عال ي م 1 .)
فهو لا يفتخر بشيء سوى بالصليب )وليس بالمسيح ذاته!(، والعلّة أنّه قد صُلب عليه العالم!
كيف ذلك؟ لا يفسر الكاتب الأمر.
وللصليب مصدر قدسية آخر في زعم بولس أو من كتب رسائله ، وهو أنّ الصليب رفع - -
يم ا ي ن و م ي كُ ي ي لِ ي م سو ع، ا يَّ لَّي ي م ن أَ ج ي ل - - ... « : يسوع ليجلس إلى يمين عرش الله بزعمه إذ يقول
ِ
رئيي ي س الا
ال مُّ سَو ي ر ال م و م ضوع ي أَ ما م م ه، ا حت م ل الاَّ ي لي ب (» م س ي تَين ا ي بَل ي خ ز ي ي، ف جل س يفِ ي ي م ي ين ع ر ي ش ي الل 2 .)
" وتقديس الصليب لدى النصارى يكون بواسطة حمله، أو رسمه على صدورهم بإشارة من
اليد، يرسمون بها الصليب على صدوهم في الهواء؛ عندما يتذكرون أم ا رً هاماً أو يمرون بضائقة،
أو يعلقون الصليب بسلاسل على صدورهم، وقد يصنعون الصليب من الذهب أو الخشب أو أي
معدن آخر") 3 . )
وفي عصور الظلام التي مرّت بها النص ا رنية " لم يعظم الناس الصور التي يزعمون أنها
تمثل المسيح فحسب، بل عظموا معها خشبة الصليب؛ حتى لقد أصبح الصليب في نظر ذوي
العقول الساذجة طلسم اً ذا قوة سحرية عجيبة، وأطلق الشعب العنان لفطرته فحول الآثار،
والصور، والتماثيل المقدسة، إلى معبودات، يسجد الناس لها، ويق بلونها، ويوقدون الشموع، ويحرقون
البخور أمامها، ويتوجونها بالأزهار، ويطلبون المعج ا زت بتأثيرها الخفي") 4 .)
يقول ابن الق يّم رحمه الله معلّقاً على تعظيم النصارى للصليب: " وكيف ينكر على أمة - -
أطبقت على صلب معبودها والهها، ثم عمدت إلى الصليب فعبدته وعظ مته وكان ينبغي لها أن -
تحرق كل صليب تقدر على إح ا رقه، وأن تهينه غاية الإهانة، إذ صُلب عليه إلهها، الذي يقولون
1 . 16 : ( رسالة بولس إلى أهل أغلاطية 4
2 . 2 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 12
3 ( النص ا رنية تاريخاً وعقيد ةً وكتب اً ومذاهب، د. مصطفى شاهين، )ص 119 ( بتصرف. -
4 .)159/ ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 16
368
تارة أنه الله، وتارة يقولون أنه ابنه، وتارة يقولون ثالث ثلاثة، فجحدت حق خالقها وكفرت به أعظم
كفر وس بته أقبح مس بة أن تجحد حقّ عبده ورسوله وتكفر به!") - 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: أخذت مقدّسات النصارى حظاً واف ا رً من التطرّف والشطط، وتحدّثت مصادر النصارى
عن قصص المقدّسات بشكل يتنافى مع العقول السليمة والفطر المستقيمة، ويتناقض مع الواقع
والتاريخ، وينحى نحو الخ ا رفات والأساطير التي تغترف من ثقافات وثنية، وبدعٍ بشرية لا أثر فيها
للوحي أو النبوة بحال.
ثانياً: يعدّ المسيح أو يسوع أو المخلّص ذاك الذي يعرفونه ويتحدثون عنه وليس عيسى -
عبد الله ورسوله أعظم مقدّسات النصارى؛ إذ أعطوا له هالة عظيمة من التقديس رفعته إلى -
درجة الربوبية والألوهية، والعلم المطلق، ومغفرة الذنوب، والوجود الأزلي، والخلود، وخاض كتبة
الأناجيل في سرد معج ا زت المسيح وصفاته، بما حوّل الديانة من التوحيد إلى الشرك والوثنية وعبادة
البشر والصلبان.
ثالثاً: منح كتبة العهد الجديد تلاميذ المسيح أو الحواريين درجةً من القداسة والتعظيم،
لم يحصل عليها أنصار أي نبي مرسل، وجعلوا لهم سلطاناً عظيم اً، وتحكّماً في ملكوت السماوات
والأرض، ودرجة فوق النبيين المرسلين.
ا ربعاً: أعطت الأناجيل وأسفار العهد الجديد قداسة للناموس أو شريعة موسى ، واهتمّت
بربط تعاليم الناموس بأحداث حياة المسيح وصلبه المكذوب، وقيامته المزعومة، و أكثرت من
الاستدلال به على ما يوافق السرد الذي حبكه مؤلفو هذه الكتب.
1 - . )00 ( هداية الحيارى، ابن قيم الجوزية، )ص 02
369
خامساً: جعل النصارى للكنيسة ورؤسائها قداسة، ومكانة، وصلاحيات، لم يدّعيها الأنبياء
والمرسلون، إذ كان للكنيسة وآباؤها حق غف ا رن الذنوب، والطرد من رحمة الله، والتفسير الحصري
للكتاب المقدّس، والتقرير في أهم قضايا العقيدة والغيبيات.
سادساً: عظّم النصارى الصليب وقدّسوه، وجعلوه رم ا زً وشعا ا رً لديانتهم، واعتبروه دليلاً على
اتّباعهم المزعوم للمسيح )الذي يصفونه بالربّ يسوع(، وأصبح الصليب هو العلامة الأساسية
التي يعرف بها النصارى، في مفارقة عجيبة مع مقتضيات صلب إلههم، وأوجدوا لهذه المفارقات
من التفسي ا رت ما لا يحتمل تفسيرَه منطقٌ قويم.
371
المطلب الثاني:
أنواع القدسية والبركة في التراث النصراني
بات من نافلة القول أن يوضح الباحث أنّ ما تم استق ا رؤه واستنباطه من أسفار العهد القديم
فهو حجّة على النصارى في مناقشة أنواع القدسية والتقديس والبركة، وكان الباحث قد تطرّق
بالتفصيل إلى أنواع القدسية والبركة من حيث المعنى والمصدر والدلائل في التو ا رة، أو العهد
القديم) 1 . )
ولكن، وبما أنّ العهد الجديد هو كتلة غير منسجمة مع العهد القديم من حيث اللغة
والأسلوب والأحداث والزمن وبعض المفاهيم والعقائد كما ناقش الباحث ذلك في المبحث الأول –
من هذ الفصل كان لابد أن ينفرد العهد الجديد ببعض التأويلات والدلالات فيما يتعلق بالقداسة -
ومتعلقاتها، لذا فسيسلك الباحث ذات النهج في استق ا رء العهد الجديد، والبحث بين ثنايا استخدامات
كتبته لمفاهيم التقديس والبركة، ومن ثم يصنّفها إلى عناوين محددة بعون الله .
أما عن مصدر التقديس، فهو غالب اً )بشري رباني(!، وهذا التناقض موجود في بنية - -
النص ا رنية كما سبق إيضاحه ، إذ يدعون المسيح - – "ربنا يسوع"، فهو في نظرهم بشرٌ وربٌ
والهٌ على السواء، لذا يصعب تحديد مصدر التقديس والمباركة لدى النصارى، حيث تختلط البشرية
بالربوبية والألوهية.
الروح القدس:
قال ابن حزم رحمه الله: " قال بعض النصارى: لما وجب أن يكون الباري تعالى حي اً –
وعالم اً، وجب أن تكون له حياة وعلم، فحياته هي التي تسمى روح القدس، وعلمه هو الذي
يسمى البن" ) 2 . )
1 - . )146 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 164
2 110 ( بتصرف يسير . - / ( الفصل، ابن حزم، ) 1
370
ويقول ابن تيميّة رحمه الله: " ظنّ النصارى أنّ روح القدس هو صفة لله – ، وجعلوها
حياته وقدرته وهو ربٌّ، وهذا غلط منهم؛ فإ نّه لم يسمّ أحدٌ من الأنبياء حياة الله ولا قدرته ولا شيئ اً
من صفاته روح القدس، بل روح القدس في غير موضع من كلام الأنبياء عليهم السلام ي ا رد - -
بها ما ينزله الله على قلوب الأنبياء؛ كالوحي، والهدى، والتأييد، وي ا رد بها الم لَك") 1 . )
يقول صاحب قاموس الكتاب المقدّس: "يدعى الأقنوم الثالث من الثالوث الروح القدس،
وسمي روحاً لأنّه مبدع الحياة، وقدوساً لأن من فعله الخصوصي تقديس قلب المؤمن، ويدعى
روح الله وروح المسيح بالنظر إلى علاقته الخاصة بهما") 2 . )
وصار معلوماً أنّ النصارى قد قرروا في مجمعهم المنعقد في القسطنطينية عام 091 م - -
ألوهية الروح القدس.
لكن كون الروح القدس إلهاً، فهذا ينطوي على الكثير من التناقض والغ ا رئب عند استق ا رء
نصوص العهد الجديد، لذا فإنّ تتبع معاني الروح القدس لدى كتبة العهد الجديد يعطي إشارة إلى
أنواع القدسية عند النصارى، إذ نجد في معاني الروح القدس، وتجلّياته، ودوره، وأفعاله، العديد من
المدلولات يفصّلها الباحث فيما يلي:
2. العذ ا رء تحمل بالروح القدس:
إذ صرّح الإنجيل أنّ مريم أم المسيح أَمَّا ي و لا د م ة ي م سو ع « ، ، قد حملت بالروح القدس
ال م ي س ي ي ح ف كَن ت ه ك ذا: ل مَّا كَن ت م ر م ي أُمُّ م ه م خ م طوب ة ي ل م يو م س ف، ق ب ل أَ ن يَت ي م عا، م و ي ج د ت م ح ب لى ي م ن الرُّوحي
(» ال م ق م د ي س 3 (» لأَنَّ ا يَّ لَّي م ح ي ب ل ي ب ي ه ي فيَ ا م ه و ي م ن الرُّوح ي ال م ق م د ي س ...« .) 4 .)
1 23 ( بتصرف يسير. - / ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 2
2 . )619/ ( قاموس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 1
3 . 19 : ( متّى 1
4 . 23 : ( متّى 1
371
وهذا القدر أي حملها من الروح القدس لا يتنافى مع القرآن الكريم، إذا أريد بروح القدُس - –
جبريل ، إذ قال الله في محكم التنزيل: }وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا
. ) آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {)الأنبياء/ 11
قال القرطبي: " }فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا{ يعني: أمرنا جبريل حتى نفخ في درعها ، فأحدثنا
بذلك النفخ المسيح في بطنها") 1 .)
لكن، هل يعني النصارى بالروح القدس جبريل، هذا ما لا تحتمله ألفاظ وت ا ركيب ومعاني
استخداماتهم له، كما سيأتي.
2. التعميد) 2 ( بالروح القدس:
قد يكون مفهوماً التعميد بالماء كطقس ديني، والذي كان يقوم به يوحنا المعمدان مثلاً كما
تزعم الأناجيل) 3 (، لكن العهد الجديد يستحدث طريقة جديدة للتعميد بالروح القدس والنار، والذي يقوم
بهذا التعميد هو المسيح .
أَ ن أُ ي عَ م د م كم ي ب ماءٍ ي للتَّ وب ي ة، ول ي ك ي ن ا يَّ لَّي ي أْ ي تِ ب ع ي دي م ه و أَ ق وى ي م ي نِ، ا يَّ لَّي ل س م ت أَ ه لا أَ ن « : جاء في متّى
(» أَ ي حْ ل ي ح ذا ء م ه . م ه و س م ي ع ي م م د م كم ي بَلرُّوح ي ال م ق م د ي س و نرٍ 4 . )
1 . )009/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 11
2 ( التعميد: أحد الأس ا رر المقدّسة في نظر النصارى، وهو من أهم الشعائر الدينية لديهم، يهدف بزعمهم إلى محو
الخطيئة الأولى، بحيث يولد الشخص مولد اً جديد اً يستقبل على أثره في حظيرة الدين المسيحي، وكانت طريقة
التعميد المسيحية الأولى أن يغمر الطفل كله )في الماء المقدّس( ثم استبدلت تدريج اً بطريقة الرش، ولم يكن يقوم
بهذه العملية إلا أحد الأساقفة، ويصحبها دعاء إلى الروح القدس أن يدخل في جسم التعميد، ومسح جبهته بالزيت
المقدس ولطمه لطمة خفيفة على خده، وبهذه الطريقة الشبيهة بما كان متبع اً في م ا رسم الفروسية يثبت المسيحي
الصغير في دينه، ويكون له تبع اً لذلك كل ما للمسيحي من حقوق وعليه كل ما على المسيحي من واجبات ] قصة
15 ( بتصرف [. - / الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 14
3 - . 5 : 00 ، أعمال الرسل 1 01 : 9، يوحنا 1 : ( انظر: مرقص 1
4 . 11 : ( متّى 0
373
فما علاقة الروح القدُس بالنار حتّى يتم التعميد بهما؟ وكيف يجمع المسيح بين الإله
والنار في التعميد؟! وما دام يوحنا نبياً فلم لم يعمّد بالروح القدس أيضاً؟ أم أنّ هذا التعميد هو من
اختصاص )ابن الآب( كما يزعمون.
وهذا المعنى يتضح جلياً عندما يفسّر يوحنا سبب هذا الاختصاص ليسوع على أنّه )ابن الله(
وأَ ن ل م أَ م ك ن أَ ع ي رفم م ه، ل ي كنَّ ا يَّ لَّي أَ ر سل ينِ لأُ ي عَ د ي بَل ما ي ء ، ذا ك ق ا ل ي ل : ا يَّ لَّي ت رى الرُّو ح ن ي ز لا « : فيقول يوحنا
(» و م س ت ي قرًّا ع ل ي ي ه، ف ه ذا م ه و ا يَّ لَّي يم ع ي م م د ي بَلرُّوح ي ال م ق م د ي س . وأَ ن ق د رأَي م ت و شهي د م ت أَنَّ ه ذا م ه و اب م ن ي الل 1 .)
واذا كان )يسوع( يعمّد بالروح القدس، فتلاميذه مأمورون بالتعميد )باسم الآب والابن والروح
(» ف ا ذ ه م بوا وت ل ي م م ذوا ي جَي ع الأُ م ي م و ي عَ م دو م ه ي بَ ي سْ الأ ب والاب ي ن والرُّوح ي ال م ق م د ي س « ،) القدس 2 . )
0. الكذب على الروح القدس:
جعل الإنجيل الكذب والتجديف على الروح القدس كبيرة لا تغتفر، وجعل عقوبتها )الدينونة
و م ن ق ا ل ي كَ م ة ع لى اب ي ن ن سا ي ن « : الأبدية(، إذ جاء في متّى
ِ
الا يم غ ف م ر م له، وأَمَّا م ن ق ا ل ع لى الرُّوح ي ال م ق م د ي س ف ل ن
(» يم غف ر م له ، لا يفِ ه ذا ال عال ي م و لا يفِ الأ ي تِ 3 . )
م ن جدَّ ف ع لى الرُّوح ي ال م ق م د ي س ف ل ي س م له م غ ي ف رةٌ لَ « : وفي مرقص
ِ
ا الأَب ي د، ب ل م ه و م س ت و ي جبٌ دي م نون ة
(» أَب ي ديَّ ة 4 .)
4. الروح القدس يتكلم على لسان البشر:
كانت وصية المسيح ف م تَّ ساقموم كم ي ليم س ي ل م موم كم، ف لا ت عت م نوا ي م ن ق ب م ل ي ب ما ت ت كََّ م مو ن « : إلى تلاميذه
(» و لا تِت مُّوا، ب ل مه ما أُ ع ي طي م تُ يفِ ي ت لِ السَّاع ي ة ف ي بذ ي لِ ت كََّ م موا. لأَ ن ل س م تُ أَن م م تُ ال م مت ي كَ ي م ين ب ي ل الرُّو م ح ال م ق م د م س 5 .)
1 - . 06 00 : ( يوحنا 1
2 . 11 : ( متّى 29
3 . 02 : ( متّى 12
4 . 21 : ( مرقص 0
5 . 11 : ( مرقص 10
374
وفي سفر أعمال الرسل حدثٌ عجيبٌ في حلول الروح القدس، وكلامهِ على ألسنة
و صا ر ب غت ة ي م ن السَّ ما ي ء ص وتٌ كُ ي م ن م ه م بو ي ب ي ريحٍ ع ا ي ص فةٍ و ملأَ « : الحاضرين، حيث صارت لهم ألسنةٌ أخرى
م كَُّ ال بي ي ت ح ي م ث كَنموا جا ي ل ي س ين، و ظه ر ت ل هم م أَل ي س ن ةٌ م من ق ي س مةٌ كَنََّّ ا ي م ن نرٍ وا س ت ق رَّ ت ع لى م ي كُ وا ي حدٍ ي م نهم م . وا مت لأَ
(» ال ج ي مي م ع ي م ن الرُّوح ي ال م ق م د ي س، واب ت دأُوا ي ت كََّ م مو ن ي بأَل ي س ن ةٍ أُ خ رى كُ أَ ع طا م م ه الرُّو م ح أَ ن ي ن ي ط م قوا 1 .)
وهذا يُلزم النصارى أن يكون الإله يتكلم على ألسنة البشر، وهذا مفهوم تماماً في تقدير –
الباحث إذا عُلم أنّ النصارى يعتبرون قول زعمائهم ورهبانهم كلاماً قدسياً، وأنّهم يمنحون للبشر -
النعيم والعذاب في الآخرة، إذ قد يكون الروح القدس هذا يتكلم على ألسنتهم كذلك! .
5. الله يهب الروح القدس:
ومع أنّ الروح القدس إله، وضلع في مثلث القدسية لدى النصارى، إلاّ أن الرّب )الآب( قد
ن « : يعطي "الروح القدس" للذين يسألونه، جاء في لوقا
ِ
ف ا م ك ن م تُ وأَن م تُ أَ شْارٌ ت ع ي رفمو ن أَ ن تم ع م طوا أَ و لا د م كم ع طا يَ
(»؟ ج ي د ة، ف ك ي بَل ح ي ر ي ي الأ م ب ا يَّ لَّي ي م ن السَّ ما ي ء، يم ع ي طي الرُّو ح ال م ق م د س لي يَّ لَّي ن ي سأَلمون م ه 2 .)
وكما يعطي الآب ال ر وح القدس فإنّه أرسله أيض اً باسم يسوع، إذ يقول يسوع فيما كتبه
الرُّو م ح ال م ق م د م س، ا يَّ لَّي س م ير ي س م م لِ الأ م ب ي بَ ي سْي، ف هم و يم ع ي ل م م م ك م كَُّ شَءٍ ، ويم ذ ي ك م رم كم ي ب م ي ك ما « : صاحب إنجيل يوحنا
(» قمل م ت م ه ل م ك 3 . )
و نَ م ن م شهمودٌ م له ي بِ ي ذ ي ه « : وجاء على لسان بطرس في سفر أعمال الرسل قوله
الأُ م مو ي ر، والرُّو م ح ال م ق م د م س ( » أَي ضا، ا يَّ لَّي أَ ع طا م ه م الل ي ل يَّ لَّي ن يم ي طي م عون م ه 4 . )
فكيف يكون الروح القدُس إله ا، ثم يهبه الله لعباده؟! ففي هذا تناقض ظاهر لا يقول به
عاقل، وقد علّق ابن حزم رحمه الله على هذا التناقض بقوله: " وأنتم تقولون إن الثلا ثة واحد، - –
وأن كل واحد منهما هو الآخر، فالأب هو البن، والبن هو الأب، وهما الروح القدس، وليس
1 - . 6 2 : ( أعمال الرسل 2
2 . 10 : ( لوقا 11
3 . 24 : ( يوحنا 16
4 . 02 : ( أعمال الرسل 5
375
روح القدس سواهما، وهذا هو عين التخليط، وانجيلهم يبطل هذا بقولهم فيه: سأقعد عن يمين
أبي) 1 (") 2 . )
1. الروح القدس يحلّ على الناس:
ف أَ جا ب ال م لا م ك وق ا ل ل ها: ا لرُّو م ح « : إذ كان مما قالته الملائكة لمريم فيما ذكره كاتب الإنجيل
(» ال م ق م د م س ي يُلُّ ع ل ي ي ك ، وقموَّ م ة ال ع ي ي ل تم ظ ي ل م ي لِ، ف ي لَّي لِ أَي ضا ال م قدُّو م س ال م ولمو م د ي من ي ك يم د عى اب ن ي الل 3 .)
ف ل مَّ ا ي سْ ع ت أَ ي لي اا بَ م ت س لا م م ر ي ا رت ك ض «: وفي شأن والدة يوحنا المعمدان يقول كاتب لوقا
ال ج ي ن م ين يفِ ب ط ي نه ا، وا مت لأَ ت أَ ي لي اا بَ م ت ي م ن الرُّوح ي (» ال م ق م د ي س 4 وا مت لأَ ز ك ي ريََّ أَبمو م ه ي م ن الرُّوح ي « : (. أما زوجها
( » ال م ق م د ي س 5 .)
ول مَّا « ، وعندما وقع بطرس في أزمة، ما لبث أن حلّ عليه الروح القدس حتى امتلأ منه
أَق ا م مو م هُا يفِ ال و سطي، ج علموا ي سأَلمو م نَّ ما: ي بأَيَّ ي ة قموَّةٍ وي بأَ ي ي ا سٍْ صن ع م ت ما أَن م ت ما ه ذا؟ ي حين ي ئذٍ ا مت لأَ بم ط م ر م س ي م ن الرُّوح ي
ال م ق م د ي س وق ا ل ل هم م : يَ م ر ؤ سا ء الشَّ ع ي ب و م ش م يو خ سْ
ِ
(» ... ا ائيي ل 6 . )
ول مَّا صلَّ وا ت ز ع ز ع « ، ولما صلّى بطرس ومن معه، امتلأ الجميع بالروح القدس! جملة واحدة
(» ال م كَ م ن ا يَّ لَّي كَنموا م جت ي م ي ع ين ي في ي ه، وا مت لأَ ال ج ي مي م ع ي م ن الرُّوح ي ال م ق م د ي س، و كَنموا ي ت كََّ م مو ن ي ب كَل ي م ي الل ي ب م م جا ه رةٍ 7 . )
ل ي كنَّ م ك ست ن المو ن قموَّ ة م تَّ حلَّ الرُّو م ح ال م ق م د م س ع ل ي م ك ، وت م كونمو ن « : وعندما يحلّ روح القدس تتولد القوة
ي ل م شهمو دا يفِ أُو م ر ش ي ل ي و يفِ م ي كُ ال يَمو ي ديَّ ي ة والسَّا ي م ري ة لَ
ِ
(» وا أَ ق ص الأَ ر ي ض 8 .)
1 ( يشير هنا ابن حزم رحمه الله إلى قولهم في الإنجيل على لسان داود - – : " ق ا ل الرَّبُّ ي ل ر ي ب: ا ج ي ل س ع ن ي ي مينِ حتََّّ
. ] 66 : أَ ض ع أَ ع دا ء ك م و ي طئ ا ي ل ق د م ي ك" ] متّى 22
2 .)112/ ( الفصل، ابن حزم، ) 1
3 . 05 : ( لوقا 1
4 . 61 : ( لوقا 1
5 . 49 : ( لوقا 1
6 - . 9 9 : ( أعمال الرسل 6
7 - . 9 9 : ( أعمال الرسل 6
8 9 : ( أعمال الرسل 1
376
7. الروح القدس يوهب بالجملة:
وقد يحلّ الروح القدس على جمع من الناس جملةً واحدة، حتى يستوعبهم جميعاً، فقد حدث
ول مَّا ي سْ ع الرُّ م س م ل ا يَّ لَّي ن يفِ أُو م ر ش ي ل ي أَنَّ السَّا ي م ر ة ق د ق ي بل ت ي كَ م ة ي الل، « : ذلك فعلاً بزعم كاتب أعمال الرسل
أَ ر سلموا ل ي يَ م
ِ
ا بم ط م ر س ويمو حنَّا، ال لَّي ي ن ل مَّا ن ز لا صلَّ يا لأَ ج ي لهي م ي ل كَ ي قب لموا الرُّو ح ال م ق م د س ، لأَن مَّ ه ل م ي م ك ن ق د حلَّ ب ع م د ع لى
أَ حدٍ ي م نهم م، غ ير أَ مَّ نَّ م كَنموا م عت ي م ي دي ن ي بَ ي سْ الرَّ ي ب ي م سو ع . ي حين ئيذٍ و ض عا الأَ يَ ي د ي ع ل ي يَ م ف ق ي بلموا الرُّو ح ال م ق م د س . ول مَّا رأَى
ي س يممو م ن أَن مَّ ه ي ب و ضع ي أَي ي دي الرُّ م س ي ل يم ع طى الرُّو م ح ال م ق م د م س ق دَّ م ل هم ما د را ي ه ق ائي لا : أَ ع ي ط يا ي ن أَ ن أَي ضا ه ذا السُّل طا ن، حتََّّ
(» أَيُّ م ن و ض ع م ت ع ل ي ي ه ي ديَّ ي قب م ل الرُّو ح ال م ق م د س 1 .)
يلاحظ الباحث في هذا النص حجم التخليط والغ ا ربة في مفهوم الروح القدس، فهو يحلّ على
جمع كبير من الناس بمجرد وضع الأيادي عليهم! مما يثير استغ ا رب أحدهم، والذي آمن من
قريب، ويدفع د ا رهم مقابل ش ا رء خاصية إعطاء الروح القدس بمسحة يد! .
وفي موضع آخر ينسكب الروح القدس انسكاباً على جميع الحاضرين لمحاضرة بطرس؛ مما
ف ب ين ما بم ط م ر م س ي ت كََّ م م ي بِ ي ذ ي ه الأُ م مو ي ر حلَّ الرُّو م ح ال م ق م د م س ع لى ي جَيع ي ا يَّ لَّي ن كَنموا ي س م م عو ن « :! أثار دهشة الجموع
ال ي كَ م ة . ف ان د ه ش ال م م ؤ ي منمو ن ا يَّ لَّي ن ي م ن أَ ه ي ل ال ي خت ا ي ن، م كُُّ م ن جا ء م ع بم ط م ر س، لأَنَّ م و ي ه ب ة الرُّوح ي ال م ق م د ي س ق ي د
(» ان س كب ت ع لى الأُ م ي م أَي ضا 2 .)
وانسجاماً مع هذه الخاصية الفائقة للروح القدس، فإن مسحة يدٍ بالروح القدس حوّلت "بولس"
من يهودي من ألدّ أعداء المسيحية إلى قدّيسها الأعظم وحامل لوائها الأوحد، كل هذا بمسحة يدٍ
من الروح القدس لا سند لها ولا شهود، إلاّ قليلاً من المجهولين، اق أ ر ذلك في سفر أعمال الرسل:
أَيُّه ا الأَ م خ شا م و م ل، ق د أَ ر سل ينِ الرَّبُّ ي م سو م ع ا يَّ لَّي ظه ر لِ يفِ « : ف م ضَ حن ا ي نيَّا و د خ ل ال بي ت و و ض ع ع ل ي ي ه ي دي ي ه وق ا ل «
الطَّ ي ري يَ ا يَّ لَّي ي جئ ت ي في ي ه، ي ل كَ تم ب ي صر وت مت ي ل ئ ي م ن الرُّوح ي ال م ق م د ي س ف ي لل و ق ي ت وق ع ي م ن ع ين ي ي ه شَءٌ كَن مَّ ه قم م شورٌ، ف أَب صر يفِ
ال حا ي ل، وق ا م وا عت م د . وت ن ا و ل ط عا ما ف ت ق وَّى. و كَ ن شا م و م ل م ع التَّ لا ي مي ي ذ ا يَّ لَّي ن يفِ ي د م ش أَيََّ ما . وي لل وق ي ت ج ع ل ي ك ي ر م ز
1 – . 11 16 : ( أعمال الرسل 9
2 – . 65 66 : ( أعمال الرسل 13
377
يفِ ال م جا ي معي ي بَل م ي س ي ي ح أَ ن ه ذا م ه و اب م ن ي الل ف م ي به ت ي جَي م ع ا يَّ لَّي ن كَنموا ي س م م عو ن وق الموا: أَل ي س ه ذا م ه و ا يَّ لَّي أَ ه لِ ي فِ
أُو م ر ش ي ل ي ا يَّ لَّي ن ي د م عو ن ي بِ ذا الا ي سْ؟ لَ م ر ؤ سا ي ء ال كه ن ي ة
ِ
لَ م هن ا ي لهذ ا ي لي م سوق هم م م موث ي ق ين ا
ِ
(» وق د جا ء ا 1 . )
ولما تقدّس بولس بروح القدس، انطلق كالسهم يبشّر بالإنجيل، وأصبح يهب روح القدس
بذات الطريقة التي اكتسبه فيها، فتجده يضع يده على اثني عشر رجلاً، فيحلّ عليهم روح القدس
ول مَّا و ض ع بمولم م س ي دي ي ه ع ل ي يَ م حلَّ الرُّو م ح ال م ق م د م س ع ل ي يَ م، ف ط ي ف م قوا ي ت كََّ م مو ن ي بلمغ اتٍ وي ت ن بَّأُو ن . و كَ ن « ! دفعة واحدة
(» ي جَي م ع ال ي ر جا ي ل نَ و اث نِ ع شَ 2 .)
لذلك ليس غريباً أن يصف بولس الروح القدس في إحدى رسائله بأنّه )ساكن فيه(، إذ يقول:
( » ي ا ح فظي ال و ي دي ع ة الاَّا ي ل ح ة ي بَلرُّوح ي ال م ق م د ي س السَّا ي ك ي ن ي فين ا « 3 . )
بل قد يخاطب الروح القدس جمعاً من )المعلّمين( كفاحاً، ويعطيهم جملة من التعليمات
و كَ ن يفِ أَن طا ي ك ي ة يفِ ال ك ي ني س ي ة م هن ا ك أَن ي بي ا م ء و م ع ي ل م مو ن : ب ر ن بَ، و ي سْ عا م ن ا يَّ لَّي يم د عى « : والأوامر، جاء في ذلك
ي ني ج ر، ولمو ي ك م يو م س ال ق ير وا ي نُّ، و من ا ي م ن ا يَّ لَّي ت ربَّ م ع ي ه م يرو م د س رئيي ي س الرُّب عي، و شا م و م ل. وب ي ن ما م ه يَ ي د م مو ن الرَّبَّ
وي م او م مو ن ، ق ا ل الرُّو م ح ال م ق م د م س: أَف ي ر م زوا ي ل ب ر ن بَ و شا م و ل ي لل ع م ي ل ل ي ي ه
ِ
(» ا يَّ لَّي د ع و م م تِ ما ا 4 .)
قد يجد النصارى تأويلات كثيرة للتلاعب بهذه الألفاظ التي وردت في أناجيلهم، كحلول الروح
القدس وامتلاء الأجساد به وما شابه ذلك من ألفاظ وأوصاف، ولكنّ هذه التأويلات في فهم –
الباحث لا تغني من الحق شيئاً، إذ هي تتعلق بأمور عقائدية وبعالم الغيب، فإذا كان الروح -
القدس إلهاً فكيف يحل في الأشياء، واذا لم يكن إلهاً فيلزمهم تفسير طبيعته وحقيقته.
من أنواع التقديس والبركة:
وقد وردت أنواع وأشكال وأساليب كثيرة للتقديس في العهد الجديد، بخلاف قدسية وتقديس
الروح القدس، يورد الباحث نماذج منها فيما يلي:
1 – . 21 19 : ( أعمال الرسل 1
2 – . 9 4 : ( أعمال الرسل 11
3 ( رسالة بولس الثانية إلى تيموثاوس . 16 : 1
4 – . 2 1 : ( أعمال الرسل 10
378
2( تقديس اسم الآب:
يعتقد كاتب إنجيل متى بأنّ الإلحاح في الدعاء هو أمر غير مرغوب، بل باطل، )فالآب(
الذي في السماء يعرف جيداً ما يحتاجه المؤمنون، لذا فإنّ الدعاء ليس سوى )تقديس اسم الآب(
بصيغة علّمها المسيح و ي حين ما تم الُّو ن لا ... « :) للناس، بزعم المؤلف، إذ يقول على لسان )يسوع
تمك ي ر م روا ال كَل م بَ ي ط لا كَلأُ م ي م، مَّ نَّ م
ِ
ف ا ي م ظ نُّو ن أَن مَّ ه ي ب ك ثّي ة كَلي مهي م يم س ت جا م ب ل هم م . ف لا ت ت ش بَّهموا ي ي بِ م . لأَنَّ أَ بَ م كم ي ع م ل ما
تَت ا م جو ن ل ي ي ه
ِ
ا ق ب ل أَ ن ت سأَلمو م ه . ف الُّوا أَن م تُ ه ك ذا: أَ بَ ن ا يَّ لَّي يفِ السَّ ما وا ي ت، ي ل يت ق دَّ ي س ا م سْ ك . ي ل يأْ ي ت م ل م كوتم ك . ي لت م ك ن
(» م ي ش يئ م ت ك كُ يفِ السَّ ما ي ء كذ ي لِ ع لى الأَ ر ي ض 1 . )
وكما وُصف الآب بالتقديس، فقد ورد ذكره في الإنجيل باسم "المُبارك"، جاء في مرقص:
( »؟ ف سأَ م له رئيي م س ال كه ن ي ة أَي ضا وق ا ل م له : أَأَن ت ال م ي س ي م ح اب م ن ال م م با ر ي ك « 2 .)
2( الآب يقدّس ابنه وأتباعه:
زعم كاتب إنجيل يوحنا أن المسيح قد حاجّ اليهود ناسباً لنفسه تقديس أباه الذي في
ف ا يَّ لَّي لَ ال عال ي م « : السماء له وارساله للعالم، فقال
ِ
ق دَّ س م ه الأ م ب وأَ ر س م لِ ا ن ك م تج ي د م ف، لأَ ي ن قمل م ت
ِ
، أَت م قولمو ن م له: ا :
ي ن اب م ن ي الل؟
ِ
ا ن م ك ن م ت ل س م ت أَ عَ م ل أَ عَا ل أَ ي ب ف لا تم ؤ ي منموا ي ب
ِ
ا ن ل م تم ؤ ي منموا ي ب ف أ ي منموا
ِ
ن م ك ن م ت أَ عَ م ل، ف ا
ِ
ول ي ك ن ا
(» ي بَلأَ عَا ي ل ، ي ل كَ ت ع ي رفموا وتم ؤ ي منموا أَنَّ الأ ب يفَِّ وأَ ن ي في ي ه 3 ) .
لاحظ كيف يحاول كاتب هذا الإنجيل إقحام قضية التثليث وألوهية المسيح واتّحاده مع
الآب في كل مناسبة ومجادلة مزعومة.
وكما قدّس الآب ابنه، فإنّه يبارك أتباع هذا الابن، إذ يناديهم )ابن الإنسان( يوم عودته
ت عال وا يَ م مب ا ر يكي أَ ي ب ، ي رثموا ال مل م كو ت ال م م عدَّ ل م ك م من م ذ ت أْ ي سي ي س « : المزعومة وهم يجلسون عن يمينه قائلاً لهم
(» ال عال ي م 4 ) .
1 – . 2 : 13 ، انظر أيضاً: لوقا 11 9 : ( متّى 4
2 . 41 : ( مرقص 16
3 – . 09 04 : ( يوحنا 13
4 . 06 : ( متى 25
379
0( يسوع يقدّس ذاته وتلاميذه:
يخاطب يسوع أباه الذي في السماء بزعم الإنجيل ويتضرع إليه بأدعية كثيرة، وكان مما - –
لَ ال عال ي م أَ ر سل م تَم م « : قاله في حق تلاميذه
ِ
كُ أَ ر سل ت ينِ ا لَ ال عال ي م،
ِ
أَ ن ا ولأَ ج ي لهي م أُق ي د م س أَ ن ذا ي تِ، ي ل ي م كونموا م ه أَي ضا
(» م مق دَّ ي س ين يفِ ال ح يَ 1 ) .
وكأن كاتب إنجيل يوحنا بحسب فهم الباحث استدرك على نفسه عندما ذكر مخاطبة - –
المسيح لربّه ا رفعاً عينيه إلى السماء، مما فتح ثغرة لكشف تناقض توجه الرب إلى الربّ
بالدعاء! فخاف المؤلف أن يتوهم أحدٌ أن )يسوع( هو عبدٌ لله ومحتاج، فسارع إلى تأكيد قدرته على
تقديس ذاته، وتقديس من سواه، حتى يقحم من جديد قضية الاندماج والتثليث، والله أعلم.
وفي قصة قيامة المسيح من قبره بزعمهم فإنّه أي يسوع من جديد ينفخ بالقداسة نفخاً - - - –
س لامٌ ل م ك! كُ « : على تلاميذه ويعطيهم قدسية مطلقة تصل لحد منحهم خصائص الإله، فيقول لهم
أَ ر سل ينِ الأ م ب أُ ر ي سلم م ك أَ ن ول مَّا ق ا ل ه ذا ن ف خ وق ا ل ل هم م م: اق ب لموا الرُّو ح ال م ق م د س . م ن غ ف ر م ت خ طا يَ م ه تم غف م ر م له، و م ن
(» أَ م س ك م تُ خ طا يَ م ه أُ م ي س ك ت 2 . )
ويباركهم المسيح و رف ع ي دي ي ه ...« : قبل لحظات من صعوده إلى السماء، جاء في لوقا
و بَ ر كهم م . وي فيم ا م ه و يم با ي ر م كهم م م ، ان ف ر د ع نهم م وأُ ص ي ع د لَ
ِ
(» ا السَّ ما ي ء 3 . )
وبهذا تنتقل القداسة والبركة المطلقة من يسوع الذي يغفر الخطايا بزعمهم إلى تلاميذه، - –
فيصير كل واحد منهم غفّار للخطايا ومانح للمثوبات! .
وفي هذا المعنى يضع مؤسس النص ا رنية الحقيقي بولس مفهوماً في التقديس، يبيّن فيه أنّ
لأَنَّ « : المقدِّس والمقدَّسين هما من أصلٍ واحد، فهناك اندماج بينهما، فيقول في إحدى رسائله
1 – . 11 19 : ( يوحنا 19
2 – . 20 21 : ( يوحنا 23
3 – . 51 53 : ( لوقا 26
381
ال م مق ي د س وال م مق دَّ ي س ين ي جَي عهم م ي م ن وا ي حدٍ خ و ة،
ِ
، ف ي له ذا السَّب ي ب لا ي س ت ي حي أَ ن ي د م ع و م ه ا خ و ي تِ،
ِ
ق ائي لا: أُ خ ي م بَ ي بَ ي سْ ك ا
( » و يفِ و سطي ال ك ي ني س ي ة أُ س ي ب م ح ك 1 . )
4( الهيكل يقدّ س الأشياء:
ينقل كاتب إنجيل متّى مخاطبة )يسوع( اليهود مستنك ا رً عليهم الحلف بذهب الهيكل دون
أَيُّه ا ال م جهَّا م ل وا ل م ع م يا م ن! أَيُّ ما ... « : الهيكل ذاته، ذاك أن الهيكل هو مصدر القداسة لما يوضع فيه، فيقول
أَ ع ظ م م: الََّّ ه م ب أَ ي م ال ه ي م ك ا يَّ لَّي يم ق ي د م س الََّّ ه ب؟ و م ن حل ف ي بَل م ذب ي ح ف ل ي س ي ب شَءٍ، ول ي ك ن م ن حل ف ي بَل م ق ر بَ ي ن ا يَّ لَّي
ع ل ي ي ه ي ل ي تِم م . (»؟ أَيُّه ا ال م جهَّا م ل وال م ع م يا م ن! أَيُّ ما أَ ع ظ م م: ال م قربَ م ن أَ ي م ال م ذب م ح ا يَّ لَّي يمق ي د م س ال م ق ر بَ ن 2 . )
وتندرج هذه القداسة المتنقلة باللمس والمسح والوضع فيما يلاحظ الباحث تحت قاعدة - –
« : سطّرها بولس في إحدى رسائله حول مفهوم التقديس، هذه القاعدة تقول ن كَن ي ت ال با م كو ر م ة
ِ
وا
م مق دَّ س ة ف كذ ي لِ ال ع ي ج م ين ، ن كَ ن الأَ ص م ل م مق دَّ سا ف كذ ي لِ الأَ غ اا م ن
ِ
(» وا 3 . )
ومن استخدامات لفظ )الهيكل( في القداسة، ما ضربه بولس مثلا لقداسة يسوع، فمثّل
للأنبياء ويسوع ب )هيكل مقدّس في الربّ( حجر ال ا زوية فيه )يسوع(، وأساساته الأنبياء والمرسلون،
ف ل س م تُ ذا « : فقال بولس في إحدى رسائله
ِ
ا ب ع م د غم ر بَ ء ونم م ز لا، ب ل ر ي عيَّةٌ م ع ال ي ق ي دي ي س ين وأَ ه ي ل ب ي ي ت ي الل، م ب ي ن ي ين
ع لى أَ سا ي س الرُّ م س ي ل والأَن ي بي ا ي ء، وي م سو م ع ال م ي س ي م ح ن ف م س م ه ح ج م ر الزَّا ي وي ي ة، ا يَّ لَّي ي في ي ه م كُُّ ال ي بن ا ي ء م ركَّ با م عا، ي ن م مو ه ي كَل
(» م مق دَّ سا يفِ الرَّ ي ب . ا يَّ لَّ ي ي في ي ه أَن م تُ أَي ضا م ب ي نيُّو ن م عا، م س كن ا ي لله يفِ الرُّوح ي 4 . )
يلاحظ الباحث أنّ بولس قدّم تفسي ا رت عجيبة وأكثر من الإبهام والكنايات في حديثه عن
القداسة والروح القدس في الأسفار والرسائل المنسوبة إليه في العهد الجديد.
1 - . 12 11 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 2
2 – . 11 19 : ( متّى 20
3 . 14 : ( رسالة بولس إلى أهل رومية 11
4 – . 22 11 : ( رسالة بولس إلى أهل أفسس 2
380
5( القُبلة المقدّسة:
تجد من عجائب الكتاب المقدّس أنّ القداسة تعدّت من الإله إلى الأشخاص والجماعات،
حتى وصلت إلى أدّق السلوكيات البشرية، فصارت توصف بالقدسية، ومن هذه السلوكيات "القُبلة
المقدّسة"، التي ابتدعها بولس، فذكرها أربع م اّ رت في رسائله، موصياً )المؤمنين( بتبادل القبلات
س ي ل م موا ب ع م ض م ك ع لى ب عضٍ « : المقدّسة، فتجده يقول ي ب م ق ب لٍَ ( » م مق دَّ سةٍ . ك ن ائي م س ال م ي س ي ي ح تم س ي م ل ع ل ي م ك 1 . )
1( الكأس المباركة والخبز المقدّس:
يتحدث بولس عن كأس البركة التي يشربها النصارى، ويصفها )بشركة دم المسيح(، والخبز
كْ م س ال بَك ي ة الَّ يت « ) الذي يكسرونه هو )شركة جسد المسيح نم با ي ر م كه ا، أَل ي س ت ي ه ي شْ ك ة د ي م ال م ي س ي ي ح؟ ال م ذ م بْ
(» ؟ ا يَّ لَّي ن ك ي م سَم ه، أَل ي س م ه و ي شْ ك ة ج س ي د ال م ي س ي ي ح 2 . )
نَّ « : ويوضح بولس سرّ هذا الكأس المقدّسة وهذا الخبز المبارك في ذات الرسالة فيق ول
ِ
ا
الرَّبَّ ي م سو ع يفِ اللَّ ي ي لَ الَّ يت أُ س ي ل ي فيَ ا، أَ خ ذ م خ بْا، و ش ك ر ف ك سَ، وق ا ل : م خ م ذوا م م كَوا ه ذا م ه و ج س ي دي ال م ك م سو م ر
لأَ ج ي ل م م ك . ا صن م عوا ه ذا ي ي لَّ ك ي ري، ك ذ ي لِ ال كَْ س أَي ضا ب ع د ما ت عشَّ وا، ق ائي لا : ه ي ذ ي ه ال كَْ م س ي ه ال عه م د ال ج ي دي م د ي ب د ي مي.
ا صن م عوا ه ذا م كََّ ما ي شْب م تُ ي ي لَّ ك ي ري، نَّ م ك
ِ
ف ا م كََّ ما أَ كَ م تُ ه ذا ال م ذ بْ و ي شْب م تُ ه ي ذ ي ه ال كَْ س، م تخ ي م بَو ن ي ب م و ي ت الرَّ ي ب لَ
ِ
ا أَ ن
(» ي يَي ء 3 . )
وهذه النصوص وأشباهها كانت أساساً لشعيرة من شعائر النص ا رنية وهي: العشاء الرباني،
أو )التناول(، " ويرمز به إلى عشاء عيسى الأخير مع تلاميذه، إذ اقتسم معهم الخبز والنبيذ،
والخبز يرمز إلى جسد المسيح ، الذي كُسر لنجاة البشرية، أما النبيذ فيرمز إلى دمه الذي
سُكب لنفس الغرض، بزعمهم، وفي العشاء الرباني يتم تناول شيء من الخبز مع الخمر، ومن أكل
1 23 ، رسالة : 14 ، انظر أيضاً: رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 14 : ( رسالة بولس إلى أهل رومية 14
. 24 : 12 ، رسالة بولس الأولى إلى أهل تسالونيكي 5 : بولس الثانية إلى أهل كورنثوس 10
2 . 14 : ( رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 13
3 - . 24 20 : ( رسالة بولس الأولى إلى أهل كورنثوس 11
381
منه وشرب فكأنما أكل من لحم المسيح وشرب من دمه؛ وبالتالي حصل امت ا زج بينه وبين المسيح
وتعاليمه" ) 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: اعتنى كتبة العهد الجديد بمفهوم الروح القُدس عناية كبيرة، وجعلوا له من القداسة ما
يؤهله للانسجام مع عقيدتهم في تأليه الروح القدُس، واختلفت صياغات الأناجيل والعهد الجديد في
وصفها للروح القدس، فهو روح قد يتجسد وقد يتكلم، وقد يحلّ في الأشخاص والجماعات، وقد
ينتقل من شخص إلى شخص أو جماعة، وقد ينتقل بالنفخ أو المسح أو الحلول أو الاندماج، ويعدّ
الروح القدس مصدر القداسة الأكثر تأثي ا رً، وهو صانع القديسين، ومبدّل قلوب العباد، بحسب مفهوم
مؤلفي العهد الجديد.
ثانياً: تعددت أشكال القداسة والبركة، وطريقة منحها وحلولها في العهد الجديد، واضطربت
وتناقضت معاني التقديس، كما في العهد القديم، فالتقديس قد يوهب عطيّةً، وقد ينتقل من بشر إلى
بشر، ومن السماء إلى الأرض وبالعكس، ومن يسوع إلى تلاميذه، ومن تلاميذه إلى العالم، وقد
يكون الشخص مقدّساً، والأكل مقدّساً، والش ا رب مقدساً، وحتى قد تكون القُبلة مقدّسة، وكذا سائر
الأعيان، والمعاني، والسلوكيات، وغيرها.
1 ( المسيحية، د. شلبي، )ص 190 ( بتصرف. -
383
المطلب الثالث:
اعتقاد النصارى بالحق الديني والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم
تمهيد:
ينطلق الباحث في هذا المطلب من منطلقين اثنين:
الأول: التقاء اليهود مع النصارى في القسم الأول والأكبر من الكتاب المقدّس في نظرهم - –
وهو ما يسمّى بالعهد القديم، والذي ينصّ في الكثير من نصوصه كما سلف في الفصل الأول - –
على أحقّية اليهود في الأرض المقدّسة، ملكاً أبدياً من الناحية الدينية والتاريخية.
والنصارى كما هو معلوم يؤمنون بالعهد القديم نصاً، ويقدّسونه، ويستشهدون به، وتستدلّ - –
أناجيلهم بما ورد في الناموس والعهد القديم عموم اً؛ من أحداث وتنبؤات وعقائد وأحكام، كما تشير
بعض نصوص العهد الجديد فيما اتّضح للباحث إلى الوعد الرباني المقدّس المزعوم المقطوع - - – –
في العهد القديم لإب ا رهيم ونسله من أبناء إسحاق ويعقوب ، لكن الملاحظ أنّ نصوص
العهد الجديد المستشهِدة بذلك الوعد تلمح إلى تأييده واستحسانه، لكن؛ مع انتقال هذا الحق والوعد
إلى أتباع المسيح ، كونه جاء ليكمّل الناموس ويجدد الدين بعد انح ا رف اليهود وكفرهم، وهذه
المعاني والمفاهيم النص ا رنية المصدر سيتعرض لها الباحث تفصيلاً في هذا المطلب.
الثاني: أنّ نصوص العهد الجديد فيما تبيّن للباحث أشارت إلى قدسية أرض فلسطين - –
وأهمّيتها بالنسبة لحملة الدين الجديد )دين النصارى(، وعليه فإنّ هذه الأرض هي في معتقدهم مهد
المسيح وأرض )بشارته( ومعج ا زته، واضطهاده، وصلبه، وقيامته بزعمهم، وهذا الاعتقاد له –
ما يدلّ عليه من نصوص مقدّسة لديهم، وله من الآثار والتبعات والتطبيقات على أرض الواقع ما
يدلّ على أهميته وجوهريته بالنسبة لعباد المسيح .
ولن يلتفت الباحث كثي ا رً إلى التأويلات والتفسي ا رت الروحانية الهلامية التي أوردها اللاهوتيون
من النصارى، والتي كثي ا رً ما تحرّف النصوص الدينية )المحرّفة أصلاً(، وتعطيها معاني فضفاضة
384
لا تنسجم مع منطوق ومفهوم )النص المقدّس(، إذ سيتم الاعتماد على النصوص بشكل أساس؛ إذ
هي في فهم الباحث مظّنة البحث الديني والدليل العقائدي. - –
واذا ما تجاهل المرء النصّ الديني الواضح والتفت إلى أقوال هؤلاء من علماء اللاهوت،
فسيجد نفسه في متاهة التفسي ا رت الخ ا رفية؛ ذلك أنّ هؤلاء " يؤمنون بسلطة عرفية للكنيسة وبعلم
لهوت ل عقلاني، وباحتكار الحياة الدينية عن طريق القداس، وهي تتنكر للحياة والأرض؛
بإيمانها بمملكة أخرى غير الأرض وخارج الزمان والمكان الذي نعرف، وهي المملكة التي تصبو
إليها دون الدنيا " ) 1 . )
موقف العهد الجديد س
ّ
من الوعد المقد :
فصّل الباحث القول في نظير هذا المطلب من الفصل الأول في قول اليهود بأحقّيتهم - –
في أرض فلسطين المقدّسة دينياً، معتمدين على نصوص العهد القديم التي أعطت لهم هذا الحق
مي ا رثاً، وفق وعد علوي لإب ا رهيم الخليل ، فما موقف العهد الجديد من هذا الوعد المقدّس
المزعوم؟ وما هو توجيههم له؟ّ إذ معلوم كما أشار الباحث في الفصل التمهيدي أنّ النصارى - –
واليهود كانوا دوماً طرفا عداوة على هذه الأرض المباركة، والحال هذه كان ينبغي أن يكون النصّ
الديني )الذي يؤمن به الطرفان( منسجماً مع هذه العداوة، لذا حرص كتبة العهد الجديد بحسب –
فهم الباحث على إضفاء شرعية مؤقتة على نصّ الوعد المقدّس في العهد القديم، مع تعديله -
ليتناسب مع المي ا رث الجديد للبشرية الذي أضفاه ظهور المسيح كنبي على هذه الأرض، مرو ا رً
بدعوته التي واجهت اضطهاداً م اّ رً من اليهود، وصولاً إلى الحدث الكوني الهائل المتمثل بصلبه
وقيامته المزعومة.
لذا فإنّ العهد الجديد أشار تلميحاً وتصريحاً إلى انتقال الوعد المقدّس، ومي ا رث نسل إب ا رهيم
واسحاق عليهما السلام إلى المسيح - – ، وبالتالي إلى أتباعه والمؤمنين به.
1 . )511/ ( مجلة البحوث الإسلامية، ) 2
385
فقد ذكر الإنجيل أنّ ملاك الربّ قد بشّر والدة المسيح قبل الحمل به بأنّه سيرث كرسي
)أبيه( داود ف ق ا ل ل ه ا « : وسيكون له الملك على )بيت يعقوب( إلى الأبد، إذ جاء في إنجيل لوقا
ال م لا م ك: لا تخا يفِ يَ م ر م ي، لأَن يَّ ك ق د و ج د ي ت ي ن ع م ة ي ع ن د ي الل ، و ها أَن ي ت س ت ح ب ي ل ين وت ي ي لي ن اب ن ا وتم س ي مين م ه ي م سو ع . ه ذا
م له م ك ر ي سَّ دا م و د أَ ي بي ي ه،
ِ
ي م كو م ن ع ي ظيم ا، واب ن ال ع ي ي ل يم د عى، ويم ع ي طي ي ه الرَّبُّ الا لَ الأَب ي د، و لا
ِ
وي م ي م لِ ع لى ب ي ي ت ي ع م قو ب ا
(» ي م كو م ن ي ل م مل ي ك ي ه ي نَّ اي ةٌ 1 . )
وفي هذا النص وأمثاله مما سيأتي إشكالات لا تنتهي في نظر الباحث ، إذ في أصله - –
كسرٌ لا ينجبر، فكيف ينسب المسيح إلى داود أصلاً، وعلى أي أساس يكون الإله أو
ابن الإله بزعمهم ذا نسبٍ ويرث كرسيّ أبيه؟! ثم كيف يملك الربّ المزعوم على )بيت يعقوب( - -
بعد أن تقرر لديهم أنّه المتحكّم في ملكوت السماء والأرض؟! ثم كيف جاز لمؤلف الإنجيل أن
يزعم أنّ هناك ق ا ر ا رً سماوي اً بأن يملّك المسيح إلى الأبد على بيت يعقوب وأن لا يكون لملكه
نهاية، في حين أن التاريخ نقض هذا الزعم جملةً وتفصيلاً؟! إلى غير ذلك من تناقضات؛ لكننا
مضطرون للتعامل مع هذا التناقض ومناقشته؛ إذ هو موجود في أصل الديانة كما سلف. -
وبعد ميلاد المسيح يزعم كاتب الإنجيل المحرّف ذاته أنّ والدته العذ ا رء قد اعتبرت
ميلاده تحقيقاً للوعد الإلهي لإب ا رهيم سْائيي ل ف ت ا م ه « : فقالت في تسبيحها للربّ
ِ
ع ض د ا ي ل ي ذ م ك ر ر حْ ة،
كُ كََّ م أ بَ ء لَ الأَب ي د
ِ
ب را ي ه ي ون س ي ي لِ ا
ِ
(» ن. لا 2 . )
وفي نفس السياق يكرر زكريا )أبو يوحنا المعمدان(، القول بعدما )يمتلئ من الروح القدس(
م مب ا ركٌ - - « : بأنّ الربّ بميلاد يسوع قد أنفذ "عهده المقدّس، القسم الذي حلف لآبائنا"، فيقول ما نصّه
الرَّبُّ م له
ِ
ا سْا ئي
ِ
ا ي ل لأَن مَّ ه اف ت ق د و صن ع ي ف دا ء ي ل ش ع ي ب ي ه، وأَق ا م ل ن ا ق ر ن خ لاصٍ يفِ ب ي ي ت دا م و د ف ت ا م ه . كُ ت كََّ م ي ب ف ي م أَن ي بي ائي ي ه
ال ي ق ي دي ي س ين ا يَّ لَّي ن م ه م من م ذ الَِّ ه ي ر، خ لاصٍ ي م ن أَع دائين ا و ي م ن أَي ي دي ي جَيع ي م ب ي غ ي ضي ن ا. ي ل ي ان ع ر حْ ة م ع أ بَئين ا وي ذ م ك ر عه د م ه
ال م مق دَّ س، ال ق س م ا يَّ لَّي حل ف ب را ي ه ي
ِ
(» ... لا أَ ي بين ا 3 . )
1 – . 00 03 : ( لوقا 1
2 – . 55 56 : ( لوقا 1
3 – . 90 49 : ( لوقا 1
386
واذا نظرت في النصين الأخي رين إلى موضعَ ي استشهاد العذ ا رء وزكريا بنصوصٍ في العهد
لَ « : القديم، وهي
ِ
ب را ي ه ي ون س ي ي لِ ا
ِ
ال ق س م ا يَّ لَّي حل ف ب را ي ه ي « ،» لا الأَب ي د
ِ
فلن تجد هذه النصوص قد ،» لا أَ ي بين ا
ذُكرت في العهد القديم إلاّ في موضع وعد الله المقدّس الأبدي لإب ا رهيم ونسله بإعطائهم
الأرض الموعودة) 1 ( أي: أرض فلسطين المقدّسة، وعليه فإنّ هذا ن ص من كاتب هذا الإنجيل بأنّ
الربّ قد استكمل وعده السابق المعطى لإب ا رهيم ، وأعطاه للمسيح .
وقد نقل كاتب إنجيل متّى عن المسيح ول مَّا رأَى « : نفسه بش ا ره لتلاميذه بمي ا رث الأرض
ال م ج م مو ع ص ي ع د لَ
ِ
ا ال ج ب ي ل، ف ل مَّا جل س ت ق دَّ م ل ي ي ه
ِ
ا ت لا ي مي م ذ م ه ، ف فت ح فا م ه وع لَّ م م ه م ق ائي لا : ... م طو ب ي لل م سا ي ك ي ين ي بَلرُّوحي، لأَنَّ
(» ل هم م مل م كو ت السَّ ما وا ي ت ، م طو ب ي لل م و دع ا ي ء، لأَنََّّم م ي ي رثمو ن الأَ ر ض 2 . )
مَّ نَّ م ه ك ذا ط ر م دوا الأَن ي بي ا ء ا يَّ لَّي ن ق بل م ك ... « : ثم يؤكّد لهم هذا المعنى في ذات المجلس
ِ
ف ا ، أَن م تُ ي مل م ح
الأَ ر ي ض لاَّ أَ ن يم ط ر ح خا ي ر جا ويم دا س ي م
ِ
ن ف س د ال ي مل م ح ف ي ب ما ذا يم ملَّ م ح؟ لا ي الم م ح ب ع م د ي ل شَءٍ، ا
ِ
، ول ي ك ن ا ن النَّا ي س ، أَن م تُ
(» ... نمو م ر ال عال ي م. لا يم م ي ك م ن أَ ن م تخ فى م ي دين ةٌ م و م ضوع ةٌ ع لى جب ل 3 . )
وما دامت للتلاميذ والأتباع هذه المكانة التي يعزّيهم بها المسيح ، ناعياً على اليهود
اضطهادهم، مبشّ ا رً إياهم بمي ا رث الأرض، فهذا ن ص بانتفائه عن اليهود منذ مبعث المسيح .
وقد جاء في أعمال الرسل كذلك تصريح بطرس لليهود بأنّ مي ا رث الأنبياء أو )الآباء(،
وخاصة وعد الله لإب ا رهيم ، أنّ نسله ستتبارك به جميع أمم الأرض، إنما انتقل إلى )يسوع(
أَن م تُ أَب ن ا م ء الأَن ي بي ا ي ء، وال عه ي د ا يَّ لَّي « : فهو صاحب البركة الموروثة، إذ جاء على لسان بطرس قوله لليهود
ب را ي ه ي:
ِ
ع ا ه د ي ب ي ه م الل أ بَ ء ن ق ائي لا لا وي بن س ي لِ ت ت ب ا ر م ك ي جَي م ع ق ب ائي ي ل الأَ ر ي ض ، ل ي م ك أَوَّ لا،
ِ
ا ذ أَق ا م م الل ف ت ا م ه ي م سو ع، أَ ر س م لِ
ِ
ا
(» يم با ي ر م ك م ك ي ب ر ي د م ي كُ وا ي حدٍ ي من م ك ع ن م م شْو ي ري ه 4 . )
1 – . 14 16 : ( انظر: تكوين 10
2 – . 5 1 : ( متّى 5
3 – . 16 12 : ( متّى 5
4 – . 24 25 : ( أعمال الرسل 0
387
بل يؤكّد بطرس أنّ المسيح قد ورث كرسيّ )أبيه داود( ، فيقول أيضاً في محاجّته
خ و م ة، ي م سو م غ أَ ن يمق ا ل ل م ك ي جْا را ع ن « : لليهود
ِ
أَيُّه ا ال ي ر جا م ل الا ن مَّ ه ما ت و م د ي ف ن
ِ
رئيي ي س الأ بَ ي ء دا م و د ا ، وق م بَم ه ي ع ن د ن حتََّّ
ه ذا ال ي و ي م . ذ كَ ن ن ي بيًّا،
ِ
ف ا وع ي ل أَنَّ الل حل ف م له ي بق سمٍ أ ن مَّ ه ي م ن ث م ري ة م صل ي ب ي ه يم ي ق م ي ال م ي س ي ح ح س ب ال ج س ي د ي ل ي ج ي ل س ع لى
م ك ر ي س ي ي ه، س ب ف رأَى وت كََّ م ع ن ي قي ا م ي ة ال م ي س ي ي ح، أَن مَّ ه ل م تم تَ ك ن ف م س م ه يفِ ال ه ا ي وي ي ة و لا رأَى ج س م د م ه ف سا دا، ف ي م سو م ع ه ذا
(» أَق ا م م ه م الل، و نَ م ن ي جَي عا م شهمودٌ يلَّي لِ 1 . )
ومعلوم أنّ داود كان ملك اً وحاكماً، ويعتبر اليهود فترة حكمه كما مر في البحث- –
السند الأقوى في أحقيتهم بو ا رثة كرسيه على الأرض المقدّسة، فإذا كان )يسوع( قد ورث كرسيّه فهذا
يتناقض في فهم الباحث مع الواقع، إذ لم يحكم المسيح - – البتة، بل كان مضطهداً، فكيف
يسوغ وصفه بأنه ورث كرسي داود ؟ إلا إذا قصد كاتب النص انتقال و ا رثة العهد المقدّس إلى
)أتباع يسوع(، كما سيأتي من نصوص.
إنّ كتبة العهد الجديد يكثرون من أمثال هذه النصوص فيما اتّضح للباحث والتي يؤتى - –
بها من بين ثنايا العهد القديم لتؤكد على اعتقاداتهم الجديدة، ولتفسّر أقوال وأفعال وغ ا رئب )يسوع(
التي يمتلئ بها العهد الجديد، ومن بين هذه النصوص تلك التي توحي بانتقال البركة لمنصوص
عليها لنسل إب ا رهيم ويعقوب عليهما السلام من اليهود إليهم، على خلاف ما يعتقده اليهود من - -
اختصاصهم بالبركة، وأنّهم شعب الله وخاصته!.
وكان أكثر من تحدّث عن الوعد المقدّس في العهد الجديد فيما لحظه الباحث هو - –
زعيم النص ا رنية بولس، إذ تحدث عنه بالتلميح والتصريح، وأكثر بولس من الكلام الغريب في هذا
ما كت ب ل ي م ك ... « : الشأن، كما في كل شأن، وهذا بطرس يقرّ بطلاسم بولس فيقول
ِ
ا أَ م خو ن ال ح ي بي م ب
بمولم م س أَي ضا ي بِ س ي ب ال ي ح كُ ي ة ال م م ع طا ي ة م له، كُ يفِ الرَّ سائي ي ل م ي كَ ه ا أَي ضا، م مت ي كَ ما ي فيَ ا ع ن ه ي ذ ي ه الأُ م مو ي ر، الَّ يت ي فيَ ا أَ ش يا م ء
(» ع ي سَم ة ال فه ي م، م يُ ي رفمه ا غ م ير ال م ع ل ما ي ء وغ م ير الثَّا ي بتي ين ، ك با يقِ ال م ك م ت ي ب أَي ضا، ي له لا ي ك أَن م ف ي سهيم 2 . )
1 – . 02 21 : ( أعمال الرسل 2
2 – . 14 15 : ( رسالة بطرس الثانية 0
388
لكننا بما ورد من كلامٍ واضحٍ لبولس في شأن هذا الوعد في غنىً عن طلاسمه، فهو - -
يتكلم بص ا رحةٍ عن نقل الوعد المتسلسل من إب ا رهيم ليصل به إلى )يسوع(، فينقل عنه مؤلف
سْائيي ي ليُّو ن وا يَّ لَّي ن ي تَّ م قو ن الل، ا سْ م عوا « : أعمال الرسل قوله لجموع اليهود
ِ
أَيُّه ا ال ي ر جا م ل الا ! سْائيي ل
ِ
م له ش ع ي ب ا
ِ
ا
ه ذا ا خت ا ر أ بَ ء ن، و رف ع الشَّ ع ب يفِ ال م غ رب ي ة يفِ أَ ر ي ض ي م صر، وي ب ي ذ راعٍ م رت ي ف عةٍ أَ خ ر م جْ م ي م نه ا . و نَ و م مدَّ ي ة أَ رب ي ع ين س ن ة،
ا حت م ل ع وائي د م ه يفِ ال ي بَيَّ ي ة م ثَُّ أَ ه لِ س ب ع أُ ممٍ يفِ أَ ر ي ض ك ن عا ن وق س م ل هم م أَ ر ضهم م ي بَل م ق رع ي ة . وب ع د ذ ي لِ يفِ نَ ي و أَ رب ع ي مئ ةٍ
و خَ ي س ين س ن ة أَ ع طا م ه قم ضا ة ح تََّّ م صَوئيي ل النَّ ي ي بي و ي م ن ثَُّ طل م بوا م ي ل كَ، ف أَ ع طا م م ه م الل شا م و ل ب ن ق ي سٍ، ر م ج لا ي م ن
ي س بطي ي بن ي ا ي م ين، أَ رب ي ع ين س ن ة ، ذ ق ا ل: و ج د م ت دا
ِ
م ثَُّ ع ز م له وأَق ا م ل م ه م دا م و د م ي ل كَ، ا يَّ لَّي شهي د م له أَي ضا، ا م و د ب ن ي سََّّ
ر م ج لا ح س ب ق ل يبي، ا يَّ لَّي س ي ان م ع م كَُّ م ي ش يئ يت ، سْائيي ل م ذ ي ل اا،
ِ
ي م ن ن س ي ل ه ذا، ح س ب ال وع ي د، أَق ا م م الل لا
(» ي م سو ع 1 .)
ول ي كنَّ الل أَق ا م م ه ي م ن الأَ م وا ي ت ، و ظه ر أَيََّ ما ك ي ث ير ة ي ل يَّ لَّي ن ص ي ع م دوا م ع م ه ي م ن « : ثم ينتهي بولس إلى القول
لَ أُو م ر ش ي ل ي، ا يَّ لَّي ن م ه م شهمو م د م ه ي ع ن د الشَّ ع ي ب
ِ
(» ال ج ي لي ي ل ا ، و نَ م ن نمب ي م شَم كم ي بَل م و ي ع ي د ا يَّ لَّي صا ر لأ بَئين ا 2 .)
إن محاولات إقناع بولس المتكررة لليهود، مستشهد اً بالبشا ا رت و)الموعد( الذي أعطي للآباء
في التو ا رة، لا يقتصر في تقدير الباحث على إقناعهم بالإيمان برسالته، بل هو يتحدث عن - -
)وعد الله للآباء(، ومعلوم أنّ هذا الوعد المتكرر بكثرة في العهد القديم إنّما كان بشأن مي ا رث
الأرض المقدّسة، وبالتالي اكتمال الثالوث المقدّس، والعلوّ على العالمين.
لذلك فإنك تجد من تفسي ا رت بولس لمي ا رث وعد الأنبياء بالأرض المقدّسة، تقريره في بعض
رسائله بأنّ ميعاد الله لنسل إب ا رهيم واسحاق عليهما السلام ، لم يتحقق بعد )في زمانه(، - –
ملمحاً إلى أنّ المقصود بهذا المي ا رث هو المسيح ب « : وأتباعه، إذ يقول
ِ
يم ا ي ن ا
ِ
ي بَلا را ي ه م ي ل مَّا م د ي ع ي
لَ ال م كَ ي ن
ِ
أَ طا ع أَ ن يَ م ر ج ا ا يَّ لَّي كَ ن عتيي دا أَ ن ي أْ م خ ذ م ه ي م يرا ث ، لَ أَي ن ي أْ ي تِ
ِ
ف خ ر ج و م ه و لا ي ع م ل ا . يم ا ي ن ت غ رَّ ب ي فِ
ِ
ي بَلا
أَ ر ي ض ال م و ي ع ي د كَنََّّ ا غ ي ري بةٌ، سا ي كن ا يفِ ي خي امٍ م ع سْا ق وي ع م قو ب ال وا ي رث ي ين م ع م ه ي له ذا ال م و ي ع ي د ع ي ي ن ي ه
ِ
ا . لأَن مَّ ه كَ ن ي ن ت ي ظ م ر
ال م ي دين ة الَّ يت ل ه ا الأَ سا سا م ت، الَّ يت صا ي ن م عه ا و بَ ي رم ئِ ا م الل . يم ا ي ن
ِ
ي بَلا سا رم ة ن ف م سه ا أَي ضا أَ خ ذ ت قم د ر ة ع لى ن شا ي ء
ِ
ا ن سل،
وب ع د و ق ي ت ال ي س ي ن و لِ ت، ذ
ِ
ا ح ي سب ي ت ا يَّ لَّي وع د صا ي دق ا. ي لَّي لِ م و ي لِ أَي ضا ي م ن وا ي حدٍ، وذ ي لِ ي م ن م ماتٍ، ي مث م ل م م نَو ي م
1 – . 20 14 : ( أعمال الرسل 10
2 – . 02 03 : ( أعمال الرسل 10
389
السَّ ما ي ء يفِ ال ك ثّي ة، و كَلرَّ م ي ل ا يَّ لَّي ع لى شا ي ط ي ئ ال ب ح ي ر ا يَّ لَّي لا يم عدُّ . يفِ
ِ
الايم ا ي ن ما ت ه م ؤ لا ي ء أَ جَ م عو ن، و م ه ل م ي ن الموا
(» ال م وا ي عي د، ب ل ي م ن ب ي عيدٍ ن ظ م رو ها و صدَّقمو ها و حيُّو ها، وأَق رُّوا ي بأَنََّّم م غم ر بَ م ء ونم ز لا م ء ع لى الأَ ر ي ض 1 .)
يفهم الباحث من هذا النصّ بأن بولس يريد إثبات أنّ )الآباء( الأقدمين جاءوا إلى هذه
الأرض بدون إ ا ردة، إنما ساقهم الربّ إليها سوقاً، وهم غرباء وليست الأرض لهم وطناً، وقد ماتوا
ولم يتحقق لهم وعد الله بمي ا رث الأرض المقدّسة، وخاصة المدينة المقدّسة، إذ كان الوعد
المقدّس المقصود هو للمسيح ، وارث هذه الأرض، وصانع مدينتها وبارئها، كما يزعم.
ومن تفسي ا رت بولس أيضاً لوعد الله لإب ا رهيم )بمي ا رث العالَم(، أنّ هذا الوعد ليس
لأهل الناموس )أي اليهود(، بل لأهل الإيمان )ربما يقصد النصارى وأتباع المسيح (، لأن
الوعد لإب ا رهيم كان قبل الناموس) 2 ف « : ( إذ يقول في رسالة أخرى لأهل البلاد ن مَّ ه ل ي س ي بَلنَّا م مو ي س كَ ن
ِ
ا
يم ا ي ن
ِ
ب را ي ه ي أَ و ي لن س ي ي لِ أَ ن ي م كو ن وا ي ر ث ي لل عال ي م، ب ل ي ب ي ي بَ الا
ِ
ال وع م د لا ، ن كَ ن ا يَّ لَّي ن ي م ن النَّا م مو ي س م ه و رث ة، ف ق د
ِ
لأَن مَّ ه ا
يم ا م ن وب ط ل ال وع م د
ِ
ت عطَّ ل الا : لأَنَّ ا ل ذ ح ي م ث ل ي س ن م موسٌ ل ي س أَي ضا ت ع دٍ
ِ
نَّا م مو س يمن ي ش م ئ غ ض با، ا . ي له ذا م ه و ي م ن
يم ا ي ن، كي ي م كو ن ع لى س ي بي ي ل ال ي ن ع م ي ة
ِ
الا ، ي ل ي م كو ن ال وع م د و ي طي دا ي ل ج ي ميعي الن س ي ل. ل ي س ي ل م ن م ه و ي م ن النَّا م مو ي س ف ق ط ، ب ل
أَي ضا ب را ي ه ي، ا يَّ لَّي م ه و أَبٌ ي ل ج ي مي ي عن ا
ِ
يم ا ي ن ا
ِ
(» ي ل م ن م ه و ي م ن ا 3 .)
وعندما أ ا رد بولس أن يربط أتباع المسيح بالوعد المقدس الموهوب لنسل إس ا رئيل
سْ « : في العهد القديم، استحدث تأويلاً جديداً، إذ قال
ِ
سْائيي ل م ه ا
ِ
ل ي س ي جَي م ع ا يَّ لَّي ن ي م ن ا ائيي ي ليُّو ن ، و لا لأَ مَّ نَّ م
ب را ي ه ي م ه ي جَي عا أَ و لادٌ. ب ل
ِ
ي م ن ن س ي ل ا " سْا ق يم د عى لِ ن سلٌ
ِ
ي بَ " أَ ي ل ي س أَ و لا م د ال ج س ي د م ه أَ و لا د ي الل، ب ل أَ و لا م د
(»... ال م و ي ع ي د م يُ س م بو ن ن س لا 4 .)
بل إنّ بولس كان أكثر وضوحاً إذ قرر أنّ المقصود حص ا رً في نسل إب ا رهيم هو المسيح
، وبالطبع هذا المسيح هو الذي وهب بولس السلطان ليكون خليفته في الأرض وحامل لوائه،
1 – . 10 9 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 11
2 ( إذ ورد الوعد المزعوم في سفر التكوين، وهذا قبل موسى صاحب الناموس بمئات السنين، وقد ناقش - -
الباحث ذلك في موضعه في الفصل الأول من هذا البحث.
3 – . 14 10 : ( رسالة بولس إلى أهل رومية 6
4 – . 9 4 : ( رسالة بولس إلى أهل رومية 1
391
ب را ي ه ي و يفِ ن س ي ي لِ - – « : فتجده أي بولس يقول
ِ
وأَمَّا ال م وا ي عي م د ف ي قيل ت يفِ ا . لا ي م قو م ل: " و يفِ الأَن سا ي ل " كَن مَّ ه ع ن
(» ك ي ث ي يري ن، ب ل كَن مَّ ه ع ن وا ي حدٍ: " و يفِ ن س ي لِ " ا يَّ لَّي م ه و ال م ي س ي م ح 1 . )
وهذا في تقدير الباحث من أعجب ما ذكره بولس من تفسي ا رت للوعد والمي ا رث؛ ذلك أنّ - –
كلمة "نسل" لا يمكن أن ي ا رد بها فردٌ واحدٌ ) 2 (، وخاصةً في سياق الوعد المتكرّر في العهد القديم
وأَ ج ع م ل « : والذي كثي ا رً ما ي ا رفقه عبا ا رت مثل ن س لِ ك م تَا ي ب الأَ ر ي ض ذا ا س ت طا ع أَ حدٌ أَ ن ي م عدَّ تم را ب
ِ
، حتََّّ ا
الأَ ر ي ض ف ن س م لِ (» أَي ضا يم عدُّ 3 (، فكيف يجوز لبولس أن يدّعي أنّ المقصود ب "نسلك" هو المسيح ،
فهذا من أعظم الوهم والتخليط.
ويبدو أنّ بولس قد استنسخ فكرة أبناء الله، وشعب الله، من اليهود، وكرّرها واصفاً أتباع دينه
الجديد ب "أبناء الله بالإيمان بالمسيح" و"لبسي المسيح"!، واعداً إياهم بو ا رثة وعد الله للأنبياء، إذ
لأَنَّ م ك ي جَي عا أَب ن ا م ء ي الل يم ا ي ن « : يقول
ِ
ي بَلا ي بَل م ي س ي ي ح ي م سو ع . لأَنَّ م كََّ م م ك ا يَّ لَّي ن ا عت م د م ت ي بَل م ي س ي ي ح ق د ل ي ب س م م تُ ال م ي س ي ح :
ل ي س م يهو ي ديٌّ و لا يمو ن ي نٌّ . ل ي س ع بدٌ و لا م حرٌّ . ل ي س ذ كرٌ وأُن ثى، لأَنَّ م ك ي جَي عا وا ي حدٌ يفِ ال م ي س ي ي ح ي م س و ع . ن
ِ
ف ا م ك ن م تُ
ي لل م ي س ي ي ح، ف أَن م تُ ذا
ِ
ا ن س م ل ب را ي ه ي،
ِ
(» ا و ح س ب ال م و ي ع ي د و رث ةٌ 4 . )
يريد بولس من خلال هذا التفسير العجيب حسب فهم الباحث أن يخرج من إشكال عدم - –
كون أتباع المسيح من نسله، حتى يرثوا موعود الله، فقرر أنّ كل من آمن بالمسيح رباً بزعمه - -
فهو )ابن الله(، وعليه فهو من نسله، وبالتالي من نسل إب ا رهيم، إذاً فهو وارث للوعد!! .
وبما أنّ بولس قد فسّر الوعد المقدّس بأنّه للمسيح وأتباعه، فقد قدّم تبريره لهذا الأمر، إذ
إن المسيح سُفك دمه بزعمه من أجل أن ينال المؤمنون به وعد المي ا رث الأبدي كما يقرر - -
ف ك ي بَل ح ي ر ي ي ي م كو م ن د م ال م ي س ي ي ح، ا يَّ لَّي ي ب م روح أَ ز ي ل ق دَّ م ن ف س م ه ي لله ي ب لا « : ذلك بولس في رسائله، وفيها يقول
1 . 14 : ( رسالة بولس إلى أهل أغلاطية 0
2 ( قال ابن منظور في لسان العرب: النسلُ الخلقُ ، والنسل الولدُ والذرية، وقد نسلَ ينسلُ نسلا وأنسلَ ، وتناسلوا:
أنسلَ بعضهم بعض اً، وتناسلَ بنو فلان: إذا كثر أولادهم، وتناسلوا: أي ولد بعضهم من بعض، ونسلت الناقة بولد
6610 ( بتصرف يسير [. - / كثير ] لسان العرب، ابن منظور، ) 4
3 . 14 : ( تكوين 10
4 - . 21 24 : ( رسالة بولس إلى أهل أغلاطية 0
390
ع يبٍ، يم طهي م ر ضَائي رم كم ي م ن أَ عَال م ي ت ةٍ ي لت ذ ي د م موا الل ال حيَّ ! ولأَ ج ي ل ه ذا م ه و و ي س يطم عه دٍ ج ي ديدٍ، ي ل كَ ي م كو ن
ال م د م عوُّو ن - ذ
ِ
(» ا صا ر م وتٌ ي ل ي ف دا ي ء التَّ ع ي د يَ ي ت الَّ يت يفِ ال عه ي د الأَوَّ ي ل - ي ن المو ن وع د ال ي م يرا ي ث الأَب ي د ي ي 1 .)
ويلاحظ الباحث مما سبق من نصوص أنّ بولس واضع النص ا رنية يريد أن يقفز بالوعد - -
المقدّس وبمي ا رث الأنبياء من إب ا رهيم إلى المسيح بتفسي ا رت ملتوية، ليتجاوز موسى
والناموس، وبالتالي ليقرر العقيدة الجديدة التي جاء بها بولس، مع أنّ تفسيره في ذلك الحين
)خاصة في قوله عن إب ا رهيم : أبٌ لجميعنا( لا يقصر بالضرورة هذا المي ا رث على أتباع دينه؛
إذ بمبدأ الإيمان هذا قد ينتقل المي ا رث أو الوعد إلى خاتم الأنبياء محمد وأتباعه، بل هم الأحرى
به من جهة الإيمان الصحيح الذي هو على ملّة إب ا رهيم .
لكنّك تجد النصارى حتى يومنا هذا إذ يؤولون هذه النصوص، يستثنون منها إسماعيل - -
، وفي ذلك مثلاً يقول القس أنطونيوس فكري) 2 ( في شرح الكتاب المقدس: "يفتخر اليهود بكونهم
نسلًا لإب ا رهيم، والرسول يردّ عليهم، أنّ ليس كل أولاد إب ا رهيم بالجسد هم أولاد وعد، فإسماعيل مثلًا
ل يُدعي نسلًا لإب ا رهيم على أساس الوعد، ولحظْ أن الوعد كان بإسحاق، الذي هو رمز للمسيح،
فكلاهما من مستودع لا يمكن أن ينجب )يلد( بحسب الطبيعة، فالوعد إذًا خاص بمجيء المسيح،
الذي هو ليس بحسب الطبيعة، لذلك فإن الإس ا رئيلي الحقيقي هو من آمن بالوعد أي آمن
بالمسيح") 3 . )
ويُردّ على هذا القس بأنّ استثناء إسماعيل فيه تناقض صريح مع الادّعاء بأن الاختيار
والوعد بمي ا رث الأرض والنبوة هو بحسب الإيمان وليس بحسب النسل، فلماذا يُستثنى إسماعيل دون
1 – . 15 16 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 1
2 ( أنطونيوس فكري: هو كاهن الكنيسة المسماة ب )كنيسة السيدة مريم العذ ا رء( بالفجالة، في القاهرة بمصر، وله
كتب عديدة، منها: تفاسير العهد القديم، وتفاسير العهد الجديد، والأس ا رر السبعة، والرموز في الكتاب المقدّس،
وغيرها، وله مناقشات وكتابات ومقالات كثيرة في قضايا الأناجيل والمسيحية ] انظر: موقع كنيسة الأنبا
تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية/ مصر، ا ربط: http://st-takla.org 2310 م [ . /34/ ، بتاريخ: 34
3 ( موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية/ مصر، ا ربط: http://st-takla.org ، بتاريخ:
2310/34/34 م.
391
إسحاق عليهما السلام؟! ليس ذلك إلا لأنّ واضعي العهد الجديد والمؤمنين به، من أمثال القس، –
يسيرون في ركب الاعتقاد اليهودي بتخصيص نسلٍ دون نسلٍ في الاصطفاء والوعد المقدّس.
وقد ورد على لسان بولس في العهد الجديد بعض النصوص العنصرية في نظر الباحث ، - –
والتي لا تقل عن عنصرية اليهود في تفضيلهم لأبناء جنسهم، بل هي امتداد لها، ومنها تشبيهه فرع
إسماعيل في البشر بالعبودية، وفرع إسحاق وصولاً إلى المسيح - بالحرية!، إذ -
ن مَّ ه « : يقول
ِ
ف ا ب را ي ه ي اب ن ا ي ن،
ِ
م ك م توبٌ أَن مَّ ه كَ ن لا وا ي حدٌ ي م ن ال جا ي ري ي ة والأ خ م ر ي م ن ال م حرَّي ة .ل ي كنَّ ا يَّ لَّي ي م ن ال جا ي ري ي ة م و ي لِ
ح س ب ال ج س ي د، وأَمَّا ا يَّ لَّي ي م ن ال م حرَّي ة ف ي بال م و ي ع ي د . و م كُُّ ذ ي لِ ر مزٌ، لأَنَّ هات ي ين م هُا ا ل عه دا ي ن، أَ ح م د م هُا ي م ن جب ي ل ي سين ا ء،
ال وا ي م لِ ي لل م ع م بو ي دي يَّ ة ، ا يَّ لَّي م ه و ها ج م ر . لأَنَّ ها ج ر جب م ل ي سين ا ء يفِ ال ع ري بيَّ ي ة. ول ي كنَّ م ه يمق ا ي ب م ل أُو م ر ش ي ل ي نََّّ ا
ِ
ال حا ي ض ة، ف ا
م س ت ع ب دةٌ م ع ب ي نيَ ا . وأَمَّا أُو م ر ش ي ل م ي ال م عل يا، الَّ يت ي ه أُمُّن ا ي جَي عا، ف هيي ي م حرَّةٌ .لأَن مَّ ه م ك م توبٌ: اف ر ي حَ أَيَّ م تَ ا ال عا ي ق م ر الَّ يت ل م
نَّ أَ و لا د ال م مو ي ح ش ي ة أَ ك م ثّ ي م ن الَّ يت ل ه ا
ِ
ت ي ل. ي ا ه ي ت ي في وا م صِ ي خ أَيَّ م تَ ا الَّ يت ل م ت ت مخَّ ض، ف ا ز و جٌ خ و م ة
ِ
وأَمَّا نَ م ن أَيُّه ا الا
سْا ق، أَ و لا م د ال م و ي ع ي د
ِ
ف ن ي ظ م ير ا . ول ي ك ن كُ كَ ن ي حين ي ئذٍ ا يَّ لَّي م و ي لِ ح س ب ال ج س ي د ي ض طهي م د ا يَّ لَّي ح س ب الرُّوحي، ه ك ذا
الأ ن أَي ضا . ل ي ك ن ما ذا ي م قو م ل ال ي كت ا م ب؟ ا ط م ر ي د ال جا ي ري ة واب نه ا، لأَن مَّ ه لا ي ي ر م ث اب م ن ال جا ي ري ي ة م ع اب ي ن ال م حرَّي ة ، خ و م ة
ِ
ذا أَيُّه ا الا
ِ
ا
(» ل س ن ا أَ و لا د جا ي ري ةٍ ب ل أَ و لا م د ال م حرَّي ة 1 . )
يؤكّد القس أنطونيوس فكري التفسير العنصري الذي يحتوي عليه هذا النص بقوله: " يلجأ
الرسول لتشبيه جديد، ويستخدم صورة زوجتَي إب ا رهيم، سارة الحرة، وهاجر العبدة، سارة الحرة تنجب
ابنًا بحسب وعد الله وضد الطبيعة، ابن اً يعطيه الله حياة من موت، وهاجر الجارية تنجب ابنًا
بطريقة طبيعية مثل كل الناس، والرسول يقارن بين عهد النعمة والحرية بيسوع المسيح، وبين عهد
الناموس الذي أخذوه في سيناء، وشبه بولس عهد سيناء بهاجر عبدة سارة التي ولدت إسماعيل،
وهذا العهد هو عهد العبودية، ويقارن مع إسحق ابن الموعد الذي هو ليس ابنًا بحسب الطبيعة
... هكذا عبر شعب الله من عهد العبودية في سيناء، وهو عهد الختانة والناموس إلى عهد
الحرية بالمسيح النسل الموعود") 2 .)
1 - . 01 22 : ( رسالة بولس إلى أهل أغلاطية 6
2 ( موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية/ مصر، ا ربط: http://st-takla.org ، بتاريخ:
2310/34/39 م.
393
سة في العهد الجديد:
ّ
الأرض المقد
أولا : موضع ميلاد المسيح :
وُلد المسيح ول مَّا م و ي لِ ي م سو م ع « ،) في بيت لحم، التي يسمّيها الإنجيل )بيت لحم اليهودية
يفِ ب ي ي ت ل ح ي م ال يَمو ي دي يَّ ة ذا
ِ
، يفِ أَيََّ ي م ي ه م يرو م د س ال م ي ي لِ، ا لَ أُو م ر ش ي ل ي
ِ
(» م م جوسٌ ي م ن ال م ي شَ ي ق ق د جا م ءوا ا 1 . )
وقد ذكر كتبة الإنجيل أنّ نبوءة ميلاد المسيح في بيت لحم قد وردت في العهد القديم،
ق الموا م له: يفِ « ب ي ي ت ل ح ي م ال يَمو ي ديَّ ي ة ، لأَن مَّ ه هك ذا م كتموبٌ ي بَلنَّ ي ي بي : وأَن ي ت يَ ب ي ت ل حمٍ، أَ ر ض م يهو ذا ل س ي ت الاُّ غ رى ب ين
م ر ؤ سا ي ء م يهو ذا، سْائيي ل
ِ
(» لأَ ن ي من ي ك يَ م ر م ج م د ي ب رٌ ي ر عى ش ع يبي ا 2 . )
لكنّك عند م ا رجعة العهد القديم تجد نصاً مختلفاً لفظاً ومعنىً عن هذه البشارة الواردة في
متّى، إذ نصُ ما جاء في العهد القديم: » أَمَّا أَن ي ت يَ ب ي ت ل ح ي م أَف رات ة، وأَن ي ت ص ي غ يرةٌ أَ ن ت م كو ي ن ب ين أُلمو ي ف
م يهو ذا، سْائيي ل
ِ
(» ف ي م ن ي ك يَ م ر م ج ي ل ا يَّ لَّي ي م كو م ن م مت س ي ل طا ع لى ا ، و م ذا ي ر م ج م ه م من م ذ ال ق ي د ي ي، م من م ذ أَيََّ ي م الأَ زل 3 . )
وليس المقصود الخوض هنا في هذا النصّ، فإشكالات النصوص في الكتاب المقدّس لا
تنتهي، إنما المقصود ذكرُ مكانة بيت لحم لدى النصارى في العهد الجديد، وسببها.
ويحكي الإنجيل أنّ ملاك الربّ قد ظهر لمجموعة من الرعاة البسطاء في نواحي بيت لحم،
وأخبرهم بمولد المسيح وبشّرهم بكونه )مخلّص شعب إس ا رئيل( وأنه )المسيح الربّ(، وأنّه يولد
في )مدينة داود(، إذ جاء في لوقا: » و كَ ن يفِ ي ت لِ ال م كو ر ي ة م رع اةٌ م مت ب ي دي ن يُ م ر م سو ن ي ح را سا ي ت اللَّ ي ي ل ع لى
ر ي عيَّ ي ي تَ م، ذا م لا م ك الرَّ ي ب وق ف ي ي بِ م، و م ج م د الرَّ ي ب أَ ضا ء
ِ
وا ح ول هم م، ف ذافموا خ وف ا ع ي ظيم ا، ف ق ا ل ل هم م م ال م لا م ك: لا تخافموا!
ف ه ا أَ ن أُب ي م شَم كم ي ب ف رحٍ ع ي ظيٍ ي م كو م ن ي ل ج ي ميعي الشَّ ع ي ب : (» أَن مَّ ه م و ي لِ ل م م ك ال ي و م يفِ م ي دين ي ة دا م و د م ذ ي ل صٌ م ه و ال م ي س ي م ح الرَّبُّ 4 . )
1 . 1 : ( متّى 2
2 - . 4 5 : ( متّى 2
3 . 2 : ( ميخا 5
4 - . 11 9 : ( لوقا 2
394
يلاحظ الباحث أنّ هذا النص سمّى مدينة بيت لحم بمدينة داود، على الرغم من أنّ مدينة
داود بمفهوم الكتاب المقدّس هي مدينة القدس أو)حصن صهيون( كما جاء ذلك بكثرة في العهد
القديم) 1 (، كما أنّ المسيح نفسه سمّى مدينة القدس بمدينة الملك العظيم، كما مرّ آنفاً.
وحاصل الأمر أنّ المسيح ولد في بيت لحم من أرض فلسطين، وقد تطرق الباحث في
الفصل التمهيدي إلى الأوضاع السياسية التي سادت في فلسطين في ذلك الزمان.
ويشير العهد الجديد إلى يسوع باسم )يسوع الناصري( في الكثير من المواضع، فتجد كاتب
إنجيل مرقص، مثلاً، يورد قصةَ رجلٍ أعمى يستغيث بيسوع، جاء فيها: » ف ل مَّا ي سْ ع أَن مَّ ه
ي م سو م ع النَّا ي ي صِيُّ، اب ت دأَ ي م صر م خ وي م قو م ل: يَ ي م سو م ع اب ن دا م و د، ا ر حْ ينِ ! (» 2 . )
أ ي ه ! ما ل ن ا و لِ يَ ي م سو م ع النَّا ي ي صِيُّ؟ « : حتى إنّ الشيطان سماه بذات الاسم! وصرخ إذ رآه قائلاً
(»! أَت ي ت ي ل م تَ ي ل كن ا! أَ ن أَ ع ي رفم ك م ن أَن ت : قمدُّو م س ي الل 3 . )
وسمّي المسيح بحسب النصارى ناصري اً، وأتباعه بالناصريين، نسبةً إلى مدينة - –
الناصرة في فلسطين، والتي لم تذكر في العهد القديم أبداً، إنما جاء ذكرها في الإنجيل، وكانت
محتقرة بين اليهود، ونُسب المسيح إليها) 4 . )
لكنّ بعض محققي النصارى ذكروا أنّ النسخة الأصلية اليونانية للعهد الجديد تشير إلى
"المسيح الناصريّ"، وقد أسيء ترجمتها لتكون "المسيح من الناصرة"، وهم يؤكّدون أنّ كلمة
"الناصري" هي كلمة طائفية محضة، ولا علاقة لها بمدينة الناصرة، أي أنّ هذه التسمية ليست إلا
1 5 ، أخبار الأيام الثاني : 13 ، أخبار الأيام الأول 11 : 9، الملوك الأول 2 : ( انظر مثلاً: صموئيل الثاني 5
. 05 : 2 ، اشعياء 09 : 5
2 . 69 : ( مرقص 13
3 . 26 : ( مرقص 1
4 . )634/ ( انظر: قام وس الكتاب المقدس، جورج بوست، ) 2
395
وليدة ظروف سياسية معيّنة، كان اللاعبان الأساسيان فيها هما: اليهود من جهة، والرومان من
جهة أخرى) 1 . )
ثاني ا: القدس )أورخليم( في العهد الجديد:
إنّ مدينة القدس، التي يسمّيها العهد الجديد )أورشليم(، أو المدينة المقدّسة، وردت في مواطن
كثيرة من العهد الجديد، وكانت محطّ عناية مؤلفي هذه الأسفار بحسب ما اتّضح للباحث.
وقد سمّى كتبة العهد الجديد مدينة أورشليم بعدّة أسماء سوى أورشليم وهي: - –
2( مدينة الله السماوية:
ب ل ق د أَت ي م تُ لَ « : إذ ورد على لسان بولس في رسائله قوله
ِ
ا جب ي ل ي صه ي و ن،
ِ
وا لَ م ي دين ي ة ي الل ال ح ي .
أُو م ر ش ي ل ي السَّ ما ي وي يَّ ة، لَ
ِ
(» وا رب واتٍ م ه م ح ي ف م ل م لائي كةٍ 2 . )
لأَن مَّ ه كَ ن ي ن ت ي ظ م ر ال م ي دين ة الَّ يت ل ه ا الأَ سا سا م ت ، الَّ يت صا ي ن م عه ا و بَ ي رم ئِ ا « : ويقول بولس في رسالته ذاتها
(» م الل 3 . )
2( المدينة المقدّسة:
سمّى العهد الجديد مدينة القدس بالمدينة المقدّسة في مواضع عديدة، إذ جاء في متّى مثلاً:
و خ ر م جوا ي م ن ال م ق م بو ي ر ب ع د ي قي ا م ي ت ي ه، و د خلموا « ال م ي دين ة ال م مق دَّ س ة ، (» و ظ ه م روا ي ل ك ي ث ي يري ن 4 . )
وجاء في رؤيا يوحنا وصف )أورشليم( بالمدينة المقدّسة النازلة من السماء، المه يأة من الربّ
وأَ ن يمو حنَّا رأَي م ت « ،! كالعروس ال م ي دين ة ال م مق دَّ س ة أُو م ر ش ي ل ي ال ج ي دي د ة ن ي ز لَّ ي م ن السَّ ما ي ء ي م ن ي ع ن ي د ي الل م مه يَّأَ ة ك ع م روسٍ
م زيَّن ةٍ ي ل ر م ج ي له ا (» 5 . )
1 ( انظر: الدم المقدّس والكأس المقدّسة، ميشيل بيجنت وَ هنري لنكولن وَ ريتشارد لي، ترجمة: محمد الواكد، دار
. ) 2339 م، )ص 651 ، الأوائل/ دمشق، ط 2
2 . 22 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 12
3 . 13 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 11
4 . 50 : ( متّى 29
5 . 2 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 21
396
0( مدينة الملك العظيم:
إذ جاء على لسان المسيح بحسب كاتب إنجيل متّى تسميته لمدينة القدس بمدينة - -
وأَمَّا « : الملك العظيم، طلباً من أتباعه أن يمتنعوا عن القسم بالمدينة المقدّسة، مخالفة لليهود، فيقول
أَ ن ف أَقمو م ل ل م ك : لا تَ ي ل م فوا ال بتَّ ة، لا ي بَلسَّ ما ي ء لأَنََّّ ا م ك ر ي س ي الل، و لا ي بَلأَ ر ي ض لأَنََّّ ا م و ي ط م ئ ق د م ي ي ه، و لا ي بأُو م ر ش ي ل ي لأَنََّّ ا
(» م ي دين م ة ال م ي ي لِ ال ع ي ظ ي ي 1 . )
4( المدينة العظيمة:
و ذ ه ب ي ب ي بَلرُّوحي « : وفي رؤيا يوحنا جاء أيضاً وصف )أورشليم( بالمدينة العظيمة، إذ قال
لَ جب ل ع ي ظيٍ ع ال،
ِ
ا وأَ را ي ن ال م ي دين ة ال ع ي ظيم ة أُو م ر ش ي ل ي ال م مق دَّ س ة ن ي ز لَّ ي م ن السَّ ما ي ء ي م ن ي ع ن ي د ي الل (» 2 .)
وتحكي مصادر النص ا رنية أنّ فلسطين كانت محل دعوة المسيح ، وفي القلب منها مدينة
القدس أو )أورشليم(، ويورد العهد الجديد من المواقف والقصص والتعاليم ما يعطي الأرض المقدّسة
مكانة خاصة وغير عادية تصل أحياناً إلى حد الخ ا رفة، فيما اتضّح للباحث.
وكان أول عهد )يسوع( مع )أورشليم( فيما ذكره مؤلفو الأناجيل أنّه )تقدّس للربّ( في
« ، الهيكل )بأورشليم( بعد ميلاده، عملاً بالناموس ول مَّ ا ت مَّ ت أَيََّ م ت طهي ي ير ها، ح س ب ي شْي ع ي ة م مو س، ص ي ع م دوا
لَ أُو م ر ش ي ل ي ي ل م يق ي د م مو م ه ي للرَّ ي ب
ِ
ي ب ي ه ا ، (» كُ م ه و م ك م توبٌ يفِ ن م مو ي س الرَّ ي ب: أَنَّ م كَُّ ذ كرٍ ف ا ي ت ح ر ي حمٍ يم د عى قمدُّو سا ي للرَّ ي ب 3 . )
و كَ ن أَب وا م ه « ) ويذكر ذات الإنجيل أن )أب ويه( كانا يذهبان به في صباه كل سنة إلى )أورشليم
لَ أُو م ر ش ي ل ي
ِ
(» ي ذ ه با ي ن م كَُّ س ن ةٍ ا يفِ ي عي ي د ال ي ف ا ي ح 4 . )
وكان من شأن )يسوع( مع )أورشليم( أنّه لما ابتدأ دعوته أخذه إبليس في جولة اختبار
إلى المدينة المقدّسة!، وأدخله إليها، وأصعده على )جناح الهيكل( آم ا رً إياه بإلقاء نفسه ليحميه
م ثَُّ لَ ال م ي دين ي ة ال م مق دَّ س ي ة « : الربّ إن كان ابن الله!، جاء في متّى
ِ
ب ي لي م س ا
ِ
أَ خ ذ م ه ا ، وأَ وق ف م ه ع لى جن احي ال ه ي ي ك،
1 . 50 : ( متّى 29
2 . 13 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 21
3 – . 20 22 : ( لوقا 2
4 . 61 : ( لوقا 2
397
لَ
ِ
ن م ك ن ت اب ن ي الل ف ا ط ر ح ن ف س ك ا
ِ
وق ا ل م له: ا أَ س ف م ل، لأَن مَّ ه م ك م توبٌ: أَن مَّ ه يمو ي ص م لائي كت م ه ي ب ك، ف ع لى أ يَ ي د ي يه م
يُ ي ملمون ك ي ل كَ لا ت ا ي د م ي بِ جرٍ ي ر ج لِ . له ك
ِ
(» ق ا ل م له ي م سو م ع: م ك م توبٌ أَي ضا: لا م تج ي رب الرَّبَّ ا 1 . )
وفي خضمّ دعوة )يسوع( وتعليمه لتلاميذه، ت ا ره يذكّرهم بأن نهايته ستكون في )أورشليم(
حص ا رً، وأنها موعد صلبه وقيامته، وأنّه لا بد وأن يدخلها من أجل أن يتألّم ويُقتل ويقوم في اليوم
- - « الثالث بزعمهم ي م ن ذ ي لِ ال و ق ي ت اب ت دأَ ي م سو م ع يم ظهي م ر ي لت لا ي مي ي ذ ي ه أَن مَّ ه لَ أُو م ر
ِ
ي ن ب ي غي أَ ن ي ذ ه ب ا ش ي ل ي وي ت أَلَّ م ك ي ث يرا
(» ي م ن الشُّ م يوخي و م ر ؤ سا ي ء ال كه ن ي ة وال كت ب ي ة، ويم قت ل، و يفِ ال ي و ي م الثَّا ي ل ي ث ي م قو م 2 . )
وأثناء صعوده إلى )أورشليم(، يبلّغ تلاميذه الاثني عشر س ا رً في الطريق بأنّه سيحاكم ويقتل
« ! في هذه البلدة وي فيم ا كَ لَ أُو م ر ش ي ل ي
ِ
ن ي م سو م ع صا ي ع دا ا أَ خ ذ الاث نِ ع شَ ي تل ي مي ذا ع لى ان ي ف رادٍ يفِ الطَّ ي ري يَ وق ا ل ل م ه م : لَ م ر ؤ سا ي ء ال كه ن ي ة وال كت ب ي ة، ف ي ح م كُ م
ِ
ن سا ي ن يم س مَّ ل ا
ِ
لَ أُو م ر ش ي ل ي، واب م ن الا
ِ
(» ها نَ م ن صا ي ع م دو ن ا و ن ع ل ي ي ه ي بَل م و ي ت 3 . )
ف)أورشليم( إذاً مرتبطة حسب العهد الجديد ارتباطاً وثيقاً بميعاد الله لارتفاع )يسوع(،
لَ أُو م ر ش ي ل ي « ، وبقيامته
ِ
(» و ي ح ين ت مَّ ي ت الأَيََّ م لا ري تف ا ي ع ي ه ث بَّ ت و جْ م ه ي ل ي ن ط ي ل ا 4 . )
وقبل انطلاقه حدثت له حادثة عجيبة بزعم كاتب الإنجيل ، فقد ظهر له في الجبل ك ل - –
من موسى وايليا النبي، وكلّماه عن موعد خروجه الحتمي والقريب إلى )أورشليم(! فيما
لَ جب ل ي ل م ي ا ي ل « : نصّه
ِ
وب ع د ه ذا ال كَل ي م ي بن ح ي و ث ما ي ن ي ي ة أَيََّمٍ، أَ خ ذ بم ط م ر س ويمو حنَّا وي ع م قو ب و ص ي ع د ا . وي فيم ا م ه و
يم ا ي ل صا ر ت ه يئ م ة و ي جْ ي ه م مت غ ي ير ة، وي ل با م س م ه م ب يضًّا لا ي م عا . ي ي ليَّا،
ِ
ذا ر م ج لا ي ن ي ت كََّ ما ي ن م ع م ه، و م هُا م مو س وا
ِ
وا ا ل لَّا ي ن ظه را
(» ي ب م جدٍ، وت كََّ ما ع ن م خ م رو ي ج ي ه ا يَّ لَّي كَ ن عتيي دا أَ ن يم ي كُ م لِ يفِ أُو م ر ش ي ل ي 5 . )
والعجيب أنّ المزعوم أنّه )ابن الله الحبيب( يرسل له الله اثنين من أنبيائه الذين قضوا
قبله بعهود بعيدة، وذلك ليكلّموه عن موعد موته وقيامته، وأن يكون محور حديثهم عن )أورشليم(!
1 - . 9 5 : ( متّى 6
2 – . 00 02 : 21 ، انظر أيضاً: مرقص 13 : ( متّى 14
3 - . 19 19 : ( متّى 23
4 . 51 : ( لوقا 1
5 - . 01 29 : ( ل وقا 1
398
ولما أشرف المسيح على )أورشليم( أخذ يبكي عليها بزعم الإنجيل ، وتنبّأ بخ ا ربها - –
ودمارها فوق رؤوس ساكنيها! وتوعّدها بأيام سخط وانتقام لا يبقي ولا يذر، بل تبقى مدوسةً من
لَ ال م ي دين ي ة « ! كافة الأمم إلى نهاية الزمان
ِ
وي فيم ا م ه و ي ق ي تَ م ب ن ظ ر ا وب ك ع ل يَ ا ن يَّ ك ل و ع ي ل م ي ت أَن ي ت
ِ
ق ائي لا: ا أَي ضا،
حتََّّ يفِ ي و ي م ي ك ه ذا، ما م ه و ي ل س لا ي م ي ك! ول ي ك ي ن الأ ن ق د أُ خ ي ف ي ع ن ع ين ي ي ك . ن مَّ ه س ت أْ ي تِ أَيََّمٌ و م ي يُيطم ي ب ي ك أَع دا م ؤ ي ك
ِ
ف ا
ي ب ي م تَ سةٍ، و م يُ ي دقمو ن ي ب ي ك و م يُا ي م صِون ي ك ي م ن م ي كُ ي جْةٍ، (» و يه ي د م مون ي ك وب ي ني ي ك ي في ي ك، و لا ي م تَ م كو ن ي في ي ك ح ج را ع لى ح جرٍ 1 .)
و م تَّ رأَي م تُ أُو م ر ش ي ل ي م حا ط ة ي م بِ م يوشٍ ، ف ي حين ئيذٍ اع ل م موا أَن مَّ ه ق ي د « : ويزيد على ذلك في ذات السفر قوله
ا ق تَ ب خ را م بِ ا. ي حين ي ئذٍ ي ل يَ م ر ي ب ا يَّ لَّي ن يفِ ال يَمو ي ديَّ ي ة لَ
ِ
ا ال ي ج با ي ل، وا يَّ لَّي ن يفِ و س ي طه ا ف ل ي ي فرُّوا خا ي ر جا، وا يَّ لَّي ن يفِ ال م ك و ي ر
ف لا ي د م خلمو ها، لأَنَّ ه ي ذ ي ه أَيََّ م ان ي تق امٍ ، ي ل ي ي تُ م كُُّ ما م ه و م ك م توبٌ . و وي لٌ ي لل ح با لَ وال م م ر ي ض عا ي ت يفِ تي لِ الأَيََّ ي م ! لأَن مَّ ه ي م كو م ن
ي ضي ع ي ظيٌ ع لى الأَ ر ي ض و م سُطٌ ع لى ه ذا الشَّ ع ي ب . وي ق م عو ن ي ب ف ي م السَّ ي ي ف، ويم س ب و ن لَ
ِ
ا ي جَيع ي الأُ م ي م، وت م كو م ن
(» أُو م ر ش ي ل م ي م م دو س ة ي م ن الأُ م ي م، حتََّّ تم كَُّ ل أَ زي من م ة الأُ م ي م 2 .)
وتحكي الأناجيل قصة دخول المسيح إلى )أورشليم( وارتجاج المدينة وترحيبها به،
ومجادلته للكهنة والشيوخ) 3 (، واقتحامه للهيكل علانيةً، وهدمه لما فيه من مظاهر دنيونية، ووصفه
لَ ه ي ي ك ي الل « ،) إياه بأنّه صار )مغارة لصوص
ِ
و د خ ل ي م سو م ع ا وأَ خ ر ج ي جَي ع ا يَّ لَّي ن كَنموا ي ي بي م عو ن وي ش م تَو ن
يفِ ال ه ي ي ك، وق ل ب م وائي د الاَّ يا ي رف ي ة و ك را ي سَّ بَع ي ة ال ح ما ي م وق ا ل ل هم م: م ك م توبٌ: ب ي يت ب ي ت الاَّ لا ي ة يم د عى. وأَن م تُ ج عل م ت م مو م ه
مغ ا ر ة لم م اوصٍ ! (» 4 . )
ثم كان آخر عهد للمسيح )بأورشليم( أن هجاها هجاءً لاذع اً، وتوعّدها بالويل والخ ا رب
ل يَ ا « والدمار، بزعم كاتب الإنجيل
ِ
يَ أُو م ر ش ي ل م ي، يَ أُو م ر ش ي ل م ي! يَ ق اتي لَ الأَن ي بي ا ي ء و را ي جَ ة ال م م ر س ي ل ين ا ، كم مرَّةٍ أَ ر د م ت
أَ ن أَ جَ ع أَ و لا د ي ك كُ تج م م ع الَِّ جا ج م ة ي ف را خه ا تَ ت جن ا ح يَ ا، ول م تم ي ري م دوا ! (» م ه و ذا ب ي تم م ك يم تَ م ك ل م ك خ را بَ 5 . )
1 – . 66 61 : ( لوقا 11
2 – . 66 61 : ( لوقا 11
3 ( انظر: الإصحاح 21 من إنجيل متّى.
4 – . 10 12 : ( متّى 21
5 – – . 05 06 : 09 ، أيضاً: لوقا 10 09 : ( متّى 20
399
بل كان من عجائب ما قاله المسيح في شأن )أورشليم( بزعمهم أنّها قاتلة، ولا يهلك - -
لأَن مَّ ه لا يم م ي ك م ن أَ ن يه ي لِ ن يبيٌّ خا ي ر جا ع ن أُو م ر ش ي ل ي ... « : ! نبيٌ خارجها مطلقاً ! (» 1 . )
وهذا النصّ في غاية الغ ا ربة في تقدير الباحث ؛ إذ هل يُعقل أن جميع أنبياء الله - – قد
ماتوا أو هلكوا في )أورشليم(؟!.
ويستغرب الباحث من كثرة ما ورد في الأناجيل من ألفاظ عنيفة وصادمة وضعها الكتبة على
لسان المسيح ، من أمثال هذه النصوص الأخيرة، التي يدعو فيها نبي الله بزعمهم على - -
قومه بالويل والثبور، ويبشّر بالدمار والهلاك والحرق، ويتنبأ بفظائع ومشاهد مؤلمة، وكأنّ الكاتب
يريد أن ينتقم من قومٍ بعينهم أو من مدينة لذاتها!
و)أورشليم( التي تحدّث عنها كتبة الأناجيل شهدت حدثاً هائلاً لم يسبق أن وقع في
التا ريخ! إذ عند صلب المسيح بزعمهم وصرخته العظيمة المشهورة، حدث أن تبعثرت - -
القبور وخرج الكثير من )القديسين( من قبورهم، وتجوّلوا في شوارع )أورشليم(، وشاهدهم الكثير من
ف صر خ ي م سو م ع أَي ضا ي ب ا وتٍ ع ي ظيٍ، وأَ س ل الرُّو ح ، ذا ي ح جا م ب ال ه « ! الناس
ِ
وا لَ اث ن ي ين، ي م ن ف و م ق
ِ
ي ي ك ق ي د ان ش ا
لَ أَ س ف م ل.
ِ
ا والأَ ر م ض ت زل زل ت، والاُّ م خو م ر ت شقَّق ت، وال م ق م بو م ر ت فتَّ ح ت، وق ا م ك ي ثيرٌ ي م ن أَ ج سا ي د ال ي ق ي دي ي س ين الرَّا ي ق ي دي ن ،
(» و خ ر م جوا ي م ن ال م ق م بو ي ر ب ع د ي قي ا م ي ت ي ه، و د خلموا ال م ي دين ة ال م مق دَّ س ة، و ظه م روا ي ل ك ي ث ي يري ن 2 . )
من هم هؤلاء القديسون؟ وأين ظهروا في أورشليم؟ ولماذا لم يسجّل التاريخ هذه الحادثة، ولا
عرف أسماء وأحوال هؤلاء القديسين الذين قامت قيامتهم؟! إلا إذا كانت أورشليم التي يتحدث عنها
كاتب النص هي مدينة أخرى على كوكب آخر.
ما سبق كان في حياة المسيح ، أما بعد صلبه المُدّعى، وقيامته المزعومة، فإنه -
بحسب الإنجيل حرص على الجتماع بتلاميذه ومريديه، منوهاً إليهم بوعد الله لهم، داعياً إياهم -
وق ا ل ل م ه م: ه ك ذا م ه و م ك م توبٌ، وه ك ذا كَ ن ي ن ب ي غي أَنَّ « ، إلى الإقامة في )أورشليم(، فهي باكورة انطلاقتهم
ال م ي س ي ح ي ت أَلَّ م م وي م قو م ي م ن الأَ م وا ي ت يفِ ال ي و ي م الثَّا ي ل ي ث، وأَ ن يم ك ر ز ي بَ ي سْ ي ه ي بَلتَّ وب ي ة و م غ ي ف ري ة ال خ طا يَ ي ل ج ي ميعي الأُ م ي م، م بت دأ ي م ن
1 . 00 : ( لوقا 10
2 - . 50 53 : ( متّى 29
411
أُو م ر ش ي ل ي وأَن م تُ لَ أَ ن تمل ب م سوا
ِ
ل ي م ك م و ي ع د أَ ي ب. ف أَ ي قيمموا يفِ م ي دين ي ة أُو م ر ش ي ل ي ا
ِ
م شهمودٌ ي لَّ ي لِ. و ها أَ ن أُ ر ي س م ل ا قموَّ ة ي م ن
(» الأَع ا ي ل 1 . )
وهذا النصّ في فهم الباحث يضع فيه كاتب الإنجيل أساساً لانطلاق النص ا رنية من - –
الأرض التي صُلب فيها المسيح وقام من قبره بزعمهم، فهو يعطي لهذه الأرض قدسية –
مطلقة، إذ فيها ظهر الإله المزعوم على الأرض معتب ا رً إياها منطلقاً صريحاً ووحيداً للبشارة به،
ستنزل على أرض )أورشليم(، وفي هذا إشارة أيضاً » قموَّ ة ي م ن الأَع ا ي ل « على أن يظلّ أتباعه منتظرين
إلى ما سبق من دعوى انتقال الوعد المقدّس إلى أتباع )يسوع المخلّص(.
وقد ورد على لسان مؤلف "أعمال الرسل" ما يؤكد ذلك، إذ في هذا اللقاء الروحاني العجيب
و م ه و ي ظه م ر ل م ه م أَ رب ي ع ين ي و ما، وي ت كََّ م م ع ي ن - – « !) أي بعد القيامة أمَر يسوعُ أتباعه أن )ل يبرحوا أورشليم
الأُ م مو ي ر ال م م خت اَّ ي ة ي ب مل م كو ي ت ي الل ، وي فيم ا م ه و م جت ي معٌ م عهم م أَ و صا م ه أَ ن لا ي بَ م حوا ي م ن أُو م ر ش ي ل ي، ب ل ي ن ت ي ظ م روا م و ي ع د الأ ي ب
(» ا يَّ لَّي ي سْ ع م ت م مو م ه ي م ي نِ 2 . )
كما بشّرهم المسيح بأنهم سيكونون شهوداً له في )أورشليم( ومنها إلى أقصى
ل ي كنَّ م ك ست ن المو ن قموَّ ة م تَّ حلَّ الرُّو م ح ال م ق م د م س ع ل ي م ك، « ، الأرض، وذلك بقوة الروح القدس الذي وهبهم إياها
لَ أَق ص الأَ ر ي ض
ِ
(» وت م كونمو ن ي ل م شهمو دا يفِ أُو م ر ش ي ل ي و يفِ م ي كُ ال يَمو ي دي يَّ ة والسَّا ي م ري ة وا 3 . )
يلاحظ الباحث أنّ سيرة المسيح في القدس قد كرّسها مؤلفو الأناجيل في معظمها
لقضية )نهاية يسوع( وبدء الدعوة الجديدة )نص ا رنية ما بعد المسيح(، وكأنّ الم ا رد من القدس أن
تكون حسم زعم العهد الجديد منطلقاً للدعوة الجديدة المرتكزة على قصة صلب المسيح وفدائه - –
وقيامته والوعد بعودته الثانية.
لذلك نجد أنّ مؤلف أعمال الرسل يذكر أنّ التلاميذ بد ؤوا بعد المسيح )تبشيرهم( من
)أورشليم(، كيف لا وهي الآن جزءٌ أساس من وصية يسوع الأخيرة في ظهو ره على الأرض بعد
1 – . 61 24 : ( لوقا 26
2 – . 6 0 : ( أعمال الرسل 1
3 . 9 : ( أعمال الرسل 1
410
ف وق ف بم ط م ر م س م ع الأَ ح د ع شَ و رف ع ص وت م ه وق ا ل ل هم م: أَيُّه ا ال ي ر جا م ل ال يَمو م د والسَّا ي ك م نو ن يفِ أُو م ر ش ي ل ي ... « !؟ قيامته
أَ جَ م عو ن لَ كَلي مي
ِ
(» ... ، ي ل ي م ك ن ه ذا م علمو ما ي ع ن د م كم وأَ ص م غوا ا 1 . )
حتى إنّ المرضى من كل البلاد أصبحوا ينقلون إلى )أورشليم( حيث التلاميذ، الذين يشفون
م رضاهم من كل داء )سبق وأن أُعطوا السلطان على ذلك من يسوع(، وتكاثر عدد التلاميذ في
لَ أُو م ر ش ي ل ي « .. المدينة المقدّسة
ِ
وا جت م ع م جَهمو م ر ال م م م د ي ن ال م م ي حي ط ي ة ا حا ي م ي ل ين م ر ض و م عذَّ ي ب ين ي م ن أَ ر واحٍ ي نَ سةٍ،
(» و كَنموا يم بَأُو ن ي جَي م عهم م 2 و كَن ت ي كَ م م ة ي الل ت ن م مو، وع د م د التَّ لا ي مي ي ذ ي ت كَث م ر ي جدًّا يفِ أُو م ر ش ي ل ي، و م جَهمورٌ ك ي ثيرٌ ي م ن « ، )
ال كه ن ي ة يم ي طي م عو ن يم ا ن
ِ
(» الا 3 . )
وكان من أهم من بدأ دعوته من المدينة المقدّسة، بولس، المؤسس الجديد، والتلميذ المفاجئ
ول مَّا جا ء شا م و م ل لَ - - « الذي ظهر له الربّ وأوصاه بقيادة الركب بزعمهم
ِ
ا أُو م ر ش ي ل ي حا و ل أَ ن ي ل ت ي ا ي بَلتَّ لا ي مي ي ذ، و كَ ن ال ج ي مي م ع يَافمون م ه غ ير م ا ي د ي ق ين أَن مَّ ه ي تل ي ميذٌ . ف أَ خ ذ م ه ب ر ن بَ وأَ ح ضم ه لَ
ِ
ا الرُّ م س ي ل، و حدَّ م ثَ م ك ي ف أَب صر
الرَّبَّ يفِ الطَّ ي ري ي وأَن مَّ ه كََّ م م ه، وك ي ف جا ه ر يفِ ي د م ش ي بَ ي سْ ي م سو ع . ف كَ ن م عهم م ي د م خ م ل و يَ م ر م ج يفِ أُو م ر ش ي ل ي و م يَا ي ه م ر
(» ي بَ ي سْ الرَّ ي ب ي م سو ع 4 . )
وما لبث أن صار بولس زعيم النص ا رنية، واعتبر أن غاية عمله هي )خدمة أورشليم(، إذ
خ و م ة، ي ب ي رب ن ا ي م سو ع ال م ي س ي ي ح، وي ب م حبَّ ي ة الرُّوحي، أَ ن م تجا ي ه م دوا م ي عي يفِ « : يقول في إحدى رسائله
ِ
ل ي م ك أَيُّه ا الا
ِ
ف أَ طلم م ب ا
لَ ي الل،
ِ
الاَّل وا ي ت ي م ن أَ ج ي ل ا ي ل كَ أُن ق ذ ي م ن ا يَّ لَّي ن م ه غ م ير م ؤ ي م ي ن ين يفِ ال يَمو ي ديَّ ي ة، وي ل كَ ت م كو ن ي خ د م يت لأَ ج ي ل أُو م ر ش ي ل ي
(» م ق م بو لَّ ي ع ن د ال ي ق ي دي ي س ين 5 . )
سات
ّ
مقد النصارى في فلسطين:
واستناداً إلى هذه القدسية والمكانة المزعومة لدى المسيح وأتباعه في نصوص العهد
الجديد لمدينة القدس وبيت لحم، فإنّ النصارى اتّخذوا لأنفسهم مقدّساتٍ في هذه البلاد، وربطوها
1 . 16 : ( أعمال الرسل 2
2 . 14 : ( أعمال الرسل 5
3 . 9 : ( أعمال الرسل 4
4 - . 29 24 : ( أعمال الرسل 1
5 – . 01 03 : ( رسالة بولس إلى أهل رومية 15
411
بالأحداث التاريخية المروية في هذه الكتب، وكذلك بالعقائد النص ا رنية الموروثة عن مؤلفي هذه
الكتب، ومن أهمّ هذه المقدّسات النص ا رنية كنيسة القيامة، " وتقع في مدينة القدس، و يُنسب بناؤها
إلى هيلانة) 1 ( والدة الإمب ا رطور الروماني قسطنطين الذي اعتنق النص ا رنية، إذ زعمت النصارى إ نه
بعد ست سنين خلت من ملك قسطنطين ظهر له من السماء شبه الصليب فأمر بالنص ا رنية،
وسارت أمه هيلانة إلى القدس في طلب )خشبه المسيح( التي تزعم النصارى أنّ عيسى صلب
عليها، ولما وصلت إلى القدس أخرجت خشبه الصليب، وأقامت لذلك عيد الصليب، وبنت )كنيسة
قمامة( على القبر الذي تزعم النصارى أنّ عيسى دفن فيه، وبنت المكان المقابل للقمامة
وكنيسة بيت لحم) ،» الدركارة « المعروف يومئذ ب 2 (، والكنيسة بطور زيتا) 3 (، بمصعد سيدنا عيسى
، وكنيسة الجيسمانية) 4 (، التي بها قبر مريم عليها السلام، وغير ذلك، وخ ربت هيكل بيت
1 ( هيلانة = هلينا: والدة الإمب ا رطور قسطنطين، أوّل من تنصّر من ملوك الرومان وثبت على دينه، حملت به
هيلانة من والده "قنسطنطيوس"، فلما أصبح "قنسطنطيوس" قيص ا رً طلب إليه "دقلديانوس" أن يتنحى عن "هلينا"
ويتزوج بثيودو ا ر ربيبة "مكسميان"، فطلقها، واعتنقت النص ا رنية بعدما تقلّد ولدها الحكم في الإمب ا رطورية، وأثّرت فيما
– .] )090 092/ بعد على ابنها الإمب ا رطور لاعتناق الدين الجديد ] انظر: قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 11
2 ( كنيسة بيت لحم = كنيسة المهد: وهي الكنيسة التي شيّدتها هيلانة أم الإمب ا رطور قسطنطين بين عامي 024
000 م، وهي مشيّدة فوق ما يُعتقد أنّه الكهف الذي وُلد فيه المسيح عيسى ابن مريم – في بيت لحم، وكانت
تسمّى قديماً أيضاً بكنيسة مريم، وهي من أقدم الكنائس المسيحية في العالم، ويعتبرها النصارى ثاني أقدس مكان
بعد كنيسة القيامة في القدس ] الموسوعة الفلسطينية الميسّرة، )ص 111 ( بتصرف [ . -
3( طور زيتا = جبل الزيتون = جبل الطور: سمي بجبل الزيتون لكثرة شجر الزيتون عليه، ويقوم حيّ الطور
عليه، وهو إحدى ضواحي القدس الآن، ويرتفع عن سطح البحر ) 924 م(، ويشرف على مدينة القدس القديمة من
الشرق، وهو المكان الذي يعتقد أن المسيح قد لجأ إليه هرباً من أذى اليهود، وأقيمت عليه مقدّسات إسلامية و
مسيحية ] الموسوعة الفلسطينية الميسّرة، )ص 111 ( بتصرف [ . -
4 ( كنيسة الجيسمانية = كنيسة سيدتنا مريم: تقع في وادي قدرون، في مكان متوسط بين سلوان وجبل الزيتون
وباب الأسباط، وتحتوي الكنيسة على قبور "مريم البتول" ووالديها، وكذلك قبر يوسف النجار، وقد بنيت بين عامي
659 م ] مركز المعلومات الوطني الفلسطيني، - 653 www.wafainfo.ps 2310 م [ . /34/ ، بتاريخ: 31
413
المقدس إلى الأرض، وهو الذي كان في المسجد، وأمرت أن يلقي في موضعه قمامات البلد
وزبالته، فصار موضع الصخرة الشريفة مزبلة" ) 1 . )
يقول شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله: " إ نما ظهرت )قمامة( في زمن قسطنطين الملك، -
لما أظهرتها أمه هيلانة الح ا رنية لما جاءت بيت المقدس، واختارت من اليهود ثلاثة، وسألتهم أن
يدلوها على موضع الصليب فامتنعوا، فعاقبتهم بالحبس والجوع، فدلّوها على موضعه في مزبلة
فاستخرجوه، وجعلته في غلاف من ذهب وحملته، وبنت كنيسة القمامة في موضعه") 2 . )
ويقول ابن القيّم رحمه الله: " تقدم قسطنطين إلى أسقف بيت المقدس أن يطلب موضع -
المقبرة والصليب، ويبني الكنائس، ويبدأ ببناء القيامة، فقالت هيلانة أمه: إني نذرت أن أسير إلى
بيت المقدس وأطلب المواضع المقدسة، أوبنيها، فدفع إلهيا الملك أموالا جزيلة، وسارت مع أسقف
بيت المقدس فبنت كنيسة القيامة في موضع الصليب") 3 . )
" ويعتقد النصارى في أدبياتهم أنّ دائرة الرخام البيضاء الموجودة في كنيسة القيامة في
القدس هي مركز الدنيا، والقيامة لديهم هي الحدث المركزي الأساسي، وهي قلب الإيمان
المسيحي، ومن دون القيامة لا وجود للمسيحية ولا معنى للعقيدة، وبالتالي فإن القدس التي هي –
موضع القيامة هي مركز العالم المسيحي ومنطلق النص ا رنية إلى المعمورة ") - 4 . )
وبدأ النصارى في القرن ال ا ربع الميلادي يبنون الكنائس والأديرة في القدس، وأ ا ردوا نكاية -
ببقايا اليهود غالب اً أن يحوّلوا طابع المدينة إلى مدينة مسيحية مقدّسة، بعدما كانوا يعتبرونها -
صارت مدينة وثنية قبل ذلك فكانوا يحتلّون المدينة في أعيادهم الرئيسية، وصاروا ينقلون الشعائر -
1( انظر: الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي العليمي، تحقيق: عدنان نباتة، مكتبة
193 (، أيضاً: تاريخ القدس المعروف بتاريخ أورشليم، خليل سركيس، مكتبة / دنديس/عمان، 1623 ه/ 1111 م، ) 1
- . )131 1621 ه/ 2331 م، )ص 133 ، الثقافة الدينية/بور سعيد، ط 1
2 . )161/ ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 0
3 . ) ( هداية الحيارى، ابن قيم الجوزية، )ص 219
4 ( القدس د ا رسات فلسطينية إسلامية ومسيحية، جريس خوري وَ عدنان مسلّم وَ موسى د رويش، مركز اللقاء
1114 م، )ص 09 ( بتصرف. - ، للد ا رسات الدينية والت ا رثية/القدس، ط 1
414
والطقوس الدينية المعتادة في روما إلى قلب )أورشليم(، وأضافوا إليها الطقوس المنسجمة مع
نصوص الكتاب المقدّس، فصار كتابهم المقدّس كتاب إرشاد سياحي في القدس وبيت لحم وما
حولهما، واستحدثوا أعياداً ومناسبات وطقوساً جديدة، ومنها السير في مواكب من بيت لحم إلى
القدس، والاحتفال بأعياد ميلاد المسيح، والخروج بالمسي ا رت الدينية في سفوح جبل الزيتون) 1 . )
وكان النصارى مندفعون إلى تثبيت وجودهم في )أورشليم( وجميع أنحاء فلسطين،
لشعورهم بتهديد كيانهم في هذه الأرض، وبدأوا ينتشرون في أرض فلسطين ليصعب استئصالهم بعد
ذلك، وكان خوفهم الأساس من جهة اليهود والحكام الوثنيين، لذا فبحلول عام 013 م أصبحت
مدينة القدس ذات ملامح نص ا رنية، ينتشر فيها الرهبان وال ا رهبات، وأصبح المسيحيون يمثّلون
غالبية سكانها، وفق روايات المؤرخين النصارى) 2 . )
وقد صنّفت حديثاً مؤسسة القدس الدولية نحو ثلاثين موقعاً مقدّساً للنصارى في مدينة
القدس، ومن أهمّها: عدا ما تقدّم طريق الآلم )وهو الطريق الذي سار فيه المسيح - – عبر
القدس بزعمهم حاملا الصليب من قصر الحاكم الروماني حتى موقع صلبه، وينقسم هذا الطريق - -
إلى 16 مرحلة(، ومنها: دير يوحنا المعمدان، ودير أبينا إب ا رهيم، ودير السلطان، وكنيسة الثلاث
مريمات، وكنيسة العذ ا رء البتول، وكنيسة حبس المسيح )الموضع الذي شهد حبس المسيح
في بيت الكاهن اليهودي(، وعدة أماكن على جبل الزيتون، وكنيسة الصعود، وكنيسة ظهور
جب ا رئيل لمريم العذ ا رء) 3 .)
سة:
ّ
مناقشة اعتقاد النصارى في الأرض المقد
إضافة إلى ما سبق من مناقشة أثناء العرض لهذا المطلب، فإنّ الباحث يسجّل جملة من
الملاحظات على اعتقاد النصارى في الأرض المقدّسة، وأهمّها:
1( انظر: القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، ترجمة: د. فاطمة نصر وَ د. محمد عناني، دار
- .)005 1119 م، )ص 002 ، سطور/ القاهرة، ط 1
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 021
3 ( انظر: مؤسسة القدس الدولية، الموقع الرسمي، ا ربط: www.alquds-online.org 2310 م. /4/ ، بتاريخ: 1
415
أولً: إنّ اعتقاد النصارى في الأرض المقدّسة ليس مستنداً إلى وحي سماوي، وهذا أمرٌ
جوهري في مسائل الاعتقاد والتقديس، فالنصارى يعتمدون في رواياتهم عن الأرض المقدسة على
كتابهم المقدّس )الدليل السياحي(، وهذا الكتاب مختلفٌ في أصوله وفروعه كما مرّ في المبحث –
الأول ولا يتفق النصارى على مؤلفيه، ولا على فت ا رت كتابته، ولا يُعرف له سند حقيقي، فكيف -
يجوز إذاً أن ينبني عليه أمر ديني وعقائدي؟!
وسائر ما نُقل في اعتقادهم في الأرض المقدّسة إنما هو عن جمعٍ ممن يسميهم النصارى
بالرسل، وهم ليسوا رسلا " ونطالبهم بالدليل على أنهم رسل الله وليس لهم على ذلك دليل، فإنه لا
يثبت أنهم رسل الله إن لم يثبت أنّ المسيح هو الله، واثباتهم أن المسيح هو الله إما أن يكون بالعقل
أو بالسمع، والعقل لا يثبت ذلك بل يحيله وهم لا يدعون ثبوت ذلك بالعقل ... وانما يدّ عون ثبوت
وجوده بالسمع ... ولكن يقال لهم في هذا المقام أنتم لا يمكنكم إثبات كون المسيح هو الله إلا بهذه
الكتب، ولا يمكنكم تصحيح هذه الكتب إلا بإثبات أن الحواريين رسل الله معصومون، ولا يمكنكم
إثبات أنهم رسل الله إلا بإثبات أن المسيح هو الله، فصار ذلك دو ا رً ممتنع اً") 1 .)
ثانياً: إنّ سائر مقدّسات النصارى في فلسطين مبنية على أساسٍ رمزي لمعتقدات دينية
ثبت بُطلانها، فكنيسة القيامة )وهي المكان الأكثر قدسية في نظر النصارى(، قامت على أنقاض
صليبٍ مدفون مزعوم، فأساس رمزيتها قائم في فهم الباحث على معتقد النصارى بصلب المسيح - –
وقيامته، وما حول القيامة من الكنائس والأديرة والمقامات النص ا رنية قائمة على نفس الأساس،
ويعتقد حجّاجها بأن المسيح هو الله، ويعتقدون بالثالوث، ويعبدون المسيح من دون الله ،
وهذه المعتقدات محلّ جدلٍ أيضاً بين النصارى، فقد اختلفوا وتناقضوا في مسائل الاعتقاد هذه كما –
سبق بيانه فلا هم متّفقون على مكان صلبه ولا موعده، ولا قبره، ولا طبيعة قيامته، ولا حتى حول -
طبيعة المسيح نفسه، وبالتالي فإنّ هذا ينقض اعتقادهم بالمقدّسات التي ترمز إلى هذه المعتقدات
محلّ الإشكال.
1 019 ( بتصرف . - / ( الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام ابن تيمية، ) 2
416
ومؤرخو النصارى أنفسهم يعترفون بأنّ حياة النصارى الدينية والروحية في )أورشليم( -
قبيل الفتح الإسلامي لها تحديداً كانت قد بلغت ذروتها من الخ ا رفية والأساطير، إذ استنسخ –
النصارى )بكائيات( اليهود عندما كانوا يتعرضون للنفي والاضطهاد والطرد من )أورشليم( - -
وصاروا ينقلون معهم بقايا الصليب المقدّس، والإسفنجة) 1 (، والح ربة التي نفذت من جنب المسيح
عند قتله، والكأس التي شرب منها في العشاء الأخير، وغير ذلك، ووضع النصارى لأنفسهم
جغ ا رفيا مقدّسة كاملة، تقوم على الأساطير التي كانوا يزدرونها في يومٍ من الأيام، إذ أصبحوا
يعتبرون أنّ أورشليم هي مركز العالم، ونبع الحياة، والخصب، والخلاص") 2 . )
ثالثاً: إنّ الجغ ا رفيا المحدودة للقدسية النص ا رنية مقارنةً بمعتقدهم في المسيح تبعث على
الغ ا ربة في فهم الباحث إذ كيف يجوز تقديس بقاع معيّنة، كموضعٍ لصليب خشبي مهترئ، أو - -
درب، أو جبل، أو ما شابه، إذا كان الأمر يتعلق بشخصية الإله والربّ كما يعتقدون ، فهل - –
يقتصر مي ا رث الربّ المتجسدّ على أرضٍ صغيرة محدودةِ المساحة؟!، واذا كان )ربّهم يسوع( قد
أُعطي بل وتلاميذه ملكوت السماوات والأرض، والروح القدس يحلّ عليهم ز ا رفات ووحدانا! فما - –
الحاجة بعد ذلك إلى مي ا رث الأرض المقدّسة؟! ويتضح للباحث بأنّ هذا الإشكال هو فرع عن أصلٍ
كبير ورّط فيه النصارى أنفسهم، ذلك عندما قالوا بألوهية المسيح وبنوّته لله .
لذلك ت ا رهم يميلون دوماً إلى التفسي ا رت الغامضة والغريبة التي ل تحمل وجهاً مقبولً في
اللغة والمنطق، فترى قساوستهم ورهبانهم يعبّرون عن قداسة )أورشليم( في مواعظهم وأدبياتهم
بقولهم: نريد أن نجد الله هنا على الأرض بدلاً من إرهاق أنفسنا إلى الأبد في الوصول إلى الأشياء
العلوية!، وقولهم: كيف لا تصبح المدينة مقدّسة بعد أن شهدت خلاص العالم، فهي لم تُذنب
بحادثة الصلب، ولم يكن الصليب عا ا رً وخزياً بل مجداً وتاجاً لأورشليم!، وقولهم: إنّ الأماكن
1 ( الإسفنجة هنا إشارة إلى ما ورد في الأناجيل بأنّ قتلة المسيح بزعمهم قد وضعوا خلاً على إسفنجة - -
. ] 21 : 04 ، يوحنا 11 : 69 ، مرقص 15 : وسقوه منها وهو على الصليب؛ إمعاناً في إهانته ] انظر: متّى 29
2 049 ( بتصرف. - ، ( القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 045
417
المقدّسة في أورشليم تعين المسيحيين على الاتصال بالقوة الإلهية؛ فهي الأماكن التي لمس الله فيها
عالمنا!) 1 . )
" والإمب ا رطور قسطنطين الذي لم يحضر افتتاح الكنيسة التي أتمّ بناءها في القدس عام
005 م، طمأنه كبير الأساقفة الحاضرين قائلاً: إنّ غيابه عن )إيليا( لن ينتقص من ممارسته
المسيحية، )فالكلمة( يمكن أن تزوره في القسطنطينية بالسهولة التي تزوره بها في أورشليم
الجديدة!") 2 . )
لكن هذه الجغ ا رفيا المحدودة للقدسية النص ا رنية " بدأت تتمدد )بدوافع سياسية غالباً( منذ عهد
قسطنطين فصاعداً، فأخذت خريطة الجغ ا رفيا المقدّسة تتوسع، ولم تلتزم حدود الأرض المقدّسة التي
ذكرها الكتاب المقدّس )أي مواضع سير المسيح(، إنما أصبحت تضمّ ما شيّده النصارى بعد ذلك
من مبانٍ وأديرة وكنائس، فحوّلوا المكان إلى مكان مقدّس، وفي القلب منه )أورشليم المقدّسة(") 3 . )
ا ربعاً: إنّ ادّعاء النصارى في فهم الباحث بأنّ الصليب هو رمزٌ للفداء والخلاص، وأنّ - –
حادثة الصلب المزعومة للمسيح كانت أم ا رً طبيعياً وصحيحاً، بل و)مجداً لأورشليم( كما مرّ –
آنف اً يتناقض مع نصوص كتابهم المقدّس الذي أورد خبر بكاء المسيح - على )أورشليم(،
يَ أُو م ر ش ي ل م ي، يَ « : وحسرته عليها، واخباره بأنّ المدينة متخصصة في قتل الأنبياء، ونعتها بقوله
ل يَ ا
ِ
(» أُو م ر ش ي ل م ي! يَ ق اتي لَ الأَن ي بي ا ي ء و را ي جَ ة ال م م ر س ي ل ين ا 4 (، ولم يشر المسيح بحسب كتابهم المقدّس في - -
أي من كلامه إلى أنّ المجد والفخر سيكون لأورشليم لأنّ قومها سيقتل ونه!، وهذا لا ينفي قدسية
المدينة، إنّما المقصود هو الردّ على النصارى في تقديسهم لأماكن بعينها، وتبري ا رتهم المتهافتة لهذا
التقديس، والله أعلم.
1 - .)023 ( انظر: القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 019
2 ( المصدر السابق، )ص 019 ( بتصرف. -
3 ( المصدر نفسه، )ص 059 ( بتصرف . -
4 . 09 : ( متّى 20
418
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ اعتقاد النصارى في الأرض المقدّسة في جملته، يُلزمهم بما يعتقده اليهود فيها، نظ ا رً
لإيمانهم بالعهد القديم وتقديسه، فهم فيه شركاء، وما اختلفوا فيه فهو خلاف بشري يدل على
التناقض في أصول المعتقد، مما يؤكد تهافت اعتقاد الفريقين في هذا الباب.
ثانياً: يشير العهد الجديد تصريحاً وتلميحاً إلى انتقال الوعد الإلهي المزعوم لإب ا رهيم
بو ا رثة الأرض المقدسة إلى المسيح وأتباعه.
ثالثاً: اهتمّ كتبة العهد الجديد بإضفاء الأهمية الدينية لمدينة القدس خاصة، واعتبروها مركز
الديانة التي ينبغي أن تعمّ المعمورة.
ا ربعاً: اتّخذ النصارى لهم مقدّسات صنعوها بأيديهم في الأرض المقدّسة، وهي مرتبطة في
معظمها باعتقادهم في المسيح ، خاصة قضية صلبه المزعوم وقيامته المفت ا ره، وطريق آلامه
المدّعى، ولم يكن لهذه المقدّسات سند بوحي ثابت أو أمر نبوي.
خامساً: ليس للنصارى حقّ ديني أو تاريخي في فلسطين، وما قيل في الردّ على اليهود في
دعواهم المماثلة، يقال في حقّ النصارى كذلك، فالحق الديني منتقضٌ بأمرين أساسيين وهما: عدم
ثبوت الوعد الإلهي الأول المزعوم وتهافته، وعدم صحة اعتقاد النصارى في المسيح ،
فمسيحهم هو إله ورب معبود مصلوب، وهذه العقائد متناقضة وباطلة في الشرع والعقل، ومردود
عليها، والحق الديني المزعوم للنصارى مرتبط بهذه العقائد، فإذا بطل المبدأ بطل الفرع، والحق
التاريخي للنصارى مردودٌ عليه بما تقرر في الردّ على اليهود من ناحية الحقّ السابق لأصحاب
الأرض من العرب، وورثتهم الع رب المسلمون فيما بعد، وعدم ثبوت الحق الديني والتاريخي لا يعني
عدم حق النصارى في العيش على أرض فلسطين، خاصة وأن نصارى فلسطين هم من العرب،
وقد أقرّ الفتح العمري بوجودهم وحفظ لهم الحق في العبادة والعيش الآمن.
419
المطلب الرابع:
اضطراب وتباين الطوائف النصرانية في هذه العقيدة
اتضح للباحث أنّ اضط ا رب النصارى في عقيدتهم في الأرض المقدّسة هو غالب اً فرعٌ عن - -
اضط ا ربهم في أساس عقائدهم؛ ذلك أنّ تقديس النصارى للأرض هو بسبب ما دار عليها من
أحداث مزعومة، وبسبب عقيدتهم الأساسية في الربوبية والألوهية والنبوّة.
" وبسبب الضط ا رب في الديانة النص ا رنية، نشأت مذاهب وفرق ل تكاد تقع تحت حصرٍ،
منذ البدايات وحتى عصرنا الحاضر، وذلك لأنّ المسائل التي أعلنتها النص ا رنية على الملأ ليست
من طبيعةٍ يمكن البرهنة عليها سلباً أو إيجاباً؛ بسبب إيغالها في الغَيْبية، وغموضها الشديد، حتى
ليتعذّر صوغها في لغةٍ بشرية، مهما دقّت واتّسعت، إذ ستظل اللغة عاجزةً عن الإحاطة بمضمونٍ
هو مطلقٌ عن الحدود والقيود، كالألوهية ذاتاً وأسماءً وصفات") 1 . )
وقد التفت كتبة العهد الجديد في تقدير الباحث إلى خاصية )التناقض في التقديس(، - –
فحرص كاتب إنجيل متّى مثلا أن يورد على لسان المسيح - - لا تم ع م طوا « : نصاً مفاده
ال م ق د س ي لل ي كَلب، (» و لا ت ط ر م حوا م د ر ر م كم قمدَّا م ال خن ا ي زي ي ر، ي لئ لاَّ ت م دو سه ا ي بأَ ر م ج ي له ا وت ل ت ي ف ت ف م ت م ي زق م ك 2 (، إذ يشير النصّ
إلى ضرورة إبقاء المقدّسات في إطار الغيب، لأنّ إظهارها با ب لإبطالها.
يقول القس أنطونيوس فكري في تفسيره لهذا النص: " ومعنى هذه الآية أن لا نقدم ولا نتكلم
عن مقدساتنا للمستهزئين؛ فأس ا رر ملكوت الله ل تقدم إل لمن يقيمونها حق قيمتها ويتقبلونها
بخشوع وورع ... والقدس مشبه هنا بالدرر الثمينة التي ينبغي أن نحافظ عليها، إذًا علينا أن
نعرف ماذا نقدم ولمن نقدمه" ) 3 . )
1 ( الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الإسلام، نهاد خياطة، دار الأوائل/ دمشق، ط )بدون(،
92 ( بتصرف. - - )ص 91
2 . 4 : ( متّى 9
3 ( تفسير الكتاب المقدّس، القس أنطونيوس فكري، موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية/ مصر،
ا ربط: http://st-takla.org 2310 م. /34/ ، بتاريخ: 13
401
ومن أوجه اضط ا رب النصارى في عقيدتهم في الأرض المقدّسة ما يلي:
أولا : موقف مسيحيي القرن الأول:
إنّ عقيدة النصارى في الأرض المقدّسة مبنية على الصورة الأخيرة للنص ا رنية التي استقرّت
عليها بعد المسيح بفت ا رت طويلة، وهي مرتكزة على ما ورد في العهد الجديد من أحداث
وقصص لحياة المسيح ، ومكانة خاصة للقدس ومواضع فيها، ومرّ في المطلب السابق كيف
أنّ المسيح قد أعطى أتباعه أم ا رً بأن "لا يبرحوا أورشليم" في لقائه الأخير معهم.
لكنك تجد أنّ مؤرخي النصارى يقررون بأن المسيحية التي كانت مسيطرة على الكنيسة
في القرن الأول الميلادي هي المسيحية اليهودية، والتي تنكّرت للنص ا رنية البولسية ورفضتها، -
بل وتصادمت معها في مواطن، وهذه الجماعة الصغيرة شكّلت مذهباً يهودياً أميناً على مقدّسات
اليهود وممارساتهم وم ا رسم معبدهم، ولم تكن هيمنتها طيلة القرن الأول الميلادي مخصصةً في - –
القدس وفلسطين، بل كانت منتشرةً في كل مكان، سابقةً على الرسالة البولسية، حتى أنها اعتبرت
روما مرك ا زً مهماً، ووصل إنجيلها إلى إفريقيا قبل أي إنجيل آخر) 1 . )
يقول موريس بوكاي معلّقاً على هذه الحقيقة: "من المهم أن نعرف هذه الوقائع لندرك في أي
جو من الن ا زع بين الطوائف كُتبت الأناجيل، ولتوضيح أنّ النصوص التي بين أيدينا اليوم بدأت بعد
كثير من تعديلات المصادر، حوالي سنة 93 م، في العصر الذي كانت فيه الطائفتان المتنافستان
في ألدّ الخصام، وأن اليهود المسيحيين كانوا ما برحوا هم المسيطرين") - 2 . )
والعجيب أنّ بولس، المؤسس الحقيقي لعقائد النص ا رنية ومنها العقيدة في الأرض –
المقدّسة " كان يُنظر إليه على أنه خائن لفكرة المسيح من قبل أسرته، ومن قبل الرسل الذين -
بقوا في القدس، ولكنّه صنع المسيحية على حساب الذين أحاط بهم المسيح نفسه لينشر
تعاليمه") 3 .)
1 - . )92 ( انظر: التو ا رة والإنجيل والقرآن والعلم، موريس بوكاي، )ص 91
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 92
3 ( المصدر نفسه، )ص 90 ( بتصرف. -
400
ثاني ا: موقف الآريوسيين:
وهؤلاء هم أتباع القديس آريوس، الذي تم لعنه وحرمانه وطرده وتكفيره في مجمع نيقية، كما
سلف.
وأفكار هذه الطائفة اعتبرتها النص ا رنية الأرثوذكسية هرطقةً وزندقة، وشكّلت خط ا رً على
العقيدة النص ا رنية )عقيدة بولس( خلال القرون العشرة الأولى من التاريخ النص ا رني، ويقوم خلاف
الكنيسة مع الآريوسيين على نقطة واحدة وهي: اعتبار الآريوسيين المسيح بش ا رً وليس إله اً) 1 .)
"وقد لقي هذا المذهب قبولاً عند جمعٍ من النصارى وخاصة بعض الأساقفة والأباطرة، وكانت
فكرة آريوس عن الإله العلي تلقى قبولاً عندهم؛ إذ هم يميلون إلى التواحد مع هذا الإله أكثر من
ميلهم إلى التواحد مع إله ضعيف سلبي يخضع بدون مقاومة إلى الشهادة، ويتجنّب الاتصال
بالعالم! )أي المسيح بزعمهم(") 2 . )
ولا يخفى أنّ هذا المذهب التوحيدي الذي اعتبرته النص ا رنية بدعة وكف ا رً هو مذهب - –
يقضي على عقيدة النصارى في المسيح ، وبالتالي في الأرض المقدّسة والمقدّسات القائمة على
فكرة ألوهية المسيح، وصلبه وآلامه وخلاصه للعالم.
ثالث ا: دور قسطنطين:
تعرض الباحث في المطلب السابق إلى طرفٍ من دور الإمب ا رطور قسطنطين وأمّه هيلانة
في تأسيس الكثير من الكنائس في فلسطين، وأهمّها كنيسة القيامة، وكان له الأثر الأهمّ في تثبيت
العقيدة النص ا رنية في الأرض المقدّسة، من خلال دوره في مجمع نيقية.
" ففي مجمع نيقية، الذي قاده ووجّهه قسطنطين عام 025 م، أُعلن المسيح "إلها" بالتصويت
)نتيجة التصويت كانت 219 قبول، 2 رفض، بذلك تم إق ا رر أن الآب هو الابن(!، وبعد عام أمر
قسطنطين بإتلاف جميع النُسخ التي تعارض التعاليم الأرثوذكسية، كذلك عمد إلى رصد مبالغ
1 . ) ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الإسلام، نهاد خياطة، )ص 91
2 ( المصدر السابق، )ص 90 ( بتصرف يسير. -
401
ثابتة خصصها للكنيسة، ثم في عام 001 م كلّف لجنة جديدة بإعداد نسخ جديدة من الكتاب
المقدّس، ورصد لها المال اللازم، وقد كان هذا أحد العوامل الحاسمة في تاريخ المسيحية
بكامله") 1 .)
"وفي هذه اللحظة الهامة استغّلت الأرثوذكسية الفرصة، وأعادت تنقيح الوثائق التي بين
أيديها وأعادت تحريرها وصياغتها، بما يتوافق مع مبادئها، وهي اللحظة التي أُدخلت فيها معظم
التغيي ا رت الحاسمة على العهد الجديد") 2 . )
وحاصل الأمر أنّ هذا الإمب ا رطور الذي كان له أثر كبير في وجود النص ا رنية على أرض
فلسطين، هو الذي أشرف على صياغة العقيدة النص ا رنية على المذهب البولسي المحرّف، وبالتالي
أنتج فك ا رً نص ا رنياً مشوّهاً حول أحداث حياة المسيح على الأرض المقدّسة، وما ترتب على
ذلك من مقدّسات نص ا رنية، واعتقادات مستقبلية.
رابع ا: عدم مركزية "أورخليم":
بالرغم من أّن العهد الجديد يدعو )أورشليم( بمدينة الله، وأنّ المسيح أمر رسله بالم ا ربطة
فيها بزعمهم ، واعتبارها منطلق الديانة، إلاّ أنّ واقع الكنائس في التاريخ النص ا رني ينقض ذلك، - -
فقد وقع الانفصال الكبير في الكنيسة إلى شرقية وغربية، كان من أهمّ مقدّمات هذا الانفصال أن
أخذت الكنيسة الغربية بدء اً من القرن ال ا ربع الميلادي تسيطر على الحياة الكنسية في العالم - –
المسيحي لعدة قرون، وتحرّف في العقائد والطقوس والقوانين، وجعلت البابا أ رساً وحاكماً أعلى لكل
الكنيسة المسكونية، وقد أ رت الكنيسة الشرقية في ذلك خروجاً عن الدين المسيحي وتحريفاً
واضحاً لتعليمات السيد يسوع والرسل) 3 . )
1 514 ( بتصرف. - - ( الدم المقدّس والكأس المقدّسة، ميشيل بيجنت وَ هنري لنكولن وَ ريتشارد لي، )ص 515
2 ( الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الإسلام، نهاد خياطة، )ص 23 ( بتصرف. -
3 2335 م، ، ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، دار الأوائل/دمشق، ط 2
.) )ص 04
403
ودبّ الص ا رع الفكري والقومي في الكنيسة، فلم تعد المسألة مسألة دين، ولكنها باتت مسألة
سلطة وقومية، فانفصلت كل كنيسة تبعاً لشعورها الوطني تجاه بطارقتها، وادّعت كل كنيسة
السلطة على نصارى العالم) 1 . )
ووسط هذه الص ا رعات لا ذكر لأورشليم كمدينة الله أو كوصية يسوع، أو كمحلّ لنشر الديانة
كما هو مسطور في الكتاب المقدّس.
بل إنّ المتتبع لتاريخ الكنيسة يجد أنّ كنيسة القدس لم تحصل على مرتبة "كرسي الأسقفية"
)وهو منصب كنسي يعطى لأساقفة للمدن الكبرى( بين الكنائس الكبرى، سوى بعد مجمع - -
خلقيدونية، إذ لم تكن كنيسة القدس تعتبر كنيسة مركزية أو كبرى سوى بعد منتصف القرن
الخامس الميلادي، وقد سبقها في ذلك أربع كنائس كبرى، وهي: كنيسة أنطاكية، وكنيسة روما،
وكنيسة الإسكندرية، وكنيسة القسطنطينية، وحلّت كنيسة القدس خامساً، ولم يمنح أسقفها لقب
)بطريرك( إلا متأخ ا رً) 2 . )
ومن المؤرخين النصارى من يقرر بأنّ قضية تقديس الأماكن التي ابتدعها النصارى في
القدس في منتصف القرن ال ا ربع واعتبروها مواضع حياة المسيح ومعاناته وصلبه وغير ذلك،
لم تكن سوى تخمينات وتقدي ا رت لنصارى القدس، ول سند لها من جهة التاريخ، كما أنّ أسقف
القدس كان يسوّق هذه الأماكن المقدّسة في حملته لجعل القدس مرك ا زً للكنيسة) 3 . )
خامس ا: تشتت كنائس القدس:
تنتمي كنائس القدس وفلسطين عموم اً إلى طيف متنوع من الفرق والطوائف النص ا رنية - -
المتناقضة فيما بينها في أصل الديانة، وغالباً ما يكون الخلاف بين هذه الكنائس في طبيعة
المسيح وأمّ ه العذ ا رء، وال روح القدس، وغيرها من قضايا العقيدة الأساسية.
1 . ) ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم ، )ص 60
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 61
3 .) ( انظر: القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 214
404
لذا فإن الباحث قد تتبع الطوائف النص ا رنية التي تتواجد في القدس، كنموذج على الخلاف
المتجذر، والن ا زع القديم الحديث بين طوائف النصارى، وما لذلك من أثر في جملة اعتقادهم.
إذ تضمّ الطوائف النص ا رنية في مدينة القدس نحو ثماني طوائف وفرق أساسية، وهي
كالتالي) 1 :)
أ. الروم الأرثوذكس) 2 :)
وهي الطائفة التي مثّلت أغلبية نصارى القدس في القرن التاسع عشر، وسيطرت على أغلب
الأماكن المقّدسة في القدس وجوارها، وحدث ص ا رع عنيف داخل هذه الطائفة في القدس بين
الرهبان اليونانيين والنصارى العرب، بسبب استحواذ اليونانيين على المناصب الدينية العليا في
الكنيسة.
ب. الروم الكاثوليك) 3 :)
1 - 2339 م، )ص 231 ، ( انظر: نصارى القدس، أحمد حامد القضاة، مركز د ا رسات الوحدة العربية/بيروت، ط 1
213 (، انظر أيضاً: مؤسسة القدس الدولية، الموقع الرسمي، ا ربط: www.alquds-online.org ، بتاريخ:
2310/4/11 م، انظر أيضاً: مجلّة فلسطين "السفير العربي"، دار العروة الوثقى/بيروت، العدد 19 ، الصادر في:
.) 2311/13/15 م، )ص 23
2 ( الروم الأرثوذكس = الكنيسة الشرقية: وهي طائفة من النصارى تعتقد بانبثاق الروح القدس من الآب فقط دون
الابن، على خلاف الكنيسة الغربية، انشقّت عن الكنيسة الغربية الرومانية الكاثوليكية، وعقدت لذلك مجمعاً في
القسطنطينية عام 991 م، ويسمى المجمع الشرقي اليوناني، قام هذا المجمع بإلغاء ق ا رر المجمع الغربي اللاتيني
السابق له )عام 941 م( حول انبثاق الروح القدس، وكان هذا المجمع السبب في انفصال الكنيسة ] انظر:
.] ) محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 153
3 ( الروم الكاثوليك: أتباع الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، والتي تمثّل أكبر تجمّع للنصارى في العالم، إذ يقدّر عدد
أتباعها بنحو مليار نسمة، ويقود الكنيسة الكاثوليكية البابا، وهو أسقف روما، من مقرّه بمدينة الفاتيكان، ومن أقدس
مقدّسات الكاثوليك "كاتد ا رئية القديس بطرس" في الفاتيكان في روما، وتعتبر الكنيسة الكاثوليكية نفسها الوريث
الشرعي والوحيد للكرسي الرسولي الممتد من بطرس إلى بابا اليوم، وبالتالي و ا رثة مهمة الرسل، وتعترف هذه
الكنيسة بق ا ر ا رت المجامع المسكونية جميعها منذ نيقية وحتى آخر مجمع في القرن الماضي ] انظر: الفرق والمذاهب
- . ] )41 المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 49
405
وهي الطائفة التي انشقّت عن الروم الأرثوذكس، وتتبع لهم كنيسة "القديسة حنّة" ) و"حنّة"
هي في اعتقاد النصارى والدة مريم العذ ا رء(، وتقع الكنيسة شمال المسجد الأقصى المبارك، وكذلك
كنيسة "القديس أنفريوس"، وعدد من الأديرة الأخرى.
ت. اللاتين:
وهي تتبع الكنيسة الكاثوليكية الغربية، هي ليست مستقلة عنها، بل هي أشبه بأسقفية أو
مط ا رنية، ي أ رسها في القدس بطريرك يلقب ببطريرك القدس على اللاتين، وهم من بقايا الحروب
الصليبية في بلاد الشام، وكانت هذه الطائفة محرومة من رئيس كنسي مقيم في القدس حتى أواسط
القرن التاسع عشر، ثم تمّ إعادة إحيائها لظروف سياسية، ولم ترحّب طوائف النصارى الأخرى في
القدس بإعادة اللاتين إليها وجرى ن ا زع طويل ومرّ بينها وبين الأرثوذكسية على رئاسة كنيسة
القيامة، ولهم من المقدّ سات في القدس "دير اللاتين" شمال غرب ما يعرف ب "حارة النصارى".
ث. الأقباط) 1 :)
وكانت أول مجموعة منهم تصل القدس عند تدشين كنيسة القيامة أواسط القرن ال ا ربع، وهم
تبعٌ لبطريرك الأقباط في مصر، ولهم في القدس "دير السلطان"، وهو من الأديرة القديمة في
القدس، ويقع قرب كنيسة القيامة، وله أهمية خاصة عند الأقباط، وتنازع الأقباط في ملكيته مع
الأحباش) 2 (، كما يوجد في القدس للأقباط دي ا رً يسمى ب "دير مار أنطونيوس" شمال كنيسة "القديسة
هيلانة"، و كذلك "دير جرجس" الذي شيّد في العصر العثماني قرب باب الخليل.
1( الأقباط: هم أتباع الكنيسة المصرية التي انفصلت عن السلطة الكنيسة الغربية بعد مجمع خلقيدونية عام 651 م،
وانصرفوا إلى طقوسهم المحلّية وط ا رئق عباداتهم المصرية، انتصا ا رً لهويتهم الوطنية ضد الهيمنة الكنسية في الغرب
الأوروبي، ويعتبر الأقباط بأنّ مؤسس كنيستهم هو "القديس مرقص" ] انظر: تاريخ المسيحية الشرقية، عزيز سوريل
. ] )00 ، 2335 م، )ص 11 ، عطية، ترجمة: إسحاق عبيد، المجلس الأعلى للثقافة/مصر، ط 1
2( الأحباش: وهم النصارى التابعون لكنيسة الحبشة، وهم يندرجون ضمن الكنائس الأرثوذكسية )اللا خلقيدونية(
وكانت كنيسة الحبشة مرتبطة ببطريركية الأقباط في القاهرة، إلا أنّها عادت واستقّلت عنها، ورعيّتها نحو ثلاثين
مليوناً ] الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 40 ( بتصرف[ . -
406
ج. الأحباش:
وصلوا إلى القدس أواسط القرن ال ا ربع، وكانوا يتبعون البطريركية القبطية في مصر، وعاشوا
في "دير السلطان" مع الأقباط، وتنازعوا مع اللاتين في القدس، ولهم من المقدّسات: "دير الحبش"
الملاصق لكنيسة القيامة، و"كنيسة الحبش" وتقع خارج أسوار المدينة القديمة.
ح. السريان) 1 :)
انقسموا عام 1442 م إلى أرثوذكس وكاثوليك، وعاشوا في القدس في مكان خاص بهم عرف
ب "محلة السريان"، وعلى الرغم من قلة عددهم إلاّ أنّهم أشرفوا على جزء من كنيسة القيامة بالتقاسم
مع الطوائف الأخرى، كما لهم "دير السريان" الذي يقيم فيه أسقفهم والذي عرف قديماً باسم كنيسة
"القديس مرقص" .
خ. البروتستانت:
ظهروا في القدس عام 1923 م، عن طريق عمليات تبشيرية، وعارضت طوائف النصارى
وجودهم وتنازعت معهم، وكذلك عارضتهم الدولة العثمانية، لكنّهم عادوا للعمل من جديد في
ثلاثينيات القرن التاسع عشر، ولهم في القدس منزلٌ على "طريق الآلام"، وكنيسة في جبل الزيتون.
د. الموارنة) 2 :)
1 ( السريان: وهم النصارى التابعون لمجموعة الكنائس الأرثوذكسية )اللاخلقيدونية(، واسم كنيستهم: "بطريركية
أنطاكية وسائر المشرق للسريان الأرثوذوكس"، ومقرّها دمشق، وتقدر رعيتها في العالم بنحو بنحو 0 ملايين
سرياني، لذا يدعى بطريركها: الرئيس الأعلى للكنيسة السريانية الأرثوذكسية في العالم ] الفرق والمذاهب المسيحية
منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 40 ( بتصرف[ . -
2 ( الموارنة = المارونية: "أتباع يوحنا مارون"، والذي اشتهر ب أ ريه سنة 449 م، قال بأنّ المسيح ذو طبيعتين،
ولكنه ذو إ ا ردة ومشيئة واحدة، من أجل ذلك فإن المجمع العام السادس في القسطنطينية اجتمع لمناقشة هذه النحلة
الجديدة، وقرر المجمع طرد مارون وتكفيره ولعنه وكل من يذهب مذهبه، فاضطُهد اتباع هذه النحلة ولاذوا بالف ا رر
إلى جبل لبنان، حتى قرّبتهم الكنيسة الرومانية إليها، حتى اعلنوا الطاعة للكنيسة الكاثوليكية والاتحاد معها سنة
1192 م ] محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، )ص 146 ( بتصرف [ . -
407
وهؤلء لم يكن لهم وجود حقيقي في القدس قبل عام 2813 م، إذ قدم عدد من الموارنة
من لبنان، واستقروا في القدس، ثم عملوا على إقامة نشاط ديني فيها، فأنشأوا "البطريركية المارونية"
على جبل صهيون في القدس.
وحاصل الأمر، أنّ الكنائس الموجودة في القدس تنتمي )كتابع( إلى طيف متنوع من
الكنائس والمذاهب المختلفة، والتي تتناحر في أصول العقيدة النص ا رنية.
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ الاعتقاد النص ا رني في القدس وفلسطين هو اعتقاد له علاقة مباشرة بالألوهية
والربوبية؛ إذ إنّ مناطق الحجّ النص ا رني إلى القدس هي في ظنّهم مواضع أقدام الإله ومواضع - –
آلامه وصلبه، وقيامته، وغير ذلك، وبالتالي فإنّ الخلاف في هذه الموضوعات، والاضط ا رب القائم
بين طوائف النصارى ومذاهبهم ينقض أساس اعتقادهم في الأرض المقدّسة.
ثانياً: إنّ عقيدة التوحيد التي ظهرت في القرن الأول الميلادي أي قبل ظهور الأناجيل -
والعهد الجديد تشير بوضوح إلى خلل اعتقاد النصارى اللاحقين )أتباع بولس( في كل المسائل -
المتعلقة بالمسيح وأرض فلسطين، وما دار فيها من أحداث مزعومة، كانت أساساً للاعتقاد اللاحق
بأنّها مركز العالم الروحي للنص ا رنية.
ثالثاً: هناك مفارقة مثيرة في التاريخ النص ا رني، وهي أنّ قسطنطين فاتح العصر الذهبي
للنص ا رنية ومؤسس كنائسها في القدس وما حولها، والذي ادّعى رؤية الصليب، هو نفسه الذي
أشرف على: تحريف العهد الجديد، وحرق نسخ الأناجيل التي تخالف أ ريه الظاهر، وتثبيت عقائد
التثليث وألوهية المسيح، بقوة السلطة السياسية!.
408
ا ربع اً: إنّ الثقل الكنسي في الغرب الأوربي، وتأخّ ر مكانة كنيسة )أورشليم( عبر التاريخ
النص ا رني مقارنة بغيرها من الكنائس، يشير إلى اضط ا رب في مبدأ اعتقاد النصارى بأنّ )أورشليم(
هي منطلق النص ا رنية، ووصية المسيح ، ومحلّ هبوط الروح القدس على الرسل والأتباع.
خامس اً: تعددت الكنائس والطوائف النص ا رنية في مدينة القدس بشكل كبير، وتنازعت في
السيادة على المقدّسات النص ا رنية، وابتدع كلٌ منها مقدّسات وأديرة ومعابد، وكان تنازعها فرعاً عن
التنازع في أصولها العقائدية، واختلافاتها في أصل الديانة.
409
المبحث الثالث:
رثار العقيدة النصرانية في الأرض المقدسة
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: الحروب الصليبية عل س
ّ
الأرض المقد ة
المطلب الثاني: الصهيونية المسيحية ودورها في تثبيت
اليهود في سة
ّ
الأرض المقد
المطلب الثالث: مظاهر الدعم الغربي )النصراني( المعاصر
لليهود في الأرض المقدسة
411
المطلب الأول:
سة
ّ
الحروب الصليبية عل الأرض المقد
تعرّض الباحث في المبحث الأول من الفصل التمهيدي لذكر فترة الحروب الصليبية على
الأرض المقدّسة) 1 (، كمرحلة من م ا رحل تاريخ النصارى على هذه الأرض، والذي اتّسم بالعنف،
وا ا رقة الدماء، و ازهاق الأرواح.
والمقصود في هذا المطلب التطرق للحروب الصليبية، ليس من الناحية التاريخية، أو سرد
الأحداث، وا نما من ناحية البواعث والأسباب والملابسات الدينية، وربط هذه الحروب بالعقيدة
النص ا رنية فيما يتعلق بالأرض المقدّسة.
العنف في العهد الجديد:
إنّ تجذّر العنف في الفكر النص ا رني لا يقتصر في فهم الباحث على ما ورد في العهد - –
الجديد فحسب، بل ما ورد في العهد القديم كذلك، مما استطرد الباحث في ذكره في الفصل -
الأول) 2 ( وذلك لإيمان النصارى بنصوص العهدين وتقديسهما، ولأنّ إلههم الذي حثّهم على القتال -
في العهد القديم هو ذاته في العهد الجديد، ولكنّه في الجديد أرسل ابنه بزعمهم في عملية انتحار - -
من أجل فداء البشرية، وهذه قمّة العنف المكتسي بحلّة روحانية خ ا رفية! .
وبالرغم من الدعاية النص ا رنية الواسعة التيّ تروّج بأنّ تعاليم )الكتاب المقدّس(، وخاصةً
الأناجيل، هي تعاليمٌ تدعو إلى السلام والوئام والحب والتعايش، إلاّ أنّ الحقيقة التي تتجلّى لكل
دارس متفحّصٍ لنصوص العهد الجديد، هي أنّه احتوى كما العهد القديم على الدعوة الصريحة - –
للعنف، حتّى على لسان المسيح بزعم مؤلفيه في صورٍ متعددة، ومن أهمّها: - -
1 - . )46 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 59
2 - . )262 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 209
410
2. المسيح جاء ليلقي على الأرض سيفاً ونا ا رً وانقسام اً:
جاء ذلك بشكلٍ صريح وواضح على لسان المسيح بزعم كاتب الإنجيل ، حيث ورد - -
لا ت م ظنُّوا أَ ي ن ي جئ م ت لأُل ي ق ي س لا ما ع لى الأَ ر ي ض. ما ي جئ م ت لأُل ي ق ي س لا ما ب ل س يف ا. ي ن ي جئ م ت « : في إنجيل متّى
ِ
ف ا
ن سا ن
ِ
لأُف ي ر ق الا ن سا ي ن أَ ه م ل ب ي ي ت ي ه
ِ
(» ي ضدَّ أَ ي بي ي ه، والاب ن ة ي ضدَّ أُ ي مه ا، وال كنَّ ة ي ضدَّ حْا ي تِ ا. وأَع دا م ء الا 1 . )
كما جاء أيضاً على لسان المسيح ي جئ م ت لأُل ي ق ي ن را ع لى الأَ ر ي ض، ف ما ذا أُ ي ري م د ل ي و ا ض ط ر م ت؟ « :
و ي ل ي ص بغ ةٌ أَ ص ط ي ب م غ ه ا، و ك ي ف أَ نَ ي م صر حتََّّ تم كُ ل؟ أَت م ظنُّو ن أَ ي ن ي جئ م ت لأُ ع ي ط ي س لا ما ع لى الأَ ر ي ض؟ كَلَّ، أَقمو م ل ل م ك:
ب ي ل ان ي ق سا ما « ( 2 . )
إنّ هذه النصوص لا تحتمل تفسي ا رً سوى الدعوة إلى العنف والقتل وحمل السلاح على
الأقربين والأبعدين، وحاشا نبي الله أن يأتي برسالة السيف وينبذ رسالة السلام، وأن يُبعث
لتدمير البيوت والمجتمعات، لكنّها أمانيّ الذين سطّروا أفكارهم على لسان المسيح .
2. المسيح يأمر ببيع الأمتعة وش ا رء السيوف:
حيث جاء في إنجيل لوقا أنّ المسيح أمر أتباعه ببيع أمتعتهم الشخصية وش ا رء
ف ق ا ل ل هم م )أي المسيح(: ل ي ك ي ن الأ ن، م ن م له ي كيسٌ ف ل يأْ م خ ذ م ه و ي م ز ودٌ كذ ي لِ. و م ن ل ي س م له « : السيوف!، فيما نصّه
ف ل ي ي ب ع ث وب م ه وي ش ي تَ (» س يف ا 3 . )
وهل ش ا رء السيوف هو لنشر السلام والمحبّة؟! أم للقتال والذبح؟! لا شكّ أنها للقتال، ومادام
المسيح بواقع الحال لم يقاتل، فلا ريب أنّ كتبة الإنجيل قد ورّثوا تعاليم حمل السلاح إلى من
جاء بعد أزمان من المسيح ، واقتبس من أدبيات الإنجيل السيف والصليب، وخرج يقاتل
تحت شعا ا رت )ربّنا يسوع المخلص( و)مدينة الله(، وغيرها!! .
1 – . 04 06 : ( متّى 13
2 - . 51 61 : ( لوقا 12
3 . 04 : ( لوقا 22
411
0. بدون سفك الدم ل تحصل المغفرة:
و م كُُّ شَءٍ ت ق ي ري با ي ت طهَّ م ر ح س ب النَّا م مو ي س « : جاء في رسالة بولس للعب ا رنيين ي بَلَِّ ي م ، وي ب م دو ي ن س ف ي ك دمٍ
» لا تَ م ا م ل م غ ي ف رةٌ ! ( 1 . )
وتبقى مثل هذه الكلمات والعبا ا رت المفتوحة المسطورة في العهد الجديد، في متناول أتباع هذا
الكتاب، بما فيها من دعوة للعنف وسفك الدماء، إذ كيف تحصل لهم المغفرة ما لم يسفكوا الدم؟! .
4. غلبة الأمم مرتبطة بالدم:
وان احتوى العهد الجديد على كلمات غامضة ومفاهيم مطّاطة، فإنك تستطيع أن تفهم في -
باب العنف الربط بين غلبة )المؤمنين بابن الله( للأمم، )بشهادة الدم(! إذ الدم أحد الشهود الثلاثة -
م ن م ه و ا يَّ لَّي ي غ ي ل م ب « : على الأرض، إذ جاءت هذه النظرية العجيبة في رسالة يوحنا، حيث يقول
لاَّ ا يَّ لَّي يم ؤ ي م م ن أَنَّ ي م سو ع م ه و اب م ن ي الل؟
ِ
ال عال م، ا ه ذا م ه و ا يَّ لَّي أَ تَ ي ب ماءٍ و دمٍ ، ي م سو م ع ال م ي س ي م ح . لا ي بَل ما ي ء ف ق ط ، ب ل
ي بَل ما ي ء والَِّ ي م . والرُّو م ح م ه و ا يَّ لَّي ي شه م د، لأَنَّ الرُّو ح م ه و ال ح . نَّ ا يَّ لَّي ن ي شه م دو ن يفِ السَّ ما ي ء م ه ث لاث ةٌ: الأ م ب،
ِ
ف ا
وال ي كَ م م ة، والرُّو م ح ال م ق م د م س. وه م ؤ لا ي ء الثَّ لاث م ة م ه وا ي ح دٌ . وا يَّ لَّي ن ي شه م دو ن يفِ الأَ ر ي ض م ه ث لاث ةٌ: الرُّو م ح،
وال ما م ء، والَِّ م . (» والثَّ لاث م ة م ه يفِ ال وا ي ح ي د 2 . )
5. رمزية السيف في يد الربّ:
وفي مشهد العنف في العهد الجديد، تجد رمزيّة السيف في "رؤيا يوحنا اللاهوتي"، فصورة
الربّ بزعمهم في هذه الرؤيا، إلهاً عنيفاً مقاتلاً يحمل سيفاً، بل ويخرج من فمه سي ف ماضٍ - -
ذو حدّين، وت ا ره يضرب الأمم بالسيف، وينزع السلام من الأرض، ويضرب الأمم بعضها ببعض!
و م ع م ه يفِ ي ي د ي ه ال م ي م نَ س ب ع م ة ك وا ي ك ب ، « : ومما جاء في هذه الرؤيا و س يفٌ ماضٍ م ذو حدَّ ي ي ن يَ م ر م ج ي م ن
(» ... ف ي م ي ه 3 ف خ ر ج ف رسٌ أ خ م ر أَ حْ م ر، وي لل جا ي ل ي س ع ل ي ي ه « ،) أُ ع ي ط ي أَ ن ي ي نَ ع السَّ لا م ي م ن الأَ ر ي ض، وأَ ن ي قتم ل ب ع م ضهم م
1 . 22 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 1
2 - . 9 5 : ( رسالة يوحنا الأولى 5
3 . 14 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 1
413
(» ب ع ضا، وأُ ع ي ط ي س يف ا ع ي ظيم ا 1 و ي م ن ف ي م ي ه يَ م ر م ج س يفٌ ماضٍ ي ل كَ ي ي ض ب ي ب ي ه الأُ م م . و م ه و س يرع ا م ه ي ب ع اا ي م ن « ، )
(» ح ي ديدٍ، و م ه و ي م دو م س م ع صر ة خَ ي ر سُطي وغ ض ي ب ي الل ال ق ا ي د ي ر ع لى م ي كُ شَءٍ 2 وال باقمو ن قم ي تلموا ي ب س ي ي ف ال جا ي ل ي س « ، )
(» ع لى ال ف ر ي س ال ذا ي رج ي ي م ن ف ي م ي ه، و ي جَي م ع الطُّ م يو ي ر ش ي ب ع ت ي م ن لم م حو ي م ي ه م 3 . )
كل هذا وان وجد له النصارى تفسي ا رت وتأويلات، فهو لكل مبصرٍ يرمز إلى العنف وزرع
الك ا رهية بين الأمم، والقتال بدعوى حمل )سيف الربّ(.
« :!) وان تعجب فإنّ بولس في رسالته إلى العب ا رنيين يصف ربّه بأنّه )نارٌ آكلة
ِ
لأَنَّ اله ن ا نرٌ
(» أ ي كَ ةٌ 4 . )
هذه لمحة عن بعض ما ورد في العهد الجديد من نصوص تحثّ على العنف والقتل وسفك
الدماء، وهي التي شكّلت مع غيرها من عوامل الخلفية الأساسية للحروب الصليبية، التي هي - –
موضع الحديث هنا.
الحماسة الدينية للحروب الصليبية:
تبرز الخلفية الدينية ابتداءً من السم الديني الصارخ لهذه الحروب العدوانية الطاحنة، وان
كان بعض المؤرخين يقولون بأنّ تسمية هذه الحروب بالصليبية لم تكن من بدايتها، بل جاءت
متأخرة في أواخر القرن الثاني عشر، إلا أنّ الأسماء التي كانت تطلق على هؤلاء الغ ا زة منذ بداية
غزواتهم لا تقل أهمية في تقدير الباحث من ناحية مدلولاتها الدينية الواضحة، عن رمز - –
الصليب.
إذ كان هؤلاء يوصفون بألقاب مثل: "الحجاج"، و"رحلة الحج"، و "الرحلة إلى الأرض
المقدّسة"، و "مشروع يسوع المسيح"، و "حملة الصليب") 5 . )
1 . 6 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 4
2 . 15 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 11
3 . 21 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 11
4 . 21 : ( رسالة بولس إلى العب ا رنيين 12
5 – . )13 ( انظر: ماهية الحروب الصليبية، قاسم عبده قاسم، )ص 1
414
وانّ الباحث ليستغرب من تقليل بعض الكتاب من العرب والمسلمين من أهميّة العامل الديني
في الحروب الصليبية، واعتبارهم أنّ الصليب في الفكر النص ا رني لم يكن يوماً رم ا زً للعدوان
والحروب! متعللين في ذلك بأنّ وصف الحروب الصليبية بالدينية فيه ظلم لنصارى الشرق الذين
عانوا منها، ويُردّ على هؤلاء بحسب فهم الباحث بأنّ فكرة الصليب تحمل عوامل العنف - -
والحروب في ذاتها وبُنيتها، فهي ترمز إلى الصلب والقتل وسفك الدم من أجل الخلاص، ثمّ إنّ
التأكيد على البعد الديني والعقائدي لهذه الحروب ل يتعارض مع رفض بعض النصارى الشرقيين
لها واعتبارها مشروعاً استعمارياً وعدوانياً، ثم إنّ رفض هؤلاء لفكرة الحروب الصليبية لا يعفي
النص ا رنية كديانة منحرفة من المسئولية عن هذه الحقبة، الأكثر سواداً في تاريخها. - -
يقول وول ديو ا رنت في مطلع حديثه عن الحروب الصليبية: " كانت الحروب الصليبية هي
الفصل الأخير من مسرحية العصور الوسطى؛ ولعلها أجدر الحوادث بالتصوير في تاريخ أوربا
والشرق الأدنى، ففيها عمد الدينان العظيمان المسيحية والإسلام آخر الأمر، وبعد قرون من - -
الجدل والنقاش، إلى الفيصل الأخير فيما بين بني الإنسان من ن ا زع، ونعني به محكمة الحرب
العليا؛ وفيها بلغ كل تطور في العصور الوسطى، وكل توسع في الشؤ ون التجارية والديانة
المسيحية، وكل تحمس في العقيدة الدينية" ) 1 . )
يعطي هذا المؤرخ الأمريكي وصفاً للحروب الصليبية على أنّها حرب بين دينين لها مقدّمات
تاريخية، لكنّ الحقيقة في فهم الباحث هي أنّ هذه الحروب ما هي إلا عدوان سافر على الأمة - –
الإسلامية تحت شعار الصليب، الذي من المفترض أنّه رمزٌ للتضحية والفداء كما يزعم النصارى،
ولا شكّ أنّ المسلمين هبّوا لنصرة دينهم وأرضهم المقدّسة في وجه هذا العدوان.
وكدليل صارخ على هذا التحمّس الديني المشحون بالعصبية، والرغبة العارمة في الحرب
على المسلمين، لم تكن الدعوة إلى الحروب الصليبية صادرة عن الزعامة السياسية النص ا رنية في
الغرب فحسب، بل جاءت هذه الدعوة من أ رس الهرم الديني النص ا رني في أوروبا آنذاك، وهو
1 . )11/ ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 15
415
البابا أوربان الثاني) 1 ( الذي أعلنها حرباً مقدّسة، في خطاب لرجال الدين وفق ا رء الناس وعامّتهم،
وذلك في أواخر عام 2345 م، في ختام مجمع ديني )مقدّس(، داعياً النصارى إلى هبّة لتخليص
)قبر المسيح في أورشليم( من )الكفرة(، لتندلع )حرب الربّ(، ودعاهم إلى الحجّ المقدّس إلى أرض
يسوع، لكنّه حجّ مسلّح! وقوبلت دعوته بنداءات التأييد والحماس الكبير، وهتف الناس: الربّ يريد
ذلك) 2 . )
وكان خطاب أوربان هذا في فهم الباحث خطاباً تاريخياً بامتياز، فهو الذي مثّل الش ا ررة - –
الأولى والسند القانوني والديني للحروب الصليبية، لذا فإنّ نصّ هذا الخطاب يعطي دلالة كبيرة
حول ماهية هذه الحرب الطاحنة التي استمرت لقرنين من الزمان.
وهاك شيئاً مما ورد في هذا الخطاب التاريخي: " يا شعب الفرنجة! شعب الله المحبوب
المختار!، لقد جاءت من تخوم فلسطين، ومن مدينة القسطنطينية، أنباء محزنة تعلن أن جنس اً لعين اً
أبعد ما يكون عن الله، قد طغى وبغى في تلك البلاد، بلاد المسيحيين ... فليثر همتكم ضريح
المسيح المقدس ربنا ومنقذنا، الضريح الذي تمتلكه الآن أمم نجسة، وغيره من الأماكن المقدسة
التي لوثت ودنست ... طهروا قلوبكم إذن من أد ا رن الحقد، واقضوا على ما بينكم من ن ا زع، واتخذوا
طريقكم إلى الضريح المقدس، وانتزعوا هذه الأرض من ذلك الجنس الخبيث، وتملكوها أنتم، إنّ
أورشليم أرض ل نظير لها في ثمارها، هي فردوس المباهج، إنّ المدينة العظمى القائمة في
وسط العالم تستغيث بكم أن هبوا لإنقاذها، فقوموا بهذه الرحلة ا رغبين متحمسين تتخلصوا من
ذنوبكم، وثقوا بأنكم ستنالون من أجل ذلك مجد اً لا يفنى في ملكوت السموات ") 3 . )
1 – ( أوربان الثاني: ولد باسم "أوتو اللاجيري"، وهو معروف إطلاقه الحملة الصليبية الأولى في التاريخ ) 1315
1311 م(، وهو الذي تولى الكرسي البابوي في إحدى عش رة سنة، وذلك من سنة ) 693 ه( 1399 إلى سنة
612 ه( 1311 م، وكان هو الآخذ لق ا رر الحروب الصليبية على المشرق الإسلامي، وكان أوربان رجلا ذكيًّا (
سياسيًّا لبقًا، وكان خطيبًا مفوَّهًا، وكان أيضًا جريئًا حاسمًا، وكان مطلعًا على أحوال العالم المعاصر له ] موسوعة
ويكيبيديا الحرة، ا ربط: أوربانوس_الثاني wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف [ . - /34/ ، بتاريخ: 12
2 . )653 ، ( انظر: القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 661
3 - . )14 15/ ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 15
416
وردّ د أوربان هذا ،» ! تلك إ ا ردة الله « : " وعلت أصوات هذا الجمع الحاشد المتحمس قائلة
النداء ودعاهم إلى أن يجعلوه نداءهم في الحرب، وأمر الذاهبين إلى الحرب الصليبية أن يضعوا
علامة الصليب على جباههم أو صدورهم، وتقدّ م بعض النبلاء من فورهم، وخروا ا ركعين بين يدي
البابا، ووهبوا أنفسهم وأموالهم لله! وحذا حذوهم آلف من عامة الشعب، وخرج الرهبان والنسّاك
بالمعنى الحرفي لهذا اللفظ لا بمعناه المجازي") ،» جنود المسيح « من صوامعهم ليكونوا 1 .)
جذور دينية سابقة:
وهذا الالتفاف حول دعوات الحروب الصليبية كان له أساسه الديني والفكري، حتى لدى
عامة الناس في أوروبا، فقد " كانت الأفكار التي تدور حول نهاية العالم بعد الألف الأولى من
)معاناة المسيح( على الصليب، والأفكار التي تتعلق بالعالم الآخر، أحد ينابيع الفكرة الصليبية،
فقد شاعت في أوروبا قرب نهاية القرن العاشر الميلادي وفي بداية القرن الحادي عشر الميلادي
أفكار، وحكايات، وقصص، وأساطير، تتحدث عن قرب نهاية العالم مع اكتمال الألف الأولى بعد
المسيح") 2 . )
بل لقد شاع عند النصارى في الغرب آنذاك أخبار خ ا رفية تتحدث عن إشا ا رت مقدّسة تتعلق
باليوم الآخر، وكان الناس من المتعلّمين والبسطاء على السواء يسلّمون بها ويعتبرونها من
الحقائق، كالأخبار عن هجوم الج ا رد بشكل وبائي، والنجوم التي أمطرتها السماء، وغيرها من
الأخبار التي تتعلق باليوم الآخر، مما ورد في سفر الرؤيا) 3 (، وهذا ما شكّل حاف ا زً للرحيل إلى
المكان الذي سيشهد قدوم المخلّص، أي أورشليم) 4 . )
1 . )14 / ( قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 15
2 . ) ( ماهية الحروب الصليبية، قاسم عبده قاسم، )ص 10
3 لَ الأَ ر ي ض « : 10 خبر النجوم المتساقطة، ما نصّه : ( جاء في رؤيا يوحنا اللاهوتي 4
ِ
و م م نَو م السَّ ما ي ء س ق ط ت ا كُ ت ط ر م ح
ذا هزَّ تِ ا ي ريحٌ ع ي ظيم ةٌ
ِ
و ي م ن الُِّ خا ي ن خ ر ج « : 0، جاء خبر الج ا رد، ما نصّه : وفي ذات الرؤيا 1 ، » شَ رم ة ال ي ت ي ين م س قا طه ا ا ج رادٌ ع لى
. » الأَ ر ي ض، ف أُ ع ي ط ي م سل طا ن كُ ي ل عق ا ي ر ي ب الأَ ر ي ض م سل طانٌ
4 . ) ( انظر: ماهية الحروب الصليبية، قاسم عبده قاسم، )ص 15
417
كما كان شائعاً في أوروبا وسيلة التخلّص من الذنوب والتكفير عن الخطايا، وذلك بدفع
المال للكنيسة، أو بالحجّ إلى فلسطين، وكان الحجّ يستغرق من الناس جهداً ووقتاً ومالاً كثي ا رً، لكنّ
العاطفة الدينية التي أشاعها الباباوات والقساوسة النصارى في قلوب الجماهير التي تُساق من
الكنيسة كالقطعان، جعل هؤلء يبذلون كل جهد من أجل الحج إلى فلسطين، فكان هذا الأمر
عاملاً إضافياً ومقدمةً لقبول فكرة الحروب الصليبية) 1 . )
لذلك، ليس غريباً أن ترتبط أوصاف الصليبيين لما تحقق من )انتصار( من وجهة -
نظرهم أن ترتبط أوصافهم له بما ورّثته الكنيسة من خ ا رفات وأحلام دينية مرتبطة بالعتقاد في -
الأرض المقدّسة، فإنك مثلا تجد الصليبي ريمون تولوز) - - 2 (، في تعبيره عن نشوة النصر وتحقيق
الأحلام النص ا رنية، يقول يوم احتلال الصليبيين للقدس: " سيشتهر هذا اليوم في العصور المقبلة
كلّها، فقد حوّل جهودنا وأح ا زننا إلى فرحٍ وجذل، إنّ هذا اليوم دليل صدق المسيحية جمعاء، وهو
مذلّة للوثنية، وتجديد للعقيدة، إنّه اليوم الذي صنعه الربّ، فلنبتهج ونفرح من الآن، لأنّ الربّ قد
كشف عن نفسه لشعبه وباركه! ") 3 . )
وكما هو واضحٌ، فإنّ في هذا التعبير لتولوز تماماً كما في خطاب أوربان السابق - –
اقتباسات من تعبي ا رت وأفكار اليهود كعبا ا رت: )الشعب المختار المحبوب(، و)الشعب المبارك
للرب(، و)أورشليم أرض المباهج( و)الفردوس الأرضي(، وغيرها مما يؤكد عمق تعلّق الصليبيين
بالنصّ الديني المقدّس حول أرض فلسطين.
1 . ) ( انظر: ماهية الحروب الصليبية، قاسم عبده قاسم، )ص 14
2 ( ريمون تولوز: عرف لدى المؤرخين العرب في العصور الوسطى باسم ريموند صنجيل، هو دوق إقليم "الناربون"
في فرنسا، اشترك في الحملة الصليبية الأولى وشارك في حصار القدس 1311 م والاستيلاء عليها، استولى أيضًا
على قلعة الحصن الواقعة غرب حمص، وشيد قلعة ط ا ربلس، وقيل إنه عرض عليه تاج مملكة بيت المقدس لكنّه
رفض أن "يملك مكانًا عذّب فيه عيسى"، بعد الحملة الصليبية الأولى سافر إلى القسطنطينية وحلّ ضيفاً على
إمب ا رطورها البيزنطي ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: ريمون_تولوز wikipedia.org/wiki/ ، بتاريخ:
2310/34/12 م بتصرف [ . -
3 . ) ( القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 656
418
وقد وصف المؤرّخ ه.ج ويلز) 1 ( الحروب الصليبية بأنّها: " ثمار قرون طويلة من الدعوة
المسيحية، وأنّها موجة عظيمة من الحماسة اجتاحت العالم الغربي، وعند ذلك اكتشفت النص ا رنية
الغربية نفسها لأول مرّة ") 2 . )
لذا فإنه وانسجاماً مع هذا الموروث الثقافي والديني اندفع الفرسان، والفق ا رء، والقساوسة، - –
والبسطاء، نحو واجبهم المقدّس الذي رسمه لهم رهبانهم، حتى انطبع في مخيّلتهم، وهو القتال من
أجل أورشليم وارث المسيح، فلما انطلقوا تحت هذا الشعار حرقوا الأخضر واليابس في طريقهم،
وأعملوا القتل والخ ا رب في كل ما وقع تحت أيديهم، فقد كان نصارى أوروبا معروفين بالقسوة
المتحجّرة المطلقة، والتعصب في حماسهم الديني) 3 . )
النتائج الدموية القاسية:
ولا شكّ أنّ هذا الاندفاع، وهذه الحماسة المجنونة كان لها ثمنٌ باهظٌ، دفعه المسلمون
المقدسيون من دمائهم أولاً، بل دفعته الأمة الإسلامية قاطبةً لقرون لاحقة.
فقد وصف مؤرخو النصارى الذين ا رفقوا الحملات الصليبية يوم الاستيلاء على القدس - -
المشهد بأوصاف لا يصدّقها عقلٌ، ونقلوا من صور البشاعة والإج ا رم ما تشمئزّ منه النفوس، فقد
أقدم هؤلاء )الحجاج إلى قبر المسيح( على قتل )كلّ المسلمين( و )كلّ اليهود( في المدينة المقدّسة،
ولم يُبقوا نسمةً، واستولوا على كل الأملاك، وكان يكفي الصليبيَّ أن يدخل بيتاً أو قص ا رً، فيصبح
ملكاً له لا ينازعه في امتلاكه صليبي آخر، ويقول أحد الصليبيين ممن شاهد الأمر: " فقد ركب
1 2441 م(: واسمه: هربرت جورج ويلز، أديب و مفكر و صحفي و عالم اجتماع ومؤرخ – ( ه.ج ويلز ) 2811
إنجليزي، يعتبر من مؤسسي أدب الخيال العلمي، وقد اكتسب شهرته بفضل رواياته التي تنتمي لذاك الصنف
الأدبي، عند انتهاء الحرب العالمية الأولى نشر عام 1123 موجز تاريخ العالم في مجلدين، ثار جدل كبير في
أوروبا حول كتاباته وتنبؤاته بالأحداث، نشر كتابه الأخير عام 1165 م، وهو يحمل نظرة متشائمة حول مستقبل
البشرية ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: هربرت_جورج_ويلز wikipedia.org/wiki/ 2310 م - /34/ ، بتاريخ: 12
بتصرف [ .
2 ( موجز تاريخ العالم، ه.ج ويلز، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، دار كتب عربية/مصر، ط)بدون(، 1159 م،
. ) )ص 669
3 . ) ( انظر: القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 651
419
الرجال على الأقل في المعبد ورواق سليمان، والدماء تصل إلى ركبهم وألجمة خيولهم، وكان ذلك
في الواقع حكماً إلهياً عادلً ا رئعاً قضى أن يمتلئ ذلك المكان الذي عانى طويلاً من كُفر الكفرة
بدمائهم"!! ) 1 . )
وانّ من العجيب أنّ هذا العنف الدموي الأعمى لم يستثنِ بعض النصارى الشرقيين الذين
كانوا في القدس يعيشون في رحاب المسلمين في أمن وأمان، فطالهم النهب والسلب والترويع، " إذ
استولى الصليبيون على معظم المباني والممتلكات في المدينة المقدّسة، سواءً كانت للمسلمين أو
للنصارى المنتمين للكنيسة الشرقية! وحوّلوا قبّة الصخرة إلى كنيسة، واستعملوا المسجد الأقصى
لمصالحهم، فأنقصوا من حجمه كثي ا رً، وقسّ موه إلى أقسام، فاتّخذوا قسماً منه كنيسة، وقسماً آخر
جعلوه مسكناً لفرسان الهيكل) 2 (، والباقي استعملوه مستودعاً لذخائرهم، واتّخذوا الس ا رديب التي تحت
المسجد مستودعاً لخيولهم" ) 3 . )
ويصف هيلز نهاية المذبحة بقوله: " كان الصليبيون قد شقوا سبيلهم قتالاً إلى كنيسة القبر
المقدّس، وتغلبوا على كل مقاومة في المدينة، وهناك جثوا للصلاة ملطّخين بالدماء، متعبين
مكدودين، يبكون من فرط السرور!") 4 . )
ولك أن تتصور أن الرهبان النصارى نظروا لهذه )الحملة الصليبية على بلاد الإسلام( على
أنّها " فعل إلهي يماثل خروج الإس ا رئيليين من مصر، وأن الفرنجة أصبحوا )شعب الله المختار
الجديد(؛ لأنّهم حملوا الرسالة التي أضاعها اليهود، وادّعى أحد رهبانهم ادّعاءً غريباً يثير الدهشة،
1 656 ( بتصرف . - - ( القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 650
2( فرسان الهيكل: تنظيم اسمه الحقيقي: " نظام الفق ا رء فرسان السيد المسيح وهيكل سليمان " قيل أنه تأسس عام
1119 م على يد أحد النبلاء من "شمبانيا"، واسمه "هيوغز دو باين"، بعد وصول حملات الصليبيين لأرض الشام
بما لا يزيد على عشرين عاماً، وكوَّنوا جماعة وظيفية قتالية استيطانية في العالم الإسلامي، وجماعة وظيفية مالية
وسيطة في العالم الغربي. ، زعموا بأنّ مهمّتهم الأساسية حماية طرق الحجاج إلى الأرض المقدّسة، وقيل بأنّهم
بدؤوا تسعة فرسان فقط واستمروا لنحو تسع سنوات، وذاع صيتهم في أوروبا ] انظر: موسوعة اليهود، المسيري،
- .] )95 166/4 (، أيضاً: الدم المقدّس والكأس المقدّسة، ميشيل بيجنت وَ هنري لنكولن وَ ريتشارد لي، )ص 90 (
3 . ) 1151 م، )ص 96 ، ( تاريخ القدس، عارف باشا العارف، دار المعارف/ القاهرة، ط 2
4 . ) ( موجز تاريخ العالم، ه.ج ويلز، )ص 651
431
مفاده أنّ )غزو الصليبيين لأورشليم يعتبر أهمّ أحداث التاريخ منذ الصّلب(، وأن أعداء المسيح
سرعان ما ستصل إلى أورشليم وتبدأ أحداث القيامة! ") 1 . )
دوافع أخرى:
بالإضافة إلى ما سبق من بيانٍ للدافع الديني والحماسة والتعصب النص ا رني الذي دفع
بالصليبيين في معركة رهيبة وحرب شعواء على بلاد المسلمين، وخاصة على الأرض المقدّسة،
فإنه لا يخفى أن هناك دوافع أخرى لهذه الحروب، كالدافع الاقتصادي، والدافع السياسي، والدافع
الاجتماعي، وغير ذلك من دوافع وأسباب، ليس هنا محلّ تفصيلها) 2 . )
والدافع الديني في فهم الباحث لا يعني البتّة أنّ الذين خرجوا في هذه الحروب المسعورة - –
هم من المتدينين بالمعنى القويم، بل إنّ أفعالهم منذ بدء حملاتهم من فسق وفجور وانتهاك
للمحرمات وسفك للدماء كما سبق إيضاحه هو مما يتنافى مع أيّ دين قويم، أو فطرة سويّة، - –
إ نما المقصود بالباعث الديني هو الحشد الديني الباطل، والخلفية الدينية المشوّهة المبنية على
عقيدة باطلة في الأرض المقدّسة.
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ الحروب الصليبية هي غاية تجسّد الفساد المتأصل في العقيدة النص ا رنية الموروثة
عن صانعي هذه الديانة الوضعية الوثنية )إذ ليست هي ديانة التوحيد التي جاء بها المسيح ،)
وهي التطبيق العملي للاعتقاد الباطل في شخص المسيح عيسى ابن مريم ، وهي النتيجة
الحتمية للفكر المتطرف؛ الذي سا وى بين الله وخلقه، وجعل لله مسكناً على الأرض، وجعله
إلهاً مصلوباً ومتألّماً، ونازلاً إلى قبرٍ، وعائداً من أكفانه!! .
1 655 ( بتصرف . - - ( القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، )ص 656
2 25 (، أيضاً: ماهية الحروب الصليبية، قاسم عبده قاسم، - 11 / ( انظر: قصة الحضارة، وول ديو ا رنت، ) 15
2331 م، ، )ص 69 ، وما بعدها(، أيضاً: قصة الحروب الصليبية، د. ا رغب السرجاني، مؤسسة اق أ ر/القاهرة، ط 2
- .)45 )ص 40
430
ثانياً: إنّ الكتاب المقدّس عند النصارى بعهديه القديم والجديد، هو كتابٌ يمجّد العنف - –
والسيف والنار والإرهاب، ويدعو إليها، ويأمر بسفك دماء المخالفين، ويصف أنبياء الله بعشاق
الدم والنار!، وبالتالي فإنّ الحروب الصليبية هي في جزء لا يستهان به منها تطبيق عملي - -
عنيف لهذه النصوص المسطورة المقدّسة! .
ثالثاً: إنّ الحروب الصليبية هي من أبشع حوادث التاريخ قاطبةً، في الاستهانة بحياة البشر،
وازهاق الأرواح البريئة، وسفك الدماء الح ا رم في الأرض الح ا رم وفي المواقع المقدّسة، وهي من
أحلك صفحات التاريخ النص ا رني سواداً، خاصة فيما يتعلق بأرض فلسطين.
ا ربعاً: إنّ النصارى وخاصة نصارى الغرب الكاثوليك لم يحفظوا الجميل الذي قدّمه – –
الإسلام لهم، بدءً بالعهدة العمرية العظيمة، ومرو ا رً بالتسامح معهم قروناً طويلة في كنف الإسلام
وأهله، وصولاً إلى الحرية الدينية الكبيرة، ومنقطعة النظير، التي عاشوها في ظل دولة الإسلام.
خامساً: تعدّ الحروب الصليبية من أبرز وجوه التخلّف الحضاري والديني والإنساني الذي
ورّثته الكنيسة النص ا رنية الغربية، لذا كانت هذه الحروب باكورة سقوط هذه الكنيسة التي أ سّ ست
على أكل أموال الناس بالباطل، والظلم والعدوان، والتس لّط على البشر، وانتحال السلطة الإلهية،
واحتكار صفات الربوبية زوا رً وبهتاناً ! .
431
المطلب الثاني:
الصهيونية المسيحية ودورها في تثبيت اليهود في الأرض المقدسة
إنّ النتيجة الأسوأ لعقيدة النصارى في الأرض المقدّسة فيما اتّضح للباحث هي ت ا زوج - –
هذه العقيدة مع عقيدة اليهود، رغم الاختلاف والعداوة بينهما؛ مما أنتج فِرقاً وطوائف نص ا رنية تدعم
اليهود في فلسطين، وتسعى لتثبيت كيانهم، على خلفية دينية وعقائدية.
والسبب الأساس في هذا التماهي بين اليهودية والنص ا رنية هو " جنوح بعض المعتقدات
النص ا رنية للدعوة إلى التمسك بالتو ا رة وحرفيتها، واعتبارها نصوص التو ا رة جزءاً ل ينفصل عن
الإيمان المسيحي، وانحدار بعض الفرق النص ا رنية إلى حد المبالغة في التهوّد، حتى أصبح
خطابها الديني والسياسي لا يختلف في شيء عن التوجه اليهودي، وحتى إ نها انحازت وتحالفت مع
الصهيونية اليهودية " ) 1 . )
ويُطلق على هذه ال فرق في الغالب اسم "الصهيونية المسيحية"، أي النص ا رنية المؤمنة
بتوطين اليهود في أرض فلسطين، وهي نزعة ليست جديدة على العالم النص ا رني، بل هي موجودة
منذ قرون عديدة، وخاصة منذ القرن السادس عشر الميلادي، أي بعد ظهور ما سمّي بحركة
الإصلاح البروتستانتية، وبعد أن تُرجم الكتاب المقدس خاصة العهد القديم إلى اللغات المحلّية - –
في الغرب، حيث ازداد تأثّر نصارى الغرب بما ورد في العهد القديم من وعود لليهود بأرض كنعان
كوطن لهم، وكبقعة ستشهد قدوم المسيح إلى ذلك )الشعب المقدس() 2 . )
1 ، ( المسيحية المتهوّدة في خدمة الصهيونية العالمية، عيسى اليازجي، الدار الوطنية الجديدة/ دمشق، ط 1
2336 م، )ص 131 ( بتصرف. -
2 . ) ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 011
433
فبانطلاق )الحركة الإصلاحية( على يد مارتن لوثر من أوروبا، " أدرك يهود أوروبا أنّهم
أمام فرصتهم التاريخية للولوج إلى داخل الفكر المسيحي، وبقوة تكفل لهم تحقيق مآربهم التي
عجزوا عنها طوال مئات السنين بكل السبل") 1 . )
" ذلك أنّ لوثر، دعا في بداية حياته إلى د ا رسة اللغة العبرية، وركّز على دور التو ا رة في
الحياة المسيحية، وقد كان يهدف إلى تحويل اليهود إلى المسيحية، وتحقيق النبوءة التو ا رتية المتعلقة
بإنقاذ اليهود واقامة دولتهم في فلسطين، وبعد أن يئس لوثر من تنصيرهم، عبّر في المرحلة الأخيرة
من حياته عن كره اليهود، وطالب بطردهم، إلّ أن دعوته للتخلص منهم كانت بدفعهم إلى أرضهم
)يهودا(، وليس إلى أيّ مكان آخر") 2 . )
وبما أنّ البروتستانتية كانت هي نواة هذا الفكر النص ا رني المتهوّد، فإنّ هجرة البروتستانت
من أوروبا إلى الولايات المتّحدة وهم غالبية المهاجرين أدّى إلى سيادة كنيستهم وانتشار - –
مذهبهم، وكان هؤلء المهاج رون متأثّرين باليهودية تأثّ ا رً مركّباً، لهوتياً، وتاريخياً، وكتابياً،
وسياسياً، حيث أفرز هذا التأثير صيغة تعايش بين البروتستانتية واليهودية بقيت إلى الآن،
وبالذات في الاتّجاهات والتيا ا رت المتطرفة )المسماة بالأصولية() 3 . )
وقد ازداد تأثير وفاعلية هذه الطائفة في القرنين الأخيرين، وخاصة في الولايات المتحدة
الأمريكية، إذ تجمّعت عدة اتّجاهات ومنظّمات بروتستانتية وأعلنت عن نفسها ص ا رحة باسم:
"الصهيونيين المسيحيين"، وأنشأوا لأنفسهم مرك ا زً في القدس، وأسموه: "السفارة المسيحية الدولية في
أورشليم") 4 . )
1 ، ( ذئاب في ثياب حملان، مختصر قصة الأصولية الأمريكية، إميل أمين، دار المريخ/القاهرة، ط 1
.) 1629 ه/ 2334 م، )ص 01
2 . ) ( المسيح اليهودي ونهاية العالم، رضا هلال، )ص 61
3 ( انظر: رسالة في الأصولية البروتستانتية والسياسة الخارجية الأمريكية، سمير مرقس، مكتبة الشروق/القاهرة،
. ) 1622 ه/ 2331 م، )ص 4 ، ط 1
4 . ) ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 023
434
"إنّ هذه العلاقة بين النص ا رنية البروتستانتية واليهودية أدّت إلى أن يتضمن العتقاد
البروتستانتي كثي ا رً من تعاليم اليهود الروحية والعقائدية، ثم الصهيونية لحق اً، حيث أصبح هناك
ميل بروتستانتي قوي للاعتقاد بأنّ معنى المسيح المنتظر يجب أن ينتظر عودة الدولة اليهودية،
وبذلك التقوا مع الحركة الصهيونية في مبادئها") 1 . )
" وقد بدأت الصهيونية المسيحية تتمتع ببعث جديد بعد إنشاء الدولة الصهيونية، وبدأت
الفكرة الاسترجاعية تنتشر بشكل كبير في الأوساط البروتستانتية المتطرفة )الأصولية( في الولايات
المتحدة، والتي تُصر على أن )دولة إس ا رئيل( هي تحقق النبوءة حرفي اً في العصر الحديث وهي
بُشرى الألف سنة السعيدة، أي أن الحلول أو التجسد الذي حدث مرة واحدة وبشكل مؤقت في
التاريخ من منظور كاثوليكي، أصبح حلولا حرفي اً ودائم اً ومادي اً في شكل الدولة الصهيونية وفي
أحداث التاريخ الحديث") 2 . )
" وقد أدّت هذه الاتّجاهات المتهوّدة إلى صياغة قالب ديني بروتستانتي يهودي، قاعدته
التو ا رة، كان من نتيجته الترويج لمصطلحات مثل: الت ا رث المسيحي اليهودي المشت رك، والأخلاق
المسيحية اليهودية، والالت ا زم الأدبي الأخلاقي بدعم )إس ا رئيل( ... والخطير، أنّ هذا التّجاه انتشر
في كنائس الطبقة العليا الحاكمة في الوليات المتحدة على مدى أكثر من مائتي عام من عمر
أمريكا، الأمر الذي أثّر في صياغة سياستها الخارجية ") 3 . )
وكانت هذه النزعة الصهيونية المسيحية ستظلّ نزعةً نظريةً أو هامشيةً في فهم الباحث - –
لولا أنّها باتت نزعةً متجذرة متأصّ لة وفاعلة في واقع الغرب النص ا رني، وهو الذي يمثّل الق وة المادّ ية
العظمى في عالم اليوم.
1 ( رسالة في الأصولية البروتستانتية، سمير مرقس، )ص 9( بتصرف . -
2 109 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 11 ( بتصرف يسير. - - ( رسالة في الأصولية البروتستانتية، سمير مرقس، )ص 13
435
" فتجد أنّ الإنجيليين) 1 ( في الولايات المتحدة يبلغون نحو ستين مليوناً، وقد ارتقوا في
السنوات الأخيرة إلى م ا ركز قيادة است ا رتيجية، تت ا روح بين الرئاسة الجمهورية وعضوية الكونجرس) 2 ،)
% وادارة الشركات الكبرى، والفرع )الأصولي( من هذه الحركة الإنجيلية الأمريكية يشكل نحو 25
من الإنجيليين، وهو الفرع الأكثر نشاطاً بين أجنحة الحركة، وهو الذي يحتكر التبشير الإذاعي
والتلفزيوني، وهو الفرع الأكثر نمواً في العالم النص ا رني الغربي، ومن الملاحظ أنّ النزعة
)الصهيونية المسيحية( هي الأكثر نشاطاً بين هؤلء الأصوليين") 3 .)
ورغم أنّ البروتستانتية هي المتّهمة بنشأة الصهيونية المسيحية، إلّ أنّ هناك من ساعد
على بقائها وتمدّدها من طوائف النصارى الأخرى المناقضة للبروتستانتية تقليدي اً، " فالفاتيكان) 4 )
)الكاثوليكي( أسهم في نموّ هذا التيار؛ من خلال انح ا رفه عن موقفه التقليدي ال ا رفض اعتبار أسفار
التو ا رة جزءاً من الإيمان المسيحي، وتحوّله إلى اعتبارها كذلك، حيث باتت تتلى في صلاتهم على
أنّها )كلام الله( قبل تلاوة )رسائل بولس( و)الإنجيل المقدّس(، بل واتّخاذه مواقف أخرى تعبّر عن
1( الإنجيليين: طيف واسع من المعتقدات اللاهوتية والكنائس والمنظمات، ويدل لفظ "إنجيلي" في معظم أنحاء
أوروبا والشرق الأوسط على الكنائس التاريخية للإصلاح البروتستانتي، أما في شمال أمريكا وجنوبها والى حد ما
في أفريقيا وآسيا فيختلف المدلول، ففي الغرب يدل هذا المصطلح على حركة داخل المسيحية البروتستانتية تركّز
على خبرة الولادة الثانية والكتاب المقدّس باعتباره كلمة الله المعصومة، وتوقع عودة المسيح الوشيكة، وفي أمريكا
هناك ثلاث تيا ا رت إنجيلية أساسية وهي: الجناح اليساري والوسط والأصولي ] الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور
020 ( بتصرف [ . - - الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 022
2 ( الكونجرس: لفظ مأخوذ من كلمة لاتينية معناها "مؤتمر"، وتُطلق على أ ية مجموعة من الناس تمثل هيئات أو
أقاليم أو دولا يجتمعون لمناقشة مشكلاتهم، وفي أمريكا تشير كلمة "كونجرس" الهيئة التشريعية العليا في الولايات
المتحدة الأمريكية ] الموسوعة العربية العالمية، www.mawsoah.net 2310 م [ /34/ ، باب الكاف، بتاريخ: 10
3 ( الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 020 ( بتصرف . -
4( الفاتيكان: أصغر دولة مستقلة، وتغطي مدينة الفاتيكان مساحة قدرها أربعة وأربعين هكتا ا ر، لكن نفوذها الروحي
يشمل الملايين من النصارى الكاثوليك في جميع أنحاء العالم، ولفظة الفاتيكان هي الاسم الذي يطلق على المدينة
والدولة على حدّ سواء، وكثي ا ر ما تستخدم للإشارة إلى البابا أو حكومة الفاتيكان، تقع على تل الفاتيكان في شمال
. ] )249/ غربي روما، على مقربة من غربي نهر التيبر ] ملحق مجلة البحوث الإسلامية، التعريف بالأمكنة ) 91
436
مدى النفوذ اليهودي المتعاظم في أروقة الفاتيكان وبين رجالاته البارزين، لعلّ أهمّها وأشدّها خطورةً
)الإعلان البابوي( القاضي بتبرئة اليهود من )صلب المسيح(! " ) 1 . )
رواد الصهيونية المسيحية:
لقد كان السبب الرئيس في وصول الصهيونية المسيحية إلى حالة من القوة والتأثير والدعم
لليهود، هو وصول هذه النزعة كما سلف إلى الفئة الحاكمة وأصحاب الق ا رر، وسيذكر الباحث - –
فيما يلي من سطور، بعض النماذج المهمّة من رواد ومنظّري الصهيونية المسيحية، والنماذج كثيرة
ولا تستوعبها صفحات هذا البحث، لكنّها إشا ا رت إلى شخصيات كان لها ثقل خاص في الصهيونية
المسيحية المبشِّرة بفلسطين لليهود.
" كان من أهمّ الشخصيات الأمريكية التي روّجت على نطاق واسع للصيغة السياسية من
الصهيونية المسيحية، ويليام بلاكستون) 2 (، مؤلف كتاب "المسيح آت" عام 1999 م، الذي نظّم
أولى مساعي اللوبي الأمريكي المؤيد لإنشاء دولة يهودية بفلسطين، فقبل ستة أعوام من المؤتمر
الصهيوني العالمي الذي عقده هرتزل، أطلق بلاكستون حملة مكثفة لحشد التأييد من أعضاء
بمجلس الشيوخ الأمريكي وكافة المؤسسات السيادية في أمريكا وصولاً إلى حثّ الرئيس الأمريكي
على تأييد هذا التوجّه" ) 3 . )
1 . ) ( المسيحية المتهودة في خدمة الصهيونية العالمية، عيسى اليازجي، )ص 131
2 ( ويليام بلاكستون ) 2405 2842 م(: صهيوني غير يهودي، يستخدم ديباجات مسيحية وعلمانية، وهو رجل -
أعمال أمريكي من شيكاغو، أنفق الملايين على التبشير، وتزَّعم حملة لعودة اليهود إلى فلسطين تمهيد اً لعودة السيد
المسيح وبداية العهد الألفي الذهبي، وكان لكتابه "يسوع قادم" ) 1999 م( أثر كبير في الأوساط الشعبية البروتستانتية
الأمريكية الإنجيلية، وكان من أكثر الكتب رواج اً إذ بيع منه أكثر من مليون نسخة وترجم إلى 96 لغة منها العبرية،
وكان عدد الزعماء المسيحيين الذين أثار الكتاب انتباههم يفوق عدد من أثَّر فيهم أي كتاب آخر نُشر طوال عش ا رت
السنين، وتعود أهمية بلاكستون إلى أنه نقل الصهيونية ذات الديباجة المسيحية من عالم التبشير والعقيدة إلى عالم
. ] )149/ الممارسة السياسية ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 ( الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 000 ( بتصرف . -
437
كما كان القس البريطاني ويليام هشلر) 1 ( من أشد الضالعين في هذا الفكر الصهيوني
المسيحي، إذ وصف هشلر كتاب هرتزل )دولة اليهود( قائلاً: "إ نه أول محاولة عملية وموضوعية
وجادة لتعليم اليهود كيف يتحدون من جديد لتكوين أمة في أرض الميعاد التي وعدهم الإله بها،
وكان هشلر مولعاً بالحسابات ال ا رمية إلى تحديد نهاية العالم وبداية العهد الذهبي الألفي وتحوُّل
اليهود إلى المسيحية، وقد ضمَّن هذه الحسابات كتابه: )استرجاع اليهود لفلسطين حسب تعاليم
الأنبياء( عام 1996 م، وقد كتب حول استنتاجاته النهائية والحاسمة عن الخلاص الأبدي الوشيك،
وأكد اقتناعه بأن الصهيونية هي الحل النهائي للوصول إلى الخلاص") 2 . )
" كما كان " آرثر بلفور" صاحب الوعد المشئوم المشهور، صهيونياً مسيحي اً، وكان يؤمن
بعودة المسيح إلى الأرض ليحكم العالم ألف سنة، ومال إلى الدعوة الصهيونية على أساس
عقائدي") 3 .)
وكان بلفور مع صهيونيته يؤمن بالعامل الديني في خدمة السياسة، كما أعلن عن أهمية - -
مؤسسات التنصير في خدمة أهداف السياسة) 4 (، وكان من أهداف وعد بلفور بعث الآمال
الصهيونية، وتعزيز الأطماع الستعمارية، وتشكيك المسلمين في جدوى قرآنهم، لغة وعقيدةً
وشريعة) 5 . )
1 2402 م(: صهيوني مسيحي وُلد في الهند، حيث كان أبوه يعمل مبش ا رً مسيحي اً إنجيلي اً، - ( ويليام هشلر) 2845
عمل عام 1991 م مبش ا رً في نيجيريا، ثم عمل عام 1996 م معلم اً لأطفال فريدريك دوق بادن الأعظم عم القيصر
فيلهلم الثاني قيصر ألمانيا، اشترك هشلر عام 1992 م في اجتماع عقده بعض المسيحيين المرموقين لمناقشة
إمكانية توطين المهاجرين من يهود اليديشية في فلسطين، ثم ارتحل إلى القسطنطينية حاملا رسالة إلى السلطان
العثماني من الملكة فيكتوريا تطلب فيها السماح بتوطين يهود روسيا في الأ ا رضي المقدَّسة ] موسوعة اليهود،
. ] )149 / المسيري، ) 4
2 149 ( بتصرف. - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
3 . ) ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 001
4 033 ( بتصرف . - / ( مجلة البحوث الإسلامية، ) 22
5 . )641/ ( انظر: المصدر السابق، ) 2
438
وهذا الأمر في تقدير الباحث يعطي دلالة على خطورة التحوّل الذي ط أ ر على الفكر - -
النص ا رني الغربي، إذ تبدّلت النص ا رنية بفعلٍ يهودي من ألدّ أعداء اليهودية إلى الحاضن لأفكار - –
اليهود والصهيونية، خاصة في الغرب النص ا رني البروتستانتي.
الألفية السعيدة و ون
ّ
معركة هررد ) 1 :)
تحدّث سفر رؤيا يوحنا في العهد الجديد عن غضب الربّ القادم، وساق كاتب السفر في
الرؤيا المذكورة مشاهد مرعبة لسبعة ملائكة صبّوا جام غضبهم على أهل الأرض، واحداً تلو
الآخر) 2 ي ة « : (، وجاء في أواخر هذا المشهد لَ ال م و ي ضعي ا يَّ لَّي يم د عى ي بَل ي ع بَا ي نيَّ
ِ
ف ج م عهم م ا ه ر م جدُّو ن ، م ثَُّ س ك ب
ال م لا م ك السَّاب م ع جا م م ه ع لى ال ه وا ي ء، ف خ ر ج ص وتٌ ع ي ظيٌ ي م ن ه ي ي ك السَّ ما ي ء ي م ن ال ع ر ي ش ق ائي لا: ق د تَّ!، ف ح دث ت
أَ ص واتٌ و م ر م عودٌ وبم م روقٌ ، و ح دث ت زل ز لٌَّ ع ي ظيم ةٌ، ل م يُ م د ث ي مث لمه ا م من م ذ صا ر النَّا م س ع لى الأَ ر ي ض، زل ز لٌَّ ي ب ي م ق دا ي ر ها
(» ع ي ظيم ةٌ ه ك ذا 3 . )
وقد بلغ التطرف والهوس عند بعض الأصوليين الإنجيليين الذين تمثّل الصهيونية -
المسيحية أحد أوجههم ذروته عندما خاضوا في تأويل هذه النبوءة المزعومة المذكورة في العهد -
الجديد، "وتشير الد ا رسات إلى أنّ أعداداً مت ا زيدة من المسيحيين يتعلّقون بنظرية "هرمَجدّون"،
ويعتقدون أنّ المسيح وعد المسيحيين بسماء جديدة وأرض جديدة، وبما أن الأمر كذلك، فعليهم أن
ل يقلقوا على مصير الأرض، فليذهب العالم كلّه إلى الجحيم! ليحقق المسيح للقلة المختارة
سماءً وأرضاً جديدتين"! ) 4 . )
وقد أ جريت د ا رسة عام 1195 م أظهرت أنّ 12 مليون أمريكي، يستمعون بانتظام إلى
)مبشّرين( يقولون لهم بحتمية حدوث معركة هرمجدّون، وذلك كلّه يبثّ بانتظام عبر 2433 محطة
1 اسم مدينة في فلسطين » مجدو « و ،» تل « بمعنى » هار « : ( هرمجدون = "آرمجدون": كلمة مكونة من كلمتين
والتي تقع بالقرب منها عدة جبال ذات أهمية است ا رتيجية، وهو ما جعل المدينة حلبة لكثير من المعارك ،» مجيدو «
. ] )160/ العسكرية في العالم القديم ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 . ( انظر: رؤيا يوحنا اللاهوتي، الإصحاح 14
3 – . 19 14 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 14
4 ( النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 23 ( بتصرف يسير. -
439
دينية في أمريكا، كما أنّ 83 ألف قسيس إنجيلي يذيعون يومياً من خلال 433 محطة ا رديو،
أغلبهم من أصحاب هذه النظرية!) 1 . )
ويعتمد هؤلاء المفسرون للنبوءات المقدّسة إضافة لعقيدة "هرمجدّون" على ما ورد من - –
ذكرٍ للألف عام التي سيحكم فيها مسيح آخر الزمان الأرض مع أنصاره، والتي وردت في سفر
و رأَي م ت م ع م رو شا ف جل م سوا ع ل يَ ا، وأُ ع م طوا م ح كُ ا. و رأَي م ت نم م فو س ا يَّ لَّي ن قم ي تلموا « : يوحنا اللاهوتي أيضاً، وجاء فيها
ي م ن أَ ج ي ل شه ا د ي ة ي م سو ع و ي م ن أَ ج ي ل ي كَ م ي ة ي الل ... ف عا م شوا و مل م كوا م ع ال م ي س ي ي ح أَل ف س ن ةٍ ، وأَمَّا ب ي قيَّ م ة الأَ م وا ي ت ف ل ت ي ع ش
حتََّّ ت ي تَُّ الأَل م ف السَّ ن ي ة ، ه ي ذ ي ه ي ه ال ي قي ا م م ة الأُو لَ ، م مب ا ركٌ و م مق دَّسٌ م ن م له ن ي ايبٌ يفِ ال ي قي ا م ي ة الأُو لَ ، ه م ؤ لا ي ء ل ي س
ي لل م و ي ت الثَّا ي ن م سل طانٌ ع ل ي يَ م، ب ل س ي م كونمو ن كه ن ة ي لله وال م ي س ي ي ح، و س ي م ي ل م كو ن م ع م ه أَل ف (» س ن ةٍ 2 . )
فما هي هذه )الألفية السعيدة( المزعومة التي تتجسد فيها هذه المعركة الوجودية على ظهر
الأرض في آخر الزمان؟
هنا تقفز من جديد اليهودية وتأثيرها في هذه الفكرة، " فالعقيدة الألفية تعود جذورها إلى
اليهودية، ولكنها أصبحت فكرة مركزية في المسيحية البروتستانتية، إذ يؤمن كثير من
المسيحيين البروتستانت بأنه حينما يعود المسيح المخل ص )أو الماشيَّح حسب الرؤية اليهودية(
)الذي يُشار إليه فيها بالملك الألفي(، سيحكم العالم )باعتباره الملك المقدَّس(، هو والقديسون
وهي فترة سيسود فيها ،» أيام المسيح « أو » أيام الماشيَّح « لمدة ألف عام، يشار إليها أحياناً باسم
السلام والعدل في عالم التاريخ والطبيعة وفي مجتمع الإنسان والحيوان") 3 . )
" إذاً، فالمسيحيون الصهيونيون يرون بأنّ )المسيح( سيأتي ليؤسس )المملكة الألفية(،
وستسبق مجيئه اضط ا ربات كثيرة في شكل حروب )في الأرض المقدسة(، وتلي هذه الاضط ا ربات
1 . )24 ، ( انظر: النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 20
2 - . 4 6 : ( رؤيا يوحنا اللاهوتي 23
3 . )101 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
441
معركة "هرمجدّون" التي هي معركة آخر الزمان بين الخير والشر بزعمهم ، ويلمّحون بشكل - -
واضح إلى أنّ هذه المعركة ماهي إل حرب ذرّية! ") 1 . )
يرى معتنقو هذه العقيدة أنّ هذه الأحداث أي الحروب المدمّرة " ستكون خاتمةً للعصر - -
القائم، وتمهيداً ضروري للمجيء الثاني ليسوع المسيح، وقبل أن يصل الجنس البشري إلى مرحلة
التدمير الذاتي، سيعود )يسوع( بجيش من القدّيسين ليدمّر قوى المسيح الدجّال عدو الله –
الأكبر في معركة هرمجدّون، وسينتهي الاضط ا رب ببزوغ فجر السنوات الألف، وهي حقبة من -
ألف سنة من السلام تحكمها )نخبة روحانية( من )المسيحيين المتجدّدين( " ) 2 . )
وبناءً على هذا الفهم، فإنّ هؤلء الإنجيليين الذين يؤمنون بالتنبؤات المقدّسة، ينصهرون
مع الغتصاب اليهودي لأرض فلسطين، فيؤمنون مثلا بأنّ على اليهود وفقاً للتنبؤات أن - - – –
يزيلوا المسجد الأقصى ليبنوا الهيكل على أنقاضه، لذا فمنهم من يعتبر الصهاينة الذين خط طوا
لنسف المسجد الأقصى أبطالاً، بل وأمدّهم بالمال بسخاء! ) 3 . )
ليس هذا فحسب، بل إنّ معتنقي هذه المعتقدات من النصارى، قد فاقوا حتى اليهود في بيان
أفضلية الجنس اليهودي، فهم يعتقدون أنّ معركة آخر الزمان سيدمّر الربّ فيها ثلثي العالم بما –
فيهم جزء كبير من يهود العالم ، ويبيد معظم شعوب المعمورة بلا رحمة، كلّ هذا يفعله الربّ من -
أجل شعبه القديم، أي اليهود بزعمهم، لأنّه يريد من شعبه أن ينحني أمام ابنه المسيح، ومن أجل
ذلك سيدمّر ثلثي شعب اليهود من أجل نجاة الباقين وتخليص )أرض إس ا رئيل(! ) 4 . )
إنّ هذه العقيدة مع تناقضها فإنّها منافية لكل منطق ودين، فهل يُعقل أنّ يدمّر الله - -
البشرية ويمحو الحياة من على وجه الرض من أجل بعض شعبٍ! ثم إذا كان هذا الإله هدفه
الدمار والقتل والفتك بالبشرية، فمن أولئك الذين سيحكمهم المسيح المزعوم ألف عام من السلام
1 ( الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية ) تقرير مجلس كنائس الشرق الأوسط عن الحركات الإنجيلية الغربية
1199 م، )ص 1( بتصرف . - ، الجديدة حيال الشرق الأوسط(، دار الوحدة/ بي روت، ط 1
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 19
3 . ) ( انظر: النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 21
4 .) ( انظر: المصدر السابق، )ص 05
440
والأمن؟ هل سيحكم نفسه وقديسيه، فما الحكمة من هذا الحكم المبتور؟! إ نها عقيدة تعبّر عن
تصوّر يهودي عنصري مقيت، يؤمن بالأفضلية على كل الأجناس.
"والملفت للنظر أنّ كثي ا رً من الباحثين في نصوص النبوءات التو ا رتية والإنجيلية هم ممن
يشغلون م ا ركز حساسة في السلك السياسي والعسكري والديني، ولا يُعقل أن لا تتأثر الق ا ر ا رت
السياسية والعسكرية لهؤلاء بما يحملونه من أفكار ومعتقدات") 1 . )
ومن أهمّ الشخصيات القيادية السياسية النص ا رنية التي اعتنقت هذه الرؤية هو " الرئيس
الأمريكي رونالد ريغان) 2 (، الذي يرى بعض اللاهوتيين بأنّه تقبّل هذه العقيدة، لأنّها تمدّه بالجانب
اللاهوتي لقناعاته الست ا رتيجية، التي تؤكّد أنّه يمكن كسب حرب ذرّية" ) 3 . )
وعندما كان ريغان مرشحاً للرئاسة الأمريكية عام 1193 م واصل حديثه عن هرمجدّون قائلاً
في مقابلاته وتصريحاته: " قد نكون من الجيل الذي سيشهد هرمجدّون"، و "إنّ نهاية العالم قد
تكون بيدنا" و ")إس ا رئيل( هي الديمق ا رطية الثابتة والوحيدة التي يمكن أن نعتمد عليها كموقع لحدوث
هرمجدون" و "إنّ تدمير العالم قد يحدث سريعاً جداً، وانّ التاريخ سيصل إلى ذروته" و "بين دفّتي
الكتاب المقدّس توجد جميع الإجابات على المشاكل التي تواجهنا اليوم"، وغيرها من العبا ا رت، التي
تدلّ على شدة حماسته لنظرية هرمجدّون! ) 4 . )
إنّ من الخطورة البالغة أن تصل القناعات بهذه الأفكار الظلامية السوداء إلى سدة الحكم في
أكبر دولة في العالم، خاصةً تلك الدولة التي تدّعي سهرها على رعاية حقوق الإنسان، والحفاظ
على السِلم العالمي.
1 . ) ( هرمجدون ونهاية أمريكا واس ا رئيل، منصور عبد الحكيم وَ الحسيني الحسيني معدي، )ص 02
2 2334 م(: الرئيس الأربعين للولايات المتحدة الأمريكية من عام 1191 م إلى 1191 م، - ( رونالد ريغان ) 2422
وقبلها كان الحاكم رقم 00 على ولاية كاليفورنيا من عام 1149 إلى عام 1195 م، كان يعمل بمجال التمثيل قبل
أن يدخل المجال السياسي الذي بدأه في بداية الخمسينيات، عند وفاته كان مصاب بالزهايمر، بلغ عم ره عند وفاته
أكثر من 10 سنة، بالإضافة إلى أن عمره كان حين انتخابه نحو 93 سنة ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط:
رونالد_ريغان wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف [ . - /34/ ، بتاريخ: 14
3 . ) ( الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، )ص 11
4 - . )51 ( انظر: النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 61
441
منظمات مسيحية صهيونية:
هذه العقيدة انطلقت من الكنيسة البروتستانتية الغربية، ووجدت طريقها إلى نصارى العالم،
وأنشأ معتنقوها منظمات وجماعات تدعم هذه الأفكار وتسعى لنشرها وتحشد لها مادياً ومعنوياً،
وكان من أبرز المنظمات التي اعتنقت الفكر )المسيحي الصهيوني( ما يلي:
2. جمعية فرسان الهيكل:
"وهي جمعية استيطانية صهيونية مسيحية، تعود جذورها إلى القرن السابع عشر ... وقد
أُعيد تنظيمها عام 1941 م تحت اسم )جماعة الهيكل الألمانية( وكان شعارها: )من أجل تجديد
الحياة الدينية والاجتماعية لشعب الإله(، وكان من الطبيعي أن تتم عملية التجديد هذه من خلال
صيغة صهيونية واضحة، وهي: خروج الشعب المختار، أو البقية الصالحة، من أرض السبي
والمنفى )أوربا التي تسودها الآثام الأخلاقية والبطالة(، ودخول أرض الميعاد أو صهيون )استعمار
فلسطين(، وقيام مجتمع مثالي )صهيوني( ") 1 . )
2. حركة المورمون:
" حركة دينية اسمها الحقيقي: )كنيسة المسيح عيسى، قديس آخر الأيام(، نشأت في
عشرينيات القرن التاسع عشر، زعم زعيم الحركة بأنّه تَلقَّى وحي اً من الرب من خلال ملاك يُدعَى
)موروني( ومن هنا التسمية التي اشتهروا بها بألا ينضم لأيٍّ من الكنائس القائمة، لأنها ك لّها - -
خاطئة، ثم تَلقَّى وحي اً آخر بأن الربّ اختاره، ليكون أداته؛ لستعادة الكنيسة الحقيقية أو
الصحيحة، فقد هداه الملاك إلى أن يذهب إلى مكانٍ، حيث عثر على صحائف ذهبية، فترجمها،
ونشرها عام 1903 م، تحت عنوان )كتاب المورمون(" ) 2 . )
" وقد لعب المورمون في الولايات المتحدة دو ا رً مهم اً في التبشير بالعقائد الصهيونية، وبأفكار
عودة اليهود، وتجميعهم في فلسطين ... ومع صدور وعد بلفور، أعرب المورمون عن فرحهم
1 165 ( بتصرف . - - 166 / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 169 ( بتصرف . - / ( المصدر السابق، ) 4
443
الشديد لتحقيق الوعد وجَمْع شمل اليهود في فلسطين، وذلك لتحقيق ملكوت السموات، وقد سافر
اثنان من قادة المورمون إلى فلسطين بمناسبة الذكرى ال ا ربعة لصدور وعد بلفور، وعبَّ ا ر عن
دهشتهما مما شاهداه من مظاهر الرفض المسيحي اولإسلامي لحركة الاستيطان اليهودي، كما
أعلنا أن الأمريكيين يحبذون عودة اليهود لفلسطين لأنهم مسيحيون مخلصون! " ) 1 . )
0. جماعة "شهود يهوه":
" جماعة دينية مسيحية بروتستانتية نشأت في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1992 م،
يؤمن أتباعها بعدد من )الأفكار الماشيحانية( الصهيونية، ويعود اسم الجماعة الشائع إلى إيمانها
بأن اسم الإله الحقيقي هو )يهوه(، وأنّ الاسم الحقيقي للمسيحيين هو )شهود(، وفي عام 1991 م،
قامت الجماعة بتأسيس مجلة )برج صهيون وبشير مجيئ المسيح( الشهرية، التي ازداد توزيعها
بمرور الوقت، وترى جماعة شهود يهوه أنه يوجد 244 ألف من المؤمنين عميقي الإيمان عبر
التاريخ سيولدون كأبناء الإله الروحانيين، وسيشاركون في حكم العالم مع المسيح!، ومملكة
المسيح ليست مفارقة للأرض، فالمملكة الألفية ستؤسَّس هنا، وهي مملكة كلّ ما فيها مثالي، إذ
ستمتلئ الدنيا عدلا بعد أن امتلأت جو ا رً " ) 2 . )
4. منظمة المائدة المستديرة:
" وهي منظمة دينية أسسها عام 1191 م عدد من القيادات النص ا رنية الأصولية والسياسية،
وهدف هذه المنظمة هو تنظيم لقاءات بين القيادات السياسية والقيادات الأصولية والإنجيلية بشكل
عام، واعداد الندوات لتعليم المتدينين السياسة، ومن أبرز نشاطاتها: حفلات الإفطار السنوية التي
تقيمها للصلاة من أجل )إس ا رئيل( ودعم سياساتها وأغ ا رضها، ودرجت على إصدار بيان بعد
الصلاة تبارك فيه )إس ا رئيل( باسم 53 مليون مسيحي يؤمنون بالتو ا رة في الوليات المتحدة ") 3 .)
1 161 ( بتصرف . - / ( موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
2 . )153 / ( المصدر السابق، ) 4
3 ( الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 069 ( بتصرف يسير . -
444
5. مؤتمر القيادة المسيحية الصهيونية الد ولية: -
" وقد نظمته المجموعة المعروفة باسم: )السفارة المسيحية الدولية في القدس( عام 1195 م،
في سويس ا ر، وجمعت له نحو 533 مشترك، وقال منظمو المؤتمر بأنّه عُقد " استجابة في المقام
الأول لمعجزة إعادة الله شعبه إلى أرضهم" ، وقالوا أيضاً: " إنّ غرضنا هو تفحّص الجذور
التاريخية والأساس التو ا رتي للموقف المسيحي حيال )إس ا رئيل("، وتضمّن البيان الختامي تأييداً بلا
تحفظ للكيان الصهيوني، وأُرفق بتحذي ا رت لأي شخصٍ أو مجموعة لا تشاطر المؤتمرين أ ريهم") 1 . )
1. مؤسسة جبل المعبد:
" وهي منظمة صهيونية مسيحية لها امتدادها داخل الكيان الصهيوني، وتركز هدفها على
إنشاء المعبد في القدس، وقد تف رّع عنها عدة لجان ومعاهد ومنظمات لخدمة أغ ا رضها، ويشكل
بناء المعبد اليهودي عند هذه المنظمة واحدة من آخر الإشا ا رت التي تسبق العودة الثانية
للمسيح") 2 .)
7. المصرف المسيحي الأمريكي لدعم )إس ا رئيل( :
" وهو من المنظمات المسيحية الأمريكية التي تكرّس نفسها لخدمة الكيان الصهيوني،
وسياساته التهويدية والتوسعية، وخاصة في ش ا رء الأ ا رضي العربية، أو السيطرة عليها وحيازتها
لأغ ا رض بناء المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية") 3 . )
هذا بعضٌ من المنظمات والجمعيات الناشطة، والا فإنّ جماعات الضغط ومنظمات
الصهيونية المسيحية في الغرب وخاصة في الولايات المتحدة الأمريكية لا يمكن أن تقع تحت - –
حصر، فمنها المجموعات الصغيرة، ومنها الجماعات التي تكتفي بالفعاليات والأنشطة التضامنية
مع الكيان الصهيوني، ومنها ما يتخصص في كتابة الرسائل إلى الإعلام المحلي وأصحاب ال أ ري
والسياسيين ورؤساء المحلّيات، ومنها ما يكرّس نفسه لعرض الأفلام وطباعة المجلات والمنشو ا رت
1 10 ( بتصرف يسير. - ( الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، )ص 12
2 053 ( بتصرف يسير. - - ( الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 061
3 . ) ( المصدر السابق، )ص 059
445
والقاء المحاض ا رت، ومنها ما يقوم بتسيير التظاه ا رت والمسي ا رت المؤيدة لليهود في فلسطين،
وهكذا) 1 . )
يلاحظ مما سبق أنّ هذه الجمعيات والمنظمات والمصارف وغيرها الكثير تعمل على - -
مدار الأيام والساعات على توفير كلّ دعمٍ ممكن للكيان الصهيوني الجاثم على أرض فلسطين،
باسم الدّين والتو ا رة والإنجيل والمسيح، وتستخدم نفوذها السياسي والمالي والمعنوي من أجل خدمة
هذا المشروع الصهيوني.
خلاصة المطلب:
أولً: أفرزت مصادر النص ا رنية، وخاصة الكتاب المقدّس بعهديه، طوائف وجماعات نص ا رنية
في الغرب، استدرجها اليهود إلى الإيمان بحرفية العهد القديم والجديد، وبالتالي الوقوع في ش ا رك
اليهود، وتقرير أفضليتهم كجنس وكشعب مختار، وتخصيصهم بملك أرض فلسطين، كعلامة على
قدوم المسيح المخلّص المزعوم.
ثانياً: رفعت البروتستانتية النص ا رنية شعار الإصلاح، لكنها ا زدت الدين النص ا رني المحرّف
فساداً فوق فساده العقائدي، وأضفت عليه مظاهر يهودية، خاصةً فيما تفرع عنها من طوائف،
كالإنجيليين الأصوليين، والصهيونيين المسيحيين، وغيرهم.
ثالثاً: عملت الصهيونية المسيحية في الغرب على خدمة الكيان الصهيوني وتثبيت وجود
اليهود في فلسطين، واستطاع اليهود الاعتماد على هذا القطاع الأهمّ من الصهاينة غير اليهود،
وأصبح سوادٌ كبير من نصارى العالم يعملون تلقائياً لصالح المشروع اليهودي الصهيوني على
أرض فلسطين، بصبغته الدينية ال واضحة.
1 . ) ( انظر: الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى الي وم، سعد رستم، )ص 043
446
ا ربعاً: اعتنق الإنجيليون الأصوليون، والصهاينة النصارى مذهب الألفية السعيدة في آخر
الزمان، ومعركة هرمجدون الفاصلة، التي تعبّر عن مستوى متدنٍ من العنصرية والتطرف الديني،
والتي تنحرف بملايين البشر إلى خ ا رفاتٍ وأساطير هي أبعد ما تكون عن الدين القويم، بل تتعارض
مع ما ألفته العقول والفطر السويّة من رحمة الإله الخالق بعباده، وعدله وحكمته.
خامساً: وصل الإيمان بنظرية هرمجدون إلى مستوى القيادات السياسية والدينية في الغرب
النص ا رني، وكثيرٌ من هؤلاء باتوا يؤمنون بالنبوءات الواردة في الكتاب المقدّس، ويبنون عليها
مواقفهم وقيمهم وسياساتهم، وعقيدة كهذه تؤثر على معتنقيها بلا شك في ق ا ر ا رتهم واتّجاهاتهم
السياسية والعسكرية والفكرية.
سادساً: إنّ معتقدات وأفكار ما عُرف بالصهيونية المسيحية ا زدت النص ا رنية انقساماً، خاصة
بين نصارى الشرق والغرب، وأدخلت المعتقدات النص ا رنية فيما يتعلق بأرض فلسطين في أتون
ص ا رع شرقي غربي نص ا رني، لكنّ الأساس الديني المعلول لهذه العقائد هو محلّ النظر، إذ لا سبيل
للفصل في هذه المنازعات النص ا رنية سوى بإبطال العمل بالكتاب المحرّف الذي هو منشأ هذه
الأفكار بما يحتويه من زيف وبطلان وتحريف.
447
المطلب الثالث:
مظاهر الدعم الغربي )النصراني( سة
ّ
المعاصر لليهود في الأرض المقد
إنّ اليهود في فهم الباحث وجدوا ضالّتهم في العقيدة النص ا رنية الغربية الجديدة، واكتسبوا - –
بسبب هذا الفهم الغريب لأحداث نهاية الزمان في الأرض المقدّسة اكتسبوا عامل دعمٍ واسناد - -
لهم في كيانهم المغتصِب لأرض فلسطين من الغرب النص ا رني في كل المجالات، وخاصة من أ رس
القوة العالمية في الغرب، الولايات المتحدة.
ولا يخفى على أحدٍ حجم الدعم الهائل وغير المنطقي الذي يحظى به الكيان الصهيوني - -
من هذا الغرب، وما لذلك من تفسير سوى النسجام الفكري العقائدي بين يهود اليوم وبين
النص ا رنية الحاكمة في الغرب، والتي جسّدت الحروب الصليبية من خلال صورٍ جديدة.
ومن أهمّ مظاهر الدعم الغربي )النص ا رني( لليهود في فلسطين في العصر الحديث فيما –
اتضح للباحث ما يلي: -
أولا : الدعم العسكري:
بدأت قصّة الدعم الغربي العسكري لليهود منذ ما قبل احتلال فلسطين عام 1169 م، فقد كان
الضباط البريطانيون يقدّمون المساعدة للمنظمات العسكرية اليهودية على أرض فلسطين، من حيث
تقديم الأسلحة اللازمة لهم، وتدريبهم، في مقابل التضييق على العرب في التسلّح من أجل مواجهة
هذه المنظمات) 1 . )
وتاريخ القوات البريطانية في فلسطين حافل بقصص الضباط البريطانيين، أصحاب العقيدة
البروتستانتية الصارمة، الذين كانوا يقدّمون الدعم العسكري على خلفية عقائدية، ويعتبرون
أنفسهم جنوداً في سبيل تحقيق أحلام اليهود التو ا رتية، ويعدّون أنفسهم في مهام مقدّسة، وهؤلاء
1 ( انظر: الصليبيون الجدد الحملة الثامنة .. د ا رسة في أسباب التحيز الأمريكي والبريطاني )لإس ا رئيل(، يوسف
. ) 1119 م، )ص 59 ، العاصي الطويل، مكتبة مدبولي/القاهرة، ط 1
448
الضباط ساعدوا بشكل فعّال في تشكيل الجيش اليهودي في فلسطين، كما ساهموا في محاربة الثوار
الفلسطينيين) 1 . )
كما لا يخفى أنّ من أهم أسباب سيطرة اليهود على فلسطين في حرب عام 1169 م هو
الدعم العسكري الأمريكي والبريطاني السرّي لليهود أثناء فترة الهدنة، أواخر مايو من ذلك العام،
إذ لم يلتزم اليهود بتشجيع من هذا الدعم العسكري بشرط عدم التسلّح خلال الهدنة، فحصلوا - –
على عتاد ضخم وأسلحة كثيرة خلال فترة الهدنة، مما قلب موازين القوى في هذه الحرب) 2 . )
ومنذ ذلك التاريخ تدفقت المساعدات العسكرية الغربية والأمريكية خاصة على الدولة - -
اليهودية، ولا ا زلت حتى يومنا الحاضر.
وكمعطيات حديثة في السنوات القليلة الماضية، تجد مثلا أنّ " الولايات المتحدة سمحت - –
بين عامي 2331 2339 م فقط بتصدير ما يزيد على ) 47 مليون( طلقة من الذخيرة إلى الكيان -
الصهيوني، وهذا الرصاص يكفي لجرح أو قتل عشرة أضعاف جميع الفلسطينيين الواقعين تحت
الحتلال، كما أن أمريكا قد نقلت إلى الدولة العبرية حوالي ) 533 نوع مختلف من الأسلحة( أثناء
العقد الماضي، وعليه أصبح من غير المتوقع أن يقوم الجيش الصهيوني بأي عمل دون استخدام
الأسلحة الأمريكية، حتى الوظائف الروتينية؛ كتسيير دورية مثلا !، وهذا الأمر سيستمر لسنوات
طويلة، إذ في عام 2339 م وقّع اليهود مع أمريكا مذكّ رة تفاهم تقضي بتزويد الكيان الصهيوني بما
مجموعه 03 مليار دولر من الأسلحة بين عامي 2334 و 2328 م" ) 3 . )
ولك أن تتصور أنه " وبعد شهرين من قتل الكيان الصهيوني 2433 فلسطيني اً أثناء الحرب
2331 م(، لم تقم الولايات المتحدة بمعاقبة الكيان الصهيوني لإساءة استخدام / على غزة ) 2339
أسلحتها بهذه الطريقة الوحشية، ولم تعاقبها بسبب ما أسمته منظمة العفو الدولية بج ا رئم الحرب،
1 - . )43 ( انظر: الصليبيون الجدد، يوسف العاصي الطويل، )ص 59
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 99
3 ( ورقة سياسية حول المساعدات العسكرية الأمريكية )لإس ا رئيل(، بقلم: جوش روبنر، مدير المبادرة القومية في
الحملة الأمريكية لإنهاء الاحتلال )الإس ا رئيلي(، عن: المركز الفلسطيني في واشنطن، عنه: م ركز الزيتونة للد ا رسات
والاستشا ا رت، ا ربط: www.alzaytouna.net 2310 م . /34/ ، بتاريخ: 19
449
واتهمت فيها الولايات المتحدة بإشعال الص ا رع من خلال إرسال هذه الأسلحة، بل قام الرئيس
الأمريكي با ا رك أوباما) 1 (، بعد شهرين فقط، بتزويد الدولة اليهودية ب ) 033 ( حاوية جديدة من
الأسلحة! ") 2 .)
ومن المفارقات العجيبة مثلا في هذا الدعم الأمريكي المستميت للكيان، حديثاً، أنّه " على - –
الرغم من تقليص مي ا زنية الدفاع الأمريكية نتيجة للوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به الولايات
المتحدة، فقد أعلنت مؤخ ا رً )يونيو 2310 م( بأنها ستقوم بتحويل مبلغ ) 249 مليون دولار( إضافي
للدولة العبرية؛ لدعم منظومة الصواريخ الاعت ا رضية، ليصل مجموع الدعم العسكري الإضافي
488 مليون دولر( حتى نهاية عام 2324 م، وجاء ذلك بعد ق ا رر لجنة الخدمات المسلحة (
التابعة لمجلس النواب الأمريكي مطلع يونيو، مع التأكيد أنّ هذا السخاء ليس من ضمن الدعم
السنوي العسكري الذي تقدمة الولايات المتحدة، والذي يصل إلى 0,2 مليار دولر سنوي اً ") 3 .)
والدعم العسكري الأمريكي للكيان الصهيوني عبّر عنه جميع زعماء أمريكا منذ قيام الكيان،
وكان آخرهم الرئيس الأمريكي با ا رك أوباما، الذي أكّد في خطابه لجماهير اليهود في مارس -
2312 م عندما ا زر فلسطين المحتلّة أكّد الت ا زم بلاده المطلق بلا قيود بدعم التفوق العسكري -
للدولة العبرية، إذ قال ما نصّه: " إنني فخور لأن العلاقة الأمنية بين الولايات المتحدة و)إس ا رئيل(
هي الآن أقوى من أي وقت مضى، على الإطلاق، هناك عدد أكبر من المناو ا رت العسكرية
1 ( با ا رك أوباما: واسمه: با ا رك حسين أوباما الابن، ولد عام 1141 م، هو الرئيس ال ا ربع والأربعون للولايات المتحدة
الأمريكية منذ 23 يناير 2331 م حتى الآن )يونيو 2310 م(، وأول رئيس من أصول أفريقية يصل للبيت الأبيض،
حقق انتصا ا رً على خصمه جون ماكين، حصل على جائزة نوبل للسلام لعام 2331 م نظير )جهوده في تقوية
الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب(، وذلك قبل إكماله سنة في السلطة ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط:
با ا رك_أوباما wikipedia.org/wiki/ 2310 م [ . /34/ ، بتاريخ: 19
2 ( ورقة سياسية حول المساعدات العسكرية الأمريكية )لإس ا رئيل(، جوش روبنر، عن: مركز الزيتونة للد ا رسات
والاستشا ا رت، ا ربط: www.alzaytouna.net 2310 م . /34/ ، بتاريخ: 19
3 2310 م، )ص 6( بتصرف . - /34/ ( صحيفة القدس العربي/ لندن، العدد ) 9651 (، الصادر بتاريخ 12
451
المشتركة، وعدد من المبادلات بين مسؤولينا السياسيين والعسكريين والمخاب ا رتيين أكثر من أي وقت
مضى؛ ولدينا أكبر برنامج حتى الآن لمساعدتكم على الحتفاظ بتفوق عسكري نوعي") 1 .)
والدعم العسكري الغربي ل يقتصر على الوليات المتّحدة، فمن أبرز دول الغرب التي تدعم
الكيان الصهيوني عسكرياً، هي ألمانيا، " فعلى سبيل المثال فإنّ دبابة )ميركافا( التي تعدّ من
أكثر الدبابات في العالم كفاء ةً وقدر ةً علي المناورة، تم تطوير تصفيحها ومدفعها في ألمانيا، إضافة
إلى أنّ مح ركها ألماني الصنع، ولا ينحصر الدعم الألماني في هذه الدبابة وانما يتجاوزه إلى البوارج
والسفن وطائ ا رت سلاح الجو، التي تحتوي علي تقنيات وقطع صنعت وط ورت في ألمانيا، ورغم
إعلان ألمانيا أنها لن تورد إلى الكيان الصهيوني أسلحة حربية ذات طبيعة هجومية لأسباب
سياسية، إلا أنّ الغواصات الألمانية التي استلمتها الدولة اليهودية تثبت عكس ذلك، فقد زودت
ألمانيا الدولة العبرية ما بين الفترة 1119 و 2333 م بثلاث غواصات تم تمويلها من قبل دافع
الضريبة الألماني بنسبة 93 بالمائة") 2 . )
وهذا الدعم ولا شك هو الذي يرتكب من خلاله الكيان اليهودي في فلسطين أبشع - –
الج ا رئم، ويستخدم هذه الأسلحة الفتاكة ضد شعب فلسطين الأعزل وشعوب المنطقة العربية.
ثاني ا: الدعم الاقتصادي:
تدعم النص ا رنية الغربية من خلال دولها القائمة وحكوماتها وأنظمتها اليهود في فلسطين - -
من الناحية الاقتصادية، بطرق مباشرةٍ، وغير مباشرة .
أما الدعم المباشر، فتقف على أ رسه الولايات المتحدة الأمريكية، إذ تقدّم للكيان الصهيوني
في فلسطين دعماً مادياً هائلاً، حتى على حساب المواطن الأمريكي في بعض الأحيان، وكنموذج
حيّ وحديث على هذا الدعم المتواصل منذ إقامة الكيان، " كشفت صحيفة )كريتسان ساينس
1 ( موقع و ا زرة الخارجية الأمريكية، www.iipdigital.usembassy.gov/st/arabic 2310 م. /34/ ، بتاريخ 19
2 ( صحيفة القدس العربي، العدد ) 5091 (، مقال لعبد العظيم محمود حنفي )مدير مركز الكنانة للبحوث والد ا رسات
2334 م، )ص 19 ( بتصرف يسير . - /31/ القاهرة(، بتاريخ 10
450
منيتور() 1 ( الأمريكية مؤخ ا رً )يونيو 2310 م( النقاب عن أن )إس ا رئيل( كلفت الولايات المتحدة ماليًا
منذ العام 2470 م، ما مقداره 2,1 تريليون دولر )أي 2133 مليار دولر(، أي أن كل مواطن
أمريكي دفع 5733 دولر للكيان الصهيوني، بناءً على عدد سكان أمريكا اليوم! كما أنّ النفقات
)المعلنة( لدعم )إس ا رئيل( سنويا تبلغ أكثر من )ثلاثة مليا ا رت دولار(، وهذا المبلغ لا يمثل سوى
الجزء الذي يعرفه غالبية الأمريكيين الذين يعتقدون أنه ينفق في موضعه لخدمة )الديمق ا رطية
والمصالح الاست ا رتيجية( في المنطقة ") 2 .)
وقد قدّم الخبير الاقتصادي الأمريكي "توماس ستوفار) 3 (" لنفس الصحيفة الأمريكية حقائق
حول الدعم الاقتصادي الأمريكي للدولة اليهودية، مشي ا رً إلى أن " الأموال التي تجمعها المنظمات
الخيرية اليهودية في أمريكا في شكل منح، وصلت إلى 13 مليار دولر منذ عام 2470 م، كما
أنّ الولايات المتحدة ضمنت للدولة اليهودية قروضًا تجارية ب 13 مليا ا رت دولار، وأخرى ‘سكنية’ ب
433 مليار دولار في ذات الفترة") 4 . )
وهذا الدعم الاقتصادي لا يقتصر أيضاً على الولايات المتحدة، وان كانت أكبر الداعمين،
إذ " تعد ألمانيا ثاني أكبر شريك تجارى للدولة العبرية بعد الوليات المتحدة، فتجد أن التجارة
البينية تقدر قيمتها بنحو 4.8 مليار دولر، وقد لوحظ أيضا تصاعد الاستثما ا رت الألمانية
المباشرة في الكيان الصهيوني، والى جانب ذلك، فقد قامت جمعيات رجال الأعمال لدى الطرفين
بتأسيس مجلس مشترك لرجال الأعمال وذلك خلال عام 2335 م، بهدف دعم العلاقات بين
1 ( كريتسان ساينس منيتور: صحيفة أمريكية يومية تصدر من الاثنين وحتى الجمعة، في بوسطن في ولاية
ماساتشوستس، الصحيفة مملوكة ل )كنيسة المسيح(، وتهتم الصحيفة بالشؤون السياسية مع أنها تحتوي على مقال
ديني في كل عدد، توقفت النشرة الورقية عن الصدور في عام 2331 بسبب الخسائر المتواصلة، لكنها احتفظت
بطبعتها الإلكترونية ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: كريتسان_ساينس_منيتور wikipedia.org/wiki/ ، بتاريخ:
2310/34/19 م [ .
2 2310 م، )ص 6( بتصرف يسير . - /34/ ( صحيفة القدس العربي/ لندن، العدد ) 9651 (، الصادر بتاريخ 12
3 ( لم يعثر الباحث على ترجمة له .
4 ( صحيفة القدس العربي، العدد ) 9651 (، )ص 6( بتصرف يسير. -
451
الجانبين في مجال الأعمال الحرة، وتعد ألمانيا أيضا أكبر داعم للكيان الصهيوني فيما يتعلق
بمسألة توقيع اتفاقيات التجارة التفضيلية بين الكيان الصهيوني والاتحاد الأوروبي") 1 .)
وليس أدلّ على الدعم الاقتصادي الغربي والألماني خاصة من )اتفاقية دفع التعويضات - –
الألمانية( المعروفة ب "اتفاقية لوكسمبورغ) 2 ("، وهي اتفاقية بين الكيان الصهيوني وجمهورية
ألمانيا التحادية تم التوقيع عليها في سبتمبر 2452 م والتزمت ألمانيا فيها بدفع تعويضات
لليهود الناجين من )الهولوكوست() 3 (، وللدولة العبرية باعتبارها الدولة التي ترث حقوق الضحايا
اليهود والتي تعتني بتأهيل أغلبية الناجين اليهود، في إطار هذه الاتفاقية دفعت جمهورية ألمانيا
الاتحادية لدولة اليهود ما يقدر ب 0 مليا ا رت مارك ألماني غربي في غضون 12 عاما ما بين عام
1150 و 1145 م، كذلك التزمت حكومة ألمانية بدفع معاش شهري لكل يهودي أينما كان، إذا أثبت
تعرضه لمطاردة الحكم النازي في أوروبا منذ 1100 وحتى نهاية الحرب العالمية الثانية ") 4 .)
" وقد ح لّت الاتفاقية مشكلة العوز المالي الذي عانى الكيان الصهيوني منه، مما أدى إلى
خفض نسبة التضخم المالي من 44 % في 1152 م إلى 5 6 % سنوي اً في السنوات المتلاحقة، -
وكانت المدفوعات الألمانية جزءا كبي ا ر من موارد مي ا زنية الدولة العبرية لمدة 22 عام اً " ) 5 .)
1 2339 م، مقال: سامية بيبرس، ا ربط: /39/ ( صحيفة الأه ا رم المصرية )الأه ا رم الرقمي(، العدد الصادر بتاريخ 31
digital.ahram.org.eg/articles 2310 م بتصرف يسير. - /34/ ، بتاريخ: 19
2( لوكسمبورغ: هي إحدى دول البنلوكس )وهو اتّحاد اقتصادي بين ثلاث ممالك أوروبية غربية(، تقع لوكسمبورغ
في غرب أوروبا، بين كل من ألمانيا، وفرنسا، وبلجيكا، وتُعد إحدى أصغر دول أوروبا مساحة وسكان اً ] موسوعة
ويكيبيديا الحرة، ا ربط: لوكسمبورغ wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف يسير [ . - /39/ ، بتاريخ: 26
3 ( هولوكوست: كلمة يونانية تعني )حرق القربان بالكامل(، وتُترجم إلى العبرية بكلمة "شواه"، وتُترجم إلى العربية
أحيان اً بكلمة "المحرقة"، وكانت كلمة "هولوكوست" في الأصل مصطلح اً ديني اً يهودي اً يشير إلى القربان الذي يُضحَّى
به للرب، فلا يُشوى فقط بل يُحرق حرق اً كاملا غير منقوص على المذبح،. ولذلك، كان الهولوكوست يُعّدُّ من أكثر
الطقوس قداسة، ولكنه يشير في الاصطلاح اليهودي إلى الإبادة الجماعية التي يزعم اليهود أنّهم تعرّضوا لها على
015 ( بتصرف [ . - / يد النازية في ألمانيا ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 2
4 ( موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: اتفاقية_لوكسمبورغ wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف. - /34/ ، بتاريخ: 19
5 ( المصدر السابق .
453
وربما تكون هذه الاتفاقية بهذا الشكل حدثاً غير مسبوق في التاريخ، وهو حدثٌ له في فهم –
الباحث تأثي ا رته المت ا ركمة عدا البعد الاقتصادي، إذ يثبّت اليهود من خلاله روايتهم عن -
الهولوكوست المزعوم، ناهيك عن أثره الدعائي الكبير للكيان الصهيوني.
ومن أهمّ أشكال الدعم الغربي )غير المباشر( لقتصاد الدولة العبرية، هو السياحة إلى
الأماكن المقدّسة، فإنّ اليهود منذ احتلال فلسطين يسمحون للسياح اليهود والنصارى بزيارة الأرض
المقدّسة، وخاصةً مدينة القدس المحتلة، ويتقاطر السياح بإرشادٍ يهودي أو نص ا رني متواطئ مع
اليهود في نظرياته الدينية، ويحقق اليهود عوائد اقتصادية كبيرة من و ا رء هذه السياحة الدينية، إذ
يزور القدس نحو 233 ألف سائح سنوياً، الأمر الذي يعود على الكيان الصهيوني بعوائد ل تقل
عن )بليون دولر( سنوي اً ) 1 . )
حيث تقوم "السفارة المسيحية العالمية" في القدس بالتعاون مع دائرة السياحة في الدولة
اليهودية، بتنظيم رحلات سياحية منظمّة تخصّ اليهود، و"المسيحيين الإنجيليين" الذين يؤمنون
بنظام ديني قائم على أن العدّ العكسي لنهاية التاريخ قد بدأ، وأن )أرض إس ا رئيل( ستشهد أحداثاً
غير طبيعية، ويقوم السيّاح الذين يتوافدون سنوياً بالآلف بإنفاق ملايين الدول ا رت دعماً
للاقتصاد الصهيوني) 2 .)
ثالث ا: الدعم السياسي والمعنوي:
وهذا الدعم يأخذ وجوهاً عديدة ومتشعّبة، إلى حدٍّ يصعب معه حصرها، إذ إنّ الكثير من
أوجه الدعم الاقتصادي والعسكري سابقة الذكر، تعدّ ضمن جهود الدول الغربية في الدعم السياسي
والمعنوي للكيان الصهيوني.
1 . ) ( انظر: النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 12
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 16
454
وتعود بذور هذا الدعم إلى " الدور السياسي الحاسم الذي لعبه النصارى الإنجيليين الغربيين
في تسهيل مهام الحركة الصهيونية، بل إنّ الشعار الصهيوني الأول )وطن بلا شعب لشعبٍ بلا
وطن( إنما هو من سكّ هؤلاء النصارى، وجاء هرتزل ليستخدمه بعد ستين سنة") 1 . )
" وامتدّ هذا الدعم السياسي المبكّر لليهود إلى عصرنا الحاضر، فكانت الوليات المتحدة أوّل
دولة في العالم تعترف بالكيان الصهيوني رسمياً بعد إعلان اليهود إنشاء دولتهم في ال ا ربع عشر
من مايو عام 2448 م بإحدى عشرة دقيقة فقط! ولم يكن ذلك إلاّ أم ا رً بيّته الأمريكيون، بضغط
مباشر وواضح من اللوبي الصهيوني المتجذّر، والساكن للبيت الأبيض منذ عهود طويلة) 2 . )
وبرز الكثير من السياسيين النصارى المشبعين بالأفكار الدينية الصهيونية في الغرب -
وأمريكا خاصة ليساندوا اليهود على نطاق واسع ويقدّموا لهم كل دعم معنوي وسياسي، وحتى -
مالي، وفي كل المناسبات، وكان من أبرز هؤلاء وأوّلهم أمريكي اً "جيري فولويل") - - 3 ( الذي أسس
منظمة سمّاها "منظمة الأغلبية الأخلاقية"، ويرى فولويل أنّ الولايات المتحدة يجب أن تدعم الكيان
الصهيوني لا من أجل )إس ا رئيل( فحسب، بل من أجل أمريكا، ويرفق آ ا رءه السياسية بأقوال من
التو ا رة والعقائد الألفية، ويسعى لنشر فكرة مفادها بأنّ )معاداة إس ا رئيل هي معاداة الله(! ) 4 . )
و فولويل هذا " كان من أبرز الحاضرين حول الرئيس جورج بوش الابن عام 2333 م في
حفل تنصيبه كرئيس للولايات المتحدة، في إشارة واضحة إلى أنّ )إس ا رئيل( حاضرة وبعمق من
1 ( الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، )ص 51 ( بتصرف. -
2 . ) ( انظر: ذئاب في ثياب حملان، إميل أمين، )ص 151
3 ( جيري فولويل) 2337 2400 م(: قس أمريكي مسيحي أصولي، أسس كنيسة "توماس رود" المعمدانية في -
لينشبرغ، وكذلك جامعة "ليبرتي"، كانت لديه آ ا رء متشددة في مواضيع مثل المثلية والإجهاض والعلمانية، كانت لديه
مواقف مؤيدة لدولة )إس ا رئيل( ومعادية للإسلام، حيث وصف الرسول محمد بالإرهابي! ] موسوعة ويكيبيديا
الحرة، ا ربط: جيري_فالويل wikipedia.org/wiki/ 2310 م [. /34/ ، بتاريخ: 14
4 . ) ( انظر: الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، )ص 96
455
خلال ممثلها الأشهر في أمريكا، هذا الحضور الذي سيسمح لها بتوجيه دفّة الأمور فيما بعد، وهو
ما كان بالفعل خلال سنوات حكم هذا الرئيس") 1 . )
وما هذا إلا نموذج واحد لطبيعة الشخصيات التي تعتلي أ رس السلطة في أكبر الدول الغربية
النص ا رنية، مما يفسر في فهم الباحث حالة الدّ عم غير المشروط والمستميت للصهاينة في - -
فلسطين، من قبل هذه الحكومات والإدا ا رت الأمريكية المتعاقبة.
والقائمة تطول في سرد أسماء وألقاب وأعمال ونشاطات هؤلاء المتصهينين الساكنين للبيت
الأبيض الأمريكي، فكلٌّ له دوره وتأثيره، الذي يمتد للمستقبل بشكلٍ واضح، ويشكّ ل أ رياً عاماً فاعلاً
وقوياً في است ا رتيجية أمريكا) 2 . )
ولعلّ منظمة "إيباك") 3 ( الأمريكية الصهيونية، تعبّر عن مدى الدعم السياسي والمعنوي
الذي تكيله أمريكا للكيان الصهيوني في فلسطين، و كنموذج على ذلك، تجد أنّ المؤتمر السياسي
ال ا ربع والأربعين للإيباك الذي عقد في مارس عام 2330 م " أكّد على عمق العلاقة والدعم، إذ
ناقش فيه اليهود والأمريكان )في حضور أكثر من 2333 شخصية( سوياً موضوع )إعادة تشكيل
الشرق الأوسط( وفق الرؤية الصهيونية بالطبع ، وبدأت الكلمات في هذا المؤتمر بعبارة على - -
لسان مبشّر أمريكي نص ا رني يقول فيها: " لقد أعطى الله أرض )إس ا رئيل( للشعب اليهودي ... ول
يمكن لأحد، ل هيئة الأمم، ول التحاد الأوروبي، ول روسيا، ول أي رباعي أو ثلاثي إن كان
1 ( ذئاب في ثياب حملان، إميل أمين، )ص 211 ( بتصرف . -
2 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 229
3 ( إيباك: وهي في معناها المحدد تعني اللوبي الصهيوني، وتسمى: لجنة الشئون العامة )الإس ا رئيلية( الأمريكية،
وهي من أهم جماعات الضغط، ومهمتها، كما يدل اسمها، الضغط على المش رعين الأمريكيين لتأييد الدولة
الصهيونية، ويتم ذلك بعدة سبل، من بينها تجميع الطاقات المختلفة للجمعيات اليهودية والصهيونية، وتوجيه حركتها
في اتجاه سياسات وأهداف محددة عاد ةً تخدم )إس ا رئيل(، كما أن اللوبي يحاول أيض اً أن يحوِّل قوة الأثرياء من
أعضاء الجماعات اليهودية )وخصوص اً القادرين على تمويل الحملات الانتخابية(، وأعضاء الجماعات اليهودية
على وجه العموم )أصحاب ما يُسمَّى الصوت اليهودي( إلى أداة ضغط على صناع الق ا رر في الولايات المتحدة،
فيلوح بالمساعدات والأصوات التي يمكن أن يحصل المرشح عليها إن هو ساند الدولة الصهيونية والتي سيفقدها لا
066 ( بتصرف يسير [. - / محالة إن لم يفعل ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 4
456
يمكنه أن يقرر أي شيء حول هذه الأرض التي ليست ملكاً لهم! ... إنه لأمر فاحش أن تطلب
إدارة بوش من )الشعب الإس ا رئيلي( جهوداً إضافية من أجل السلام!" ") 1 . )
وامتدّ هذا الدعم السياسي كما لا يشك أحدٌ إلى العلاقات الرسمية بين اليهود والغرب، - –
فجعل الغرب من خلال هذا التوجه الديني المعقّد كيان اليهود في فلسطين، دولةً فوق القانون، - -
تتج أ ر على الدماء والأع ا رض، ولا تقيم وزناً للقوانين الدولية أو الأع ا رف أو المعاهدات، وترتكب ما
تشاء من فظائع تحت غطاءٍ غربي أومريكي خاصة وهذا واقع مشاهدٌ لا يحتاج إلى إثبات. - -
إنّ العالم البروتستانتي الغربي بقيادة الولايات المتحدة لم يكن وحيداً في عالم النص ا رنية
الداعمة للكيان اليهودي على أسس دينية.
بل إنّك تجد ذلك التواؤم والنسجام الكبيرين بين )باباوات الفاتيكان( الذين يمثّلون العالم -
النص ا رني الكاثوليكي في الغرب وبين اليهود الصهاينة محتلي فلسطين، إذ دأب هؤلاء الباباوات –
على استقبال اليهود، والتق رب منهم، والاعت ا رف بدولتهم، بل والاعتذار لهم عن التقصير في حقّ
اليهود من قبل أسلافهم من الباباوات في شأن اضطهاد اليهود ومعاناتهم في أوروبا، وسكوتهم
المطلق على ما يقوم به اليهود في فلسطين وما حولها من ج ا رئم وفظائع، وزيا ا رتهم المتكررة لأرض
فلسطين في ظل احتلالها من اليهود، وانحنائهم أمام ما صنعه اليهود من نصُب تذكارية تجسّد ما
يعرف بالهولوكوست، الذي يزعم اليهود أنّهم تعرضوا له في أوروبا) 2 .)
2440 م بالعت ا رف /31/ "وكان من أهم مظاهر هذا الدعم، هو: قيام الفاتيكان في 03
رسمياً )بالوضع ال ا رهن( للكيان الصهيوني المحتل لأرض فلسطين " ) 3 . )
1 2330 م )ص - ، ( حرب صليبية بكل المقاييس، د. زينب عبد العزيز، دار الكتاب العربي/دمشق القاهرة، ط 1
43 ( بتصرف . - – 51
2 . ) ( انظر: المسيحية المتهودة في خدمة الصهيونية العالمية، عيسى اليازجي، )ص 121
3 . ) ( حرب صليبية بكل المقاييس، د. زينب عبد العزيز، )ص 04
457
وهذا التلاحم الكاثوليكي اليهودي من ناحية سياسية صريحة، هو ليس في فهم الباحث - -
ظاهرةً سياسية أو قضية متعلقة بالمصالح المشتركة، بقدر ماهي دعمٌ واسناد له خلفياته الدينية
الواضحة.
رابع ا: الدعم الثقافي والإعلامي:
تعدّدت أشكال الدعم الثقافي والإعلامي الغربي للكيان الصهيوني واليهود في فلسطين،
وباتت منظمات اللوبي النص ا رني في الغرب تتكاثر، وأصبحت هي أبرز المدافعين عن اليهود
المحت لّين لفلسطين، وكوّنت هذه المنظّمات شبكات تلفزة باتت تعرف ب )التلفنجيليون( أي:
)الإنجيليون التلفزيونيون(، وتبثّ تلك المحطات والإذاعات الدعاية المتواصلة لليهود في
فلسطين، وتبشّر بعقيدة هرمجدون وأفضلية اليهود، وتغطّي أنحاء واسعة من العالم النص ا رني) 1 . )
ولا يخفى ما لهذه الوسائل الإعلامية من دور في صياغة ثقافات الشعوب الغربية، باتجاه
دعم ومساندة اليهود، على أساس فكري وعقائدي موجّه.
ويعدّ بات روبرتسون) 2 ( من أبرز المؤسسين للدعم الإعلامي للصهيونية واليهود في أرض
فلسطين، إذ كان من أخطر التلفنجيليين نفوذاً وتأثي ا رً على الإطلاق، وكان قد بدأ مشروعه بمحطّة
تلفزيونية صغيرة في أمريكا عام 1141 م، واليوم تمتلك "مؤسسة روبرتسون" شبكة تلفزة دولية
كبيرة، وقم ا رً صناعياً وم ا رسلون دوليون، وتبث المؤسسة ب ا رمجها إلى 283 دولة، وتذاع ب ا رمجها
ب 72 لغة، عبر معدات وتجهي ا زت هي الأحدث والأكثر تطو ا رً في مجال البث التلفزيوني، ويعدّ
1 . ) ( انظر: الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، )ص 90
2 ( بات روبرتسون: ولد عام 1103 م، قس معمداني أمريكي، رشّح نفسه للانتخابات الأمريكية عام 1199 م، كما
أسس روبرتسون وكالة البث المسيحية ) CBN ( التي تحولت إلى إمب ا رطورية إعلامية ضخمة، و أسس جامعة باسم
)جامعة وكالة البث المسيحية( عام 1199 م )تمسى حاليا جامعة ريجينت(، ووكالة إغاثة خيرية تعرف باسم )وكالة
عملية الرحمة الدولية للإغاثة والتنمية(، ومكتبا قانونيا يعرف باسم )المركز الأميركي للقانون والعدالة( الذي
يتخصص في الدفاع عن قضايا المسيحيين المتدينين في الحياة العامة الأميركية، كما يقدم برنامجا تلفزيوني اً يسمى
"نادي السبعمائة" الذي يعد أحد أشهر ب ا رمج اليمين المسيحي في أميركا وتنقله قنوات أميركية مختلفة، ع رف بعدائه
الشديد للإسلام، وشتمه للنبي محمد ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط: بات_روبرتسون wikipedia.org/wiki/ ،
2310 م بتصرف [. - /34/ بتاريخ: 14
458
روبرتسون ضالعاً في السياسة، وتستميت مؤسسته دفاعاً عن الكيان الصهيوني، مستغلةً هذا
الفضاء الرحب) 1 .)
كما أنّ الدعم الثقافي لم يقتصر على ما تبثّه وسال الإعلام من ب ا رمج وأفكار، بل إنّ الكتاّب
والمفكرين والعلماء من النصارى البروتستانتيين " انطلقوا في كتابة المؤلفات المطوّلة عن الرؤى
التو ا رتية التي تعطي اليهود )والذين ينظر إليهم على أنهم أعداء تقليديون للكنيسة( موقعاً متمي ا زً
في الفكر المسيحي، فبعد )الإصلاح( أصبح المسيحيون الأوروبيون أكثر اهتماماً باليهود، وغيّروا
اتّجاههم نحوهم" ) 2 . )
"لذلك لم يكن مستغ رباً أن تجد عناوين الكتب والمقالات التي نُشرت في أمريكا وبعض الدول
الأوروبية في أعقاب حرب 1149 م تحمل ط ا ر ا زً دينياً مستمداً من النصوص التو ا رتية، مثل:
)وانتصروا في اليوم السابع(، و)حرب إس ا رئيل المقدّسة(، و)داود وجالوت(، و)اضربي يا صهيون(،
وغيرها " ) 3 .)
وأخي ا رً، فإنه من العسير سرد أو حتى إيجاز جميع مظاهر الدعم الغربي للكيان الصهيوني،
لكنّ رسالة الدعم الغربي والأمريكي خاصة واضحة القصد والهدف، فقد أعلن ذلك الرئيس - –
الأمريكي الحالي )أوباما(، قائلاً لليهود المحتلين لفلسطين: " ولكن فلتعلموا علم اليقين، أن أولئك
الذين يتشبثون بعقيدة رفض حق )إس ا رئيل( في البقاء قد يحلو لهم أيضًا أن يرفضوا الأرض ال ا رسية
تحت أقدامهم أو السماء فوقهم، لأن )إس ا رئيل( لن تذهب أد ا رج الرياح، واليوم أود أن أقول لكم -
لا سيما الشباب أنه ما من خطأ هنا طالما ظلت هناك وليات أميركية متحدة، أنتم لستم وحدكم -
)قالها أوباما باللغتين الإنجليزية والعبرية("! ) 4 . )
1 - . )99 ( انظر: الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية، مجلس كنائس الشرق الأوسط، )ص 94
2 . ) ( النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 130
3 ( الصليبيون الجدد، يوسف العاصي الطويل، )ص 90 ( بتصرف يسير . -
4 ( موقع و ا زرة الخارجية الأمريكية، www.iipdigital.usembassy.gov/st/arabic 2310 م. /34/ ، بتاريخ 19
459
" ولو استمررنا في تتبع سياسات الرؤساء الأمريكيين تجاه الص ا رع العربي الصهيوني، فإننا
سنجد على الدوام أنّ خلفياتهم الدينية لعبت دو ا رً حاسماً في تشكيل سياستهم المنحازة للدولة
اليهودية" ) 1 .)
إنّ هذا الدعم الغربي بكل صوره السابقة وغيرها أثلج صدور اليهود المحتلّين لفلسطين، - –
وحقق لهم الظهير الذي طالما حلمت به الصهيونية، لذلك فليس غريباً أن يقف سفير الكيان
الصهيوني في الأمم المتّحدة )بنيامين نتنياهو( في فب ا رير من عام 1195 م أمام جمعٍ من النصارى
الصهاينة، مديناً لهم بالفضل، ومعترفاً لهم بالدور الحاسم في وجود كيان صهيوني على أرض
فلسطين، قائلاً: "... لقد كان هناك شوق قديم في تقاليدنا اليهودية للعودة إلى أرض )إس ا رئيل(،
وهذا الحلم الذي ي ا رودنا منذ 2333 سنة، تفجّر من خلال المسيحيين الصهيونيين" ) 2 . )
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ الغرب النص ا رني يدعم بكلّ قوّته المادّية )العسكرية والاقتصادية والسياسية
والإعلامية( الكيان الصهيوني في فلسطين، وسعى ولا ي ا زل يسعى لتثبيت وجوده بكلّ السبل، على
خلفيةٍ دينيةٍ واضحة، إذ إنّ وجود هذا الكيان مرتبط بزعمهم بتحقيق النبوءات الت و ا رتية حول - -
نهاية التاريخ.
ثانياً: إنّ الدعم النص ا رني الغربي لليهود، بتلك الدعاوى الدينية هو تناقضٌ كبير، إذ إنّ هؤلاء
الغربيين الذين يدّعون تقديس مفاهيم الحياة والبناء، باتوا يدفعون بكل قوّتهم إلى نهاية التاريخ،
والخ ا رب القادم، و"هرمجدون" ذات الصبغة التدمي رية الهائلة!، وهذا يدل على التخبط والاضط ا رب
في هذه المفاهيم، ويعكس مدى الاخت ا رق اليهودي العميق للنص ا رنية، وجرّها عنو ةً باتّجاه تحقيق
مآرب اليهود.
1 . ) ( الصليبيون الجدد، يوسف العاصي الطويل، )ص 95
2 . ) ( النبوءة والسياسة، جريس هالسل، )ص 139
461
ثالثاً: إنّ الولايات المتّحدة تتولى كبر جريمة دعم الصهاينة منذ إنشائهم لدولتهم على أرض
فلسطين، وتقف في مقدمة الداعمين لهم في كافة المجالات، وانّ بقاء الكيان الصهيوني مرهون
ببقاء هذا الدعم.
ا ربعاً: إنّ كل المبر ا رت التي يمكن أن تذكر في سياق تبرير الدعم الغربي لليهود، لا تستطيع
أن تُغفل الناقد البصير عن حقيقة كون هذا الدعم هو دعم عقائدي بالدرجة الأولى، ثم يتبع ذلك ما
يتبعه من لغة المصالح المشتركة، وبالتالي فإنّ فهم حقيقة هذا الدعم يجعل المرء مدركاً لطبيعة
المعركة الدائرة على هذه الأرض.
460
الفصل الثالث
عقيدة سة
ّ
المسلمين في الأرض المقد
وفيه ثلاثة مباحث:
سة
ّ
المبحث الأول: مصادر عقيدة المسلمين في الأرض المقد
المبحث الثاني: عقيدة المسلمي س
ّ
ن في الأرض المقد ة
المبحث الثالث: رثار عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة
461
المبحث الأول:
سة
ّ
مصادر عقيدة المسلمين في الأرض المقد
ويتضمن مطلبين:
المطلب الأول: مصادر الحق الديني للمسلمين في الأرض
سة
ّ
المقد
المطلب الثاني: مصادر الحق التاريخي للمسلمين في الأرض
سة
ّ
المقد
463
تمهيد:
تبيّن للباحث من خلال د ا رسة عقائد كلّ من اليهود والنصارى في الأرض المقدّسة، وآثارها،
بأنّ مرتكز هذه العقائد هي مصادر الفكر والديانة لدى كلّ من الفريقين.
وهذا يدلّ على خطورة المصدر الديني في تثبيت عقيدة التقديس، إذ إنّ نصوص )الكتاب
المقدّس( عند اليهود والنصارى، باتت مرجعاً في كل ما آلت إليه عقيدة اليهود في الأرض المقدّسة.
وقد اتّضح أنّ العامل الديني والعامل التاريخي قد اختلطا إلى حد كبير، فيما يتعلق بالعقيدة
اليهودية والنص ا رنية تجاه فلسطين، فكلا العاملَين تعرضا للتزييف والخلط الكبيرين.
وبما أنّه بات من المقرّر واليقيني بأنّ مصادر العقيدتين اليهودية والنص ا رنية قد وقعت تحت
سيف التبديل والتحريف منذ عهود طويلة، فإنّ من البديهي، عند النظر في عقيدة المسلمين في هذه
الأرض، النظر في مصادرهم التي أرست أصول هذا الاعتقاد.
فللمسلمين كما سيأتي بإذن الله منهجٌ ا رسخ في مسألة أصول الاعتقاد والديانة، وهذا - –
المنهج هو الفيصل في الحكم النهائي بين الملل الثلاث.
وسيعرض الباحث في المبحث الأول من هذا الفصل لمحات عن أصول الدين الإسلامي
الحنيف، وهذه الأصول هي المرتكز لما سيأتي بعدها في نظرة المسلمين إلى فلسطين، كما سيعرّج
الباحث على أص ول الاعتقاد بالحق التاريخي، للتمييز بينا وبين ما زعمه أهل الم لّتين السابقتين
حول هذا الحقّ .
464
المطلب الأول:
سة
ّ
مصادر الحق الديني للمسلمين في الأرض المقد
ترجع كل اعتقادات المسلمين، وعباداتهم، وأفكارهم، إلى أصلين عظيمين، لا خلاف عليهما،
وهما: القرآن الكريم، والسنة النبوية المطهّرة .
أولا : القررن الكريم:
" الق آ رن كلام الله، منه بدا بلا كيفية قولا ، وأنزله على رسوله وحي اً، وصدّ قه المؤمنون على
ذلك حق اً، وأيقنوا أ نه كلام الله بالحقيقة، ليس بمخلوق ككلام البرية، فمن سمعه فزعم أ نه كلام
البشر فقد كفر، وقد ذمه الله، وعابه، وأوعده بسقر، حيث قال ، ) : }سَأُصْلِيهِ سَقَرَ {)المدثر/ 24
فلما أوعد الله بسقر لمن قال: }إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ {)المدثر/ 25 (، علمنا وأيقنا أ نه قول خالق البشر،
ولا يشبه قول البشر") 1 . )
وهو الكتاب الخاتم، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وقد وصفه الله -
وهو كلامه بما يؤهله للمكانة السامية التي لا تدانيها مكانة، في أي كتاب على وجه الأرض، منذ -
نزوله والى قيام الساعة.
إذ إنّ من خصائص هذا القرآن العظيم مما تفتقده كتب اليهود والنصارى اليوم ما ورد - -
فيه من كلامه واصفاً هذا الكتاب، ما يلي:
)2 أنّه من عند الله بلا ريب:
قال الله .) : }أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً{ )النساء/ 92
وقال : }وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لاَ رَيْبَ فِيهِ
1 ( شرح العقيدة الطحاوية، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز الحنفي، الأذرعي
، الصالحي الدمشقي، تحقيق: أحمد شاكر، و ا زرة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد/ السعودية، ط 1
- . )129 1619 ه، )ص 129
465
مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ { )يونس/ 09 ( . وقال : }وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ { )النمل/ 4( . وقال
. ) : }تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيبَْ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ { )السجدة/ 2
وهذه الخاصية للقرآن العظيم، لم تتوفر لأي كتابٍ آخر من الكتب التي تقدّسها الملل
الأخرى، أي التي بين أيديهم اليوم، إذ تعرضت كما تقرر للتبديل، وباتت مملوءة بكلام البشر - -
وتدجيلهم.
)2 أنّه متكَفّ ل بحفظه من التحريف:
حيث نسب الله إلى ذاته العليّة حفظ الق آ رن، وأكّده أي الحفظ بكل المؤكّدات التي - –
يعرفها العرب، فقال . ) : }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ { )الحجر/ 1
قال سفيان بن عيينة) 1 ( رحمه الله: " قال الله تبارك وتعالى في التو ا رة والإنجيل: }مَا –
اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ{ )المائدة / 66 ( ، فجعل حفظه إليهم فضاع، وقال : }إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ
وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ{، فحفظه الله علينا فلم يضع" ) 2 . )
)0 أنّه معجز ل يشابهه قول بشر:
قال الله : }وَإِن كُنتُمْ فِي رَيبٍْ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ
اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ {)البقرة/ 20 (، وقال : }قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ
.) يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لبَِعْضٍ هََِيراً { )الإسراء/ 99
1 248 ه(: سفيان بن عيينة بن أبي عم ا رن ميمون الهلالي، الإمام الكبير، حافظ - ( سفيان بن عيينة ) 237
العصر، شيخ الإسلام، أبو محمد الهلالي، الكوفي، ثم المكي، طلب الحديث وهو غلام، ولقي الكبار، وحمل عنهم
علمً ا جمً ا، وأتقن، وجود، وجمع، وصنف، وعمر ده ا رً، وازدحم الخلق عليه، وانتهى إليه علو الإسناد، و رحل إليه من
654 ( بتصرف يسير [ . - - 655 / البلاد، وألحق الأحفاد بالأجداد ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 9
2 4( بتصرف يسير . - / ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 13
466
ومن قدر الله أن تأتي هذه الآية في سورة الإس ا رء، التي لها شأنٌ عظيم في إرساء عقيدة
المسلمين في الأرض المقدّسة، فيدخل المدّعون بالحق في هذه الأرض، اليهود والنصارى، ضمن
هؤلاء من الإنس والجن الذين عجزوا عن أن يأتوا بمثل هذا القرآن، فأتوا من عند أنفسهم بكتبٍ
منقوصة كذبوا فيها على الله ، فكانت كتباً هدّامة بعد تحريفها بخلاف الق آ رن المعصوم، والله - –
أعلم.
وقال الله : }أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{
. ) )يونس/ 09
)4 أنّه جاء تبياناً لكل شيء:
قال الله : }أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً وَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ
يَعْلَمُونَ أَنَّهُ مُنَزَّلٌ مِّن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ فَلاَ تَكُوننََّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ { )الأنعام/ 116 ( ، وقال الله : } وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ
.) الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ { )النحل/ 91
قال الإمام الشافعي) 1 ( رحمه الله: " والبيان اسم جامع لمعاني مجتمعة الأصول متشعبة –
الفروع، فأقلّ ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نزل الق آ رن
1 234 ه(: محمد بن إدريس بن العباس بن عثمان بن شافع بن السائب بن عبيد بن - ( الإمام الشافعي ) 253
عبد يزيد بن هشام بن المطلب بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب، الإمام، عالم
العصر، ناصر الحديث، فقيه الملة، أبو عبد الله القرشي، ثم المطلبي، الشافعي، المكي، الغ زي المولد، نسيب رسول
الله وابن عمه، فالمطلب هو أخو هاشم والد عبد المطلب، اتفق مولد الإمام بغزة، ومات أبوه إدريس شا با، فنشأ
محمد يتيمً ا في حجر أمه، فخافت عليه الضيعة، فتحولت به إلى محتده وهو ابن عامين، فنشأ بمكة، وأقبل على
الرمي، ثم أقبل على العربية والشرع، فبرع في ذلك، وتقدم، ثم حبب إليه الفقه، فساد أهل زمانه ] سير أعلام
9( بتصرف [ . - - 4 / النبلاء، الذهبي، ) 13
467
بلسانه، متقاربة الاستواء عنده، اون كان بعضها أشدّ تأكيدَ بيانٍ من بعض، ومختلفة عند من يجهل
لسان العرب") 1 . )
)5 أنّه كامل كمالً مطلقاً:
قال الله : }الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا { )الكهف/ 1( ، وقال
:}قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ { )الزمر/ 29 ( ، وقال تعالى واصفاً كتابه العزيز: }لَا يَأْتِيهِ
. ) الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ { )فصلت/ 62
قال ابن عباس : " }لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ{ لم يخالفه التو ا رة والإنجيل والزبور وسائر الكتب، } مِن
بَيْنِ يَدَيْهِ { من قبله } وَلَا مِنْ خَلْفِهِ { ولا يكون من بعده كتاب فيخالفه، ويقال: لا تكذّ به التو ا رة
والإنجيل والزبور وسائر الكتب من قبله، ولا يكون من بعده كتاب فيكذّ به") 2 . )
)1 وضوحه التام، وتيسيره للناس:
قال الله . ) في كتابه العظيم: }وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ { )القمر/ 19
وأين كتب اليهود والنصارى من هذه الخاصية العظيمة للقرآن، إذ تلك الكتب كما بيّن –
الباحث سابق اً تمتلئ بالمعاني الغامضة، والرؤى والأحلام، والرموز والطلاسم، مما يشتبه فيه كلّ -
إنسان، خاصةً في أصول الاعتقاد.
)7 أنّه الفيصل في الخلاف:
وهذه الخاصية هي من أهمّ خصائص القرآن، تجد ذلك في قوله : }وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ
. ) الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ { )النحل/ 46
1 1059 ه/ 1163 م، ، ( الرسالة، الإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، مكتبة الحلبي/مصر، ط 1
. ) )ص 21
2 . ) ( تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، الفيروز آبادي، )ص 636
468
والذين تنكّروا لهذه الخاصية من اليهود والنصارى، واختلفوا في الكتاب، وصفهم الله
بالضلال والانح ا رف، إذ قال : }ذَلكَِ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لفَِي شِقَاقٍ
بَعِيدٍ { )البقرة/ 194 ( ، " أي: إنما استحقوا هذا العذاب الشديد، لأن الله أنزل على رسوله محمد
وعلى الأنبياء قبله كتبه بتحقيق الحق وابطال الباطل، وهؤلاء اتخذوا آيات الله هزوا، فكتابهم
أمرهم بإظهار العلم ونشره فخالفوه وكذبوه، وهذا الرسول الخاتم يدعوهم إلى الله ، ويأمرهم
بالمعروف، وينهاهم عن المنكر، وهم يكذّ بونه، ويخالفونه، ويجحدونه، ويكتمون صفته، فاستهزئوا
بآيات الله المنزلة على رسله، فلهذا استحقوا العذاب والنكال") 1 . )
)8 هيمنته على الكتب السابقة:
وهذه الخاصية للقرآن العظيم هي التي ينبني عليها الفصل في ادّعاءات اليهود والنصارى
واحتجاجهم بما في كتبهم من باطل مشوب ببعض الحق، إذ يفصل الله في ذلك في قوله:
}وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ فَاحْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ
.) أَهْوَاءهُمْ عَمَّا جَاءكَ مِنَ الْحَقِّ {)المائدة/ 69
وقيل في معنى }وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ{: " أميناً، وشاهداً، وحاكم اً، وجميعها منقولة عن ابن عباس
، و كذا عن غيره، وهذه الأقوال كلها متقاربة المعنى، فإنّ اسم المهيمن يتضمن هذا كله، فهو
أمين وشاهد وحاكم على كل كتاب قبله، جعل الله هذا الكتاب العظيم الذي أنزله آخر الكتب
وخاتمها أشملها وأعظمها وأكملها حيث جمع فيه محاسن ما قبله، و ا زده من الكمالات، ما ليس
في غيره، فلهذا جعله شاهد اً وأمين اً وحاكم اً عليها كلها وتكفل تعالى بحفظه بنفسه الكريمة") 2 . )
1 . )259/ ( تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 1
2 92 ( بتصرف . - / ( المصدر السابق، ) 2
469
والإسلام الذي جاء به القرآن، هو دين الله الذي ارتضاه للعالمين، قال : }إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ
الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ مَا جَاءهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَن يكَْفُرْ بِآيَاتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهِ سَرِيعُ
. ) الْحِسَابِ { )آل عمران/ 11
هذه بعض خصائص الق آ رن العظيم التي اجتهد الباحث في تمييزها عن غيرها من خصائص
لا تُحصى لكتاب الله ، وأنّى لمثله أن يحصيها، وفيما مضى آنفاً من خصائص، يت ا رءى لكلّ
ذي لب حداً فاصلاً بين كتب اليهود والنصارى المقدّسة عندهم، وبين كتاب الله الخالد، الذي أعطاه
هذه الأفضلية على سائر الكتب.
وحاصل الأمر: " أنّ القرآن الكريم يأتي في مقدّمة المصادر التي يستقي منها المسلمون
مسائل العتقاد وغيرها من مسائل الأحكام، وأنّ الله هو الذي تكلّم به، وأنزله على رسوله
بواسطة جبريل ، وقد تكفّل الله بحفظه، وصيانته عن الزيادة والنقصان، وهو الآن على ما
كان عليه يوم أنزل أول مرة، لا زيادة ولا نقصان") 1 . )
الوعد بالأرض )للمسلمين( في القررن الكريم:
إنّ أصحاب الأرض المقدّسة )أو الموعودين بها(، من منظور الق آ رن الكريم، ينطلقون في
أحقّيتهم الدينية في الأرض من منطلق استخلاف الله لهم فيها، والمقياس في ذلك هو الت ا زمهم
أوامره وتحقيقهم للتقوى، إذ أنزل الله في كتابه قواعد محكمة) 2 ( في هذا الأمر، ل بد من
تدبّرها والوقوف عند معانيها، وأهمّها:
)2 قاعدة المُلك المطلق:
والمُلك المطلق ليس لأحدٍ إلا الله ، وهذه قاعدة مبسوطة في القرآن الكريم بكثرة ووفرة ..
1 ( منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، عثمان بن علي حسن، مكتبة الرشد/الرياض،
99 ( بتصرف يسير. - / 1610 ه/ 1110 م، ) 1 ، ط 2
2 ( استنبط الباحث عناوين ومضامين هذه القواعد من خلال منطوق ومفهوم الآيات القرآنية الكريمة، التي تحتوي
على هذه القواعد.
471
قال الله : }قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا
تَذَكَّرُونَ{)المؤمنون/ 95 96 (، " فهو سؤال عن ملكية الأرض، ومن فيها : }سَيَقُولُونَ : لِلَّهِ{، ولكنهم -
مع ذلك لا يذكرون هذه الحقيقة وهم يتوجهون بالعبادة لغير اللّه" ) 1 . )
وهذه القاعدة تقرر ابتداءً أنّ )الأرض ومن فيها، كلّها لله (، وهذا ما يعتقده المسلمون،
خلافاً لليهود والنصارى، الذين أشركوا مع الله غيره في العبادة، ثمّ قسّموا أرض الله بأهوائهم!.
والملاحظ أنّ المولى قد ربط بين ملكه المطلق للأرض وما فيها، وبين فساد عقيدة
اليهود والنصارى، وكأنّ الله يحذّرهم بأن لا ملك ولا وعد ولا استخلاف لهم على أرضه، ما
داموا على هذا الفساد في الاعتقاد والسلوك، والله أعلم بم ا رده.
تدبّر قول الله واصفاً فساد النصارى:}وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ -
وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ { )البقرة/ 114 (، وقوله أيضاً: }... وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ
سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللّهِ وَكِيلاً { )النساء/ 191 ( ، وقوله أيضاً:
. ) } قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ {)يونس/ 49
وقوله ناعياً على اليهود والنصارى معاً: }وَقَالتَِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ -
فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُم بَلْ أَنتُم بَشَرٌ مِّمَّنْ خَلَقَ يَغْفِرُ لِمَن يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَاءُ وَلِلّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا
. ) بَيْنَهُمَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ { )المائدة/ 19
)2 قاعدة و ا رثة الأرض:
وهذه قاعدة مبنية على القاعدة الأولى؛ ذلك أنّ المَلك ، مالك الأرض، يورثها لمن يشاء
من عباده، لكنّ هؤلاء الوارثين، لهم صفةٌ ينبغي أن تلازمهم حتى يرثوا أرض الله ، التقوى.
1 - ، ( في ظلال الق آ رن، الشيخ الشهيد سيد قطب إب ا رهيم حسين الشاربي، دار الشروق/بيروت القاهرة، ط 19
.)2699/ 1612 ه، ) 6
470
قال الله : }قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{
. ) )الأعراف/ 129
يقول الشهيد سيد قطب) 1 ( رحمه الله: " وانّ الأرض لله ... والله يورثها من يشاء من –
عباده وفق سنته وحكمته فلا ينظر الداعون إلى ربّ العالمين، إلى شيءٍ من ظواهر الأمور - -
التي تخ يل للناظرين أنّ الطاغوت مكينٌ في الأرض غير مزحزح عنها .. فصاحب الأرض ومالكها
هو الذي يقرر متى يطردهم منها! وان العاقبة للمتقين.. طال الزمن أم قصر.. فلا يخالج قلوب
الداعين إلى رب العالمين قلق على المصير، ولا يخايل لهم تقلب الذين كفروا في البلاد،
فيحسبونهم باقين") 2 . )
وبما أنّ ملك الأرض المطلق هو لله ، فإن مآلها النهائي إلى خالقها، هي ومن عليها، قال
الله : }إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ { )مريم/ 63 (، " أي: نميت سكانها فنرثها، }وَإِلَيْنَا
يُرْجَعُونَ{ يوم القيامة فنجازي كلا بعمله") 3 . )
1 2411 م(: الأستاذ الأديب الناقد الكبير سيد قطب إب ا رهيم، ولد في أسيوط بصعيد مصر، - ( سيد قطب ) 2431
عمل مدرّساً في مصر منذ 1100 م، ألف أول كتاب إسلامي له عام 1165 م وهو )التصوير الفني في الق آ رن(،
عاش داعية إلى الإصلاح، وفي عام 1169 م اتّجه إلى الإسلام، وغدا مصلحاً إسلامياً، ثم صار أحد ابرز رواد
الفكر الإسلامي المعاصر، عقيدته عقيدة السلف الصالح وفكره كذلك، كتب في الجاهلية المعاصرة وواجهها، ألّف
عدداً كبي ا رً من المؤلفات أبرزها: في ظلال القرآن هذا الدين معالم في الطريق الإسلام ومشكلات الحضارة - - - –
معركتنا مع اليهود مقومات التصور الإسلامي، وغيرها، اعتُقل في زمن جمال عبد الناصر م ا رت عديدة، وكان –
آخرها عام 1145 م ثم حُكم عليه بالإعدام في أغسطس من العام 1144 م، ونفذ فيه الحكم فجر الاثنين
1144/39/21 م ] انظر: من أعلام الدعوة الإسلامية في مصر، المستشار عبد الله العقيل، مركز الإعلام
- . ] )133 10 / 1602 ه/ 2311 م، ) 1 ، العربي/مصر، ط 6
2 1055 ( بتصرف يسير. - / ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 0
3 . )131/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 11
471
)0 قاعدة الستخلاف والتمكين:
وهي أيضاً مترتبة على قاعدة الو ا رثة؛ ذلك أنّ الله إذا أورث أرضه أحداً من عباده، فهو
مستخلفه فيها، وعمله هو الفيصل في استم ا رر هذا الستخلاف.
قال الحق : }قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ
.) وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ { )الأعراف/ 121
والاستخلاف لا يكون إلا بمشيئة الله وا ا ردته وحكمته، }أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ
. ) السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَّعَ اللَّهِ قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ { )النمل/ 42
وقد يكون هذا الاستخلاف في المال أو الأرض أو ما سواهما، وهذا المعنى مفصّل في
الق آ رن في غير موضع، إذ قال الملك : }وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن
بَعْدِكُم مَّا يَشَاءُ كَمَا أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ { )الأنعام/ 100 (، وقال أيضاً: }آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
. ) وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَأَنفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ { )الحديد/ 9
أما )شروط الستخلاف والتمكين( فهي: الإيمان، والعمل الصالح، وطاعة أوامر الله ،
وعبادته، وعدم التولي عن طريقه المستقيم، واتّباع رسله عليهم السلام ، وهذه المعاني وردت - –
ضمن قاعدة الاستخلاف في القرآن.
إذ قال الحق في شروط )الوعد( بالاستخلاف والتمكين: }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا
الصَّالحَِاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ
وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُوننَِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلكَِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ {
)النور/ 55 ( ، وقال أيضاً: }الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ
الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ { )الحج/ 61 ( ، وقال أيضاً: }وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالحِاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا
473
لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ هُوَ أَنشَأَكُم مِّنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُواْ إِلَيْهِ{)هود/ 41 (، وقال
. ) أيضاً: }وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالحُِونَ { )الأنبياء/ 135
وأما عواقب نقض هذه الشروط، فهي: )الستبدال، والإهلاك، والعذاب( فقال : }فَإِن تَوَلَّوْاْ
فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبيِّ قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلاَ تَضُرُّونهَُ شَيْئاً إِنَّ رَبيِّ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ
حَفِيظٌ { )هود/ 59 ( ، وقال أيضاً:} أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ
نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن
بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِينَ { )الأنعام/ 4( ، وقال أيضاً:}فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ
يَلْقَوْنَ غَيّاً{ )مريم/ 51 ( ، وقال أيضاً: } وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونوُا
. ) أَمْثَالَكُمْ{)محمد/ 09
وانسجاماً مع قاعدة الاستخلاف، والأفضلية بالتقوى والإيمان، يقرر الق آ رن العظيم من هم
خلفاء أبي الأنبياء إب ا رهيم ، فيقول : }إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ
. ) وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ{ )آل عمران/ 49
يقول سيد قطب رحمه الله: " ذلك وعد الله للذين آمنوا وعملوا الصالحات من أمة محمد - ،
أن يستخلفهم في الأرض، وأن يمكن لهم دينهم الذي ارتضى لهم، وأن يبدلهم من بعد خوفهم أمنا..
ذلك وعد الله، ووعد الله حق، ووعد الله واقع، ولن يخلف الله وعده ... فما حقيقة الستخلاف
في الأرض؟ إنها ليست مجرد الملك والقهر والغلبة والحكم.. إنما هي هذا كله على شرط
استخدامه في الإصلاح والتعمير والبناء، وتحقيق المنهج الذي رسمه الله للبشرية، كي تسير
عليه وتصل عن طريقه إلى مستوى الكمال المقدر لها في الأرض، اللائق بخليقة أكرمها الله
(" 1 .)
1 - . )2521 2529/ ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 6
474
)4 قاعدة التداول:
إذ أشار الق آ رن الكريم في الكثير من المواضع إلى مداولة الله أرضه بين خلقه، بحسب
أعمالهم، فلا بقاء إلا لصالح العقيدة، أما المفسدون والضالّون فمآلهم إلى الهلاك أو الاستبدال.
قال : }وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئفَِ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَبْلُوَكُمْ فِي مَا
آتَاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ { )الأنعام/ 145 ( ، " }جَعَلَكُمْ خَلاَئفَِ الأَرْضِ{، أي:
جعلكم تعمرونها جيلاً بعد جيل، وقرناً بعد قرن وخلفاً بعد سلف ... }لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ{،
أي: ليختبركم في الذي أنعم به عليكم وامتحنكم به") 1 . )
وقال : }وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِن سُهُولِهَا قُصُوراً
وَتَنْحِتُونَ الْجِبَالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُواْ آلاء اللّهِ وَلاَ تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ { )الأعراف/ 96 (، وقال أيضاً: }أَوَلَمْ يَهْدِ
لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ {
)الأعراف/ 133 (. وقال أيضاً: }ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئِفَ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ{
.) )يونس/ 16
وجعل الله سكنى المؤمنين الأرض من بعد الكافرين منحةً لهم لإيمانهم، ج ا زءً وفاقاً، إذ
قال . ) :}وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلكَِ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ { )إبراهيم/ 16
وقال واصفاً حال انتقال الأرض من المفسدين إلى المصلحين: }كَمْ تَرَكُوا مِن -
جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ كَانُوا فِيهَا فَاكِهِينَ * كَذَلكَِ وَأَوْرَثْنَاهَا قَوْماً آخَرِينَ * فَمَا
- . ) بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالْأَرْضُ وَمَا كَانُوا مُنظَرِينَ{ )الدخان/ 29 25
1 . )266/ ( تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 2
475
بل توعّد الله كلّ جبار متس لّط على أرض المؤمنين أنّه سيرحل عنها ولو بعد حين:
.) }وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونكََ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً { )الإسراء/ 94
ما سبق من قواعد محكمة من كتاب الله ينطبق بلا شك على الأرض المقدّسة، - –
فلسطين، ويضع حداً للن ا زع عليها من منظور القرآن المهيمن على سائر الكتب.
واذا أ ا رد المرء في فهم الباحث أن يقيس الأمم على مقياس الخالق - – الذي وضعه
للخلافة في الأرض، فأمة الإسلام بلا شك هي صاحبة الستخلاف منذ مبعث النبي محمد - - ،
إذ هي الأمة الوحيدة التي تُحقق التوحيد الصحيح من بين الملل، وتؤمن بخاتم النبيين ،
والتوحيد هو أساس الإيمان، وبالتالي هو أساس الو ا رثة والستخلاف والتمكين.
لكن الق آ رن والذي من خصائصه كما سلف تبيان كل شيء، اعتنى بأرض فلسطين - –
والأقصى عنايةً خاصة، فجاء ذكرها في الق آ رن في مواطن المدح والمباركة، وهذه المكانة لفلسطين
في الإسلام سيستعرضها الباحث بإذن الله في المبحث الثاني من هذا الفصل. - -
ثاني ا: السنة النبوية:
والمقصود بالسنّة النبوية " ما أضيف إلى النبي ، قولًا ، أو فعلًا ، أو تقري اً ر، أو صفة ") 1 . )
ونُقل عن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله قوله:" والحديث النبوي ينصرف عند - –
الإطلاق إلى ما حُدث به عنه بعد النب وة، من قوله، وفعله، واق ا رره، فإن س نته ثبتت من هذه
الوجوه الثلاثة، فما قاله، إن كان خب اً ر، وجب تصديقه به، وان كان تشريعًا إيجا با أو تحريمً ا أو
إباحة وجب ا تّباعه فيه، فإنّ الآيات الدالة على نب وة الأنبياء، د لّت على أ نهم معصومون فيما
1 ( قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم الحلاق القاسمي، دار
الكتب العلمية/بيروت، ط )بدون(، )ص 41 (، انظر أيضاً: توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر بن صالح بن
1614 ه/ 1115 م، ، السمعوني الج ا زئري، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية/ حلب، ط 1
. )1/1(
476
يخبرون به عن الله ، فلا يكون خبرهم إلا حقًّا، وهذا معنى النبوة، وهو يتضمن أنّ الله ينبئه
بالغيب وأ نه ينبئ الناس بالغيب، والرسول مأمور بدعوة الخلق وتبليغهم رسالات ربه") 1 . )
وعلماء الأصول إ نما بحثوا عن رسول الله المش رّع، الذي يضع القواعد للمجتهدين من
بعده، ويبين للناس دست ور الحياة، فعُ نوا بأقواله وأفعاله وتقري ا رته التي تثبت الأحكام وتق ررها) 2 . )
وأصل أهمّية السنّة البالغة، هو في فهم الباحث كون النبي - – هو خاتم الأنبياء، ورسالته
هي خاتمة الرسالات، قال : }مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ
. ) وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً { )الأحزاب/ 63
والسنّة لها مكانة عظيم ة في دين الإسلام، تجعلها المصدر الثاني لأصول العتقاد
والتشريع في الدين الإسلامي، بعد القرآن الكريم، وذلك من وجوه:
)2 مكانة السنّة في القرآن:
أرشد الق آ رن العظيم إلى مكانة السنّة النبوية، إذ قرن الله طاعته بطاعة نبيه ، فقال
: }مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً {)النساء/ 93 (، وقال : }قُلْ أَطِيعُواْ
اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يحُِبُّ الْكَافِرِينَ { )آل عمران/ 02 (، وقال أيضاً: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ
وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ
. ) الآخِرِ ذَلكَِ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً { )النساء/ 51
ويأمر الله باتّباع الرسول ، فيما يأمر وينهى، } وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ
. ) عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ { )الحشر/ 9
1 . )42/ ( قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين القاسمي، ) 1
2 - ، ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى بن حسني السباعي، المكتب الإسلامي/ دمشق بيروت، ط 0
. ) 1632 ه/ 1192 م، )ص 61
477
بل إنّ طاعة الرسول هي مقصد الرسالة، قال : }وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ{
. ) )النساء/ 46 ( . لذلك كان: }النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ { )الأحزاب/ 4
ويحذّ ر الق آ رن من مخالفة النبي }فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ
. ) أَلِيمٌ { )النور/ 40
)2 السنّة متمّمة للقرآن:
فرسول الله هو المبلّغ عن ر به ، }يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ
رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ { )المائدة 49 ( ، }مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا
.) تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ { )المائدة/ 11
وقد بيّن الله الوظيفة التكاملية بين القرآن والسنّة النبوية، إذ قال : } وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ
. ) لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ { )النحل/ 66
" اولمسلمون في حاجة إلى معرفة بيان رسول الله ، مع حاجتهم إلى مع رفة كتاب الله ،
ول يمكن أن يُفهم القرآن على حقيقته وأن يعلم م ا رد الله من كثير من آيات الأحكام فيه إل
بالرجوع إلى رسول الله ، الذي أنزل الله عليه الكتاب ليب ين للناس ما ن زل إليهم من ربهم،
ومن هنا اتفق المسلمون قديمً ا وحدي ثًا إلا من شذّ من بعض الطوائف المنحرفة على أن سنة - -
رسول الله من قول أو عمل أو تقرير، هي من مصادر التشريع الإسلامي الذي لا غنى لكل
متشرع عن الرجوع إليها في معرفة الحلال والح ا رم") 1 . )
1 . ) ( السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى السباعي، )ص 094
478
)0 السنّة وحي محفوظ:
السنّة النبوية هي وحيٌ من الله ، بنصّ القرآن العظيم: }وَمَا ينَطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ
- . )6 يوُحَى{ )النجم 0
قال الشافعي رحمه الله: " وما سنّ رسول الله فيما ليس لله فيه حكم، فبحكم الله س نه –
... وكل ما سنّ فقد ألزمنا الله اتباعه وجعل في اتباعه طاعته، وفي العُ نود عن ا تّباعها معصيته
التي لم يعذر بها خلقا" ) 1 . )
وقال ابن حزم رحمه الله: " فصح لنا بذلك أنّ الوحي ينقسم من الله - إلى رسوله على
قسمين: أحدهما وحي متلو مؤلف تألي فًا معجز النظام وهو الق آ رن، والثاني: وحي مروي منقول
غير مؤلف ولا معجز النظام ولا متلو لكنه مقروء، وهو الخبر الوارد عن رسول الله ، وهو المبين
عن الله م ا رده منا ... فصح بذلك أن كلامه كله محفوظ بحفظ الله ، مضمون لنا أنه لا
يضيع منه شيء، إذ ما حفظ الله فهو باليقين لا سبيل إلى أن يضيع منه شيء، فهو منقول
إلينا كله" ) 2 . )
وقال : }لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ
. ) الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لفَِي ضَلالٍ مُّبِينٍ { )آل عمران/ 146
قال الشافعي رحمه الله: " سمعت من أرضى من أهل العلم بالق آ رن يقول: الحكمة سنة –
رس ول الله ، وهذا يشبه ما قال والله أعلم، لأن الق آ رن ذكر وأتبعته الحكمة، وذكر الله منّه على
خلقه بتعليمهم الكتاب والحكمة، فلم يجز والله أعلم أن يقال الحكمة ها هنا إلا سنة رسول الله - -
، وذلك أنها مقرونة مع كتاب الله، وأن الله افترض طاعة رسوله ، وحتم على الناس اتباع
1 . ) ( الرسالة، الشافعي، )ص 99
2 - . )99 99/ ( الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم الأندلسي، مطبعة العاصمة/القاهرة، ط)بدون(، ) 1
479
أمره فلا يجوز أن يقال لقوله: فرض إلا لكتاب الله ثم سنة رسوله ، لما وصفنا، من أنّ الله
جعل الإيمان برسوله مقرو نا بالإيمان به" ) 1 . )
)4 بشرى كل الرسالت بمحمد :
قال الله :}الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم
بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئثَِ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي
كَانتَْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنصََرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {
.) )الأعراف/ 159
يقول سيد قطب رحمه الله: "إ نه لنب أٌ عظيم، يشهد بأن بني إس ا رئيل قد جاءهم الخبر اليقين -
بالنبي الأمي، على يدي نبيهم موسى ونبيهم عيسى عليهما السلام منذ أمدٍ بعيد، جاءهم الخبر - -
اليقين ببعثه، وبصفاته، وبمنهج رسالته، وبخصائص م لّته، فهو )النبي الأمي(، وهو يأمر الناس
بالمعروف وينهاهم عن المنكر، وهو يحلّ لهم الطيبات ويح رم عليهم الخبائث، وهو يضع عمن
يؤمنون به من بني إس ا رئيل الأثقال والأغلال التي علم الله أنها ستفرض عليهم بسبب معصيتهم،
فيرفعها عنهم النبي الأمي حين يؤمنون به ... وبذلك البلاغ المبكر لبني إس ا رئيل على يد نبيهم -
موسى كشف الله - عن مستقبل دينه، وعن حامل ا ريته، وعن طريق أتباعه، وعن مستقر
رحمته، فلم يبق عذر لأتباع سائر الديانات السابقة، بعد ذلك البلاغ المبكر بالخبر اليقين") 2 .)
)5 موثوقية نقل السنّة:
إنّ حفظ السنّة لم يكن عبثاً، بل إنّ الله هيّأ لهذه الأمة من الأسباب ما جعلها قادرة على
حفظ سنة رسول الله ، " ومن هذه الأسباب ما يتعلق به ، من طريقته في تثبيت السنّة في
نفوس أصحابه، ومنها ما يتعلق بالصحابة رضوان الله عليهم وشدة عنايتهم بحديث رسول الله - –
1 ( الرسالة، الشافعي، )ص 78 . )
2 1099 ( بتصرف يسير . - / ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 0
481
، وقد شاركهم التابعون لهم بإحسان في كثير من ذلك، ومنها ما يرجع إلى ما وضعه العلماء من
القواعد والمناهج لحفظ السنّة من الدخيل والموضوع") 1 . )
وباتت طرق ومناهج وقواعد أهل الحديث من علماء المسلمين بعد عصر رسول الله
مفخرةً ونموذجاً في دقّة النقل والتمحيص للروايات، إذ اعتنوا بالإسناد والمتن عناية كبيرة، واهتمّوا
بعلم الجرح والتعديل، واشترطوا في ال ا روي شروطاً لقبول روايته، وعُنوا بالبحث عن التصحيف
والتغيير في الألفاظ، وقسّموا الأحاديث وصنّفوها من جهة قوّتها وضعفها، إلى غير ذلك مما هو
مبسوط في كتب علم الحديث، مما يؤكّد على مدى الاهتمام البالغ الذي لاقته السنة النبوية من
علماء المسلمين حتى صانوها من الدخيل والموضوع، تحقيقاً لحفظ الله لوحيه) 2 . )
والمقصود من هذا الاستع ا رض لعدد من خصائص السنة النبوية ومكانتها العظيمة في
الإسلام؛ كمصدر ثانٍ من المصادر الأساسية للعقيدة والتشريع الإسلامي، بيان أهمية سلامة
المصدر، كأساسٍ يبنى عليه أخذ العقائد أو ردّها.
و اتّضح للباحث أنّ ما ورد في السنّة النبوية المطهّرة من بيان لمكانة الأرض المقدّسة
بالنسبة للمسلمين، هو مبن ي على الأسس والقواعد القرآنية سالفة الذكر حول و ا رثة الأرض
والوعد بها وتقديسها، ولا غ ا ربة في ذلك إذ تقرر أنّ السنة النبوية هي متممة ومصدّقة للقرآن
الكريم، فضلاً عن كونها الشطر الثاني من الوحي الإلهي، فلا يُتصوّر إذاً أن تتعارض السنة مع
الق آ رن في هذه القواعد أو غيرها.
هذا وسيعرض الباحث بإذن الله في المبحث الثاني من هذا الفصل مكانة الأرض المقدّسة - –
في السنة النبوية.
1 13 ( بتصرف يسير . - / ( منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد، عثمان بن علي حسن، ) 1
2 - . )132 19 / ( انظر: المصدر السابق، ) 1
480
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ مصادر الفكر الإسلامي الأصيلة )مصادر العقائد اولتشريع(، تعود إلى أصلين
عظيمين، وهما كتاب الله ، وسنة نبيه .
ثانياً: تميّزت مصادر العقيدة والفكر الإسلامي بأنّها مصادر ربانية، تعتمد على الوحي
المحفوظ، ولم تطلها أيدي البشر بالعبث والتحريف، إذ تكفّل الله بحفظها، فالقرآن مروي كله
بالتواتر، والسنة منها المتواتر وغير المتواتر لكنها محفوظة بحفظ الله تعالى.
ثالثاً: وضعت مصادر المسلمين قواعد ومفاهيم أساسية حول وعد الله بملكية الأرض،
والاستخلاف فيها وو ا رثتها، وحاصل هذه القواعد أنّ التوحيد والإيمان والتقوى هي مناط التمييز بين
البشر في استخلاف الله لهم في أرضه.
ا ربعاً: إنّ أمّة الإسلام وفق القواعد المحكمة للقرآن والسنّة هي الأمّة المؤهلة لحمل - -
أمانة استخلاف الله لهم في أرضه، وذلك لتحقيقهم التوحيد من بين سائر الملل، وهذا التوحيد ) بما
يتضمنه من طاعة الله ورسوله ( هو المعوّل عليه في مسألة و ا رثة الأرض.
خامساً: إنّ د ا رسة وتمحيص المصدر الديني هي أمر جوهري وقاطع للحكم على عقائد الأمم
والملل وأفكارها نحو قضيةٍ ما، فإذا استقام الأصل )وهو المصدر(، استقام الفرع )وهو الفكر(،
والعكس صحيح.
481
المطلب الثاني:
سة
ّ
مصادر الحق التاريخي للمسلمين في الأرض المقد
استعرض الباحث في الفصل الأول ادّعاءات اليهود بالحق التاريخي في فلسطين) 1 (، وكذا
النصارى في الفصل الثاني) 2 (، ومن خلال مناقشة ادّعاءات الفريقين حول هذا الحق، اتّضحت
كثيرٌ من معالم الحقّ التاريخي للمسلمين في الأرض المقدّسة، وبناءً على ذلك فلن يلجأ الباحث
إلى تك ا رر ما سبق، في ا رجع في موضعه.
واضافة إلى ما سبقت مناقشته، فإنّ الحق التاريخي للمسلمين في فلسطين ينطلق في فهم –
الباحث من مصدرين هما أساس حصول الو ا رثة للأرض، مصد ر تاريخي رباني، ومصد ر -
تاريخي بشري، وبيانهما فيما يلي:
أولا : المصدر التاريخي الرباني:
وهذا المصدر هو المقدّم، وهو الأولى بالاهتمام، ويقصد الباحث بالمصدر التاريخي الرباني،
أي: كون الحق التاريخي للمسلمين في هذه الأرض مبني اً على تاريخ الدّيانات، إذ إنّ هذه الأرض
هي أرض الرسالات السماوية، وأرض الأنبياء، واذا كان الحق التاريخي مبني على و ا رثة الأرض
من الأجداد بحسب دينهم، فهذا يؤكد حقّ المسلمين في الأرض المقدّسة.
إذ " إنّ فضل البقعة التي وجد فيها بيت المقدس ثابتٌ تاريخي اً، وفي نصوص الق آ رن والسنّة
الكثيرة، ول شكّ أن هذا الفضل يعود لأحقاب ضاربة في القدم، ففي هذه البقعة نشأ ومات كثي ر
من الأنبياء والرُسُل، وكانت مهبطاً لكثيرٍ من الرسالت والوحي، وبها جرت أعظم أحداث التاريخ
القديم") 3 . )
1 - . )119 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 113
2 - . )613 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 095
3 . ) ( فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 14
483
وقد استطرد كثيرٌ من الباحثين المسلمين فيما اتّضح للباحث في ذكر الحق التاريخي - –
للعرب )أجداد المسلمين( في هذه الأرض على أساس عرقي وقومي، إذ ساقوا مئات الأدلة
التاريخية، وعرضوا نتائج المكتشفات الأثرية، مدلّلين على كون هذه الأرض عربية كنعانية الأصل،
وهذا لا شك فيه، ولكنّ بعض هؤلاء الباحثين تعرّضوا لأنبياء الله عليهم الصلاة والسلام بشيء - –
من القدح ربما من دون قصد بدعوى نقض الحق التاريخي لليهود في فلسطين، وكأنّ هؤلاء - –
الأنبياء هم من اليهود!، وهذا الأمر يتعارض مع مفهوم الإسلام، ومع ركنٍ من عقيدة المسلمين.
قال الله : }آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ
. ) بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانكََ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ { )البقرة/ 295
قال القرطبي: " يعني: يقولون آمنا بجميع الرسل، ولا نكفر بأحد منهم، ولا نف رق بينهم كما
فرقت اليهود والنصارى") 1 . )
إذ اً، فاليهود والنصارى هم الذين فرّقوا بين الأنبياء في الإيمان، وجاء الإسلام ليصحح هذا
الانح ا رف في التفريق، فكيف يجوز بعد ذلك أن يقدح مسلمٌ في نبي من أنبياء الله ليردّ على
اليهود والنصارى!
ولقد تبيّن كما سبق إيضاحه أنّ يهود اليوم مثلاً لا سند لهم في انتسابهم إلى إب ا رهيم - –
واسحاق ويعقوب وموسى عليهم الصلاة السلام من ناحية العرق والنسل، وانما يبنون حقّهم - –
التاريخي على الادّعاء بالانتساب، بينما ثبت قطعاً أنّ العرب )الذين أصبحوا مسلمين( هم من نسل
إب ا رهيم ، فحقّهم فيه أوجب وأسبق.
ومع هذا فالمنهج الق آ رني الذي يقرر الحق الديني للمسلمين في و ا رثة الأرض لا يقوم على
الأنساب والأع ا رق والقوميات، كما تم بيانه في المطلب السابق، وعلى فرض أنّ الاختلاف قائمٌ في
الأنساب، لبعد الزمان، فليكن الاحتكام إلى دين )الآباء( المتنازع عليهم.
1 . )625 / ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 0
484
واذا كان اليهود والنصارى يعتبرون كتابهم المقدّس مستندهم التاريخي الأعظم إذ اختلط –
عندهم اللاهوت بالتاريخ كما تقدّم فإن الق آ رن الكريم هو الدستور التاريخي والمستقبلي - -
للمسلمين.
" فالجانب الإخباري وهو قسم كبير من الق آ رن لا يماري عاقل في أنّه لا يعتمد إلاّ على - -
التلقّي والتعلّم، وقد ذكر القرآن أنباء من سبق من الأمم والجماعات والأنبياء والأحداث التاريخية
بوقائعها الصحيحة الدقيقة كما يذكر شاهد العيان، مع طول الزمن الذي يضرب في أغوار التاريخ
إلى نشأة الكون الأولى، بما لا يدع مجالاً لإعمال الفكر ودقّة الف ا رسة") 1 . )
يقول الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله) - 2 (: " فثلاثة أرباع الق آ رن تقريب اً قصص، وتوجيه للأنظار إلى الاعتبار بأحوال الأمم، في كفرهم وايمانهم، وشقاوتهم وسعادتهم، ولا شيء يهدي
الإنسان كالمثلات والوقائع، فإذا امتثلنا الأمر والإرشاد، ونظرنا في أحوال الأمم السالفة، ... كان
لهذا النظر أثرٌ في نفوسنا يحملنا على حسن الأسوة والاقتداء بأخبار تلك الأمم فيما كان سبب
السعادة والتمكن في الأرض، واجتناب ما كان سبب الشقاوة أو الهلاك والدمار، ومن هنا ينجلي
للعاقل شأن علم التاريخ وما فيه من الفوائد والثم ا رت ، وتأخذه الدهشة والحيرة إذا سمع أن كثي ا ر من
رجال الدين من أمّ ةٍ هذا كتا بها يعادون التاريخ باسم الدين ويرغبون عنه، ويقولون: إنه لا حاجة
1 . ) 1611 ه/ 1119 م، )ص 60 ، ( مباحث في علوم الق آ رن، مناع القطان، مؤسسة الرسالة/بيروت، ط 05
2 2054 ه(: محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين بن محمد بهاء - ( محمد رشيد رضا ) 2282
الدين بن منلا علي خليفة القلموني، البغدادي الأصل، الحسيني النسب، أحد رجال الإصلاح الإسلامي، من
الكتاب، العلماء بالحديث والأدب والتاريخ والتفسير، ولد ونشأ في القلمون )من أعمال ط ا ربلس الشام( وتعلم فيها
وفي ط ا ربلس، وتنسك، ونظم الشعر في صباه، وكتب في بعض الصحف، ثم رحل إلى مصر سنة 1015 ه فلازم
الشيخ محمد عبده وتتلمذ له، ثم أصدر مجلة )المنار( لبث آ ا رئه في الإصلاح الديني والاجتماعي، مات ودفن
بالقاهرة. أشهر آثاره مجلة )المنار(، و)تفسير الق آ رن الكريم( و )تاريخ الأستاذ الإمام الشيخ محمد عبده(، و )الوحي
المحمدي( و )يسر الإسلام وأصول التشريع العام(، و )شبهات النصارى وحجج الإسلام( وغيرها ] الأعلام،
124 ( بتصرف [ . - - 125/ الزركلي، ) 4
485
إليه ولا فائدة له، وكيف لا يدهش ويحار والق آ رن ينادي بأنّ معرفة أحوال الأمم من أهم ما يدعو
إليه هذا الدين؟ ") 1 . )
" ومن أنواع الأخبار الق آ رنية قصص الأنبياء عليهم السلام ، والذي يتضمن دعوتهم - –
لقومهم، والمعج ا زت التي أيّدهم الله بها، وموقف المعاندين منهم، وم ا رحل الدعوة وتطورها،
وعاقبة المؤمنين والمكذبين") 2 . )
وهذا الجانب الإخباري القرآني القطعي يقرر حقيقة يقينية تاريخية محكمة، ل جدال فيها،
وهي: أنّ جميع أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام هم مسلمون، و بعثوا بالإسلام على - –
صورته التي جاء بها محمد )أي في أصول الاعتقاد(.
وحقّ المسلمين ال تّاريخي في الأرض المقدّسة في فهم الباحث ينعقد من وجوه كثيرة - -
أهمّها أنّ جميع الأنبياء بُعثوا بدين الإسلام، وأنّهم بشّروا بمحمد ، والمستند التاريخي في ذلك
هو كتاب الله الخالد، القرآن الكريم..
قال الله : }إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ . ) { )آل عمران/ 91
فنوحٌ بعث برسالة الإسلام، مخاطباً قومه: } فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ
عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ .) { )يونس/ 27
وهذا إب ا رهيم أبو الأنبياء وخليل الرحمن، الذي سكن الأرض المقدّسة ودُفن فيها) 3 ،)
والذين تنازع أهل الكتاب في الانتساب إليه، جاء القرآن مقر ا رً حقيقة دينه وخلفائه بشكل قاطع، إذ
قال : }يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلتَِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ * هَا أَنتُمْ
1 / ( تفسير المنار، محمد رشيد بن علي رضا، الهيئة المصرية العامة للكتاب/القاهرة، ط )بدون(، 1113 م، ) 1
54 ( بتصرف يسير. -
2 ( مباحث في علوم الق آ رن، مناع القطان، )ص 034 ( بتصرف. -
3 . )161 ، ( انظر: قصص الأنبياء، ابن كثير، )ص 115
486
هَؤُلاء حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُم بِهِ عِلمٌ فَلِمَ تُحَآجُّونَ فِيمَا ليَْسَ لَكُم بِهِ عِلْمٌ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ * مَا كَانَ
إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ
- . )56 اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ{ )آل عمران 56
" ينكر تعالى على أهل الكتاب من اليهود والنصارى في دعوى كل من الفريقين، كون الخليل
على م لّتهم وطريقتهم، فب أ ره الله منهم، وب يّن كثرة جهلهم وق لّة عقلهم في قوله: }وَمَا أُنزِلتَِ التَّورَاةُ
وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن بَعْدِهِ{، أي: فكيف يكون على دينكم وأنتم إنما شرع لكم ما شرع بعده بمدد متطاولة؟
ولهذا قال: " }أَفَلاَ تَعْقِلُونَ{ إلى أن قال: }مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً
وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِين{، فب ين أنه كان على دين الله الحنيف، وهو القصد إلى الإخلاص،
والانح ا رف عمد اً عن الباطل إلى الحق الذى هو مخالف لليهودية والنص ا رنية والمشركية") 1 .)
بل إنّ الله أكّد حقيقة انتساب جميع أنبياء بني إس ا رئيل من بعد إب ا رهيم إلى
الإسلام، ووصية إب ا رهيم ويعقوب لأبنائهما بدين الإسلام، حيث قال : }وَمَن يَرْغَبُ
عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ* إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ
أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ* وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم
مُّسْلِمُونَ*أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائكَِ إِبْرَاهِيمَ
وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ*تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُم مَّا كَسَبْتُمْ وَلاَ تُسْأَلُونَ
عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ* وَقَالُواْ كُونُواْ هُوداً أَوْ نصََارَى تَهْتَدُواْ قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* قُولُواْ
آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلىَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ
- . )935 النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ{ )البقرة/ 931
1 . ) ( قصص الأنبياء، ابن كثير، )ص 101
487
ثم يزيد القرآن الأمر وضوح اً؛ ليستيقن المؤمنون:} أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ
وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً أَوْ نصََارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَ لََْمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا
. ) تَعْمَلُونَ{ )البقرة / 941
يقول سيد قطب رحمه الله: " ويبدأ هذا الشوط بمواجهة أهل الكتاب اليهود والنصارى - - –
بسخف موقفهم وهم يحاجون في إب ا رهيم ، فيزعم اليهود أنه كان يهودياً، ويزعم النصارى أنه
كان نص ا رني اً، على حين أنّ إب ا رهيم سابقٌ لليهودية والنص ا رنية، سابقٌ للتو ا رة والإنجيل،
والحجاج فيه على هذا النحو م ا رء لا يستند إلى دليل.. ويقرر حقيقة ما كان عليه إب ا رهيم ..
لقد كان على الإسلام.. دين الله القويم، وأولياؤه هم الذين يسيرون على نهجه، والله ولي
المؤمنين أجمعين.. ومن ثم تسقط ادعاءات هؤلء وهؤلء، ويتبين خط الإسلام الواصل بين رسل
الله والمؤمنين بهم على توالي القرون") 1 . )
ويحكي القرآن خبر دعاء إب ا رهيم واسماعيل عليهما السلام أن يثبّتهما الله - – على
الإسلام، وأن تكون ذرّيتهما مسلمة، فكان من دعائهما: }رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لكََ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لكََّ
. ) وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ { )البقرة/ 129
وقد استجاب الله دعاء خليله إب ا رهيم وابنه نبي الله إسماعيل ، وكان محمد
هو تأويل تلك الاستجابة") 2 . )
ويبيّن الله خلفاء إب ا رهيم ..}إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ
. ) الْمُؤْمِنِينَ{ )آل عمران/ 49
1 .)631/ ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 1
2 . ) 1621 ه/ 2339 م، )ص 142 ، ( الرسل والرسالات، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس/ الأردن، ط 1
488
أما بيت لوط ، فقد وصفه الله بالإسلام فقال: }فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ{
.) )الذاريات/ 04
أما سليمان الذي يكثر اليهود من ذكره النتساب إليه والى هيكله المزعوم فيقول - -
في رسالته لملكة سبأ : }... بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونيِ مُسْلِمِينَ{ - .) )النمل/ 01 03
أما موسى الذي يعتبره اليهود زعيمهم الأعظم ويتسمّون باسمه وهو منهم ب ا رء - -
فقد كان أمره لبني إس ا رئيل بالإسلام لا بغيره، قال الله : }وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم بِاللّهِ
فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ{ )يونس/ 96 ( ، لذلك كان قول سحرة فرعون عندما آمنوا: }رَبَّنَا أَفْرِغْ
عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا . ) مُسْلِمِينَ{ )الأعراف/ 124
فإذا كان اليهود يبنون حقّهم التاريخي جملةً على كون )آبائهم( بزعمهم قد سكنوا الأرض - -
المقدّسة ووُعدوا بها، فقد جاء القرآن المحكم بالردّ على اليهود، وهذا النصّ المقدّس في فهم –
الباحث هو المستند التاريخي الأعظم، الذي ينبغي أن يستمسك به المسلمون، مستيقنين -
بانتسابهم إلى كل هؤلء الأنبياء، وأنّهم ورثتهم الحقيقيون .
أما عيسى الذي خاض فيه النصارى واعتقدوا فيه ما اعتقدوا فأشركوا فحواريوه - –
أشهدوه على إسلامهم، قال الله : }فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُْفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ
نَحْنُ أَنصَارُ اللّهِ آمَنَّا بِاللّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ{ ) آل . ) عمران/ 52
وكانت بشارة المسيح عيسى بمحمدٍ صريحةً بنص القرآن: }وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ{
. ) )الصف/ 4
489
وحاصل الأمر: إذا ما أعمل المرء قواعد القرآن في و ا رثة الأرض والاستخلاف فيها، كحقيقة
دينية ا رسخة، مع ما بيّنه القرآن من الحقيقة التاريخية بأنّ الأنبياء جاؤوا بدعوة الإسلام أجمعين،
وبشّروا بمحمد خاتم المرسلين، فإنّ هذا المنهج القرآني يعطي نتيجة حتمية بحقّ المسلمين
في الأرض المقدّسة، وأنّها أرضهم، إذ هي مهبط دين الله الحقّ الوحيد )الذي هو دين
الإسلام( .
ثاني ا: المصدر التاريخي البشري:
والمقصود بهذا المصدر التاريخي، أي ما ذكرته كُتب التاريخ حول من سكن الأرض المقدّسة
منذ قديم الزمان، ومدى أحقّية كلّ طرف من الأط ا رف المتنازعة على هذه الأرض فيها، من الناحية
التاريخية البشرية المحضة.
ومع أهمية المصدر التاريخي الرباني وأولويته في إثبات الحق التاريخي، فسيتعرض الباحث
بإيجاز إلى المصدر التاريخي الذي يثبت أحقّية المسلمين في أرض فلسطين، مع أهمية أن ينضبط
الأخذ بالمصدر التاريخي في فهم الباحث بقواعد المنهج القرآني سابقة الذكر. - –
فلا يجوز مثلاً التعصّب لوثنية لأنها عربية، أو الانتقاص من مكانة أنبياء الله - –
المرسلين إلى بني إس ا رئيل، ولا ينبغي أن يؤ ثّر الأخذ بالمصدر التاريخي على عقيدة المسلم في
الولاء والب ا رء، وهكذا) 1 . )
وتبرز أهمّية المصدر التاريخي البشري فيما يتّضح للباحث في أمور عدّة، من أهمّها: - -
الأول: كون اليهود المحتلين لأرض فلسطين كاف رين بالق آ رن الكريم، وبنبي الله للعالمين محمد
، وعليه فتجب مجابهتهم أمام محكمة التاريخ، إذ فيها من الب ا رهين ما ينقض كلّ دعوىً لهم
بالحق التاريخي في هذه الأرض، فلا يُتصور محاجّة اليهود بالق آ رن وحده.
1 ، ( انظر: عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين عرض ونقد، محمد بن علي آل عمر، مجلة البيان/ الرياض، ط 1
. ) 1626 ه/ 2330 م، ) 263
491
الثاني: مخاطبة الحضارة الغربية المادّية، والتي تسود في كثير من أوساطها النظرة العلمية
المحضة، وهؤلاء تجدر مخاطبتهم بلغتهم التي يفهمون، أي الدلائل العلمية والتاريخية المستقلة
والموضوعية، اولتي تتضافر بإثبات حق المسلمين والعرب في هذه الأرض دون غيرهم.
الثالث: إنّ في إسقاط القول بالحق التاريخي من مصادر التاريخ البشري تضييع لمعنى من
معاني الجهاد بالعلم والقلم والكلمة، إذ إنّ إثبات هذا الحق للناس خاصة غير الخاضعين لمفاهيم –
وقوانين الق آ رن والسنة فيه محاصرة لأكاذيب اليهود ومَن و ا رءهم، وتفنيد لدعاواهم وتزييفهم الممنهج -
للتاريخ.
وينقسم حق المسلمين في فسطين من الناحية التاريخية البشرية في فهم الباحث إلى - –
قسمين، وبيانهما فيما يلي:
أولً: أسبقية العرب في سكنى فلسطين:
حكى العهد القديم المقدّس عند اليهود والنصارى بوضوح وتصريح أسبقية الكنعانيين - -
في سكنى أرض فلسطين، فهذا مصدرٌ من المصادر البشرية ) ذلك أنّ يد البشر طالته بالتحريف(
التي تعترف بهذه الحقيقة) 1 . )
" و تروي كتُب التاريخ القديم وتعضدها مكتشفات الآثار الحديثة، بأنّ أول من سكن
القدس وما حولها هم اليبوسيون، إذ هم البناة الأولون للقدس، والتي كانت تسمّى في عهدهم
)يبوس(، وهم بطنٌ من بطون العرب الأوائل الذين نشأوا في قلب الجزيرة العربية، ثم نزحوا مع من
نزح من القبائل الكنعانية إلى هذه البلاد، وذلك منذ نحو 0333 عام قبل الميلاد" ) 2 . )
1 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 225 ، وما بعدها(، من خلال النصوص التي ساقها الباحث من العهد
القديم، والمتضمنة للتصريح بوجود الكنعانيين السابق لوجود بني إس ا رئيل في الأرض المقدّسة.
2 ( تاريخ القدس، عارف العارف، )ص 11 ( بتصرف. -
490
ول غ ا ربة في ذلك، إذ إنّ "جميع الأقوام التي خرجت من الجزيرة العربية هي شعوب عربية
تعود أصولها الجنسية واللغوية والمعاشية إلى الأمّة العربية، التي تفرّعت، واتّخذت هج ا رتها أسماء
مختلفة، )ومنها الكنعاني ون(") 1 . )
" وأول إشارة إلى )كنعان( وردت في حفريات "تل العمارنة") 2 ( التي يرجع عصرها إلى
خمسة عشر قرناً قبل الميلاد، إذ أشارت هذه الحفريات بهذا الاسم إلى الأرض الواقعة غربي نهر
الأردن، بما فيها سوريا") 3 .)
" أما اسم )بالستين( الذي عرّبه العرب فنطقوه )فلسطين( فهو مشتق من اسم الشعب الذي
كان يسكن السهول الشمالية والجنوبية من فلسطين، ويسمى )الفلستينيون(" ) 4 . )
" وقد استخدم اليهود اسم )فلستيني( حتى جعلوه م ا ردفاً للسكير والعربيد، ولكن الحقيقة
التاريخية تقول بأن الفلستينيين السابقين لوجود )الإس ا رئيليين( القدماء يقين اً كانوا على درجة - –
كبيرة من الحضارة تفوق حضارة )الإس ا رئيليين(" ) 5 . )
وقد أشار المؤرخ الإنجليزي ه.ج ويلز، في كتابه: موجز تاريخ العالم إلى أنّ العرب - -
الساميين قد استوطنوا أرض سوريا )ومنها أرض فلسطين( في عصور سحيقة تعود إلى أكثر من
0333 عام قبل الميلاد) 6 . )
1 ( موجز تاريخ الشرق الأدنى القديم، د. نعيم فرح، دار الفكر/بيروت، ط)بدون(، )ص 5( بتصرف يسير . -
2( تل العمارنة: يطلق هذا الاسم على مجموعة الأطلال والقبور الواقعة على بعد 033 كم جنوب القاهرة على
الضفة الشرقية لنهر النيل، عُثر في هذا المكان سنة 1999 م على ألواح من الطين كُتبت بالخط المسماري، تعدّ
1055 ق.م( ] الموسوعة الفلسطينية الميسّرة، )ص - مصد ا رً تاريخياً هاماً لسورية وفلسطين فيما بين ) 1095
. ] )696
3 ( تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 14 ( بتصرف . -
4 . ) ( المصدر السابق، )ص 19
5 ( المصدر نفسه، )ص 25 ( بتصرف . -
6 - . )166 ( انظر: موجز تاريخ العالم، ه.ج ويلز، )ص 160
491
وسبق أن أشار الباحث إلى أنّ التو ا رة )التي يؤمن بها اليهود والنصا رى( شهدت نصاً
وص ا رحةً بوجود ملك ومملكة لسكّان الأرض الفلسطينيين، حتى قبل هجرة نبي الله إب ا رهيم
إليها) 1 . )
إذ اً، " فالكنعانيون شعبٌ ساميٌّ عربيٌ ، وأحياناً يطلق اسمهم على كل القبائل )غير
الإس ا رئيلية( في فلسطين، وقد صمد الكنعانيون في أرض فلسطين على مرّ الق رون ولم تستطع
أي قوة غازية لهذه البلاد أن تقتلعهم منها، وعليه فلا مجال للشك في أن عرب فلسطين اليوم
هم أخلاف أسلافهم من الكنعانيين واليبوسيين والفلستينيين الذين صمدوا في الأرض رغم كل
الطغيان اليهودي والغزوات الخارجية المستمرة " ) 2 . )
ويشير العلم الحديث بأنّ " أول آثار معروفة في فلسطين تعود للكنعانيين والأموريين، وهما
شعبانِ هاج ا ر من الجزيرة العربية إلى الشمال، واستق ا ر في بلاد الشام، وتحديداً في فلسطين، وهذا
ثابتٌ وواضحٌ في تاريخ فلسطين، وأجمع عليه كلّ المؤرخين الشرقيين والغربيين، وعليه فأوّل تاريخ
مدوّن يعود لأوّل ساكني فلسطين هم من العرب الكنعانيين والأموريين") 3 . )
وقد تركت هذه الشعوب التي سكنت فلسطين وما حولها بصماتها في التاريخ؛ حيث - –
احتكت بالشعوب المجاورة، وتأثرت بها وأثرت فيها من الناحية الحضارية) 4 . )
ويكفي أن يشير الباحث إلى حقيقة دوّنها المؤرّخون، وهي: " أن الكنعانيين )الذين سمّاهم
اليونان بالفينيقيين( كانوا أول أمة بحرية في التاريخ، إذ أخذوا يجوبون البحار ويؤسسون الطرق
البحرية بين الشرق والغرب، وأنشئوا المستعم ا رت ونشروا حضا ا رتهم وحضا ا رت غيرهم بين مختلف
الجهات، وكانوا تجا اً ر نموذجيين ألفت الشعوب القديمة رؤية سفنهم ... ومن أهم ما قاموا به الدوا رن
1 . ) ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 115
2 03 ( بتصرف. - - ( تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 21
3 ( فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، )ص 25 ( بتصرف يسير . -
4 ( معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم، محمد أبو المحاسن عصفور، دار النهضة العربية/بيروت، ط 2، )بدون
.) تاريخ(، )ص 296
493
حول إفريقيا ... كما ينسب إليهم أنهم وصلوا إلى بريطانيا وكانوا يتاجرون معها؛ إذ كانوا يحصلون
منها على القصدير في نظير الخزف والملح والأواني النحاسية") 1 . )
كما كان للكنعانيين دور كبير في تاريخ الحضارة الإنسانية؛ وخاصة في مجال صناعة
المعادن المتقدمة، والصناعات الحديدية والخشبية، والز ا رعة، والفنون الحربية، والأعمال الهندسية
المتعلقة بشبكات المياه باستخدام الأنفاق، وكان أعظم ما قدمته الحضارة الكنعانية للبشرية هو
اخت ا رع الأبجدية الهجائية) 2 . )
والحديث عن حضارة الكنعانيين يطول جد اً) 3 (، وانما المقصود هنا بيانٌ موجز عام لهوية أول
ساكني أرض فلسطين المعروفين، وحضارتهم.
ثانياً: فلسطين في ظل الإسلام:
وبعد أن دخل العرب في دين الله أفواجاً، وأخرجهم النبي الأمّي العربي } مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى
النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ { )إبراهيم/ 1( ، ترسّخ الحقّ التاريخي للعرب والمسلمين في
فلسطين، وتعاضد الحق التاريخي البشري بالحق التاريخي الرباني.
فبات انطلاق البعثة النبوية للعالمين نقطة تحوّل في تاريخ هذه الأرض المباركة، إذ أصبحت
نقطة الالتقاء بين الأرض والسماء )حيث الإس ا رء والمع ا رج(.
وكان هذا الحدث مما آثر الله به نبيه الكريم ليرقى إلى ملأ عظيم في ليلةٍ عظيمة،
ولو لم يحدث في زمن النبوة حدثٌ يُشرّف ذاك المكان إلا هذا الحدث لكفاه، ولكنّ عناية النبي
1 ( معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم، محمد أبو المحاسن عصفور، )ص 291 ( بتصرف. -
2 - . )14 ( انظر: العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، )ص 13
3 ( للاست ا زدة ا رجع: تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، أيضاً: العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة،
أيضاً: موجز تاريخ الشرق الأدنى القديم، د. نعيم فرح، أيضاً: بلادنا فلسطين، مصطفى الدباغ، الجزء الأول.
494
توجّهت إلى الأرض المقدّسة، استعداداً وعملاً على تطهيرها من أد ا رن الشرك الروماني
النص ا رني) 1 .)
وهنا إشارة إلهية إلى بدء مرحلةٍ جديدة من تاريخ هذه الأرض وعلاقة المسلمين بها إلى
الأبد، فليس عبثاً أن يقدّر الله المع ا رج إلى السماوات العلى من بيت المقدس، وحقّ للقدس والأقصى
أن تفتخر بفتح رسول الله لها، فتحاً ر وحياً قبل الفتح العملي فيما بعد) 2 .)
ولم تكن حادثة الإس ا رء والمع ا رج مع عظمتها هي الإشارة الوحيدة في حياته - – إلى
التاريخ الجديد الذي بدأت كتابته، بل إنّ هناك تاريخاً عملياً ووقائع جرت في عهده أسّست لما
تلاها من فتوحات في عهد خلفائه رضي الله عنهم. –
ومن أهمّ هذه الوقائع: إرساله غزوة مؤتة) 3 ( نحو الشام، سنة ثمانٍ للهجرة، وغزوة
تبوك) 4 ( التي قادها بنفسه سنة تسع للهجرة، إلى نفس الوجهة، ثم بعثه لجيش أسامة بن زيد
قبل وفاته نحو الشام، وهو آخر بعثٍ له ( 5 . )
ثم حمل صحابة رسول الله ال ا رية من بعده، " فكانت أول وقعة واقعها المسلمون الروم في
خلافة أَبِي بكر الصديق أرض فلسطين") 6 (، " إذ لمّ ا فرغ أبو بكر من أمر أهل الردة أ رى
توجيه الجيوش إلى الشام، فكتب إلى أهل مكة، والطائف، واليمن، وجميع العرب بنجد، يستنفرهم
1 .) ( انظر: قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز كامل، )ص 119
2 . ) ( انظر: خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل، )ص 120
3 ( مؤتة: قرية من قرى البلقاء في حدود الشام، وبها كانت تطبع السيوف و اليها تنسب المشرفية من السيوف، وهي
موضع الغزوة التي أرسلها رسول الله واستشهد فيها قادة الجيش المسم الثلاثة، زيد بن حارثة ، وجعفر بن
أبي طالب وفيها قبره وعبد الله بن رواحة - – 223 ( بتصرف [ . - / ] معجم البلدان، الحموي، ) 5
4 ( تبوك: موضع بين وادي القرى والشام، وقيل بركة لأبناء سعد من بني عذرة، وتبوك بين الحجر وأول الشام على
أربع م ا رحل من الحجر نحو نصف طريق الشام، وهو حصن به عين ونخل وحائط ينسب إلى النبي ويقال إن
16 ( بتصرف [. - / أصحاب الأيكة الذين بعث إليهم شعيب، عليه السلام، كانوا فيها ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
5( انظر: السيرة النبوية، عبد الملك ابن هشام المعافري، تحقيق: جمال ثابت وَ محمد محمود وَ سيد إب ا رهيم، دار
)649 ،019 ،219 / الحديث/القاهرة، ط )بدون(، 1629 ه/ 2334 م، ) 6
6 ( فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري، دار ومكتبة الهلال/ بيروت، ط)بدون(، 1199 م،
. ) )ص 163
495
للجهاد ويرغبهم في غنائم الروم، فسارع الناس إليه من بين محتسب وطامع، وأتوا المدينة من كل
أوب، فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجال" ) 1 . )
إلا أنّ أبا بكر الصديق قضى نحبه قبل أن يتم فتح فلسطين، ثمّ تمّت النعمة على
المسلمين باستكمال فتح فلسطين وبيت المقدس في خلافة عمر بن الخطاب ( 2 . . )
" وكانت معارك المسلمين وفتوحاتهم المتوالية للشام وفلسطين، وانتصا ا رتهم في معاركهم
ذات أهمية خطيرة لمستقبل العالم والتاريخ ") 3 . )
فبالفتح الإسلامي المجيد وضع المسلمون أيديهم النقية على ذلك المكان " الذي كان عبر
التاريخ مثار ص ا رعات وحروب، حتى إنّ التاريخ لم يعرف مدينة تواردت عليها الجيوش من مختلف
شعوب الأرض كما تواردت على بيت المقدس، وظلّوا أي المسلمون يحكمون هذه البقعة - –
المقدّسة على مدار ثلاثة عشر قرناً متوالي اً ") 4 . )
وأي حقٍ يثبت لأمّةٍ أعظم من حقّ أمة الإسلام في أرض فلسطين، إذ عاشت هذه الأرض
تحت حكم المسلمين أكثر من ثلاثة عشر قرناً من الزمان، وهي مدّة لم تدم لأحد غيرهم.
وبالإضافة إلى رسالة الفتح الإسلامي التي هي في الأساس نشر دين الله في أرضه،
فإنّ هناك بُعداً تاريخياً مشروعاً للفتوحات الإسلامية للشام وفلسطين، ي ردُ لدى بعض الكتاب
والمؤرخين، إذ " بالمقارنة بين الفتوحات الإسلامية والفتوحات السابقة لها في ذلك الزمان، أي
الفارسية واليونانية والرومانية، فالفتوحات العربية الإسلامية هي الوحيدة التي يحقّ لها الستناد
1 1191 م، ، ( الخ ا رج وصناعة الكتابة، قدامة بن جعفر، تحقيق: محمد حسين الزبيدي، دار الرشيد/بغداد، ط 1
.) )ص 296
2 . )211 ، ( انظر: المصدر السابق، )ص 291
3 . ) ( تاريخ فلسطين القديم، ظفر الإسلام خان، )ص 104
4 15 ( بتصرف. - ، ( قبل الكارثة نذير ونفير، عبد العزيز كامل، )ص 11
496
إلى وجود سابقٍ لأمّتها، عبر الموجات المهاجرة من قرون وقرون، من الجزيرة إلى الع ا رق والشام
وفلسطين وأفريقيا " ) 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: إنّ المصدر التاريخي الأساس واليقيني في إثبات الحق التاريخي للمسلمين في
فلسطين، هو القرآن الكريم، فهو أوثق تاريخٍ منزلٍ من العليم الخبير ، وهذا الحقّ يقوم على
أساس أنّ دعوة الإسلام هي دعوة كلّ الأنبياء الذين سكنوا ودخلوا فلسطين، وعليه فإنّ فلسطين هي
مهبط دين الإسلام على كافة الأنبياء عليهم السلام، وأولى الناس بو ا رثتها تاريخياً هم المسلمون -
الذين أوصى بهم كافة أنبياء الله ، وبشّروا بنبيهم .
ثانياً: إنّ التاريخ المعروف لدى كلّ مؤرخي البشر يثبت بالإجماع بأنّ العرب الكنعانيين -
والقبائل المنبثقة عنهم هم أول نسل معروف سكن هذه الأرض، قبل أكثر من 5333 سنة. -
ثالثاً: إنّ الفتح الإسلامي لفلسطين كان نقطة الالتقاء بين تاريخ العرب القديم والتاريخ
المشرق الجديد على هذه الأرض المقدّسة، الذي بدأ بدخول الإسلام )مي ا رث الأنبياء( إلى فلسطين
مرةً أخرى على يد المسلمين العرب.
1 ( فلسطين، بيان الحوت، )ص 91 ( بتصرف . -
497
المبحث الثاني:
عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة
ويتضمن ثلاثة مطالب:
المطلب الأول: مفهوم القدسية والبركة عند المسلمين
المطلب الثاني: مكانة الأرض
ّ
المقدسة في العقيدة الإسلامية
المطلب الثالث: الأرض
ّ
المقدسة وملاحم رخر الزمان
498
المطلب الأول:
مفهوم القدسية والبركة عند المسلمين
لقد نظّم الإسلام مسألة القدسية والتقديس، وضبطها وقوّمها من زلل الجاهلية، وفوضى
اليهودية والنص ا رنية، فلا اعتبار بعد هذا التنظيم والضبط لكلّ المقدّسات المصطنعة من البشر، ولا
قيمة لما لم يصحّ به الخبر.
وقد أشار الباحث في بداية الفصل التمهيدي إلى مفهوم القدسية والبركة من الناحية اللغوية
والاصطلاحية عند أهل اللغة والعلماء من المسلمين، في ا رجع هناك) 1 .)
وتبيّن من خلال هذه التعريفات أنّ القدسية والبركة عند المسلمين، هي معانٍ ا رقية تشتمل
على الطهر والنقاء والرخاء، والتعظيم والإجلال والتبجيل، والخير والنماء والزيادة.
واذا ما نظرت إلى النبع الصافي لعقيدة المسلمين، ستجد الفرق بين مفهوم الإسلام القويم
حول القدسية، ومفهوم أهل الكتاب من اليهود والنصارى، فثمّ شتّان، كيف لا وقد تقرر أنّ عقائد
المسلمين مستقاة من النبع الأصيل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه) 2 .)
القدوس هو الله :
اختص الله بهذا الاسم العظيم، الذي يحوي كل معاني التعظيم والتنزيه، إذ قال : }هُوَ
اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَْبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا
1 - . )19 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 6
2 ( مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه المسألة )أي التقديس والبركة ونحوها(، قد ضلّت فيها طوائف من المسلمين،
فعظّموا القبور اولمقامات، وقدّسوا الأولياء والصالحين بما لا يليق إلاّ برب العالمين، وهؤلاء ليسوا حجّةً على
الإسلام، بل قد ردّ عليهم علماء المسلمين الموثوقين بما يجلي كل غموض، ويبيّن م وقف السلف الصالح رضوان
الله عليهم أجمعين ] ا رجع في ذلك مثلاً: فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد
- .] )261 1626 ه/ 2330 م، )ص 200 ، الوهاب النجدي الحنبلي، مكتبة الصفا/القاهرة، ط 1
499
يُشْرِكُونَ{)الحشر/ 20 ( ، وقال أيضاً: }يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ
. ) الْحَكِيمِ { )الجمعة/ 1
قال الإمام الغ ا زلي) 1 ( رحمه الله: " القدوس: هو المُنَزَّه عن كل وصف يدركه حسّ، أو
يتصوره خيال أو يسبق إليه وهم، أو يختلج به ضمير، أو يقضي به تفكير") 2 . )
وعن عائشة قالت: ) إنّ رسولَ الله كان يقول في ركوعه وسجوده: س بو ح قدّ و س
ربُّ الملائكةِ وال روح() 3 . )
" فالتقديس مضمن في صريح التسبيح، والتسبيح مضمن في صريح التقديس، لأن نفي
المذامّ إثباتٌ للمدائح ... وقد جمع الله بينهما في سورة الإخلاص فقال :}قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ
الصَّمَدُ{، فهذا تقديس، ثم قال: } لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{، فهذا تسبيح، والأم ا رن
ا رجعان إلى إف ا رده وتوحيده ونفي الشريك والشبيه عنه" ) 4 . )
1 535 ه(: الشيخ الإمام البحر، حجة الإسلام، أعجوبة الزمان، زين الدين أبو حامد محمد بن - ( الغ ا زلي ) 453
محمد بن محمد بن أحمد الطوسي، الشافعي، الغ ا زلي، صاحب التصانيف، والذكاء المفرط، تفقه ببلده أولا، ثم تحول
إلى نيسابور، فلازم إمام الحرمين، فبرع في الفقه في مدة قريبة، ومهر في الكلام والجدل، حتى صار عين
المناظرين، وأخذ في تأليف الأصول والفقه والكلام والحكمة، قال ابن النجار: " أبو حامد إمام الفقهاء على
الإطلاق، ورباني الأمة بالاتفاق، ومجتهد زمانه، وعين أوانه، برع في المذهب والأصول والخلاف والجدل والمنطق،
وق أ ر الحكمة والفلسفة، وفهم كلامهم، وتصدى للرد عليهم، وكان شديد الذكاء، قوي الإد ا رك، ذا فطنة ثاقبة، وغوص
على المعاني"، من مصنفاته: "البسيط" و "الوسيط" و "الوجيز" و "الإحياء"، و"المستصفى" في أصول الفقه، و
"تهافت الفلاسفة" و "شرح الأسماء الحسنى" و "مشكاة الأنوار" ] سير أعلام النبلاء، الذهبي ) 11 / ( بتصرف [ . -
2 ( المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، الإمام أبي حامد محمد بن محمد الغ ا زلي، دار السلام/
.) 1621 ه/ 2339 م، )ص 95 ، القاهرة، ط 1
3 .) ( صحيح مسلم، كتاب الصلاة، باب ما يقال في الركوع والسجود، برقم: 199 ، )ص 200
4 ( الأسماء والصفات، البيهقي أحمد بن الحسين أبو بكر، تحقيق : عبد الله بن محمد الحاشدي، مكتبة السوادي/
- . )139 134 / جدة، ط 1، )بدون تاريخ(، ) 1
511
يقول الشهيد سيد قطب رحمه الله: " القدوس اسم يشع القداسة المطلقة والطهارة –
المطلقة، ويلقي في ضمير المؤمن هذا الإشعاع الطهور، فينظف قلبه هو ويطهره، ليصبح صالح اً
لتلقي فيوض الملك القدوس، والتسبيح له اولتقديس") 1 . )
روح القدس جبريل :
روح القدس في مفهوم الإسلام لا يحلّ على الأقوام، ويدخل ويخرج، ويتك لّم على أفواه
المؤمنين، كما هو الحال عند النصارى كما سبق بيانه في عقيدتهم) – 2 ( بل إنّ معنى روح القدس -
منضبط بما بيّنه الله ونبيه الكريم .
وقد جاء ذكر )الر وح القدس( في الق آ رن بهذا اللفظ في أربعة مواضع، ثلاثة منها في - -
الحديث عن عيسى ، وواحدة في الحديث عن نزول الق آ رن على محمد .
قال الله 250 (، وقال أيضاً: ، : } وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ { )البقرة/ 99
}إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ بِرُوحِ الْقُدُسِ{ )المائدة/ 113 (، وقال
. ) أيضاً: }قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ { )النحل/ 132
قال الطبري رحمه الله: " روح القدس جبريل – ... وانما سمى الله جبريل )روح اً(
وأضافه إلى )القدس(؛ لأنه كان بتكوين الله له روح اً من عنده، من غير ولادة والد ولده، فسماه
بذلك )روح اً(، وأضافه إلى )القدس(، والقدس هو الطهر") 3 . )
وقال القرطبي رحمه الله في آية سورة النحل: " روح القدس: يعني جبريل – ، نزل بالق آ رن
ك لّه، ناسخه ومنسوخه") 4 . )
1 . )0500 / ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 4
2 - . )091 ( انظر: هذا البحث الذي بين يديك، )ص 092
3 022 ( بتصرف . - - 021/ ( جامع البيان في تأويل الق آ رن، الطبري، ) 2
4 . )199 / ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 13
510
" وجبريل هو )الروح الأمين( المذكور في قوله ،) :}نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{ )الشعراء/ 110
وهو الروح المعني في قوله : }تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ { )القدر/ 6( ، كما
( " ) أنّه هو الروح الذي أرسله إلى مريم } فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً { )مريم/ 19 1 . )
وايمان المسلمين بالروح القدُس ، هو فرعٌ عن إيمانهم بالملائكة الأب ا رر، لا يزيدون عن
ذلك ولا يُنقصون.
قال البيهقي) 2 ( رحمه الله: " والإيمان بالملائكة ينتظم في معانٍ أحدها: التصديق بوجودهم، –
والثاني: إن ا زلهم منازلهم، واثبات أنهم عباد الله، وخلقه كالإنس والجن، مأمورون مك لّفون لا يقدرون
إلا على ما قدرهم الله عليه، والموت عليهم جائز، ولكن الله جعل لهم أمد اً بعيد اً، فلا
يتوفاهم حتى يبلغوه، ولا يوصفون بشيء يؤدي وصفهم به إلى إش ا ركهم بالله ، ولا يدعون آلهة
كما ادّ عتهم الأوائل، والثالث: الاعت ا رف بأنّ منهم رسل الله يرسلهم إلى من يشاء من البشر، وقد
يجوز أن يرسل بعضهم إلى بعض، ويتبع ذلك الاعت ا رف بأن منهم حملة العرش، ومنهم الصافون،
ومنهم خزنة الجنة، ومنهم خزنة النار، ومنهم كتبة الأعمال، ومنهم الذين يسوقون السحاب، وقد
ورد الق آ رن بذلك كله أو بأكثره") 3 . )
1 . ) 1621 ه/ 2339 م، )ص 21 ، ( عالم الملائكة الأب ا رر، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس/ الأردن، ط 1
2 458 ه(: هو الحافظ العلامة، الثبت، الفقيه، شيخ الإسلام، أبو بكر، أحمد ابن الحسين بن - ( البيهقي ) 084
علي بن موسى الخسروجردي، الخ ا رساني، )وبيهق: عدة قرى من أعمال نيسابور( ... بورك له في علمه، وص نف
التصانيف النافعة، انقطع بقريته مقبلا على الجمع والتأليف، كان البيهقي على سيرة العلماء، قانعا باليسير، متجملا في زهده وورعه، واحد زمانه في الحفظ، وفرد أق ا رنه في الإتقان والضبط، من كبار أصحاب الحاكم، ويزيد على
الحاكم بأنواع من العلوم، كتب الحديث، وحفظه من صباه، وتفقه وبرع، وأخذ فن الأصول، وارتحل إلى الع ا رق
اولجبال والحجاز، ثم صنف، وتواليفه تقارب ألف جزء مما لم يسبقه إليه أحد ] سير أعلام النبلاء، الذهبي،
149 ( بتصرف [ . - ،146/19(
3 ( شعب الإيمان، الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد حامد، مكتبة
. )214/ 1620 ه/ 2330 م، ) 1 ، الرشد/الرياض، ط 1
511
وحاصل الأمر أنّ روح القدس هو ملكٌ من ملائكة الله ، بل أعظم ملائكته، وهو جبريل
، وهو رسول الله إلى رسله في الأرض، لا ينزل إلا بأمر الله ، فانضبط المعنى بنص
كلام الله ، ولم يبق لبشر ادّعاء امتلاكه لروح القدس.
مصدر القدسية والبركة:
مصدر التقديس والبركة في الإسلام هو الله ولا أحد سواه، إذ يتبيّن إنّ جميع الألفاظ
الواردة بالتقديس في القرآن العظيم، مرتبطة لفظاً ومعنىً بالله .
فمصدر قدسية مكّة المكرّمة، ليس بشرياً، بل إنّ الله هو الذي قدّسها وباركها، إذ يقول
. ) : }إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ { )آل عمران/ 14
" فالكعبة المشرّفة هي أول بيت وضع في الأرض للعبادة وخصص لها، مذ أمر اللّه
إب ا رهيم أن يرفع قواعده، وأن يخصصه للطائفين والعاكفين والركع السجود، وجعله مبارك اً
وجعله هدى للعالمين ") 1 . )
" ولم يشأ الله أن يجعل القبلة إلى الكعبة أول الأمر، لأنهم كانوا يقدّ سونها على أنها بيت
العرب، وكانوا يضعون فيها أصنامهم، ووضع الأصنام في الكعبة شهادة بأنّ لها قداسة في ذاتها،
فالقداسة لم تأت بأصنامهم، بل هم أ ا ردوا أن يحموا هذه الأصنام فوضعوها في الكعبة") 2 . )
كما أنّ قدسية أرض فلسطين، أو أية أرض أخرى في قرآننا الكريم ليست من صناعة
البشر ول من أفكارهم، بل إنّ الله وصفها بذلك، فلا تجد لفظ التقديس والمباركة )في الق آ رن( إلّا
منسوباً لله .
قال : }يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا
خَاسِرِينَ { )المائدة/ 21 (، وقال أيض اً: }وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي
1 . )605 / ( الجامع لأحكام القرآن، ) 1
2 – .)426/ ( تفسير الشع ا روي الخواطر، محمد متولي الشع ا روي، مطابع أخبار اليوم/القاهرة، ط)بدون(، 1119 م، ) 1
513
بَارَكْنَا فِيهَا {)الأعراف/ 109 (، وقال أيض اً: }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَْسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَْسْجِدِ
الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ {)الإسراء/ 1(، وقال أيض اً: }إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {
)طه/ 12 ( ، وقال أيض اً:}وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى اََهِرَةً { )سبأ/ 19 ( ، وقال أيض اً:
. ) }وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ { )فصلت/ 13
والبركة في الأشخاص لا تحدث إلا بأمر الله ومنه، قال :}قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا
وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُم مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ { )هود/ 69 ( ، وقال أيضاً:
}قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَّجِيدٌ { )هود/ 90 (، وقال أيض اً:
}وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنتُ {)مريم/ 01 (، وقال أيضاً: }وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا
. ) مُحْسِنٌ وَ اََلِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ { )الصافات/ 110
لذلك، فإنّ تعظيم المسلمين لرسول الله ليس من تلقاء أنفسهم، إنما هو بأمر الله ،
وبتعظيم الله إياه .
قال :}فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنصََرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{
)الأعراف/ 159 (، " فأخبر أنّ الفلاح إ نّما يكون جُمع إلى الإيمان به وتعزيره، ولا خلاف في أنّ
التعزير ها هنا هو التعظيم، وقال: }لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ {)الفتح/ 1(، فأبان أنّ حق
رسول الله في أمته أن يكون معز ا زً موق ا رً مهيباً، ولا يعامل بالاسترسال والمباسطة كما يعامل
الكفار بعضهم بعض اً") 1 . )
ومعنى التعظيم لرسول الله يتّضح من قطعية وجوب طاعته والتسليم لأمره، وذلك بيّنٌ
في قوله :}وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ{
1 ( المنهاج في شعب الإيمان، الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي، تحقيق: حلمي محمد فودة، دار
125 ( بتصرف يسير. - / 1011 ه/ 1191 م، ) 2 ، الفكر/بيروت، ط 1
514
)الأحزاب/ 04 (، " فلم يجعل لأحد من المخاطبين خيارٌ في طاعة رسوله إذا أمر، لكنّه ألزمهم
إل ا زماً، ولا سبب أدعى إلى التعظيم من وجوب الطاعة ") 1 . )
حتى في سياق الدعاء، فإنّ طلب البركة لا تكون من أحد سوى الرحمن ،}وَقُل رَّبِّ أَنزِلْنِي
. ) مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِليِنَ {)المؤمنون/ 21
والتحية) 2 ( ل تكون مباركة إل من عند الله ، }فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ
.) مُبَارَكَةً طَيِّبَةً {)النور/ 41
كما أن الأشياء والجمادات لا تكون مباركةً إلا بمعية الله .. }وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً
. ) مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ { )ق/ 1
وتأمّل قوله : }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن
. ) كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ { )الأعراف/ 14
جاء في تفسير المنار: " لفتحنا عليهم أنواع اً من بركات السماء والأرض لم يعهدوها مجتمعة
ولا متفرقة، فإذا أريد ببركات السماء معارف الوحي العقلية، وأنوار الإيمان الروحانية، ونفحات
الإلهامات الربانية، فالمعنى: أنّ فائدة الإيمان وا تّباع الرسل عليهم السلام تكون تكميل الفطرة - -
البشرية روحً ا وجسدً ا، وغايته سعادة الدارين الدنيا والآخرة ، واذا أريد ببركات السماء المطر، - -
وببركات الأرض النبات، كما قيل، فالمعنى : أنها أبواب نعم لا تكون بركات لهم غير التي عهدوها
في صفاتها ونمائها وثباتها وحالتهم فيها وأثرها فيهم، وبذلك تكون بركات") 3 . )
1 . )124 / ( المنهاج في شعب الإيمان، الحليمي، ) 2
2 ( قارن ذلك بالتحية المقدّسة والقُبلة المقدّسة! التي أشار إليها الباحث عند الحديث عن أنواع القدسية عند
.) النصارى، ) هذا البحث ص 090
3 . )20/ ( تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ) 1
515
والأزمان لا يباركها إلا الله . ) : }إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ { )الدخان/ 0
قال سيد قطب رحمه الله في ظلال هذه الآية: " والقرآن لم ينزل ك لّه في تلك الليلة كما - –
أنه لم ينزل كله في رمضان، ولكنه بدأ يتصل بهذه الأرض، وكانت هذه الليلة موعد هذا التصال
المبارك، وهذا يكفي في تفسير إن ا زله في الليلة المباركة، ا ونها لمبارك ة حق اً تلك الليلة التي يفتح
فيها ذلك الفتح على البشرية ") 1 . )
والقرآن العظيم كلام الله، مبار ك ومقدّس، كيف لا وهو كلام الملك القدوس ، قال الله
: }وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا{ )الأنعام/ 12 (، وقال أيضاً:
}وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ { )الأنعام/ 155 ( . وقال أيضاً:}وَهَذَا ذِكْرٌ
مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ { )الأنبياء/ 53 ( ، وقال أيضاً:}كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ
. ) وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ { )ص/ 21
وتتجلى قدسية القرآن في قَسم الرحمن في كتابه العزيز: }فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ
لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتَابٍ مَّكْنُونٍ* لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ* تَنزِيلٌ مِّن رَّبِّ
- . )93 الْعَالَمِينَ{) الواقعة/ 95
وقد فهم المسلمون قدر ق آ رنهم وعظمته وقدسيته منذ أول نزوله، فعمدوا إلى رفعه إلى منزلته
السامية التي تليق بكلام الربّ ، وتعهّدوا بحفظه وصيانته من أي عبثٍ، ومن ذلك ما جاء عن
ابن عمر أنّه قال: ) نهى رسول الله أن يسا فَر بالقرآن إلى أرض العدوّ ؛ مخافة أن يناله
العدو() 2 . )
1 . )0239 / ( في ظلال القرآن، سيد قطب، ) 5
2 ( شعب الإيمان، البيهقي، باب في تعظيم القرآن، فصل في صيانة المسافر بمصاحف الق آ رن إلى أرض العدو،
] )1150/2( ، 566 (، وصححه الألباني ] صحيح الجامع، برقم: 4925 /0( ، برقم: 2311
516
وجاء في شعب الإيمان: " ومن تعظيم الق آ رن أن يستشفي قارئ الق آ رن بما يحسنه منه،
ويتبرك بق ا رءته على نفسه وعلى غيره مريض اً وحزين اً وخائف اً ومقيم اً ومساف ا رً، رقية وغير رقية،
ويتبعه بالدعاء والمسألة، ومنها أن يفرح بما أتاه الله من الق آ رن فرح الغني بغناه وذي السلطان
بسلطانه، ويستعظم نعمة الله عليه به، ويحمده عز اسمه عليه") 1 . )
" ول شك أنّ هذه القداسة للقرآن تلفت الأنظار إليه، وتخلع همم المؤمنين به عليه،
فيحيطون به علم اً ويخضعون لتعاليمه عملا ، وذلك ما حدا المسلمين في كل عصر ومصر أن
يعنوا بحفظ كتاب الله حتى عصرنا الذي نعيش فيه، فما بالك بعصر الصحابة، وهو عصر
العلم والنور والتقوى والهداية والنشر والدعوة" ) 2 . )
نتائج الفهم الإسلامي للقداسة:
بحسب فهم الباحث، فإنّ هذا المفهوم الإسلامي الصحيح والمتّزن للقدسية والبركة، يؤدّي
بالضرورة حال تطبيقه واللت ا زم به إلى نتائج كلّها خير للبشرية، وأهمّها، والله أعلم: - –
.2 الانعتاق من قيود الظلم والتسلط البشري الناشئ عن تعظيم الأشخاص واحاطتهم بهالات
من التقديس.
.2 الشعور بهيبة المقدّسات وتقدير مكانتها وان ا زلها منزلتها، وذلك أنّها مقدّسات محدودة
ومنضبطة بالنقل اليقيني، وش تّان بين هذا وبين فوضى المقدّسات المبنية على وضع البشر
وتخاريفهم وأساطيرهم.
.0 فتح الآفاق أمام الناس لإعمال الفكر والعقل فيما يُصلح شأن دنياهم، على أساس فهم
صحيح للإسلام ومقدّساته، وعدم تقييدهم بقيود التقديس للأشخاص والأشياء، أو الانزواء بحجّ ة
عدم انتهاك المقدّسات.
1 . )021/ ( شعب الإيمان، البيهقي، ) 0
2 ( مناهل العرفان في علوم الق آ رن، محمد عبد العظيم الزرقاني، تحقيق: فواز أحمد زمرلي، دار الكتاب العربي/
255 ( بتصرف يسير. - / بيروت، ط 1،1615 ه/ 1115 م، ) 1
517
إنّ عدم الالت ا زم بنهج الله القويم في تقديسه ، والخضوع له ولشرعه ولأنبيائه دون سائر
البشر، هو الذي أنشأ الانح ا رف في تعظيم المخلوقات.
" فأول خطوة في هذا الانح ا رف كانت تعظيم ذكرى الفئة المؤمنة القليلة التي حملت في
السفينة مع نوح! ثم تطور هذا التعظيم جيلا بعد جيل، فإذا أرواحهم المقدّ سة تتمثل في أشجار
وأحجار نافعة، ثم تتطور هذه الأشياء فإذا هي معبودات، واذا و ا رءها كهنة وسدنة يعبّدون الناس
للعباد منهم باسم هذه المعبودات المدعاة في صورة من صور الجاهلية الكثيرة، ذلك أن - -
الانح ا رف خطوة واحدة عن نهج التوحيد المطلق الذي لا يتجه بشعور التقديس لغير الله وحده ولا -
يدين بالعبودية إلا لله وحده الانح ا رف خطوة واحدة لا بد أن تتبعه مع الزمن خطوات وانح ا رفات لا -
يعلم مداها إلا الله ") 1 . )
وكمثال على الفهم الإسلامي للقداسة، " فإنّ الفقه الإسلامي وان كان مجموعة آ ا رء -
لبعض العلماء إل أن هذه الآ ا رء ل بد أن تكون معتمدة على نص شرعي من كتاب الله - أو
سنة رسول الله ، حتى إن الآ ا رء المعتمدة على الإجماع والقياس وغيرها من الأدلة المساندة، لا
بد أن ترجع أخي ا ر إلى الكتاب والسنّة، ومن هنا يتبين لنا أنّ وجه القداسة في الفقه الإسلامي - -
هو بالنظر إلى مصادره، ولذا أ رينا الفقهاء على مدى العصور يرفضون كل أ ري لا تشهد له - -
الشريعة مهما كان قائله، فأين هذا من الفقه الوضعي الذي بنيت أكثر أحكامه على الأهواء
والأغ ا رض وترضية أصحاب النفوذ، والذي يلبس في كل حين لباس اً جديد اً" ) 2 . )
يقول الشيخ محمد رضا: " فالإيمان بالله يرفع النفوس عن الخضوع والاستعباد للرؤساء الذين
استذلوا البشر بالسلطة الدينية، وهي دعوى القداسة والوساطة عند الله، ودعوى التشريع والقول
على الله بدون إذن الله، أو السلطة الدنيوية وهي سلطة الملك والستبداد، فإن العبودية لغير الله
تعالى تهبط بالبشر إلى دركة الحيوان المسخر، أو الزرع المستنبت، والإيمان باليوم الآخر
وبالملائكة يع لّم الإنسان أن له حياة في عالم غيبي أعلى من هذا العالم، فلا يرضى لنفسه أن يكون
1 1914 ( بتصرف يسير . - / ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 6
2 ، ( الموسوعة الفقهية الكويتية، و ا زرة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت، دار السلاسل/الكويت، ط 2
21 ( بتصرف. - / 1636 ه/ 1190 م، ) 1
518
سعيه وعمله لأجل خدمة هذا الجسد خاصة ; لأن ذلك يجعله لا يبالي إلا بالأمور البهيمية، ولا
يرضى لنفسه بالأولى أن يكون عبد اً ذليلا لبشر مثله للقب ديني أو دنيوي، وقد أعزه الله بالإيمان،
وانما أئمة الدين عنده مب لِّغون لما شرع الله ، وأئمة الدنيا من فّذون لأحكام الله ، وانما الخضوع
الديني لله ولشرعه، لا لشخوصهم وألقابهم") 1 . )
ويقارن الشهيد سيد قطب رحمه الله بين آثار الفهم الإسلامي للقداسة، والفهم النص ا رني - -
الأوروبي فيقول: " ولم تقم في تاريخ الإسلام سلطة مقدسة تحكم )بالحق الإلهي(، ا زعمةً أنّ
حقّها في الحكم والتشريع مستمدّ من ق ا ربتها أو تفويضها من الله! بينما ظلَّ ) الحق المقدس( -
للكنيسة والبابوات في جانب؛ وللأباطرة الذين زعموا لأنفسهم حق اً مقدس اً كحق الكنيسة في جانب-
ظل هذا الحق أو ذاك قائم اً في أوربا باسم )الابن( أو مركب الأقانيم، حتى جاء )الصليبيون( إلى
أرض الإسلام مُ غِ يرين، فلمّ ا ارتدّ وا أخذوا معهم من أرض الإسلام بذرة الثورة على )الحق المقدس(،
وكانت فيما بعد الثو ا رت المسماة بحركة الإصلاح، على أساس من تأثير الإسلام، ووضوح التصور
الإسلامي، ونفي القداسة عن بني الإنسان؛ ونفي التفويض في السلطان، لأنه ليست هنالك إلا
ألوهية وعبودية في عقيدة الإسلام") 2 . )
خلاصة المطلب:
أولً: جعل الإسلام القداسة والبركة مسألةً توقيفية لا مجال فيها للاجتهاد، لاو سبيل إلى توزيع
القدسيات والبركات، ولا اعتبار فيها للتوسع والإف ا رط، بخلاف ما فعله اليهود والنصارى من شطط
في هذا الجانب المهمّ؛ عقيدةً وممارسة .
ثانياً: إنّ مصدر القداسة والبركة الوحيد في الإسلام هو الله العظيم القدوس ، الذي يهب
البركة لمن يشاء، ويقدّس ما يشاء، لا ينازعه في ذلك أحدٌ من عباده، وكلّ ما لم ينزل به وحيٌ
)من قرآن أو سنة( على أنّه مقدّس ومعظّم، فلا اعتبار بتقديسه أو تعظيمه، أو ادّعاء لذلك فيه.
ثالثاً: إنّ الفهم الصحيح لمسألة القدسية والتقديس والبركة والتعظيم، تقي من الزلات
والشطحات البشرية، وتنشر الطمأنينة، وتنزع عوامل التخبط والاضط ا رب في توابع هذا الاعتقاد.
1 - . )12 11/ ( تفسير المنار، محمد رشيد رضا، ) 2
2 911 ( بتصرف . - / ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 2
519
المطلب الثاني:
سة في العقيدة الإسلامية
ّ
مكانة الأرض المقد
إنّ الإسلام قد جعل لأرض الشام، وفلسطين وبيت المقدس، مكانة عظيمةً سامية، فلها في
كتاب الله وسنة نبيه وأقوال علماء الأمة نصيبٌ وافر من المدح والثناء والرفعة، وفي
الصحيح الصريح من الوحي ما يغني عن الكثير من الضعيف أو المشكوك فيه.
2. أرض الإسراء والمعراج:
خلّد الله أرض فلسطين المقدّسة بآية في كتابه الكريم، فقال : }سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ
. ) لَيْلاً مِّنَ المَْسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ{)الإسراء/ 1
قال القرطبي رحمه الله: " فجعل المسجد الأقصى غاية الإس ا رء ... وذهب معظم السلف -
والمسلمين إلى أنه كان إس ا رءً بالجسد وفي اليقظة، وأنه ركب الب ا رق بمكة ووصل إلى بيت المقدس
وصلى فيه ثم أ سري بجسده") 1 . )
قال الطبري: " وقوله:}إِلَى المَْسْجِدِ الأَقْصَى { يعني: مسجد بيت المقدس، وقيل له: الأقصى،
لأنه أبعد المساجد التي ت ا زر، ويُبتغَى في زيارته الفضل بعد المسجد الح ا رم") 2 .)
" فلو لم يكن للأقصى والأرض المقدّسة من الفضيلة غير هذه الآية لكانت كافية فيه، لأنه
إذا بورك حوله فالبركة فيه مضاعفة" ) 3 .)
وفي حديث الإس ا رء: قال رَسُولَ اللَّهِ : ) أُتِيتُ بِالْبُ اَ رقِ ... فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ
الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةِ الَّتِي يَرْبِط بِهِ الأَنْبِيَاءُ، ثُمَّ دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَصَلَّيْتُ فِيهِ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ
1 . )239/ ( الجامع لأحكام الق آ رن، القرطبي، ) 13
2 . )000/ ( جامع البيان في تأويل الق آ رن، الطبري، ) 19
3 224 ( بتصرف يسير. - / ( الأنس الجليل بتاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي، ) 1
501
خَرَجْتُ، فَجَاءَنِي جِبْرِيلُ بِإِنَاءٍ مِنْ خَمْرٍ، واِنَاءٍ مِنْ لَبَنٍ، فَاخْتَرْتُ اللَّبَنَ، فَقَالَ جِبْرِيلُ : اخْتَرْتَ
الْفِطْرَةَ، ثُمَّ عَرَجَ بِنَا إِلَى السَّمَاءِ ... الحديث() 1 . )
ويأذن الله لمحمد بقيادة البشرية في هذه الرحلة المعجزة، فيلتقي بالأنبياء، ويصلّي بهم
إماماً في الأرض المقدّسة، لتكون الإمامة له ولأمّته، إذ جاء في بعض أحاديث الإس ا رء، عنه
قال: ) لَقَدْ أَ رَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْشٌ تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْ اَ ريَ ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ
... وَقَدْ أَ رَيْتُنِي فِي جَمَاعَةٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ ... فَحَانَتْ الصَّلَاة فَأَمَمْتُهُمْ ... () 2 . )
" وهذه منقبةٌ شريفةٌ عظيمة لهذا المسجد المشرّف، باجتماع هذا الجمع الكبير، والجمّ الغفير
من الأنبياء، إذ ظاهر هذا اللفظ أنّ المذكورين في هذا الحديث المتقدّم صلوا به مأمومين ، يؤمُّهم
المصطفى ، آدم فما دونه، وهذا لم يتفق في سائر الأرضين، ثم اختلف العلماء في صلاته
بالأنبياء ليلتئذ، أهي صلاةُ دعاءٍ وذكر، أم الصلاة المعروفة، والثاني أصحّ و أرجح") 3 )
ثم إنّ ما يزيد أمر الأقصى وفلسطين تكريماً هو فرض الصلاة الركن الأعظم من أركان -
الإسلام ليلة الإس ا رء، وفي ذلك قال القرطبي: " وأما فرض الصلاة وهيئتها حين فرضت فلا -
خلاف بين أهل العلم وجماعة أهل السير أن الصلاة إنما فرضت بمكة ليلة الإس ا رء حين عرج به
إلى السماء وذلك منصوص في الصحيح وغيره") 4 (، ويشير الباحث إلى أنّ قصة فرض الصلاة قد
وردت في تتمة الحديث الأخير الوارد أعلاه، فيُنظر في الصحيحين وغيرهما.
فأيُّ فضيلةٍ ومكانةٍ للمسجد الأقصى أعظم من ربط الله له بالبيت الح ا رم، وبنبي العالمين
، وبالسماوات العلى، في حادثة واحدة وآية واحدة ومعجزة خالدة! .
1 ( متفق عليه: البخاري: كتاب الصلاة، باب كيف فرضت الصلاة في الإس ا رء، برقم: 061 ، )ص 51 (، مسلم:
كتاب الإيمان، باب الإس ا رء برسول الله . ) إلى السماوات وفرض الصلوات، برقم: 140 ، )ص 131
2 . ) ( صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب في ذكر المسيح ابن مريم والمسيح الدجال، برقم: 192 ، )ص 134
3 ( مثير الغ ا رم إلى زيارة القدس والشام، شهاب الدين أبي محمود بن تميم المقدسي، تحقيق: أحمد الخطيمي، دار
1615 ه/ 1115 م، )ص 249 ( بتصرف يسير. - ، الجيل/بيروت، ط 1
4 . )213/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 13
500
2. أرض بار الله فيها:
ذكر الق آ رن أرض بيت المقدس وأكنافه بالقدسية والبركة في كثير من آيات الذكر الحكيم،
وقد أشار الباحث إلى بعضها فيما سبق.
أ قال - : }يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنقَلِبُوا
خَاسِرِينَ { )المائدة/ 21 (، وقد قال جمهور المفس رين بأنّ الأرض المقدّسة هي بيت المقدس وما
حوله) 1 . )
ب وقال - : }وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا
{)الأعراف/ 109 (، " التي باركنا فيها: في قول الجمهور: هي أ رض الشام") 2 (، وقال الف اّ رء:
"والأرض هي أرض الشأم ومصر، ومشارقها ومغاربها جهات الشرق والغرب بها") 3 ( ، واستبعد
الطبري مصرَ ، مبيّناً أن ذلك بعيد من المفهوم في الخطاب، مع خروجه عن أقوال أهل التأويل
والعلماء بالتفسير ... ثم نقل اتّفاق جمعٍ كبيرٍ من العلماء على أنّها بلاد الشام) 4 . )
ت وقال - :}وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ { )الأنبياء/ 91 (، قال
السمعاني) 5 ( رحمه الله: " يعني: الشام، وبركتها كثرة مياهها وأشجارها، وعموم الخصب بها، -
حتى يعيش فيها الفقير والغني بعيش طيب، ويقال: بركتها كثرة الأنبياء بها، وفي الآية قول آخر:
هو أن الم ا رد من الأرض التي بارك فيها هي مكة، وقيل: مصر، والأصح هو الأول )أي الشام(؛
1 . )69/ ( انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 2
2 . )214/ ( المصدر السابق، ) 2
3 .)292/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 9
4 - .)99 94/ ( انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، الطبري، ) 10
5 484 ه(: أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار بن أحمد التميمي، السمعاني، - ( السمعاني ) 421
المروزي، الإمام، العلامة، مفتي خ ا رسان، شيخ الشافعية، قال عبد الغافر في )تاريخه(:هو وحيد عصره في وقته
فضلا وطريقة، وزهدا وورعا، من بيت العلم والزهد، تفقه بأبيه، وصار من فحول أهل النظر، من مؤلفاته: التفسير،
والأمالي، والبرهان، والاصطلام، تعصب لأهل الحديث والسنة والجماعة، وكان شوك اً في أعين المخالفين، وحجة
114 ( بتصرف [ . - - 116/ لأهل السنة ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 11
501
لأنه مشهور أنه خرج وام أ رته يعني: إب ا رهيم - إلى ح ا رن، ثم من ح ا رن إلى الشام، وأما -
لوط فإنه ابن أخي إب ا رهيم، وكان خرج معه") 1 . )
ث وقال - :}وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ
عَالِمِينَ{)الأنبياء/ 91 (، قال القرطبي: " }الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا{: يعني الشام، ير وى أنها كانت تجري به
وبأصحابه إلى حيث أ ا رد، ثم تردّ ه إلى الشام ") 2 .)
ج: وقال : }وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى اََهِرَةً { )سبأ/ 19 ( ، عن ابن
عباس قال: "}الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا { بالماء والشجر، يعني الأردن وفلسطين ") 3 . )
ح: وقد جاء في الق آ رن إشا ا رت أخرى إلى عظم مكانة أرض فلسطين والشام وبيت المقدس،
ومنها قسمه : }وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{ )التين/ 0 1 ( ، جاء عن ابن عباس -
في }وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ{: " أقسم الله بالتين، تينكم هذا، والزيتون، زيتونكم هذا، ويقال: هما مسجدان
بالشام، ويقال: هما جبلان بالشام، ويقال: التين هو الجبل الذي عليه بيت المقدس، والزيتون هو
الجبل الذي عليه دمشق") 4 ( ، " وقال قتادة: التين هو الجبل الذي عليه دمشق، والزيتون هو الجبل
الذي عليه بيت المقدس") 5 . )
" وقال بعض الأئمة: هذه مَ حالٌّ ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبي اً مرسلا من أولي
العزم أصحاب الش ا رئع الكبار، )فالأول( محلة التين والزيتون، وهي بيت المقدس التي بعث الله
1 . )012/ ( تفسير القرآن، السمعاني، ) 0
2 .)022 / ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 11
3 . ) ( تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، الفيروز آبادي، )ص 043
4 ( المصدر السابق، )ص 516 ( بتصرف يسير . -
5 . )250/ ( تفسير القرآن، السمعاني، ) 4
503
فيها عيسى ابن مريم ، )والثاني( طور سينين، وهو طور سيناء الذي ك لّم الله عليه موسى
ابن عم ا رن ، )والثالث( مكّ ة، وهو البلد الأمين، وهو الذي أرسل فيه محمد اً (" 1 .)
خ: قال الله :}وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالحُِونَ
{)الأنبياء/ 135 ( ، " قال بعض العلماء: إنّها الأرض المقدّسة، ي رثها أمّة محمد (" 2 . )
وحاصل مجموع هذه الآيات: أنّها تتحدث عن مكانة الأرض المقدّسة وما حولها، أي بلاد
الشام ومنها فلسطين، فهي أرض مباركةٌ ومقدّسة، أقسم الله بها وجعلها محلاً لدعوات أنبيائه
ورسله، والله أعلم.
0. الق بلة الأولى:
قال :}وَكَذَلكَِ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونوُاْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً
. ) وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنتَ عَلَيْهَا إِلاَّ لِنَعْلَمَ مَن يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّن يَنقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ { )البقرة/ 160
وفي الصحيح عن الب ا رء بن عازب : ) أَنّ رَسُولَ اللَّهِ : صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ
عَشَرَ شَهْ اً ر أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْ اً ر، وَكَانَ يُعْجِبُه أَنْ تَكُونَ قِبْلَتُه قِبَلَ الْبَيْتِ، وَأَنَّه صَلَّى أَوْ صَلَّاهَا
صَلَا ةَ الْعَصْرِ وَصَلَّى مَعَ ه قَوْمٌ ، فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ كَانَ صَلَّى مَعَه ، فَمَرَّ عَلَى أَهْلِ الْمَسْجِدِ وَهُمْ
اَ ركِعُونَ، قَالَ : أَشْهَدُ بِاللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْتُ مَع النَّبِيِّ قِبَلَ مَكَّة ، فَدَارُوا كَمَا هُمْ قِبَلَ الْبَيْتِ، وَكَانَ الَّذِي
مَاتَ عَلَى الْقِبْلَةِ قَبْلَ أَنْ تُحَوَّلَ قِبَلَ الْبَيْتِ رِجَالٌ قُتِلُوا لَمْ نَدْرِ مَا نَقُولُ فِيهِمْ، فَأَنْزَلَ اللَّه : }وَمَا
() ) كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللّهَ بِالنَّاسِ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ {)البقرة/ 16 3 . )
1 460 ( بتصرف يسير . - / ( تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 6
2 . ) ( مثير الغ ا رم إلى زيارة القدس والشام، شهاب الدين المقدسي، )ص 90
3 ( صحيح البخاري، كتاب التفسير، باب قوله تعالى: }سَيَقُولُ السُّفَهَاء مِنَ النَّاسِ مَا وَلاَّهُمْ عَن قِبْلَتِهِمُ التَِّي كَانوُاْ عَلَيْهَا قُل لِّلّهِ
. ) المَْشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَن يشََاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ { )البقرة/ 162 (، برقم 6694 ، )ص 501
504
وقد اختلف العلماء هل كانت الصلاة إلى المسجد الأقصى المبارك قبل التحويل اجتهاداً من
النبي ، أو بوحي ق آ رني من الله ، ثم نُسخ، على قولين) 1 . )
" ومجموع الروايات المتعلقة بهذا الحادث يمكن أن يستنبط منها بالإجمال أن المسلمين - -
في مكة كانوا يتوجهون إلى الكعبة منذ أن فرضت الصلاة، وأنهم بعد الهجرة وجهوا إلى بيت
المقدس بأمر إلهي للرسول ، ثم جاء الأمر الق آ رني الأخير:}فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ
153 (، فنسخه" ) ، ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ{)البقرة/ 166 2 .)
4 . ثاني مسجدٍ في الأرض:
جاء في الصحيح، من حديث أبي ذر قال: قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِع فِي
الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ : )الْمَسْجِدُ الْحَ اَ رمُ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ، قَالَ : الْمَسْجِدُ الْأَقْصَى، قُلْتُ : كَمْ كَانَ
بَيْنَهُمَا، قَالَ : أَرْبَعُونَ سَنَة ، ثُمَّ أَيْنَمَا أَدْرَكَتْكَ الصَّلَا ةُ بَعْدُ فَصَلِّهْ فَإِنَّ الْفَضْلَ فِيهِ ( ) 3 .)
قال ابن حجر) 4 ( رحمه الله: " الإشارة إلى أول البناء ووضع أساس المسجد، وليس إب ا رهيم -
أول من بنى الكعبة ولا سليمان أول من بنى بيت المقدس، فقد روينا أن أول من بنى
الكعبة آدم ثم انتشر ولده في الأرض، فجائز أن يكون بعضهم قد وضع بيت المقدس، ثم بنى
1 ( انظر: صحيح مسلم بشرح النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار إحياء الت ا رث العربي/
. )1/ بيروت، ط 2،1012 م، ) 5
2 125 ( بتصرف . - / ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 1
3 ( متفق عليه، البخاري: كتاب حديث الأنبياء، برقم: 0044 ، )ص 639 (، مسلم: كتاب المساجد ومواضع
.) الصلاة، برقم: 523 ، )ص 265
4 ( ابن حجر العسقلاني ) 852 770 ه(: أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني، أبو الفضل، شهاب الدين، -
ابن حجر، من أئمة العلم والتاريخ، أصله من عسقلان )بفلسطين(، ومولده ووفاته بالقاهرة، ولع بالأدب والشعر ثم
أقبل على الحديث، ورحل إلى اليمن والحجاز وغيرهما لسماع الشيوخ، وعلت له شهرة فقصده الناس للأخذ عنه،
وأصبح حافظ الإسلام في عصره، قال السخاوي: )انتشرت مصنفاته في حياته وتهادتها الملوك وكتبها الأكابر(
وكان فصيح اللسان، ا روية للشعر، عارفا بأيام المتقدمين وأخبار المتأخرين، صبيح الوجه. وولي قضاء مصر م ا رت
199 ( بتصرف [ . - / ثم اعتزل. أما تصانيفه فكثيرة جداً وجليلة ] الأعلام، الزركلي، ) 1
505
إب ا رهيم الكعبة بنص القرآن، وكذا قال القرطبي: إنّ الحديث لا يدل على أن إب ا رهيم وسليمان لمّ ا
بنيا المسجدين ابتدآ وضعهما لهما، بل ذلك تجديدٌ لما كان أسسه غيرهما") 1 . )
5. حال إلى الأ
ّ
الر
ّ
عل خد
ّ
الحث قص :
حثّ الإسلام على شدّ الرحال إلى المسجد الأقصى المبارك، وجعله من نوادر المقصودات
بالزيارة من الأماكن المقدّسة، وعلّق الإسلام قلوب المسلمين بهذا البيت العظيم من بيوت الله .
جاء في الحديث الصحيح الذي رواه جمع كبير من الصحابة عن النبي قال: ) لَ
تُشَ دُّ ال رحَالُ إِلَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الْحَ اَ رمِ، وَمَسْجِدِ الرّسُولِ ، وَمَسْجِدِ الْأَقْصَى() 2 . )
وفي روايةٍ مرفوعةٍ أنّه قال: ) ل تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِل إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَ اَ رمِ،
واِلَى مَسْجِدِ ي هَذَا، واِلَى مَسْجِدِ إِيلِيَاءَ، أَوْ مَسْجِدِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ (، شكّ ال ا روي أيّهما ) 3 . )
قال ابن حجر: " ترجم )البخاري) 4 ( رحمه الله ( بفضل الصلاة وليس في الحديث ذكر - –
الصلاة، ليبين أنّ الم ا رد بالرحلة إلى المساجد قصد الصلاة فيها، لأنّ لفظ المساجد مشعر
بالصلاة") 5 . )
1 - . )631 639 / ( فتح الباري، ابن حجر، ) 4
2 ( متفق عليه: البخاري، كتاب فضل الصلاة في مسجد مكّة والمدينة، باب فضل الصلاة في مسجد مكّة
والمدينة، برقم: 1191 ، )ص 166 (، مسلم: كتاب الحج، باب "لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد"، برقم:
.) 1019 ، )ص 469
3 ( صحيح ابن حبان، محمد بن حبان، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، تحقيق: شعيب الأرنؤوط، مؤسسة
9(، وصححه الألباني، ] السلسلة الصحيحة، ناصر /9( ، 1616 ه/ 1110 م، برقم: 2992 ، الرسالة/بيروت، ط 2
. ] )419/2( ، 1615 ه/ 1115 م، برقم: 119 ، الدين الألباني، مكتبة المعارف/الرياض، ط 1
4 251 ه(: أبو عبد الله، محمد بن إسماعيل بن إب ا رهيم بن المغيرة بن بردزبه، صاحب - ( البخاري ) 244
الصحيح، هو أعلى الكتب الستة سندا إلى النبي في شيء كثير من الأحاديث، وذلك لأن أبا عبد الله أسن
الجماعة، وأقدمهم لقيا للكبار، طلب العلم منذ صغره، وكان كفيفاً وأب أ ره الله، أخرج الصحيح من زهاء ست مائة ألف
حديث، وصنّفه في ست عشرة سنة، كتب عن ألف شيخ وأكثر، عن كل واحد منهم عشرة آلاف وأكثر، وأحواله في
العلم والحفظ والفهم عجيبة، وأثنى أئمة الإسلام عليه أيما ثناء، وصار كتابه مقبولاً لكل المسلمين بعده، رحمه الله
- . ] )639 011/ تعالى ] انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 12
5 . )40/ ( فتح الباري، ابن حجر، ) 0
506
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " وهذا الحديث اتّفق الأئمة على صحته والعمل –
به، فلو نذر الرجل أن يص لّي في مسجدٍ أو مشهدٍ أو يعكف فيه أو يسافر إليه غير هذه الثلاثة لم
يجب عليه ذلك با تّفاق الأئمة ... ولو نذر أن يأتي المسجد الأقصى لصلاة أو اعتكاف وجب عليه
الوفاء بهذا النذر") 1 . )
وقال في موضعٍ آخر: " أما السفر إلى بيت المقدس للصلاة فيه والعتكاف، أو الق ا رءة،
أو الذكر، أو الدعاء فمشروع مستح ب باتّفاق علماء المسلمين") 2 . )
وعموم اً، ففي أحاديث شدّ الرحال دلالة على أنّ الإسلام لا يُجيز الرحلة والسفر إلى مسجدٍ
بقصد الصلاة فيه إلا في هذه المساجد الثلاثة، وفيه ربطٌ للأقصى مجدداً بالحرمين الشريفين، وهو
مصدّقٌ لآية الإس ا رء، والله أعلم.
1. ثواب هيارة الأقص والصلاة فيه:
جاءت أحاديث كثيرةٌ في فضل الصلاة في المسجد الأقصى، وكذا في زيارته وخدمته،
والتبرع بالمال لصيانته واعماره واضاءته، وفي كثير من هذه الأحاديث فيما اتّضح للباحث - –
مقالٌ عند علماء الحديث، تعليقاً وتضعيف اً ونحو ذلك، وليس إلى ذكرها من حاجة، فما عُلم يقيناً
من آيات الكتاب وصحيح السنّة يغني عن ذكرها، ولا بأس بالرجوع إليها للاستئناس أو الد ا رسة.
ومن الأحاديث الصحيحة في باب ثواب قصد المسجد الأقصى للصلاة فيه، ما رواه عَبْدِ اللَّهِ
بْنِ عَمْرٍو ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ) أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ
خِلَالً ثَلَاثَةً : سَأَلَ اللَّه حُكْمًا يُصَادِفُ حُكْمَه فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّه مُلْكًا لَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِ ه
1 .)291/ ( الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ) 5
2 .)195/ ( المصدر السابق، ) 1
507
فَأُوتِيَهُ، وَسَأَلَ اللَّهَ حِينَ فَرَغ مِنْ بِنَاءِ الْمَسْجِدِ أَنْ لَ يَأْتِيَهُ أَحَ د لَ يَنْهَزُه إِلَّ الصَّلَاة فِيهِ أَنْ
يُخْرِجَهُ مِنْ خَ طِيئَتِهِ كَيَوْمِ وَلَدَتْهُ أُمُّهُ ( ) 1 . )
وفي هذا الحديث فائدة عظيم ة، وهي ارتباط المؤمنين أوّلهم وآخرهم برباط الدين والتوحيد،
إذ إنّ سليمان دعا الله دعاءً مطلقاً للمؤمنين أن يغفر لهم إذا أتوا بيت الله الأقصى، وفيه
أيضاً عظم فضل الأقصى، إذ شابهَ إتيانه الحجَّ إلى بيت الله الح ا رم، والله أعلم.
وقد كان شأن المسجد الأقصى يشغل صحابة رسول الله ، حتى إنهم كانوا يتدارسون أيّ
المسجدين أعظم قد ا رً، المسجد النبوي أم المسجد الأقصى، ويجلّي لهم رسول الله الأمر .
فعَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : ) تَذَاكَرْنَا وَنَحْ نُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ
، أَوْ مَسْجِدُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ : " صَلَاة فِي مَسْجِدِي هَذَا أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ
فِيهِ، وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى، وَلَيُوشِكَنَّ أَنْ لَ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ ) 2 ( فَرَسِهِ مِنَ الْأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْه بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْ ر لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا أَوْ قَالَ : خَيْ ر مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا"( ) - 3 . )
1 ( مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق: شعيب الأرنؤوط وَ عادل
211 /11( ، 1621 ه/ 2331 م، مسند عبد الله بن عمرو، برقم: 4466 ، مرشد وَ آخرون، مؤسسة الرسالة، ط 1
223 (، سنن النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: مكتب تحقيق الت ا رث، دار -
، 1623 ه، كتاب المساجد، باب فضل المسجد الأقصى والصلاة فيه، برقم: 412 ، المعرفة/بيروت، ط 5
. ] )623 /1( ، 046/2 (، وقال الألباني: صحيح، ] صحيح الجامع، برقم: 0950 (
2 ( الشطن: الحبل، وقيل: الحبل الطويل الشديد الفتل، يستقى به وتشد به الخيل، والجمع أشطان ] لسان العرب،
. ] )2246/ ابن منظور، ) 6
3 ( المعجم الأوسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم الطب ا رني، تحقيق: طارق بن
عوض الله بن محمد وَ عبد المحسن بن إب ا رهيم الحسيني، دار الحرمين/القاهرة، ط)بدون(، 1615 ه، برقم:
130/9 (، المستدرك على الصحيحين، الحاكم النيسابوري، )مع تعليقات الذهبي(، كتاب الفتن والملاحم، ( ،4190
556 (، قال الحاكم: هذا حديثٌ صحيحُ الإسناد، ولم يُخْرِجاه، ووافقه الذهبي. /6( ، برقم: 9550
508
وهذا الحديث ن ص بأنّ الصلاة في الأقصى تساوي في الأجر ربع الصلاة في المسجد
النبوي في المدينة، واذا علمنا أنّ الصلاة في المسجد النبوي بألف صلاة، لقوله : )صَلاَة فِي
مَسْجِدِي هَذًا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاه إل الْمَسْجِدَ الْحَ اَ رمَ() 1 . )
وبذلك يكون أجر الصلاة في المسجد الأقصى يفوق أجر )مائتين وخمسين صلاةً( فيما
سواه، ويزيد الفضل فضلاً فيقول: ) و لَ نعْ مَ المُ صَ لَّى(.
.7
ة
ّ
فضائل الشام عام :
وما دامت البركة قد عمّت الأقصى وما حوله، فليس غريباً أن تتواتر أحاديث فضائل الشام
عن رسول الله ، إذ الأقصى وفلسطين هما درّة الشام، فالشام أقسام خمسة، تأتي فلسطين في
مقدمتها جميعاً، على ذلك تواطأ الأقدمون) 2 . )
وقد جاء في الأحاديث النبوية المطهّرة من فضائل هذه الأرض الطيبة ما يدفع المسلمين
دفعاً إلى حبّ هذه الأرض وسكناها والرباط على ثغورها، والدفاع عنها كمي ا رث للنبوات والمسلمين
عبر القرون والدهور.
عن زَيدِ بن ثابِت قَالَ : ) كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنْ الرِّقَاعِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ
: "طُوبَى لِلشَّامِ " فَقُلْنَا: لِأَيٍّ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : "لِأَنَّ مَلَائِكَةَ الرَّحْمَنِ بَاسِط ة أَجْنِحَتَهَا
عَلَيْهَا" () 3 . )
1 ،) ( متفق عليه، البخاري: كتاب الصلاة، باب فضل الصلاة في مسجد مكّة والمدينة، برقم: 1113 ، )ص 166
. ) مسلم: كتاب الحج، باب فضل الصلاة بمسجدي مكة والمدينة، برقم: 1016 ، )ص 464
2 . ) ( انظر: مثير الغ ا رم إلى زيارة القدس والشام، شهاب الدين المقدسي، )ص 95
3 ( سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وَ محمد فؤاد عبد الباقي وَ
1015 ه/ 1195 م، أبواب ، إب ا رهيم عطوة عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي/ مصر، ط 2
906 (، وقال الترمذي: حديث حسن، وصحّحه الألباني ] السلسلة الصحيحة، /5( ، المناقب، بابٌ، برقم: 0156
. ] )21/2( ، برقم: 530
509
ومن بركة الله لهذه الأرض الطيبة أن جعلها مأوىً لأفئدة المؤمنين، وحثّ على
سكناها رسولُه الكريم ، فعن عبد الله بن حوالة) 1 ) قال: قال رسول الله : ) سَتُجَنَّدُونَ
أَجْنَادًا: جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِ اَ رقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ اخْتَرْ لِي، قَالَ : عَلَيْكُمْ
بِالشَّامِ، فَمَنْ أَبَى فَلْيَلْحَقْ بِيَمَنِهِ، وَلْيَسْقِ مِنْ غُدُرِهِ، فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ ( ) 2 . )
بل لقد وصف رَسُولُ اللَّهِ طائفةً من أهل الشام بالرباط والمصابرة على أمر الله إلى
قيام الساعة، ووصفهم بأنّهم هم المنصورون، ورتّب على فساد أهل الشام تناقص الخيرية في
العالم، فقال : ) إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَ تَ اَ زلُ طَائِفَ ة مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَ يَضُرُّهُمْ
مَنْ خَذَلَهُمْ حَ تَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ( ) 3 . )
وفي رواية أخرى بهذا المعنى وزيادة، ربط بين الشام والجهاد والم ا ربطة، وجعلها عقر
دار المؤمنين، فقال : ) لَ تَ اَ زلُ طَائِفَ ة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يَرْفَع اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ
فَيُقَاتِلُونَهُمْ وَيَ رزُقُهُمْ اللَّهُ مِنْهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ، أَلَ إِنَّ عُقْرَ دَارِ الْمُؤْمِنِينَ
الشَّ امُ، وَالْخَيْلُ مَعْقُو د فِي نَوَاصِيهَا الْخَيْرُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ( ) 4 . )
واجمالا ، فإن مكانة الأرض المقدّسة في الإسلام وبخاصة بيت المقدس وما حوله - –
"تستند إلى ثلاث مرتك ا زت رئيسة وهي: أنّ بيت المقدس هو البيت الذي بنته وعمرته الأنبياء، وأنه
1( عبد الله بن حوالة: )ت: 93 ه(، نسبه الواقدي في بني عامر بن لؤي، وقيل: هو من الأزد، وهو الأشهر،
يكنى بأبي حوالة، نزل الشام، روى عنه من أهلها أبو إدريس الخولاني، وجبير بن نفير، ومرثد بن وداعة،
وغيرهم، وقدم مصر فروى عنه من أهلها ربيعة بن لقيط التجيبي، وروى في فضل الشام أحاديث، وتوفي بالشام
916 ( بتصرف [ . - / ]الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ابن الأثير، ) 0
2 ، ( المستدرك على الصحيحين )بتعليقات الذهبي(، الحاكم النيسابوري، كتاب الفتن والملاحم، برقم: 9554
555/6 (، قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي. (
3 042 (، سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب ما جاء في الشام، /26( ، ( مسند أحمد، مسند المكيين، برقم: 15514
، 695 (، وقال الترمذي: حسن صحيح، وصححّه الألباني ] السلسلة الصحيحة، برقم: 630 /6( ، برقم: 2112
.] )943/1(
4 ، 146 (، سنن النسائي، كتاب الخيل، برقم: 0540 /29( ، ( مسند أحمد، مسند الشاميين، برقم: 14145
214 (، قال /14( ، 526/4 (، صحيح ابن حبان، باب الحجاز واليمن والشام وفارس وعمان، برقم: 9039 (
. ] )591/6( ، الألباني: إسناده صحيح على شرط مسلم ] السلسلة الصحيحة، برقم: 1105
511
هو القبلة الأولى التي اتّجه المسلمون إليها بالصلاة، وأنّه المكان الذي أسري بمحمد إليه، ومنه
كان مع ا رجه إلى السماء") 1 (، وعن هذه المرتك ا زت العظيمة تتفرع كافة الفضائل والمحاسن
المنصوص عليها في الأرض المقدّسة.
خلاصة المطلب:
أولً: تميّزت الأرض المقدسة بمكانة سامية في مصادر الإسلام الأصيلة، فكانت بوحي -
الله أرضاً مباركةً طيبة، ولها شأن عظيم في ديانة المسلمين وفكرهم، منذ مهد الإسلام الأول، -
وحتى قيام الساعة وآخر الزمان.
ثانياً: تجسّد في أرض فلسطين الانتقال النهائي )النظري( لمي ا رث الأنبياء إلى أمّة محمدٍ
من خلال معجزة الإس ا رء والمع ا رج، تمهيداً للانتقال العملي )الفتح والحكم( والذي بدأ في عهده ،
وأوصى به، وأتمّه خلفاؤه من بعده.
ثالثاً: احتلّ المسجد الأقصى المرتبة الثالثة في مساجد الإسلام المقدّسة، فهو ثالث ثلاثة من
أقدس مقدّسات المسلمين في الأرض، وحظي بعناية المسلمين منذ عهد النبوة وما بعدها، وخلّده الله
في كتابه العزيز، بآية تصرّح ببركته وما حوله، وآياتٍ كثيرة تشير إليه.
ا ربعاً: الأقصى والشام والأرض المقدسة، هي وصية رسول الله لأمته، " عليكم بالشام،
طوبى للشام، عقر دار الإسلام الشام، ل ت ا زل طائفة من أمتي على الحق، إذا فسد أهل الشام فلا
خير فيكم... إلخ " .
1 ( مثير الغ ا رم إلى زيارة القدس والشام، شهاب الدين المقدسي، )ص 12 ( بتصرف . -
510
المطلب الثالث:
سة وملاحم رخر الزمان
ّ
الأرض المقد
جاء الإسلام بالقول الفصل في علاقة الأرض المقدّسة بملاحم) 1 ( آخر الزمان، وكذا ما
يتعلق بعلامات الساعة، متجاو ا زً كلّ الخ ا رفات والأساطير التي جاء بها اليهود والنصارى في هذا
الشأن، وقاطعاً التناقضات بالوحي الحقّ الذي لا مجال فيه لخ ا رفة أو خطأ أو وهم.
وسيقتصر الباحث على بعض ما صحّ من آثارٍ في هذه القضية، وذلك لأ نها من قضايا
الاعتقاد التي لا يجوز فيها الأخذ بالضعيف والمظنون.
إفساد سة
ّ
اليهود في الأرض المقد :
لقد ربطت سورة الإس ا رء في مطلعها بين المسجد الح ا رم والمسجد الأقصى، وخلّدت معجزة
الإس ا رء والمع ا رج، وكان هذا إيذاناً بالنهاية الأبدية لأية سلطة دينية غير إسلامية على الأرض
المقدّسة.
لكن الق آ رن ذكر بعد هذا المطلع إفسادتين لبني إس ا رئيل في هذه الأرض، فقال : }وَقَضَيْنَا
إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا * فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ
عِبَادًا لَنَا أُوليِ بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجَاسُوا خِلَالَ الدِّياَرِ وَكَانَ وَعْدًا مَفْعُولًا * ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ
بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا* إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ الْآخِرَةِ
- .) ليَِسُوءُوا وُجُوهَكُمْ وَلِيَدْخُلُوا الْمَسْجِدَ كَمَا دَخَلُوهُ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَلِيُتَبِّرُوا مَا عَلَوْا تَتْبِيرًا{ )الإسراء/ 9 6
أما عن مكان هذا الإفساد اليهودي، فقد اتّفق جمع كبي ر من العلماء على أنّ مكانه هو
الأرض المقدّسة.
1 ( الملاحم: جمع ملحمة: وهي: الوقعة العظيمة القتل، وقيل: موضع القتال، وألحمتُ القومَ ، إذا قتلتهم حتى صاروا
لحما، وألحم الرجل إلحام اً واستلحم استلحاما، إذا نشب في الحرب فلم يجد مخلص اً. ] لسان العرب، ابن منظور،
. ] )6312 /5(
511
قال السمعاني: "والأرض المذكورة: أرض الشام، وأرض بيت المقدس") 1 (، ومثل هذا القول
بيّنٌ في تفسير الطبري وابن كثير لآيات سورة الإس ا رء) 2 (، وقال القرطبي: " }لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ{،
يريد أرض الشام وبيت المقدس وما والاها") 3 .)
" فبمناسبة المسجد الأقصى يذكر الله كتاب موسى وما قضى فيه لبني إس ا رئيل،
من نكبة وهلاك وتشريد م رتين؛ بسبب طغيانهم وافسادهم، مع إنذارهم بثالثة و ا ربعة، }وَإِنْ عُدْتُمْ
عُدْنا{ ") 4 . )
وقد اختلف العلماء فيما اتّضح للباحث قديماً وحديثاً حول تفسير هاتين الإفسادتين، على - –
أقوالٍ كثيرة، ومنشأ هذا الاختلاف والله أعلم كثرةُ إفساد اليهود، حتى بات لا يُعلم أيّ إفسادة - -
لهم تلك التي عناها القرآن الكريم!.
فنقل ابن كثير عن جمع من الصحابة والتابعين والعلماء أنّ المسلّطين على بني إس ا رئيل أولاً
هم جالوت وجنوده, وقيل: ملك الموصل سنحاريب) 5 ( وجنوده، وقيل: )بختنصر( ملك بابل
وجنوده) 6 .)
وقال بعض العلماء المعاصرين أن المرّة الأولى في إفساد بني إس ا رئيل كانت في عهد النبوة
بعد بعثة محمد ، وهم يهود المدينة والجزيرة العربية، وافسادهم هو كيدهم وبغيهم على رسول الله
1 . )219 / ( تفسير القرآن، السمعاني، ) 0
2 .)05/ 055 (، أيضاً: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 0 / ( انظر: جامع البيان في تأويل القرآن، الطب ري، ) 19
3 . )216/ ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 13
4 . )2231/ ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 6
5 188 ق.م(: ملك آشور، ابن سرجون الثاني، قضى أيام ملكه محاولا تثبيت دعائم - ( سنحاريب ) 735
الإمب ا رطورية، قام بست حملات عسكرية ضد الكلدانيين والآ ا رميين والعيلاميين والمصريين، حاصر بابل ثم دمرها
بعد أن سقطت في يده عام 491 ق.م، ثم أخمد ثورة قامت ضده في فلسطين بتأييد من مصر، وأسقط ست اً وأربعين
10 ( بتصرف [ . - / مدينة لم تكن القدس من بينها، وسبى عدد اً كبي ا رً من الأسرى ] موسوعة اليهود، المسيري، ) 6
6 .)05/ ( انظر: تفسير القرآن العظيم، ابن كثير، ) 0
513
وأصحابه، وأنّ العباد المسلّطون عليهم بالتالي هم المسلمون آنذاك، وأما الإفسادة الثانية فهي ما
يقومون به اليوم من طغيان وعلو وانتهاك للمحرّمات وسفك للدماء وغيرها) 1 . )
غير أن الشيخ د. يوسف القرضاوي) 2 ( استبعد هذا القول وضعّفه، وذكر في ذلك أسباباً،
وخلص إلى أنّ الإفسادتين قد وقعتا بالفعل، ونقل إجماع المفسّرين القدامى على ذلك، و أ رى بأنّ
( ) يهود اليوم إنما يقعون تحت القانون الإلهي }وَإِنْ عُدْتُمْ عُدْنا{ )الإسراء/ 9 3 . )
وبما أنّ الخلاف في التفسير قد وقع بين الأقدمين والمتأخرين؛ فلا سبيل في فهم –
الباحث إلى الجزم بم ا رد الله - في إفسادتي بني إس ا رئيل، لكنّ الثابت المقطوع به هو أنّ الله
توعّدهم بإعادة الكرة عليهم في كلِّ مرّة يعودون فيها إلى الإفساد، وهذا يعني أنّهم في إفسادهم في
الأرض المقدّسة واقعون لا محالة تحت سيف غضب الله وتسليطه عباده عليهم، حتي يأتي
وعد الله بتتبيرهم النهائي.
انتصار المسلمين عل اليهود رخر الزمان :
إنّ إفساد اليهود وطغيانهم قد جلب عليهم ما لا يطيقه بشر، فقد كتب عليهم الملك العدل
عذاباً دنيوياً متواصلاً إلى يوم الدّ ين، فضلاً عن العذاب الأشد والأنكى يوم الحساب، إذ قال :
. ) }وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ { )الأعراف/ 149
1 . )1132/ 1603 ه/ 2331 م، ) 2 ، ( انظر: فقه الجهاد، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة/القاهرة، ط 1
2 1124 م، ونشأ فيها، حفظ القرآن /1/ ( يوسف القرضاوي: يوسف عبد الله علي القرضاوي، ولد في مصر بتاريخ 1
الكريم وجوّده وهو دون العاشرة، أتم تعليمه في الأزهر الشريف، اشتغل بالدعوة منذ فجر شبابه، وشارك في الحركة
الإسلامية، وأوذي في سبيلها كثي ا رً، وهو علمٌ من أعلام العصر الحديث، علماً ودعوة وفقهاً، وهو رئيس الاتحاد
العالمي لعلماء المسلمين ] موقع القرضاوي: تحت عوان: نبذة عن القرضاوي، ا ربط: www.qaradawi.net ،
2310 م بتصرف[ . - /34/ بتاريخ 29
3 - . )1136 1130/ ( انظر: فقه الجهاد، القرضاوي، ) 2
514
وزيادةً في بيان آيات التتبير وتسليط الله عباده على اليهود آخر الأمر، فإنّ البشارة
جاءت في الشطر الثاني من الوحي الإلهي، على لسان الصادق المصدوق الذي بيّن نتيجة
المعركة النهائية بين المسلمين واليهود في هذه الأرض.
جاء عن ابن عمر أنّ رسول الله قال: ) تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ ، حَتَّى يَقُولَ
الْحَجَرُ : يَا مُسْلِمُ ، هَذَا يَهُودِيٌّ و اَ رئِي فَاقْتُلْهُ ( ) 1 . )
قال ابن حجر: "وفي الحديث: ظهور الآيات قرب قيام الساعة، من كلام الجماد من شجرة
وحجر، وظاهره أنّ ذلك ينطق حقيقة ، ويحتمل المجاز؛ بأن يكون الم ا رد أنهم لا يفيدهم الاختباء،
والأ ول أولى، وفيه: أن الإسلام يبقى إلى يوم القيامة، وفي قوله : )تقاتلكم اليهود(، جواز مخاطبة
الشخص والم ا رد من هو منه بسبيل؛ لأنّ الخطاب كان للصحابة، والم ا رد مَ ن يأتي بعدهم بدهرٍ
طويل، لكن لما كانوا مشتركين معهم في أصل الإيمان، ناسب أن يخاطبوا بذلك الحديث" ) 2 . )
وفي رواية عن أبي هريرة تصريحٌ بأنّ هذه المعركة من أما ا رت الساعة، إذ قال رسول الله
: ) لَ تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المسْلِمُونَ الْيَهُودَ ، فيَقْتُلُهُمُ الْمسْلِمُونَ، حَتَّى يَخْتَبِئ اليهُودِيُّ
مِنْ وَ اَ رءِ الْحَجَرِ وَالشَّجَر، فَيَقُولُ الحجَرُ، أوِ الشَّجَرُ : يَا مُسْلِمُ، يَا عبد اللهِ، هَذَا يَهُودِيٌّ خَلْفِي،
فَتَعَالَ فَاقْتُلْهُ، إِل الْغَرْقَدَ ) 3 (؛ فَإِنَّهُ مِنْ شَجَرِ الْيَهُودِ ( ) 4 .)
وفهِم الباحث من هذا الحديث النبوي أمو ا رً: الأول: أنّ هذا الحديث العظيم يفسّر جانباً من
جوانب إعادة الكرّة على اليهود، والواردة في فواتح الإس ا رء، ا ولثاني: أنّ هذا الحديث ليس دعوة
للانتظار حتى يأذن الله بدنوّ الساعة وقتال اليهود، بل هو من أما ا رت النبوة، )لذلك وضعه
البخاري رحمه الله في باب علامات النبوة(، فصورة المعركة النهائية ستكون على هذا النحو، - –
1 . ) ( صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، برقم: 0510 ، )ص 606
2 . )413/ ( فتح الباري، ابن حجر، ) 4
3 ( الغرقد: نوع من شجر الشوك معروف ببلاد بيت المقدس، وهناك يكون قتل الدجال واليهود، وقال أبو حنيفة
. ] )65/ الدينو ري: إذا عظمت العوسجة صارت غرقدة ] صحيح مسلم بشرح النووي، ) 19
4 ( صحيح مسلم، كتاب الفتن وأش ا رط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون
. ) مكان الميت من البلاء، برقم: 2122 ، )ص 1621
515
ولكن قد يسبقها معارك وملاحم أخرى، كما هو حاصل بالفعل عبر التاريخ إلى يومنا هذا، والثالث:
في هذا الحديث تحريضٌ للمؤمنين على قتال اليهود المفسدين، إذ لا يجلبُ معيّةَ الله إلا العمل
والجهاد، لا القعود والتخلف عن مقارعة يهود.
سة موطن الخلافة قبيل الساعة:
ّ
الأرض المقد
إنّ عودة الخلافة على منهاج النبوّة الأولى هي بشرى رسول الله لهذه الأمّة، وهي
واقعة ل محالة، لقوله : ) تَكُونُ النُّبُوَّة فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا،
ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَ ة عَلَى مِنْهَاجِ النُّبُوَّةِ ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَرْفَعَهَا،
ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا عَاضًّا، فَيَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ يَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ مُلْكًا
جَبْرِيَّةً ، فَتَكُونُ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ تَكُونُ خِلَافَةً عَلَى مِنْهَاجِ
نُبُوَّةٍ () 1 .)
وقد أخبر نبينا الصادق المصدوق بأنّ أرضنا المقدّسة ستكون مرك ا زً للخلافة في آخر
الزمان، وبعدها سيقع في الأرض إرهاصات الساعة الأخيرة .
فقد جاء عن عبد الله بن حوالة محدّثاً عن النبي : )... ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ عَلَى أَْ رسِي أَوْ
هَامَتِي فَقَالَ : " يَا ابْنَ حَوَالَة ، إِذَا أَ رَيْتَ الْخِلَافَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ، فَقَدْ دَنَتْ الزََّلزِلُ وَالْبَلَايَا
وَالْأُمُورُ الْعِظَامُ ، وَالسَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ أَقْرَبُ إِلَى النَّاسِ مِنْ يَديْ هَذِهِ مِنْ أَ رْسِكَ " () 2 . )
وفيه تصريحٌ بأنّ الخلافة تقوم في الأرض المقدّسة قبل قيام الساعة بفترة ليست بالكبيرة،
وهذه من البشا ا رت النبوية العظيمة، والله أعلم.
1 ، 055 ( ، وصححه الألباني ] السلسلة الصحيحة، برقم: 5 /03( ، ( مسند أحمد، مسند الكوفيين، برقم: 19634
. ] )06/1(
2 151 (، المستدرك على الصحيحين، كتاب الفتن /09( ، ( مسند أحمد، حديث عبد الله بن حواله، برقم: 22699
691 (، وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرّجاه، وصححه الألباني /6( ، والملاحم، برقم: 9031
- . ] )1216 1210/2( ، ]صحيح الجامع، برقم: 9909
516
سة والعلامات الكبرى:
ّ
الأرض المقد
ارتبطت الأرض المقدّسة خصوصاً، وأرض الشام عموماً بالعلامات الكبرى للساعة،
وجاءت الكثير من الأحاديث موحية ب ا ربطة وثيقة بين هذه الأرض وبين نهاية العالم، وهي أي –
الأحاديث يصدّق بعضها بعضاً، ويفسّر بعضها بعضاً، وما يستخلصه المستعرض لأحاديث -
الفتن والملاحم وأما ا رت القيامة هو أنّ الأرض المقدّسة وما حولها لها شأن خطير وعظيم في آخر
الزمان.
وقد سُبقت العلامات الكبرى بعلامة صغرى، وهي: فتح بيت المقدس، إذ بيّن الرسول الكريم
أنّ فتحه من علامات الساعة فقال : ) اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ
الْمَقْدِسِ ... الحديث( ) 1 . )
ومن الأحداث الكبرى والملاحم التي تعدّ من علامات الساعة الكبرى، معركة كبيرة تدور
رحاها على أرض الشام، بين المسلمين والغرب، مصداقاً لحديث رسول الله : ) ل تَقُومُ السَّاعَةُ
حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بدَابِقَ ) 2 ( فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْشٌ مِنَ الْمَدِينَةِ مِنْ خِيَارِ أَهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ
فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ، فَيَقُولُ الْمُسْلِمُونَ : لا وَاللَّهِ لا نُخَلِّى
بيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا، فَيُقَاتِلُونَهُمْ ، فَيَنْهَزِمُ ثُلُ ث ل يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا، وَيُقْتَلُ ثُلُثُهُمْ أَفْضَلُ الشُّهَدَاءِ
عِنْدَ اللَّهِ، وَيَفْتَتِحُ الثُّلُثُ ل يُفْتَنُونَ أَبَدًا، فَيَفْتَتِحُونَ قُسْطُنْطِينِيَّة ، فَبَيْنَمَا هُمْ يَقْتَسِمُونَ الْغَنَائِمَ قَدْ عَلَّقُوا
سُيُوفَهُمْ بِالزَّيْتُونِ ، إِذْ صَاحَ فِيهِمُ الشَّيْطَانُ : إِنَّ الْمَسِيحَ قَدْ خَلَفَكُمْ في أَهْلِيكُمْ ، فَيَخْرُجُونَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ،
فَإِذَا جَاءُوا الشَّأْمَ خَرَجَ ، فَبَيْنَمَا هُمْ يُعِ دُّونَ لِلْقِتَالِ يُسَوُّونَ الصُّفُوفَ إِذْ أُقِيمَتِ الصَّلاَة ، فَيَنْزِلُ
1 ( صحيح البخاري، كتاب الجزية والموادعة، باب "ما يحذر من الغدر وقوله الله : }وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ
. ) اللّهُ {)الأنفال/ 42 ("، برقم: 0194 ، )ص 095
2 . ] )21/ ( الأعماق ودابق: هما موضعان بالشام، بقرب حلب ] صحيح مسلم بشرح النووي، ) 19
517
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ ، فَأَمَّهُمْ ، فَإِذَا رَآ هُ عَدُوُّ اللَّهِ ذَابَ كَمَا يَذُوبُ الْمِلْحُ فِى الْمَاءِ ، فَلَوْ تَرَكَه لاَنْذَابَ حَتَّى
يَهْلِكَ ، وَلَكِنْ يَقْتُلُه اللَّه بِيَدِ ه، فَيُرِيهِمْ دَمَه فِى حَرْبَتِهِ ( ) 1 . )
وهذا الحديث يجمع بين المعركة الكبرى بين الروم والمسلمين على أرض الشام، وخروج
الدجّال، ونزول عيسى ابن مريم .
وفي الحديث فوائد جمّة و إشا ا رت وتوجيهات لزمن الملحمة الكبرى، من أهمّها فيما فهِم -
الباحث: أنّ ملاحم آخر الزمان يلزمها الإعداد العقائدي والثبات الذي لا سبيل معه إلى ت ا رجع أمام
أعداء الله، وهذا واضحٌ من قوله: )فَيَنْهَزِمُ ثُلُ ث ل يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ أَبَدًا(، ومنها: أنّ معارك آخر
الزمان تتميّز بالحشد والاصطفاف والتحالفات، وهذا مفهوم من قوله: )فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْ ش مِنَ
الْمَدِينَةِ ... فَإِذَا تَصَافُّوا قَالَتِ الرُّومُ خَلُّوا بَيْنَنَا وَبَيْنَ الَّذِينَ سَبَوْا مِنَّا نُقَاتِلْهُمْ ... ل وَاللَّهِ ل نُخَل ى
بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِخْوَانِنَا(، ومنها: التحذير من الفتن العظيمة غير المعهودة، كخروج الدجال.
" و يتوجّه عيسى بعد نزوله إلى بيت المقدس في الأرض المقدّسة المباركة - - –
لأن الملاحم كلّها ستكون في هذه الأرض في قلب بلاد الشام يتوجه إلى بيت المقدس للدجّال -
ليقتله، وهناك يلتحم مع الطائفة المنصورة التي استعدّت لقتال الدجّ ال") 2 .)
فيقتل عيسى الدجّال في الأرض المقدّسة، وقد حددّ نبينا مكان قتل الدجّال، إذ جاء
في الحديث: ) ... فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ ) 3 ( فَيَقْتُلُه ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ قَدْ عَصَمَهُمُ
اللَّه مِنْه ، فَيَمْسَحُ عَ نْ وُجُوهِهِمْ ، وَيُحَدِّثُهُمْ بِدَرَجَاتِهِمْ فِى الْجَنَّةِ ، فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ ، إِذْ أَوْحَى اللَّه إِلَى
عِيسَى: إِ ني قَدْ أَخْرَجْتُ عِبَادًا لِي، لا يَدَانِ لأَحَدٍ بِقِتَالِهِمْ ، فَحَرِّزْ عبادِ ي إِلَى الطُّورِ ، وَيَبْعَثُ اللَّه 1 ( صحيح مسلم، كتاب الفتن وأش ا رط الساعة، باب "في فتح القسطنطينية وخروج الدجال ونزول عيسى ابن مريم"،
. ) برقم: 2919 ، )ص 1619
2 ، 1629 ه/ 2339 م، )ص 651 ، ( أحداث النهاية ونهاية العالم، الشيخ محمد حسان، مكتبة فياض/مصر، ط 1
645 ( بتصرف . -
3 . ] )49/ ( باب لد: بلدة قريبة من بيت المقدس ] صحيح مسلم بشرح النووي، ) 19
518
يَأْجُ وجَ وَمَأْجُوجَ، وَهُمْ مِنْ كُ ل حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، فَيَمُرُّ أَوَائِلُهُمْ عَلَى بُحَيْرَةِ طَبَرِيَّةَ ) 1 (، فَيَشْرَبُونَ مَا
فِيهَا، وَيَمُرُّ آخِرُهُمْ فَيَقُولُونَ : لَقَدْ كَانَ بِهَذِ ه مَرَّ ةً مَاءٌ ! ... الحديث() 2 . )
وفي هذا الحديث أيضاً طرفٌ من خبر قوم يأجوج ومأجوج الذين أخبر عنهم الله في
كتابه: }حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ {)الأنبياء/ 14 ( ، فبيّن الحديث أيضاً
أنّهم سيمرّون بالأرض المقدّسة وسيكون لهم فيها إفساد.
واذا ربطتَ نزول عيسى بالطائفة المنصورة التي أخبر عنها رسول الله في الأرض
المقدّسة وبلاد الشام، ستجد أنّه ينزل ولا شكّ في زمن تلك الطائفة الم ا ربطة المتمسكة بشريعة
الإسلام على الأرض المقدّسة، وسينزل حاكماً بهذه الشريعة الغ ا رء.
قال : ) لا تَ اَ زلُ طَائِفَة مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، قال: فَيَنْزِلُ
عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَ ل لَنَا، فَيَقُولُ ل ، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَ اَ رءُ ، تَكْرِمَة اللَّهِ هَذِ ه الأُمَّة ( ) 3 . )
وفي حديث أبي هريرة ، أنّه قال: ) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِ ه، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ
مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ الصَّلِيبَ وَيَقْتُلَ الْخِنْزِيرَ وَيَضَع الْجِزْيَةَ وَيَفِيضَ الْمَالُ حَتَّى لَ يَقْبَلَهُ
أَحَ د( ) 4 . )
بل إنّ زمن عيسى هو الزمن الذهبي الأخير لدين الإسلام على أرض الله ، فهو زمن
سيادة تامة لدين الإسلام، وزمن أمن مطلق وعيش رغيد، فقد جاء في الصحيح وصفٌ لزمن نزول
1 ( بحيرة طبرية: هي كالبركة، تحيط بها الجبال ويصبّ فيها فضلات أنهر كثيرة تجيء من جهة بانياس والساحل
والأردنّ الأكبر، وينفصل منها نهر عظيم فيسقي أرض الأردن الأصغر، وهو بلاد الغور، ومدينة طبرية في لحف
052 ( بتصرف يسير [ . - / الجبل مشرفة على البحيرة ] معجم البلدان، الحموي، ) 1
2 . ) ( صحيح مسلم، كتاب الفتن وأش ا رط الساعة، باب ذكر الدجال وصفته وما معه، برقم: 2109 ، )ص 1609
3 ( صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب "بيان نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد ، "، برقم: 154
. ) )ص 16
4 ( متفق عليه: البخاري، كتاب البيوع، باب قتل الخنزير، برقم: 2222 ، )ص 241 (، مسلم، كتاب الإيمان، باب
"نزول عيسى ابن مريم حاكماً بشريعة نبينا محمد . ) "، برقم: 155 ، )ص 10
519
المسيح ، جاء فيه: ) وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ الله فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّ الْإِسْلَامَ،
وَيُهْلِكُ الله فِي زَمَانِهِ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، ثُمَّ تَقَع الْأَمَنَة عَلَى الْأَرْضِ حَتَّى تَرْتَع الْأُسُودُ مَع الْإِبِلِ،
وَالنِّمَارُ مَع الْبَقَرِ، وَالذِّئَابُ مَع الْغَنَمِ، وَيَلْعَبَ الصِّبْيَانُ بِالْحَيَّاتِ، لَا تَضُرُّهُمْ، فَيَمْكُثُ أَرْبَعِينَ سَنَةً، ثُمَّ
يُتَوَفَّى، وَيُصَل ي عَلَيْهِ الْمُسْلِمُونَ ( ) 1 . )
أرض المحشر والمنشر:
قال القرطبي: " الحشرُ الجمع؛ وهو على أربعة أوجه: حش ا رن في الدنيا وحش ا رن في الآخرة؛
أما الذي في الدنيا فقوله : }هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِياَرِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ {
)الحشر/ 2(، قال الزهري: كانوا من سبط لم يصبهم جلاء، وكان الله قد كتب عليهم الجلاء؛
فلولا ذلك لعذبهم في الدنيا، وكان أول حشر حشروا في الدنيا إلى الشام، قال ابن عباس: من شك
أن الحشر في الشام فليق أ ر هذه الآية، وأن النبي قال لهم: )اخرجوا( قالوا: إلى أين؟ قال: )إلى
أرض المحشر(، قال قتادة: هذا أول المحشر، قال ابن عباس: هم أول من حشر من أهل الكتاب
وأخرج من دياره ... وأما الحشر الثاني: فحشرهم قرب القيامة، قال قتادة: تأتي نارٌ تحشر الناس
من المشرق إلى المغرب، تبيت معهم حيث باتوا، وتقيل معهم حيث قالوا، وتأكل منهم من تخلف،
وهذا ثابت في الصحيح" ) 2 . )
وجاء في تفسير هذه الآية بالسنّة: " وقوله: }لِأَوَّلِ الْحَشْرِ {، يعنى: الشام، الذى جلا أكثرهم
إليه؛ لأ نه روى في الحديث أنه تجيء نارٌ تحشر الناس إلى الشام، ولذلك؛ قيل في الشام أنها
أرض المحشر" ) 3 . )
1 156 (، وصححه الألباني ] السلسلة /15( ، ( مسند أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، أبو هريرة، برقم: 1293
. ] )216/5( ، الصحيحة، برقم: 2192
2 0 2 ( بتصرف يسير . - - / ( الجامع لأحكام القرآن، القرطبي، ) 19
3 ( شرح صحيح البخاري، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي، تحقيق: أبو تميم
.)050/ 1620 ه/ 2330 م، ) 4 ، ياسر بن إب ا رهيم، مكتبة الرشد/الرياض، ط 2
531
وقد صحّ في الحديث عَنْ أَبِي ذَرٍّ أنّه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : )الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ
وَالْمَنْشَرِ ( ) 1 . )
وقد صحّ عنه إخباره بنارٍ تحشر الناس إلى جهة الشام والأرض المقدّسة، فقال ...( :
أَمَّا أَوَّلُ أَشْ اَ رطِ السَّاعَةِ فَنَا ر تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ...( ) 2 . )
وجاء عنْ أبي هُرَيْرَ ةَ ، عنِ النبيِّ قال: ) يُحْشَرُ النَّاسُ عَلى ثَلاَث ط ا رئِقَ ، ا رغِبِينَ
و ا رهِبِينَ ، واثْنان عَلى بَعيرٍ ، وثَلا ثَ ة عَلى بَعِيرٍ ، وأرْبَعَ ة عَلى بَعِيرٍ ، وعَشَرَة عَلَى بَعِيرٍ، ويَحْشِرُ
بَقِيَّتَهُمُ النَّارُ ، تَقِيلُ مَعَهُمْ حَيْثُ قالُوا، وتَبِيتُ مَعَهُمْ حَيْثُ باتُوا، وتُصْبِحُ مَعَهُمْ حَيْثُ أصْبَحُوا،
وتُمْسِي مَعَهُمْ حَيْثُ أمْسَوْا( ) 3 . )
جاء في عمدة القاري: " قالوا: هذا الحشر في آخر الدنيا قبيل القيامة، كما يجيء في
الحديث الذي بعده: ) إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللهِ حُفَاة عُ اَ رة مُشَاة غُرًْل() 4 (، ولما فيه من ذكر المساء
والصباح، ولانتقال النار معهم، وهي نار تحشر الناس من المشرق إلى المغرب... هذا الحشر قبيل
قيام الساعة، يحشر الناس أحياء إلى الشام، وأما الحشر من القبور إلى الموقف فهو على خلاف
هذه الصورة من الركوب على الإبل والتعاقب عليها" ) 5 . )
وقد جاء التصريح بتوجيه رسول الله المؤمنين بلزوم الشام في وقت خروج هذه النار
الحاشرة للناس، إذ جاء عن ابن عمر ، قال: سمعت رَسُول اللَّه يقول: )سَتَخْرُجُ نَار مِنْ
1 ( مسند الب ا زر = البحر الزخّار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد الله العتكي المعروف
بالب ا زر، تحقيق: محف وظ الرحمن زين الله وَ عادل بن سعد وَ صبري عبد الخالق الشافعي، مكتبة العلوم
092 (، وصحّحه /1( ، 1199 م حتى 2331 م(، مسند أبي ذر الغفاري، برقم: 0145 ( ، والحكم/المدينة المنورة، ط 1
. ] )410/1( ، الألباني ] صحيح الجامع، برقم: 0924
2 .) ( صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب خلق آدم صلوات الله عليه وذرّيته، برقم: 0021 ، )ص 631
3 ( متفق عليه: صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف الحشر، برقم: 4522 ، )ص 992 (، صحيح مسلم،
.) كتاب الجنّة وصفة نعيمها وأهلها، باب فناء الدنيا وبيان الحشر يوم القيامة، برقم: 2941 ، )ص 1632
4 .) ( صحيح البخاري، كتاب الرقاق، باب كيف الحشر، برقم: 4526 ، )ص 992
5 ( عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء الت ا رث العربي/بيروت، ط
135 ( بتصرف . - - 136/ )بدون(، )بدون تاريخ(، ) 20
530
حَضْرَمَوْت) 1 ( أَوْ بِحَضْرَمَوْت قَبْل يَوْم الْقِيَامَة تَحْشُر النَّاس، قُلْنَا: يَا رَسُول اللَّه، فَمَا تَأْمُرنَا؟ - -
قَالَ : عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ () 2 .)
" )تَحْشُر النَّاس(، أي: تجمعهم النارُ وتس وقهم على ما في النهاية، )فَمَا تَأْمُرنَا؟(، أي: في
ذلك الوقت )قَالَ : عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ (، أي: خذوا طريقها والزموا فريقها؛ فإنها سالمة من وصول النار
الحسّ ية أو الحُ كمية إليها حينئذ، لحفظ ملائكة الرحمة إ يّاها " ) 3 . )
وهاك حديث عَبد اللَّه بنِ عم رو ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ : ) إِ ني أَ رَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ
انْتُزِع مِنْ تَحْتِ وِسَادَتِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ نُو ر سَاطِع عُمِدَ بِهِ إِلَى الشَّامِ، أَلَ واِنَّ الْإِيمَانَ
إِذَا وَقَعَتِ الْفِتَنُ بِالشَّامِ () 4 . )
فيا لها من ك ا رمةٍ، وشهادة فخرٍ من نبي العالمين لأرض الشام المباركة، إذ هي موطن
الإيمان وملاذ المؤمنين إذا وقعت الفتن والملاحم في آخر الزمان، وهي محطّ الأنظار وبؤرة
الص ا رع التي لن يستقرّ فيها حال حتى يسودها الإسلام وتدخل في كنف عباد الله المنصورين،
وأين هذه المكانة القدسية التي أصلها وفرعها توحيد الله والعبودية له واقامة حكمه وتطبيق -
شرعه من أساطير اليهود في )ماشيّحهم( المنتظر، أو النصارى في إلههم المزعوم؟! -
1 ( حَضرَمَوت: هو اسم موضع واسم قبيلة، وحضرموت: ناحية واسعة في شرقي عدن بقرب البحر، وحولها رمال
كثيرة تعرف بالأحقاف، وبها قبر هود / ] معجم البلدان، الحموي، ) 2 270 ( بتصرف يسير [ . -
2 105 (، سنن الترمذي، أبواب الفتن، باب "ما /9( ، ( مسند أحمد، مسند المكثرين من الصحابة، برقم: 6504
619 (، وقال الترمذي: وهذا حديث حسن /6( ، جاء: لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من قبل الحجاز"، برقم: 2219
. ] )404/4( ، صحيح، وصححه الألباني ] السلسلة الصحيحة، برقم: 2949
3 ( تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم المباركفو ري، تحقيق: عبد
. )646/ 1090 ه/ 1140 م، ) 4 ، الوهاب بن عبد اللطيف، المكتبة السلفية/المدينة المنورة، ط 2
4 555 (، قال الحاكم: /6( ، ( المستدرك على الصحيحين )بتعليقات الذهبي(، كتاب الفتن والملاحم، برقم: 9556
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين ولم يخرّجاه، ووافقه الذهبي، و صححه الألباني ] تخريج أحاديث فضائل
، الشام لأبي الحسن علي بن محمد الربعي، محمد ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف/الرياض، ط 1
. ] ) 1623 ه/ 2333 م، )ص 12
531
خلاصة المطلب:
أولً: ارتبطت الأرض المقدّسة بنهاية العالم وقيام الساعة والوعد الحقّ، فهي مسرح المشهد
الأخير في الكون، قبل فصل القضاء والحشر إلى ربّ العباد .
ثانياً: إنّ الطائفة المنصورة التي يهيئها الله للقيام بأمره والجهاد في سبيله في الملاحم
الكبرى في الأرض المقدّسة هي قطعاً طائفة المسلمين، التي يلتحم بها عيسى ، ويأتي ملتزماً
بشرعتها أي الإسلام وتكون وقتئذ السيادة على الأرض لدين الله - – ، لا لأي دين أرضي.
ثالثاً: إنّ أخبار الملاحم والفتن في الأرض المقدّسة ينبغي أن تدفع المسلمين إلى العمل في
سبيل الله ، والاستعلاء على الباطل، والإعداد والاستعداد ليوم الملحمة، والاستعادة بالله من الفتن
العظيمة، والاتّصاف بصفات الفئة المنصورة الظاهرة على أمر الله .
ا ربعاً: إنّ أحداث آخر الزمان تنطوي على البشارة والتخويف معاً، وهذا ينسجم مع طبيعة
رسالة الإسلام،} أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ {)يونس/ 2(، فمع كون هذه الآيات والأحداث مبشّرة
بمستقبل الإسلام، فهي تدعو إلى الاستمساك بحبل الدين والثبات عند الفتن والا فإنّ )الْأَرْضَ لَ
تُقَ دسُ أَحَدًا واِنَّمَا يُقَ دسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ( ) 1 . )
1 ، ( الموطأ، مالك بن أنس، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة ا زيد بن سلطان آل نهيان/ الإما ا رت، ط 1
. )1119/9( ، 1625 ه/ 2336 م، كتاب الأقضية، باب جامع القضاء وك ا رهيته، برقم: 2962
533
المبحث الثالث:
رثار عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة
ويتضمن أربعة مطالب:
المطلب الأول: الفتح الإسلامي للأرض
ّ
المقدسة
المطلب الثاني: وقفي
ّ
ة فلسطين في الإسلام
المطلب الثالث: وجوب الجهاد لاسترداد الأرض
ّ
المقدسة
المطلب الرابع: حكم الإسلام في التفريط بشيء من
الأرض
ّ
المقدسة
534
المطلب الأول
سة
ّ
الفتح الإسلامي للأرض المقد
إنّ الفتح الإسلامي للأرض المقدّسة كان من الثمار الأولى لعقيدة المسلمين في أرض
فلسطين، فقد أخذ الصحابة رضوان الله عليهم ينزلون هذا الاعتقاد منزلته على الأرض، فلم - -
يعد مقبولاً عند الصحابة بعد الإس ا رء والمع ا رج، وبعد وصية رسول الله ، أن يتركوا مي ا رث الأنبياء
في الأرض المقدّسة بيد النصارى والوثنيين من الرومان، أو في يد أ ية ملّة أخرى لا تدين لله
بالتوحيد الخالص.
وبدأت كما سلف محاولات واستعدادات فتح الأرض المقدّسة منذ عهد رسول الله - - ، ثم
في عهد خليفته الصدّيق ، وتمّت المنّة والنعمة في عهد فاروق الأمة .
وكانّ من أبرز الوقائع التي كتبت تاريخاً جديداً لهذه الأرض، معركة أجنادين، ومعركة
اليرموك، والفتح العمري للقدس، وفيما يلي إيجاز لهذه الأحداث ونتائجها:
بدايات الفتح:
بعد انتهاء أبي بكر من حروب الردّة، اتّجه نحو الشام فو ا رً، فعقد ثلاثة ألوية لثلاثة رجالٍ
هم: يزيد بن أبي سفيان) 1 ) ، وشرحبيل بن حسنة) 2 ) ، وعمرو بن العاص ، وأمر أبو بكرٍ
عَم ا رً أن يتوجّه إلى فلسطين مباشرةً، ويزيد اً وشرحبيل أن يأخذا طريق تبوك، وكان مع كل أمير
1 ( يزيد بن أبي سفيان: بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف ، كان أفضل بني أبي سفيان، كان
يقال له يزيد الخير، أسلم يوم فتح مكة، وشهد حنينا، وأعطاه رسول الله من غنائم حنين مائة بعير وأربعين
أوقية، واستعمله الصديق ، وأوصاه وخرج يشيعه ا رجلا ، قيل مات في طاعون عمواس سنة 19 ه، وقيل سنة
1594 ( بتصرف [ . - - 1595/ 11 ه بعد أن افتتح قيسارية ] الاستيعاب، ابن عبد البر، ) 6
2 ( شرحبيل بن حسنة: وهو شرحبيل بن عبد الله بن المطاع بن عبد الله ، من كندة، حليف لبني زهرة، نسب
إلى أمه حسنة، وكانت مولاة لمعمر بن حبيب بن وهب بن حذافة بن جمح، كان شرحبيل من مهاجرة الحبشة،
معدود في وجوه قريش، وكان أمي ا رً على ربع من أرباع الشام في الفتح، توفي في طاعون عمواس سنة 19 ه، وهو
411 ( بتصرف [ . - - 419/ ابن سبع وستين سنة ] الاستيعاب، ابن عبد البر، ) 2
535
منهم سبعة آلاف وخمسمائة رجل، ثم تمّ جمعهم بعد ذلك أربعة وعش رين ألف اً، وولّى أبو بكر عم ا رً
فلسطين، وشرحبيل الأردن، ويزيد دمشق) 1 . )
ولعلّ من أعظم ما وقف عليه الباحث من قوة الدافع لدى الصحابة رضوان الله عليهم - -
ورغبتهم في إنجاز ما همّ به رسول الله من فتح الأرض المقدّسة، ما أورده الطبري في تاريخه،
من رسائل بين الخليفة أبي بكر وعمرو بن العاص ، جاء في إحداها من عمرو إلى الخليفة:
) إِ ني سَهْ م مِنْ سِهَامِ الإِسْلامِ، وَأَنْتَ بَعْدَ اللَّهِ ال اَّ رمِي بِهَا، وَالْجَامِع لَهَا، فَانْظُرْ أَشَدَّهَا وَأَخْشَاهَا
وَأَفْضَلَهَا فَارْمِ بِهِ شَيْئًا إِنْ جَاءَكَ مِنْ نَاحِيَةٍ مِنَ النَّوَاحِي( ) 2 . )
وتتجلى أخلاق الإسلام وعظمته في وصية الصدّيق لجيشه عند خروجه إلى الشام، فعَنِ
ابْنِ عُمَرَ ، قَالَ: ) بَعَثَ أَبُو بَكْرٍ يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ إِلَى الشَّامِ ، وَمَشَى مَعَهُمْ نحو اً من مِيلَيْنِ،
فَقِيلَ : يَا خَلِيفَة رَسُولِ اللَّهِ، لَوِ انْصَرَ فتَ، فَقَالَ : لا، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : " مَنْ أُغْبِرَتْ
قَدَمَاه فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَى النَّارِ ) 3 ("، ثُمَّ بَدَا لَه الانْصِ اَ رفُ، فَقَامَ فِي الْجَيْشِ، فَقَالَ :
أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللَّهِ، ل تَعْصُوا، ول تَغُلُّوا، وَل تَجْبُنُوا، وَل تَهْدِمُوا بَيْعَةً، وَل تُعْرِقُوا نَخْلا، وَل تَحْرُقُوا
زَرْعًا، وَل تَقْطَعُوا شَجَرَة مُثْمِرَةً، وَل تَقْتُلُوا شَيْخًا كَبِي اً ر وَل صَبِيًّا صَغِي اً ر، وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا حَبَسُوا
أَنْفُسَهُمْ لِلَّذِي حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَه ، فَذَرُوهُمْ وَمَا حَبَسُوا أَنْفُسَهُمْ لَهُ، وَسَتَرِدُونَ بَلَدًا يَغْدُو عَلَيْكُمْ وَيَرُوحُ فِيهِ
أَلْوَانُ الطَّعَامِ ، فَلا يَأْتِيكُمْ لَوْنٌ إِلا ذَكَرْتُمُ اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهِ () 4 . )
فأين هذه التعليمات الإسلامية ال ا رقية من تعليمات التو ا رة المزعومة، والتلمود المصنوع، والتي
تأمر بذبح كل ما نفخ فيه الروح!
1 . )295/ ( انظر: الخ ا رج وصناعة الكتابة، قدامة بن جعفر، ) 1
2 .)091/ ( تاريخ الطبري، ) 0
3 .) ( صحيح البخاري، كتاب الجهاد والسير، باب من اغبرت قدماه في سبيل الله، برقم: 2911 ، )ص 062
4 ( المنتظم في تاريخ الملوك اولأمم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: محمد
- 115/ 1612 ه/ 1112 م، ) 6 ، عبد القادر عطا وَ مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية/بيروت، ط 1
.)114
536
" ولما صار عمرو بن العاص إلى أول عمل فلسطين، كتب إلى أبي بكر ، يعلمه
كثرة عدد العدو وعدتهم، وسعة أرضهم، ونجدة مقاتلتهم؛ فكتب أبو بكر إلى خالد بن الوليد
وهو بالع ا رق يأمره بالمسير إلى الشام ") - - 1 . )
" وأول وقعة كانت بين المسلمين وعدوهم بقرية من قرى غ زّة، يقال لها داثن) 2 (، فاقتتلوا فيها
قتالا شديد اً، ثم إنّ الله أظهر أولياءه، وهزم أعداءه، وفضّ جمعهم، وذلك قبل قدوم خالد عليهم،
ثم بلغهم أنّ ستة قواد من الروم نزلوا العربة) 3 (، فسار إليهم أبو أمامة الباهلي) 4 ) في كثف
المسلمين، فهزمهم، وقتل أحد الق واد، ثم ا تّبعهم، فهزمهم، وغنم المسلمون غنم اً حسن اً، ولم يمر
المسلمون منذ فصلوا من الحجاز بشيء من الأرض إلى موضع الوقعة إلا غلبوا عليه بغير حرب
وصار في أيديهم" ) 5 . )
معركة أجنادين:
ذكر الباحث في الفصل التمهيدي أنّ هذه المعركة الهامة وقعت في منطقة أجنادين
بفلسطين، عام 10 ه بقيادة خالد بن الوليد زمن الخليفة الصدّيق .
وكانت هذه الموقعة غير مسبوقة في تاريخ الإسلام، إذ كان الانتصار فيها في فهم –
الباحث يعني الكثير بالنسبة للطرفين، المسلمين والروم. -
1 . )295/ ( الخ ا رج وصناعة الكتابة، قدامة بن جعفر، ) 1
2( داثن: ناحية قرب غزّة بأعمال فلسطين بالشام، وبها أوقع المسلمون بالروم، وهي أول حرب بينهم ] معجم
. ] )619/ البلدان، الحموي، ) 2
3( العربة: موضع في أرض فلسطين بها أوقع أبو أمامة الباهلي بالروم لما بعثه يزيد بن أبي سفيان ] معجم
. ] )14/ البلدان، الحموي، ) 6
4 ( أبو أمامة الباهلي: صدي بن عجلان بن وهب، أبو أمامة الباهلي ، غلبت عليه كنيته، كان يسكن حمص،
)ت: 91 ه(، قال سفيان بن عيينة: كان أبو أمامة الباهلي آخر من بقى بالشام من أصحاب رسول الله ، كان أبو
أمامة الباهلي ممن روى عن النبي فأكثر، وروى عنه جماعة من التابعين، ] الاستيعاب، ابن عبد البر،
904/2 ( بتصرف [ . - (
5 294 ( بتصرف . - / ( الخ ا رج وصناعة الكتابة، قدامة بن جعفر، ) 1
537
لذلك فقد حشدت لها الروم زهاء مائة ألف مقاتل، فقاتلهم المسلمون قتالا شديد اً، وأبلى خَالد
يومئذ بلاءً حس نا، ثُمَّ إنّ الله هزم أعداءه ومزقهم و قُتل منهم خلق كثير، ولما انتهى خبر
هذه المعركة العظيمة إلى هرقل انخلع قلبه، وسُ قط في يده، وملئ رعب اً، فهرب من الشام) 1 . )
" وكتب خالدُ إلى أبي بكر : ) ... وانّا لقينا جموعهم بأجنادين، وقد رفعوا صلبانهم،
وتقاسموا بدينهم أن ل يفرّوا ول ينهزموا، فخرجنا إليهم واستعنّا بالله ، متوكلين على الله
خالقنا، فرزقنا الله الصبر والنصر، وكتب الله على أعدائنا القهر، فقاتلناهم في كل واد، وجملة من
أحصيناهم ممن قتل من المشركين خمسون ألفاً(، فما إن وصل كتاب خالد وق أ ره الصدّيق حتى
خرّ ساجداً لله ، وكذا فعل المسلمون في المدينة معه" ) 2 . )
ولم يستوعب الروم هذه الهزيمة المدوّية، فجمعوا جمعهم في منطقة "الياقوصة") 3 (، فلقيهم
المسلمون هناك فكشفوهم وهزموهم وقتلوا كثي ا رً منهم، ولحق فلولهم بمدن الشام، وتوفي أبو بكر
أثناء وجود المسلمين في الياقوصة) 4 .)
وكان من أبرز المعارك بعد أجنادين وقبل اليرموك وبيت المقدس معركة فتح دمشق، - -
والتي كانت من المعارك الحاسمة في تاريخ الشام، إذ اشتدّ فيها حصار المسلمين على دمشق
شهو ا رً، ودارت معارك كبيرة بينهم وبين عدوّهم من النصارى ومن عاونهم من اليهود، ثم لما أيس
الروم من النصر لجأوا إلى الصلح، فدخلها المسلمون، حرباً ثم صُلح اً) 5 . )
1 - . )119 114/ ( انظر: فتوح البلدان، البلاذري، ) 1
2 41 ( بتصرف . - - 43 / ( فتوح الشام، الواقدي، ) 1
3 ( الياقوصة = الواقوصة: واد بالشام في أرض حو ا رن نزله المسلمون أيام أبي بكر الصديق ، على اليرموك
لغزو الروم، وكان فيه انكسار عظيم للروم في معركة كبرى هلك فيها جمع غفير منهم ] معجم البلدان، الحموي،
055/5 ( بتصرف [ . - (
4 - . )119 119/ ( انظر: فتوح البلدان، البلاذري، ) 1
5 - . )91 40 / ( انظر: فتوح الشام، الواقدي، ) 1
538
معركة اليرمو ) 1 :)
في موقعة أجنادين وما قبلها وبعدها من فتوحات عظيمةٍ للمسلمين في الأرض المقدّسة، بات
وجود الروم في فلسطين على خطرٍ كبير، فحاولوا استد ا رك ما فات، فكانت موقعة اليرموك العظيمة
سنة 10 ه، التي سُجّلت كأحد أهمّ معارك المسلمين في التاريخ.
وكان أبرز قادة المعركة من المسلمين في اليرموك: أبو عبيدة بن الج ا رح، وخالد بن الوليد،
ويزيد بن أبي سفيان، وشرحبيل بن حسنة، رضي الله عنهم أجمعين) 2 .)
وكانت معركةً فاصلة، ظهرت فيها روح الجهاد واليقين بنصر الله ، فهذا معاذ بن جبل
يقف في الناس قائلاً: " يا أهل القرآن ومستحفظي الكتاب، وأنصار الهدى والحق، إن رحمة
الله لا تنال وجنته لا تدخل بالأماني، ولا يؤتي الله المغفرة والرحمة الواسعة إلا الصادق
المصدق، ألم تسمعوا لقول الله: }وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالحَِاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ {
)النور/ 55 (، فاستحيوا من ربكم أن ي ا ركم ف اّ ر ا رً من عدوكم وأنتم في قبضته، وليس لكم ملتحد من
دونه، ول عزّ بغيره" ) 3 . )
ويقف فيهم أيضاً عمرو بن العاص خطيباً، وكان مما قاله يومئذٍ: " فو الذي يرضى
الصدق ويثيب عليه، ويمقت الكذب، ويجزي بالإحسان إحسان اً، لقد سمعتُ أنّ المسلمين
سيفتحونها كَ ف ا ر كَ ف ا ر، و قَصا ر قَص ا ر، فلا يهول نكم جموعُ هم ول عددُ هم " ) 4 . )
ويكفي أنّه كان في ذلك الجمع المبارك على أرض اليرموك أكثر من ألف مجاهدٍ من
صحابة رسول الله ; منهم نحو مائة من أهل بدر) 5 .)
1 ،] )565/ ( هناك خلاف حول كون هذه المعركة قبل فتح دمشق أو بعده ] انظر: البداية والنهاية، ابن كثير، ) 1
ولا يؤثر هذا الخلاف في المقصود .
2 . )123/ ( انظر: المنتظم في تاريخ الملوم والأمم، ابن الجوزي، ) 6
3 555 ( بتصرف يسير. - / ( البداية والنهاية، ابن كثير، ) 1
4 . )555/ ( المصدر السابق، ) 1
5 . )111/ ( انظر: المنتظم في تاريخ الملوم والأمم، ابن الجوزي، ) 6
539
أما عن سير المعركة ونتيجتها، فقد " جمع هرقل جموعً ا كثيرة منَ الروم وحلفائهم، فكانوا
زهاء مائتي ألف) 1 (، وو لّى عليهم رجلا من خاصته، وعزم عَلَى محاربة المسلمين، واجتمع
المسلمون فرجعوا إليهم، فاقتتلوا عَلَى اليرموك أشدّ قتالٍ وأبرحه، وكان المسلمون يومئذ أربعة
وعشرين ألف اً، وتسلسلت الروم وأتباعهم يومئذ لئلا يطمعوا أنفسهم في الهرب، فقتل اللَّه منهم زهاء
سبعين ألف اً وهربت فلولهم ") 2 . )
وقد سجّل التاريخ بطولت عظيمة للمسلمين تفوق الوصف، ومشاهد وملاحم يعجز المرء
أمامها إلا أن يعترف بعظيم الفضل لصحابة رسول الله رضوان الله عليهم الذين فتحوا هذه - -
البلاد المباركة بدمائهم وافتدوها بأرواحهم، وقارعوا فيها أعداء الله أشدّ المقارعة، ولولا ثباتهم
وجهادهم، وسهرهم على ح ا رسة هذه الأرض لالتهمها عباد الصليب منذ فجر التاريخ الإسلامي.
إذ استشهد في يوم اليرموك من المسلمين نحو ثلاثة آلف مجاهد، فيما رواه أهل المغازي
والسير) 3 .)
وكانت أول فتح فتحه الله على عمر بعد عشرين ليلة من متوفى أبي بكر ( 4 .)
قال الواقدي) 5 ( رحمه الله بعد ذكر جملةٍ من بطولات الصحابة في فلسطين: " والله الذي - –
لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة ما اعتمدت في أخبار هذه الفتوح إلا الصدق وما نقلت أحاديثها
إلا عن ثقات، وعلى قاعدة الحق، لأثبت فضائل أصحاب رسول الله وجهادهم... إذ لولهم
1 ( ذكر الواقدي في فتوح الشام بأنّ جيوش هرقل )الخمسة( بلغت ستمائة ألف مقاتل، ورئيس هذه الجيوش جميعاً
. ] )161/ هو "ماهان" ] انظر: فتوح الشام، الواقدي، ) 1
2 109 ( بتصرف. - - 104/ ( فتوح البلدان، البلاذري، ) 1
3 545 ( بتصرف . - / ( البداية والنهاية، ابن كثير، ) 1
4 . )120/ ( المنتظم في تاريخ الملوم والأمم، ابن الجوزي، ) 6
5 ( الواقدي: محمد بن عمر بن واقد الأسلمي مولاهم، الواقدي، المديني، القاضي، )ت: 239 ه(، وهو صاحب
التصانيف والمغازي، العلامة، الإمام، أبو عبد الله، أحد أوعية العلم، على ضعفه، المتفق عليه، سمع من صغار
التابعين فمن بعدهم، بالحجاز، والشام، وغير ذلك، وقال الخطيب: هو ممن طبق ذكره شرق الأرض وغربها،
وسارت بكتبه الركبان في فنون العلم من المغازي، والسير، والطبقات، والفقه، وكان جواد اً، كريم اً، مشهو ا رً بالسخاء،
659 656 ( بتصرف [ . - - / قال محمد بن سلام الجمحي: الواقدي عالم دهره ] سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 1
541
بمشيئة الله لم تكن البلاد للمسلمين، وما انتشر علم هذا الدين، فلله درهم، لقد جاهدوا في
الله حق جهاده، ونصروا دينه، وثبتوا للقاء الأعداء، وبذلوا جهدهم، ونصروا الدّين حتى زحزحوا
الكفر عن سريره، وتقهقر ل جرم، وقد قال فيهم الملك المقتدر : }فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن
( " ) يَنتَظِرُ{ )الأحزاب/ 20 1 . )
الفتح العمري للقدس:
واستمرّت فتوحات المسلمين في فلسطين وبوتيرة متسارعة، فأتمّ الله لجنود المسلمين في
السنة الخامسة عشرة من الهجرة فتح قيسارية، وبيسان) 2 (، وغزة، وبيت المقدس، فيما ذكره
الطبري) 3 .)
" وكان في السنة الخامسة عشرة من الهجرة أنّ عمر بن الخطاب قد أمر عمرو بن
العاص بمناجزة صاحب إيلياء، فنزل على الروم وهم في حصونهم، وعليهم الأرطب ون، وكان
أدهى الروم وأبعدهم غو ا رً، وكان قد وضع بالرملة جند اً عظيم اً وبإيلياء جند اً عظيماً، وأقام عمرو
على أجنادين لا يقدر من الأرطبون على شيء، ثم أقبلوا على أجنادين، فانهزم أرطبون، فأوى
إلى إيلياء، وكتب إليه الأرطبون: لا تتعب فإ نما صاحب الفتح رجل اسمه على ثلاثة أحرف، فعلم
أنه عمر ، فكتب إليه عمرو يعلمه بأنّ الفتح يذخر له، فنادى في الناس وخرج حتى نزل
الجابية) 4 ( " ) 5 . )
1 191 ( بتصرف يسير. - / ( فتوح الشام، الواقدي، ) 1
2( بيسان: مدينة بالغور الشامي، ويقال هي لسان الأرض، وهي بين حو ا رن وفلسطين ] معجم البلدان، الحموي،
11/2 ( بتصرف [ . - (
3 - . )439 430/ ( انظر: تاريخ الطبري، ) 0
4 ( الجابية: قرية من أعمال دمشق، من ناحية الجولان، قرب مرج الصفّر في شمالي حو ا رن، وبالقرب منها تلّ
11 ( بتصرف [ . - / يسمى تلّ الجابية ] معجم البلدان، الحموي، ) 2
5 ( فضائل القدس، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق: الدكتور جب ا رئيل سليمان
. ) 1633 ه/ 1193 م، )ص 122 ، جبور، دار الآفاق الجديدة/ بيروت، ط 2
540
جاء في تاريخ الطبري: " فبينا عمر معسك ا رً بالجابية، فزع الناس إلى السلاح، فقال: ما
شأنكم؟ فقالوا: ألا ترى الخيل والسيوف! فنظر، فإذا كردوس) 1 ( يلمعون بالسيوف، فقال عمر:
مستأمنة، ولا ت ا رعوا وأمنوهم، فأمنوهم، واذا هم أهل إيلياء، فأعطوه واكتتبوا منه على إيلياء وح يزها،
والرملة) 2 ( وحيزها، فصارت فلسطين نصفين: نصف مع أهل إيلياء، ونصف مع أهل الرملة، وهم
عشر كور) 3 (، وفلسطين تعدل الشام كله ... وكان الذي صالح عمر في فلسطين العوامّ من
أهل إيلياء والرملة" ) 4 . )
وكتب لأهل بيت المقدس: " إني قد أمنتكم على دمائكم وأموالكم وذ ا رريكم وصلاتكم
وبيعكم، ولا تكلفوا فوق طاقتكم، ومن أ ا رد منكم أن يلحق لأمنه فله الأمان، وأنّ عليكم الخ ا رج كما
على مدائن فلسطين" ) 5 . )
ثمّ توجّه عمر من الجابية إلى بيت المقدس، و فُتحت إيلياء وأرضها ك لّها على يديه،
ودخل المسجد من الباب الذي دخل منه رسول الله ليلة الإس ا رء، ويقال: إنه لبى حين دخل بيت
المقدس، فصلى فيه تحية المسجد بمح ا رب داود ، وصلى بالمسلمين فيه صلاة الغداة من الغد،
فق أ ر في الأولى بسورة "ص" وسجد فيها والمسلمون معه، وفي الثانية بسورة " الإس ا رء" ) 6 .)
ثم وضع عمر حجر الأساس للمسجد الأقصى من جديد، بما يليق بقدسيته ومكانته، وأخذ
من فوره ينظّف مكان الصخرة ويرفع عنها الأوساخ التي نجمت عن الص ا رع اليهودي النص ا رني،
1 . ] )0953/ ( الكردوس: الخيل العظيمة، وقيل: القطعة من الخيل العظيمة ] لسان العرب، ابن منظور، ) 5
2 ( الرملة: مدينة عظيمة بفلسطين، وكانت رباط اً للمسلمين، وقد سكنها جماعة من العلماء والأئمة فنسبوا إليها،
جدّد بناءها سليمان بن عبد الملك، وبنى مسجدها وأصبحت عامرة في عهده ] انظر: معجم البلدان، الحموي،
. ] )41/0(
3 ( الكورة: اسم يقع على جهة من الأرض مخصوصة، كالشام وفلسطين والع ا رق، ونحو ذلك ] جامع الأصول في
. ] )001/ أحاديث الرسول، ابن الأثير، ) 9
4 439 ( بتصرف. - / ( تاريخ الطبري، ) 0
5 . ) ( فضائل القدس، ابن الجوزي، )ص 120
6 - .)454/ 411 (، أيضاً: البداية والنهاية، ابن كثير ) 1 413/ ( انظر: تاريخ الطبري، ) 0
541
وقام المسلمون ينظّفون معه ويصدحون بالتكبير والتهليل، وليصدح الأذان من جديد في أرجاء بيت
المقدس وما حوله، ويقف الصحابة يستمعون الأذان، فتخشع منهم القلوب، وتذرف العيون ) 1 . )
نظرة إلى الفتح الإسلامي لفلسطين:
بهذا الفتح العمري العظيم، تدخل فلسطين تاريخاً جديداً، وتعود إلى حضن العرب من جديد،
وتستقر في حوزة الإسلام بعد زمن مديد؛ تعود إلى جذورها العربية الضاربة في عمق التاريخ، والى
أصالة دين آبائها وعمّارها من الأنبياء والمرسلين على مرّ التاريخ.
لا ظلم اليوم، لا سفك للدماء، ولا إك ا ره في الدين، ولا انتقام من أهل الذمّة والمعاهدين؛
فكانت العهدة العمرية، التي دخل اسمها التاريخ، وباتت مرجعاً في تسامح الإسلام وفضله على كل
الملل التي سكنت الأرض المقدّسة.
يقول رجاء جارودي: "والواقع أن ذلك لم يكن فتحاً، ول انتصا ا رً حربياً، بل كان تحري ا رً، ذلك
أنّه في عام 409 م )أي عام فتح فلسطين(، لم يكن الذين وصلوا إلى فلسطين هم العرب؛ ولكنه
الإسلام، فقد كان العرب فيها منذ أكثر من ثلاثة آلاف عام، منذ الهجرة السامية الأولى القادمة من
الجزيرة العربية") 2 . )
وفي فهم الباحث: بل هو فتحٌ وانتصارٌ حربي وتحرير؛ فت ح: لأنّه جاء بدافع إدخال الناس
في دين الله ، على خلفية مقاصد الإسلام، وهذا بيّنٌ في مجريات الفتح ووقائعه وعرض الإسلام
والصلح على الناس قبل القتال، وقد شارك )بعض العرب( المتنصّرة في قتال المسلمين الفاتحين) 3 ،)
وهو انتصا ر حربي: لأنّ المسلمين خاضوا وقائع كثيرة قبله في فلسطين، كما سبق بيانه، بل
وحاصروا القدس وأوشكوا على قتالها، وتحري ر: للسبب الذي ذكره الأستاذ جارودي آنفاً.
1 - . )203/ 412 (، أيضاً: فتوح الشام، الواقدي، ) 1 411/ ( انظر: تاريخ الطبري، ) 0
2 ( فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، )ص 161 ( بتصرف يسير. -
3 . )155 / ( انظر: فتوح الشام، الواقدي، ) 1
543
ومع مشاركة بعض نصارى الشام المستعربة في قتال المسلمين )كمرتزقة في جيوش الروم،
أو حميّة لدين المسيح المزعوم) 1 ((، إلا أنّ التاريخ يروي أنّ مجموع السكّان العرب الذين كانوا في
فلسطين يقعون تحت سطوة الظلم البيزنطي، استقبلوا العرب المسلمين الفاتحين باستبشار وفرح، فهم
وان لم يكونوا مسلمين بعد يثقون بملّة الإسلام على أنّها الوحيدة القادرة على حمايتهم من - -
البطش والطغيان، وهذا التعاطف مع غيره من العوامل هو الذي يفسّر كيف أنّ مصير - -
فلسطين تقرر وظهرت ملامحه الجديدة بعد معركة واحدة، وهي اليرموك ) 2 . )
" وعلى خلاف ما أبداه أباطرة بيزنطة من عدم تسامحٍ، فقد بدا وصول الإسلام إلى فلسطين
محر ا رً لليهود والنصارى )المهرطقين(، ولجميع سكّان المنطقة، باستثناء المحتلين" ) 3 . )
إنّ المتأمّل في وقائع فتح بيت المقدس التي هي درّة الأرض المقدّسة يبدو له جلياّ - –
حماس المسلمين وشدّة تعلّقهم بموعود الله في دخول المسجد الأقصى؛ إذ كانوا يتوقون لإنفاذ
وصية رسول الله ، والوصول إلى نقطة الالتقاء بين الأرض والسماء، مع ا رج نبيهم الأكرم .
قال الواقدي رحمه الله: " ولقد بلغني أنّ المسلمين باتوا تلك الليلة كأنهم ينتظرون قادم اً –
يقدم عليهم من شدّ ة فرحهم بقتال أهل بيت المقدس، وكلّ أميرٍ يريد أن يُفتح على يديه؛ فيتمتع
بالصلاة فيه والنظر إلى آثار الأنبياء، قال: فلمّ ا أضاء الفجر أذّ ن، وص لّت الناس صلاة الفجر،
قال: فق أ ر يزيد لأصحابه: } يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى
أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ{ )المائدة/ 21 (، فيقال: إنّ الأم ا رء أجرى الله على ألسنتهم في تلك
1 ( ومن هؤلاء النصارى المستعربة: جيش جبلة بن الأيهم؛ الذي وضعته الروم كحامية لعسكرهم، ومقدّمة لجيوشهم
الج ا ررة، في معركة اليرموك، وكانت الروم تعوّل على أن تكسر العرب بالعرب، فكسر الله شوكتهم بسيف الله
المسلول وأبطال المسلمين معه، فهُزم جيش ابن الأيهم، وفرّ أمام طلائع المسلمين، وكانت ضربةً قاصمة لمعنويات
جيش الروم، وحصل في هذه المعركة الكثير من الك ا رمات للمسلمين، وكان فيها أحوال عجيبة من بطولاتهم
- . ] )145 155 / وصبرهم ] انظر: فتوح الشام، الواقدي، ) 1
2 . ) ( انظر: فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، )ص 162
3 ( المصدر السابق، )ص 162 ( بتصرف يسير. -
544
الصلاة أن ق أ روا هذه الآية، كأ نهم على ميعادٍ واحد، فلمّ ا فرغوا من الصلاة نادوا: النفير النفير، يا
خيل الله اركبي " ) 1 . )
وبنفس الفهم لرسالة المسلمين تجاه الأرض المقدّسة جرى الحوار بين أبي عبيدة بن الج ا رح
وبين بطارقة النصارى على أسوار بيت المقدس، " إذ قال له زعيمهم: ما الذي تريدون منا في
هذه البلدة المقدسة ومن قصدها يوشك أن الله يغضب عليه ويهلكه، فقال أبو عبيدة : نعم
إنها شريفة ومنها أسرى بنبينا إلى السماء، ودنا من ربه كقاب قوسين أو أدنى، وا نها معدن
الأنبياء، وقبورهم فيها، ونحن أحق منكم بها، ولا ن ا زل عليها أو يم لّكنا الله إياها، كما م لّكنا
غيرها " ) 2 . )
" وبعد أن دخل عمر المدينة المقدّسة، أخذ يتجوّل في أنحائها، ويتنقل بين آثارها
وعجائبها، ويذكر نعمة الله عليه؛ حيث فتح مدينة الأنبياء على يديه، ليضمّها إلى المقدّسات
الإسلامية، فها هي ذي الكعبة المشرفة ال ا ربضة في قلب مكة المكرمة تلتقي منذ عهد ليس بالبعيد
بالمسجد النبوي في المدينة المنورة، ثم هي اليوم ترتبط بالمسجد الأقصى القائم في مدينة القدس
مجتمع النبيين، وبذلك يكون المسلمون وقد فتحوا القدس وضموها إلى الأمجاد الإسلامية قد - -
جمعوا الأديان كلها في صعيد واحد، وأوضحوا أن الإسلام هو الدين الوريث لكل ما سبقه من
الأديان" ) 3 .)
فليس غريبا بعد هذا أن يصبح دخول الفاروق تاريخاً وعلامة بارزة في تاريخ هذه البقعة
المقدّسة، تتحدث بها الأجيال إلى يومنا هذا، بل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
1 . )222 / ( فتوح الشام، الواقدي، ) 1
2 225 ( بتصرف . - - 226 / ( المصدر السابق، الواقدي، ) 1
3 1614 ه/ 1115 م، )ص ، ( جولة في عصر الخلفاء ال ا رشدين، د. محمد السيد الوكيل، دار المجتمع/جدة، ط 5
236 ( بتصرف يسير. -
545
خلاصة المطلب:
أولً: كان الفتح الإسلامي لفلسطين، وبيت المقدس خاصةً من أهم فتوحات المسلمين؛ إذ
كانت له دلالاته المرتبطة بالعقيدة الإسلامية والقدسية الخاصة للمكان، وكان نقطة فارقة في تاريخ
الدولة الإسلامية، وبه أي بالفتح اكتمل مثلث القداسة الإسلامية )المكّي المدنيّ القدسي( . - -
ثانياً: لقد بذل صحابة رسول الله رضي الله عنهم الدماء الزكية الغزيرة من أجل فتح - –
فلسطين والقدس، وشهدت أرض فلسطين من الملاحم والبطولات ما يؤكّد حرص المسلمين الشديد
على السيادة التامة على هذه الأرض لدين ربّ العالمين.
ثالثاً: ظهرت سماحة الإسلام وأهليته التامّة لقيادة البشرية، من خلال أخلاق المسلمين في
فتوحاتهم، وترتيبهم لأولوياتهم، فتعبيد الناس لربّهم هو هدفهم الأول والأسمى، ثم إنّهم لا يقاتلون إلا
من قاتلهم أو حال بينهم وبين نشر دين الله الذي ارتضاه لعباده أجمعين، وهم في قتالهم
منضبطون بما فرضه الإسلام من ك ا رمة الإنسان، وبعد انتصارهم فإنّهم لا يعرفون الانتقام والحرق
والسلب، ولا يقدمون على استف ا زز الناس في ديانتهم ومقدّساتهم، حتى أصحاب الديانات الباطلة!
. ) وشعارهم في ذلك: }لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ { )البقرة/ 254
546
المطلب الثاني:
وقفية فلسطين في الإسلام
عندما فتح المسلمون أرض فلسطين المباركة، كان فتحهم إيّاها بإحدى طريقتين، إما صُلحاً،
أو عنوةً ، ويؤكّد التاريخ وعلماء الإسلام فيما اتّضح للباحث بأنّ معظم أرض فلسطين فتحت - -
عنوةً لا صُلحاً، وعلى هذا ترتّب حكم فقهي يتعلق بملكية هذه الأرض المفتوحة، والى من تؤول،
وما مدى جواز التصرّف فيها، وما حدوده، و من هذه الأحكام المتعلقة بأرض فلسطين، وغيرها من
أ ا رضي الفتح الإسلامي، ما عرف بأرض الوقف، أو أرض الخ ا رج) 1 ( كما سيأتي.
مفهوم الأرض الوقفية:
جاء في لسان العرب: " يقال وقف فلان أرضه مؤبد اً، إذا جعلها حبيسً ا لا تباع ولا
تورث") 2 .)
وقال ابن فارس: " وقف: أصلٌ واحد يدلُّ على تمكُّثٍ في شيءٍ ثمّ يقاس عليه") 3 . )
1 ( الخ ا رج: هو ما وضع على رقاب الأرضين من حقوق تؤدى عنها، والأرضون كلها تنقسم أربعة أقسام، أحدها:
ما استأنف المسلمون إحياءه، فهو أرض عشر لا يجوز أن يوضع عليها الخ ا رج، والقسم الثاني: ما أسلم عليه
أربابه، فهو أرض عشر، لا يجوز أن يوضع عليها خ ا رج، والقسم الثالث: ما أخذ عنوة وقه ا رً، ففيه روايتان: الأولى:
يكون غنيمة تقسم بين الغانمين، وتكون أرض عشر، لا يجوز أن يوضع عليها خ ا رج، والثانية: الإمام بالخيار بين
أن يقسمها بين الغانمين، فلا يكون فيها خ ا رج، وبين أن يقفها على جماعة المسلمين، فتصير وقف اً على مصالح
المسلمين ويضرب عليها خ ا رج اً، ا ولقسم ال ا ربع: ما أخذ صلحاً، فهي على ضربين: أحدهما: ما جلا عنه أهله حتى
خلصت بغير قتال فيكون وقف اً على مصالح المسلمين، ويضرب عليها خ ا رج يكون أجر ةً يقر على الأبد، الضرب
الثاني: ما أقام فيه أهله، وصالحونا على إق ا رره في أيديهم بخ ا رج فهذا على ضربين: الأول: أن ينزلوا عن ملكها لنا
عند صلحنا، فتصير هذه الأرض وقف اً على المسلمين، والثاني: أن يستبقوها على أملاكهم، ويصالحونا عنها بخ ا رج
يوضع عليها، فهذا جزية ] الأحكام السلطانية، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الف ا رء،
146 ( بتصرف [ . - - 1621 ه/ 2333 م، )ص 142 ، تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية/بيروت، ط 2
2 . )5/ ( لسان العرب، ابن منظور، ) 1
3 . )105/ ( معجم مقاييس اللغة، ابن فارس، ) 4
547
والوقف في الشرع: " حبس العين على ملك الواقف والتصدق بالمنفعة، أو: حبس العين عن
التمليك، مع التصدق بمنفعتها، فتكون العين ا زئلة إلى ملك الله
من وجهٍ ") 1 . )
" وكان رسول الله قد وقف بعض ما ظهر عليه من الأرضين فلم يقسّ مها، وقد قسم
بعض ما ظهر عليه " ) 2 . )
وقد أطلق علماء الإسلام على الأرضٍ التي فُتحت عنوةً بأنها أرض فيء) 3 ( للمسلمين، وكذا
أرضُ وقفٍ وأرضُ خ ا رج، إذ جاء في الأحكام السلطانية عن الإمام أحمد) 4 ( رحمه الله: " كل –
أرضٍ جلا عنها أهلها بغير قتال فيه فيء"، )ومعناه وقف(، وقال: " ما فتح عنو ةً فهو فيء
للمسلمين"، وقيل:" الأرض الخ ا رج ما فتحها المسلمون فصارت في ئا لهم، ثم دفعها إلى أهلها
وأضافوا عليها وظيفة، فتلك الوظيفة جارية للمسلمين أبد اً "، فقد سميت أرض الخ ا رج العنوة فيئًا") 5 .)
" أما الأرض التي يُستولى عليها صلحًا على أن تقرّ في أيديهم بخ ا رج يؤدّونه عنها، فهذا
على ضربين: أحدهما: أن تصالحهم على أن ملك الأرض لنا، فتصير بهذا الصلح وقفًا من دار
الإسلام، ل يجوز بيعها ول رهنها، ويكون الخ ا رج أجرة ل يسقط عنهم بإسلامهم، ويؤخذ خ ا رجها
1 ، ( التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق : إب ا رهيم الأبياري، دار الكتاب العربي/ بيروت، ط 1
1635 ه، )ص 029 ( بتصرف . -
2 1199 م، ، ( كتاب الخ ا رج، أبو زكريا يحيى بن آدم بن سليمان، تحقيق: حسين مؤنس، دار الشروق/القاهرة، ط 1
. ) )ص 51
3 ( الفيء: ما أورده الله على أهل دينه من أموال من خالفهم في الدين بلا قتال، إما بالجلاء، أو بالمصالحة
. ] ) على جزية، أو غيرها، والغنيمة أخصّ منه، وال نفل أخصّ منها ] التعريفات، علي الجرجاني، )ص 219
4 242 ه(: هو الإمام ح قًا، وشيخ الإسلام صد قًا، أبو عبد الله، أحمد بن محمد بن حنبل - ( الإمام أحمد ) 214
ابن هلال الشيباني المروزي ثم البغدادي، أحد الأئمة الأعلام، طلب العلم وهو ابن خمس عشرة سنة، وعدة شيوخه
الذين روى عنهم في " المسند " مئتان وثمانون ونيف، وقال عبد الر ا زق: ما أ ريت أحدا أفقه ولا أورع من أحمد بن
حنبل، وقال قتيبة: لولا الثوري، لمات الورع، ولولا أحمد لأحدثوا في الدين، أحمد إمام الدنيا، وقال حرملة: سمعت
الشافعي يقول: خرجت من بغداد فما خلفت بها رجلا أفضل، ولا أعلم، ولا أفقه، ولا أتقى من أحمد بن حنبل ]انظر:
115 ( بتصرف [ . - - 199 / سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 11
5 ( الأحكام السلطانية، أبو يعلى الف ا رء ، )ص 169 ( بتصرف . -
548
إذا انتقلت إلى غيرهم من المسلمين، وقد صاروا بهذا الصلح أهل عهد، فإن بذلوا الجزية عن رقابهم
جاز إق ا ررهم فيها على التأبيد، وان منعوا الجزية لم يجبروا عليها، ولم يقروا فيها سنة بغير جزية") 1 .)
وقد قال أحمد في رواية: " ما فتح عنوة فهو فيء للمسلمين، وما صولحوا عليه فهو لهم
يؤدون إلى ما صولحوا عليه، ومن أسلم منهم تسقط عنه الجزية، والأرض فيء للمسلمين"، فقد بين
أن الأرض فيء، وهذا محمول على أنّ الأرض لنا ) 2 .)
" وقد ذهب كثير من أصحاب الشافعي رحمه الله إلى أنّ الأرض التي فُتحت عنوةً قد - -
أوقفها عمر على كافة المسلمين، وأق رّها في أيدي أربابه بخ ا رج ضربه على رقاب الأرضين
يكون أجرة لها تؤدى في كل عام، وان لم تتقدر مدّ تها لعموم المصلحة فيها، وصارت بوقفه لها
في حكم ما أفاء الله على رسوله ... ويكون المأخوذ من خ ا رجها مصروفا في المصالح، ولا يكون
فيئا مخموس اً؛ لأنه قد خمس، ولا يكون مقصو ا رً على الجيش؛ لأنه وقف على عامة المسلمين،
فصار مصرفه في عموم مصالحهم التي منها أر ا زق الجيش وتحصين الثغور وبناء الجوامع
والقناطر، وك ا رء الأنهار، وأر ا زق من تعم بهم المصلحة من القضاة والشهود والفقهاء والق ا رء والأئمة
والمؤذنين، فهذا يمنع من بيع رقابها، وتكون المعارضة عليها بالانتفاع، والانتقال لأيد، وجواز
التصرف لا لثبوت الملك، إلا على ما أحدث فيها من غرس وبناء " ) 3 . )
موقف عمر بن الخطاب :
" وقد سأل الصحابة رضوان الله عليهم عمر بن الخطاب - – قسمة ما أفاء الله
عليهم من الع ا رق والشام، وقالوا: اقسم الأرضين بين الذين افتتحوها كما تقسم غنيمة العسكر؛ فأبى
1 . ) ( الأحكام السلطانية، أبو يعلى الف ا رء، )ص 169
2 . ) ( المصدر السابق، )ص 169
3 ( الأحكام السلطانية والولايات الدينية، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق: أحمد مبارك
البغدادي، دار ابن قتيبة/الكويت، ط 1،1631 ه/ 1191 م، )ص 224 ( بتصرف يسير. -
549
عمر ذلك عليهم، وقال: قد أشركَ الله الذين يأت ون من بعدكم في هذا الفيء؛ فلو قسمته لم يبق
لمن بعدكم شيء" ) 1 . )
" و شاور عمر أصحاب رسول الله في قسمة الأرضين التي أفاء الله على المسلمين
من أرض الشام؛ فتكلم قوم فيها، وأ ا ردوا أن يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا، فقال عمر : فكيف بمن
يأتي من المسلمين فيجدون الأ رض بعلوجها) 2 (، قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا
ب أ ري... فإذا قسمت أرض الع ا رق والشام بعلوجها، فما يسدّ به الثغور؟، وما يكون للذرية والأ ا رمل
بهذا البلد وبغيره من أرض الشام والع ا رق؟ " ) 3 . )
" وأصرّ عمر على وقف الأرض، رغم جدال بعض المسلمين له، قائلين: أتقف ما أفاء
الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا، ولأبناء القوم ولأبناء أبنائهم ولم يحضروا؟
فكان عمر ل يزيد على أن يقول: هذا أ ري، قالوا: فاستشر، قال: فاستشار المهاجرين الأولين،
فاختلفوا فأرسل إلى عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج) 4 ( من كب ا رئهم
وأش ا رفهم؛ فشاورهم، وكان مما قاله : وقد أ ريت أن أحبس الأرضين بعلوجها وأضع عليهم فيها
الخ ا رج وفي رقابهم الجزية، يؤدّ ونها فتكون فيئا للمسلمين؛ المقاتلة والذرية، ولمن يأتي من
بعدهم" ) 5 . )
1 ( الخ ا رج، أبو يوسف يعقوب بن إب ا رهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري، تحقيق : طه عبد الرؤوف سعد وَ
. ) سعد حسن محمد، المكتبة الأزهرية للت ا رث/ مصر، ط )بدون(، )بدون تاريخ(، )ص 06
2 . ] )0345/ ( العلوج: جمع "علج"، والعلج: الرجل من كفار العجم ] لسان العرب، ابن منظور، ) 6
3 ( الخ ا رج، لأبي يوسف، )ص 05 ( بتصرف . -
4 ( الأوس والخزرج: وهم بنو الأوس والخزرج، ابنا حارثة بن ثعلبة بن عمرو مزيقياء بن مازن بن الأزد، ويقال
لكلتا القبيلتين بنو قيلة، لهم ملك يثرب قبل الإسلام، نزلوها حين خرج الأزد من اليمن، ولم ي ا زلوا بها إلى حين هاجر
النبي فآمنوا به ونصروه، فسمُّوا: الأنصار، وتفرع منهم أفخاذ كثيرة، وانتشروا في الفتوحات الإسلامية في الآفاق
شرق اً وغرباً، ] قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي تحقيق: إب ا رهيم
1632 ه/ 1192 م، )ص 10 ( بتصرف [ . - - ، الإبياري، دار الكتاب المصري دار الكتاب اللبناني، ط 2
5 ( الخ ا رج، لأبي يوسف، )ص 04 ( بتصرف . -
551
وذكر عمر مبر ا رته لهم إضافة إلى ما سبق وأبدى قلقه على ثغور المسلمين، - –
وحرصه على بقاء هذه الأرض في أيديهم، وتحت سلطتهم، فقال: " أ أ ريتم هذه الثغور ل بد لها من
رجال يلزمونها، أ أ ريتم هذه المدن العظام ل بد لها من أن تشحن بالجيوش، واد ا رر العطاء عليهم؛
فمن أين يعطى هؤلء إذا قسمت الأرضين والعلوج؟، فقالوا جميع اً: ال أ ري أ ريك؛ ف نِعم ما قلتَ وما
أ ريتَ ، وان لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال، وتجري عليهم ما يتقوون به رجع أهل الكفر
إلى مدنهم؛ فقال: قد بان لي الأمر " ) 1 . )
وجاء عن عمر في رواية صريحةٍ قلقه على المسلمين أن يركنوا إلى الأرض ويتركوا
الجهاد، " إذ لما كثر المسلمون، استشار عمر بن الخطاب في السواد) 2 ( فاختلفوا عليه، فقال
قائلهم: اقسمهم وأرضِ هِ م، وقال قائل: دعهم على حالهم، فقال عمر : قد اختلفتم، فأنا أرى غير
ذلك، إنكم إن اتّكلتم على الأرض والزرع تركتم الجهاد " ) 3 . )
وكان يستشعر حقّ الأجيال القادمة في هذه الأرض، فقال: " لول أن يترك آخر الناس
ل شيء لهم، ما فتح الله على المسلمين قرية إل قسمتها سهام اً، كما قُسمت خيبر) 4 (، ولك نّي
أخشى أن يبقى آخر الناس ل شيء لهم ") 5 . )
واستدلّ عمر على موقفه من عدم توزيع البلاد وقسمتها بالقرآن الكريم بعد تأمّل، فقال: "
إني قد وجدت حجة ، قال الله في كتابه: }وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا
رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ{ )الحشر/ 4( ، حتى فرغ من شأن
1 . ) ( الخ ا رج، لأبي يوسف، )ص 04
2 ( السواد: ي ا رد به في الغالب رستاق الع ا رق وضياعها التي افتتحها المسلمون على عهد عمر بن الخطّاب - -
، سمي بذلك لسواده بالزروع والنخيل والأشجار لأنّه حيث تاخم جزيرة العرب التي لا زرع فيها ولا شجر كانوا إذا
.] 292/ خرجوا من أرضهم ظهرت لهم خضرة الزروع والأشجار فيسمونه سواد اً ] معجم البلدان، الحموي، 0
3 . )211 / ( الأموال، حميد بن زنجويه، تحقيق: شاكر ذياب فياض، مركز الملك فيصل/الرياض، ط)بدون( ) 1
4( خيبر: الموضع المذكور في غ ا زة النبي ، وهي ناحية على ثمانية برد من المدينة لمن يريد الشام، يطلق هذا
.] 631/ الاسم على الولاية وتشتمل هذه الولاية على سبعة حصون وم ا زرع ونخل كثير ] معجم البلدان، الحموي، 2
5 ( الخ ا رج، يحيى بن آدم )ص 92 ( بتصرف يسير . -
550
بني النضير) 1 (، فهذه عامة في القرى ك لّها، ثم قال: }مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ
وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ كَيْ لَا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الْأَغْنِيَاء مِنكُمْ وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ
وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ{)الحشر/ 9(، ثم قال: }لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن
دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً وَينَصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ{)الحشر/ 9(، ثم لم
يرض حتى خلط بهم غيرهم؛ فقال: }وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يجَِدُونَ فِي
صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{
)الحشر/ 1(، فهذا فيما بلغنا والله أعلم للأنصار خاصة، ثم لم يرض حتى خلط بهم غيرهم فقال:
}وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ
رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ { )الحشر/ 13 (، فكانت هذه عامة لمن جاء من بعدهم؛ فقد صار هذا الفيء بين
هؤلاء جميعا؛ فكيف نقسمه لهؤلاء وندع من تخلف بعدهم بغير قسم؟؛ فأجمع على تركه وجمعِ
خ ا رجه" ) 2 . )
قال القاضي أبو يوسف) 3 ( رحمه الله: " والذي أ رى عمر – من الامتناع من قسمة
الأرضين بين من افتتحها عند ما عرفه الله ما كان في كتابه من بيان ذلك، توفيق اً من الله كان
له فيما صنع، وفيه كانت الخيرة لجميع المسلمين، وفيما آ ره من جمع خ ا رج ذلك وقسمته بين
المسلمين عموم النفع لجماعتهم؛ لأن هذا لو لم يكن موقوف اً على الناس في الأعطيات والأر ا زق، لم
1 ( بني النضير: هم طائفة من اليهود، كانت منازلهم ونخلهم بناحية المدينة فحاصرهم رسول الله حتى نزلوا
على الجلاء، وعلى أنّ لهم ما أق لّت الإبل من الأمتعة والأموال لا الحلقة يعني السلاح، فأنزل الله فيهم أول سورة
003 ( بتصرف [ . - / الحشر ] فتح الباري، ابن حجر، ) 9
2 . ) ( الخ ا رج، لأبي يوسف، )ص 09
3 282 ه(: هو الإمام المجتهد، العلامة المحدث، قاضي القضاة، أبو يوسف، - ( القاضي أبو يوسف ) 220
يعقوب بن إب ا رهيم بن حبيب بن حبيش بن سعد بن بجير بن معاوية الأنصاري الكوفي، حدّث عن الإمام أبي حنيفة
النعمان وصحبه سبع عشرة سنة، وحدّث عنه الإمام أحمد بن حنبل، وقال الذهبي: " بلغ أبو يوسف من رئاسة العلم
- . ] ) 509 505 / ما لا مزيد عليه، وكان الرشيد يبالغ في إجلاله" ] انظر: سير أعلام النبلاء ) 9
551
تشحن الثغور، ولم تقو الجيوش على السير في الجهاد، ولما أمن رجوع أهل الكفر إلى مدنهم
إذا خلت من المقاتلة والمرتزقة، والله أعلم بالخير حيث كان" ) 1 . )
" والجدير بالذكر أنّ الحوار الذي دار بين عمر وبعض الصحابة حول تقسيم الأرض
إ نما يدل على شدّ ة حرصه على مصالح المسلمين، ووحدتهم، واشعارهم بمدى المسؤولية
الجماعية، وهذا ينطبق استتباعاً على أرض فلسطين، ومسؤولية جماعة المسلمين عنها وليس أف ا رد
بعينهم، وأن رفضه تقسيم الأرض فيه إنصاف لهم ولإخوانهم الذين يأتون من بعدهم" ) 2 .)
أرض فلسطين ة:
ّ
خراجي
بالقياس على أقسام الأرضين التي ذكرها العلماء فيما بيّن الباحث آنفاً، فإنّ أرض فلسطين
تصنّف عند هؤلء العلماء، بأنّ معظمها فُتح عنوةً ل صلح اً.
إذ كانت المدن هي التي أخذت صلحاً، وهي قليلة ومحدودة داخل الحصون، غير أنّ معظم
الأرض أخذت عنوةً، " وعلى هذا فمدن الشام كانت ك لّها صلح اً، دون أرضها ... لأن أرض الشأم
ك لّها عنوة، إل المدن خاصة، فإنها صلحٌ ك لّها") 3 . )
ونقل الطبري عن جمع من العلماء بأنّ: " البلدان كلها أخذت عنوة إلا حصون اً قليلة") 4 . )
وحتّى عندما فتح عمر بيت المقدس، وانْ كان دخل المدينة صلحاً، إلا أنّ ذلك كان بعد
قتال ومناوشة، وكانت النتيجة أن أعطوه عَلى ما أحاط به حصنهم شي ئا يؤدّ ونه، ويكون للمسلمين
ما كان خارج اً، فقدِ م عمر فأجاز ذلك، ثم رجع إلى المدينة ) 5 . )
1 . ) ( الخ ا رج، لأبي يوسف، )ص 09
2 ( ملكية أرض فلسطين من الفتح الإسلامي حتى أواسط القرن ال ا ربع الهجري، د. رياض شاهين، مجلة الجامعة
- . )011 الإسلامية/غزة، المجلد الثامن، العدد الثاني، الجزء الأول، 2333 م، )ص 019
3 ( الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: أبو أنس سيد بن رجب، دار الهدى دار الفضيلة/ مصر- -
.)011 ،191/ 1629 ه/ 2339 م، ) 1 ، السعودية، ط 1
4 . )599/ ( تاريخ الطبري، ) 0
5 161 ( بتصرف . - - 163/ ( انظر: فتوح البلدان، البلاذري، ) 1
553
" وبما أن أرض فلسطين داخلة في الأرض التي فتحت عنوة، فتكون داخلة بالق ا رر الذي
ا تّخذه عمر بن الخطاب وصحابته) 1 ( ضمن اً، أي أنّ فلسطين أصبحت أرض اً خ ا رجية، وقف اً على
الأمة الإسلامية ") 2 . )
" ويبدو أن عمر بن الخطاب أ ا رد بوقفه للأرض على الأمة الإسلامية إلى يوم القيامة
الحفاظ على وحدتها، وهويتها الإسلامية، واب ا رز المسئولية الجماعية للأمة في الحفاظ على الأرض
وتحصينها من أن تكون عرضة للمساومة الفردية وتنازل الفرد عنها للغير ... لذا أ ا رد عمر
بتحويله الأرض المفتوحة عنوة إلى أ ا رضي وقفية إظهار وحدة الأمة، من خلال تمسكها بالأرض،
وارجاع تلك المسئولية عن الأرض لجماعة المسلمين بأكملها، دون وضع هذه المسئولية بيد فردٍ أو
جيلٍ يمكن لهم استغلال هذه المسئولية فيما بعد والتلاعب بها، وبالتالي التلاعب بمصير الأمة
بأجمعها" ) 3 . )
حكم التصرف في أرض الوقف الخراجية:
جاء فيما سلف من كلام أمير المؤمنين الفاروق عمر ما يدلّ على عدم جواز التصرّف
في أرض الخ ا رج، أرض الوقف التي أوقفها عمر والمسلمون، في زمنه وبعده، ولكنّ تداول هذه
الأرض بالبيع والش ا رء، جاء فيه أقوال عن الفقهاء، وتفصيل كبير، ليس هنا محلّ ذكره.
لكن إجمالاً " وان اختلف الفقهاء في حكم الأرض المفتوحة وما يُعمل بها، فإنّ الذي ل
خلاف فيه بين الأئمة أن كلّ بلد صولح أهله على الخ ا رج ل يجوز تغيير ما استقرّ عليه، والأمر
الذي لم يكن فيه خلاف أيض اً أن أرض الشام اعتبرت وقف اً، ووضع عليها الخ ا رج، وهي أرض
1 ( إنّ ق ا رر وقفية الأرض الخ ا رجية ليس ق ا رر عمر بن الخطاب منفرداً، بل إنّ جمعاً من الصحابة رضوان –
الله عليهم ممن كان منهم حاض ا رً في وقته ومن أتى بعده أ روا نفس الأمر، وهو أ ري أشار به عليه علي بن أبي -
طالب ، و معاذ بن جبل ، و به كان يأخذ سفيان بن سعيد، و ذلك أ ري من جعل الخيار إلى الإمام في
. ] ) تصيير أرض العنوة غنيمة و في ئا ] انظر: الخ ا رج وصناعة الكتابة، قدامة بن جعفر، )ص 234
2 . ) ( ملكية أرض فلسطين، د. رياض شاهين، )ص 021
3 ( المصدر السابق، )ص 023 ( بتصرف . -
554
خ ا رجية طوال العهد الإسلامي، ففي العهد العثماني، نص القانون الخاص بولاية الشام، والذي
وضع سنة ) 155 ه/ 1569 م( على أنّ جُلّ أ ا رضي الشام هي أ ا رضٍ خ ا رجية" ) 1 . )
وقد كان الصحابة والتابعون وسلف المسلمين يمنعون ولا يجيزون أن تباع أرض الخ ا رج
وتشترى، ويُتصرّف فيها، جاء في الأحكام السلطانية: " أرض الخ ا رج، لا يجوز إقطاع رقابهم
تمليك اً؛ لأنها تنقسم على ضربين: ضربٌ يكون رقابهم وق فًا وخ ا رجها أجر ةً، فتمليك الوقف لا يصح
بإقطاع ولا بيع ولا هبة، وضرب يكون رقابها ملك اً وخ ا رجها جزية ، فلا يصح إقطاع مملوك تع ين
مالكوه") 2 .)
فتجد مثلا فيما روي في هذا الشأن أنّ رجلاً " اشترى أرض اً من أرض الخ ا رج، ثم أتى - -
عمر , فأخبره، فقال: ممن اشتريتها؟ قال: من أهلها، قال: فهؤلاء للمسلمين أبعتموه شيئا؟ - -
قالوا: لا، قال: فاذهب, فاطلب مالك حيث وضعته " ) 3 . )
و جاء عن عمر بن الخطاب : أنه نهى أن يشتري أحدٌ من أرض الخ ا رج أو رقيقهم شي ئا،
وقال: "ل ينبغي لمسلم أن يقرّ بالصّ غار في عُ نقِ ه ") 4 . )
وكذا كان فعل الخلفاء من بعد عمر ، " فقد كان مذهب عمر بن عبد العزيز) 5 ( في أرض
السواد ومثلها، أنّها أرض فيء، ولهذا كان يمنع أهلها من بيعها، وجاء عنه أنّه كان يكتب إلى
1 ( ملكية أرض فلسطين، د. رياض شاهين، )ص 021 ( بتصرف يسير . -
2 . ) ( الأحكام السلطانية، الماوردي، )ص 291
3 . ) ( الخ ا رج، يحيى بن آدم )ص 10
4 . ) ( المصدر السابق، )ص 10
5 232 ه(: ابن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية، الإمام، الحافظ، العلامة، - ( عمر بن عبد العزيز ) 10
المجتهد، ال ا زهد، العابد، السيد، أمير المؤمنين حق اً، أبو حفص، القرشي الأموي المدني ثم المصري، ولي عمر
10 ه، وحجّ بالناس م ا ر ا رً، وتولى الخلافة بعد سليمان بن عبد الملك، وكان من أئمة - المدينة في إمرة الوليد 94
الاجتهاد، ومن الخلفاء ال ا رشدين، وكان ثقة مأمونا، له فقه وعلم وورع، وروى حديثا كثي ا رً، وكان إمام عدل ] سير
114 ( بتصرف [ . - - 116 / أعلام النبلاء، الذهبي، ) 5
555
بعض عمّاله: أما بعد، فحُلْ بين أهل الأرض وبينَ بيعِ ما في أيديهم، فإنّهم إنّما يبيعون فيءَ
المسلمين" ) 1 . )
" يتضح إذاً، أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله سار على نهج سلفه الفاروق - –
والصحابة، ا وعتبر الأرض الخ ا رجية وقفاً على الأمة، وأنّ أهل الذمّ ة يزرعون الأرض وينتفعون
بها، مقابل دفع الخ ا رج، ولكن، لا يحقّ لهم بيعها") 2 .)
وبقيت فلسطين تدفع الخ ا رج كأرض وقف خ ا رجية منذ الفتح الإسلامي لها حتى أواسط - –
القرن ال ا ربع الهجري/العاشر الميلادي) 3 .)
وصار مألوفاً في تاريخ المسلمين من بعد الفتح الإسلامي أنّ أرض فلسطين هي أرض وقف
وان لم تكن كلّها فمعظمها أر ض خ ا رجية موقوفة، وان توقف أخذ الخ ا رج من أهلها أزماناً، - -
وتغيّرت الأحوال وتبدّلت الدول، فإنّ أهلها والمسلمين درجوا على وقف مساحات كبيرة منها على
مصالح المسلمين، وعلى سبيل المثال لا الحصر، فقد عُثر حديثاً على وثائق عثمانية تثبت أنّ
مساحات شاسعة من فلسطين هي أرض وقف، يعود تثبيت وقفها إلى العصر المملوكي، وهذه
الوثائق تثبت حجم انتشار واتّساع المساحة الجغ ا رفية الموقوفة من أرض فلسطين) 4 . )
والاستنتاج الأهم من هذه الوثائق، هو أنّ الاستيطان اليهودي في أرض فلسطين في -
العصر الحديث قد غيّر المعالم الجغ ا رفية والسكّانية لهذه الأ ا رضي الوقفية، فتبدّلت أسماؤها، -
وتغيّرت معالمها، بهدف تهويدها، ونزع هويتها العربية والإسلامية) 5 . )
1 . )191/ ( الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، ) 1
2 ( ملكية أرض فلسطين، د. رياض شاهين، )ص 026 ( بتصرف . -
3 .) ( المصدر السابق، )ص 001
4 ( انظر: وثائق الوقفيات القديمة في سجلات القدس، د. إب ا رهيم ربايعة، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي )الأوقاف
. ) في بلاد الشام(، الجامعة الأردنية/عمّان، ط )بدون(، 2334 م، )ص 9
5 . ) ( انظر: المصدر السابق، )ص 9
556
خلاصة المطلب:
أولً: أرض فلسطين أرض وقف على جميع المسلمين منذ فتحها إلى يوم القيامة، أوقفها
عمر بن الخطاب ، وأقره على ذلك الصحابة رضوان الله عليهم ، وسار على ذلك من بعدهم - –
التابعون، وسلف الأمة.
ثانياً: ربط فاروق الأمة عمر بين وقف أرض فلسطين وأرض السواد عموماً وبين الحفاظ
على جذوة الجهاد وحفظ الثغور، وملازمة الأرض والرباط فيها، وكان هذا الأمر استش ا رفاً منه
للمستقبل، إذ إنّ حفاظ المسلمين على وقفية الأرض فضلاً عن قدسيتها الأصلية الثابتة سيدفع - -
المسلمين ولا ريب للحفاظ عليها والقتال دونها، وبذل كل الأثمان من أجل صيانتها.
ثالث اً: إنّ وقفية أرض فلسطين تعني عدم جواز التصرّف في أرضها أو بيعها أو تسليمها أو
المساومة عليها، ومن فعل ذلك فهو خائن لأمانة المسلمين وناقضٌ لعهدهم.
ا ربع اً: إنّ هذا الحكم الشرعي المتعلّق بكون فلسطين أرض وقف للمسلمين إلى قيام الساعة،
يضع أمانةً جديدة ومسئولية عميقة على كافة المسلمين وأولي أمرهم، تضاف إلى مسئولياتهم نحو
مسرى نبيّهم وسائر أرض فلسطين، وهي مسئولية الحفاظ على إرث الصحابة الشرعي
والتاريخي، الذي سقوه بدمائهم، ومهروه بأرواحهم، ووضعوه أمانة في أعناق المسلمين اللاحقين.
خامس اً: إنّ اليهود المغتصبين لأرض فلسطين اليوم يستبيحون هذه الأرض الموقوفة على
المسلمين، بل يستبيحون أخصّ تلك الأوقاف من مساجد ومقابر وأ ا رض، فضلاً عن استباحة الدماء
وانتهاك الأع ا رض التي حرمتها عند الله أشدّ وأعظم.
557
المطلب الثالث:
سة
ّ
وجوب الجهاد لاسترداد الأرض المقد
إنّ جهاد المسلمين في الأرض المقدّسة له ارتباط وثيق في كلّ ما سبق من حديث حول
مكانة فلسطين والقدس والأقصى، وعلاقتها بملاحم آخر الزمان، والفتح الإسلامي المجيد لها،
ووقفيتها، إذ إنّ كلّ ما سبق يدفع المسلمين دفعاً إلى الجهاد في سبيل الله على هذه الأرض،
وتثبيت سلطة الإسلام والمسلمين عليها، مهما ك لّفهم ذلك من ثمن.
كيف وقد أضاف الإسلام إلى كل ما سبق فريضة الجهاد من أجل الأرض والمقدّسات،
ولتكون كلمة الله هي العليا! هذا ولا شك أدعى لمزيد من حرص المسلمين على الجهاد والتضحية
من أجل هذه الأرض المباركة، وأحرى أن يجعلهم مستمسكين بالجهاد حتى تنعم هذه الأرض
بالسلامة والإسلام.
إنّ المسلمين في فهم الباحث انطلقوا إلى الجهاد تحت رعاية الدّين والتاريخ، فالإسلام - –
يأمرهم بالجهاد ويحثّهم عليه، والتاريخ يعلّمهم أنّ القتال في سبيل الأرض والمقدّسات والإنسان هو
الضامن الوحيد للاستق ا رر والأمن.
والجهاد في الإسلام له مكانةٌ سامية ومنزلة عظيمة، ولا تستوعب هذه السطور إحاطة هذه
المنزلة، غير أنّ الباحث سيكتفي بذكرِ طرفٍ من محكم الوحي في فضل الجهاد ومكانته وحثّ
الإسلام عليه لأهداف عظيمة ومقاصد جليلة.
الجهاد في القررن الكريم:
2. ذكر الله في كتابه مكانة المجاهدين العظيمة وأفضليتهم على المتخلّفين عن الجهاد
فقال : }لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالمُْجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ
الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً
. ) عَظِيماً { )النساء/ 15
558
2. وجعل الله الجهاد طريقاً للفلاح والفوز فقال :} فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِياَرِهِمْ
وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَاباً مِّن عِندِ اللّهِ
وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ{)آل عمران/ 115 (، وقال :}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي
سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ { )المائدة/ 05 ( ، وقال : }الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ
.) وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِندَ اللّهِ وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ {)التوبة/ 23
0. وربط الله بين الإيمان الحقيقي والجهاد في سبيل الله فقال : }وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ
،) وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُم مَّغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ { )الأنفال/ 96
}إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ
.) الصَّادِقُونَ{)الحجرات 15
4. وجعل الله الجهاد في سبيله خي ا رً من خدمة الحجاج وعمارة المسجد الح ا رم، فقال :
}أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَْسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ يَسْتَوُونَ عِندَ اللّهِ
. ) وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ { )التوبة/ 11
5. وأمر الله بالجهاد، وجعل فيه الخيرية، فقال :}انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ
وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ { )التوبة/ 61 ( ، وقال : }وَجَاهِدُوا فِي
اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن
.) قَبْلُ{ )الحج/ 99
1. وتعهّد بهداية المجاهدين فيه، فقال : }وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ
. ) الْمُحْسِنِينَ {)العنكبوت/ 41
559
7. وجعل الله الجهاد دليلاً على النجاح في الابتلاء، فقال : }وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ
. ) الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{ )محمد/ 01
8. وجعل الله الجهاد مقروناً بالإيمان خيرَ تجار ة مع الرحمن ونجاةٍ من الني ا رن، - -
فقال : }إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ
حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلكَِ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ{
)التوبة/ 111 (، وقال :}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ*تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ
وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {)الصف/
11 13 ( ، وقال - : }فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيُقْتَلْ أَو يَغْلِبْ
. ) فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً { )النساء/ 96
4. وبيّن الله مقاصد الجهاد، من حمايةٍ للدين، وكفٍّ لبأس الكافرين، وحمايةٍ
للمستضعفين، وردٍ لكيد المعتدين، فقال :}وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ
الْمُعْتَدِينَ{)البقرة/ 113 (، وقال :}وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ إِلاَّ عَلَى
الظَّالِمِينَ{ )البقرة/ 110 (، وقال : }وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ
،) الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ وَلِيّاً وَاجْعَل لَّنَا مِن لَّدُنكَ نَصِيراً { )النساء/ 95
وقال : }فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَن يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُواْ وَاللّهُ
أَشَدُّ بَأْساً وَأَشَدُّ تَنكِيلاً {)النساء/ 96 ( ، وقال :}أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم
بَدَؤُوكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ أَتَخْشَوْنَهُمْ فَاللّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَوْهُ إِن كُنتُم مُّؤُمِنِينَ { )التوبة/ 10 (، وقال :}أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ
. ) بِأَنَّهُمْ لَُِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ { )الحج/ 01
23 . كما توعّد الله مفضّلي الدنيا ومباهجها على الجهاد في سبيله، وتوعّد المتخلفين
والمرتدّين عن دينه بالاستبدال بقوم مجاهدين، فقال : }قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وأبنْاَؤكُم
561
وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ
،) إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ {)التوبة/ 26
وقال : }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى
. ) الْكَافِرِينَ يجَُاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ ذَلكَِ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ { )المائدة/ 56
22 . وأمر الله المؤمنين ببذل الوسع في إعداد العدة للجهاد في سبيل الله، فقال :
}وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ
. ) اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ { )الأنفال/ 43
إنّ في هذه الآيات المحكمات كفاية في حثّ المؤمنين على الجهاد وتحريضهم على القتال
في سبيل الله ، لتكون كلمة الله هي العليا، وللحفاظ على الدين، ولتحرير الأرض والإنسان.
ة النبوية:
ّ
الجهاد في السن
جاءت السنّة مصدّقةً ومفصّلةً لفريضة الجهاد في الق آ رن الكريم، وجاءت أحاديث رسول الله
متواترة تحضّ على الجهاد وتبيّن منزلته عند الله ، وتفصّل ما أجمله القرآن، ويورد الباحث
جملةً اختارها، من أهمّ ما صحّ عن النبيّ في الجهاد والم ا ربطة في سبيل الله .
2( عن أبي هريرة عن النبي قال: ) انْتَدَبَ الله لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَ يُخْرِجُهُ إِلَّ -
إِيمَا ن بِي، وَتَصْدِي ق بِرُسُلِي أَنْ أَرْجِعَهُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ أَوْ غَنِيمَةٍ ، أَوْ أُدْخِلَهُ الْجَنَّةَ ، وَلَوْلَا أَنْ -
أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي مَا قَعَدْتُ خَلْفَ سَرِيَّةٍ ، وَلَوَدِ دْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللهِ ، ثُمَّ أُحْيَا، ثُمَّ أُقْتَلُ ، ثُمَّ أُحْيَا،
ثُمَّ أُقْتَلُ () 1 .)
1 ( متفق عليه، البخاري: كتاب الإيمان، باب الجهاد من الإيمان، برقم: 04 ، )ص 16 (، مسلم: كتاب الإمارة،
. ) باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم: 1994 ، )ص 150
560
2( وعنه قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يَعْدِلُ الْجِهَادَ ، ) قَالَ:
لَ أَجِدُه ، قَالَ : هَلْ تَسْتَطِيع إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ ؛ فَتَقُومَ وَلَ تَفْتُرَ ، وَتَصُومَ وَلَ
تُفْطِرَ ؟( قَالَ: وَمَنْ يَسْتَطِيع ذَلِكَ؟ ) 1 . )
0( وعنه قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ يَقُولُ : )مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ أَعْ لَمُ -
بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ الصَّائِمِ الْقَائِمِ الْخَاشِعِ ال اَّ ركِعِ السَّاجِدِ( ) - 2 . )
4( وعن أَبي أُمامة : أنَّ رجلا قَالَ : يَا رسولَ اللهِ، ائْذَنْ لي في السِّيَاحَةِ ، فَقَالَ النبيُّ :
)إنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ ( ) 3 . )
5( وعنه أنّ رَسُولِ اللهِ قال: )عَ لَيكُ م بالجِ هَ ادِ في سَ بيلِ اللهِ فإ نَّهُ با ب مِ نْ أَ ب وابِ
الجَ نةِ ، يذهبُ الله بهِ الهَ مَّ والغَ مَّ ( ) 4 . )
1( وقال رَسُولِ اللهِ ) أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَلَغ مُخْطِئًا أَوْ
مُصِيبًا فَلَهُ مِنَ الْأَجْرِ كَرَقَبَةٍ أَعْتَقَهَا مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ ( ) 5 . )
7( وقال رسول الله : )مَوْضِع سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْرٌ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَة فِي سَبِيلِ
اللهِ أَوْ رَوْحَ ة خَيْ ر مِ نَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا() 6 . )
1 ( متفق عليه، البخاري: كتاب الجهاد والسير، باب فضل الجهاد والسير، برقم: 2995 ، )ص 001 (، مسلم:
. ) كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والخروج في سبيل الله، برقم: 1999 ، )ص 156
2 ( سنن النسائي، كتاب الجهاد، باب مثل المجاهد في سبيل الله 024 (، وصححه الألباني /4( ، ، برقم: 0129
. ] )1319/2( ، ] صحيح الجامع، برقم: 5953
3 90 (، قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد ولم /2( ، ( المستدرك على الصحيحين، كتاب الجهاد، برقم: 2019
. ] )621/1( ، يخرّجاه، ووافقه الذهبي، و صححه الألباني ] صحيح الجامع، برقم: 2310
4 ، 191 (، وصححه الألباني ] صحيح الجامع، برقم: 6340 /9( ، ( المعجم الأوسط للطب ا رني، برقم: 9006
. ] )953/2(
5 269 (، وصححه الألباني ]صحيح /29( ، ( مسند أحمد، مسند الشاميين، حديث عمرو بن عبسة، برقم: 19320
. ] )501/1( ، الجامع، برقم: 2901
6 ( متفق عليه، البخاري: كتاب الرقاق، باب مثل الدنيا في الآخرة، برقم: 4615 ، )ص 991 (، مسلم: كتاب
. ) الإمارة، باب فضل الغدوة والروحة في سبيل الله، برقم: 1991 ، )ص 155
561
8( وعن أبي هريرة قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : )مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَيْ ر
مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ ( ) 1 . )
4( وعن معاذ بن جبل قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ يَقُولُ : ) مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ
رَجُلٍ مُسْلِمٍ فُوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَمَنْ سَأَلَ الله الْقَتْلَ مِنْ عِنْدِ نَفْسِهِ صَادِقًا ثُمَّ مَاتَ أَوْ قُتِلَ
فَلَهُ أَجْرُ شَهِيدٍ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ نُكِبَ نَكْبَةً، فَإِنَّهَا تَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَأَغَ ر مَا
كَانَتْ، لَوْنُهَا كَالزَّعْفَ اَ رنِ وَرِيحُهَا كَالْمِسْكِ، وَمَنْ جُرِحَ جُرْحًا فِي سَبِيلِ اللهِ، فَعَلَيْهِ طَابَع الشُّهَدَاءِ () 2 .)
23 ( وعَنْ أَبِى سَعِيدٍ الْخُدْ رِيّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ: ) يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا
وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَه الْجَنَّة ... ثُمَّ قَالَ : وَأُخْرَى يُرْفَع بِهَا الْعَبْدُ مِائَةَ دَرَجَةٍ في
الْجَنَّةِ ، مَا بَيْنَ كُ ل دَرَجَ تَيْنِ كَمَا بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، قَالَ: وَمَا هِيَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ : الْجِهَادُ فيْ
سَبِيلِ اللَّهِ ، الْجِهَادُ في سَبِيلِ اللَّهِ ( ) 3 . )
وفي فضائل الجهاد ومكانته في الإسلام غير ما تقدّم ما لا يكاد يحصى من الأحاديث - –
والآثار، وكذا في سيرة النبي وأصحابه وخلفائه رضي الله عنهم . –
:
الجهاد في فلسطين خاصة
خصّ الإسلام أرض فلسطين بالجهاد والرباط، فعن ابن عباس قال: قال رسول الله :
)أولُ هذا الأمرِ نبوة ورحم ة، ثمَّ يكونُ خلاف ة ورحم ة، ثمّ يكون مُلك اً ورحمةً، ثمّ يتكادمون عليه
تكادُم الحُ مُرِ، فعليكُم بالجهادِ، وانّ أفضلَ جهادِكم ال رباطُ، وان أفضلَ رباطِكم عسقلانُ () 4 . )
1 ( شعب الإيمان للبيهقي، بابٌ في الم ا ربطة في سبيل الله 163 (، وصححه الألباني /4( ، ، برقم: 0191
. ] )1129/2( ، ]صحيح الجامع، برقم: 4404
2 062 (، سنن النسائي، كتاب الجهاد، /04( ، ( مسند أحمد، مسند الأنصار، حديث معاذ بن جبل، برقم: 22316
000 (، وصححه الألباني ] صحيح الجامع، برقم: /4( ، باب ثواب من قاتل في سبي الله فواق ناقة، برقم: 0161
. ] )1315/2( ، 4614
3 ( صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب بيان مَا أَعَدّه ) للمجاهد في الجنّة من الدَّرجات، برقم: 1996 ، )ص 154
4 ، ( المعجم الكبير، أبو القاسم الطب ا رني، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، دار ابن تيمية/القاهرة، ط 2
99 (، وقال الألباني: إسناده جيد وللحديث شاهد بنحوه من حديث حذيفة /11( ، 1636 ه/ 1190 م، برقم: 11109
. ] )932/9( ، ] السلسلة الصحيحة، برقم: 0293
563
وهذه الأفضلية للجهاد والرباط على أرض فلسطين بيّنةٌ في الأحاديث الكثيرة التي جاءت عن
الطائفة الم ا ربطة المنصورة الظاهرة، كقوله : ) إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَ تَ اَ زلُ طَائِفَ ة
مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ لَ يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ ( ) 1 . )
وكقوله : ) سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا: جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِ اَ رقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ
ال لَّهِ اخْتَرْ لِي، قَالَ : عَلَيْكُمْ بِالشَّامِ... فَإِنَّ اللَّهَ تَكَفَّلَ لِي بِالشَّامِ وَأَهْلِهِ () 2 . )
كل هذه الأحاديث وغيرها مما روي في فضائل الأرض المقدسة والشام، واضحةٌ في فضل
الرباط على هذه الأرض والجهاد فيها، إذ كيف تكون الطائفة ظاهرة على الحق وهي لا تجاهد
لأجل استرداد هذه الأرض من مغتصبيها من الكفار، ولا ت ا ربط على ثغور هذه الأرض المقدّسة
المباركة؟! .
قال ابن قدامة المقدسي) 3 ( رحمه الله: "وأفضل الرباط المقامُ بأشدّ الثغور خوف اً; لأنّهم –
أحوج، ومقامه به أنفع، وقال أحمد: أفضل الرباط أشدهم كلب اً، وقيل لأبي عبد الله: فأين أحبّ
إليك أن ينزل الرجل بأهله؟ قال: كل مدينة معقل للمسلمين، مثل دمشق، وقال: أرض الشام أرض
المحشر" ) 4 . )
قيل لأبي عبد الله )أي الإمام أحمد(، فهذه الأحاديث التي جاءت: )إنّ الله تكفل لي بالشام(
ونحو هذا، ما هي؟ قال: ما أكثر ما جاء فيه، وقيل له: إنّ هذا في الثغور، فأنكره، وقال: أرض
القدس أين هي؟ " ) 5 . )
1 ( سبق تخريجه .
2 ( سبق تخريجه.
3 123 ه(: الشيخ الإمام القدوة العلامة المجتهد شيخ الإسلام موفق الدين أبو - ( ابن قدامة المقدسي ) 542
محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي، رحل إلى بغداد لطلب العلم، وطلبه في دمشق، وغيرها، وكان
عالم أهل الشام في زمانه، قال ابن النجار: كان ثقة حجة نبيلا ، غزير الفضل، ورع اً، عابد اً، على قانون السلف،
عليه النور والوقار، ينتفع الرجل برؤيته قبل أن يسمع كلامه، وقال عمر بن الحاجب: هو إمام الأئمة، ومفتي
- . ] )149 145/ الأمة، خصه الله بالفضل الوافر... لم نر مثله ] انظر: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 22
4 ، ( المغني شرح مختصر الخرقي، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار إحياء الت ا رث العربي/بيروت، ط 1
.)149/ 1635 ه/ 1195 م، ) 1
5 . )149/ ( المغني، ابن قدامة المقدسي، ) 1
564
ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: " المقام في ثغور المسلمين؛ كالثغور الشامية، –
والمصرية، أفضل من المجاورة في المساجد الثلاثة، وما أعلم في هذا ن ا زع اً من أهل العلم، وقد
نصّ على ذلك غيرُ واحدٍ من الأئمة؛ وذلك لأنّ ال رباط من جنس الجهاد، والمجاورة غايتها أن
تكون من جنس الحجّ " ) 1 . )
الجهاد عند علماء الإسلام:
نصّ علماء المسلمين على أنّ الجهاد )وخاصة جهاد دفع العدو والقتال دون أرض
المسلمين(، واجبٌ بإجماع الأمة، كيف لا وقد تقدّم فضل الجهاد في سبيل الله في الق آ رن
والسنة، واذا لم يكن الجهاد واجباً عند استباحة ديار المسلمين وسرقة أرضهم، فمتى يكون واجباً
إذاً، وفيما يلي يستعرض الباحث طرفاً مما وقف عليه من أقوال العلماء في الجهاد.
جاء عن الإمام أحمد رحمه الله قوله: " ليس يعدل الجهاد عندي وال رباط شيء، والرباط - –
دفع عن المسلمين; وعن حريمهم، وقوة لأهل الثغر ولأهل الغزو، فالرباط أصل الجهاد وفرعه،
والجهاد أفضل منه للعناء والتعب والمشقة " ) 2 . )
وقال ابن حزم رحمه الله: " ولو أن إمام اً نهى عن قتال أهل الحرب لوجبت معصيته في –
ذلك, لأ نه أمر بمعصيةٍ ، فلا سمع ولا طاعة له، وقال: }فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ {
)النساء/ 96 (، وهذا خطاب متوجّه إلى كلّ مسلمٍ , فكلّ أحدٍ مأمو ر بالجهادِ، وان لم يكن معه
أحد") 3 . )
1 .)501/ ( الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ) 0
2 149 ( بتصرف . - / ( المغني، ابن قدامة المقدسي، ) 1
3 ( المح لّى، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار الفكر/ بيروت، ط)بدون(،
. )051/ )بدون تاريخ(، ) 9
565
ويقول أيضاً: " ولا يجوز الجهاد إلا بإذن الأبوين، إل أن ينزل العدو بقوم من المسلمين؛
ففرض على كل من يمكنه إعانتهم أن يقصدهم مغيث اً لهم، أذن الأبوان أم لم يأذنا" ) 1 . )
وقد وُجد من العلماء العاملين المجاهدين على أرض الشام وفلسطين من خطّ بعلمه
وضرب بسيفه في سبيل الله ، حفاظاً على أمجاد أمة الإسلام، وطرداً للغ ا زة المحتلين، وكان
منهم: نور الدين محمود) 2 ( الذي بلغ من الشجاعة وحبّ الجهاد مبلغاً عظيماً، وفتح الله على يديه،
وأذاق الصليبيين الويلات، " حتى قيل له: بالله عليك، لا تخاطر بنفسك وبالإسلام والمسلمين، فإن
أ صبت في معركة لا يبقى من المسلمين أحد إلا أخذه السيف، فقال نور الدين: ومن محمود حتى
يقال له هذا؟ من قبلي من حفظ البلاد والإسلام؟ ذلك الله الذي لا إله إلا هو " ) 3 . )
وكان حريصاً أشد الحرص على ثغور المسلمين، فعندما ضربت الزلازل أرض الشام عام
552 ه، هبّ لمقارعة الصليبيين والإغارة عليهم لإشغالهم عن ديار الإسلام، وقطع طمعهم فيها؛
واستمر على ذلك إلى أن بنى المسلمون جميع أسوارهم وحصونهم المتهدّمة من الزلازل") 4 . )
قال ابن قدامة المقدسي رحمه الله: " والجهاد فرض على الكفاية .... ومعنى فرض –
الكفاية، الذي إن لم يقم به من يكفي، أثم الناس كلهم، وان قام به من يكفي، سقط عن سائر الناس
... فالجهاد من فروض الكفايات، في قول عامة أهل العلم ... ومعنى الكفاية في الجهاد أن
ينهض للجهاد قوم يكفون في قتالهم; إما أن يكونوا جندا لهم دواوين من أجل ذلك، أو يكونوا قد
1 . )212/ ( المصدر السابق، ) 9
2 514 ه( : الملك العادل، نور الدين، أبو القاسم، محمود بن الاتابك قسيم الدولة - ( نور الدين محمود ) 522
أبي سعيد زنكي بن الأمير الكبير آقسنقر، التركي السلطاني الملكشاهي، وكان نور الدين حامل ا ريتي العدل
والجهاد، قل أن ترى العيون مثله، حاصر دمشق، ثم تملكها، وبقي بها عشرين سنة، وافتتح حصونا كثيرة، وهزم
البرنس صاحب أنطاكية، وقتله في ثلاثة آلاف من الفرنج، وأظهر السنة بحلب وقمع ال ا رفضة، وفتحت جيوشه
مصر وطردت منها ال ا رفضة، وقال ابن الجوزي: جاهد، وانتزع من الكفار نيف اً وخمسين مدينة وحص نا، وقد طالعت
سير الملوك المتقدمين، فلم أر فيها بعد الخلفاء ال ا رشدين وعمر بن عبد العزيز أحسن من سيرته، ولا أكثر تحريا منه
- - )505 501/ 016 (، أيضاً: سير أعلام النبلاء، الذهبي، ) 23 / للعدل. ] الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ) 1
بتصرف [ .
3 015 ( بتصرف يسير . - / ( الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ) 1
4 .)209/ ( انظر: الكامل في التاريخ، ابن الأثير، ) 1
566
أعدوا أنفسهم له تبرع اً، بحيث إذا قصدهم العدو حصلت المنعة بهم، ويكون في الثغور من يدفع
العدو عنها ") 1 . )
وقال أيضاً: " ويتع يّن الجهاد في ثلاثة مواضع; أحدها: إذا التقى الزحفان، وتقابل الصفان،
حرم على من حضر الانص ا رف، وتع يّن عليه المقام، والثاني: إذا نزل الكفار ببلد، تع يّن على أهله
قتالهم ودفعهم، والثالث: إذا استنفر الإمام قوم اً لزمهم النفير معه") 2 . )
ومن علماء الأمّة الذين بيّنوا مكانة الجهاد وأعلوا شأنه، سلطان العلماء، العزّ بن عبد
السلام) 3 ( رحمه الله إذ يقول: " فإن أفضل الأعمال بعد الإيمان بالله - – : الجهاد في سبيل الله؛
لما فيه من محق أعداء الله وتطهير الأرض منهم، واستنقاذ أسرى المسلمين من أيديهم، وصون
دماء المسلمين وأموالهم، وحرمهم وأطفالهم ... ولذلك عظ م الله فيه أجر الطالب من المسلمين
والمطلوب، والغالب والمغلوب، والقاتل والمقتول، وأحيا القتلى فيه بعد مماتهم، وعوضهم عن حياتهم
التي بذلوها لأجله بحياة أبدية سرمدية، لا يصفها الواصفون ولا يعرفها العارفون ") 4 . )
1 142 ( بتصرف . - / ( المغني، ابن قدامة المقدسي، ) 1
2 140 ( بتصرف . - / ( المغني، ابن قدامة المقدسي، ) 1
3 113 ه(: عبد العزيز بن عبد السلام بن أبي القاسم بن الحسن السلمي الدمشقي، - ( العز بن عبد السلام ) 577
عز الدين، الملقب بسلطان العلماء: فقيه شافعي بلغ رتبة الاجتهاد، ولد ونشأ في دمشق، و ا زر بغداد سنة 511 ه
فأقام شه ا رً، وعاد إلى دمشق، فتولى الخطابة والتدريس ب ا زوية الغ ا زلي، ثم الخطابة بالجامع الأموي، ولما سلم
الصالح إسماعيل ابن العادل قلعة "صفد" للفرنج اختيا ا ر أنكر عليه ابن عبد السلام ولم يدع له في الخطبة، فغضب
وحبسه، ثم أطلقه فخرج إلى مصر، فولاه صاحبها الصالح نجم الدين أيوب القضاء والخطابة ومكنه من الأمر
والنهي، ثم اعتزل ولزم بيته، وتوفي بالقاهرة، من كتبه: التفسير الكبير وَ الإلمام في أدلة الأحكام، وَ ترغيب أهل
21 ( بتصرف[ . - / الإسلام في سكن الشام، وغيرها ] الأعلام، الزركلي، ) 6
4 ( أحكام الجهاد وفضائله، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، تحقيق: نزيه كمال حماد، مكتبة دار
. ) 163 ه/ 1194 م، )ص 50 ، الوفاء/جدة، ط 1
567
ويقول أيضاً: " ولما كانت الأنفس والأموال مبذولة في الجهاد؛ جعل الله من بذَ ل نفسه
في أعلى رتب الطائعين وأشرفها؛ لشرف ما بذله، مع محو الكفر ومحق أهله، واع ا زز الدين،
وصون دماء المسلمين" ) 1 . )
ويبيّن شيخ الإسلام ابن تيميّة رحمه الله أنّ جهاد الدفاع كما هو حال أهل فلسطين - – –
اليوم هو أوجب الواجبات، وبكل السبل والإمكانات، فقال رحمه الله: " وأما قتال الدفع فهو أشد -
أنواع دفع الصائل عن الحرمة والدين، فواج ب إجماع اً، فالعدوّ الصائلُ الذي يفسدُ الدين والدنيا ل
شيء أوجبَ بعد الإيمان من دفعه، فلا يشترط له شرط بل يدفع بحسب الإمكان، وقد نص على
ذلك العلماء، أصحابنا وغيرهم، فيجب التفريق بين دفع الصائل الظالم الكافر وبين طلبه في بلاده،
والجهاد منه ما هو باليد، ومنه ما هو بالقلب، والدعوة، والحجة، واللسان، وال أ ري، والتدبير،
والصناعة، فيجب بغاية ما يمكنه، ويجب على القعدة لعذر أن يخلفوا الغ ا زة في أهليهم ومالهم" ) 2 . )
ويقول أيضاً:" واذا دخل العدو بلاد الإسلام، فلا ريب أنه يجب دفعه على الأقرب فالأقرب؛
إذ بلاد الإسلام كلها بمنزلة البلدة الواحدة، وأ نه يجب النفير إليه بلا إذنِ والدٍ ولا غريم" ) 3 .)
ويقول سيد قطب رحمه الله مبيّناً مقصد الجهاد: " يجب على الجماعة المسلمة أن تحط م - –
كل قوة تعترض طريق الدعوة وابلاغها للناس في حرية، أو تهدد حرية اعتناق العقيدة وتفتن الناس
عنها، وأن تظلّ تجاهد حتى تصبح الفتنة للمؤمنين بالله غير ممكنة لقو ة في الأرض، ويكون
الدين لله ، لا بمعنى إك ا ره الناس على الإيمان، ولكن بمعنى استعلاء دين الله في الأرض،
بحيث لا يخشى أن يدخل فيه من يريد الدخول، ولا يخاف قوة في الأرض تصده عن دين الله
أن يبلغه، وأن يستجيب له، وأن يبقى عليه، وبحيث لا يكون في الأرض وضع أو نظام يحجب نور
الله وهداه عن أهله ويض لّهم عن سبيل الله بأية وسيلة وبأية أداة") 4 . )
1 . ) ( أحكام الجهاد وفضائله، العز بن عبد السلام، )ص 56
2 .)509/ ( الفتاوى الكبرى، ابن تيمية، ) 5
3 .)501/ ( المصدر السابق، ) 5
4 . )199/ ( في ظلال الق آ رن، سيد قطب، ) 1
568
ويقول الشيخ يوسف القرضاوي: " أول أنواع الجهاد الواجب على الأمّة في هذا العصر، هو
جهاد التحرير للأمة من بقايا الستعمار، الذي لا ي ا زل ينشب أظفاره في أج ا زء منها، ومناطق من
دار الإسلام التي يجب أن تخلو للمسلمين، وتتحرر من كل سلطان أجنبي، وفي مقدمة هذه
المناطق: أرض الإس ا رء والمع ا رج، وأرض المسجد الأقصى ... ومن المقرر فقهاً أن على المسلمين
في فلسطين أن ينفروا خفافاً وثقالاً لطرد العدو الكافر الذي احتلّ ديارهم فهذا فرض عينٍ على
جميعهم، كل بما يقدر عليه، وتسقط هنا الحقوق الفردية، حتى إن الم أ رة لتخرج للجهاد بدون إذن
زوجها، والابن بغير إذن أبيه ... فإن عجز أهل فلسطين عن طرد العدو وتحرير الأرض أو -
تقاعسا عن ذلك وجبنوا كان على أقرب الجي ا رن إليهم أن يقاتلوا بجوارهم أو يحلوا محلّهم عند - –
قعودهم حتى يطردوا العدو الغازي الكافر" ) - 1 . )
هذا غي ض من فيضٍ، وفيه إشارة إلى الكثير من أشباه وأمثال هذه الأقوال لعلماء الإسلام.
خلاصة المطلب:
أولً: الجهاد من أعظم الأعمال عند الله بعد الإيمان، وهو ذروة سنام الإسلام، وسياحة أمّة
محمد ، وفيه الخير والمنزلة العظيمة عند الله وعند الناس، وفي تركه المذلة والصغار.
ثانياً: الجهاد في فلسطين فرض عين على أهلها ثم من يلونهم، حتى تتحرر كاملة من
الكفار المغتصبين لها، ولن تتحرر إلا بإنفاذ هذه الفريضة والعمل بها، لا بسواها.
ثالثاً: حثّ سلف الأمة وعلماؤها الأقدمون والمتأخرون على الجهاد، وأجمعت الأمّ ة على
فرضيته ووجوبه، خاصة في دفع العدو الصائل، واستنقاذ أرض المسلمين وأسا ا رهم.
1 - . )1196 1190 / ( فقه الجهاد، يوسف القرضاوي، ) 2
569
المطلب الرابع:
سة
ّ
حكم الإسلام في التفريط بشيء من الأرض المقد
ما دامت أرض فلسطين المقدّسة قد احتلّت في عقيدة المسلمين وفكرهم وتاريخهم هذه المكانة
الدينية السامية، وترسّخ في وجدان كلّ مسلمٍ يعرف دينه حقّ المعرفة بأن أرض فلسطين هي آية
في كتاب الله الخالد، وهي مي ا رث الأنبياء والمرسلين، وهي وصية رسول الله وخلفائه ال ا رشدين،
وهي موضع الجهاد والمجاهدين إلى يوم الدين، وهي ملاذ المؤمنين وطائفة المنصورين، فذلك
يكفي تأصيلاً شرعياً لحكم الإسلام في التفريط بأرض فلسطين المباركة.
فهل يجوز لمسلمٍ بعد إيمانه بربه وبرسوله وبالقرآن العظيم، أن يشكّ لحظةً أنه يجوز
له التفكير في التفريط بذرة ت ا رب من هذه الأرض المقدّسة؟!
إنّ المسلمين الذين استقرّت مصادر دينهم على وحي سماوي صحيح يقيني لا جدال فيه ولا
أثر ليد البشر عليه، ينبغي أن يكونوا أحرص البشرية على مسرى نبيّهم وما حوله، ولا يجوز
بحال أن يكون اليهود والنصارى أحرص منهم على هذه الأرض، وهم الذين تلطّخ تاريخهم بالخيانة
لله ولأنبيائه الأكرمين؛ بتحريفهم كتاب ربّهم، وبقولهم عليه زو ا رً وبهتاناً عظيم اً.
ومن لوازم فرضية الجهاد عينياً في فهم الباحث أن يكون التفريط بشيء من فلسطين - - –
قلّ أو كثر ح ا رم شرعاً؛ إذ كيف يكون الجهاد فيها فرض عين، تبذل فيه النفوس والأموال، -
وتستنفر فيه الأمة بعدتها وعتادها، ثم يجوز لها أو لبعضها أن يتنازل عن جزء منها لعدوّها!
فتاوى العلماء في حكم التناهل عن فلسطين:
بعد أن وقع البلاء على الأرض المقدّسة في العصر الحديث، باحتلالها من شذاذ الآفاق
وأعداء الله اليهود، انبرى علماء المسلمين منذ بوادر الاحتلال اليهودي وحتى يومنا هذا، يدافعون
بعلمهم وفتواهم عن أرض فلسطين، ويبيّنوا للناس حرمة هذه الأرض، وعدم جواز التفريط بذرة من
ت ا ربها، أو الصلح مع اليهود على أساس تقسيمها، أو الاعت ا رف لهم بأيّ حقّ فيها.
571
فتاوى قبل الاحتلال:
اجتمع في القدس عدد كبير من علماء فلسطين يوم العشرين من شوال عام 1050 ه،
الموافق السادس والعشرين من يناير عام 1105 م، وأفت وا بالإجماع بحرمة بيع الأ ا رضي في
فلسطين لليهود، مبيّنين أنّ من شأن ذلك أن يفتن المسلمين في دينهم وأرضهم، وأن يحقق
للصهيونية الكافرة مقاصدها، وجرّم العلماءُ السماسرةَ والوسطاءَ العرب الذين يبيعون أ ا رضٍ في
فلسطين لليهود، واعتبروا أنّ هؤلاء موالون لليهود ومانعون لمساجد الله أن ترفع ويذكر فيها اسم الله
، وأنّ في بيع الأرض خيانة لله ولرسوله وللمؤمنين، واعتبر العلماء استحلال بيع الأرض
لليهود كفرٌ، وأن فاعله لا يصلّى عليه ولا يدفن في مقابر المسلمين، وتجب منابذته ومقاطعته ولو
كان من أولي القربى، وأنّ السكوت عنه أو الرضا بما يفعل ح ا رمٌ قطعاً ) 1 . )
1104 م، عقد مؤتمر ثانٍ لعلماء فلسطين في القدس /32/ وفي العام التالي، وتحديداً في 16
أيضاً، وخلص المؤتمر إلى تحريم السماح بالهجرة اليهودية، وتحريم بيع الأرض لليهود، و دعم
تشكيل نواة الجيش الفلسطيني للدفاع عن الأرض والمقدّسات) 2 . )
ويبدو أن مثل هذه المؤتم ا رت جوبهت بالواقع على الأرض، إذ كان اليهود قد بدأوا في
السيطرة على فلسطين بالقوة والسلاح بمساعدة الاحتلال، في زمن الضعف الإسلامي، لكن هذه
المواقف للعلماء بقيت خالدة لتؤكّد مبدأ حرمة الأرض المقدّسة وموقف الإسلام ال ا رسخ منها.
وقد أفتى الشيخ محمد رشيد رضا قبل احتلال اليهود أرض فلسطين بأكثر من ثلاثة عشر
عاماً حول حرمة تمكين اليهود أو غيرهم من الأرض المقدّسة فقال: " إن من يبيع شيئًا من أرض
فلسطين وما حولها لليهود أو للإنكليز فهو كمن يبيعهم المسجد الأقصى، وكمن يبيع الوطن
كله؛ لأن ما يشترونه وسيلة إلى جعل الحجاز على خطر، فرقبة الأرض في هذه البلاد هي كرقبة
1 ( انظر: فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، جمع من العلماء، دار الفرقان/ عمّان،
- . )94 1113 م، )ص 44 ، ط 1
2 ( انظر: فتاوى علماء المسلمين في حرمة التفريط بأرض فلسطين، د. سالم سلامة، ا ربطة علماء فلسطين/ غزة،
- . )25 2339 م، )ص 26 ، ط 1
570
الإنسان من جسده، وهي بهذا تعد شرعًا من المنافع الإسلامية العامة، ل من الأملاك الشخصية
الخاصة، وتمليك الحربي لدار الإسلام باطل، وخيانة لله ولرسوله ولأمانة الإسلام، لا أذكر
هنا كل ما يستحقه مرتكب هذه الخيانة، وانما أقترح على كل من يؤمن بالله ، وبكتابه، وبرسوله
خاتم النبيين ، أن يبثّ هذا الحكم الشرعي في البلاد مع الدعوة إلى مقاطعة هؤلاء الخونة الذين -
يصرون على خيانتهم في كل شيء من المعاشرة والمعاملة والزواج والكلام حتى رد السلام" ) - 1 . )
وفي عام 1109 م رفض علماء نجد قطعياً فكرة تأسيس دولة لليهود في فلسطين أو تقسيم
فلسطين، فأرسلوا للملك في حينه فتوى شرعيةً، جاء فيها: "فقد بلغنا أنّه ي ا رد جعل فلسطين حكومة
يهودية وحكومة عربية إسلامية، ولا يخفى عليك سلّمك الله أنّ جعل ولية لليهود في أرض - –
الإسلام أم ر باطل ومحرّم، لأنه يعود على الإسلام وأهله والحرمين الشريفين والبلاد المقدّسة
بأكبر الخطر وأعظم الضرر، وكل من عنده غيرة دينية وهمّة عربية يأنف ذلك ويأباه ويشمئز منه
أعظم اشمئ ا زز، ويغار لله ولدينه ولحرمته أعظم غيرة ... ونحن علماء المسلمين لا نجيزه ذلك،
ولا نقرّه، ولا نقبله بأي طريق" ) 2 . )
كما صدرت فتوى في يوليو عام 1109 م عن علماء الع ا رق، أكّدوا فيها وجوب مقاومة
إنشاء دولةٍ يهودية في فلسطين، وأنّ هذا هو واجب كل مسلم) 3 . )
وجاء نداء علماء الأزهر الشريف) 4 ( سنة 1169 م إلى العرب والمسلمين بوجوب الجهاد
لإنقاذ فلسطين والمسجد الأقصى بعد ق ا رر تقسيم فلسطين، وجاء في هذا النداء: " إنّ الخطب جلل
1 . )412 / ( مجلّة المنار، محمد رشيد بن علي رضا، ذو القعدة 1050 ه/ 1105 م، ) 06
2 1621 ه/ 2331 م، ، ( تذكير النفس بحديث القدس "واقدساه"، د. سيد حسين العفاني، دار العفاني/القاهرة، ط 1
1054 ه - - /34/ 16 ( بتصرف يسير، عن: مجلة الفتح، العدد 540 ، الصادر بتاريخ 12 10 /6(
3 . ) ( انظر: فتاوى علماء المسلمين في حرمة التفريط بأرض فلسطين، د. سالم سلامة، )ص 51
4 ( الأزهر الشريف: من أهم المساجد في مصر وأشهرها في العالم الإسلامي، وهو جامع وجامعة منذ أكثر من
ألف عام، أنشئ لغرض نشر المذهب الشيعي عندما تم فتح مصر على يد جوهر الصقلي قائد المعز لدين الله أول
الخلفاء الفاطميين بمصر، إلا أ نه سنّي المذهب، وقد اختلف المؤرخون في أصل تسمية هذا الجامع، ويبدو أن
الفاطميين سموه بالأزهر تيمنا بفاطمة الزه ا رء بنت الرسول واشادة بذك ا رها ] موسوعة ويكيبيديا الحرة، ا ربط:
الجامع_الأزهر wikipedia.org/wiki/ 2310 م بتصرف [ . - /39/ ، بتاريخ: 34
571
وان هذا يوم الفصل، فليبذل كلّ عربي وكلّ مسلم في أقصا الأرض وأدناها من ذات نفسه وماله ما
يردّ عن الحمى كيد الكائدين وعدوان المعتدين ... وأعدّوا فيما بينكم كتائب الجهاد، وقوموا بفرض
الله عليكم، واعلموا أنّ الجهاد أصبح اليوم فرض عينٍ على كلّ قادر بنفسه أو ماله، وأنّ من
يتخلّف عن هذا الواجب فقد باء بغضب من الله واثمٍ عظيم" ) 1 . )
فيا ليت العرب والمسلمين أنصتوا لهذا النداء، و يا ليتهم عملوا بحكم الله وأعلنوه جهاداّ
خالص اً، وطردوا اليهود من أرض الإسلام، لكنّهم إلا قليلا منهم اتّخذوا لأنفسهم ا رياتٍ هي أبعد - –
ما تكون عن الإسلام، وتدثّروا بعروبةٍ وقوميةٍ وعصبيةٍ لم تخلّف للأجيال سوى الهزيمة والهوان!
فتاوى بعد الاحتلال:
أفتى ثلاثة وستون عالماً من علماء الأزهر عام 1154 م بحرمة الصلح مع اليهود أو
الاعت ا رف لهم بشيء من فلسطين، وجاء في فتواهم: " ونحن نعلم بما أخذ الله علينا من عهد
وميثاق في بيان الحق أن الجهاد هو السبيل الوحيد لتحرير فلسطين، وأنّه ل يجوز بحال من
الأحوال العت ا رف لليهود بشبر من أرض فلسطين، وليس لشخص أو جهة أن تقرّ اليهود على
أرض فلسطين، أو تتنازل لهم عن أي جزء منها، أو تعترف لهم بأي حق فيها ") 2 . )
وفي شهر فب ا رير عام 1149 م صدرت فتوى عن علماء المؤتمر الدولي الإسلامي المنعقد
في باكستان جاء فيها: " إن الصلح مع اليهود ) المحاربين المحتلين لفلسطين وبعض بلاد
الإسلام والمسجد الأقصى خاصة( ل يجوز شرعاً، لما فيه من إق ا رر الغاصب على غصبه،
والاعت ا رف بحقية يده على ما اغتصبه، فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود المعتدين،
لأن ذلك يمكّنهم من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدّسة، بل يجب على المسلمين
جميعاً أن يبذلوا قصارى جهودهم لتحرير هذه البلاد، وانقاذ المسجد الأقصى وسائر المقدّسات
الإسلامية من أيدي الغاصبين " ) 3 . )
1 19 ( بتصرف يسير. - / ( واقدساه، د. سيد العفاني، ) 6
2 . )216 / 2331 م، ) 0 ، ( الطريق إلى بيت المقدس، جمال عبد الهادي، دار الوفاء/ القاهرة، ط 5
3 ( فتاوى علماء المسلمين في حرمة التفريط بأرض فلسطين، د. سالم سلامة، )ص 54 ( بتصرف يسير . -
573
وقد بيّن العالم المجاهد الشهيد عبد الله ع ا زم) 1 ( رحمه الله أهمّية قضية فلسطين ووجوب - –
الجهاد فيها وحرمة التنازل عنها حتى طرد آخر يهودي منها، وكان مما قاله: " إنّ إثم تقاعس
جيلنا عن النفير في القضايا المعاصرة كقضية فلسطين أشد من إثم سقوط الأ ا رضي - –
الإسلامية السابقة، والتي عاصرتها أجيال مضت ... ومن استطاع من العرب الجهاد في فلسطين
فعليه أن يبدأ بها ... ففلسطين قضية الإسلام الأولى، وقلب العالم الإسلامي، وهي الأرض
المباركة " ) 2 . )
ويقول أيضاً: " لا يجوز أن تتضمن أية معاهدة اعت ا رفاً أو إق ا ر ا رً للكفار بشبر من أ ا رضي
المسلمين، لأن أرض الإسلام ليست لأحد، فلا يحقّ لأحد أن يفاوض عليها، فالأرض لله ثم
للإسلام، فلا يجوز لأحد أن يتصرف في ملك غيره، ول بيع لبن آدم فيما ل يملك، فلا يجوز
التفاوض مع اليهود أبداً على فلسطين، فإذا تعيّن الجهاد بطل الصلح" ) 3 . )
إنّ هذا الفهم الشرعي لحرمة أرض فلسطين الذي فهمه الشيخ ع ا زم، وقاتل من أجله في
أقاصي بلاد الإسلام، واستشهد في سبيله، هو أشدّ ما يحتاج إليه ساسة اليوم الذين يتصدّرون
لقضايا الأمّة وقد خوت جعبتهم من هذا الفهم وامتلأت بالحسابات المادية والمقاييس الدنيوية،
فخلّفت ه ا زئم وتنازلات ومباد ا رت واستجداءات، حتى وصل حال المسلمين إلى ما وصل إليه.
1 2484 م(: العالم المجاهد الجسور الداعية المصلح أمير المجاهدين العرب في - ( عبد الله يوسف ع ا زم ) 2442
أفغانستان، ولد في سيلة الحارثية بجنين، حصل على ليسانس الشريعة من جامعة دمشق عام 1144 م، وغادر إلى
الأردن عام 1149 م، والتحق بكتائب المجاهدين من الإخوان المسلمين بالأردن، حصل على الدكتو ا ره في الشريعة
من القاهرة عام 1190 م، وعمل مدرّساً للشريعة في جامعات الأردن والسعودية وباكستان، و انتقل منذ عام 1192 م
للجهاد في أفغانستان ضد الروس وكان له فيه دور بارز مشهور، واستشهد مع ولديه في عملية اغتيال بتفجير
1191 م ] انظر: من أعلام /11/ سيارته أثناء توجهه لخطبة الجمعة في مسجدٍ بمدينة بيشاور الباكستانية في 26
، الدعوة الإسلامية في فلسطين والأردن، المستشار عبد الله العقيل، مركز الإعلام العربي/مصر، ط 2
- . ] )121 1602 ه/ 2311 م، )ص 119
2 ( موسوعة الذخائر العظام فيما أثر عن الإمام الهمام الشهيد عبد الله ع ا زم، مركز الشهيد ع ا زم الإعلامي/بيشاور -
129 ( بتصرف . - / 1619 ه/ 1119 م، ) 1 ، باكستان، ط 1
3 . )109/ ( المصدر السابق، ) 1
574
واستم ا ر ا رً لدور علماء الأمّة، وعلماء الأرض المقدّسة خاصةً، فقد عُقد مؤتم ر لعلماء
1111 م، بعد حديث العالَم عن اقت ا رب عقد /11/ المسلمين في المسجد الأقصى المبارك، في 31
صلح وسلام دائم بين بعض ساسة فلسطين وبين اليهود المحتلّين!، إذ هبّت ثلّةٌ من علماء
المسلمين في بيت المقدس وما حوله، وأفتوا بالإجماع بحرمة عقد الصلح والسلام مع اليهود ول
المشاركة في مؤتمرٍ لهذا الغرض، لأنّ في ذلك إسباغ شرعيّة على اليهود في وجودهم على
أرض فلسطين المباركة، وعدوانهم على الديار والمقدّسات والأموال، وهذا باطلٌ شرعاً، وعليه فيجب
الجهاد ويتعيّن في فلسطين حتى طرد اليهود من آخر شبرٍ منها) 1 . )
وخلص هذا المؤتمر إلى قول العلماء : " فعقد الصلح مع اليهود باطل شرعاً، ثم أخلاقاً،
ثم عرفاً دولياً، والأمّة غير ملزمة به، ول تتحمل مسئولياته، ولها الحق في التعامل معه بالوجه
الذي ت ا ره مناسباً، حاض ا رً ومستقبلاً " ) 2 . )
وقد أفتى الشيخ عبد العزيز بن باز) 3 ( رحمه الله بوجوب استنقاذ فلسطين من أيدي - –
اليهود وطردهم منها، فقال: " إن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولا وأخي ا رً, ولكن أعداء الإسلام
بذلوا جهودا جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي, وافهام المسلمين من غير العرب, أنها قضية
عربية... وأرى أنه لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية, إلا باعتبار القضية إسلامية, وبالتكاتف
1 - . )24 26/ ( انظر: واقدساه، د. سيد العفاني، ) 6
2 29 ( بتصرف يسير. - / ( المصدر السابق، ) 6
3 2423 ه(: عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن - ( عبد العزيز بن باز ) 2003
باز، ولد عام 1003 ه بمدينة الرياض، كان بصي ا رً ثم أصابه مرض في عينيه عام 1064 ه وضعف بصره ثم فقده
عام 1053 ه، حفظ القرآن الكريم قبل سن البلوغ، ثم جد في طلب العلم على العلماء في الرياض، ولما برز في
العلوم الشرعية واللغة عين في القضاء عام 1053 ه، لازم البحث والتدريس ليل نهار ولم تشغله المناصب عن
ذلك، مما جعله يزداد بصيرة ورسوخا في كثير من العلوم ] الموقع الرسمي للشيخ ابن باز، ا ربط:
www.binbaz.org.sa/life 2310 م [ . /39/ ، بتاريخ: 34
575
بين المسلمين لإنقاذها, وجهاد اليهود جهاد اً إسلامي اً, حتى تعود الأرض إلى أهلها, وحتى يعود
شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاءوا منها " ) 1 .)
وقال الشيخ ابن باز أيضاً: " أنصح الأغنياء وولة الأمور بأن يمدوا يد العون لإخوانهم في
فلسطين المجاهدة لسترداد بلادهم والنصر على الأعداء إن شاء الله") 2 . )
2333 م صدرت فتوى عن "دار الإفتاء في القدس والديار الفلسطينية" حول /39/ وفي 22
حكم التعويض عن الأرض الفلسطينية، جاء فيها: " إنّ التعويض عن الأرض الفلسطينية كبيعها،
سواءً بسواء، ول يجوز مطلقاً شرعاً ... لأنّ الأرض الفلسطينية ليست سلعةً للبيع والش ا رء، فهي
وقفية مباركة مقدّسة، وهناك فرقٌ شاسع بين التعويض عن الأرض، وبين التعويض عن الأض ا رر
التي لحقت باللاجئين الذين هجّروا من ديارهم بغير حق ... فعبارة )حقّ العودة والتعويض معاً(
جائ ز شرعاً، أما عبارة )العودة أو التعويض( فلا تجوز " ) 3 . )
وقد أصدرت ا ربطة علماء فلسطين) 4 2339 م فتوى تحكم بكفر من اعتقد حلّ /31/ ( في 25
التنازل عن أي جزء من فلسطين لليهود، وجاء في الفتوى: " إن التنازل عن حق عودة الشعب
الفلسطيني إلى أرضه فلسطين، يعني التنازل عن ملكية المسلمين للأرض، وتبعيتها للوقف
الإسلامي، فإذا كان بيع الأ ا رضي المقدسة في بلاد الشام لغير المسلمين لا يجوز، ويحرِّمه الشارع
الحكيم، وقد سبق أن أفتى علماء المسلمين في جميع أنحاء المعمورة بتجريم من فعله وك فّروا من
اعتقد ح لّه، فكيف بمن تنازل عن الأرض عبر التنازل عن حق عودة شعبنا الفلسطيني المسلم إلى
1 ( مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئاسة العامة للبحوث العلمية والإفتاء/
064 ( بتصرف يسير . - / الرياض، ط)بدون(، )بدون تاريخ(، ) 1
2 . )121/ ( مجلة البحوث الإسلامية، ) 02
3 ( فتاوى علماء المسلمين في حرمة التفريط بأرض فلسطين، د. سالم سلامة، )ص 10 ( بتصرف. -
4( ا ربطة علماء فلسطين: ا ربطة جامعة لعلماء فلسطين قام بتأسيسها كوكبة من علماء فلسطين, انطلاق اً من
المسجد الأقصى المبارك, وذلك عام 1612 ه/ 1112 م، برئاسة الشيخ حامد سليمان البيتاوي رحمه الله , ولما - -
كان من الضروري أن توجد ال ا ربطة حيث يوجد الفلسطينيون فقد تم تأسيس ف ر عو لها في قطاع غزة ولبنان واليمن
والسودان وغي رها ] انظر: الموقع الرسمي لل ا ربطة، ا ربط: www.rapeta.org/Rapta/ar/?page=about ،
2310 م [ . /39/ بتاريخ: 39
576
أرضه المقدسة؟!، فالقول فيه وفي من رضي بفعله، أو قوله، أو سكت عنه، عربي اً كان أم -
أعجمي اً، صاد ا رً من عالم بنتيجته ا رض بها فهو مستلزم الكفر والرتداد عن دين الإسلام -
باعتقاد ح لّه ") 1 .)
وجاء في الفتوى أيضاً: " إن المتنازل عن حق العودة يلغي وقف أمير المؤمنين لأرض
الشام على ذ ا رري المسلمين... ويظاهر على إخ ا رج المسلمين من ديارهم ... وهو ظالم ومانع
لمساجد الله وعلى أ رسها الأقصى قبلة المسلمين الأولى أن يذكر فيها اسمه وساع في خ ا ربها - –
... وهو متخذ اليهود أولياء ... وهو مؤذٍ وخائن لله ولرسوله وللمؤمنين ... وهو كافر ومرت د عن
دين الله ، وبذلك يصبح أحد الثلاثة الذين يحلّ دمهم " ) 2 . )
2311 م عن حكم الشرع في التنازل عن /39/ وقد سئل الدكتور يوسف القرضاوي بتاريخ 12
)القدس الشريف(، فقال: " ل يجوز لمسلم مسؤول كان أو غير مسؤول أن يتنازل عن أي - –
جزء من أرض الإسلام، فأرض الإسلام ليست ملكًا لرئيس ول لأمير ول لوزير ول لجماعة من
الناس، حتى تتنازل عنها تحت أي ضغط أو ظرف، وانما الواجب على الأف ا رد والجماعات الجهاد
والنفير والمقاومة لتحرير أي أرض احتلها الأعداء، أو لاستعادتها إذا اغتصبها مغتصب، والأمة
كلها مس ؤولة بالتضامن عن ذلك، لا يملك حاكم ولا محكوم التفريط في هذا الأمر، واذا عجز جيل
من أجيال الأمة أو تقاعس، فلا يجوز له أن يفرض عجزه أو تقاعسه على كل أجيال الأمة
القادمة إلى يوم القيامة، فيتنازل عما ل يجوز له التنازل عنه" ) 3 .)
وأفتى القرضاوي بالتحريم القطعي لقبول اللاجئين الفلسطينيين التعويض المالي مقابل
التنازل عن أرض فلسطين، فقال: " ولهذا أصدرنا فتوانا بتحريم قبول التعويض عن أرض فلسطين
بالنسبة للاجئين المشردين في أنحاء العالم، ولو بلغ مئات المليا ا رت، فأوطان الإسلام لا تقبل البيع
1 ( فتاوى علماء المسلمين في حرمة التفريط بأرض فلسطين، د. سالم سلامة، )ص 16 ( بتصرف. -
2 ( المصدر السابق، )ص 15 ( بتصرف. -
3 ( موقع منبر الأقصى الإلكتروني، ا ربط: www.minbaralaqsa.com 2310 م. /39/ ، بتاريخ: 34
577
ولا التنازل أو التعويض عنها بحال من الأحوال، واذا كان هذا الحكم في شأن أي أرض إسلامية،
فكيف إذا كانت هذه الأرض هي القدس الشريف" ) 1 . )
خلاصة المطلب:
أولً: حرّم علماء الإسلام التنازل عن أي شبر من أرض فلسطين، كونها أرض وقف
إسلامي، وأرض مباركة مقدّسة، هي ملك لجميع المسلمين منذ فتحها وحتى قيام الساعة، ولا يجوز
لأي شخص أو جهة مهما بلغت من امتلاك الق ا رر أن تتنازل أو تفرط أو تبيع أو تساوم أو تفاوض
على حبّة ت ا رب من أرض فلسطين.
ثانياً: انبرى علماء المسلمين في العالم العربي والإسلامي، وفي فلسطين خاصة بالدفاع عن
حرمة ووقفية أرض فلسطين، وأصدروا الفتاوى المجرّمة لبيع فلسطين أو التنازل عنها، قبل
الاحتلال الصهيوني وبعده، وحتى يومنا هذا، وحرّضوا الأمة ولا ا زلوا على الجهاد من أجل استرداد
أرض فلسطين.
ثالثاً: إنّ الصلح مع اليهود وعقد السلام الدائم معهم، أو الاعت ا رف لهم بسيادة على أرض
فلسطين، أو قبول التع ويض المادي بدلاً عن أرض فلسطين أو جزءٍ منها، اعتقاداً بحلّ ذلك وحق
اليهود فيه، هو ردّة عن الإسلام وخيانة لله ورسوله وللمؤمنين، وفاعله مرتكب لأفظع المحرمات
وأشدّ الجنايات في حق الدين والأرض وأجيال المسلمين.
1 ( موقع منبر الأقصى الإلكتروني، ا ربط: www.minbaralaqsa.com 2310 م بتصرف - /39/ ، بتاريخ: 34
يسير.
578
النتائج والتوصيات
579
أولا : نتائج البحث
الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبفضل جوده تنعم الموجودات، وكما حمدته سبحانه
وتعالى في المقدمة أحمده سبحانه في الخاتمة، وأشكره على توفيقه.
وأصلي وأسلم على الرحمة المهداة، والنعمة المسداة، والس ا رج المنير، وعلى الآل والصحب
الغر الميامين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:
وضعَ الباحث استنتاجاته المباشرة في نهاية كلّ مطلب من مطالب البحث تحت عنوان:
)خلاصة المطلب(، وفي تقدير الباحث، فإنّ مجموع هذه الخلاصات يعطي نتائج البحث، في
جزئياته المختلفة.
ومع ذلك؛ سيفرد الباحث هنا في نهاية هذا البحث مجموع النتائج العامة، التي توصل إليها
من خلال طرقه لهذا الباب الخطير؛ والذي يمسّ جوهر قضية فلسطين، التي تشكّل ب ؤرة الص ا رع
الأكثر أهمية وحساسية، على مستوى العالم اليوم.
وأهمّ هذه النتائج التي توصّل إليها الباحث ما يلي:
أولا : إنّ الص ا رع الدائر على أرض فلسطين يلخّص الص ا رع الكامن بين الملل الثلاث الكبرى
في عالم اليوم، الإسلام، والنص ا رنية، واليهودية، وانْ كان الص ا رع الأبرز في العصر الحديث -
على ثرى الأرض المقدّسة هو بين المسلمين واليهود أساس اً، فإنّ النصارى )وخاصة نصارى -
الغرب من البروتستانت المتصهينين( لا شكّ أنّهم يقفون في خلفية الص ا رع بكلّ قوّة وحضور؛ إذ
لولا الدعم النص ا رني الغربي لما قامت لليهود قائمة في أرض فلسطين المباركة.
ثاني ا: الص ا رعُ على أرض فلسطين ذو خلفية دينية موغلة في العمق، وهو ص ا رع عقائدي
جوه ا رً ومظه ا رً، حتى وان كانت مظاهره تتلون وتتخفّى وا رء المسمّيات الحديثة، والظروف السياسية،
والخداع اليهودي المعتاد، فلا مجال الب تّة لإنكار حقيقة أنّ خلفيات الص ا رع الأساسية هي خلفيات
عقائدية؛ وهذه الحقيقة يترتب عليها أمو ر هامة وخطيرة وهي بإيجاز:
581
أ( ضرورة وعي أبناء الأمة الإسلامية وأجيال المسلمين بأنّ الهجمة على فلسطين
عقائدية، فال ردّ عليها يكون باستنفار طاقات الأمة بكل أشكالها؛ من أجل حسم الص ا رع لصالح
الإسلام، ليس ذلك سياسةً وقوميةً وعروبيةً، بل ديانةً وتعبّداً، وحفاظاً على أمانة استخلاف الله
للأمة، وعملاً بوصية رسول الله وخلفائه وسلف الأمّة، وصيانةً لموروث الأمّة الحضاري الممتد
عبر القرون.
ب( وجوب مجابهة العقيدة اليهودية والنص ا رنية )الباطلة( فيما يتعلق بالأرض المقدّسة،
بعقيدة الإسلام الصافية النقية الصحيحة، واذا غاب استحضار هذه المواجهة، فالنتيجة المؤلمة
ستكون تفوّق الكفرة على المسلمين؛ بفضل تمسّكهم بعقيدتهم )المحرّفة(، كأداة لاستم ا رر اغتصاب
فلسطين، في حين يلهث المسلمون و ا رء س ا رب الحلول البعيدة عن منهج الله ، وهذا عين الضياع
والهزيمة.
ت( هذا الفهم لطبيعة الص ا رع يعطي المسلمين ترجمات سريعة لسلوك اليهود المحتلين
ومن و ا رءَهم فيما يخصّ أرض فلسطين المقدّسة، فالمجازر، والحروب، والاستيطان، والجد ا رن،
وتهويد القدس، وتدنيس المقدّسات، والتضييق على المسلمين، والتدمير الممنهج للمسجد الأقصى،
كلّها لها سن د دين ي تو ا رت ي وتلمودي، فمجابهته تحتاج إلى السند القرآنيّ النبويّ الإسلاميّ ، ولا
شيء غيره من المستندات الأرضية الهزيلة.
ث( إنّ أي سياسي أو دبلوماسي عربي مسلم، )وفلسطيني خاصّةً(، ل يعترف بخلفيات
هذا الص ا رع وحقيقته العقائدية هذه، فهو يسير قدماً إلى تضييع الأرض والمقدّسات؛ إذ إنّ قواعد
الدبلوماسية الحديثة، ونظريات السياسة والمصالح المعاصرة، يجب أن تتوقف ملياً أمام قضية
فلسطين، ويجب أن يكون البعد العقائدي حاض ا رً والاّ سقط الساسة في مستنقع الغدر والخيانة
اليهودية والصليبية الغربية، وبناءً على ذلك، فالسياسيّ الذي يخاطب أعداء الأمّة أو خصومها وهو
خالي الوفاض من العقيدة الصحيحة والفهم السليم للص ا رع، فتمثيله لقضية فلسطين كارثةٌ وجريمة
لا يجوز للمسلمين السكوت عليها.
580
ثالث ا: اتّفق المسلمون واليهود والنصارى في عقيدتهم في الأرض المقدّسة في ما يلي:
أ( اعتماد أهل الملل الثلاث على مصادرهم الدينية الأساسية في إثبات حقّ كلّ منهم في
الأرض المقدّسة.
ب( تقديس الملل الثلاث لأرض فلسطين، واعطائها مكانة سامية ومنزلة رفيعة، وفضلاً
عظيماً، يفوق كلّ بقاع الأرض ) إلا الحرمين الشريفين عند المسلمين ( .
ت( ارتبطت أرض فلسطين عند الملل الثلاث بأحداث النهاية وملاحم آخر الزمان، والمسيح
المنتظر، وغيرها من قضايا الآخرة ونهاية العالم .
ث( وجود أماكن مقدّسة لأهل الملل الثلاث في فلسطين، وخاصة في مدينة القدس.
رابع ا: اختلف المسلمون واليهود والنصارى في عقيدتهم في الأرض المقدّسة في ما يلي:
أ( ثبوت تحريف وعدم صدقية المصادر التي يعتمد عليها اليهود والنصارى في تقريرهم
لعقيدتهم في الأرض المقدّسة وحقّهم فيها، إذ طال التلاعب البشري هذه المصادر باتّفاق
المنصفين، وتناقضت مصادرهم وتضاربت مع بعضها، ومع صحيح العلم، و سليم العقل، في حين
سلمت مصادر المسلمين )من قرآن وسنّة نبوية صحيحة( من التحريف والتبديل، إذ تكفّل الله
بحفظها، وبناءً عليه فإنّ اعتقادهم أي المسلمين حول هذه الأرض مستنده الوحي، ومصدره - –
سماوي سليم من العبث البشري.
ب( اعتقد اليهود بأفضلية جنسهم، و أنّهم )شعب الله المختار(، لذا فالعاقبة في هذه
الأرض في زعمهم لهم دون غيرهم من أجناس أو أديان، في حين عدّ النصارى أنفسهم أبناء الله - –
وأحباؤه! وخلفاء الربّ المسيح بزعمهم وعليه فهم ورثة الحقّ في هذه الأرض كمهدٍ للمسيح - -
ونهاية له، والذي يعدّونه إلهاً مع الله ، أماّ المسلمون فيعتقدون بأنّ الأفضلية ليست في الجنس
أو الانتساب؛ إنّما في التوحيد والإيمان، والتقوى والإتّباع، وهم ورثة هذه الأرض بناءً على أفضلية
دينهم وأنّه دين الله الخاتم للعالمين، لا بأفضلية جنسهم أو عرقهم أو قوميتهم، أو غير ذلك.
581
ت( اعتقادات اليهود والنصارى حول أحداث النهاية التي ستدور على الأرض المقدّسة، هي
اعتقادات مفرطة في الخيال والأساطير، ومقطوعة السند، ومصدرها رؤىً وتنبؤات وخيالات بشرية،
وتتضمن نزعةً عنصرية واضحة، أما المسلمون فجاءت اعتقاداتهم توقيفية، مستندة إلى وحي الله
، ولا مجال فيها لاجتهادات بشرية على الإطلاق.
ث( اتّسم سلوك اليهود مع أعدائهم ومخالفيهم عبر التاريخ في هذه الأرض بالقسوة والعنف
وسفك الدماء وازهاق الأرواح، وكذا النصارى في فت ا رت غزوهم لهذه الأرض، أياً كان المخالفون
والأعداء، أماّ المسلمون فقد عاش اليهود والنصارى في كنف دولتهم لقرون طويلة في أمن وسلام،
وكانت فت ا رت عيشهم تحت ظلّ دولة الإسلام هي الفت ا رت الذهبية في تاريخهم على هذه الأرض.
خامس ا: أعمل اليهود تخريبهم وكيدهم ومكرهم في الديانة النص ا رنية، منذ فجر بزوغها،
وكانت لهم معها صولات وجولات، حتى تركوها ديانة أقرب إلى اليهودية المصنوعة بأيدي البشر،
واستطاعوا نقل قسم كبير من النص ا رنية من أعداءٍ تاريخيين إلى أصدقاء ودعاة لليهودية وعقائدها
الباطلة، وصولاً إلى الاعت ا رف النص ا رني الغربي خاصة بحقّ اليهود في فلسطين، بل والاعت ا رف
بأفضليتهم على البشرية!
سادس ا: تبيّن للباحث مدى أهمّية موضوع التقديس واعتقاد القداسة في الأماكن والأشياء
والأشخاص وغيرها، ودور هذا التقديس في صياغة العقائد والأفكار، وبالتالي السلوكيات
والممارسات، ومن الأهمية بمكان التعرّف على مفاهيم التقديس والقدسية والبركة وأنواعها عند الملل
المختلفة، لتفسير ممارساتهم وأفعالهم المبنيّة على هذه الاعتقادات، وبالتالي الحكم عليها.
سابع ا: ل مجال لفهم العقائد وتفسيرها، ود ا رسة الممارسات المترتبة عليها، إل بد ا رسة
المصادر الدينية والفكرية التي يستقي منها الناس اعتقاداتهم، والغوص في أعماق كتبهم،
والوقوف على النصوص التي يتعبّد بها الناس، ويقدّسونها ويعتبرونها دستورهم، فمن المصدر
الديني وحده يمكن الحكم على اعتقادات الفرقة أو الملة أو الديانة، وبها يمكن إل ا زم الخصوم، وهي
موضع النظر والتفكّر والتحليل لكل باحثٍ عن خلفيات الأديان، وتفاصيل الاعتقادات، لدى أهل
هذه الأديان والملل.
583
ثامن ا: كلّ دعاوى الحق الديني والتاريخي لليهود أو النصارى في فلسطين، هي دعاوى
ساقطة باطلة، ولا سند لها في دينٍ أو تاريخ، والمسلمون هم أصحاب الحقّ الديني والتاريخي في
هذه الأرض، ولا يجوز لهم أو لأحدهم أن يتنازل عن هذا الحق أو ينكره أو يتهاون فيه، بل وجب
على المسلمين وجوباً شرعياً أن يحموا هذا الحق بالجهاد والقتال حتى يستردّوا أرض فلسطين من
أية قوة غازية لها، وان قصّروا في ذلك فهم آثمون تاركون لتطبيق شرع الله والت ا زم أمره.
ثاني ا: التوصيات
وفي ختام هذا البحث المتواضع، فللباحث جملة من التوصيات، يوجزها في النقاط التالية:
1( ضرورة التركيز في التربية والتعليم لشباب الأمة الإسلامية وخاصةً أجيال فلسطين -
الصاعدة على إب ا رز حقيقة المعركة بين المسلمين وأعدائهم المغتصبين للأرض المقدّسة، وعدم -
الوقوع في وحل الثقافة السياسية المشوّهة، التي تختزل قضية فلسطين في ن ا زع على حدود عام
1149 م، وتوحي بإمكانية التفاوض على أج ا زء من أرض فلسطين، والاعت ا رف لليهود بحقّ السيادة
على جزء منها، أو التعايش، والسلام، وحل الدولتين، وغيرها من الشعا ا رت الدخيلة الخطيرة.
2( أوصي طلبة العلم والباحثين، المتخصصين في العقيدة والمذاهب والأديان، بمزيد من
البحث في النصوص المقدّسة عند اليهود والنصارى، فهي أرضٌ خصبةٌ للبحث والاحتجاج ضدّ
مقدِّسيها؛ بما تحتويه من تناقضات ومخالفات للعلم والعقل والش ا رئع، وفي تقديري، فإنّ ثمّة عدداً
من الموضوعات التي تحتاج إلى د ا رسة وبحث، وقفت عليها أثناء هذا البحث، ومن أهمّها:
أ. مواضع التحريف في القصص المتشابه بين الق آ رن والعهد القديم.
ب. التناقضات والاختلافات في مواضع التك ا رر للأخبار في العهد القديم.
ت. مواطن التباين والتشابه في مفهوم الربوبية والألوهية بين العهد القديم والعهد الجديد.
ث. التنافر والتناقض بين الأناجيل الأربعة وبين بقية أسفار العهد الجديد.
3( وجوب العمل بكلّ الإمكانات على امتلاك الإعلام المؤثر من قبل الحريصين على قضية
فلسطين، من جماعات، وجمعيات، وأح ا زب، وهيئات، ورجال أعمال، وغير ذلك، وكذا استغلال
584
وسائل الإعلام القائمة، في سبيل نشر حقيقة الص ا رع على أرض فلسطين، والحرص على تدعيم
هذه الحقيقة بما يناسبها من مصطلحاتٍ ومخرجاتٍ إعلامية، وأن لا تترك الساحة بحالٍ للعابثين
المفرّطين بالأرض والقضية؛ وذلك لِما أثبته العصر الحديث من أهمّية بالغة للإعلام ووسائطه
المختلفة؛ كالفضائيات، والإذاعات، وشبكة الإنترنت، والصحف، والمجلات، والوسائط الذكيّة،
وغيرها.
4( أهمية اضطلاع الدعاة والخطباء بالدور المنوط بهم في تبصير الناس بحقيقة الص ا رع
التاريخي الدائر على أرض فلسطين، وهذا الدور المنوط بالخطباء والدعاة وطلبة العلم لا بد أن
يكون مسبوقاً بتحصين الدعاة والخطباء )بالثقافة العقائدية والسياسية( المتعلقة بأرض فلسطين؛
ليتمكّنوا من نقل هذا الفهم الدقيق إلى عامّة الناس بالطريقة المناسبة، تصحيحاً للثقافات الوافدة عبر
الإعلام المض لِّل، الذي يغزو بيوت المسلمين باستم ا رر على مدار الأيام.
5( ضرورة أنْ يتحمّل السياسيون، والمثقّفون الحريصون، والصحفيون المخلصون،
والمتحدّثون باسم حركات الجهاد والمقاومة، والمعلّمون، وجميع أصحاب الرسالة النبيلة، أن يتحمّلوا
جميعاً مسئولياتهم في الخطاب السياسي والإعلامي والتربوي المنسجم مع إرث المسلمين وتاريخهم
وحقّهم في هذه الأرض، وأن يجتهدوا في بيان موقف الإسلام والمسلمين، والعرب والفلسطينيين، في
قضية فلسطين، انطلاقاً من مفهومهم السليم المتين حول طبيعة الص ا رع، وهذا يستدعي في فهم -
الباحث الابتعاد عن تقزيم القضية الفلسطينية، ود ا رسة التاريخ الصحيح الموثوق، والحذر من -
المصطلحات الغريبة عن مفاهيم وثقافات المسلمين، والتي تغزو عالم اليوم، وينساق و ا رءها بعض
المخلصين للأسف.
هذه أهم النتائج وأبرز التوصيات التي توصلت إليها في هذا البحث المتواضع، واللهَ أسأل أن
يعلمني ما ينفعني، وينفعني بما علمني، وأن يزيدني علماً وعملاً، إ نه سميع قريب مجيب الدعاء،
ومع ما بذلت من جهد ومشقة كبيرين في إعداد هذا البحث، إلا أنني أعترف أنّ هذا الجهد لا
يعطي الموضوع ح قّه تماماً، فخيره كله من الله ، لأنّ الكمال المطلق لله وحده، وش رّه وخطؤه من
نفسي والشيطان، والنقص من صفات خلقه.
585
أحمد الله العظيم أن وفقني لإنجاز هذا البحث، الذي تكبدت فيه قد ا رً غير يسير من العناء
والجهد، لكنه جهد المقل، وبضاعة الطالب المبتدئ، لا ادّعاء لي فيه بفضل إلا بتوفيق ربي ،
فله الحمد والشكر كثي ا رً أولاً وأخي ا رً.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلي اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه
وسلم.
الباحث: حذيفة سمير الكحلوت
586
الفهارس
أولا : فهرس الآيات القررنية
ثاني ا: فهرس الأحاديث النبوية
ثالث ا: فهرس الأعلام
رابع ا: فهرس الأماكن
خامس ا: فهرس الف ر والمصطلحات
سادس ا: فهرس المصادر والمراجع
سابع ا: فهرس الموضوعات
587
أولا : فهرس الآيات القررنية
م اسم السورة / نص الآية رقم الآية الصفحة
سورة الف اتحة
2
} غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ {
9
196
سورة البقرة
2
}وَإِن كُنتُمْ فِي رَيبٍْ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ ...{
20
645
0
}ونحن نُسَبِّحُ بحمدك ونقَُدِّس لك{
03
13 ،5
4
}وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ ...{
61
02
5
}وَإِذْ فَرَقْنَا بِكُمُ الْبَحْرَ فَأَنجَيْنَاكُمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَوْنَ وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ {
53
02
1
}وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِن بَعْدِهِ وَأَنتُمْ اََلِمُونَ {
51
139
7
}وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ ...{
59
06
8
}إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ...{
42
22
4
}أَفَتَطْمَعُونَ أَن يُؤْمِنُواْ لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِّنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللّهِ ...{
95
115 ،130
23
}فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ..{
91
114
22
} أَفَكُلَّمَا جَاءكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَى أَنفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ ...{
99
022
22
} وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ {
250 ، 99
1
20
}بلََى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ ...{
112
23
24
}وَقَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ بَل لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ كُلٌّ لَّهُ قَانِتُونَ {
114
693
25
}رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لكََ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لكََّ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا ...{
129
699
21
}وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا ...{
- 104 103
694
27
} إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ {
101
694 ،21
28
}أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي ... {
100
694 ،01
588
24
} أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُوداً ...{
163
699
23
}وَكَذَلكَِ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونوُاْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ ...{
160
510
22
}فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ المَْسْجِدِ الْحَرامِ وَحَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ{
153 ،166
516
22
}ذَلكَِ بِأَنَّ اللّهَ نَزَّلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِي الْكِتَابِ لفَِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ {
194
649
20
}وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يحُِبِّ الْمُعْتَدِينَ{
113
551
24
}وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انتَهَواْ فَلاَ عُدْوَانَ ...{
110
551
25
}أَلَمْ تَرَ إِلىَ الْمَلإِ مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ مِن بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُواْ لِنَبِيٍّ لَّهُمُ ابْعَثْ لَنَا ...{
- 269 264
04
21
}وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ ...{
251
194
27
}لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ {
254
565
28
}آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ ..{
295
690
سورة آل عمران
24
} نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالحَْقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَأَنزَلَ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ مِن قَبْلُ ...{
- 0 2
011 ،119
03
}شَهِدَ اللّهُ أَنَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَالْمَلاَئكَِةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ ...{
- 11 19
23
02
}إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللّهِ الإِسْلاَمُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ إِلاَّ مِن بَعْدِ ...{
11
641
02
}قُلْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَالرَّسُولَ فإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ اللّهَ لاَ يحُِبُّ الْكَافِرِينَ {
02
694
00
}وَيُعَلِّمُهُ الكِْتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ {
69
011
04
}فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الكُْفْرَ قَالَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ ...{
52
699 ،022
05
}يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَآجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلتَِ التَّورَاةُ وَالإنجِيلُ إِلاَّ مِن ..{
- 49 45
695
01
}مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيّاً وَلاَ نَصْرَانِيّاً وَلَكِن كَانَ حَنِيفاً مُّسْلِماً ...{
49
694 ،106 ،29
07
}إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ{
49
699 ،694 ،690
08
}يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ {
91
005
04
}وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِيناً فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ {
95
23
43
}كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ ..{
10
29
589
42
}إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكاً وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ {
14
532 ،93
42
}وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ{
105
050
40
}لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ ...{
146
699
44
}لَّقَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء سَنَكْتُبُ مَا قَالُواْ ...{
191
199
45
} فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِياَرِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ ...{
115
558
سورة النساء
41
}مِّنَ الَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ{
64
115
47
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ ...{
51
694
48
}وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللّهِ{
46
699
44
}فَلْيُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا بِالآخِرَةِ وَمَن يُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...{
96
551
53
}وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاء وَالْوِلْدَانِ ..{
95
551
52
}مَّنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ وَمَن تَوَلىَّ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً {
93
694
52
}أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً{
92
646
50
}فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لاَ تُكَلَّفُ إِلاَّ نَفْسَكَ وَحَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ ...{
96
551
54
}لاَّ يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالمُْجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...{
15
559
55
}وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَْسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ ...{
- 159 159
045
51
}... وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاَثَةٌ انتَهُواْ خَيْراً لَّكُمْ إِنَّمَا اللّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ ...{
191
693
سورة المائدة
57
} الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ ...{
0
23
58
}فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ ...{
10
115 ،96
54
}لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالوا إِنَّ اللّهَ هُوَ المَْسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ{
19
054
13
}وَقَالتَِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نحَْنُ أَبْنَاء اللّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يعَُذِّبُكُم بذُِنُوبكُِم..{
19
693 ،109
12
}يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ{
11
20
591
12
}وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ ..{
- 24 23
00
10
}ياَ قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ المُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ وَلاَ تَرْتَدُّوا ...{
21
511 ،532 ،1
14
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَابْتَغُواْ إِلَيهِ الْوَسِيلَةَ وَجَاهِدُواْ فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ {
05
559
15
}يحَُرِّفُونَ الْكَلِمَ مِن بَعْدِ مَوَاضِعِهِ{
61
194
11
}وَكَيْفَ يحَُكِّمُونَكَ وَعِندَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللّهِ ثُمَّ يتََوَلَّوْنَ ...{
- 66 60
96
17
}وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعَيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاه ...{
64
011
18
}وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فِيهِ{
69
51
14
}وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ ...{
69
649
73
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونهَُ ..{
56
543
72
}وَقَالتَِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ{
46
199
72
} وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ ...{
46
266
70
}يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ...{
49
699
74
}قُلْ يَا أَهْلَ الكِْتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ ...{
49
062
75
}إنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ ءَامَنَ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ ...{
41
22
71
}لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ {
92
266 ،199
77
}مَّا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاَغُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ {
11
699
78
}إِذْ قَالَ اللّهُ يَا عِيسى ابْنَ مَرْيَمَ اذْكُرْ نِعْمَتِي عَلَيْكَ وَعَلَى وَالِدَتِكَ إِذْ أَيَّدتُّكَ ...{
113
533 ،13
سورة الأنعام
74
} أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ ...{
4
690
83
}وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ مُّصَدِّقُ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلِتُنذِرَ أُمَّ الْقُرَى وَمَنْ حَوْلَهَا{
12
535
82
}أَفَغَيْرَ اللّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنَزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً ...{
116
644
82
}وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء..{
100
692
80
}وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُواْ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ {
155
535
590
84
}قُلْ أَغَيْرَ اللّهِ أَبْغِي رَبّاً وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ{
146
050
85
}وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلاَئفَِ الأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ ...{
145
696
سورة الأعراف
81
}وَاذْكُرُواْ إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفَاء مِن بَعْدِ عَادٍ وَبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ ..{
96
696
87
}وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ...{
14
536 ،19
88
}أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ ...{
133
696
84
}ثمَُّ بَعَثْنَا مِن بَعْدِهِم مُّوسَى بِآيَاتِنَا إِلىَ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِ فَظَلَمُواْ بِهَا فَانظُرْ ...{
130
02
43
}رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَتَوَفَّنَا مُسْلِمِينَ{
124
699
42
}وَقَالَ الْمَلأُ مِن قَوْمِ فِرْعَونَ أَتَذَرُ مُوسَى وَقَوْمَهُ لِيُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ وَيَذَرَكَ ...{
129
02
42
}إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{
129
691 ،194 ،59
40
}قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ ...{
121
692
44
}وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُواْ يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا ...{
109
511 ،532
45
}وَجَاوَزْناَ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْاْ عَلَى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلَى أَصْنَامٍ لَّهُمْ ...{
109
139
41
}إنا هدنا إليك{
154
26
47
}الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ...{
159
691
48
}فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ{
159
530 ،691
44
}وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَن يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ {
149
520
سورة الأنف ال
233
}وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ ...{
43
543
232
}َيا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ ...{
- 44 45
250
232
}وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَالَّذِينَ آوَواْ وَّنَصَرُواْ أُولَئِكَ هُمُ ..{
96
559
سورة التوبة
230
}أَلاَ تُقَاتِلُونَ قَوْماً نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّواْ بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ وَهُم بَدَؤُوكُمْ...{
10
551
591
234
}أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَْسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ...{
11
559
235
}الَّذِينَ آمَنُواْ وَهَاجَرُواْ وَجَاهَدُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً..{
23
551
231
}قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وأبنْاَؤكُم وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ ...{
26
543
237
}وَقَالتَِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ{
03
199
238
}اتخََّذُواْ أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ وَالمَْسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ ...{
01
11
234
}انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً وَجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...{
61
559
223
}إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ..{
111
551
سورة يونس
222
} أَنذِرِ النَّاسَ وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُواْ {
2
502
222
}ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلاَئفَِ فِي الأَرْضِ مِن بَعْدِهِم لِنَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ{
16
696
220
}وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَن يُفْتَرَى مِن دُونِ اللّهِ وَلَكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ ...{
09
646
224
}أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ ...{
09
644
225
} قَالُواْ اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً سُبْحَانَهُ هُوَ الْغَنِيُّ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ {
49
693
221
} فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَمَا سَأَلْتُكُم مِّنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلاَّ عَلَى اللّهِ وَأُمِرْتُ ...{
92
695
227
}وَقَالَ مُوسَى يَا قَوْمِ إِن كُنتُمْ آمَنتُم باِللّهِ فَعَلَيْهِ تَوَكَّلُواْ إِن كُنتُم مُّسْلِمِينَ{
96
699
سورة هود
228
} وَمِن قَبْلِهِ كِتَابُ مُوسَى إَمَاماً وَرَحْمَةً {
19
119
224
}قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلاَمٍ مِّنَّا وَبَركَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِّمَّن مَّعَكَ وَأُمَمٌ ...{
69
530 ،19
223
}فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ {
61
194
222
}فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقَدْ أَبْلَغْتُكُم مَّا أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَيْكُمْ وَيَسْتَخْلِفُ رَبِّي قَوْماً ...{
59
690
222
}وَإِلَى ثَمُودَ أَخَاهُمْ صَالحِاً قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُواْ اللّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ ...{
41
692
220
}قَالُواْ أَتَعْجَبِينَ مِنْ أَمْرِ اللّهِ رَحْمَتُ اللّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ ...{
90
530
224
}وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ...{
120
149
593
سورة ي وسف
225
}وقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاء بِكُم مِّنَ الْبَدْوِ{
133
01
221
} تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالحِِينَ {
131
21
سورة إبراهيم
227
} مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ {
1
610
228
}وَلَنُسْكِنَنَّكُمُ الأَرْضَ مِن بَعْدِهِمْ ذَلكَِ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ {
16
696
224
} رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا ...{
09
95
سورة الحجر
203
}إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ {
1
645
سورة النحل
202
} وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {
66
699
202
}وَمَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ إِلاَّ لِتُبَيِّنَ لَهُمُ الَّذِي اخْتَلَفُواْ فِيهِ وَهُدًى وَرَحْمَةً ... {
46
649
200
} وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {
91
644
204
}قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِن رَّبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُواْ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ {
132
533
سورة الإسراء
205
}سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ المَْسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى المَْسْجِدِ الأَقْصَى ... {
1
531 ،530 ،14
201
}وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ ...{
- 9 6
521
207
}مَّنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدي لِنَفْسِهِ وَمَن ضَلَّ فَإِنَّمَا يضَِلُّ عَلَيْهَا وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ ..{
15
105
208
}وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُوراً {
55
09
204
}وَإِن كَادُواْ لَيَسْتَفِزُّونكََ مِنَ الأَرْضِ لِيُخْرِجوكَ مِنْهَا وَإِذاً لاَّ يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلاَّ قَلِيلاً {
94
695
243
}قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ ...{
99
645
سورة الكهف
242
}الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا {
1
649
594
سورة مريم
242
} فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَراً سَوِيّاً {
19
531
240
}وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ{
01
19
244
}إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ {
63
691
245
}أُوْلَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ مِن ذُرِّيةَِّ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ ...{
59
29
241
}فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيّاً{
51
690
247
} وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيّاً {
46
149
سورة طه
248
}إِنيِّ أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى {
12
530 ،13
سورة الأنبياء
244
}وَهَذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ أَنزَلْنَاهُ أَفَأَنتُمْ لَهُ مُنكِرُونَ {
53
535
253
}وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ {
91
511
252
}وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ...{
91
512
252
}وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ {
11
092
250
}حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ {
14
529
254
}وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالحُِونَ {
135
510 ،690
سورة الحج
255
}أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ لَُِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ {
01
551
251
}الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ..{
61
692
257
}وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ ... {
99
559
سورة المؤمنون
258
}وَقُل رَّبِّ أَنزِلنِْي مُنزَلاً مُّبَارَكاً وَأَنتَ خَيْرُ الْمُنزِليِنَ {
21
536
254
}قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ{
- 95 96
693
595
سورة النور
213
}يوُقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيتُْونةٍِ{
05
19
212
}وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالحَِاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ ...{
55
509 ،692
212
}فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً {
41
536
210
}فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ {
40
699
سورة الفرق ان
214
}تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ{
1
14
سورة الشعراء
215
}نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{
110
531
211
}بلِِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ {
115
12
سورة النمل
217
}وَإِنَّكَ لَتُلَقَّى الْقُرْآنَ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ {
4
645
218
}وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ عِلْماً وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ .. {
15
09
214
}... بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيم * أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونيِ مُسْلِمِينَ{
- 01 03
699
273
}فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خَاوِيَةً بِمَا لَََمُوا إِنَّ فِي ذَلكَِ لَآيَةً لِّقَوْمٍ يَعْلَمُونَ{
52
194
272
}أَمَّن يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاء الْأَرْضِ ...{
42
692
سورة العنكبوت
272
}وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {
41
559
سورة الروم
270
}الم * غُلِبَتِ الرُّومُ * فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ ...{
- 4 1
55
سورة السجدة
274
}تَنزِيلُ الْكِتَابِ لَا رَيبَْ فِيهِ مِن رَّبِّ الْعَالَمِينَ {
2
645
سورة الأحزاب
275
}النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنفُسِهِمْ {
4
699
596
271
}فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ{
20
563
277
}وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ...{
04
530
278
}مَّا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِّن رِّجَالِكُمْ وَلَكِن رَّسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ ...{
63
694
سورة سبأ
274
}وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى اََهِرَةً {
19
512 ،530
سورة الصاف ات
283
}وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَ اََلِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ {
110
530
سورة ص
282
} وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ {
19
09
282
}كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ {
21
535
280
}وَوَهَبْنَا لدَِاوُودَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ {
03
09
سورة الزمر
284
}قُرآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ {
29
649
سورة فصلت
285
}وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء...{
13
530
281
}لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ {
62
649 ،119
سورة الدخان
287
}إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةٍ مُّبَارَكَةٍ إِنَّا كُنَّا مُنذِرِينَ {
0
535
288
}كَمْ تَرَكُوا مِن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * وَزُرُوعٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ * وَنَعْمَةٍ ...{
- 29 25
696
سورة محمد
284
}وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنكُمْ وَالصَّابِرِينَ وَنَبْلُوَ أَخْبَارَكُمْ{
01
551
243
} وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونوُا أَمْثَالَكُمْ{
09
690
سورة الفتح
242
}لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ {
1
530
597
242
}مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ ...{
21
005
سورة الحجرات
240
}إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ{
10
194
244
} قَالتَِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا {
16
21
245
}إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ ...{
15
559
سورة ق
241
}وَنَزَّلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً مُّبَارَكاً فَأَنبَتْنَا بِهِ جَنَّاتٍ وَحَبَّ الْحَصِيدِ {
1
536
247
}وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِن لُّغُوبٍ {
09
156
سورة الذاريات
248
}فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مِّنَ الْمُسْلِمِينَ{
04
699
سورة النجم
244
}مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى* وَمَا ينَطِقُ عَنِ الْهَوَى* إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى{
- 6 2
91
233
}أَفَرَأَيْتُمُ اللَّاتَ وَالْعُزَّى*وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى*أَلَكُمُ الذَّكَرُ وَلَهُ الْأُنثَى...{
- 20 11
99
232
}أَفَمِنْ هَذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ*وَتَضْحَكُونَ وَلَا تَبْكُونَ*وَأَنتُمْ سَامِدُونَ{
- 41 51
91
232
}فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا {
42
91
سورة القمر
230
}وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ {
19
649
سورة الواقعة
234
}فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ*وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ* إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ...{
- 93 95
535
سورة الحديد
235
}آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُم مُّسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ...{
9
692
سورة الحشر
231
}هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِن دِياَرِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ {
2
521
237
}وَمَا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ ...{
4
553
598
238
}مَّا أَفَاء اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى ...{
9
551
234
}لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ ...{
9
551
223
}وَالَّذِينَ تَبَوَّؤُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يجَِدُونَ ...{
1
551
222
}وَالَّذِينَ جَاؤُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ ...{
13
551
222
}لَا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ أَوْ مِن وَرَاء جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ...{
16
254
220
}هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الجَْبَّارُ ...{
20
619
سورة الصف
224
}وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً ...{
4
699
225
}يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ...{
- 11 13
551
221
}كُونوا أَنصَارَ اللَّهِ كَمَا قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ لِلْحَوَارِييِّنَ مَنْ أَنصَارِي إِلَى اللَّهِ..{
16
53
سورة الجمعة
227
}يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ الْمَلِكِ الْقُدُّوسِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ {
1
611 ،059
سورة المدثر
228
}إِنْ هَذَا إِلَّا قَوْلُ الْبَشَرِ {
25
646
224
}سَأُصْلِيهِ سَقَرَ {
24
646
سورة النازعات
223
}إِذْ نَادَاهُ رَبُّهُ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى{
14
13
سورة التين
222
}وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ*وَطُورِ سِينِينَ*وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ{
- 0 1
512
سورة القدر
222
}تَنَزَّلُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِم مِّن كُلِّ أَمْرٍ {
6
531
سورة الإخلاص
220
}قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ *اللَّهُ الصَّمَدُ*لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ* وَلَمْ يَكُن لَّهُ كُفُواً أَحَدٌ{
- 6 1
611
599
ثاني ا: فهرس الأحاديث النبوية
م الحديث الصفحة
2
) أُتِيتُ بِالْبُ اَ رقِ ... فَرَكِبْتُهُ حَتَّى أَتَيْتُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ، فَرَبَطْتُهُ بِالْحَلْقَةُِ ... (
531
2
)إِذَا أَ رَيْتَ الْخِلَا فَةَ قَدْ نَزَلَتْ الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ ، فَقَدْ دَنَتْ الزََّلزِلُ وَالْبَلَايَا وَالْأُمُورُ ...(
525
0
) إِذَا فَسَدَ أَهْلُ الشَّامِ فَلَا خَيْرَ فِيكُمْ، لَ تَ اَ زلُ طَائِفَ ة مِنْ أُمَّتِي مَنْصُورِينَ ...(
540 ،511
4
) اعْدُدْ سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ : مَوْتِي، ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ... الحديث(
524
5
)الْأَرْضَ لَ تُقَ دسُ أَحَدًا واِنَّمَا يُقَ دسُ الْإِنْسَانَ عَمَلُهُ(
502
1
)الشَّامُ أَرْضُ الْمَحْشَرِ وَالْمَنْشَرِ (
503
7
)... أَمَّا أَوَّلُ أَشْ اَ رطِ السَّاعَةِ فَنَا ر تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ الْمَشْرِقِ إِلَى الْمَغْرِبِ ...(
503
8
) انْتَدَبَ الله لِمَنْ خَرَجَ فِي سَبِيلِهِ لَ يُخْرِجُهُ إِلَّ إِيمَا ن بِي، وَتَصْدِي ق بِرُسُلِي ...( -
543
4
) أَنّ رَسُولَ اللَّهِ : صَلَّى إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَ شَرَ شَهْ اً ر أَوْ سَبْعَةَ عَشَرَ ... (
510
23
) أَنَّ سُلَيْمَانَ بْنَ دَاوُدَ لَمَّا بَنَى بَيْتَ الْمَقْدِسِ سَأَلَ اللَّهَ خِلَالً ثَلَاثَةً ...(
514
22
)إنَّ سِيَاحَةَ أُمَّتِي الجِهَادُ في سَبيلِ اللهِ )
541
22
) إِنَّكُمْ مُلَاقُو اللهِ حُ فَاة عُ اَ رة مُشَاة غُرًْل(
503
20
)إِنَّ مِنَ الشَّجَرِ لَمَا بَرَكَتُهُ كَبَرَكَةِ المُسْلِمِ(
19
24
) إنّ رسولَ الله كان يقول في ركوعه وسجوده: سبّو ح قدّو س ... (
611
25
) إِ ني أَ رَيْتُ كَأَنَّ عَمُودَ الْكِتَابِ انْتُزِع مِنْ تَحْتِ وِسَادَ تِي، فَأَتْبَعْتُهُ بَصَرِي فَإِذَا هُوَ ...(
501
21
)أُولَئِكَ قَوْ م إِذَا مَاتَ فِيهِمُ الْعَبْدُ الصَّالِحُ أَوِ الرَّجُلُ الصَّالِحُ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا...(
99
27
)أولُ هذا الأمرِ نبوة ورحم ة، ثمَّ يكونُ خلاف ة ورحم ة، ثمّ يكون مُلك اً ورحمةً، ... (
542
28
أَيُّ مَسْجِدٍ وُضِع فِي الْأَرْضِ أَوَّلَ ؟ قَالَ : )الْمَسْجِدُ الْحَ اَ رمُ، قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ أَيٌّ، ...(
516
24
) أَيُّمَا رَجُلٍ مُسْلِمٍ رَمَى بِسَهْمٍ فِي سَبِيلِ اللهِ فَبَلَغ مُخْطِئًا أَوْ مُصِيبًا فَلَهُ ...(
541
23
) تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : مَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ ، أَوْ...(
519
22
) تُقَاتِلُكُمُ الْيَهُودُ فَتُسَلَّطُونَ عَلَيْهِمْ، حَتَّى يَقُولَ الْحَجَرُ: يَا مُسْلِمُ، هَذَا يَهُودِيٌّ ...(
526
22
) تَكُونُ النُّبُ وةُ فِيكُمْ مَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَكُونَ، ثُمَّ يَرْفَعُهَا إِذَا شَاءَ أَنْ يَرْفَعَهَا، ثُمَّ ...(
525
20
) سَتُجَنَّدُونَ أَجْنَادًا: جُنْدًا بِالشَّامِ، وَجُنْدًا بِالْعِ اَ رقِ، وَجُنْدًا بِالْيَمَنِ، قُلْتُ : يَا رَسُولَ...(
540 ،511
24
)سَتَخْرُجُ نار مِنْ حَضْرَمَوْت أَوْ بِحَضْرَمَوْت قَبْل يَوْم الْقِيَامَة تَحْشُر النَّاس، ...( - -
503
25
)صَلاَة فِي مَسْجِدِي هَذًا أَفْضَلُ مِنْ أَلْفِ صَلاَةٍ فِيمَا سِوَاه إل الْمَسْجِدَ الْحَ اَ رمَ(
519
611
21
)عَلَيكُم بِالجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ فإنَّهُ با ب مِنْ أَبْوَا ب الجَنّةِ، يُذهبُ الله بِهِ الهَمَّ وَالغَمَّ(
541
27
)فَلَعَلَّكُمْ تَفْتَرِقُونَ عَنْ طَعَامِكُمْ، اجْتَمِعُوا عَلَيْهِ، وَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ يُبَارَكْ لَكُمْ(
19
28
) ... فَيَطْلُبُهُ حَتَّى يُدْرِكَهُ بِبَابِ لُدٍّ فَيَقْتُلُهُ ، ثُمَّ يَأْتِي عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ قَوْمٌ ...(
529
24
) قَالَ: لَ أَجِدُهُ، قَالَ: هَلْ تَسْتَطِيع إِذَا خَرَجَ الْمُجَاهِدُ أَنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَكَ؛ فَتَقُومَ ...(
541
03
) كُنَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ نُؤَلِّفُ الْقُرْآنَ مِنْ الرِّقَاعِ فَ قَالَ : "طُوبَى لِلشَّامِ ...(
519
02
) لَ تَ اَ زلُ طَائِفَ ة مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى النَّاسِ، يَرْفَع اللَّهُ قُلُوبَ أَقْوَامٍ ... (
511
02
) لا تَ اَ زلُ طَائِفَة مِنْ أُمَّتِى يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، قال ...(
529
00
) لَ تُشَدُّ ال رحَالُ إِلَّ إِلَى ثَلَاثَةِ مَسَاجِدَ: المَسْجِدِ الْحَ اَ رمِ، وَمَسْجِدِ الرّسُولِ )...
515
04
) ل تُعْمَلُ الْمَطِيُّ إِل إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : إِلَى الْمَسْجِدِ الْحَ اَ رمِ، واِلَى مَسْجِدِي ...(
515
05
) ل تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ المسْلِمُونَ الْيَهُودَ، فيَقْتُلُهُمُ الْمسْلِمُونَ، حَتَّى... (
526
01
) ل تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَنْزِلَ الرُّومُ بِالأَعْمَاقِ أَوْ بِدَابِقَ فَيَخْرُجُ إِلَيْهِمْ جَيْ ش ... (
524
07
) لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ( يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا
91
08
) لَقَدْ أَ رَيْتُنِي فِي الْحِجْرِ وَقُرَيْ ش تَسْأَلُنِي عَنْ مَسْ اَ ريَ، فَسَأَلَتْنِي عَنْ أَشْيَاءَ ... (
513
04
)مَثَلُ الْمُجَاهِدِ فِي سَبِيلِ ال لَّهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَنْ يُجَاهِدُ فِي سَبِيلِهِ كَمَثَلِ ...( - -
541
43
)مَنْ أُغْبِرَتْ قَدَمَاه فِي سَبِيلِ اللَّهِ حَرَّمَهَا اللَّهُ عَلَى النَّار(
505
42
) مَنْ قَاتَلَ فِي سَبِيلِ اللهِ مِنْ رَجُلٍ مُسْلِمٍ فُوَاقَ نَاقَةٍ، وَجَبَتْ لَهُ ا لجَنَّةُ، ...(
542
42
)مَنْ لَ يَشْكُرُ النَّاسَ لَ يَشْكُرُ اللهَ عَزَّ وَجَلّ (
ث
40
)مَوْضِع سَوْطٍ فِي الْجَنَّةِ خَيْ ر مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، وَلَغَدْوَة فِي سَبِيلِ اللهِ أَوْ ...(
541
44
)مَوْقِفُ سَاعَةٍ فِي سَبِيلِ اللهِ، خَيْ ر مِنْ قِيَامِ لَيْلَةِ الْقَدْرِ عِنْدَ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ(
542
45
) نهى رسول الله أن يسافَر بالقرآن إلى أرض العدوّ؛ مخافة أن يناله العدو(
535
41
) وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِ ه، لَيُوشِكَنَّ أَنْ يَنْزِلَ فِيكُمُ ابْنُ مَرْيَمَ حَكَمًا مُقْسِطًا فَيَكْسِرَ ... (
529
47
) .. وَيَدْعُو النَّاسَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَيُهْلِكُ الله فِي زَمَانِهِ الْمِلَلَ كُلَّهَا إِلَّ الْإِسْلَامَ،...(
521
48
) يَا أَبَا سَعِيدٍ، مَنْ رَضِىَ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا وَجَبَتْ لَهُ الْجَ نَّةُ ...(
542
44
) يُحْشَرُ النَّاسُ عَلى ثَلاَث ط ا رئِقَ، ا رغِبِينَ و ا رهِبِينَ، واثْنان عَلى بَعيرٍ، وثَلاثَ ة ...(
503
610
ثالث ا: فهرس الأعلام
م العلم الصفحة
.2
أب ا رهام كوك
201
.2
ابن الأع ا ربي
4
.0
ابن الأنباري
1
.4
ابن تيمية
23
.5
ابن حجر العسقلاني
516
.1
ابن حزم
99
.7
ابن دريد
9
.8
ابن عطية
14
.4
ابن فارس
11
.23
ابن قدامة المقدسي
540
.22
ابن قيم الجوزية
15
.22
أبو أمامة الباهلي
504
.20
أبو حاتم
9
.24
أبو عمرو بن العلاء
24
.25
أبو عيسى الأصفهاني
211
.21
أحمد الشدياق
060
.27
أحمد بن حنبل
569
.28
آرثر بلفور
69
.24
ارمياء
122
.23
آريوس
016
.22
أرئيل شارون
141
.22
الأزهري
5
.20
إسحاق شامير
195
.24
الإسكندر المقدوني
63
.25
آسا
259
.21
الأشرف خليل
42
.27
أند ا روس
025
.28
أنطونيوس فكري
011
.24
أوربان الثاني
625
.03
ايليا
219
.02
بات روبرتسون
659
.02
با ا رك أوباما
661
.00
باروخ جولدشتاين
264
.04
باروخ سبينو ا ز
121
.05
بالاق
143
.01
البخاري
515
.07
بختنصر
24
.08
بركوخبا
62
.04
برنابا
013
.43
بطرس
039
.42
بلعام
143
.42
بلقيس
101
.40
بنيامين
04
.44
بنيامين نتنياهو
191
.45
بولس
035
.41
بيرتس سمولنسكين
214
.47
بيلاطس
52
.48
البيهقي
531
.44
توما
025
.53
تيتوس
62
.52
ثاوفيلس
031
611
.52
ثيوداس
211
.50
ثيودور هرتزل
64
.54
جورج بوش الابن
141
.55
جوستاف لوبون
116
.51
جولدا مائير
191
.57
جوليان
50
.58
جيري فولويل
656
.54
الحاكم العبيدي
90
.13
حاييم وايزمن
202
.12
الح ا رلي
10
.12
حزقيا
259
.10
حزقيال
151
.14
الحسين بن الفضل
14
.15
حلقيا
123
.11
الخليل
9
.17
دانيال
150
.18
داود ال ا رئي
033
.14
ديفيد بن جوريون
69
.73
ا رشي
291
.72
ال ا رغب
15
.72
رجاء جارودي
222
.70
رحبعام
09
.74
رمسيس الثاني
02
.75
رونالد ريغان
661
.71
ريمون تولوز
629
.77
الزجّاج
5
.78
زلمان ملميد باروخ
149
.74
سرجون الثاني
25
.83
سفيان بن عيينة
645
.82
السلطان عبد الحميد الثاني
65
.82
سمسون هيرش
232
.80
سمعان
026
.84
السمعاني
511
.85
السموأل
113
.81
سنحاريب
522
.87
سيجموند فرويد
265
.88
سيد قطب
691
.84
سيرجي نيلوس
19
.43
سيسل روديس
219
.42
الشافعي
644
.42
شاهين مكاريوس
62
.40
شاؤول
04
.44
شبتاي زيفي
033
.45
شرحبيل بن حسنة
506
.41
شمعون
05
.47
الشهرستاني
22
.48
الشي ا رزي
96
.44
الصالح إسماعيل
43
.233
صلاح الدين الأيوبي
59
.232
صموئيل
05
.232
صموئيل لانداو
202
.230
صموئيل موهيليفر
201
.234
الضحاك
10
.235
الظاهر بيبرس
41
.231
عاموس
152
.237
عبد العزيز بن باز
596
613
.238
عبد الله بن حوالة
511
.234
عبد الله ع ا زم
590
.223
عبد الوهاب المسيري
29
.222
ع ا رم بن الأصبغ
9
.222
العز بن عبد السلام
544
.220
عز ا ر
110
.224
عمر بن عبد العزيز
556
.225
الغ ا زلي
611
.221
الف ا رء
4
.227
فسبسيان
62
.228
فيلبس
026
.224
فيلون
001
.223
القاضي أبو يوسف
551
.222
القاضي عبد الجبار
023
.222
قالوون
42
.220
قتادة
4
.224
القرطبي
12
.225
قسطنطين
50
.221
قورش الأكبر
01
.227
الكامل ابن العادل
51
.228
كعب
10
.224
كنعان
29
.203
لو ا رنس أوليفانت
196
.202
لوقا
035
.202
الليث بن سعد
4
.200
مارتن لوثر
40
.204
مايكل كولينز بايبر
141
.205
متّى
039
.201
متياس
026
.207
مجاهد
12
.208
محمد أبو زهرة
034
.204
محمد التنّير
029
.243
محمد خليفة التونسي
19
.242
محمد رشيد رضا
696
.242
مديان
209
.240
مرقص
039
.244
مقدونيوس
015
.245
مناحيم بيجن
149
.241
منسّى
259
.247
موآب
143
.248
موريس بوكاي
121
.244
موسى هس
221
.253
موشى ديّان
195
.252
موشيه بن ميمون
12
.252
موشيه مونتفيوري
45
.250
نابليون بونابرت
66
.254
الناصر داود
51
.255
نجم الدين أيوب
43
.251
نحميا
160
.257
نسطور = نسطوريوس
015
.258
نور الدين محمود
545
.254
نيرون
026
.213
ه.ج. ويلز
629
.212
هادريان
60
.212
هرقل
55
.210
هنري فنش
66
614
.214
هيرود
51
.215
هيلانة = هلينا
632
.211
الواقدي
501
.217
وول ديو ا رنت
293
.218
ويليام بلاكستون
604
.214
ويليام هشلر
609
.273
يربعام
09
.272
يزيد بن أبي سفيان
506
.272
يعقوب الصغير
026
.270
يكنيا
069
.274
يهودا الكلعي
203
.275
يهوذا الرسول
026
.271
يهوذا هاناسي
91
.277
يهوياقيم
069
.278
يوحنا
034
.274
يوحنا المعمدان
052
.283
يوسف القرضاوي
520
.282
يوشع بن نون
25
.282
يوشيا ابن آمون
123
615
رابع ا: فهرس الأماكن
م المكان الصفحة
.2
أجنادين
54
.2
أدوم
191
.0
أرسوف
41
.4
أريحا
10
.5
أسدود
69
.1
أسطنبول
015
.7
الإسكندرية
016
.8
أصبهان
93
.4
الأعماق
524
.23
أفسس
015
.22
آمد
033
.22
الأندلس
115
.20
أنطاكية
9
.24
أورشليم
09
.25
باب لد
529
.21
بابل
24
.27
بات ا رس
026
.28
بازل= بال
645
.24
البحر الغربي
193
.23
البحر الكبير
192
.22
بحر الملح
191
.22
بحر كنارة
190
.20
بحيرة طبرية
529
.24
بخارى
93
.25
البرّية
193
.21
برّية صين
191
.27
بيت المقدس
1
.28
بيت ايل
152
.24
بيزنطة
56
.03
بيسان
563
.02
تبوك
616
.02
تل العمارنة
611
.00
الجابية
563
.04
جبعون
299
.05
جبل الزيتون
632
.01
جبل الطور
632
.07
جبل جرزيم
41
.08
جبل عيبال
119
.04
جبل لبنان
9
.43
جبل هور
192
.42
الجليل
53
.42
جوش قطيف
191
.40
حاصبية
90
.44
الحبشة
020
.45
ح ا رن
111
.41
حصر أدار
192
.47
حصر عينان
192
.48
حضرموت
501
.44
حطين
59
.53
حماة
9
.52
حمص
9
616
.52
حوريب
141
.50
حيفا
69
.54
خلقيدونية
014
.55
خوارزم
93
.51
خيبر
553
.57
دابق
524
.58
داثن
504
.54
دمشق
4
.13
ربلة
190
.12
الرملة
561
.12
روما
56
.10
زفرون
192
.14
سجستان
93
.15
سيناء
00
.11
شفام
192
.17
شكيم
09
.18
شي ا رز
96
.14
شيزر
9
.73
صدد
192
.72
صفد
294
.72
الصين
93
.70
طور زيتا
632
.74
طوس
93
.75
العربة
504
.71
عصمون
192
.77
عقبة عقربيم
191
.78
عكا
41
.74
عين
190
.83
غزة
63
.82
غوش عتصيون
244
.82
الفاتيكان
605
.80
فارس
93
.84
الف ا رت
29
.85
قاديش برنيع
192
.81
القسطنطينية
015
.87
قيسارية
41
.88
كربلاء
92
.84
كشمير
91
.43
كنعان
29
.42
كنيسة الجيسمانية
632
.42
كنيسة بيت لحم
632
.40
لوكسمبورغ
652
.44
مدخل حماة
192
.45
مديان
209
.41
معلولا
90
.47
موآب
143
.48
مؤتة
616
.44
مونتريال
231
.233
الناصرة
53
.232
نهر العاصي
9
.232
نهر الغانغ
91
.230
نيقية
016
.234
الهيمالايا
91
.235
يافا
41
.231
الياقوصة
509
.237
اليرموك
54
617
خامس ا: فهرس الف ر والمصطلحات
م المصطلح الصفحة
.2
الأبوكريفا
94
.2
الأبيونيين
013
.0
اتسل
261
.4
أحباء صهيون
65
.5
الأحباش
615
.1
الأرستق ا رطية
001
.7
الأزهر الشريف
591
.8
الأغيار
60
.4
الأقباط
615
.23
الأموريون
144
.22
الإنجيليين
605
.22
الأوس والخزرج
561
.20
إيباك
655
.24
البروتوكول
19
.25
البطالمة
63
.21
بنو عمون
201
.27
بني النضير
551
.28
التعميد
092
.24
تناخ
99
.23
جائزة نوبل للسلام
260
.22
الحاخام
96
.22
الحثيون
144
.20
حركة السلام الآن
256
.24
الحشمونيون
61
.25
الحويين
144
.21
الخ ا رج
564
.27
الخوارزمية
43
.28
ا ربطة علماء فلسطين
595
.24
الربانيون
125
.03
الروم الأرثوذكس
616
.02
الروم الكاثوليك
616
.02
الرومان
61
.00
السبي البابلي
09
.04
السريان
614
.05
السلوقيون
61
.01
السنهدرين
111
.07
السواد
553
.08
سيداريم
91
.04
شركة الامتياز
214
.43
العلوج
561
.42
العماليق
209
.42
العنصرية
166
.40
الغرقد
526
.44
الغيتو = الجيتو
216
.45
الفرزيين
144
.41
الفرس
01
.47
فرسان الهيكل
621
.48
الفيء
569
.44
القبالاه
230
.53
الق ا رؤون= العنانية
124
.52
الكردوس
561
618
.52
كريتسان ساينس مونيتور
651
.50
الكنيسة الشرقية
616
.54
الكورة
561
.55
الكونجرس
605
.51
اللاسامية = معاداة السامية
133
.57
ليحي
261
.58
الماشيّح
111 ،93
.54
محاكم التفتيش
216
.13
ميد ا رش
91
.12
مذبحة الحرم الإب ا رهيمي
264
.12
المكابيين
61
.10
الملاحم
521
.14
المنظمة الصهيونية العالمية
64
.15
الموارنة = المارونية
614
.11
الموسوعة البريطانية
061
.17
نابالم
254
.18
الهاجاناه
261
.14
هرمجدون
609
.73
الهسكلاه
119
.72
الهكسوس
01
.72
هولوكوست
652
.70
الهيلينية
139
.74
وعد بلفور
69
.75
اليبوسيون
144
.71
اليعقوبيين = اليعاقبة
014
.77
اليهودية الأرثوذكسية
232
.78
اليهودية الإصلاحية
230
.74
اليوبيل
159
619
سادس ا: فهرس المصادر والمراجع
القرآن الكريم ...
أولا : الكتب المطبوعة:
.2 أبحاث في اليهودية والصهيونية، د. أحمد سوسة، دار الأمل/الأردن، الطبعة الأولى،
2330 م.
.2 أحداث النهاية ونهاية العالم، الشيخ محمد حسان، مكتبة فياض/مصر، الطبعة الأولى،
1629 ه/ 2339 م.
.0 أحكام الجهاد وفضائله، عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام السلمي، تحقيق: نزيه كمال
حماد، مكتبة دار الوفاء/جدة، الطبعة الأولى، 163 ه/ 1194 م.
.4 الأحكام السلطانية والولايات الدينية، أبو الحسن علي بن محمد بن حبيب الماوردي، تحقيق:
أحمد مبارك البغدادي، دار ابن قتيبة/الكويت، الطبعة الأولى، 1631 ه/ 1191 م.
.5 الأحكام السلطانية، القاضي أبو يعلى، محمد بن الحسين بن محمد بن خلف ابن الف ا رء،
تحقيق: محمد حامد الفقي، دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثانية، 1621 ه/ 2333 م.
.1 الإحكام في أصول الأحكام، ابن حزم الأندلسي، مطبعة العاصمة/القاهرة، ط )بدون(، )بدون
تاريخ(.
.7 اختلافات في ت ا رجم الكتاب المقدّس، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة/ القاهرة، ط)بدون(،
)بدون تاريخ(.
.8 الاستيعاب في معرفة الأصحاب، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر بن
عاصم النمري القرطبي، تحقيق: علي البجاوي، دار الجيل/بيروت، الطبعة الأولى، 1612 ه.
.4 إس ا رئيل فتنة الأجيال العصور الحديثة، إب ا رهيم خليل أحمد، مكتبة الوعد العربي/مصر، -
الطبعة الأولى، 1013 ه/ 1193 م.
.23 إس ا رئيل فتنة الأجيال العصور القديمة، إب ا رهيم خليل أحمد، مكتبة الوعي العربي/مصر، -
الطبعة الأولى، 1141 م.
601
.22 إس ا رئيل وعقيدة الأرض الموعودة، أبكار السقاف، مكتبة مدبولي/القاهرة، الطبعة الثانية،
1119 م.
.22 الأسفار المقدّسة في الأديان السابقة للإسلام، د. علي عبد الواحد وافي، دار نهضة
مصر/القاهرة، الطبعة الأولى، 1096 ه/ 1146 م .
.20 الأسماء والصفات، البيهقي أحمد بن الحسين أبو بكر، تحقيق : عبد الله بن محمد الحاشدي،
مكتبة السوادي/ جدة، الطبعة الأولى، )بدون تاريخ( .
.24 أصول الكافي، محمد بن يعقوب الكليني، دار التعارف/بيروت، ط)بدون(،
1611 ه/ 1113 م.
.25 الأصولية اليهودية في إس ا رئيل، إس ا رئيل شاحاك و نورتون ميزفينسكي، ترجمة: ناصر
عفيفي، مكتبة الشروق الدولية/ القاهرة، الطبعة الثانية، 2336 م.
.21 إظهار الحق، محمد رحمت الله بن خليل الرحمن الكي ا رنوي العثماني الهندي الحنفي ، د ا رسة
وتحقيق وتعليق: د. محمد أحمد ملكاوي، نشر: الرئاسة العامة لإدا ا رت البحوث العلمية والإفتاء
والدعوة والإرشاد/الرياض، الطبعة الأولى، 1613 ه/ 1191 م.
.27 اعت ا رفات جولدا مائير، ترجمة: عزيز عزمي، دار التعاون/مصر، الطبعة الأولى، 1191 م،
.28 الأعلام، خير الدين بن محمود بن محمد بن علي بن فارس الزركلي الدمشقي، دار العلم
للملايين/بيروت، الطبعة الخامسة عشر، 2332 م .
.24 إفحام اليهود وقصة إسلام السموأل، السموأل بي يحيى المغربي، تحقيق: د. محمد الشرقاوي،
الرئاسة العامة لإدا ا رت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/الرياض، الطبعة
الثانية، 1639 ه/ 1199 م.
.23 الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية،
و ا زرة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد/المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى،
1619 ه.
.22 الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: أبو أنس سيد بن رجب، دار الهدى دار -
الفضيلة/ مصر السعودية، الطبعة الأولى، 1629 ه/ 2339 م. -
600
.22 الأموال، أبو عبيد القاسم بن سلام، تحقيق: أبو أنس سيد بن رجب، دار الهدى دار -
الفضيلة/ مصر السعودية، الطبعة الأولى، 1629 ه/ 2339 م. -
.20 الأنس الجليل في تاريخ القدس والخليل، مجير الدين الحنبلي العليمي، تحقيق: عدنان نباتة،
مكتبة دنديس/عمان، 1623 ه/ 1111 م.
.24 أهداف إس ا رئيل التوسعية في البلاد العربية، محمود شيت خطّاب، دار الاعتصام/القاهرة،
الطبعة الثالثة، 1013 ه / 1193 م.
.25 البابية عرض ونقد، إحسان إلهي ظهير، دار ترجمان السنة/باكستان، الطبعة الثالثة،
1191/1631 م.
.21 البحث عن الس ا رب.. الحفريات تحت المسجد الأقصى ومحيطه، إعداد: عبد الله ابحيص،
ترجمة: مريم عيتاني، مؤسسة القدس الدولية/ بيروت، الطبعة الأولى، أغسطس 2312 م.
.27 البداية والنهاية، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي، تحقيق: عبد الله عبد المحسن
التركي، هجر للطباعة والنشر/الجيزة، الطبعة الأولى، 1619 ه/ 1119 م.
.28 بدائع الفوائد، ابن قيم الجوزية، دار الكتاب العربي/بيروت، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.24 البروتوكولات واليهودية والصهيونية، د. عبد الوهاب المسيري، دار الشروق/ القاهرة، الطبعة
الثالثة، 2330 م.
.03 بلادنا فلسطين، مصطفى الدباغ، دار الهدى/ كفر قرع فلسطين المحتلة، ط)بدون(، -
1111 م.
.02 البلدانيات، الإمام الحافظ شمس الدين محمد بن عبد الرحمن السخاوي، تحقيق: حسام
القطان، دار العطاء/السعودية، الطبعة الأولى، 1622 ه/ 2331 م .
.02 بنو إس ا رئيل في الق آ رن والسنة، د. محمد سيد طنطاوي، الزه ا رء/مصر، الطبعة الأولى،
1639 ه/ 1199 م.
.00 بنو إس ا رئيل، محمد بيومي مه ا رن، دار المعرفة الجامعية/مصر، الطبعة الأولى، 1111 م.
.04 بولس وتحريف المسيحية، هيم ماكبي، ترجمة: سميرة عزمي الزين، منشو ا رت المعهد الدولي
للد ا رسات الإنسانية، الطبعة الثانية، 1111 م.
601
.05 بين الإسلام والمسيحية، أبي عبيدة الخزرجي، تحقيق: د. محمد شامة، مكتبة وهبة/ القاهرة،
الطبعة الثانية، 1015 ه/ 1195 م.
.01 تأثّر المسيحية بالأديان الوضعية، د. أحمد علي عجيبة، دار الآفاق العربية/القاهرة، الطبعة
الأولى، 2334 م.
.07 تاج العروس من جواهر القاموس، محمّد بن محمّد بن عبد الر اّ زق الحسيني أبو الفيض
الملقّب بمرتضى، الزَّبيدي، دار الهداية/الرياض، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.08 تاريخ الإس ا رئيليين، شاهين مكاريوس، مطبعة المقتطف/القاهرة، الطبعة الأولى، 1136 م.
.04 تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، شمس الدين محمد بن أحمد بن عثمان الذهبي،
تحقيق: د. عمر عبد السلام تدمري، دار الكتاب العربي/ بيروت، الطبعة الأولى،
1639 ه/ 1199 م.
.43 تاريخ الخلفاء، عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد،
مطبعة السعادة/مصر، الطبعة الأولى، 1091 ه/ 1152 م.
.42 تاريخ الدولة العلية العثمانية، محمد فريد بك، دار النفائس/بيروت، الطبعة الأولى،
1631 ه/ 1191 م.
.42 تاريخ الديانة اليهودية، د. محمد خليفة حسن أحمد، دار قباء/ القاهرة، الطبعة الأولى،
1119 م.
.40 تاريخ الطبري، محمد بن جرير بن يزيد الطبري، أبو جعفر، دار الكتب العلمية/ بيروت،
الطبعة الأولى، 1639 ه.
.44 تاريخ القدس المعروف بتاريخ أورشليم، خليل سركيس، مكتبة الثقافة الدينية/بور سعيد،
الطبعة الأولى، 1621 ه/ 2331 م.
.45 تاريخ القدس، عارف باشا العارف، دار المعارف/ القاهرة، الطبعة الثانية، 1151 م.
.41 تاريخ الكتاب المقدّس، كارين أرمسترونج، ترجمة: د. محمد صفار، مكتبة الشروق الدولية/
القاهرة، الطبعة الأولى، 1601 ه/ 2313 م.
.47 تاريخ المسيحية الشرقية، عزيز سوريل عطية، ترجمة: إسحاق عبيد، المجلس الأعلى
للثقافة/مصر، الطبعة الأولى، 2335 م.
603
.48 تاريخ اليهود وآثارهم في مصر، تقي الدين أحمد بن علي بن عبد القادر المقريزي، د ا رسة
وتحقيق: د. عبد المجيد دياب، دار الفضيلة/القاهرة، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.44 التاريخ اليهودي العام، صابر طعيمة، دار الجيل/بيروت، الطبعة الثالثة، 1611 ه/ 1111 م.
.53 تاريخ بني إس ا رئيل من أسفارهم، محمد عزة دروزة، مطابع الإعلانات الشرقية/مصر، الطبعة
الأولى، )بدون تاريخ( .
.52 تاريخ فلسطين الحديث، د. عبد الوهاب الكيالي، المؤسسة العربية للد ا رسات والنشر/بيروت،
الطبعة العاشرة، 1113 م.
.52 تاريخ فلسطين القديم منذ أول غزو يهودي حتى آخر غزو صليبي، ظفر الإسلام خان، دار
النفائس/ بيروت، الطبعة الثالثة، 1631 ه/ 1191 م.
.50 تاريخ فلسطين، عمر البرغوثي وَ خليل طوطح، مكتبة الثقافة الدينية/مصر، الطبعة الأولى،
2331 م.
.54 تاريخ وعقائد الكتاب المقدّس بين إشكالية التقنين والتقديس، د. يوسف الكلّام، دار صفحات/
دمشق، الطبعة الأولى، 2331 م.
.55 تثبيت دلائل النبوة، القاضي عبد الجبار، دار المصطفى/القاهرة، الطبعة الأولى،
1094 ه/ 1144 م.
.51 التحريف والتناقض في الأناجيل الأربعة، د. سارة العبّادي، دار طيبة الخض ا رء/مكة المكرمة،
الطبعة الأولى، 1626 ه/ 2330 م.
.57 تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي، أبو العلاء محمد بن عبد الرحمن بن عبد الرحيم
المباركفوري، تحقيق: عبد الوهاب بن عبد اللطيف، المكتبة السلفية/المدينة المنورة، الطبعة الثانية،
1090 ه/ 1140 م.
.58 تخريج أحاديث فضائل الشام لأبي الحسن علي بن محمد الربعي، محمد ناصر الدين
الألباني، مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الأولى، 1623 ه/ 2333 م.
.54 تذكير النفس بحديث القدس "واقدساه"، د. سيد حسين العفاني، دار العفاني/القاهرة، الطبعة
الأولى، 1621 ه/ 2331 م.
604
.13 التعريفات، علي بن محمد بن علي الجرجاني، تحقيق : إب ا رهيم الأبياري، دار الكتاب
العربي/ بيروت، الطبعة الأولى، 1635 ه.
.12 تفسير الشع ا روي الخواطر، محمد متولي الشع ا روي، مطابع أخبار اليوم/القاهرة، ط)بدون(، –
1119 م.
.12 تفسير الق آ رن "اختصار النكت للماوردي"، الإمام عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام
السلمي الدمشقي الشافعي، تحقيق: عبد الله الوهبي، دار ابن حزم/ بيروت، الطبعة الأولى،
1614 ه/ 1114 م.
.10 تفسير الق آ رن العظيم، أبو الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير القرشي الدمشقي، تحقيق:
محمود حسن، دار الفكر/ بيروت، ط )بدون(، 1616 ه/ 1116 م.
.14 تفسير الق آ رن، أبو المظفر منصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاني، تحقيق: ياسر بن
إب ا رهيم وَ غنيم بن عباس بن غنيم، دار الوطن/الرياض، الطبعة الأولى، 1619 ه/ 1119 م.
.15 التفسير الكبير أو )مفاتيح الغيب(، أبو عبد الله محمد بن عمر بن الحسن بن الحسين
القرشي ال ا رزي الملقب بفخر الدين ال ا رزي، دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى،
1621 ه/ 2333 م.
.11 تفسير النسفي، أبو البركات عبد الله بن أحمد بن محمود النسفي، تحقيق: مروان محمد
الشعار، دار النفائس/بيروت، 2335 م.
.17 التقرير الاست ا رتيجي الفلسطيني لعام 2311 م، تحرير: د. محسن صالح، مركز الزيتونة
للد ا رسات/بيروت، الطبعة الأولى، 1600 ه/ 2312 م.
.18 تقرير الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، المستعم ا رت الإس ا رئيلية في الأ ا رضي
الفلسطينية، التقرير الإحصائي السنوي، إعداد: محمد المصري، مطبوعات الجهاز المركزي
للإحصاء/ ا رم الله، 1600 ه/ 2311 م.
.14 تقرير حال القدس" 0"، خلال الفترة من يوليو حتى سبتمبر 2312 م، ب ا رءة درزي، د ا رسة،
مؤسسة القدس الدولية/لبنان، الطبعة الأولى، 2312 م.
.73 تكملة معجم المؤلفين، محمد خير بن رمضان بن إسماعيل يوسف، دار ابن حزم/بيروت،
الطبعة الأولى، 1619 ه/ 1119 م .
605
.72 التلمود تاريخه وتعاليمه، ظفر الإسلام خان، دار النفائس/بيروت، الطبعة الثامنة،
1620 ه/ 2332 م.
.72 التلمود شريعة بني إس ا رئيل حقائق ووقائع، محمد صبري، مكتبة مدبولي/ القاهرة، الطبعة
الأولى، 2311 م.
.70 التلمود كتاب اليهود المقدّس، أحمد ايبش، دار قتيبة/دمشق، الطبعة الأولى، 2334 م.
.74 تنوير المقباس من تفسير ابن عباس، الفير وز آبادي، دار الكتب العلمية/ لبنان، ط)بدون(،
)بدون تاريخ( .
.75 تهذيب اللغة، أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري الهروي، تحقيق: عبد السلام هارون
وآخرون، الدار المصرية/القاهرة، الطبعة الأولى، 1096 ه/ 1146 م.
.71 توجيه النظر إلى أصول الأثر، طاهر بن صالح بن السمعوني الج ا زئري، تحقيق: عبد الفتاح
أبو غدة، مكتبة المطبوعات الإسلامية/ حلب، الطبعة الأولى، 1614 ه/ 1115 م.
.77 التو ا رة السامرية، النص الكامل للتو ا رة السامرية باللغة العربية، ترجمة الكاهن السامري: أبو
الحسن إسحاق الصّوري، نشر وتقديم: د. أحمد جازي السقا، دار الأنصار/مصر، الطبعة الأولى،
1019 ه/ 1199 م.
.78 التو ا رة اليهودية مكشوفة على حقيقتها، د. إس ا رئيل فنكلشتاين وَ نيل اشر سيلبرمان، ترجمة:
سعد رستم، دار صفحات للد ا رسة والنشر، ط )بدون(، )بدون تاريخ( .
.74 التو ا رة تاريخها وغاياتها، ترجمة وتعليق: سهيل ديب، دار النفائس/بيروت، الطبعة الأولى،
1019 ه/ 1199 م.
.83 التو ا رة والإنجيل والق آ رن والعلم، موريس بوكاي، ترجمة: الشيخ حسن خالد، المكتب
الإسلامي/بيروت، الطبعة الثالثة، 1611 ه/ 1113 م.
.82 جامع الأصول في أحاديث الرسول، مجد الدين أبو السعادات المبارك بن محمد بن عبد
الكريم الشيباني الجزري ابن الأثير، تحقيق: عبد القادر الأرنؤوط، دار البيان/الكويت، الطبعة
الأولى، 1091 ه/ 1141 م.
.82 جامع البيان في تأويل الق آ رن، محمد بن جرير بن يزيد بن كثير بن غالب الآملي، أبو جعفر
الطبري، تحقيق: أحمد شاكر، مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الأولى، 1623 ه/ 2333 م.
606
.80 الجامع لأحكام القرآن، شمس الدين الق رطبي، تحقيق: هشام البخاري دار عالم الكتب، -
الرياض، ط)بدون(، 1620 ه/ 2330 م.
.84 الجدار العازل في الضفة الغربية، إعداد: حسن ابحيص و خالد عايد، تحرير: د. محسن
صالح، مركز الزيتونة للد ا رسات/ بيروت، الطبعة الأولى، 1601 ه/ 2313 م.
.85 جدار الفصل العنصري حول مدينة القدس الدوافع والآثار السياسية، د ا رسة، د. صالح
الرقب، مقدم ل: مركز القدس للبحوث والد ا رسات/ غزة، ط)بدون(، 1601 ه/ 2313 م.
.81 جدار الفصل العنصري: حقائق وأرقام، د. صقر الجبالي، مركز المعلومات الوطني
الفلسطيني/ تقارير ود ا رسات، ا ربط: www.wafainfo.ps/atemplate.aspx?id=4981 .
.87 جذ ور الاستعمار الصهيوني بفلسطين، علي المحجوبي، دار س ا رس للنشر/تونس، الطبعة
الأولى، 1113 م.
.88 جمان من فضة قاموس أعلام الكتاب المقدّس، مكرم مشرقي، مكتبة الأخوة/مصر، الطبعة -
الأولى، 2333 م.
.84 الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 2311 م ، كتاب القدس الإحصائي السنوي "رقم
10 "، ا رم الله/فلسطين، ط)بدون( .
.43 الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، شيخ الإسلام تقي الدين أبو العباس أحمد بن عبد
الحليم بن تيمية الح ا رني، تحقيق: علي سيد صبح المدني، دار العاصمة/الرياض، الطبعة الثانية،
1611 ه/ 1111 م.
.42 جولة في عصر الخلفاء ال ا رشدين، د. محمد السيد الوكيل، دار المجتمع/جدة، الطبعة
الخامسة، 1614 ه/ 1115 م.
.42 حاشية رد المختار على الدر المختار، ابن عابدين، دار الفكر/بيروت، الطبعة الثانية،
1612 ه/ 1112 م.
.40 الحرب بين الكنائس الأمريكية والعربية ) تقرير مجلس كنائس الشرق الأوسط عن الحركات
الإنجيلية الغربية الجديدة حيال الشرق الأوسط(، دار الوحدة/ بيروت، الطبعة الأولى، 1199 م.
.44 حرب صليبية بكل المقاييس، د. زينب عبد العزيز، دار الكتاب العربي/دمشق القاهرة، -
الطبعة الأولى، 2330 م.
607
.45 الحركات الباطنية في العالم الإسلامي عقائدها وحكم الإسلام فيها، د. محمد أحمد -
الخطيب، مكتبة الأقصى/عمان، الطبعة الثانية، 1634 ه/ 1194 م .
.41 الحركة الصهيونية طبيعتها وعلاقتها بالت ا رث الديني اليهودي، د. محمد خليفة حسن، دار
المعارف/القاهرة، الطبعة الأولى، 1191 م.
.47 الحروب الصليبية هل انتهت؟، عبد الوهاب زيتون، دار المعرفة/دمشق، الطبعة الأولى،
1612 ه/ 1112 م.
.48 الحقائق الأربعون في القضية الفلسطينية، د. محسن محمد صالح، تقديم: د. محمد عمارة،
الطبعة المنقحة )بدون رقم(، 2330 م.
.44 حول موثوقية الأناجيل، محمد السعدي، جمعية الدعوة الإسلامية/ ط ا ربلس الغرب، الطبعة
الأولى، 1195 م.
.233 حياة المسيح، عباس محمود العقاد، دار نهضة مصر/القاهرة، الطبعة الأولى، 1114 م.
.232 حياة بن جوريون السياسية، موريس إديلمان، ترجمة: علي رمضان فاضل، مكتبة النافذة/
مصر، الطبعة الأولى، 2331 م.
.232 الخ ا رج وصناعة الكتابة، قدامة بن جعفر، تحقيق: محمد حسين الزبيدي، دار الرشيد/بغداد،
الطبعة الأولى، 1191 م.
.230 الخ ا رج، أبو يوسف يعقوب بن إب ا رهيم بن حبيب بن سعد بن حبتة الأنصاري، تحقيق : طه
عبد الرؤوف سعد وَ سعد حسن محمد، المكتبة الأزهرية للت ا رث/ مصر، ط )بدون(، )بدون تاريخ( .
.234 الخطر اليهودي بروتوكولات حكماء صهيون، ترجمة: محمد خليفة التونسي، تقديم: عباس
العقاد، دار الكتاب العربي/بيروت، الطبعة الثانية،)بدون تاريخ( .
.235 خطر اليهودية العالمية على الإسلام والمسيحية، عبد الله التل، دار القلم/بيروت، الطبعة
الأولى، 1096 ه/ 1146 م.
.231 خلفية عن الجدار الفاصل، بتسيلم مركز المعلومات )الإس ا رئيلي( لحقوق الإنسان في -
الأ ا رضي المحتلة، تحت ا ربط: http://www.btselem.org/arabic/separation_barrier .
.237 داود وسليمان في العهد القديم والقرآن، د. أحمد عيسى الأحمد، مطبعة حكومة الكويت/
الكويت، الطبعة الأولى، 1613 ه/ 1113 م.
608
.238 د ا رسات في الصهيونية وجذورها، سيد فرج ا رشد، دار المريخ/ الرياض، الطبعة الأولى،
1612 ه/ 1112 م.
.234 الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة، الحافظ شهاب الدين أبي الفضل أحمد بن علي بن
محمد العسقلاني، تحقيق: محمد عبد المعيد ضان، مجلس دائرة المعارف العثمانية/صيدر أباد -
الهند، الطبعة الأولى، 1012 ه/ 1192 م.
.223 دستور العلماء أو جامع العلوم في اصطلاحات الفنون، القاضي عبد رب النبي بن عبد
رب الرسول الأحمد نكري، دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى، 1621 ه/ 2333 م.
.222 دلائل تحريف الكتاب المقدّس، د. شريف سالم، الناشر )بدون(، الطبعة الأولى،
1624 ه/ 2335 م.
.222 الدم المقدّس والكأس المقدّسة، ميشيل بيجنت وَ هنري لنكولن وَ ريتشارد لي، ترجمة: محمد
الواكد، دار الأوائل/ دمشق، الطبعة الثانية، 2339 م.
.220 الديانات والعقائد في مختلف العصور، أحمد عبد الغفور عطار، دار)بدون(/ مكة المكرمة،
الطبعة الأولى، 1631 ه/ 1191 م.
.224 ذئاب في ثياب حملان، مختصر قصة الأصولية الأمريكية، إميل أمين، دار
المريخ/القاهرة، الطبعة الأولى، 1629 ه/ 2334 م.
.225 رسالة في الأصولية البروتستانتية والسياسة الخارجية الأمريكية، سمير مرقس، مكتبة
الشروق/القاهرة، الطبعة الأولى، 1622 ه/ 2331 م.
.221 رسالة في اللاهوت والسياسة، باروخ سبينيو ا ز، ترجمة: د. حسن حنفي، الهيئة العامة
للكتاب/القاهرة، الطبعة الأولى، 1192 م.
.227 الرسالة، الإمام محمد بن إدريس الشافعي، تحقيق: أحمد شاكر، مكتبة الحلبي/مصر،
الطبعة الأولى، 1059 ه/ 1163 م.
.228 الرسل والرسالات، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس/ الأردن، الطبعة الأولى،
1621 ه/ 2339 م.
.224 روح المعاني في تفسير الق آ رن العظيم والسبع المثاني، شهاب الدين محمود بن عبد الله
الحسيني الألوسي، دار إحياء الت ا رث العربي/بيروت، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
609
.223 الروض المعطار في خبر الأقطار، محمد بن عبد المنعم الحِميري، تحقيق: إحسان عباس،
مؤسسة ناصر للثقافة/بيروت، الطبعة الثانية، 1193 م.
.222 زعماء صهيون، مجدي كامل، دار الكتاب العربي/ دمشق القاهرة، الطبعة الأولى، -
2339 م.
.222 السلسلة الصحيحة، ناصر الدين الألباني، مكتبة المعارف/الرياض، الطبعة الأولى،
1615 ه/ 1115 م.
.220 السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، مصطفى بن حسني السباعي، المكتب الإسلامي/
دمشق بيروت، الطبعة الثالثة، 1632 ه/ 1192 م. -
.224 سنن الترمذي، أبو عيسى محمد بن عيسى الترمذي، تحقيق: أحمد محمد شاكر وَ محمد
فؤاد عبد الباقي وَ إب ا رهيم عطوة عوض، شركة مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي/ مصر،
الطبعة الثانية، 1015 ه/ 1195 م.
.225 سنن النسائي، أبو عبد الرحمن أحمد بن شعيب النسائي، تحقيق: مكتب تحقيق الت ا رث،
دار المعرفة/بيروت، الطبعة الخامسة، 1623 ه.
.221 السياسة الصهيونية تجاه مدينة القدس، عدنان أبو عامر، مركز البيان للبحوث والد ا رسات/
الرياض، الطبعة الأولى، 1603 ه/ 2331 م.
.227 سير أعلام النبلاء، شمس الدين الذهبي، مجموعة من المحققين بإش ا رف الشيخ شعيب
الأرناؤوط، مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الثالثة، 1635 ه/ 1195 م .
.228 السيرة النبوية، عبد الملك ابن هشام المعافري، تحقيق: جمال ثابت وَ محمد محمود وَ سيد
إب ا رهيم، دار الحديث/القاهرة، ط )بدون(، 1629 ه/ 2334 م.
.224 شرح العقيدة الطحاوية، صدر الدين محمد بن علاء الدين عليّ بن محمد ابن أبي العز
الحنفي، الأذرعي الصالحي الدمشقي، تحقيق: أحمد شاكر، و ا زرة الشؤون الإسلامية والأوقاف
والدعوة والإرشاد/ السعودية، الطبعة الأولى، 1619 ه.
.203 شرح صحيح البخاري، أبو الحسن علي بن خلف بن عبد الملك بن بطال البكري القرطبي،
تحقيق: أبو تميم ياسر بن إب ا رهيم، مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الثانية، 1620 ه/ 2330 م.
611
.202 شعب الإيمان، الإمام أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي، تحقيق: د. عبد العلي عبد الحميد
حامد، مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الأولى، 1620 ه/ 2330 م.
.202 الشيعة والتصحيح الص ا رع بين الشيعة والتشيع، موسى الموسوي، الطبعة الأولى، -
1639 ه/ 1199 م.
.200 صحيح ابن حبان، محمد بن حبان، التميمي، أبو حاتم، الدارمي، البُستي، تحقيق: شعيب
الأرنؤوط، مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الثانية، 1616 ه/ 1110 م.
.204 صحيح البخاري، الإمام محمد بن إسماعيل البخاري، ترتيب وترقيم: د. محمد فؤاد عبد
الباقي، شركة مكتبة ألفا/ مصر، الطبعة الأولى، 1621 ه/ 2339 م.
.205 صحيح الجامع الصغير وزيادته )الفتح الكبير(، الإمام الألباني، المكتب الإسلامي/
بيروت، الطبعة الثالثة، 1639 ه/ 1199 م.
.201 صحيح مسلم بشرح النووي، أبو زكريا محيي الدين يحيى بن شرف النووي، دار إحياء
الت ا رث العربي/ بيروت، الطبعة الثانية، 1012 م.
.207 صحيح مسلم، الإمام الحافظ أبي الحسن مسلم بن الحجاج النيسابوري، دار الفكر/ بيروت،
الطبعة الأولى، 1626 ه/ 2330 م.
.208 الصليبيون الجدد الحملة الثامنة .. د ا رسة في أسباب التحيز الأمريكي والبريطاني
)لإس ا رئيل(، يوسف العاصي الطويل، مكتبة مدبولي/القاهرة، الطبعة الأولى، 1119 م .
.204 الصليبيون في الشرق، ميخائيل ا زبوروف، ترجمة: الياس شاهين، دار التقدم/موسكو،
الطبعة الأولى، 1194 م .
.243 الصهيونية العالمية والرد على الفكر الصهيوني المعاصر، د. محمود دياب، مطبوعات
الشعب/ مصر، الطبعة الأولى، 1194 م .
.242 الصهيونية العالمية، عباس محمود العقاد، دار المعارف/مصر، ط)بد ون(، 2331 م.
.242 الطريق إلى بيت المقدس، جمال عبد الهادي، دار الوفاء/ القاهرة، الطبعة الخامسة،
2331 م .
.240 عالم الملائكة الأب ا رر، د. عمر سليمان الأشقر، دار النفائس/ الأردن، الطبعة الأولى،
1621 ه/ 2339 م .
610
.244 العبر في خبر من غبر، شمس الدين أبو عبدالله محمد بن أحمد بن عثمان بن قايماز
الذهبي، تحقيق: محمد السعيد بن بسيوني زغلول، دار الكتب العلمية/ بيروت، ط )بدون(، )بدون
تاريخ( .
.245 العرب واليهود في التاريخ، د. أحمد سوسة، العربي للإعلان والنشر والطباعة/ دمشق،
الطبعة الثانية، 1190 م .
.241 العقائد الإسلامية من الآيات الق آ رنية والأحاديث النبوية، عبد الحميد بن باديس، تحقيق:
محمد الصالح رمضان، دار الفتح/الشارقة، الطبعة الأولى، 1614 ه/ 1115 م .
.247 العقائد الوثنية في الديانة النص ا رنية، محمد بن طاهر التنير البيروتي، تحقيق: د. محمد
الشرقاوي، دار الصحوة/ القاهرة، الطبعة الأولى، 1639 ه/ 1199 م .
.248 عقيدة اليهود في الوعد بفلسطين عرض ونقد، محمد بن علي آل عمر، مجلة البيان/
الرياض، الطبعة الأولى، 1626 ه/ 2330 م .
.244 عمدة القاري شرح صحيح البخاري، بدر الدين محمود بن أحمد العيني، دار إحياء الت ا رث
العربي/بيروت، ط )بدون(، )بدون تاريخ( .
.253 عيون الأنباء في طبقات الأطباء، موفق الدين أبي العباس أحمد بن القاسم بن خليفة بن
يونس السعدي الخزرجي، تحقيق: د. ن ا زر رضا، دار مكتبة الحياة/ بيروت، الطبعة الأولى،
1145 م .
.252 فتاوى الحاخامات رؤية موضوعية لجذور التطرف في المجتمع الإس ا رئيلي، د. منصور
عبد الوهاب، الهيئة المصرية العامة للكتاب/القاهرة، الطبعة الأولى، 2313 م .
.252 الفتاوى الكبرى، شيخ الإسلام ابن تيمية، تحقيق: حمد عبدالقادر عطا مصطفى عبدالقادر -
عطا، دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الأولى، 1639 ه/ 1199 م .
.250 فتاوى علماء المسلمين في حرمة التفريط بأرض فلسطين، د. سالم سلامة، ا ربطة علماء
فلسطين/ غزة، الطبعة الأولى، 2339 م .
.254 فتح الباري شرح صحيح البخاري، ابن حجر العسقلاني، دار المعرفة/بيروت، الطبعة
الأولى، 1091 ه .
611
.255 فتح المجيد شرح كتاب التوحيد، عبد الرحمن بن حسن بن محمد بن عبد الوهاب النجدي
الحنبلي، مكتبة الصفا/القاهرة، الطبعة الأولى، 1626 ه/ 2330 م .
.251 فتوح البلدان، أحمد بن يحيى بن جابر بن داود البَلَاذُري، دار ومكتبة الهلال/ بيروت،
ط)بدون(، 1199 م .
.257 فتوح الشام، أبو عبد الله محمد بن عمر بن واقد الواقدي، دار الكتب العلمية/بيروت،
الطبعة الأولى، 1619 ه/ 1119 م.
.258 فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين، جمع من العلماء، دار
الفرقان/ عمّان، الطبعة الأولى، 1113 م .
.254 فرق معاصرة تنتسب إلى الإسلام وموقف الإسلام منها، د. غالب بن علي عواجي، دار
لينة للنشر والتوزيع/مصر، الطبعة الثالثة، 1619 ه/ 1119 م .
.213 الفرق والمذاهب المسيحية منذ البدايات حتى ظهور الإسلام، نهاد خياطة، دار الأوائل/
دمشق، ط )بدون(، )بدون تاريخ( .
.212 الفرق والمذاهب المسيحية منذ ظهور الإسلام حتى اليوم، سعد رستم، دار الأوائل/دمشق،
الطبعة الثانية، 2335 م .
.212 الفرق والمذاهب اليهودية منذ البدايات، عبد المجيد همو، دار الأوائل للنشر/ دمشق،
الطبعة الثانية، 1625 ه/ 2336 م .
.210 الفروق بين التو ا رة السامرية والعب ا رنية في الألفاظ والمعاني، د. أحمد حجازي السقا، تقديم:
أسعد سيد احمد، دار الأنصار/ مصر، الطبعة الأولى، 1019 ه/ 1199 م .
.214 الفصل في الملل والأهواء والنحل، الإمام أبي محمد علي بن أحمد المعروف بابن حزم
الظاهري، تحقيق: د. محمد إب ا رهيم نصر وَ د. عبد الرحمن عميرة، دار الجيل/ بي روت، الطبعة
الثانية، 1614 ه/ 1114 م .
.215 فضائل القدس، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي، تحقيق:
الدكتور جب ا رئيل سليمان جبور، دار الآفاق الجديدة/ بيروت، الطبعة الثانية، 1633 ه/ 1193 م .
.211 فقه الجهاد، د. يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة/القاهرة، الطبعة الأولى، 1603 ه/ 2331 م .
613
.217 الفكر الديني الإس ا رئيلي أطواره ومذاهبه، د.حسن ظاظا، معهد البحوث والد ا رسات العربية/
جامعة الدول العربية، قسم البحوث والد ا رسات الفلسطينية، ط)بدون(، 1191 م .
.218 فلسطين .. القضية الشعب الحضارة، بيان نويهض الحوت، دار الاستقلال/ بيروت،
الطبعة الأولى، 1111 م .
.214 فلسطين أرض الرسالات الإلهية، رجاء جارودي، ترجمة: عبد الصبور شاهين، دار نهضة
مصر/القاهرة ، الطبعة الثالثة، 2313 م .
.273 فلسطين التاريخ المصور، د. طارق سويدان، الإبداع الفكري/الكويت، الطبعة الخامسة،
1624 ه/ 2335 م .
.272 فلسطين بين الوعد الإلهي الحق والوعد اليهودي المفترى، د. صالح الرقب، الطبعة الأولى،
1619 ه/ 1119 م .
.272 في ظلال القرآن، الشيخ الشهيد سيد قطب إب ا رهيم حسين الشاربي، دار الشروق/بيروت-
القاهرة، الطبعة السابعة عشر، 1612 ه .
.270 في مقارنة الأديان .. بحوث ود ا رسات، د. محمد عبدالله الشرقاوي، دار الجيل/بيروت،
الطبعة الثانية، 1613 ه/ 1113 م .
.274 قاموس الكتاب المقدّس، الموقع الرسمي لكنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية/
مصر، ا ربط: http://st-takla.org .
.275 قاموس الكتاب المقدّس، جورج بوست، المطبعة الأميركانية/بيروت، ط)بدون(، 1916 م .
.271 قبل الكارثة .. نذير ونفير، عبد العزيز بن مصطفى كامل، مركز البيان للبحوث
والد ا رسات/ الرياض، الطبعة الأولى، 1621 ه/ 2333 م .
.277 القدس بين مخططات التهويد الصهيونية ومسيرة النضال والتصدي الفلسطينية، نواف
الزرو، دار الخواجا/ الأردن، الطبعة الأولى، 1111 م .
.278 القدس د ا رسات فلسطينية إسلامية ومسيحية، جريس خوري وَ عدنان مسلّم وَ موسى
درويش، مركز اللقاء للد ا رسات الدينية والت ا رثية/القدس، الطبعة الأولى، 1114 م .
.274 القدس عربية إسلامية، د. سيد فرج ا رشد، دار المريخ/ال رياض، الطبعة الأولى،
1634 ه/ 1194 م .
614
.283 القدس مدينة الله أم مدينة داود، د. حسن ظاظا، مطبعة جامعة الإسكندرية/مصر، الطبعة
الأولى، 1193 م .
.282 القدس مدينة واحدة عقائد ثلاث، كارين أرمسترونج، ترجمة: د. فاطمة نصر وَ د. محمد
عناني، دار سطور/ القاهرة، الطبعة الأولى، 1119 م .
.282 القرى المدمّرة في قضاء القدس، د ا رسة، أحمد الباش، تجمع العودة الفلسطيني )واجب(،
قسم الأبحاث والد ا رسات، تحت ا ربط: www.wajeb.org .
.280 قصة الحروب الصليبية، د. ا رغب السرجاني، مؤسسة اق أ ر/القاهرة، الطبعة الثانية،
2331 م.
.284 قصة الحضارة، ويليام جيمس ديو اَ رنت، ترجمة: د. زكي نجيب محمُود وآخرين، دار الجيل/
بيروت، ط)بدون(، 1639 ه/ 1199 م .
.285 قصص الأنبياء، الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل بن كثير، دار ابن
الجوزي/القاهرة، الطبعة الأولى، 1624 ه/ 2335 م .
.281 قلائد الجمان في التعريف بقبائل عرب الزمان، أبو العباس أحمد بن علي القلقشندي
تحقيق: إب ا رهيم الإبياري، دار الكتاب المصري دار الكتاب اللبناني، الطبعة الثانية، -
1632 ه/ 1192 م .
.287 قواعد التحديث من فنون مصطلح الحديث، محمد جمال الدين بن محمد سعيد بن قاسم
الحلاق القاسمي، دار الكتب العلمية/بيروت، ط )بدون(، )بدون تاريخ( .
.288 كارثة فلسطين مذك ا رت عبد الله التل، دار الهدى، الطبعة الأولى، 1099 ه/ 1151 م . -
.284 الكامل في التاريخ، "ابن الأثير"، أبو الحسن علي بن أبي الكرم محمد بن محمد بن عبد
الكريم الشيباني، تحقيق: عبد الله القاضي، دار الكتب العلمية/ بيروت، الطبعة الثانية، 1615 ه .
.243 كتاب الخ ا رج، أبو زكريا يحيى بن آدم بن سليمان، تحقيق: حسين مؤنس، دار
الشروق/القاهرة، الطبعة الأولى، 1199 م .
.242 الكتاب المقدّس بعهديه القديم والجديد، النسخة العربية، دار الكتاب المقدّس في الشرق
الأوسط، طبعة عام 1114 م .
615
.242 الكتب المقدّسة في مي ا زن التوثيق، عبد الوهاب عبد السلام طويلة، دار السلام/ القاهرة،
الطبعة الثانية، 1620 ه/ 2332 م .
.240 الكنز المرصود في فضائح التلمود، د. محمد الشرقاوي، مكتبة الوعي الإسلامي/مصر،
الطبعة الأولى، 1613 ه/ 1113 م.
.244 كنوز التلمود، س. ليفي، ترجمة: محمد خليفة التونسي، مكتبة دار البيان/الك ويت، الطبعة
الأولى، 1631 ه/ 1191 م .
.245 اللاجئون الفلسطينيون بين الت ا رنسفير ويهودية الدولة، د ا رسة، إب ا رهيم العلي، تجمع العودة
الفلسطيني )واجب(، قسم الأبحاث والد ا رسات، تحت ا ربط: www.wajeb.org .
.241 اللباب في علوم الكتاب، أبو حفص عمر بن علي الدمشقي الحنبلي، تحقيق: عادل عبد
الموجود وَ علي معوض، دار الكتب العلمية/ بيروت، الطبعة الأولى، 1611 ه/ 1119 م .
.247 لسان العرب، محمد بن مكرم بن منظور الأفريقي المصري، تحقيق: عبد الله الكبير وَ
محمد حسب الله وَ هاشم الشاذلي، دار المعارف/القاهرة، ط )بدون(، )بدون تاريخ( .
.248 لمحات عن أديان العالم، ترجمة وتعليق: صادق عبد علي الركابي، مكتبة مدبولي/القاهرة،
الطبعة الأولى، 2339 م.
.244 ماهية الحروب الصليبية، د. قاسم عبده قاسم، عالم المعرفة، سلسلة صادة عن المجلس
الوطني للثقافة والفنون والآداب/الكويت، الطبعة الأولى، 1113 م.
.233 مباحث في علوم القرآن، مناع القطان، مؤسسة الرسالة/بيروت، الطبعة الخامسة والثلاثون،
1611 ه/ 1119 م .
.232 مثير الغ ا رم إلى زيارة القدس والشام، شهاب الدين أبي محمود بن تميم المقدسي، تحقيق:
أحمد الخطيمي، دار الجيل/بيروت، الطبعة الأولى، 1615 ه/ 1115 م .
.232 المجازر الإس ا رئيلية بحق الشعب الفلسطيني، ياسر علي، مركز الزيتونة للد ا رسات/ بيروت،
الطبعة الأولى، 1603 ه/ 2331 م .
.230 المجزرة الصهيونية عقيدة وممارسة، د ا رسة، أحمد الباش، تجمع العودة الفلسطيني )واجب(،
تحت ا ربط: www.wajeb.org .
616
.234 مجلة البحوث الإسلامية، الرئاسة العامة لإدا ا رت البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد/
الرياض، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.235 مجموع فتاوى ومقالات ابن باز، عبد العزيز بن عبد الله بن باز، الرئاسة العامة للبحوث
العلمية والإفتاء/ الرياض، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.231 محاض ا رت في النص ا رنية، محمد أبو زهرة، دار الفكر العربي/ القاهرة، الطبعة الثالثة،
1091 ه/ 1141 م .
.237 المحلّى، أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم الأندلسي القرطبي الظاهري، دار
الفكر/ بيروت، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.238 المدخل إلى الكتاب المقدس، حبيب سعيد، دار التأليف والنشر للكنيسة الأسقفية/القاهرة،
ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.234 مذك ا رت وايزمان، ترجمة: هشام خضر، مكتبة النافذة/مصر، الطبعة الأولى، 2331 م .
.223 المستدرك على الصحيحين، أبوعبد الله الحاكم محمد بن عبد الله بن محمد بن حمدويه بن
نُعيم بن الحكم الضبي الطهماني النيسابوري المعروف بابن البيع، تحقيق: مصطفى عبد القادر
عطا، دار الكتب العلمية/ بيروت، الطبعة الأولى، 1611 م/ 1113 م .
.222 مسند الإمام أحمد بن حنبل، أبو عبد الله أحمد بن محمد بن حنبل الشيباني، تحقيق:
شعيب الأرنؤوط وَ عادل مرشد وَ آخرون، مؤسسة الرسالة، الطبعة الأولى، 1621 ه/ 2331 م .
.222 مسند الب ا زر = البحر الزخّار، أبو بكر أحمد بن عمرو بن عبد الخالق بن خلاد بن عبيد
الله العتكي المعروف بالب ا زر، تحقيق: محفوظ الرحمن زين الله وَ عادل بن سعد وَ صبري عبد
الخالق الشافعي، مكتبة العلوم والحكم/المدينة المنورة، الطبعة الأولى، ) 1199 م حتى 2331 م( .
.220 المسيح اليهودي ونهاية العالم، رضا هلال، مكتبة الشروق/ القاهرة، الطبعة الأولى،
1621 ه/ 2333 م .
.224 المسيح في مصادر العقائد المسيحية، أحمد عبد الوهاب، مكتبة وهبة/القاهرة، الطبعة
الثانية، 1639 ه/ 1199 م .
.225 المسيحية )النص ا رنية( د ا رسة وتحليل، ساجد مير، دار السلام/ال رياض، الطبعة الأولى،
1620 ه/ 2332 م .
617
.221 المسيحية البروتستانتية وعلاقتها بالصهيونية في الولايات المتحدة، ا رجح إب ا رهيم السباتين،
رسالة ماجستير، إش ا رف: د. محمد أحمد الخطيب، الجامعة الأردنية/ عمّان، 2339 م، )غير
مطبوعة(.
.227 المسيحية ال ا ربعة، د. رؤوف شلبي، مكتبة الأزهر/ القاهرة، الطبعة الأولى، 1193 م .
.228 المسيحية المتهوّدة في خدمة الصهيونية العالمية، عيسى اليازجي، الدار الوطنية الجديدة/
دمشق، الطبعة الأولى، 2336 م .
.224 معالم التنزيل "تفسير البغوي"، محيي السنة أبو محمد الحسين بن مسعود البغوي، تحقيق:
محمد النمر وَ عثمان ضميرية وَ سليمان الحرش، دار طيبة للنشر والتوزيع، الطبعة ال ا ربعة،
1619 ه/ 1119 م .
.223 معالم تاريخ الشرق الأدنى القديم، محمد أبو المحاسن عصفور، دار النهضة
العربية/بيروت، الطبعة الثانية، )بدون تاريخ( .
.222 المعجم الأ وسط، سليمان بن أحمد بن أيوب بن مطير اللخمي الشامي، أبو القاسم
الطب ا رني، تحقيق: طارق بن عوض الله بن محمد وَ عبد المحسن بن إب ا رهيم الحسيني، دار
الحرمين/القاهرة، ط)بدون(، 1615 ه .
.222 معجم البلدان، أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي، دار صادر/بيروت، الطبعة الأ ولى،
1019 ه/ 1199 م .
.220 معجم الفروق اللغوية، أبو هلال الحسن بن عبد الله بن سهل العسكري، مؤسسة النشر
الإسلامي، الطبعة الأولى، 1612 ه .
.224 المعجم الكبير، أبو القاسم الطب ا رني، تحقيق: حمدي بن عبدالمجيد السلفي، دار ابن
تيمية/القاهرة، الطبعة الثانية، 1636 ه/ 1190 م .
.225 معجم مقاييس اللغة، أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا ابن فارس، تحقيق: عبد السلام
محمد هارون، دار الفكر، الطبعة الأولى، 1011 ه/ 1191 م .
.221 المغني شرح مختصر الخرقي، عبد الله بن أحمد بن قدامة المقدسي، دار إحياء الت ا رث
العربي/بيروت، الطبعة الأولى، 1635 ه/ 1195 م .
618
.227 مفردات ألفاظ الق آ رن الكريم، ال ا رغب الأصفهاني، دار القلم/ دمشق، ط)بدون(، )بدون
تاريخ( .
.228 مقارنة الأديان " 2" المسيحية، د. أحمد شلبي، مكتبة النهضة/القاهرة، الطبعة العاشرة، -
1119 م.
.224 مقارنة الأديان، د ا رسة في عقائد ومصادر الأديان السماوية والأديان الوضعية، د. طارق
خليل السعدي، دار العلوم العربية/بيروت، الطبعة الأولى، 1625 ه/ 2335 م .
.203 المقصد الأسنى في شرح معاني أسماء الله الحسنى، الإمام أبي حامد محمد بن محمد
الغ ا زلي، دار السلام/ القاهرة، الطبعة الأولى، 1621 ه/ 2339 م .
.202 مكان بين الأمم، بنيامين نتنياهو، ترجمة: محمد عودة الدويري، دار الجيل/ عمان، الطبعة
الثانية، 1114 م .
.202 مكايد اليهود عبر التاريخ، عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني، دار القلم/دمشق بيروت، -
الطبعة الثانية، 1019 ه/ 1199 م .
.200 ملف إس ا رئيل د ا رسة للصهيونية السياسية، روجيه جارودي، ترجمة: مصطفى كامل فودة، -
دار الشروق/القاهرة، الطبعة الثانية، 1636 ه/ 1196 م .
.204 ملكية أرض فلسطين من الفتح الإسلامي حتى أواسط القرن ال ا ربع الهجري، د. رياض
شاهين، مجلة الجامعة الإسلامية/غزة، المجلد الثامن، العدد الثاني، الجزء الأول، 2333 م .
.205 الملل والنحل، الإمام الشهرستاني، تحقيق: محمد بن فتح الله بد ا رن، مطبعة الأزهر -
أضواء السلف/مصر، الطبعة الأولى، 1044 ه/ 1169 م .
.201 مماحكات التأويل في مناقضات الإنجيل، أحمد فارس الشدياق، تحقيق: محمد أحمد
عمايرة، دار وائل/عمّان، الطبعة الأولى، 2330 م .
.207 من أعلام الدعوة الإسلامية في فلسطين والأردن، المستشار عبد الله العقيل، مركز الإعلام
العربي/مصر، الطبعة الثانية، 1602 ه/ 2311 م .
.208 من أعلام الدعوة الإسلامية في مصر، المستشار عبد الله العقيل، مركز الإعلام
العربي/مصر، الطبعة ال ا ربعة، 1602 ه/ 2311 م .
.204 من هو اليهودي؟، د. عبد الوهاب المسيري، دار الشروق/القاهرة، الطبعة الثالثة، 2330 م.
619
.243 مناهل العرفان في علوم القرآن، محمد عبد العظيم الزرقاني، تحقيق: فواز أحمد زمرلي،
دار الكتاب العربي/ بيروت، الطبعة الأولى، 1615 ه/ 1115 م .
.242 المنتظم في تاريخ الملوك والأمم، جمال الدين أبو الفرج عبد الرحمن بن علي بن محمد
الجوزي، تحقيق: محمد عبد القادر عطا وَ مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية/بيروت،
الطبعة الأولى، 1612 ه/ 1112 م .
.242 المنهاج في شعب الإيمان، الإمام أبو عبد الله الحسين بن الحسن الحليمي، تحقيق: حلمي
محمد فودة، دار الفكر/بيروت، الطبعة الأولى، 1011 ه/ 1191 م .
.240 منهج الاستدلال على مسائل الاعتقاد عند أهل السنة والجماعة، عثمان بن علي حسن،
مكتبة الرشد/الرياض، الطبعة الثانية، 1610 ه/ 1110 م .
.244 المواقع الجغ ا رفية في فلسطين.. الأسماء العربية والتسميات العبرية، شكري ع ا رف، مؤسسة
الد ا رسات الفلسطينية/بيروت، الطبعة الأولى، 2336 م.
.245 موجز تاريخ الحروب الصليبية، مصطفى وهبة، مكتبة الإيمان/المنصورة، الطبعة الأولى،
1619 ه/ 1119 م .
.241 موجز تاريخ الشرق الأدنى القديم، د. نعيم فرح، دار الفكر/بيروت، ط)بدون(، )بدون
تاريخ( .
.247 موجز تاريخ العالم، ه.ج ويلز، ترجمة: عبد العزيز توفيق جاويد، دار كتب عربية/مصر،
ط)بدون(، 1159 م .
.248 موجز تاريخ اليهود والرد على م ا زعمهم الباطلة، د. محمود بن عبد الرحمن قدح، مجلة
. الجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، العدد 139
.244 مؤسسة القدس الدولية، القدس 2312 م.. ق ا رءة في مسا ا رت الأحداث والمآلات، د ا رسة،
زياد الحسن، 2310 م، عن موقع المؤسسة الإلكتروني، ا ربط: www.alquds-online.org .
.253 موسوعة الأديان الحية في العالم، عبد الرحيم مارديني، دار المحبة/دمشق، الطبعة الأولى،
2331 م . - 2339
.252 موسوعة الذخائر العظام فيما أثر عن الإمام الهمام الشهيد عبد الله ع ا زم، مركز الشهيد
ع ا زم الإعلامي/بيشاور باكستان، الطبعة الأولى، 1619 ه/ 1119 م . -
631
.252 الموسوعة الفقهية الكويتية، و ا زرة الأوقاف والشئون الإسلامية في الكويت، دار
السلاسل/الكويت، الطبعة الثانية، 1636 ه/ 1190 م .
.250 الموسوعة الفلسطينية الميسرة، هيئة جائزة سليمان ع ا رر للفكر والثقافة، رئيس التحرير:
ناصر الدين الأسد، أروقة للد ا رسات والنشر/ الأردن، الطبعة الأولى، 1600 ه/ 2312 م .
.254 موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية، عبد الوهاب المسيري، دار الشروق/القاهرة، الطبعة
الأولى، 1111 م .
.255 الموطأ، مالك بن أنس، تحقيق: محمد مصطفى الأعظمي، مؤسسة ا زيد بن سلطان آل
نهيان/ الإما ا رت، الطبعة الأولى، 1625 ه/ 2336 م .
.251 النبوءة والسياسة، جريس هالسل، ترجمة: محمد السماك، دار الشروق/ القاهرة، الطبعة
الثانية، 1626 ه/ 2330 م .
.257 النجوم ال ا زهرة في ملوك مصر والقاهرة، جمال الدين أبي المحاسن يوسف بن تغري بردى
الأتابكي بردي، تحقيق ونشر: و ا زرة الثقافة الإرشاد القومي/مصر، ط)بدون(، )بدون تاريخ( .
.258 نصارى القدس، أحمد حامد القضاة، مركز د ا رسات الوحدة العربية/بيروت، الطبعة الأولى،
2339 م .
.254 نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، برهان الدين أبي الحسن إب ا رهيم بن عمر البقاعي،
دار الكتب العلمية/بيروت، الطبعة الثانية، 1626 ه/ 2332 م.
.213 نهاية الأرب في فنون الأدب، شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب النويري، دار الكتب
العلمية/بيروت، الطبعة الأولى، 1626 ه/ 2336 م .
.212 هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، أبو عبد الله شمس الدين محمد بن أبي بكر بن
أيوب بن سعد الزرعي الدمشقي )ابن قيم الجوزية(، تحقيق: محمد علي أبو العباس، مكتبة
القرآن/القاهرة، الطبعة الأولى، 1631 ه/ 1191 م .
.212 الهرطقة في المسيحية، ج. ويتلر، ترجمة: جمال سالم، دار التنوير/بيروت، ط)بدون(،
2339 م .
.210 هرمجدون ونهاية أمريكا واس ا رئيل .. ق ا رءة في نبوءات الكتب المقدّسة، منصور عبد الحكيم
وَ الحسيني الحسيني معدي، دار الكتاب العربي/دمشق، الطبعة الأولى، 2339 م .
630
.214 والدي السلطان عبد الحميد الثاني، الأميرة عائشة عثمان أوغلي، ترجمة: د. صالح
سعداوي صالح، دار البشير/الأردن، الطبعة الأولى، 1611 ه/ 1111 م .
.215 وثائق الوقفيات القديمة في سجلات القدس، د. إب ا رهيم ربايعة، بحث مقدم إلى المؤتمر
الدولي )الأوقاف في بلاد الشام(، الجامعة الأردنية/عمّان، ط )بدون(، 2334 م .
.211 وثيقة الصهيونية في العهد القديم، جورجي كنعان، دار النهار/بيروت، الطبعة الثانية،
1192 م .
.217 الوحي ونقيضه.. بروتوكولات حكماء صهيون في القرآن، د. بهاء الأمير، مكتبة
مدبولي/القاهرة، الطبعة الأولى، 2334 م .
.218 ورقة سياسية حول المساعدات العسكرية الأمريكية )لإس ا رئيل(، بقلم: جوش روبنر، مدير
المبادرة القومية في الحملة الأمريكية لإنهاء الاحتلال )الإس ا رئيلي(، عن: المركز الفلسطيني في
واشنطن، عنه: مركز الزيتونة للد ا رسات والاستشا ا رت، ا ربط: www.alzaytouna.net .
.214 يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء، د. رؤوف شلبي، دار ثابت/القاهرة، الطبعة الأولى،
1613 ه/ 1191 م.
.273 اليهود تاريخاً وعقيدة، د. كامل سعفان، دار الاعتصام/القاهرة، الطبعة الثانية، 1199 م.
.272 اليهود في العالم القديم، د. مصطفى كمال عبد العليم و د. سيد فرج ا رشد، دار القلم/دمشق
و الدار الشامية/بيروت، الطبعة الأولى، 1614 ه/ 1115 م .
.272 اليهود في تاريخ الحضا ا رت الأولى، جوستاف لوبون، ترجمة: عادل زعيتر، د ا رسة وتعليق:
د. محمود النجيري، دار طيبة/مصر، الطبعة الأولى، 2331 م.
.270 اليهود وأكاذيبهم، مارتن لوثر، د ا رسة وتعليق: محمود النجيري، مكتبة النافذة/مصر، الطبعة
الأولى، 2339 م.
.274 اليهودية والمسيحية في المي ا زن، د.عماد الدين الشنطي، الطبعة الأولى، 1625 ه/ 2336 م.
.275 اليهودية، د. أحمد شلبي، النهضة المصرية/القاهرة، الطبعة الثامنة، 1199 م.
.271 يوميات هرتزل، ترجمة: علي رمضان فاضل، مكتبة النافذة/مصر، الطبعة الأولى،
2313 م .
631
ثاني ا: المواقع الإلكترونية والصحف والمجلات:
.277 2339 م. /39/ صحيفة الأه ا رم المصرية، العدد الصادر بتاريخ 31
.278 2310 م. /34/ صحيفة القدس العربي/ لندن، العدد ) 9651 (، الصادر بتاريخ 12
.274 2334 م . /31/ صحيفة القدس العربي، العدد ) 5091 (، الصادر بتاريخ 10
.283 مجلّة المنار، محمد رشيد بن علي رضا، ذو القعدة 1050 ه/ 1105 م .
.282 مجلّة فلسطين "السفير العربي"، دار العروة الوثقى/بيروت، العدد 19 ، الصادر في:
2311/13/15 م .
.282 موقع الدكتور عبد الوهاب المسيري الرسمي: www.elmessiri.com .
.280 موقع الشبكة الإسلامية: www.islamweb.net .
.284 موقع الشيخ الدكتور يوسف القرضاوي الرسمي: www.qaradawi.net .
.285 موقع الشيخ عبد العزيز بن باز الرسمي: www.binbaz.org.sa/life .
.281 موقع الموسوعة العربية العالمية، شركة أعمال الموسوعة للإنتاج الثقافي:
www.mawsoah.net .
.287 موقع بتسيلم مركز المعلومات )الإس ا رئيلي( لحقوق الإنسان في الأ ا رضي المحتلة: -
http://www.btselem.org/arabic/separation_barrier .
.288 موقع تجمع العودة الفلسطيني )واجب(: www.wajeb.org .
.284 موقع ا ربطة علماء فلسطين: www.rapeta.org/Rapta/ar/?page=about .
.243 موقع صحيفة الأه ا رم المصرية )الرقمي(: digital.ahram.org.eg/articles .
.242 موقع صحيفة العرب اليوم، قسم الندوات، ضمن د ا رسة: أرض )إس ا رئيل( الكاملة حسب
التفسي ا رت الصهيونية: www.alarabalyawm.net .
.242 موقع كنيسة الأنبا تكلاهيمانوت القبطية الأرثوذكسية: http://st-takla.org .
.240 موقع مركز الزيتونة للد ا رسات والاستشا ا رت: www.alzaytouna.net .
.244 موقع مركز المعلومات الوطني الفلسطيني: www.wafainfo.ps .
.245 موقع مكتبة المهتدين: www.al-maktabeh.com/ar/open .
.241 موقع منبر الأقصى الإلكتروني: www.minbaralaqsa.com .
633
.247 موقع مؤسسة القدس الدولية الرسمي: www.alquds-online.org .
.248 موقع موسوعة ويكيبيديا الحرة: wikipedia.org/wiki .
.244 موقع نبض الوعي العربي : www.arabianawareness.com .
.033 موقع و ا زرة الخارجية الأمريكية: www.iipdigital.usembassy.gov/st/arabic .
.032 موقع وكالة رويترز للأنباء: http://ara.reuters.com/article/topNews .
634
سابع ا: فهرس الموضوعات
العنوان الصفحة
الإهداء
ت
شكر وعرفان
ث
المقدمة
ح ش -
الفصل التمهيدي: التعريف بالقدسية والبركة وأثرهما في الاعتقاد عند أهل الملل
المبحث الأول/ التعريف بالقدسية والبركة وبالأديان الثلاثة
المطلب الأول: معنى القدسية والبركة لغة
5
أولاً: معنى القدسية
5
ثاني اً: معنى البركة
8
المطلب الثاني: معنى القدسية والبركة اصطلاح اً
12
أولا: القدسية في الاصطلاح الشرعي
12
ثاني اً: البركة في الاصطلاح الشرعي
14
خلاصة المطلب
18
المطلب الثالث: التعريف بالمسلمين وأهل الكتاب
19
أولا : الإسلام
19
أ الإسلام لغة -
19
ب الإسلام اصطلاح اً -
22
ثاني اً: أهل الكتاب
22
القسم الأول: اليهودية
24
م ا رحل تاريخ اليهود في الأرض المقدسة
29
القسم الثاني: النص ا رنية
52
م ا رحل تاريخ النصارى في الأرض المقدّسة
51
المبحث الثاني/ علاقة القدسية والبركة بالاعتق اد عند أهل الملل:
المطلب الأول: تقديس الأماكن والأشخاص لدى ملل وفرق مختلفة
99
خلاصة المطلب
44
المطلب الثاني: أثر العتقاد بالقدسية والبركة على السلوك والواقع
45
635
خلاصة المطلب
82
الفصل الأول: عقيدة اليهود في الأرض المقدسة
المبحث الأول/ العوامل المؤثرة على العقيدة اليهودية:
المطلب الأول: مصادر الفكر اليهودي
83
أولاً: العهد القديم "التو ا رة"
83
ثاني اً: التلمود
84
ثالث اً: فتاوى الحاخامات
91
نماذج من فتاوى الحاخامات
94
ا ربع اً: بروتوكولات حكماء صهيون
94
خلاصة المطلب
122
المطلب الثاني: المؤث ا رت والظروف الموضوعية
123
أولا: الحروب وضياع التو ا رة
123
ثاني اً: الاحتكاك بالأقوام والحضا ا رت الأخرى
124
ثالث اً: فترة السبي والتشتت
112
المطلب الثالث: مناقشة مصادر العقيدة اليهودية
114
أولا : قطعية ثبوت التحريف
114
ثاني اً: بطلان النسبة وانقطاع السند
114
ثالث اً: اختلاف فرقهم على أسفارهم
123
ا ربع اً: اختلاف الترجمات والنُسخ
129
خامس اً: التو ا رة من منظور العلم
128
خلاصة المطلب
131
المبحث الثاني/ عقيدة اليهود في الأرض المقدسة والرد عليهم:
المطلب الأول: القدسية والبركة في العقيدة اليهودية
133
تسلسل القداسة والبركة
133
ارتباط البركة باللعنة!
139
قدسية خاصة )لشعب إس ا رئيل(
134
العلاقة بين الأرض المقدّسة والبركة التو ا رتية
142
خلاصة المطلب
143
636
المطلب الثاني: أنواع القدسية والبركة في الت ا رث اليهودي
145
أولا : القدسية والبركة من حيث المعنى
145
معنى )القدس( وأنواعها في العهد القديم
149
ثاني اً: أنواع القدسية والبركة من حيث المصدر
154
0. بركة وقدسية مصدرها الربّ
154
1. بركة وقدسية مصدرها البشر
154
خلاصة المطلب
193
المطلب الثالث: جغ ا رفيا الأرض المقدّ سة في الت ا رث اليهودي
194
حدود الأرض الموعودة في التو ا رة
194
الحدود الإجمالية
198
الحدود التفصيلية
141
الطموحات التو ا رتية المعاصرة
144
خلاصة المطلب
149
المطلب ال ا ربع: اعتقاد اليهود بالحق الديني والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم
144
أولا : اعتقاد اليهود بالحق الديني
144
صدى الوعد في العصر الحديث
182
الردّ على الحق الديني
181
ثاني اً: اعتقاد اليهود بالحق التاريخي
188
الرد على الحق التاريخي
192
خلاصة المطلب
195
المطلب الخامس: اضط ا رب واختلاف الطوائف اليهودية في هذه العقيدة
199
أولا : السامريون لا يعترفون بالقدس
199
ثاني اً: حركة التنوير والاندماج اليهودي
198
ثالثاً: تناقض الصهيونية مع عقيدة الماشيّح
199
ا ربع اً: التناقض بين اليهودية والصهيونية
221
خامس اً: جماعة "ناطوري كارتا"
223
سادس اً: التناقض بين الصهيونية والصهيونيين
225
خلاصة المطلب
224
637
المبحث الثالث/ الصهيونية وعلاقتها بعقيدة اليهود في الأرض المقد سة:
المطلب الأول: تعريف عام بالصهيونية وأساسها الديني والفكري
229
أساس فكرة الصهيونية
229
الجذر التاريخي لفكرة الصهيونية
212
الصهيونية والاستعمار
215
الصهيونية واللاسامية
218
خلاصة المطلب
221
المطلب الثاني: علاقة الفكر الصهيوني بعقيدة اليهود في الأرض المقدسة
222
جذور الصهيونية في عقيدة اليهود
222
المسيح المخلّص بين الديانة اليهودية والصهيونية
225
الشعب المختار بين الديانة اليهودية والصهيونية
224
صهاينة يستندون في صهيونيتهم إلى الدين
228
خلاصة المطلب
233
المبحث ا لرابع/ آثار ا لعقيدة ا ليهودية في ا لأرض ا لمقدسة:
المطلب الأول: مجازر الصهاينة في فلسطين وعلاقتها بعقيدة اليهود
235
العنف في العهد القديم
239
العنف اليهودي المعاصر
242
خلاصة المطلب
249
المطلب الثاني: التوسع الستيطاني وجدار الفصل وعلاقتهما بعقيدة اليهود
248
أولا : الاستيطان اليهودي
248
أصل الاستيطان في التو ا رة
252
الاستيطان اليهودي المعاصر
253
ثاني اً: جدار الفصل اليهودي
255
الجدار في عقيدة اليهود
259
خلاصة المطلب
292
المطلب الثالث: تهويد القدس وعلاقته بعقيدة اليهود
292
القدس في العهد القديم
292
تهويد القدس حديث اً
299
638
خلاصة المطلب
244
المطلب ال ا ربع: هيكل سليمان في العقيدة اليهودية
249
الهيكل في العهد القديم
249
التناقض في بنية عقيدة الهيكل
281
أحلام الهيكل عند اليهود المعاصرين
283
متى يُبنى الهيكل؟
288
خلاصة المطلب
289
المطلب الخامس: فكرة المسيح عند اليهود وعلاقتها بالأرض المقدسة
291
فكرة المخلّص في العهد القديم
291
مناقشة فكرة الماشيّح المخلّص
294
خلاصة المطلب
321
الفصل الثاني: عقيدة الن سة:
ّ
صارى في الأرض المقد
المبحث ا لأول/ العوامل ا لمؤثرة على ا لعقيدة ا لنصرانية:
المطلب الأول: مصادر الفكر النص ا رني
323
أولا : العهد القديم
324
ثاني اً: العهد الجديد
325
ثالث اً: أفكار و إلهامات "بولس"
311
ا ربع اً: المجامع النص ا رنية
313
خلاصة المطلب
314
المطلب الثاني: المؤث ا رت والظروف الموضوعية
319
أولا : ضياع الإنجيل الأصلي
319
ثاني اً: تعدد الأسفار واختلافها
322
ثالث اً: الاضطهادات
322
ا ربع اً: التأثر بالعقائد الأخرى
329
خلاصة المطلب
333
المطلب الثالث: مناقشة مصادر العقيدة النص ا رنية
334
أولاً: ثبوت وقوع التحريف
334
ثاني اً: بطلان النسبة وانقطاع السند
338
639
ثالث اً: تناقضات الأناجيل
342
خلاصة المطلب
349
المبحث الثاني/ عقيدة النصارى في الأرض المقدسة والرد عليهم:
المطلب الأول: القدسية والبركة في العقيدة النص ا رنية
351
أولا : تقديس المسيح
351
ثاني اً: تقديس تلاميذ المسيح
358
ثالث اً: تقديس الناموس
391
ا ربع اً: تقديس الكنيسة
393
خامس اً: تقديس الصليب
395
خلاصة المطلب
398
المطلب الثاني: أنواع القدسية والبركة في الت ا رث النص ا رني
342
الروح القدس
342
من أنواع التقديس والبركة
344
0( تقديس اسم الآب
348
1( الآب يقدّس ابنه وأتباعه
348
3( يسوع يقدّس ذاته وتلاميذه
349
4( الهيكل يقدّس الأشياء
382
5( القُبلة المقدّسة
381
6( الكأس المباركة والخبز المقدّس
381
خلاصة المطلب
382
المطلب الثالث: اعتقاد النصارى بالحق الديني والتاريخي في الأرض المقدسة ومناقشتهم
383
تمهيد
383
موقف العهد الجديد من الوعد المقدّس
384
الأرض المقدّسة في العهد الجديد
393
أولا : موضع ميلاد المسيح
393
ثاني اً: القدس )أورشليم( في العهد الجديد
395
مقدّسات النصارى في فلسطين
421
مناقشة اعتقاد النصارى في الأرض المقدّسة
424
641
خلاصة المطلب
428
المطلب ال ا ربع: اضط ا رب وتباين الطوائف النص ا رنية في هذه العقيدة
429
أولا : موقف مسيحيي القرن الأول
412
ثاني اً: موقف الآريوسيين
411
ثالث اً: دور قسطنطين
411
ا ربع اً: عدم مركزية "أورشليم"
412
خامس اً: تشتت كنائس القدس
413
خلاصة المطلب
414
المبحث ا لثالث/ آثار ا لعقيدة ا لنصرانية في ا لأرض ا لمقد سة:
المطلب الأول: الحروب الصليبية على الأرض المقدسة
422
العنف في العهد الجديد
422
الحماسة الدينية للحروب الصليبية
423
جذور دينية سابقة
429
النتائج الدموية القاسية
428
دوافع أخرى
432
خلاصة المطلب
432
المطلب الثاني: الصهيونية المسيحية ودورها في تثبيت اليهود في الأرض المقدّسة
432
من رواد الصهيونية المسيحية
439
الألفية السعيدة و معركة هرمجدّون
438
منظمات مسيحية صهيونية
442
خلاصة المطلب
445
المطلب الثالث: مظاهر الدعم الغربي )النص ا رني( المعاصر لليهود في الأرض المقدسة
444
أولا : الدعم العسكري
444
ثاني اً: الدعم الاقتصادي
452
ثالث اً: الدعم السياسي والمعنوي
453
ا ربع اً: الدعم الثقافي والإعلامي
454
خلاصة المطلب
459
الفصل الثالث: عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة:
640
المبحث الأول/ مصادر عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة:
تمهيد
493
المطلب الأول: مصادر الحق الديني للمسلمين في الأرض المقدّسة
494
أولا : الق آ رن الكريم
494
الوعد بالأرض )للمسلمين( في الق آ رن الكريم
499
0( قاعدة المُلك المطلق
499
1( قاعدة و ا رثة الأرض
442
3( قاعدة الاستخلاف والتمكين
442
4( قاعدة التداول
444
ثاني اً: السنة النبوية
445
0( مكانة السنّة في الق آ رن
449
1( السنّة متمّمة للق آ رن
444
3( السنّة وحي محفوظ
448
4( بشرى كل الرسالات بمحمد
449
5( موثوقية نقل السنّة
449
خلاصة المطلب
481
المطلب الثاني: مصادر الحق التاريخي للمسلمين في الأرض المقدّسة
482
أولا : المصدر التاريخي الرباني
482
ثاني اً: المصدر التاريخي البشري
489
أسبقية العرب في سكنى فلسطين
492
فلسطين في ظل الإسلام
493
خلاصة المطلب
499
المبحث ا لثاني/ عقيدة ا لمسلمين في ا لأرض ا لمقدسة:
المطلب الأول: مفهوم القدسية والبركة عند المسلمين
498
القدوس هو الله
498
روح القدس جبريل
522
مصدر القدسية والبركة
522
نتائج الفهم الإسلامي للقداسة
529
641
خلاصة المطلب
528
المطلب الثاني: مكانة الأرض المقدسة في العقيدة الإسلامية
529
0. أرض الإس ا رء والمع ا رج
529
1. أرض بارك الله فيها
511
3. القِبلة الأولى
513
4. ثاني مسجدٍ في الأرض
514
5. الحثّ على شدّ الرّحال إلى الأقصى
515
6. ثواب زيارة الأقصى والصلاة فيه
519
7. فضائل الشام عامّة 518
خلاصة المطلب
522
المطلب الثالث: الأرض المقدسة وملاحم آخر الزمان
521
إفساد اليهود في الأرض المقدّسة
521
انتصار المسلمين على اليهود آخر الزمان
523
الأرض المقدّسة موطن الخلافة قبيل الساعة
525
الأرض المقدّسة والعلامات الكبرى
529
أرض المحشر والمنشر
529
خلاصة المطلب
532
المبحث الثالث/ آثار عقيدة المسلمين في الأرض المقدسة:
المطلب الأول: الفتح الإسلامي للأرض المقدسة
534
بدايات الفتح
534
معركة أجنادين
539
معركة اليرموك
538
الفتح العمري للقدس
542
نظرة إلى الفتح الإسلامي لفلسطين
542
خلاصة المطلب
545
المطلب الثاني: وقفيّة فلسطين في الإسلام
549
مفهوم الأرض الوقفية
549
موقف عمر بن الخطاب
548
643
أرض فلسطين خ ا رجيّة
552
حكم التصرف في أرض الوقف الخ ا رجية
553
خلاصة المطلب
559
المطلب الثالث: وجوب الجهاد لسترداد الأرض المقدسة
554
الجهاد في الق آ رن الكريم
554
الجهاد في السنّة النبوية
592
الجهاد في فلسطين خاصة 592
الجهاد عند علماء الإسلام
594
خلاصة المطلب
598
المطلب ال ا ربع: حكم الإسلام في التفريط بشيء من الأرض المقدسة
599
فتاوى العلماء في حكم التنازل عن فلسطين
599
فتاوى قبل الاحتلال
542
فتاوى بعد الاحتلال
542
خلاصة المطلب
544
النتائج والتوصيات
أول : نتائج البحث
549
ثاني اً: التوصيات
583
الفهارس
أول : فهرس الآيات القرآنية
584
ثاني اً: فهرس الأحاديث النبوية
599
ثالث اً: فهرس الأعلام
921
ا ربع اً: فهرس الأماكن
925
خامس اً: فهرس الفِرق والمصطلحات
924
سادس اً: فهرس المصادر والم ا رجع
929
سابع اً: فهرس الموضوعات
934
ملخص البحث
944
Abstract
945
644
ملصص البحث
تناول الباحث بالمقارنة والتحليل عقائد كلّ من اليهود والنصارى والمسلمين في الأرض
المقدّسة، إذ وقع البحث في أربعة فصول، أولها فصلٌ تمهيدي بيّن فيه الباحث المفهوم العام
للقدسية والبركة لغة واصطلاحاً، وعلاقتهما بالاعتقاد عند أهل الملل المختلفة، كما تضمّن الفصل
التمهيدي إيجا ا زً عاماً بتاريخ كلّ ملة من الملل الثلاث موضع البحث في الأرض المقدسة، أي
أرض فلسطين.
وناقش الباحث في الفصل الأول عقيدة اليهود في التقديس وفي الأرض المقدّسة، في أربعة
مباحث؛ تفصّل هذه المباحث العوامل المؤثرة على العقيدة اليهودية، ثم اعتقادهم الخاص بأرض
فلسطين، ثم الصهيونية وعلاقتها بهذه العقيدة، وختم الفصل بالآثار المترتبة على عقيدة اليهود في
الأرض المقدّسة.
وجاء الفصل الثاني مبيناً لعقيدة النصارى في الأرض المقدّسة، مقسّماً إلى ثلاثة مباحث؛
أوضح فيها الباحث العوامل المؤثرة على العقيدة النص ا رنية بوجه عام، ثم فصّل في اعتقاد النصارى
في أرض فلسطين، وختم الفصل ببيان آثار عقيدة النصارى في الأرض المقدّسة.
أما الفصل الثالث، فخصصه الباحث لآخر الملل زماناً وأعظمها قد ا رً ومكاناً، وهي ملّة
الإسلام الخاتمة، وقسّم الباحث الفصل إلى ثلاثة مباحث، بيّن في أوّلها مصادر عقيدة المسلمين
في الأرض المقدّسة، وفي ثانيها فصّل في عقيدة المسلمين في أرض فلسطين المباركة، وفي
المبحث الأخير أوضح الباحث آثار عقيدة المسلمين في هذه الأرض.
وختم الباحث هذا البحث بجملة من النتائج والتوصيات التي خلص إليها.
والحمد لله رب العالمين
645
Abstract
The researcher compares & analyzes doctrines of Jews, Christians & Muslims in the Holy Land. The research is divided into four chapters, the first chapter is introductory, the researcher clarifies the general concept of sacredness and blessing & their relationship with the religions, the introductory chapter also included a briefing on the history of each religion in the Holy Land (Palestine).
The first chapter explains the doctrine of Jews in sanctification in the Holy Land. This chapter is divided into four sections; the sections explain the factors that affecting the Jewish doctrine, their doctrine in land of Palestine & the Zionism & its relationship to this doctrine. The end of the chapter discusses the implications of the Jews doctrine in the Holy Land.
The second chapter explains the doctrine of Christians in the Holy Land. This chapter is divided into three sections; the researcher explains the factors affecting the Christian doctrine in general, the doctrine of Christians in the land of Palestine & the effects of Christian doctrine in the Holy Land.
The third chapter discusses the last & greatest religion, which is the religion of Islam. The researcher divided the chapter into three sections. In the first section, he clarifies the doctrine of Muslims in the Holy Land. In the second section, he explains the doctrine of Muslims in the land of Palestine. In Section last section, he explains the effects of Muslims' doctrine in this land.
The researcher ends his research with conclusions & recommendations.